حمل مصاحف


فهرس القرآن الكريم الكريمmp3 القرآن الكريم مكتوب

9مصاحف
/ / / /  / / /

شكرا للفريق المجتهد

شكرا لبلوجر وفريقه المحترمين- Thanks to blogger and his respected team

الثلاثاء، 22 نوفمبر 2022

 ج1.وج2. كتاب الناسخ والمنسوخ أحمد بن محمد بن إسماعيل المرادي النحاس

 

ج1.وج2. كتاب الناسخ والمنسوخ أحمد بن محمد بن إسماعيل المرادي النحاس
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله شكرا لأنعمه
أخبرنا الشيخ الجليل أبو الحسن علي بن ابراهيم بن سعيد الحوفي النحوي رحمة الله عليه قال أخبرنا الشيخ أبو بكر محمد بن علي بن أحمد الإدوفي في شوال سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة قال قال أبو جعفر أحمد بن محمد بن إسماعيل النحاس النحوي أبتدئ في هذا الكتاب وهو كتاب الناسخ والمنسوخ بحمد الله الواحد الجبار العزيز القهار المتعبد خلقه بما يكون لهم فيه الصلاح وما يؤديهم إن عملوا به إلى الفلاح وصلى الله على محمد رسوله الأمين وعلى أله الطيبين وعلى جميع أنبيائه المرسلين بالحكم والنصح للأمم فمن مرسل بنسخ شريعة قد كانت وإثبات أخرى قد كتبت ومن مرسل بتثبيت شريعة من كان قبله ومن مرسل بأمر قد علم الله عز و جل أنه الى وقت بعينه ثم ينسخه بما هو

خير للعباد في العاجل وأنفع لهم في الأجل أو بما هو مثله ليمتحنوا ويثابوا كما قال الله عز و جل ما ننسخ من ءاية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها
وقال عز و جل وإذا بدلنا ءاية مكان ءاية والله أعلم بما ينزل قالوا إنما أنت مفتر بل أكثرهم لايعلمون
فتكلم العلماء من الصحابة والتابعين في الناسخ والمنسوخ ثم اختلف المتأخرون فيه فمنهم من جرى على سنن المتقدمين فوافق ومنهم من خالف ذلك فاجتنب
فمن المتأخرين من قال ليس في كتاب الله عز و جل ناسخ ولا منسوخ وكابر العيان واتبع غير سبيل المؤمنين

ومنهم من قال النسخ يكون في الأخبار والأمر والنهي

قال أبو جعفر وهذا القول عظيم جدا يؤول في الكفر لأن قائلا لو قال قام فلان ثم قال لم يقم فقال نسخته لكان كاذبا وقد غلط بعض المتأخرين فقال إنما الكذب فيما مضى فأما في المستقبل فهو خلف وفي كتاب الله عز و جل غير ما قال قال الله عز و جل فقالوا يليتنا نرد ولا نكذب بآيت ربنا ونكون من المؤمنين
ثم قال جل ثناؤه بل بدا لهم ما كانوا يحفون من قبل ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكذبون
وقال أخرون بل الناسخ والمنسوخ إلى الإمام ينسخ ما شاء وهذا القول أعظم من ذلك لأن النسخ لم يكن الى النبي إلا بالوحي من الله

عز و جل إما بقرآن مثله على قول قوم وإما بوحي من غير القرآن فلما ارتفع هذان بموت النبي ارتفع النسخ

وقال قوم لا يكون النسخ في الأخبار إلا فيما كان فيه حكم فإذا كان فيه حكم جاز فيه النسخ وفي الأمر والنهي
وقال قوم النسخ في الأمر والنهي خاصة
وقول سادس عليه أئمة العلماء وهو أن النسخ إنما يكون في المتعبدات لأن الله جل وعز له أن يتعبد خلقه بما شاء وإلى أى وقت شاء ثم يتعبدهم بغيرذلك فيكون النسخ في الأمر والنهي وما كان في معناهما وهذا يمر بك مشروحا في مواضعه إذا ذكرناه
ونذكر إختلاف الناس في نسخ القرآن بالقرآن وفي نسخ القرآن بالقرآن والسنة وفي نسخ السنة بالقرآن ونذكر أصل النسخ في كلام العرب لنبني الفروع على الأصل ونذكر اشتقاقه ونذكر على كم يأتي من ضرب ونذكر الفرق بين النسخ والبداء فإنا لا نعلم أحدا ذكره في كتاب ناسخ ولا منسوخ وإنما يقع الغلط علم من لم يفرق بين النسخ والبداء والتفريق بينهما مما يحتاج المسلمون الى الوقوف عليه لمعارضة اليهود والجهال

فيه ونذكر الناسخ والمنسوخ على ما في السور ليقرب حفظه على من أراد تعلمه فإذا كانت السورة فيها ناسخ أومنسوخ ذكرناها وإلا أضربنا عن ذكرها إلا أنا نذكر إنزالها أكان بمكة أم بالمدينة وإن كانت فيها إطالة نضطر إلى ذكرها أخرناها وبدأنا بما يقرب ليسهل حفظه
ونبدأ بباب الترغيب في تعلم الناسخ والمنسوخ عن العلماء الراسخين والأئمة المتقدمين وبالله التوفيق

باب الترغيب في تعلم الناسخ والمنسوخ
قال أبو جعفر أحمد بن محمد حدثنا محمد بن جعفر بن أبي داود الأنباري بالأنبار قال حدثنا يحيى بن جعفر قال حدثنا معاوية بن عمرو عن أبي إسحاق عن عطاء بن السائب عن أبي البختري قال

دخل علي بن أبي طالب رضي الله عنه المسجد فإذا رجل يخوف الناس فقال ما هذا فقالوا رجل يذكر الناس فقال ليس برجل يذكر الناس ولكنه يقول أنا فلان ابن فلان فاعرفوني فأرسل إليه أتعرف الناسخ من المنسوخ فقال لا قال فاخرج من مسجدنا ولا تذكر فيه
وحدثنا محمد بن جعفر قال أخبرنا عبد الله بن يحيى قال حدثنا أبو نعيم قال حدثنا سفيان الثوري عن أبي حصين عن أبي

عبدالرحمن السلمي قال انتهى علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى رجل يقص فقال أعلمت الناسخ من المنسوخ فقال لا فقال هلكت وأهلكت
وحدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا محمد بن ديسم قال أخبرنا سليمان قال حدثنا شعبة عن أبي حصين عن أبي عبد الرحمن السلمي قال مر علي بن أبي طالب رضي الله عنه برجل يقص فقال أعرفت الناسخ والمنسوخ قال لا قال هلكت وأهلكت

وحدثنا بكر بن سهل قال أخبرنا أبو صالح عبد الله بن صالح قال حدثنا معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قول الله عز و جل ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا
قال المعرفة بالقرآن ناسخه ومنسوخه ومحكمه ومتشابهه ومقدمه ومؤخره وحرامه وحلاله وأمثاله
قال أبو جعفر حدثنا محمد بن جعفر قال أخبرنا عبدالله بن يحيى قال أخبرنا أبو نعيم عن سلمة بن نبيط عن الضحاك بن مزاحم

قال مر ابن عباس بقاص يقص فركله برجله وقال أتدري ما الناسخ من المنسوخ قال لا قال هلكت وأهلكت
قال أبوجعفر وحدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا ابن ديسم عن موسى عن أبي هلال الراسبي قال سمعت محمدا وحدثت عنه قال قال حذيفة إنما يفتي الناس أحد ثلاثة رجل يعلم منسوخ القرآن وذاك عمر ورجل قاض لايجد من القضاء بدا ورجل متكلف فلست بالرجلين الماضيين وأكره أن أكون الثالث
قال أبو جعفر وحدثنا محمد بن جعفر قال أخبرنا ابن ديسم عن موسى عن حماد بن سلمة عن عطاء عن أبي البحتري أن عليا رضي الله

عنه دخل مسجد الكوفة فرأى قاصا يقص فقال ماهذا فقالوا رجل محدث فقال إن هذا يقول اعرفوني سلوه هل يعرف الناسخ من المنسوخ فسألوه فقال لا فقال لاتحدث

باب اختلاف العلماء في الذي ينسخ القرآن والسنة
قال أبو جعفر للعلماء في هذا خمسة أقوال فمنهم من يقول ينسخ القرآن القرآن والسنة وهذا قول الكوفيين
ومنهم من يقول ينسخ القرآن القرآن ولا يجوز أن تنسخه السنة وهذا قول الشافعي رحمه الله في جماعة معه
وقال قوم ينسخ السنة القرآن والسنة
وقال قوم ينسخ السنة السنة ولاينسخها القرآن
والقول الخامس قال محمد بن شجاع قال الأقوال قد تقابلت فلا أحكم على أحدها بالأخر
قال أبو جعفر وحجة أصحاب القول الأول في أن القرآن ينسخ القرآن والسنة قول الله عز و جل وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا
وقال جل ثناؤه فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن

تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم
وقال جل وعز فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم
وقد أجمع الجميع على أن القرآن إذا نزل بلفظ مجمل ففسره رسول الله وبينه كان بمنزلة القرآن المتلو وكذا سبيل النسخ واحتجوا بآيات من القرآن تأولوها على نسخ القرآن بالسنة ستمر في السور إن شاء الله
واحتج من قال لا ينسخ القرآن إلا قرآن بقوله عز و جل نأت بخير منها أو مثلها
وبقوله تعالى قل ما يكون لي أن أبدله من تلقائى نفسى
وأصحاب القول الأول يقولون لم ينسخه من قبل نفسه ولكنه بوحي غير القرآن وهكذا سبيل الأحكام إنما يكون من قبل الله عز و جل
وقد روى الضحاك عن ابن عباس نأت بخير منها نجعل مكانها أنفع لكم منها وأخف عليكم أو مثلها في المنفعة أو ننساها يقول أو نتركها كما هى فلا ننسخها
واحتج أصحاب القول الثالث في أن السنة لا ينسخها إلا سنة بأن السنة هى المبينة للقرآن فلا ينسخها
والحجة عليهم أن القرآن هو المبين بنبوة رسول الله والآمر بطاعته فكيف لا ينسخ قوله

قال أبو جعفر وفي هذا أشياء قاطعة قال الله عز و جل فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار فننسخ بهذا ما فارق النبي عليه المشركين
ومن هذا أن بكر بن سهل حدثنا قال أخبرنا عبدالله بن يوسف قال أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن اليهود جاءوا إلى رسول

الله فقالوا إن رجلا منا وإمرأة زنيا فقال لهم النبي ما تجدون في التوراة في شأن الرجم فقال نجلدهم ويفضحون فقال لهم عبدالله بن سلام كذبتم إن فيها للرجم فذهبوا فأتوا بالتوراة فنشروها فجعل رجل منهم يده على آية الرجم ثم قرأ ما قبلها وما بعدها فقال له عبد الله بن سلام ارفع يدك فرفعها فإذا فيها آية الرجم فقالوا صدق
يا محمد إن فيها آية الرجم فأمر بهما رسول الله فرجما قال عبد الله بن عمر فرأيته يحنأ على المرأة يقيها الحجارة
قال أبو جعفر وهذا من النبي لا يكون إلا من قبل أن ينزل عليه في الزناة شيء ثم نسخ الله عز و جل فعله هذا بقوله جل ثناؤه واللاتى يأتين الفاحشة من نسائكم
وما بعده
حكى أهل اللغة يقال حنأ فلان على فلان إذا أكب عليه وفي الحديث أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه حنأ على رسول الله بعد موته فقبل بين عينيه وقال طبت حيا وميتا

باب أصل النسخ واشتقاقه
اشتقاق النسخ من شيئين أحدهما أنه يقال نسخت الشمس الظل إذا أزالته وحلت محله ونظير هذا قوله تعالى فينسخ الله ما يلقى الشيطان والأخر من نسخت الكتاب إذا نقلته من نسخة وعلى هذا الناسخ والمنسوخ وأصله أن يكون الشيء حلالا إلى مدة ثم ينسخ فيجعل حراما أو يكون حراما فيجعل حلالا أو يكون محظورا فيجعل مباحا أو مباحا فيجعل محظورا يكون هذا في الأمر والنهي والحظر والإطلاق والإباحة والمنع

باب النسخ على كم يكون من ضرب
قال أبو جعفر أكثر النسخ في كتاب الله عز و جل على ما تقدم في الباب الذي قبل هذا أن يزال الحكم بنقل العباد عنه مشتق من نسخت الكتاب ويبقى المنسوخ متلوا
كما حدثنا محمد بن جعفر الأنباري قال حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح قال حدثنا شبابة عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد ما ننسخ من ءاية قال نزيل حكمها ونثبت خطها

ونسخ ثان كما حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا ابن ديسم قال حدثنا أبو عمر الدوري عن الكسائي في قوله عز و جل وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته قال في تلاوته فينسخ الله ما يلقي الشيطان قال يزيله فلا يتلى ولا يثبت في المصحف
قال أبوجعفر هذا مشتق من نسخت الشمس والظل وقد زعم أبو عبيد أن هذا النسخ الثاني قد كان ينزل على النبي السورة فترفع ولا تتلى ولا تكتب واحتج أبو عبيد بأحاديث صحيحة السند
وخولف أبو عبيد فيما قال والذين خالفوه على قولين

منهم من قال لا يجوز ما قال ولا يسلب النبي شيئا من القرآن بعدما نزل عليه واحتجوا بقوله عز و جل ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك
والقول الأخر أن أبا عبيد قد جاء بأحاديث إلا أنه غلط في تأويلها لأن تأويلها على النسيان لا على النسخ وقد تأول مجاهد وقتاة أو ننسها على هذا من النسيان
قال أبو جعفر وهو معنى قول سعد بن أبي وقاص وفيه قولان آخران أحدهما عن ابن عباس رحمه الله قال ما ننسخ من ءاية نرفع حكمها أو ننسها نتركها فلا ننسخها وقيل ننسها نبيح لكم تركها وعلى قراءة البصريين ننسها
قال أبو جعفر أحسن ما قيل في معناه أو نتركها ونؤخرها فلا ننسخها
ونسخ ثالث وهو من نسخت الكتاب لم يذكر أبو عبيد إلا هذه الثلاثة

وذكر غيره رابعا فقال تنزل الآيه وتتلى في القرآن ثم تنسخ فلا تتلى في القرآن ولا تثبت في الخط ويكون حكمها ثابتا
كما روى الزهري عن عبيد الله عن ابن عباس قال خطبنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال كنا نقرأ الشيخ والشيخة إن زنيا فارجموهما البتة بما قضيا من اللذة
قال أبو جعفر وإسناد الحديث صحيح إلا أنه ليس حكمه حكم القرآن الذي نقله الجماعة عن الجماعة ولكنه سنة ثابتة وقد يقول الإنسان كنت أقرأ كذا لغير القرآن والدليل على هذا أنه قال ولولا أني أكره أن يقال زاد عمر في القرآن لزدتها

باب الفرق بين النسخ والبداء
قال أبو جعفر الفرق بين النسخ والبداء أن النسخ تحويل العباد من شيء قد كان حلالا فيحرم أو كان حراما فيحلل أو كان مطلقا فيحظر أو كان محظورا فيطلق أو كان مباحا فيمنع أو ممنوعا فيباح إرادة الصلاح للعباد
وقد علم الله عز و جل العاقبة في ذلك وعلم وقت الأمر به أنه سينسخه إلى ذلك الوقت فكان المطلق على الحقيقة غير المحظور فالصلاة كانت إلى بيت المقدس إلى وقت بعينه ثم حظرت وصيرت إلى الكعبة وكذا قوله عز و جل إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة وقد علم الله عز و جل أنه إلى وقت بعينه ثم نسخه في ذلك الوقت وكذا تحريم السبت كان في وقت بعينه على قوم ثم نسخ وأمر قوم أخرون بإباحة العمل فيه
كان الأول المنسوخ حكمة وصوابا ثم نسخ وأزيل بحكمة وصواب كما تزال الحياة بالموت وكما تنقل الأشياء فلذلك لم يقع النسخ في الأخبار لما فيها من الصدق والكذب
وأما البداء فهو ترك ما عزم عليه كقولك امض الى فلان اليوم ثم تقول لاتمض إليه فيبدو لك عن القول الأول وهذا يلحق البشر لنقصانهم وكذا إذا قلت ازرع كذا في هذه السنة ثم قلت لاتفعل فهذا البداء وإن قلت يا فلان ازرع فقد علم أنك تريد مرة واحدة وكذا النسخ إذا أمر الله عز و جل بشيء في وقت نبي أو في وقت يتوقع فيه

نبي فقد علم أنه حكمة وصواب إلى أن ينسخ وقد نقل من الجماعة من لايجوز عليهم الغلط نسخ شرائع الأنبياء من لدن ادم الى وقت نبينا وهم الذين نقلوا علامات الأنبياء
وقد غلط جماعة في الفرق بين النسخ والبداء كما غلطوا في تأويل أحاديث حملوها على النسخ أو على غير معناها

باب ذكر بعض هذه الأحاديث
فمن ذلك ما حدثنا بكر بن سهل قال حدثنا عبدالله بن يوسف قال أخبرنا مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن عمرة عن عائشة رضي الله عنها قالت كان فيما نزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن فنسخت بخمس معلومات يحرمن فتوفى رسول الله وهن مما يقرأ من القرآن
قال أبو جعفر فتنازع العلماء هذا الحديث لما فيه من الإشكال
فمنهم من تركه وهو مالك بن أنس رحمه الله وهو راوي الحديث ولم يروه عن عبد الله سواه وقال رضعة واحدة تحرم وأخذ بظاهر القرآن قال الله عز و جل وأخواتكم من الرضاعة

وممن تركه أحمد بن محمد بن حنبل رحمه الله وأبو ثور وقالا يحرم ثلاث رضعات لقول النبي لا تحرم المصة أو المصتان
قال أبو جعفر وفي الحديث لفظة شديدة الإشكال وهى قولها فتوفى رسول الله وهن مما يقرأ من القرآن فقال بعض جلة أصحاب الحديث قد روى هذا الحديث رجلان جليلان أثبت من عبد الله بن أبي بكر فلم يذكرا هذا فيه وهما القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق

رضي الله عنه ويحيى بن سعيد الأنصاري
وممن قال بهذا الحديث وأنه لاتحرم إلا خمس رضعات الشافعي
فاما القول في تأويل وهن مما يقرأ من القرآن فقد ذكرنا رد من رده ومن صححه قال الذي يقرأ من القرآن وأخواتكم من الرضاعة فأما قول من قال إن هذا كان يقرأ بعد وفاة رسول الله فعظيم لأنه لو كان مما يقرأ لكانت عائشة رضي الله عنها قد نبهت عليه ولكان قد نقل إلينا في المصاحف التي نقلها الجماعة الذين لا يجوز عليهم الغلط وقد قال الله عز و جل إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحفظون
وقال جل وعز إن علينا جمعه وقرءانه
ولو كان بقي منه شيء لم ينقل إلينا لجاز أن يكون ما لم ينقل ناسخا لما نقل فيبطل العمل بما نقل ونعوذ بالله من هذا فإنه كفر
قال أبو جعفر ومما يشكل من هذا ما رواه الليث بن سعد عن يونس عن الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام قال قرأ رسول الله بمكة والنجم إذا هوى فلما بلغ أفرءيتم اللات والعزى قال فإن شفاعتهن ترتجى فسها

فلقيه المشركون والذين في قلوبهم مرض فسلموا عليه وفرحوا فقال لهم إنما ذلك من الشيطان فأنزل الله عز و جل وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله ءاياته
وقال قتادة قرأ فإن شفاعتهن ترتجى وإنهن لهن الغرانيق العلا
قال أبو جعفر الحديثان منقطعان والكلام على التأويل فيهما قريب فقال قوم هذا على التوبيخ أى تتوهمون هذا وعندكم أن

شفاعتهن ترتجى ومثله وتلك نعمة تمنها علي أن عبدت بني إسرائيل وقيل إن شفاعتهن ترتجى على قولكم ومثله فلما رءا الشمس بازغة قال هذا ربي ومثله أين شركاءى أي على قولكم
وقيل المعنى والغرانيق العلا يعني الملائكة ترتجي شفاعتهم فسها يدلك على هذا الجواب
وقيل إنما قال الله عز و جل ألقى الشيطان فى أمنيته ولم يقل إنه قال كذا فيجوز أن يكون شيطان ألقى هذا من الجن أو من الإنس
ومما يشكل من هذا الحديث في أن قوله جل وعز وإن تبدوا ما

في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله نسخه لا يكلف الله نفسا إلا وسعها
وهذا لا يجوز أن يقع فيه نسخ لأنه خبر ولكن التأويل في الحديث لأن فيه لما أنزل الله عز و جل وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله اشتد عليهم ووقع بقلوبهم منه شيء عظيم فنسخ ذلك لا يكلف الله نفسا إلا وسعها أى فنسخ ما وقع بقلوبهم أي أزاله ورفعه
ومن هذا المشكل قوله جل وعز والذين لا يدعون مع الله إلها ءاخر إلى ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب

يوم القيامة ويخلد فيه مهانا إلا من تاب ثم نسخه ومن يقتل مؤمنا متعمدا
وهذا لا يقع فيه ناسخ ولا منسوخ لأنه خبر ولكن تأويله إن صح نزل بنسخته والآيتان واحد يدلك على ذلك قوله عز و جل وإني لغفار لمن تاب
ومن هذا يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله حق تقاته قال عبد الله بن مسعود نسخها فاتقوا الله ما استطعتم أي نزل بنسختها وهما واحد والدليل على ذلك قول عبدالله بن مسعود حق تقاته أن يطاع فلا يعصى وأن يشكر فلا يكفر وأن يذكر فلا ينسى فهذا لايجوز أن ينسخ لأن الناسخ هو المخالف للمنسوخ من جميع جهاته الرافع له المزيل حكمه
وهذه الأشياء تشرح بأكثر من هذا في مواضعها من السور إن شاء الله

باب السور التي يذكر فيها الناسخ والمنسوخ
فأول ذلك السورة التي يذكر فيها البقرة
حدثنا أبو جعفر حدثنا بكر بن سهل قال حدثنا أبو صالح قال حدثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال فكان أول مانسخ الله عز و جل من القرآن القبلة وذلك أن رسول الله لما هاجر إلى المدينة كان أكثر أهلها اليهود أمره الله عز و جل أن يستقبل بيت المقدس ففرحت اليهود بذلك فاستقبلها رسول الله بضعة عشر شهرا فكان رسول الله يحب قبلة إبراهيم عليه السلام فكان يدعو الله عز و جل وينظر إلى السماء فأنزل الله عز و جل قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها إلى قوله تعالى فولوا وجوهكم شطره يعني نحوه فارتاب من ذلك اليهود وقالوا ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها فأنزل الله عز و جل قل لله المشرق والمغرب وقال تعالى فأينما تولوا فثم وجه الله وقال عز و جل وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه قال ابن عباس ليميز أهل اليقين من أهل الشك والريبة
قال أبو جعفر فهذا يسهل في حفظ نسخ هذه الآية ونذكر ما فيها من الإطالة كما شرطناه فمن ذلك ما قريء على أحمد بن عمرو عن

محمد بن المثنى قال حدثنا يحيى بن حماد قال حدثنا أبو عوانة قال حدثنا الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس قال صلى رسول الله بمكة الى بيت المقدس والكعبة بين يديه وبعدما هاجر ستة عشر شهرا
وحدثنا جعفر بن مجاشع قال حدثنا ابن اسحاق قال حدثنا ابن نمير قال حدثنا يحيى بن حماد قال حدثنا أبو عوانة عن الأعمش عن

مجاهد عن ابن عباس قال صلى رسول الله بمكة نحو بيت المقدس والكعبة بين يديه وبعدما هاجر الى المدينة ستة عشر شهرا ثم صرف الى الكعبة
قال أبو جعفر وفي حديث البراء صلى ستة عشر شهرا أو سبعة عشر شهرا
وروى الزهري عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك قال صرف إلى الكعبة في جمادي وقال ابن اسحاق في رجب وقال

الواقدي في النصف من شعبان
وقال أبو جعفر وأولاها بالصواب الأول لأن الذي قال به أجل ولأن رسول الله قدم المدينة في شهر ربيع الأول فإذا صرف في آخر جمادى الآخره إلى الكعبة صار ذلك ستة عشر شهرا كما قال ابن عباس وأيضا فإذا صلى الى الكعبة في جمادى فقد صلى إليها فيما بعدها
فعلى قول ابن عباس إن الله عز و جل كان أمره بالصلاة إلى بيت المقدس ثم نسخه
وقال غيره بل نسخه فعله ولم يكن أمره بالصلاة إلى بيت المقدس ولكن النبي كان يتبع اثار الأنبياء قبلة حتى يؤمر بنسخ ذلك
وقال قوم بل نسخ الله عز و جل قوله فأينما تولوا فثم وجه الله بالأمر بالصلاة إلى الكعبة

قال أبو جعفر وأولى الأقوال بالصواب الأول وهو صحيح عن ابن عباس والذي يطعن في إسناده يقول ابن أبي طلحة لم يسمع من ابن عباس وإنما أخذ التفسير عن مجاهد وعكرمة
قال أبو جعفر وهذا القول لا يوجب طعنا لأنه أخذه عن رجلين ثقتين وهو في نفسه ثقة صدوق وقد حدثني أحمد بن محمد الأزدي قال سمعت علي بن الحسين يقول سمعت الحسين بن عبد الرحمن بن فهم يقول سمعت أحمد بن حنبل رحمه الله يقول بمصر كتاب التأويل عن معاوية بن صالح لو جاء رجل إلى مصر فكتبه ثم انصرف به ما كانت رحلته عندي ذهبت باطلا
فأما أن تكون الآية ناسخة لقول الله عز و جل فأينما تولوا فثم وجه الله فبعيد لأنها تحتمل أشياء سنبينها في ذكر الآية الثانية

باب ذكر الآية الثانية من هذه السورة
قال الله عز و جل ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله إن الله واسع عليم
فللعلماء في هذه الآية ستة أقوال
قال قتادة هي منسوخة وذهب إلى أن المعنى صلوا كيف شئتم فإن المشرق والمغرب لله جل وعز فحيث استقبلتم فثم وجه الله لا يخلو منه مكان كما قال الله عز و جل ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم
وقال ابن زيد كانوا أبيحوا أن يصلوا إلى أي قبلة شاءوا لأن المشارق والمغارب لله جل وعز فأنزل الله عز و جل فأينما تولوا فثم وجه الله فقال النبي هؤلاء يهود قد استقبلوا بيتا من بيوت الله عز و جل يعني بيت المقدس فصلوا إليه فصلى رسول الله وأصحابه إليه رضي الله عنهم بضعة عشر شهرا فقالت اليهود ما اهتدى لقبلته حتى

هديناه فكره النبي قولهم ورفع طرفه إلى السماء فأنزل الله عز و جل قد نرى تقلب وجهك في السماء
قال أبو جعفر فهذا قول
وقال مجاهد والضحاك في قوله عز و جل فأينما تولوا فثم وجه الله معناه أينما تولوا من مشرق أو مغرب فثم جهة الله عز و جل التي أمر بها وهي استقبال الكعبة فجعلا الآية ناسخة وجعل قتادة وابن زيد الآية منسوخة
وقال إبراهيم النخعي من صلى في سفر في مطر وظلمة شديدة إلى غير القبلة ولم يعلم فلا إعادة عليه فأينما تولوا فثم وجه الله
قال أبو جعفر والقول الرابع أن قوما قالوا لما صلى رسول الله على النجاشي صلى عليه وكان يصلي إلى غير قبلتنا فأنزل الله عز و جل ولله المشرق والمغرب
والقول الخامس أن المعنى ادعوا كيف شئتم مستقبلي القبلة وغير مستقبليها فأينما تولوا فثم وجه الله يستجب لكم
والقول السادس من أجلها قولا وهو أن المصلي في السفر على راحلته النوافل جائز له أن يصلي إلى القبلة وإلى غير القبلة

قال أبو جعفر وهذا القول عليه فقهاء الأمصار ويدلك على صحته أنه قريء على أحمد بن شعيب عن محمد بن المثنى وعمرو بن علي عن يحيى بن سعيد عن عبد الملك قال حدثنا سعيد بن جبير عن ابن عمر أن رسول الله كان يصلي وهو مقبل من مكة الى المدينة على دابته وفي ذلك أنزل الله جل وعز فأينما تولوا فثم وجه الله قال وأخبرنا قتيبة يعني ابن سعيد عن مالك عن

عبد الله بن دينار عن ابن عمر أن رسول الله كان يصلي على راحلته حيثما توجهت به
قال أبو جعفر والصواب أن يقال ليست الآية ناسخة ولا منسوخة لأن العلماء قد تنازعوا القول فيها وهي محتملة لغير النسخ وما كان محتملا لغير النسخ لم نقل فيه ناسخ ولا منسوخ إلا بحجة يجب التسليم لها فأما ما كان يحتمل المجمل والمفسر والعموم والخصوص فعن النسخ بمعزل ولا سيما مع هذا الاختلاف
وقد اختلفوا أيضا في الآية الثالثة

باب ذكر الآية الثالثة من هذه السورة
قال الله عز و جل حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين
قال أبو جعفر أما ما ذكر في الحديث والصلاة الوسطى وصلاة العصر فيقال إن هذا نسخ أي دفع ويقال إن هذه قراءة على التفسير أي حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وهي صلاة العصر فأما وقوموا لله قانتين فمن الناس من يقول القنوت القيام ومنهم من يقول بحديث عمرو بن الحارث عن دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري عن النبي قال كل قنوت في القرآن فهو

طاعة وقال قوم وقوموا لله قانتين ناسخ للكلام في الصلاة
قال أبو جعفر وهذا أحسن ما قيل فيه كما قريء على أحمد بن شعيب عن سويد بن نصر عن عبد الله بن المبارك عن إسماعيل بن أبي خالد عن الحارث بن شبيل عن أبي عمرو الشيباني عن زيد بن ارقم قال كنا نتكلم في الصلاة في عهد رسول الله يتكلم أحدنا بحاجته حتى نزلت وقوموا لله قانتين فنهينا حينئذ عن الكلام

قال أبو جعفر وهذا إسناد صحيح وهو موافق للقول الأول أن القنوت الطاعة أي وقوموا لله مطيعين فيما أمركم به من ترك الكلام في الصلاة فصح أن الآية ناسخة للكلام في الصلاة
قال أبو جعفر فهذا ما في هذه السورة من الناسخ والمنسوح من أمر الصلوات وهى ثلاث آيات والآية الرابعة في القصاص

باب ذكر الأية الرابعة من هذه السورة
يا أيها الذين ءامنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد والأنثى بالأنثى فمن عفى له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ذلك تخفيف من ربكم ورحمة فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم
قال أبو جعفر في هذه الآية موضعان أحدهما الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فيه خمسة أقوال منها ما حدثناه عليل بن أحمد قال حدثنا محمد بن هشام السدوسي قال حدثنا عاصم بن سليمان قال حدثنا جويبر عن الضحاك عن ابن عباس الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى قال نسختها وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس
وروى ابن أبي طلحة عن ابن عباس قال كان الرجل لا يقتل بالمرأة ولكن يقتل الرجل بالرجل والمرأة بالمرأة فنزلت أن النفس بالنفس

قال أبو جعفر فهذا قول وقال الشعبي نزلت في قوم تقاتلوا فقتل بينهم خلق فنزل هذا لأنهم قالوا لايقتل بالعبد منا إلا الحر ولا بالأنثى إلا الذكر
وقال السدي نزلت في فريقين وقعت بينهما قتلى فأمر النبي أن يقاص بينهم ديات النساء بديات النساء وديات الرجال بديات الرجال
والقول الرابع قول الحسن البصري رواه عنه قتادة وعوف وزعم أنه قول علي بن أبي طالب قال هذا على التراجع إذا قتل رجل امرأة كان أولياء المرأة بالخيار إن شاءوا قتلوا الرجل وأدوا نصف الدية وإن شاءوا أخذوا نصف الدية فإذا قتلت إمرأة رجلا فإن شاء أولياء الرجل قتلوا

المرأة وأخذوا نصف الدية وإن شاؤا أخذوا الدية كاملة وإذا قتل رجل عبدا فإن شاء مولى العبد أن يقتل الرجل ويؤدي بقية الدية بعد ثمن العبد وإذا قتل عبد رجلا فإن شاء أولياء الرجل أن يقتلوا العبد ويأخذوا بقية الدية وإن شاءوا أخذوا الدية
والقول الخامس أن الآية معمول بها يقتل الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى بهذه الآية ويقتل الرجل بالمرأة والمرأة بالرجل والحر بالعبد والعبد بالحر لقوله عز و جل ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا ولقول رسول الله الذي نقله الجماعة المؤمنون تتكافأ دماؤهم وهو صحيح عن النبي
كما قريء على أحمد بن شعيب عن محمد بن المثنى قال حدثنا يحيى بن سعيد قال حدثنا سعيد عن قتادة عن الحسن عن قيس بن عباد قال انطلقت أنا والأشتر إلى علي بن أبي طالب

رضي الله عنه فقلنا هل عهد إليك نبي الله شيئا لم يعهده الناس قال لا إلا ما في كتابي هذا فأخرج كتابا من قراب سيفه فإذا فيه المؤمنون تتكافأ دماؤهم وهم يد على من سواهم ويسعى بذمتهم أدناهم لا يقتل مؤمن بكافر ولا ذو عهد في عهده من أحدث حدثا فعلى نفسه ومن آوى محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين
قال أبو جعفر فسوى رسول الله بين المؤمنين في الدماء شريفهم ووضيعهم وحرهم وعبدهم
وهذا قول الكوفيين في العبد خاصة فأما في الذكر والأنثى فلا اختلاف بينهم إلا ما ذكرناه من التراجع
والموضع الآخر فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف الآية
وقيل هي ناسخة لما كان عليه بنو إسرائيل من القصاص بغير دية كما حدثنا أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة قال حدثنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر بن أبي

نجيح عن مجاهد وابن عيينه عن عمرو بن دينار عن مجاهد عن ابن عباس قال كان القصاص في بني إسرائيل ولم تكن الدية فقال الله جل وعز لهذه الأمة فمن عفي له من أخيه شيء
قال فالعفو أن يقبل الدية في العمد
فاتباع بالمعروف من الطالب ويؤدي إليه المطلوب بإحسان ذلك تخفيف من ربكم ورحمة كما كتب على من كان قبلكم
قال أبو جعفر يكون التقدير فمن صفح له عن الواجب عليه من الدم فأخذت منه الدية وقيل عفى بمعنى كثر من قوله جل وعز حتى عفوا
وقيل كتب بمعنى فرض على التمثيل وقيل كتب عليكم في اللوح المحفوظ وكذا كتب في آية الوصية وهى الآية الخامسة

باب ذكر الآية الخامسة من هذه السورة
قال الله جل وعز كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين
في هذه الآية خمسة أقوال
فمن قال إن القرآن يجوز أن ينسخ بالسنة قال نسخها لا وصية لوارث ومن قال من الفقهاء لايجوز أن ينسخ القرآن إلا قرآن قال نسختها الفرائض كما حدثنا علي بن الحسين عن الحسن بن محمد قال حدثنا حجاح عن ابن جريج وعثمان بن عطاء عن عطاء

عن ابن عباس في قوله جل وعز الوصية للوالدين والأقربين قال كان والد الرجل يرثونه وللوالدين والأقربين الوصية فنسخها للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون
وقال مجاهد نسختها يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين الآية
والقول الثالث قاله الحسن قال نسخت الوصية للوالدين وثبتت للأقربين الذين لا يرثون وكذا روى ابن أبي طلحة عن ابن عباس
وقال الشعبي والنخعي الوصية للوالدين والأقربين على الندب لا على الحتم
والقول الخامس أن الوصية للوالدين والأقربين واجبة بنص القرآن إذا كانوا لا يرثون
قال أبو جعفر وهذا قول الضحاك وطاووس قال طاووس من

أوصى لأجنبيين وله أقرباء انتزعت الوصية فردت إلى الأقرباء
وقال الضحاك من مات وله شيء ولم يوص لأقربائه فقد مات عن معصية لله عز و جل
وقال الحسن إذا أوصى رجل لقوم غرباء بثلثه وله أقرباء أعطى الغرباء ثلث الثلث ورد الباقي على الأقرباء
قال أبوجعفر فتنازع العلماء معنى هذه الآية وهى متلوة فالواجب أن لا يقال إنها منسوخة لأن حكمها ليس بناف حكم ما فرضه الله عز و جل من الفرائض فوجب أن يكون كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت الآية كقوله كتب عليكم الصيام

باب ذكر الآية السادسة من هذه السورة
قال الله عز و جل كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون وهى الآية السادسة
قال أبو جعفر في هذه الآية خمسة أقوال
قال جابر بن سمرة هى ناسخة لصوم يوم عاشوراء تذهب إلى أن النبي أمر بصوم يوم عاشوراء فلما فرض الله صيام شهر رمضان نسخ ذلك فمن شاء صام يوم عاشوراء ومن شاء أفطره وإن كان قد صح عن النبي من حديث أبي قتادة صوم يوم عاشوراء يكفر سنة مستقبلة
وقال عطاء كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم كتب عليهم صيام ثلاثة أيام من كل شهر
قال أبو جعفر فهذان قولان على أن الآية ناسخة

وقال أبو العالية والسدي هى منسوخة لأن الله عز و جل كتب على من قبلنا إذا نام بعد المغرب لم يأكل ولم يقرب النساء ثم كتب ذلك علينا فقال الله جل وعز كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم ثم نسخه بقوله أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم الآية وما بعده
والقول الرابع إن الله عز و جل كتب علينا الصيام شهرا كما كتب على الذين من قبلنا وأن نفعل كما كانوا يفعلون من ترك الوطء والأكل بعد النوم ثم أباح الوطء والأكل بعد النوم إلى طلوع الفجر
والقول الخامس أنه كتب علينا الصيام وهو شهر رمضان كما كتب صوم شهر رمضان على من قبلنا قال مجاهد كتب الله جل وعز صوم شهر رمضان على كل أمة وقال قتادة كتب الله صوم شهر رمضان على من قبلنا وهم النصارى
قال أبو جعفر وهذا أشبه ما في الآية وفيه حديث يدل على صحته قد مر قبل هذا غير مسند ثم كتبناه مسندا عن محمد بن محمد بن

عبدالله قال حدثنا الليث بن الفرج قال حدثنا معاذ بن هشام بن أبي عبد الله الدستوائي
قال حدثني أبي عن قتادة عن الحسن عن دغفل بن حنظلة عن النبي قال كان على النصارى صوم شهر فمرض رجل منهم فقالوا لئن الله عز و جل شفاه لنزيدن عشرا ثم كان آخر فأكل لحما فوجع فوه فقالوا لئن الله عز و جل شفاه لنزيدن عشرا ثم كان آخر فأكل فوجع فوه فقالوا لئن الله عز و جل شفاه لنزيدن سبعا ثم كان ملك أخر فقال لنتمن هذه السبعة الأيام ونجعل صومنا في الربيع قال فصار خمسين
قال أبو جعفر أما قول عطاء إنها ناسخة لصوم ثلاثة أيام فغير معروف وقول من قال إنه نسخ منها ترك الأكل والوطء بعد النوم لا يمتنع وقد تكون الآية ينسخ منها الشيء كما قيل في الآية السابعة

باب ذكر الآية السابعة من هذه السورة
قال الله عز و جل وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين فمن تطوع خيرا فهو خير له وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون
قال أبو جعفر في هذه الآية أقوال أصحها أنها منسوخة سياق الآية يدل على ذلك والنظر والتوقيف من رجلين من أصحاب رسول الله كما قريء على أحمد بن شعيب عن قتيبة بن سعيد قال حدثنا بكر بن مضر عن عمرو بن الحارث عن بكير عن يزيد مولى سلمة بن الأكوع عن سلمة بن الأكوع قال لما نزلت هذه الآية وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين كان من شاء منا صام ومن شاء أن يفتدي فعل حتى نسختها الآية التي بعدها

قال أبو جعفر وحدثنا علي بن الحسين عن الحسن بن محمد قال حدثنا حجاج عن ابن جريج وعثمان بن عطاء عن عطاء عن ابن عباس في قول الله عز و جل وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين قال كان الرجل يصبح صائما أو المرأة في شهر رمضان ثم إن شاء أفطر وأطعم مسكينا فنسختها فمن شهد منكم الشهر فليصمه
قال أبو جعفر فهذا قول وقال السدي وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين كان الرجل يصوم من شهر رمضان ثم يعرض له العطاش فأطلق له الفطر وكذلك الشيخ الكبير والمرضع يفطرون ويطعمون عن كل يوم مسكينا فمن تطوع خيرا فأطعم مسكينين فهو خير له
وقال الزهري فمن تطوع خيرا صام وأطعم مسكينا فهو خير له
وقيل المعنى الذين يطيقونه على جهد
قال أبوجعفر الصواب أن يقال الآية منسوخة بقوله جل وعز فمن شهد منكم الشهر فليصمه لأن من لم يجعلها منسوخة جعله مجازا وقال المعنى فيه يطيقونه على جهد وقال كانوا يطيقونه فأضمر كان وهو مستغن عن هذا

وقد اعترض قوم بقراءة من قرأ يطوقونه ويطوقونه ولا يجوز لأحد أن يعترض بالشذوذ على ما نقله جماعة المسلمين في قراءتهم وفي مصاحفهم ظاهرا مكشوفا وما نقل على هذه الصورة فهو الحق الذي لا شك فيه أنه من عند الله جل وعز ومحظور على المسلمين أن يعارضوا ما ثبتت به الحجة أنه من عند الله جل وعز بالظنون والأوهام والشذوذ وما لايوقف منه على حقيقة
غير أن العلماء قد احتجوا بهذه الآية وإن كانت منسوخة لأنها ثابتة في الخط وهذا لا يمتنع وقد أجمع العلماء على أن قوله جل وعز واللاتى يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم
أنه منسوخ وثبتوا منها شهادة أربعة في الزنا فكذا

وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين وإن كانت منسوخة ففيها غير حجة وذلك أنه قد أجمع العلماء على أن المشايخ والعجائز الذين لا يطيقون الصيام أو يطيقونه على مشقة شديدة فلهم الإفطار
وقال ربيعة ومالك شيء عليهم إذا أفطروا غير أن مالكا رحمه الله قال لو أطعموا عن كل يوم مسكينا مدا كان أحب إلي
وقال أنس بن مالك وابن عباس وقيس بن السائب وأبو هريرة عليهم الفدية وهو قول الشافعي رحمه الله اتباعا منه لقول الصحابة وهذا أصل من أصوله وحجة أخرى فيمن قال إن عليهم الفدية أن هذا ليس بمرض ولا هم مسافرون فوجبت عليهم الفدية لقول الله عز و جل وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين
والحجة لمن قال لا شيء عليهم أنه من أفطر ممن أبيح له الفطر فإنما عليه القضاء إذا وصل إليه

وهؤلاء لا يصلون إلى القضاء وأموال الناس محظورة إلا بحجة يجب التسليم لها ولم يأت ذلك
ومما وقع فيه الاختلاف أيضا الحبلى والمرضع إذا خافتا على ولديهما فأفطرتا فمن الناس من يقول عليهما القضاء بلا كفارة هذا قول الحسن وعطاء والضحاك وإبراهيم وهو قول أهل المدينة
وقول ابن عمر ومجاهد عليهما القضاء والكفارة وهو قول الشافعي رحمه الله
وقول ابن عباس وسعيد بن جبير وعكرمة عليهما الفدية ولا قضاء عليهما والحجة لمن قال عليهما القضاء بلا كفارة أن من أفطر وهو مأذون له في الفطر فإنما عليه يوم يصومه كاليوم الذي افطره

وحجة من قال عليهما القضاء والكفارة أنهما أفطرتا من أجل غيرهما فعليهما القضاء ليكملا العدة وعليهما الكفارة لقول الله جل وعز وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين
وحجة من قال عليهما الفدية بغير قضاء الآية أيضا وليس في الآية قضاء واحتج العلماء بالآية وإن كانت منسوخة وكان بعضهم يقول ليست بمنسوخة والصحيح أنها منسوخة والآية الثامنة ناسخة بإجماع

باب ذكر الآية الثامنة من هذه السورة
قال الله عز و جل أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم
قال أبو العالية وعطاء هى ناسخة لقوله كما كتب على الذين من قبلكم وقال غيرهما هى ناسخة لفعلهم الذي كانوا عليه
حدثنا أبو جعفر وحدثنا جعفر بن مجاشع قال حدثنا إبراهيم بن إسحاق قال حدثنا أحمد بن عبد الملك قال حدثنا زهير قال حدثنا أبو إسحاق عن البراء أن الرجل منهم كان إذا نام قبل أن يتعشى في رمضان لم يحل له أن يأكل ليلته ومن الغد حتى نزلت وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر

نزلت في أبي قيس وهو ابن عمرو أتى أهله وهو صائم بعد المغرب فقال هل عندكم من شيء فقالت له امرأته لا تنم حتى أخرج فألتمس لك شيئا فلما رجعت وجدته نائما فقالت لك الخيبة فبات فأصبح صائما إلى ارتفاع النهار فغشي عليه فنزلت وكلوا واشربوا
وقال كعب بن مالك كان الناس في شهر رمضان إذا نام أحدهم بعد المساء حرم عليه الطعام والشراب والنساء فسمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه عند النبي ليلة فأتى منزله فأراد امرأته فقالت إني قد نمت فقال ما نمت فوقع عليها وصنع كعب بن مالك مثل ذلك فأتى عمر رضي الله عنه النبي فأخبره فنزلت علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالأن باشروهن
فاتفقت الأقوال أنها ناسخة إما بفعلهم وإما بالآية وذلك غير متناقض
وفي هذه الآية ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد وقال الضحاك كانوا يجامعون وهم معتكفون في المساجد فنزلت يعني هذه الآية

وقال مجاهد كانت الأنصار تجامع يعني في الاعتكاف قال الشافعي رحمه الله فدل أن المباشرة قبل نزول الآية كانت مباحة في الاعتكاف حتى نسخ بالنهي عنه والله أعلم
واختلاف العلماء في الآية التاسعة والصحيح أنها لا نسخ فيها

باب ذكر الآية التاسعة من هذه السورة
قال الله جل وعز وقولوا للناس حسنا قال سعيد عن قتادة نسختها آية السيف وقال عطاء قولوا للناس كلهم حسنا وقال سفيان قولوا للناس حسنا مروهم بالمعروف وانهوهم عن المنكر
قال أبو جعفر وهذا أحسن ما قيل فيها لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض من الله تعالى كما قال جل وعز ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر فجميع المنكر النهي عنه فرض والأمر بالمعروف من الفرائض فرض
وعن النبي لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأطرن عليه أطرا أو ليعمنكم الله منه بعذاب فصح أن الآية غير منسوخة وأن معنى وقولوا للناس حسنا ادعوهم إلى الله عز و جل كما قال جل ثناؤه ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة والبين في الآية العاشرة أنها منسوخة

باب ذكر الآية العاشرة من هذه السورة
قال الله عز و جل يا أيها الذين ءامنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا واسمعوا
قريء على عبد الله بن الصقر بن نصر عن زياد بن أيوب عن هشيم قال حدثنا عبد الملك عن عطاء يأيها الذين ءامنوا لا تقولوا راعنا قال كانت لغة الأنصار في الجاهلية فنزلت هذه الآية
قال أبوجعفر فنسخ هذا ما كان مباحا قوله وكان السبب في ذلك

أن اليهود كانت هذه الكلمة فيهم سبا فنسخها الله جل وعز من كلام المسلمين لئلا تجد بذلك اليهود سببا الى سب النبي
قال مجاهد راعنا خلافا وهذا ما لا يعرف في اللغة
ومعنى راعنا عند العرب فرغ لنا سمعك وتفهم عنا ومنه أرعني سمعك
قال أبوجعفر ولراعنا موضع أخر يكون من الرعية وهى الرقبة وأما قراءة الحسن راعنا بالتنوين فشاذة ومحظور على المسلمين أن يقرءوا بالشواذ أو أن يخرجوا عما قامت به الحجة مما أدته الجماعة
والبين في الآية الحادية عشر أنه قد نسخ منها

باب ذكر الآية الحادية عشر من هذه السورة
قال الله عز و جل ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق فأعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره
حدثنا جعفر بن مجاشع قال حدثنا إبراهيم بن إسحاق قال حدثنا حسين قال حدثنا عمرو قال حدثنا أسباط عن السدي فاعفوا وأصفحوا قال هى منسوخة نسختها قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الأخر
قال أبو جعفر وإنما قلنا إن البين أن منها منسوخا وهو فاعفوا واصفحوا لأن المؤمنين كانوا بمكة يؤذون ويضربون فيتفلتون على قتال المشركين فحظر عليهم وأمروا بالعفو والصفح حتى يأتي الله بأمره فأتى الله عز و جل بأمره ونسخ ذلك
والبين في الآية الثانية عشر أنها غير منسوخة

باب ذكر الآية الثانية عشر من هذه السورة
قال الله جل وعز وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين
قال ابن زيد هى منسوخة نسخها وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة
وعن ابن عباس أنها محكمة روى عنه ابن أبي طلحة وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين قال لا تقتلوا النساء والصبيان ولا الشيخ الكبير ولا من ألقى إليكم السلم وكف يده فمن فعل ذلك فقد اعتدى
قال أبو جعفر وهذا أصح القولين من السنة والنظر
فأما السنة فحدثنا بكر بن سهل قال حدثنا عبد الله بن يوسف قال أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله رأى في بعض مغازيه إمرأة مقتولة فكره ذلك ونهى عن قتل النساء والصبيان وهكذا يروي أن عمر بن عبدالعزيز رحمه الله كتب لا تقتلوا النساء والصبيان والرهبان في دار الحرب فتعتدوا إن الله لا يحب المعتدين

قال أبو جعفر والدليل على هذا من اللغة أن فاعل يكون من اثنين فإنما هو من أنك تقاتله ويقاتلك فهذا لا يكون في النساء ولا الصبيان ولهذا قال من قال من الفقهاء لا يؤخذ من الرهبان جزية لقول الله عز و جل قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الأخر إلى حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون وليس الرهبان ممن يقاتل فصار المعنى فقاتلوا في طريق الله وأمره الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا فتقتلوا النساء والصبيان والرهبان ومن أعطى الجزية فصح أن الآية غير منسوخة وقد تكلم العلماء في الآية الثالثة عشر

باب ذكر الآية الثالثة عشر من هذه السورة
قال الله عز و جل ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلةهم كذلك جزاء الكافرين هذه الآية من أصعب ما في الناسخ والمنسوخ
فزعم جماعة من العلماء أنها غير منسوخة واحتجوا بها وبأشياء من السنن
وزعم جماعة أنها منسوخة واحتجوا بآيات غيرها وبأحاديث من السنن
فممن قال إنها غير منسوخة مجاهد روى عنه ابن ابي نجيح أنه قال فإن قاتلوكم في الحرم فاقتلوهم لا يحل لأحد أن يقاتل أحدا في الحرم إلا أن يقاتله فإن عدا عليك فقاتلك فقاتله
وهذا قول طاووس والاحتجاج لهما بظاهر الآية ومن الحديث بما حدثناه أحمد بن شعيب قال أخبرنا محمد بن رافع قال حدثنا

يحيى بن آدم قال حدثنا مفضل عن منصور عن مجاهد عن طاووس عن ابن عباس قال قال رسول الله يوم فتح مكة إن هذا البلد حرام حرمه الله عز و جل لم يحل فيه القتال لأحد قبلي وأحل لي ساعة وهو حرام بحرمة الله عز و جل
قال أبو جعفر وأما من قال إنها منسوخة فمنهم قتادة كما قريء على عبد الله بن أحمد بن عبد السلام عن أبي الأزهر قال حدثنا

روح عن سعيد عن قتادة ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلونكم فيه فكان هذا كذا حتى نسخ فأنزل الله عز و جل وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة أى شرك ويكون الدين لله أى أن لا إله الله عليها قاتل رسول الله وإليها دعا فإن انتهوا فلا عدوان الا على الظالمين
من أبى أن يقول لا إله إلا الله أن يقاتل حتى يقول لا إله إلا الله
قال أبو جعفر وأكثر أهل النظر على هذا القول أن الآية منسوخة وأن المشركين يقاتلون في الحرم وغيره بالقرآن والسنة قال الله عز و جل فأقتلوا المشركين حيث وجدتموهم
وبراءة نزلت بعد سورة البقرة بسنين وقال عز و جل وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة
وأما السنة فحدثنا أحمد بن شعيب قال أخبرنا قتيبة قال حدثنا مالك عن ابن شهاب عن انس أن رسول الله دخل مكة وعليه المغفر فقيل إن ابن خطل متعلق بأستار الكعبة فقال اقتلوه
وقريء علي محمد بن جعفر بن أعين عن الحسن بن بشر بن سالم

الكوفي قال حدثنا الحكم بن عبد الملك عن قتادة عن أنس قال آمن رسول الله أهل مكة يوم الفتح إلا أربعة من الناس عبد العزى بن خطل ومقيس بن صبابة الكناني وعبد الله بن سعد بن أبي سرح وأم سارة فأما ابن خطل فقتل وهو متعلق بأستار الكعبة وذكر الحديث
وقرأ أكثر الكوفيين ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم
قال أبو جعفر وهذه قراءة بينة البعد وقد زعم قوم أنه لا تجوز القراءة بها لأن الله عز و جل لم يفرض على أحد من المسلمين أن لا يقتل المشركين حتى يقتلوا المسلمين

وقال الأعمش العرب تقول قتلناهم أى قتلنا منهم
قال أبو جعفر وهذا أيضا المطالبة فيه قائمة غير أنه قد قرأ به جماعة والله أعلم بمخرج قرآئتهم
قد تنازع العلماء أيضا في الآية الرابعة عشر

باب ذكر الآية الرابعة عشر من هذه السورة
قال الله عز و جل الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم
قال أبو جعفر حدثنا محمد بن جعفر الأنباري قال حدثنا عبد الله بن أيوب وعبد الله بن يحيى قالا حدثنا حجاج عن ابن جريح قال قلت لعطاء قول الله عز و جل الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص قال هذا يوم الحديبية صدوا رسول الله عن البيت الحرام وكان معتمرا فدخل في السنة التي بعدها معتمرا مكة فعمرة في الشهر الحرام بعمرة في الشهر الحرام
وقال مجاهد فجرت قريش بردها رسول الله محرما في ذي القعدة فاعتمر في السنة الثانية في ذي القعدة
قال أبو جعفر التقدير عمرة الشهر الحرام بعمرة الشهر الحرام والشهر الحرام ههنا ذو القعدة بلا اختلاف وسمي ذو القعدة لأنهم كانوا يقعدون فيه عن القتال

وكان النبي اعتمر في ذي القعدة من سنة ست من الهجرة فمنعوه من مكة قال ابن عباس فرجعه الله في السنة الأخرى فأقصه منهم والحرمات قصاص
وروى عن ابن عباس أنه قال والحرمات قصاص منسوخة كان الله عز و جل قد اطلق للمسلمين إذا اعتدى عليهم أحد أن يقتصوا منه فنسخ الله عز و جل ذلك وصيره إلى السلطان فلا يجوز لأحد أن يقتص من أحد إلا بأمر السلطان ولا أن يقطع يد سارق ولا غير ذلك
وأما مجاهد فذهب إلى أن المعنى فمن إعتدى عليكم فيه أى في الحرم فأعتدوا عليه بمثل ما إعتدى عليكم
قال أبو جعفر والذي قاله مجاهد أشبه بسياق الكلام لأن قبلة ذكر الحرم وهو متصل به إلا أنه منسوخ عند أكثر العلماء
وقد أجمع المسلمون أن المشركين أو الخوارج لو غلبوا على الحرم لقوتلوا حتى يخرجوا منه فإن قيل فما معنى الحديث أحلت لي ساعة وهي حرام بحرمة الله عز و جل فالجواب أن النبي دخلها غير محرم يوم الفتح ولا يحل هذا لأحد بعده إذا لم يكن من أهل الحرم

فأما والحرمات قصاص فإنما جمع والله أعلم لأنه أريد به حرمة الإحرام وحرمة الشهر الحرام وحرمة البلد الحرام
وأما فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه فسمي الثاني اعتداء وإنما الاعتداء الأول ففيه جوابان
أحدهما أنه مجاز على ازدواج الكلام سمي الثاني باسم الأول مثل وجزاؤا سيئة سيئة مثلها
والجواب الآخر أنه حقيقة يكون من الشد والوثوب أي من شد عليكم ووثب بالظلم فشدوا عليه وثبوا بالحق
وقد تكلم العلماء من الصحابة وغيرهم بأجوبة مختلفة في الآية الخامسة عشر

باب ذكر الآية الخامسة عشر من هذه السورة
قال الله جل وعز كتب عليكم القتال وهو كره لكم
فقال قوم هي ناسخة لحظر القتال عليهم ولما أمروا به من الصفح والعفو بمكة
وقال قوم هي منسوخة وكذا قالوا في قوله الله عز و جل انفروا خفافا وثقالا والناسخة وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة
وقال قوم هي على الندب لا على الوجوب وقال قوم هي واجبة والجهاد فرض
وقال عطاء هي فرض إلا أنها على غيرنا يعني أن الذي خوطب بها الصحابة
قال أبو جعفر فهذه خمسة أقوال
فأما القول الأول وهو أنها ناسخة فبين صحيح

وأما قول من قال إنها منسوخة فلا يصح لأنه ليس في قوله عز و جل وما كان المؤمنون لينفروا كافة نسخ لفرض القتال
وأما قول من قال هى على الندب فغير صحيح لأن الأمر إذا وقع بشيء لم يحمل على غير الواجب إلا بتوقيف من الرسول أو بدليل قاطع
وأما قول عطاء إنها فرض ولكن فرض على الصحابة فقول مرغوب عنه وقد رده العلماء حتى قال الشافعي رحمه الله في إلزامه من قال وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلوة إن هذا للنبي خاصة ولا تصلي صلاة الخوف بعده فعارضه بقوله جل وعز خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها
فقول عطاء أسهل ردا من قول من قال هي على الندب لأن الذي قال هي على الندب قال هي مثل قوله جل وعز كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت
قال أبو جعفر وهذا ليس على الندب وقد بيناه فيما تقدم
وأما قول من قال إن الجهاد فرض بالآية فقوله صحيح وهو قول حذيفة وعبدالله بن عمر وقول الفقهاء الذين تدور عليهم الفتيا إلا أنه

فرض يحمله بعض الناس عن بعض فإن احتيج إلي الجماعة نفروا فرضا واجبا لأن نظير كتب عليكم القتال كتب عليكم الصيام
قال حذيفة الإسلام ثمانية أسهم الإسلام سهم والصلاة سهم والزكاة سهم والصيام سهم والحج سهم والجهاد سهم والأمر بالمعروف سهم والنهي عن المنكر سهم ونظير الجهاد في أنه فرض يقوم به بعض المسلمين عن بعض الصلاة على المسلمين إذا ماتوا ومواراتهم قال أبو عبيد وعيادة المريض ورد السلام وتشميت العاطس
وأما قول من قال الجهاد نافلة فيحتج بأشياء وهو قول ابن عمر وابن شبرمة الثوري
ومن حجتهم قول النبي رواه ابن عمر بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد عبده ورسوله والصلاة والصيام والزكاة وحج البيت
قال أبو جعفر وهذا لا حجة فيه لأنه قد روي عن ابن عمر أنه قال استنبطت هذا ولم يرفعه ولو كان رفعه صحيحا لما كانت فيه أيضا حجة لأنه يجوز أن يترك ذكر الجهاد ههنا لأنه مذكور في القرآن أو لأن بعض الناس يحمله عن بعض فقد صح فرض الجهاد بنص القرآن وسنة رسول الله

كما روى مالك عن نافع عن ابن عمر عن النبي الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة فسره العلماء أنه في الغزو وفي ذلك أحاديث كثيرة كرهنا أن نطول الكتاب بها لأن فيما تقدم كفاية
والصحيح في الآية السادسة عشر أنها منسوخة

باب ذكر الآية السادسة عشر من هذه السورة
قال الله عز و جل يسئلونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير
أجمع العلماء على أن هذه الآية منسوخة فإن قتال المشركين في الأشهر الحرم مباح غير عطاء فإنه قال الآية محكمة ولا يجوز القتال في الأشهر الحرم ويحتج له بما حدثنا إبراهيم بن شريك قال حدثنا أحمد يعني ابن عبد الله بن يونس قال حدثنا ليث عن أبي

الزبير عن جابر قال كان رسول الله لا يقاتل في الشهر الحرام إلا أن يغزى أو يغزو فإذا حضر ذلك أقام حتى ينسلخ
قال أبو جعفر وهذا الحديث يجوز أن يكون قبل نسخ الآية وابن عباس وسعيد بن المسيب وسليمان بن بشار وقتادة والأوزاعي على أن الآية منسوخة
فمن ذلك ما حدثناه عليل بن أحمد قال حدثنا محمد بن هشام قال حدثنا عاصم بن سليمان قال حدثنا جويبر عن الضحاك عن ابن عباس قال وقوله يسئلونك عن الشهر الحرام قتال فيه أي في الشهر الحرام قل قتال فيه كبير أي عظيم فكان القتال فيه
محظورا حتى نسخته آية السيف في براءة فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم فأبيحوا القتال في الأشهر الحرم وفي غيرها

وحدثنا جعفر بن مجاشع قال حدثنا إبراهيم بن إسحاق قال حدثنا عبدالله قال حدثنا يزيد قال حدثنا سعيد عن قتادة في قوله عز و جل يسئلونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير فكان كذلك حتى نسخ هاتان الآيتان في براءة فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ثم قال جل وعز وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة
والأشهر الحرم عهد كان بين رسول الله وبين مشركي قريش انسلاخ أربعة أشهر بعد يوم النحر لمن كان له عهد ومن لم يكن له عهد فإلى انسلاخ المحرم فأمر الله جل وعز نبيه إذا انسلخت الأشهر الأربعة أن يقاتل المشركين في المحرم وغيره حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله
قال أبو جعفر هذه الأشهر التي ذكرها قتادة وقال هي الحرم هي أشهر السياحة فسماها حرما لأنه حظر القتال فيها
فاما الأشهر الحرم فهي أربعة والعلماء يختلفون في اللفظ بها فمن أهل المدينة من يقول أولها ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب ومنهم من يبدأ برجب وأهل الكوفة يقولون أولها المحرم ورجب وذو القعدة وذو الحجة وينكرون ما قال أهل المدينة وقالوا قولنا أولى لتكون من سنة واحدة ومن قال من المدنيين أولها رجب احتج بأن النبي قدم المدينة في شهر ربيع الأول فوجب أن يكون أولها رجبا على هذا

قال أبو جعفر والأمر في هذا كله سهل لأن الواو لاتدل على أن الثاني بعد الأول عند أحد من النحويين علمته
فإذا كان الأمر على هذا فالأولى أن يؤتى بالأشهر الحرم على ما لفظ به رسول الله وأدى عنه بالأسانيد الصحاح وهو قول المدنيين الأول
روى أبو بكرة وغيره أن النبي خطب فقال إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض فالسنة اثنا عشر شهرا منها أربعة حرم ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مضر الذي بين جمادي وشعبان
قال أبو جعفر وقد قامت الحجة بأن قوله جل وعز يسئلونك عن الشهر الحرام قتال فيه منسوخ بما ذكرناه من نص القرآن وقول العلماء وأيضا فإن النقل يبين ذلك لأنه نقل إلينا أن هذه الآية نزلت في جمادي الآخرة أو في رجب في السنة الثانية من هجرة رسول الله إلى المدينة وقد قاتل رسول الله هوازن بحنين وثقيفا بالطائف في شوال

وذي القعدة من الأشهر الحرم وذلك في سنة ثمان من الهجرة
قال أبو جعفر فهذا ما في القتال والجهاد من الناسخ والمنسوخ في هذه السورة مجموعا بعضه إلى بعض ثم نرجع إلى ما فيها من ذكر الحج في الآية السابعة عشر

باب ذكر الآية السابعة عشر من هذه السورة
قال الله جل وعز وأتموا الحج والعمرة لله الآية
وقد صح عن رسول الله أنه أمر أصحابه بعد أن أحرموا بالحج فنسخوه وجعلوه عمرة
واختلف العلماء في نسخ أصحاب رسول الله الحج بعد أن أهلوا به إلى العمرة فقالوا فيه أربعة أقوال
فمنهم من قال إنه منسوخ كما روى عن عمر رضي الله عنه أنه قال في وأتموا الحج والعمرة لله إتمامهما أن لا يفسخا وقد قيل في إتمامهما غير هذا كما قرئ على عبدالله بن أحمد بن عبد السلام عن أبي الأزهر قال أخبرنا روح قال حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن سلمة عن علي بن أبي طالب رضي الله

عنه في قول الله جل وعز وأتموا الحج والعمرة لله قال أن تحرم من دويرة أهلك
وقال سفيان الثوري إتمام الحج والعمرة أن تخرج قاصدا لهما لا لتجارة
وقيل إتمامهما أن تكون النفقة حلالا
وقال مجاهد وإبراهيم إتمامهما أن يفعل فيهما كل ما أمرت به هذا قول جامع
وذهب أبو عبيد إلى أن فسخ الحج إلى العمرة منسوخ لما فعله الخلفاء الراشدون المهديون أبوبكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم لأنهم لم يفسخوا حجهم ولم يحلوا إلى يوم النحر فهذا قول في فسخ الحج أنه منسوخ
والقول الثاني أن فسخ الحج إنما كان لعلة وذلك أنهم كانوا لا يرون العمرة في أشهر الحج ويرون أن ذلك عظيم فأمرهم رسول الله بفسخ الحج وتحويله إلى العمرة ليعلموا أن العمرة في أشهر الحج جائزة والدليل على أنهم كانوا يتحينون العمرة في أشهر الحج وهي شوال وذو القعدة وذو الحجة في قول ابن عمر وفي قول ابن عباس شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة
والقولان صحيحان لأن العرب تقول جئتك رجبا ويوم الجمعة وإنما جاء في بعضه فذو الحجة شهر الحج لأن الحج فيه

وذلك أن أحمد بن شعيب حدثنا قال أخبرنا عبد الأعلى بن واصل بن عبد الأعلى قال حدثنا أبو أسامة عن وهب بن خالد قال حدثنا عبد الله بن طاووس عن أبيه عن ابن عباس قال كانوا يرون أن العمرة في أشهر الحج من أفجر فجور في الأرض ويجعلون المحرم صفرا ويقولون إذا برأ الدبر وعفا الوبر وانسلخ صفر أو قال ودخل صفر حلت العمرة لمن اعتمر فقدم رسول الله وأصحابه رضي الله عنهم صبيحة رابعة مهلين بالحج فأمرهم رسول الله أن يجعلوها عمرة فتعاظم ذلك عندهم فقالوا يا رسول الله أى الحل نحل قال الحل كله
قال أبو جعفر فهذان قولان
والقول الثالث أن ابن عباس كان يرى الفسخ جائزا ويقول من حج فطاف بالبيت فقد حل لا اختلاف في ذلك عنه

قال ابن أبي مليكة قال له عروه يا ابن عباس أضللت الناس قال له بم ذلك يا عرية قال تفتي الناس بأنهم إذا طافوا بالبيت حلوا وقد حج أبو بكر وعمر رضي الله عنهما فلم يحلا إلى يوم النحر فقال له ابن عباس قال الله عز و جل ثم محلها إلى البيت العتيق فأقول لك قال الله عز و جل ثم تقول لي قال أبو بكر وعمر وقد أمر رسول الله بالفسخ
قال أبو جعفر وهذا القول إنفرد به ابن عباس كما انفرد بأشياء غيره
فأما قوله ثم محلها إلى البيت العتيق فليس فيه حجة لأن الضمير للبدن وليست للناس ومحل الناس يوم النحر على قول الجماعة ولهذا سمي يوم الحج الأكبر وذلك صحيح عن النبي

وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وعن ابن عباس وإن كان قد روى عن ابن عباس أنه يوم عرفات فهذه ثلاثة أقوال في فسخ الحج
والقول الرابع أصحها للتوقيف من رسول الله وهو أنه مخصوص كما حدثنا أحمد بن شعيب قال أخبرنا إسحاق بن إبراهيم عن عبد العزيز بن ربيعة عن أبي عبد الرحمن عن الحارث عن بلال عن أبيه قال قلنا يا رسول الله أفسخ الحج لنا خاصة أم للناس عامة قال بل لنا خاصة
قال أبو ذر كان فسخ الحج لنا رخصة
قال أبو جعفر فإن احتج محتج بقول النبي في غير هذا الحديث ذلك لأبد الأبد فلا حجة له فيه لأنه يعني بذلك جواز العمرة في أشهر الحج
وأما حديث عمر رضي الله عنه أنه قال في المتعة إن أتيت بمن فعلها عاقبته وكذا المتعة الأخرى فإحداهما المتعة المحرمة بالنساء التي هي بمنزلة الزنا والأخرى فسخ الحج فلا ينبغي لأحد أن يتأول عليه أنها المتعة

في اشهر الحج لأن الله عز و جل قد أباحها بقوله عز و جل فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي
واختلف العلماء في العمرة فقال بعضهم هي واجبة بفرض الله عز و جل وقال بعضهم هي واجبة بسنة رسول الله وقال بعضهم ليست واجبة ولكنها سنة
فممن يروى عنه أنه قال أنها واجبة عمر رضي الله عنه وابن عمر وابن عباس وهو قول الثوري والشافعي رحمة الله عليهما
فأما السنة فحدثنا احمد بن شعيب قال أخبرنا محمد بن عبد الأعلى قال حدثنا خالد قال حدثنا شعبة قال سمعت النعمان بن سالم قال سمعت عمرو بن أوس يحدث عن أبي رزين أنه قال يا رسول الله إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج ولا العمرة ولا الظعن قال حج عن أبيك واعتمر

واحتج قوم في وجوبها بظاهر قول الله عز و جل ولله على الناس حج البيت والحج القصد فهو يقع للحج والعمرة وقال عز و جل يوم الحج الأكبر والحج الأصغر العمرة إلا أن أهل اللغة يقولون اشتقاق العمرة من غير إشتقاق الحج لأن العرب تقول اعتمرت فلانا أي زرته بمعنى العمرة زيارة البيت ولهذا كان ابن عباس لا يرى العمرة زيارة لأهل مكة لأنهم بها فلا معنى لزيارتهم إياها والحج في اللغة القصد
وممن قال العمرة غير واجبة جابر بن عبد الله وسعيد بن المسيب وهو قول مالك رحمه الله وأبى حنيفة
وقال من احتج لهم روى الحجاج بن أرطأة عن محمد بن المنكدر عن جابر قال قيل يارسول الله العمرة واجبة قال لا وأن تعتمروا خير لكم
قال أبو جعفر وهذا لا حجة فيه لأن الحجاج بن أرطاة يدلس عن من لقيه وعن من لم يلقه فلا يقوم لحديثه حجة إلا أن يقول حدثنا أو أخبرنا أو سمعت ولكن الحجة في ذلك قول من قال الفرائض لا تقع باختلاف وانما تقع باتفاق

ومما يدخل في هذا الباب الاشتراط في الحج وهو أن يقول إذا لبى بالحج إن حبسني حابس فمحلي حيث حبسني
فممن قال بالاشتراط بالحج عمر وعلي رضي الله عنهما وابن مسعود ومعاذ وسعيد بن جبير وعطاء والحسن وقتادة وابن سيرين وهو قول أحمد بن محمد بن حنبل وإسحق بن راهويه وقول الشافعي رحمه الله بالعراق ثم تركه بمصر
وممن لم يقل به مالك والشافعي بمصر وأبو حنيفة رحمهم الله
وحجة الذين قالوا به ما حدثناه أحمد بن شعيب قال أخبرنا إسحق بن إبراهيم قال أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة وعن هشام بن عروة عن ابيه عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله دخل على ضباعة فقالت يا رسول الله إني أريد الحج وأنا شاكية فقال حجي واشترطي أن محلي حيث تحبسني قال إسحق قلت لعبد الرزاق الزهري وهشام قالا عن

عائشة قال نعم كلاهما قال أحمد بن شعيب لم يصله إلا عبد الرزاق عن معمر فلا أدري من أيهما ذلك
قال وحدثنا أحمد بن شعيب قال أخبرني عمران بن يزيد قال حدثنا شعيب وهو ابن إسحق قال حدثنا ابن جريج قال أخبرني أبو الزبير أنه سمع طاووسا وعكرمة يخبران عن ابن عباس قال جاءت ضباعة ابنة الزبير إلى رسول الله فقالت إني امرأة ثقيلة وأنا أريد الحج فكيف تأمرني أن أصنع قال أهلي واشترطي أن محلي حيث حبستني
قال أبو جعفر أهلي معناه لبي وأصله من رفع الصوت ومنه استهل المولود ومنه ما أهل به لغير الله فقد صح عن النبي الاشتراط في الحج فقال بهذا من ذكرناه واتبعوا ما جاء عن الرسول فكرهه قوم واحتجوا بحديث الزهري عن سالم عن أبيه أنه كره الاشتراط في الحج وقال أما حسبكم سنة نبيكم إنه لم يشترط
واحتج بعض من كرهه بأن النبي إنما قال لها واشترطي أن محلي حيث حبستني ولم يقل لها إنه ليس عليك حج إن أحضرت

قال أبو جعفر وفي الآية فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي
فكان هذا ناسخا لما كانوا يعتقدونه من أن العمرة لا تجوز في أشهر الحج فجازت في أشهر الحج وجاز القرآن ولم يكونوا يستعملونه ثم اختلف العلماء في حجة الوداع فقال قوم إن رسول الله أفرد الحج فيها وقال قوم بل تمتع بالعمرة إلى الحج وقال قوم بل قرن وجمع بين الحج والعمرة
قال أبو جعفر وكل هذا مروي بأسانيد صحاح حتى طعن بعض أهل الأهواء وبعض الملحدين في هذا وقالوا هذه الحجة التي حجها رسول الله أجمع ما كان أصحابه فقد اختلفتم فيها وهى أصل من أصول الدين فكيف نقبل منكم ما رويتموه من أخبار الآحاد
وهذا الطعن من أحد اثنين إما أن يكون الطاعن به جاهلا باللغة التي خوطب بها القوم وإما أن يكون جائرا عن الحق
قال أبو جعفر وسنذكر أصح ما روي من الاختلاف في هذا ونبين أنه غير متضاد
وقد قال الشافعي رحمه الله هذا من أيسر ما اختلفوا فيه وإن كان قبيحا وهذا كلام صحيح لأن المسلمين قد أجمعوا أنه يجوز الإفراد والتمتع والقران وإن كان بعضهم قد اختار بعض هذا
كما قريء على أحمد بن محمد بن خالد البراثي عن خلف بن

هشام المقريء قال سمعت مالك بن أنس رحمه الله في الإفراد بالحج أنه أحب إليه من التمتع والقران قال وليس على المفرد هدي
قال البراثي وحدثنا عبد الله بن عون قال حدثنا مالك بن أنس عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله أفرد الحج فهذا إسناد مستقيم لا مطعن فيه
والحجة لمن اختار الإفراد أن المفرد اكثر تعبا من المتمتع لإقامته على الإحرام فرأى أن ذلك أعظم لثوابه
والحجة في إتفاق الأحاديث أن رسول الله لما أمر بالتمتع والقرآن جاز أن يقال تمتع رسول الله وقرن كما قال جل وعز ونادى فرعون في قومه
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه رجمنا ورجم رسول الله وإنما أمرنا بالرجم

وحدثنا بكر بن سهل قال حدثنا عبدالله بن يوسف قال حدثنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله قطع في مجن قيمته ثلاثة دراهم وإنما أمر من قطع فلما كان رسول الله قد أمر بالتمتع والقران جاز هذا
ومن الدليل على أمره بذلك أن أحمد بن شعيب حدثنا قال أخبرنا يحيى بن حبيب بن عربي قال حدثنا حماد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت خرجنا مع رسول الله موافين لهلال ذي الحجة فقال من شاء منكم أن يهل بحجة فليهل ومن شاء أن يهل بعمرة فليهل بعمرة
قال أبو جعفر هذا احتاج لمن رأى إفراد الحج وسنذكر غيره فأما التمتع بالعمرة إلى الحج فهذا موضع ذكره
قريء على أحمد بن محمد بن الحجاج عن يحيى بن عبدالله بن

بكر عن الليث بن سعد قال حدثني عقيل عن الزهري قال أخبرني سالم بن عبد الله عن عبد الله بن عمر قال تمتع رسول الله بالعمرة إلى الحج وأهدى فساق الهدي من ذي الحليفة وبدأ فأهل بالعمرة ثم أهل بالحج وتمتع الناس مع رسول الله بالعمرة الى الحج وساق الحديث
قال الزهري وأخبرني عروة عن عائشة رضي الله عنها عن رسول الله في تمتعه بالعمرة إلى الحج مثل الذي أخبرني سالم عن عبد الله بن عمر عن رسول الله
قال أبو جعفر فإن قال قائل هذا متناقض رويتم عن القاسم عن عائشة أن رسول الله أفرد الحج ورويتم ههنا عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها التمتع قيل له الحديثان متفقان وذلك بين ألا ترى أن في هذا الحديث نصا وبدأ رسول الله فأهل بالعمرة ثم أهل بالحج أفلا ترى الحج مفردا من العمرة فهذا بين جدا

وحدثنا أحمد بن شعيب قال أخبرنا محمد بن المثنى عن عبد الرحمن عن سفيان عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب عن أبي موسى قال قدمت على رسول الله وهو بالبطحاء فقال بم أهللت فقلت بإهلال النبي قال هل سقت من هدى قلت لا قال طفت بالبيت وبالصفا والمروة وحل فطفت بالبيت وبالصفا والمروة ثم أتيت امرأة من قومي فمشطتني وغسلت رأسي ولم أزل أفتي الناس بذلك في إمارة أبي بكر وإمارة عمر بن الخطاب رضي الله عنهما فإني لقائم بالموسم إذا أتاني رجل فقال إنك لا تدري ما أحدث أمير المؤمنين في النسك فقلت يا أيها الناس من أفتيناه بشيء فليتئد فإن أمير المؤمنين قادم فأتموا به فلما قدم قلت يا أمير المؤمنين ما أحدثت في النسك قال أن نأخذ بكتاب الله تعالى فقد قال الله عز

وجل وأتموا الحج والعمرة لله وأن نأخذ بسنة نبينا محمد فإنه لم يحل حتى نحر الهدى
قال أبو جعفر قوله فليتئد معناه فليتلبث مشتق من التؤدة وقوله لم يحل أي لم يحل من إحرامه أي لم يستحل لبس الثياب والطيب وما أشبههما
وفي هذا الحديث من رسول الله أمر أبي موسى بالتمتع وفيه أن أبا موسى توقف عن الفتيا بالتمتع وقد أمر به رسول الله إلى أن وافى عمر رضي الله عنه فلما وافى عمر رضي الله عنه منع من التمتع فلم يرده أبو موسى لأن النبي قد أجاز غيره فدل هذا على أن إمام المسلمين إذا اختار قولا يجوز ويجوز غيره وجب أن لا يخالف عليه
ونظير هذا أن رسول الله قال أنزل القرآن على سبعة أحرف فرأى عثمان رضي الله عنه أن يزيل منه ستة وأن يجمع الناس على حرف واحد فلم يخالفه أكثر الصحابة حتى قال علي رضي الله

عنه لو كنت موضعه لفعلت كما فعل
وفي هذا الحديث أن رسول الله قال لأبي موسى طف بالبيت وبين الصفا والمروة وحل ولم يقل له احلق ولا قصر فدل على أن الحلق والتقصير غير واجبين
وفيه أهللت بإهلال النبي فدل هذا على أن هذا جائز لمن فعله
وقال بعض أهل العلم هذا يدل على أنه جائز أن يلبي الرجل ولا يريد حجا ولا عمرة ثم يوجب بعد ذلك ما شاء واستدل قائل هذا على أن النبي لبى مرة بالإفراد ومرة بالتمتع ومرة بالقران حتى نزل عليه القضاء فقرن
وقال بعض أهل العلم كان رسول الله قارنا وإذا كان قارنا فقد حج واعتمر واتفقت الأحاديث
قال أبو جعفر ومن أحسن ما قيل في هذا أن رسول الله أهل بعمرة فقال من رآه تمتع ثم أهل بحجة فقال من رآه أفرد ثم قال لبيك بحجة وعمرة فقال من سمعه قرن فاتفقت الأحاديث
والدليل على هذا أنه لم يرو أحد عن رسول الله أنه قال أفردت ولا تمتعت وصح عنه أنه قال قرنت كما حدثنا أحمد بن شعيب

قال أخبرني معاوية بن صالح قال حدثنا يحيى بن معين قال حدثنا حجاج قال حدثنا يونس عن أبي إسحاق عن البراء قال كنت مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه حين أمره رسول الله على اليمن فلما قدم على النبي قال علي أتيت رسول الله فقال لي رسول الله ماذا صنعت قلت أهلك بإهلالك قال فإني سقت الهدى واقرنت ثم أقبل على أصحابه فقال لو استقبلت من أمري كما استدبرت لفعلت كما فعلتم ولكن سقت الهدى واقرنت
وحدثنا أحمد بن شعيب قال أخبرنا يعقوب قال حدثنا

هشيم قال أخبرنا حميد قال حدثنا بكر بن عبد الله المزني قال سمعت أنس بن مالك يقول سمعت رسول الله يلبي بالعمرة والحج جميعا فحدثت ذلك ابن عمر فقال لبي بالحج وحده فلقيت أنسا فحدثته فقال ما تعدوننا إلا صبيانا سمعت رسول الله يقول لبيك حجة وعمرة معا
قال أبو جعفر فهذه أحاديث بينة ونزيدك في ذلك بيانا أن بكر بن سهل حدثنا قال حدثنا عبد الله بن يوسف قال أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر عن حفصة قالت قلت يا رسول الله ما بال الناس قد حلوا من عمرتهم ولم تحل قال إني لبدت رأسي وسقت هديي فلا أحل حتى أنحر وهذا بين أنه كان قارنا لأنه لو كان

متمتعا أو مفردا لم يمتنع من نحر الهدى
فهذا ما في الحج من ناسخ ومنسوخ واحتجاج
ونذكر بعده ما في الخمر من النسخ ونذكر قول من قال إن الآية التي في سورة البقرة ناسخه لما كان مباحا من شرب الخمر وقول من قال إنها

منسوخة ونذكر ما هو بمنزلة الخمر من الشراب وما يدل على ذلك من الأحاديث الصحاح عن رسول الله وما يدل من المعقول ومن الاشتقاق واللغة على أن ما أسكر كثيره فقليله حرام وأنه خمر ونذكر الشبهة التي أدخلها قوم وهذا كله في الآية الثامنة عشرة

باب ذكر الآية الثامنة عشر من هذه السورة
قال الله جل وعز يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما
قال جماعة من العلماء هذه الآية ناسخة لما كان مباحا من شرب الخمر
وقال آخرون هي منسوخة بتحريم الخمر في قوله عز و جل فاجتنبوه
قال أبو جعفر وسنذكر حجج الجميع
فمن قال إنها منسوخة احتج بأن المنافع التي فيها إنما كانت قبل التحريم ثم نسخت وأزيلت كما حدثنا جعفر بن مجاشع قال حدثنا إبراهيم بن إسحاق قال حدثنا إبراهيم بن عبد الله عن محمد بن يزيد عن جويبر عن الضحاك في قوله تعالى يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس قال المنافع قبل التحريم

وحدثنا جعفر بن مجاشع قال حدثنا إبراهيم بن إسحاق قال حدثنا محمد بن هارون قال حدثنا صفوان عن عمر بن عبد الواحد عن عثمان بن عطاء عن أبيه يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس قال نسختها يا أيها الذين ءامنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى يعني المساجد ثم أنزل ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكرا

ورزقا حسناا ثم أنزل يا أيها الذين ءامنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان واحتج من قال إنها ناسخة بالأحاديث المتواترة التي فيها بيان علة نزول تحريم الخمر وبغير ذلك
قال أبو جعفر فمن الحجج ما قريء على أحمد بن محمد بن الحجاج أن عبد العزيز بن عمران بن أيوب بن مقلاص حدثهم سنة تسع وعشرين ومائتين قال حدثنا محمد بن يوسف قال حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي ميسرة عمرو بن شرحبيل عن عمر أنه قال

اللهم بين لنا في الخمر فنزلت يسألونك عن الخمر والميسر فقرئت عليهم فقال اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا فإنها تذهب العقل والمال فنزلت يا أيها الذين ءامنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون
وكان منادي رسول الله ينادي وقت الصلاة لا يقربن الصلاة سكران فدعى عمر رضي الله عنه فقرئت عليه فقال اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا فإنها تذهب العقل والمال فنزلت يا أيها الذين ءامنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان إلى قوله فهل أنتم منتهون فقال عمر رضي الله عنه انتهينا انتهينا
قال أحمد بن محمد بن الحجاج وحدثنا عمر بن خالد سنة خمس وعشرين قال حدثنا زهير قال حدثنا سماك قال حدثني مصعب بن سعد عن سعد قال مررت بنفر من المهاجرين

والأنصار فقالوا لي تعال نطعمك ونسقيك خمرا وذلك قبل أن تحرم الخمر قال فأتيتهم في حش قال والحش البستان فإذا عندهم رأس جزور مشوي وزق خمر فأكلنا وشربنا فذكرت الأنصار فقلت المهاجرون خير من الأنصار فأخذ رجل منهم أحد لحيي الرأس فجرح به أنفي فأتيت رسول الله فأخبرته فنزلت ياأيها الذين ءامنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان
قال أبو جعفر وفي حديث سعيد بن جبير عن ابن عباس نزل تحريم الخمر في حيين من قبائل الأنصار لما ثملوا شج بعضهم بعضا ووقعت بينهم الضغائن فنزلت ياأيها الذين ءامنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان إلى منتهون
قال أبو جعفر فهذا يبين أن الآية ناسخة
ومن الحجة لذلك أيضا أن جماعة من الفقهاء يقولون تحريم الخمر بآيتين من القرآن بقوله عز و جل قل فيهما إثم كبير وبقوله عز و جل قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم
فلما حرم الإثم وأخبر أن في الخمر إثما وجب أن تكون محرمة
فأما قول من قال إن الخمر يقال لها الإثم فغير معروف من حديث ولا لغة

والقول الأول جائز وأبين منه أنها محرمة بقوله عز و جل فاجتنبوه فإذا نهى الله عن شيء فهو محرم
وفي الأحاديث التي ذكرناها ما يحتاج إلى تفسير
فمن ذلك ثملوا معناه سكروا وبعضهم يروي في حديث سعد ففزر به أنفي أي فلقه وشقه ومنه فزرت الثوب والفزر القطعة من الغنم
وفي الأحاديث في سبب نزول تحريم الخمر أسباب يقول القائل كيف يتفق بعضها مع بعض وعمر رضي الله عنه يقول شيئا وسعد يقول غيره وابن عباس قد أتى بسواهما
قال أبو جعفر فالجواب أن الأحاديث متفقة لأن عمر رضي الله عنه سأل بيانا شافيا في تحريم الخمر ولم يقل نزلت في ذلك ولا في غيره فيجوز أن يكون سؤال عمر رضي الله عنه وافق ما كان من سعد بن أبي وقاص ومن الحيين اللذين من قبائل الأنصار فتتفق الأحاديث ولا تتضاد
وفيها من الفقه أن منادي رسول الله كان ينادي وقت الصلاة لا يقربن الصلاة سكران فدل بهذا على أن القول ليس كما قال بعض الفقهاء أن السكران الذي لا يعرف السماء من الأرض ولا الذكر من الأنثى وأن رجلا لو قال له وأشار إلى السماء ما هذه فقال الأرض لم يكن سكران لأنه قد فهم عنه كلامه

قال أبو جعفر ولو كان الأمر على هذا لما جاز أن يخاطب من لا يعرف الذكر من الأنثى ولا يفهم الكلام فيقال له لا تقرب الصلاة وأنت سكران فتبين بهذا الحديث أن السكران هو الذي أكثر من التخليط
وقد حكى أحمد بن محمد بن الحجاج أن أحمد بن صالح سئل عن السكران فقال أنا آخذ فيه بما رواه ابن جريج عن عمرو بن دينار عن يعلى بن منية عن أبيه قال سألت عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن حد السكران فقال هو الذي إذا استقرأته سورة لم يقرأها وإذا خلطت ثوبه مع ثياب لم يخرجه

وفي الحديث من الفقه أن قوله لا يقربن الصلاة سكران قد دل على أن قول الله عز و جل لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى ليس من النوم وأنه من الشرب حين كان مباحا وقد تبين أن الآية ناسخة لما ذكرنا
وبقي البيان عن الخمر المحرمة ما هي لأن قوما قد أوقعوا في هذا شبهة فقالوا الخمر هي المجتمع عليها ولا يدخل فيها ما اختلف فيه وهذا ظلم من القول يجب على قائله أن لا يحرم شيئا اختلف فيه وهذا عظيم من القول
واحتج أيضا بأن من قال الخمر التي لا اختلاف فيها محلها كافر وليس كذا غيرها وهذان الاحتجاجان أشد ما لهم
فأما الأحاديث التي جاءوا بها فلا حجة فيها لضعف أسانيدها ولتأويلهم إياها على غير حق وقد قال عبد الله بن المبارك ما صح تحليل النبيذ الذي يسكر كثيره على أحد من الصحابة ولا التابعين إلا عن إبراهيم النخعي

قال أبو جعفر فأما الاحتجاجان الأولان اللذان يعتمدون عليهما قد بينا الرد في أحدهما وسنذكر الآخر
فالخمر المحرمة تنقسم قسمين أحدهما المجمع عليها وهي عصير العنب إذا رغا وأزبد فهذه الخمر التي من أحلها كان كافرا والخمر الأخرى التي من أحلها ليس بكافر فهي التي جاء بها التوقيف عن رسول الله أنها الخمر وعن أصحابه رضي الله عنهم بالأسانيد التي لا يدفعها إلا صاد عن الحق أو جاهل إذ قد صح عنه تسميتها خمرا وتحريمها
فمن ذلك ما حدثناه بكر بن سهل قال حدثنا عبد الله بن يوسف قال أخبرنا مالك بن أنس عن ابن شهاب عن أبي سلمه عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت سئل رسول الله عن البتع فقال كل شراب أسكر حرام
قال أبو جعفر فلو لم يكن في هذا الباب إلا هذا الحديث لكفى لصحة إسناده واستقامة طريقه
وقد أجمع الجميع أن الآخر لا يسكر إلا بالأول فقد حرم الجميع بتوقيف رسول الله

وفي هذا الباب مما لا يدفع ما قريء على أبي القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز عن أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل رحمه الله قال حدثنا يونس بن محمد قال حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله كل مسكر خمر وكل مسكر حرام قال أبو عبد الله هذا إسناد صحيح
قال أبو عبد الله حدثنا روح بن عبادة قال حدثنا ابن جريح قال أخبرني موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله قال كل مسكر حرام وكل مسكر خمر
قال أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل وحدثنا ابن يزيد بن هارون قال أخبرنا محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن ابن عمر قال قال رسول الله كل مسكر خمر وكل مسكر حرام

قال أبو عبد الله وحدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا شعبة عن سعيد بن أبي بردة عن أبيه عن جده قال سمعت رسول الله حين وجه أبا موسى ومعاذ بن جبل إلى اليمن فقال أبو موسى يا رسول الله إنا بأرض يصنع فيها شراب من العسل يقال له البتع وشراب من شعير يقال له المزر فقال رسول الله كل مسكر حرام
قال أبو عبد الله وحدثنا يحيى بن سعيد عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي قال كل مسكر حرام

فهذه الأسانيد المتفق على صحتها
وقريء علي أبي بكر أحمد بن عمرو عن علي بن الحسين الدرهمي قال حدثنا أنس بن عياض قال حدثنا موسى بن عقبة عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه أن النبي قال ما أسكر كثيره فقليله حرام
قال أبو جعفر فهذا تحريم قليل ما أسكر كثيره نصا عن رسول الله بهذا الإسناد المستقيم
قال أبو بكر أحمد بن عمرو وقد روى التحريم عائشة رضي الله عنها وسعد بن أبي وقاص وجابر وعمر رضي الله عنهم وابن عباس وأنس وأبو سعيد الخدري وعبد الله بن عمر وأبو هريرة وقرة بن إياس

وخوات بن جبير والديلم بن الهوسع وأبو موسى الأشعري وبريدة الأسلمي وأم سلمة وميمونة وقيس بن سعد
وإسناد حديث عائشة رضي الله عنها وابن عمر وأنس صحيح وسائر الأحاديث يؤيد بعضها بعضا
قال أبو جعفر وقريء على أحمد بن شعيب بن علي بن أبي

عبدالرحمن عن هشام بن عمار قال حدثنا صدقة بن خالد عن زيد بن واقد قال أخبرني خالد بن عبد الله بن حسين عن أبي هريرة قال علمت أن رسول الله كان يصوم فتحينت فطره بنبيذ صنعته له في دباء فجئته به فقال ادنه فأدنيته فإذا هو ينش فقال اضرب بهذا الحائط فإن هذا شراب من لا يؤمن بالله واليوم الآخر
قال أبو عبد الرحمن وفي هذا دليل على تحريم المسكر قليله وكثيره ليس كما يقوله المخادعون لأنفسهم بتحريمهم آخر الشربة وتحليلهم ما تقدمها الذي سرى في العروق قبلها قال ولا خلاف بين أهل العلم أن السكر بكليته لا يحدث عن الشربة الآخرة دون الأولى والثانية بعدها

قال أبو عبدالرحمن وأخبرنا عبيد الله بن سعيد قال حدثنا يحيى عن عبيد الله قال حدثنا عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي قال ما أسكر كثيره فقليله حرام
قال أبو عبد الرحمن إنما يتكلم في حديث عمرو بن شعيب إذا رواه عنه غير الثقات فأما إذا رواه الثقات فهو حجة وعبد الله بن عمرو جد عمرو بن شعيب كان يكتب ما سمع من النبي وحديثه من أصح الحديث

قال أبو عبد الرحمن وأخبرنا إسحق بن إبراهيم قال أخبرنا أبو عامر والنضر بن شميل ووهب بن جرير قالوا حدثنا شعبة عن سلمة بن كهل قال سمعت أبا الحكم يحدث قال قال ابن عباس من سره أن يحرم إن كان محرما ما حرم الله ورسوله فليحرم النبيذ
قال أبو عبد الرحمن وأخبرنا قتيبة قال حدثنا عبد العزيز عن عمارة بن غزية عن أبي الزبير عن جابر أن رجلا من جيشان وجيشان من اليمن قدم فسأل رسول الله عن شراب يشربونه بأرضهم من الذرة يقال له المزر فقال رسول الله أومسكر هو قال نعم قال رسول الله كل مسكر حرام إن الله عز و جل عهد لمن

شرب المسكر أن يسقيه من طينة الخبال قالوا يا رسول الله وما طينة الخبال قال عرق أهل النار أو قالت عصارة أهل النار
وما يبين أن الخمر يكون من غير عصير العنب من لفظ رسول الله وأصحابه رضي الله عنهم ومن اللغة ومن الإشتقاق
فأما لفظ رسول الله مما لا يدفع إسناده أنه قريء على أحمد بن شعيب عن سويد بن نصر عن ابن المبارك عن الأوزاعي قال حدثني أبو كثير واسمه يزيد بن عبد الرحمن قال أبو عبد الرحمن وأخبرنا حميد بن مسعدة عن سفيان وهو ابن حبيب عن الأوزاعي قال حدثنا أبو كثير قال سمعت أبا هريرة يقول قال رسول الله الخمر من هاتين قال سويد في هاتين الشجرتين النخلة والعنبة فوقفنا رسول الله على أن الخمر من النخلة فخالف ذلك قوم وقالوا لا يكون إلا من العنبة ثم نقضوا قولهم وقالوا نقيع التمر والزبيب خمر لأنه لم يطبخ

وقريء على أحمد بن عمرو وأبي بكر عن علي بن سعيد المسروقي قال حدثنا عبد الرحيم بن سليمان قال حدثنا السري بن إسماعيل عن الشعبي عن النعمان بن بشير عن النبي قال الخمر من خمسة من الحنطة والشعير والتمر والزبيب والعسل وما خمرته فهو خمر
وقريء على أحمد بن شعيب عني عقوب بن إبراهيم قال حدثنا ابن علية قال حدثنا أبو حيان قال حدثنا الشعبي عن ابن عمر قال سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يخطب على منبر المدينة قال أيها الناس ألا إنه نزل تحريم الخمر يوم نزل وهي من خمسة من العنب والتمر والعسل والحنطة والشعير والخمر ما خامر العقل

قال أبو جعفر فهذا توقيف في الخمر أنها من غير عنب وفيه بيان الاشتقاق أنه ما خامر العقل مشتق من الخمر وهو كل ما وارى من نخل وغيره فقيل خمر لأنها تستر العقل ومنه فلان مخمور يقال هذا فيما كان من عصير العنب وغيره لا فرق بينهما وما منهما إلا ما يريد الشيطان أن يوقع بينهم فيه العداوة والبغضاء ويصد به عن ذكر الله وعن الصلاة فالقليل من هذا ومن هذا واحد
فهذا أصح ما قيل في اشتقاقها وأجله إسنادا قال عمر رضي الله عنه على المنبر بحضرة الصحابة رضي الله عنهم
وأما سعيد بن المسيب فروى عنه أنه قال إنما سميت الخمر خمرا لأنها صعد صفوها ورسب كدرها
قال أبوجعفر فاشتقاق هذا أيضا على أن الصفو ستر الكدر
وقال بعض المتأخرين سميت خمرا لأنها تخمر أي تغطى وسمي نبيذا لأنه ينبذ ولو صح هذا لكان النبيذ أيضا يخمر
ومما يشبه ما تقدم ما حدثناه بكر بن سهل قال حدثنا عبد الله بن يوسف قال حدثنا مالك عن إسحق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك قال كنت أسقي أبا عبيدة بن الجراح وأبا طلحة

الأنصاري وأبي بن كعب شراب فضيخ وتمر فجاءهم آت فقال إن الخمر قد حرمت فقال أبو طلحة يا أنس قم إلى تلك الجرار فاكسرها فقمت إلى مهراس لنا فدفعتها بأسفله فكسرتها
قال أبو جعفر ففي هذه الأحاديث من الفقه تصحيح قول من قال إن ما أسكر كثيره فقليله حرام عن النبي والصحابة رضي الله عنهم ثم كان الصحابة على ذلك وبه يفتون أشدهم فيه علي بن أبي طالب رضي الله عنه يخاطبهم نصا بأن ما أسكر كثيره فقليله حرام ثم ابن عمر لما سئل عن نبيذ ينبذ بالغداة ويشرب بالعشي قال محمد بن سيرين إني أنهاك عن قليل ما أسكر كثيره وإني أشهد الله عز و جل عليك فإن أهل خيبر يشربون شرابا يسمونه كذا وهي الخمر وإن أهل فدك يشربون شرابا يسمونه كذا وهي الخمر وإن أهل مصر يشربون شرابا من العسل يسمونه البتع وهي الخمر
ثم عائشة رضي الله عنها لما سئلت عن غير عصير العنب فقالت صدق الله ورسوله سمعت رسول الله يقول يشرب قوم

الخمر يسمونها بغير أسمائها فلم يزل الذين يروون هذه الأحاديث يحملونها على هذا عصرا بعد عصر حتى عارض فيها قوم فقالوا المحرم الشربة الآخرة التي تسكر وقالوا قد قالت أهل اللغة الخبز المشبع والماء المروي
قال أبو جعفر فإن صح هذا في اللغة فهو عليهم لا لهم لأنه لا يخلو من إحدى جهتين إما أن يكون معناه للجنس كله أي صفة الخبز أنه يشبع وصفة الماء أنه يروي فيكون هذا لقليل الخبز وكثيره لأنه جنس فكذا قليل ما يسكر
أو يكون الخبز المشبع فهو لا يشبع إلا بما كان قبله فكذا قليل المسكر وكثيره وإن كانوا قد تأولوه على أن معنى المشبع هو الآخر الذي يشبع وكذا الماء المروي فيقال لهم ما حد ذلك المروي والذي لا يروى فإن قالوا لا حد له فهو كله إذا مرو وإن حدوه قيل لهم ما

البرهان على ذلك وهل يمتنع الذي لا يروي مما حددتموه أن يكون يروي عصفورا وما أشبهه فبطل الحد وصار القليل مما يسكر كثيره داخلا في التحريم
وعارضوا بأن المسكر بمنزلة القاتل لا يسمى مسكرا حتى يسكر كما لا يسمى القاتل قاتلا حتى يقتل
قال أبو جعفر وهذا لا يشبه من هذا شيئا لأن المسكر جنس وليس كذا القاتل ولو كان كما قالوا لوجب ألا يسمى الكثير من المسكر مسكرا حتى يسكر فكان يجب أن يحلوه وهذا خارج عن قول الجميع
وقالوا معنى كل مسكر حرام على القدح الذي يسكر وهذا

خطأ من جهة اللغة وكلام العرب لأن كل معناها العموم فالقدح الذي يسكر مسكر والجنس كله مسكر وقد حرم رسول الله الكل فلا يجوز الاختصاص إلا بتوقيف وإنما قولنا مسكر يقع للجنس القليل والكثير كما يقال التمر بالتمر زيادة ما بينهما ربا فدخل في هذه التمرة والتمرتان والقليل لكثير كما دخل في كل مسكر القليل والكثير وشبه بعضهم هذا بالدواء والبنج الذي يحرم كثيره ويحل قليله وهذا التشبيه البعيد لأن النبي قال ما أسكر كثيره فقليله حرام وقال كل مسكر خمر فالمسكر وهو الخمر هو الجنس الذي قال الله عز و جل فيه إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر وليس هذا في الدواء والبنج وإنما هو في كل شراب فهو هكذا
وعارضوا بأن قالوا فليس ما أسكر كثيره بمنزلة الخمر في كل أحواله
قال أبو جعفر وهذه مغالطة وتمويه على السامع لأنه لا يجب من هذا إباحة وقد علمنا أنه ليس من قتل مسلما غير نبي بمنزلة من قتل نبيا فليس يجب إذا لم يكن بمنزلة في جميع الأحوال ان يكون مباحا كذا من شرب ما أسكر كثيرة وإن لم يكن بمنزلة من شرب عصير العنب الذي قد نش فليس يجب من هذا أن يباح له ما قد شرب ولكنه بمنزلته في أنه قد شرب محرما وشرب خمرا وأنه يحد في القليل منه كما يحد في القليل من الخمر

وهذا قول من لا يدفع قوله منهم عمر وعلي رضي الله عنهما ومعنى كل مسكر خمر يجوز أن يكون بمنزلة الخمر في التحريم وأن يكون المسكر كله يسمى خمرا كما سماه رسول الله ومن ذكرنا من الصحابة والتابعين بالأسانيد الصحيحة
وقد عارض قوم بعض الأسانيد من غير ما ذكرناه
فمن ذلك ما قريء على عبد الله بن محمد بن عبد العزيز عن شيبان بن ميمون بن فروخ عن مهدي قال حدثنا أبو عثمان الأنصاري قال حدثنا القاسم بن محمد عن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله كل مسكر حرام وما أسكر الفرق فملء الكف منه حرام
قال أبو جعفر الفرق بفتح الراء لا غير وهو ثلاث آصوع وكذا فرق الصبح بالفتح وكذا الفرق من الفرع والفرق أيضا تباعد ما بين الشيئين فأما الفرق بإسكان الراء ففرق الشعر وكذا الفرق بين الحق والباطل وقريء على أبي القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز عن أبي سعيد الأشج عن

الوليد بن كثير قال حدثنا الضحاك بن عثمان عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن عامر بن سعد عن أبيه قال قال رسول الله أنهاكم عن قليل ما أسكر كثيره
قال أبو القاسم وحدثنا أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل رحمه الله حدثنا سليمان بن داود يعني الهاشمي قال حدثنا إسماعيل بن جعفر قال حدثنا داود بن بكر يعني بن أبي الفرات قال حدثنا محمد بن المكندر عن جابر قال قال رسول الله ما أسكر كثيره فقليله حرام

قال أبو جعفر فمن عجيب ما عارضوا به أن قالوا أبو عثمان الأنصاري مجهول والمجهول لا يقوم به حجة قيل لهم ليس بمجهول والدليل على ذلك أنه قد روى عنه الربيع بن صبيح وليث بن أبي سليم ومهدي بن ميمون ومن روي عنه اثنان فليس بمجهول
وقالوا الضحاك بن عثمان مجهول قيل لهم قد روى عنه عبد العزيز بن محمد وعبد العزيز الدراودي بن أبي حازم ومحمد بن جعفر بن أبي كثير وابن أبي فديك
وقالوا داود بن بكر مجهول قيل لهم قد روى عنه إسماعيل بن جعفر وأنس بن عياض
وإنما يعجب من معارضتهم بهذا لأنهم يقولون في دين الله عز و جل بما رواه أبو فزارة زعموا عن أبي زيد عن ابن مسعود أنه كان مع النبي ليلة الجن وأنه توضأ بنبيذ التمر وأبو زيد لا يعرف ولا يدري من أين هو
وقد روى إبراهيم عن علقمة قال سألت عبد الله هل كنت مع النبي ليلة الجن فقال لا وبودي أن لو كنت معه

ويحتجون بحديث رووه قال أبو جعفر سنذكره بإسناده عن أبي إسحاق عن ابن ذي لعوة أن عمر رضي الله عن حد رجلا شرب من أدواته قال أحدك على السكر
وهذا من عظيم ما جاءوا به وابن ذي لعوة لا يعرف
وهكذا قول أبي بكر بن عياش لعبد الله بن إدريس حدثنا أبو إسحق عن أصحابه أن ابن مسعود كان يشرب الشديد فقال له عبد الله بن إدريس استحييت لك يا شيخ من أصحابه وأبو إسحق إذا سمى من حدث عنه ولم يقل سمعت لم تكن حجة
وما هذا الشديد أهو خل أم نبيذ

ولكن حدثنا محمد بن عمرو عن أبي سملة ابن عمر وأبي هريرة أن رسول سلمة الله قال كل مسكر خمر وكل مسكر حرام
وحدثنا محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن عائشة رضي الله عنها عن النبي قال كل شراب أسكر حرام
فأفحم أبو بكر بن عياش
وكان عبد الله بن إدريس في الكوفيين متشددا في تحريم قليل ما أسكر كثيره
وقال الأوزاعي قلت لسفيان الثوري إن الله عز و جل لا يسألني يوم القيامة لم لم تشرب النبيذ ويسألني لم شربته فقال لا أفتي به أبدا
وقال أبو يوسف في أنفسنا من الفتيا به أمثال الجبال ولكن عادة البلد
ثم اجتمعوا جميعا على تحريم المعاقرة وتحريم النقيع وقال أبو حنيفة هو بمنزلة الخمر
فأما الأحاديث التي أحتجوا بها فما علمت أنها تخلو من إحدى جهتين إما أن تكون واهية الأسانيد وإما أن تكون لا حجة لهم فيها إلا التمويه فرأينا أن نذكرها ونذكر ما فيها ليكون الباب كامل المنفعة

فمن ذلك ما حدثناه أحمد بن محمد الأزدي قال حدثنا روح قال حدثنا عمرو بن خالد قال حدثنا أبو إسحق عن عمرو بن ميمون قال شهدت عمر رضي الله عنه حين طعن فجاءه الطبيب فقال أي الشراب أحب اليك قال النبيذ قال فأتى بنبيذ فشربه فخرج من إحدى طعناته وكان يقول إنا نشرب من هذا النبيذ شرابا يقطع لحوم الإبل قال وشربت من نبيذه فكان كأشد النبيذ
قال أبو جعفر هذا الحديث لا تقوم به حجة لأن أبا إسحق لم يقل حدثنا عمرو بن ميمون وهو مدلس لا يقوم بحديثه حجة حتى يقول حدثنا أو ما أشبهه
ولو صححنا الحديث على قولهم لما كانت لهم فيه حجة لأن النبيذ غير محظور إذا لم يسكر كثيره ومعنى النبيذ في اللغة منبوذ وإنما هو ما نبذ فيه تمر أو زبيب أو نظيرهما مما يطيب الماء ويحليه لأن مياه المدينة كانت غليظة فما في هذا الحديث من الحجة
واحتجوا بما حدثناه أحمد بن محمد الأزدي قال حدثنا فهد قال حدثنا عمر بن حفص بن غياث قال حدثني أبي عن الأعمش قال حدثني حبيب بن أبي ثابت عن نافع بن علقمة قال أمر عمر رضي الله عنه بنزل له في بعض تلك المنازل فأبطأ عليهم ليلة فجيء بطعام فطعم ثم أتى بنبيذ قد أخلف واشتد فشرب منه ثم قال إن هذا لشديد ثم أمر بماء فصب عليه ثم شرب هو وأصحابه

قال أبو جعفر هذا الحديث فيه غير علة منها أن حبيب بن أبي ثابت على محله لا يقوم بحديثه حجة لمذهبه وكان مذهبة أنه قال لو حدثني رجل عنك بحديث ثم حدثت به عنك لكنت صادقا
قال أبو جعفر ومن هذا أنه روي عن عروة عن عائشة رضي الله عنها أن النبي قبل بعض نسائه ثم صلى ولم يتوضأ فعيب بعض الناس لأنه رد بهذا على الشافعي رحمه الله لأنه أوجب الوضوء في القبلة فقيل له لا يثبت بهذا حجة لانفراد حبيب به
قال أبو جعفر وفيه من العلل أن نافع بن علقمة ليس بمشهور بالرواية ولو صح الحديث عن عمر رضي الله عنه لما كانت فيه حجة لأن إشتداده قد يكون من حموضته
وقد اعترض بعضهم فقال من اين لكم أن مزجه بالماء كان لحموضته أفتقولون هذا ظنا فالظن لا يغني من الحق شيئا قال وليس يخلو من أن يكون نبيذ عمر رضي الله عنه يسكر كثيره أو يكون خلا
فهذه المعارضة على من عارض بها لا له لأنه الذي قال بالظن لأنه قد ثبتت الرواية عن من قد صحت عدالته أن ذلك من حموضته فقال نافع كان ناسخا له لتخلله وهم قد رووا حديثا متصلا فيه أنه كان مزجه إياه لأنه كاد يكون خلا

قال أبو جعفر حدثنا أحمد بن محمد قال حدثنا وهبان بن عثمان حدثنا الوليد بن شجاع قال حدثنا يحيى بن زكريا عن أبي زائدة قال حدثنا إسماعيل عن قيس قال حدثني عتبة بن فرقد قال أتى عمر رضي الله عنه بعس من نبيذ قد كاد يكون خلا فقال لي اشرب فأخذته وما أكاد أستطيعه فأخذه مني فشربه وذكر الحديث فزال الظن بالتوقيف ممن شاهد عمر رضي الله عنه وهو من رواتهم
وأما قوله لا يخلو من أن يكون نبيذا يسكر كثيره أو يكون خلا فقد خلا من ذينك لأن العرب تقول النبيذ إذا دخلته حموضة نبيذ حامض فإذا زادت صار خلا
قال أبو جعفر فنزل هذا القسم وهو لا يخيل على من عرف اللغة ثم روى حديثا إن كان فيه حجة فهي عليه
حدثنا أحمد بن محمد قال حدثنا فهد قال حدثنا عمر بن حفص قال حدثنا أبي قال حدثنا الأعمش قال حدثني إبراهيم عن هشام بن الحارث قال أتى عمر رضي الله عنه بنبيذ فشرب منه فقطب ثم قال إن نبيذ الطائف له عرام ثم ذكر شدة لا أحفظها ثم دعا بماء فصب عليه ثم شرب
قال أبو جعفر وهذا لعمري اسناد مستقيم ولا حجة له فيه بل الحجة عليه لأنه إنما يقال قطب لشدة حموضة الشيء ومعنى قطب في كلام العرب خالطت بياضه حمرة مشتق من قطبت الشيء أقطبه وإذا خلطته

وفي الحديث له عرام أي خبث ورجل عارم أي خبيث
وحدثنا أحمد بن محمد الأزدي قال حدثنا فهد قال حدثنا عمر بن حفص قال حدثنا أبي عن الأعمش قال حدثني أبو إسحق عن سعيد بن ذي حدان أو ابن ذي لوعة قال جاء رجل قد ظميء إلى خازن عمر فاستسقاه فلم يسقه فأتى بسطيحة لعمر رضي الله عنه فشرب منها فسكر فأتى به عمر فاعتذر إليه فقال إنما شربت من سطيحتك فقال عمر إنما أضربك على السكر فضر به عمر
قال أبو جعفر هذا الحديث من أقبح ما روى في هذا الباب وعلله بينة لمن لم يتبع الهوى فمنها أن ابن ذي لعوة لا يعرف ولم يرو عنه إلا هذا الحديث ولم يرو عنه إلا أبو إسحق ولم يذكر أبو إسحق فيه سماعا وهو مخالف لما نقله أهل العدالة عن عمر رضي الله عنه
قال أبو جعفر حدثنا بكر بن سهل قال حدثنا عبد الله بن يوسف قال أخبرنا مالك عن الزهري عن السائب بن يزيد أن عمر رضي الله عنه خرج عليهم فقال إني وجدت من فلان ريح شراب قد زعم أنه قد شرب الطلاء وأنا سائل عما شرب فإن كان يسكر جلدته الحد
قال فجلده عمر رضي الله عنه الحد ثمانين فهذا إسناد لا مطعن فيه والسائب

بن يزيد رجل من أصحاب النبي فهل يعارض مثل هذا بابن ذي لعوة وعمر رضي الله عنه يخبر بحضرة الصحابة أنه يجلد في الرائحة من غير سكر لأنه لو كان سكران ما احتاج أن يسأل عما شرب
فرووا عن عمر رضي الله عنه ما لا يحل لأحد أن يحكيه عنه من غير جهة لوهاء الحديث وأنه زعم أنه شرب من سطيحته وأنه يحد على السكر وذلك ظلم لأن السكر ليس من فعل الإنسان وإنما هو شيء يحدث عن الشرب وإنما الضرب عن الشرب كما ان الحد في الزنا إنما هو على الفعل لا على اللذة
ومن هذا قيل لهم تحريم السكر محال لأن الله عز و جل إنما يأمر وينهى بما في الطاقة وقد يشرب الإنسان يريد السكر فلا يسكر ويريد ألا يسكر فيسكر
وقيل لهم كيف يحصل ما يسكر وطباع الناس فيه مختلفة
ثم تعلقوا بشيء روى عن ابن عباس حدثنا أحمد بن محمد قال حدثنا فهد قال حدثنا أبو نعيم عن مسعر عن أبي عون عن عبد الله بن شداد عن ابن عباس قال حرمت الخمر بعينها قليلها وكثيرها والسكر من كل شراب
قال أبو جعفر وهذا الحديث قد رواه شعبة على إتقانه وحفظه على غير هذا كما قريء على عبد الله بن محمد بن عبد العزيز عن أحمد بن

محمد بن حنبل رحمه الله قال حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا شعبة عن مسعر عن أبي عون عن عبد الله بن شداد عن ابن عباس قال حرمت الخمر بعينها والمسكر من كل شراب
قال أبو جعفر وقد بينا أن السكر ليس من فعل الإنسان وإذا جاء حديث معارض لما قد ثبتت صحته وقد اختلفت روايته فلا معنى للإحتجاج به
وقد روى يحيى القطان عن عثمان الشجام بصري مشهود عن عكرمة عن ابن عباس قال نزل تحريم الخمر وهي الفضيخ فهذا خلاف ذلك لأن الفضيخ بسر يفضخ فجعله خمرا وأخبر بالتنزيل فيه وفي تحريمه

قال أبو جعفر حدثنا أحمد بن محمد قال حدثنا محمد بن عمرو بن يونس السوسي قال حدثنا أسباط بن محمد القرشي عن الشيباني عن عبد الملك بن نافع قال سألت ابن عمر فقلت إن أهلنا ينبذون نبيذا في سقاء لو نكهته لأخذ في فقال ابن عمر إنما البغي على من أراد البغي شهدت رسول الله عند هذا الركن فأتاه رجل بقدح من نبيذ فأدناه إلى فيه فقطب ورده فقال رجل يا رسول الله أحرام هو فرد الشراب ثم دعا بماء فصبه عليه ثم قال إذا آغتلمت عليكم هذه الأسقية فاقطعوا متونها بالماء
قال أحمد بن شعيب عبد الملك بن نافع لا يحتج بحديثه وليس بالمشهور
وقد روى أهل العدالة سالم ونافع ومحمد بن سيرين عن ابن

عمر خلاف ما روى وليس يقوم مقام واحد منهم ولو عاضده جماعة من أشكاله
قال أبو جعفر ثم رجعنا إلى متن الحديث فقلنا لو صح ما كانت فيه حجة لمن احتج به بل الحجة عليه به بينة وذلك أن قوله إذا اغتملت عليكم وبعضهم يقول إذا رابكم من شرابكم ريب فاكسروا متنه بالماء والريب في الأصل الشك ثم يستعمل بمعنى المخافة والظن مجازا فاحتجوا بهذا وقالوا ومعناه إذا خفتم أن يسكر كثيره فاكسروه بالماء
قال أبو جعفر وهذا من قبيح الغلط لأنه لو كان كثيره يسكر لكان قد زال الخوف وصار يقينا ولكن الحجة فيه لمن خالفهم أن النبي أمر ألا يقر الشراب إذا خيف منه أن ينتقل إلى الحرام حتى يكسر بالماء الذي يزيل الخوف
ومع هذا فحجة قاطعة عند من عرف معاني كلام العرب وذلك أن الشراب الذي بمكة لم يزل في الجاهلية والإسلام لا يطبخ بنار وإنما هو ما يجعل فيه زبيب أو تمر ليطيب لأن مياههم فيها ملوحة وغلظ ولم يتخذ للذة

وقد أجمع العلماء منهم أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد أن ما نقع ولم يطبخ بالنار وكان كثيره يسكر فهو خمر والخمر إذا صب فيها الماء أو صبت على الماء فلا اختلاف بين المسلمين أنها قد نجست الماء إذا كان قليلا فقد صار حكم هذا حكم الخمر وإذا أسكر كثيره فقليله حرام بإجماع المسلمين فزالت الحجة بهذا الحديث لو صح
حدثنا أحمد قال حدثنا فهد قال حدثنا محمد بن سعيد الأصبهاني قال حدثنا يحيى بن اليمان عن الثوري عن منصور عن خالد بن سعد عن ابن مسعود قال عطش النبي حول الكعبة فاستسقى فأتى بنبيذ من نبيذ السقاية فشمه فقطب فصب عليه من ماء زمزم ثم شرب فقال رجل أحرام هو قال لا
قال أبو جعفر قد ذكرنا النبيذ الذي في السقاية بما فيه كفاية على أن هذا الحديث لا يحل لأحد من أهل العلم أن يحتج به فإن كان من أهل الجهل فينبغي أن يتعرف ما يحتج به في الحلال والحرام قبل أن يقطع به
قال أحمد بن شعيب هذا الحديث لا يحتج به لأن يحيى بن

اليمان انفرد به عن الثوري دون أصحابه ويحيى بن اليمان ليس بحجة لسوء حفظه وكثرة خطئه
وقال غير أبي عبد الرحمن أصل هذا الحديث أنه من رواية الكلبي فغلط يحيى بن اليمان فنقل من حديث إلى حديث آخر وقد سكت العلماء عن كل ما رواه الكلبي فلم يحتجوا بشيء منه
وحدثنا أحمد قال حدثنا علي بن معبد قال حدثنا يونس بن محمد قال حدثنا شريك عن أبي إسحق عن أبي بردة عن أبيه قال بعثني رسول الله أنا ومعاذا إلى اليمن فقلنا يا رسول الله إن بها شرابين يصنعان من البر والشعير أحدهما يقال له المزر والآخر البتع فما نشرب فقال اشربا ولا تسكرا
قال أبو جعفر هذا الحديث أتى من شريك في حروف فيه يبين لك ذلك ما قريء على أحمد بن شعيب عن أحمد بن عبد الله بن علي بن مسروق قال حدثنا عبد الرحمن يعني ابن مهدي قال حدثنا

إسرائيل قال حدثنا أبو إسحاق عن أبي بردة عن أبي موسى قال بعثني رسول الله أنا ومعاذا إلى اليمن فقال معاذ يا رسول الله إنك تبعثنا إلى بلد كثير شراب أهله فما نشرب قال اشرب ولا تشرب مسكرا
واحتجوا بحديثين عن ابن مسعود أحدهما من رواية الحجاج بن أرطأة وقد ذكرنا ما في حديثه من العلة والحديث الآخر حدثنا أحمد بن محمد قال حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال حدثنا محمد بن كثير قال حدثنا سفيان الثوري عن أبيه عن لبيد بن شماس قال قال عبد الله إن القوم ليجلسون على الشراب وهو حل لهم فما يزالون حتى يحرم عليهم
قال أبو جعفر هذا الحديث لا يحتج به لأن فيه لبيد بن شماس وشريك يقول شماس بن لبيد لا يعرف ولم يرو عنه أحد إلا سعيد بن مسروق ولا روي عنه إلا هذا الحديث والمجهول لا يقوم به حجة فلم تقم لهم حجة عن النبي ولا عن أحد من أصحابه وBهم

والحق في هذا ما قاله ابن المبارك قريء على أحمد بن شعيب عن أبي قدامة عبيد الله بن سعيد قال حدثنا أبو أسامة وهو حماد بن أسامة قال سمعت عبد الله بن المبارك يقول ما وجدت الرخصة في المسكر عن أحد صحيحه إلا عن إبراهيم قال أبو أسامة وما رأيت أحدا أطلب للعلم من عبد الله بن المبارك بالشام ومصر والحجاز واليمن
قال أبو جعفر فأما الميسر فهو القمار كما حدثنا بكر بن سهل قال حدثنا أبو صالح قال حدثنا معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس يسئلونك عن الخمر والميسر قال كان أحدهم يقامر بماله وأهله فإذا قمر أخذ أهله وماله
قال أبو جعفر حكى أهل العلم بكلام العرب أن الميسر كان القمار في الجزر خاصة
قال أبو إسحق فلما حرم حرم جميع القمار كما أنه لما حرمت الخمر حرم كل ما أسكر كثيره
وذكر الشعبي أن القمار كان حلالا ثم حرم ويدل على ما قال حديث ابن عباس قال أنزل الله عز و جل آلم غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون وكانت قريش

تحب أن تغلب فارس لأنهم أهل أوثان وكان المسلمون يحبون أن تغلب الروم فخاطرهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه إلى أجل
قال أبو جعفر وقيل لا يقال كان هذا حلالا ولكن يقال مباح ثم نسخ بتحريمه وتحريم الخمر
وفي هذه الآية قوله عز و جل ويسئلونك ماذا ينفقون قال أبو جعفر وهذا آخر الآية في عدد المدني الأول والجواب في أوله

باب ذكر الآية التاسعة عشر من هذه السورة قال الله عز و جل قل العفو فيه ثلاثة أقوال من العلماء من قال إنها منسوخة بالزكاة المفروضة ومنهم من قال هي الزكاة ومنهم من قال هو شيء أمر به غير الزكاة لم ينسخ
حدثنا بكر بن سهل قال حدثنا أبو صالح قال حدثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ويسئلونك ماذا ينفقون قل العفو قال هو ما لا يتبين وهذا قبل أن تفرض الصدقة
قال أبو جعفر وقال الضحاك نسخت الزكاة كل صدقة في القرآن فهذا قول من قال إنها منسوخة
وحدثنا علي بن الحسين عن الحسن بن محمد قال حدثنا شبابة قال حدثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله عز و جل ويسئلونك ماذا ينفقون قل العفو قال الصدقة المفروضة
قال أبو جعفر والزكاة هي لعمري شيء يسير من كثير إلا أن هذا القول لا يعرف إلا عن مجاهد
والقول الذي قبله أنها منسوخة بعيد لأنهم إنما سألوا عن شيء فأجيبوا عنه بأنهم سبيلهم أن ينفقوا ما سهل عليهم

والقول الثالث عليه أكثر أهل التفسير كما حدثنا علي بن الحسين عن الحسن بن محمد قال حدثنا معاوية قال حدثنا ابن أبي ليلى عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس في قول الله عز و جل ويسئلونك ماذا ينفقون قل العفو قال ما فضل عن العيال
قال أبو جعفر وهذا القول بين وهو مشتق من عفا يعفو إذا كثر وفضل والمعنى والله أعلم ويسئلونك ماذا ينفقون قل ينفقون ما سهل عليهم وفضل عن حاجتهم
وأكثر التابعين على هذا التفسير قال طاووس العفو اليسير من كل شيء
وقال الحسن قل العفو أي لا تجهد مالك حتى تبقى تسأل الناس وقال الخلد بن أبي عمران سألت القاسم وسالما عن قول الله عز و جل ويسئلونك ماذا ينفقون قل العفو فقالا هو فضل المال ما كان عن ظهر غني
قال أبو جعفر وهذا من حسن العبارة في معنى الآية وهو موافق لقول رسول الله كما حدثنا أبو الحسن محمد بن الحسن بن سماعة

بالكوفة قال حدثنا أبو نعيم قال حدثنا عمرو يعني ابن عثمان بن عبد الله بن موهب قال سمعت موسى بن طلحة يذكر عن حكيم بن حزام قال قال رسول الله خير الصدقة عن ظهر غنا واليد العليا خير من اليد السفلى وأبدا بمن تعول
قال أبوجعفر فصار المعنى ويسألونك ماذا ينفقون قل ما سهل عليهم ونظيره خذ العفو وأمر بالمعروف أي خذ ما سهل من أخلاق الناس ولا تتقص عليهم فهذا العفو من أخلاق الناس وذاك العفو مما ينفقون كما قال عبد الله بن الزبير وقد تلا خذ العفو قال من أخلاق الناس وأيم الله لا يستعملون ذلك فيهم وقال أخوه عروة وتلا خذ العفو قال خذ ما ظهر من أعمالهم وقولهم

قال أبو جعفر ومن هذه الآية في عدد المدني الأول ويسئلونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم فزعم قوم أنها ناسخة لقول الله عز و جل إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما ورووا هذا عن ابن عباس
قال أبو جعفر وهذا مما لا يجوز فيه ناسخ ولا منسوخ لأنه خبر ووعيد ونهى عن الظلم والتعدي فمحال نسخه فإن صح ذلك عن ابن عباس فتأويله من اللغة أن هذه الآية على نسخة تلك الآية فهذا جواب وأصح منه ما عليه أهل التأويل
قال سعيد بن جبير لما نزلت إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما اشتدت على الناس وامتنعوا من مخالطة اليتامى حتى نزلت ويسئلونك عن اليتامى فالمعنى على هذا القول أنه لما وقع بقولهم أنه لا ينبغي أن يخالطوا اليتامى في شيء لئلا يحرجوا بذلك فنسخ الله عز و جل ما وقع بقولهم منه أي أزالة بأن أباح لهم مخالطة اليتامى وبين مجاهد ما هذه المخالطة فقال في الرعي والإدام
قال أبو جعفر ومعنى هذا أن يكون لليتيم تمر وما أشبهه ولوليه مثله فيخلطه معه فيأكلا جميعا فتوقفوا عن هذا مخافة أن يكون الولي يأكل أكثر مما يأكل اليتيم فأباح الله عز و جل ذلك إذا كان على جهة الإصلاح ولم يقصد فيه الإفساد ودل على هذا والله يعلم المفسد من

المصلح قال مجاهد ولو شاء الله لأعنتكم أي حرم عليكم مخالطتهم
قال أبو جعفر فهذا الظاهر في اللغة أن تكون المخالطة في الطعام لا في الشركة لأن مشاركة اليتيم إن وقع فيها استبداد بشيء فهي خيانة وإن كانت الشركة قد يقال لها مخالطة فليس باسمها المعروف فثبت بهذه الآية لا ناسخ في هذا ولا منسوخ إلا على ما ذكرناه
وقد قال بعض الفقهاء ما أعرف آية في الموعيد هي أشد ولا أوكد على المسلمين من قوله عز و جل إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما

إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا والذين في اللغة عام فأوجب الله عز و جل النار على العموم لكل من فعل هذا
والآية التي هى تتمة العشرين قد أدخلها العلماء في الناسخ والمنسوخ وإن كان فيها اختلاف بين الصحابة

باب ذكر الآية التي هي تتمة العشرين من هذه السورة
قال الله عز و جل ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن
فيها ثلاثة أقوال من العلماء من قال هى منسوخة ومنهم من قال هي ناسخة ومنهم من قال هى محكمة لا ناسخة ولا منسوخة
فممن قال إنها منسوخة ابن عباس كما حدثنا بكر بن سهل قال حدثنا عبد الله بن صالح عن معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن قال ثم إستثنى نساء أهل الكتاب فقال جل ثناؤه والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم حل لكم إذا ءاتيتموهن أجورهن يعني مهورهن محصنات غير مسافحات ولا متخذات أخدان يقول عفائف غير زوان
قال أبو جعفر هكذا في الحديث حل لكم وليس هو في التلاوة وهكذا قال محصنات غير مسافحات وفي التلاوة محصنين غير مسافحين فهذه قراءة على التفسير وهكذا كل قراءة خالفت المصحف المجمع عليه

وممن قال إن الآية منسوخة أيضا مالك بن أنس رحمه الله وسفيان بن سعيد وعبد الرحمن بن عمرو
فأما من قال إنها ناسخة فقول شاذ حدثنا جعفر بن مجاشع قال سمعت إبراهيم بن إسحق الحربي يقول فيه وجه ذهب إليه قوم جعلوا التي في البقرة هى الناسخة والتي في المائدة هى المنسوخة يعني فحرموا نكاح كل مشركة كتابية أو غير كتابية
قال أبو جعفر ومن الحجة لقائل هذا مما صح سنده كما حدثنا محمد بن زبان قال حدثنا محمد بن رمح قال أخبرنا الليث بن

سعد عن نافع أن عبد الله بن عمر كان إذا سئل عن نكاح الرجل النصرانية أو اليهودية قال حرم الله المشركات على المسلمين ولا أعرف شيئا من الإشراك أعظم من أن تقول المرأة ربها عيسى أو عبد من عبيد الله عز و جل
والقول الثالث قال به جماعة من العلماء كما حدثنا أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة قال حدثنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن قتادة ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن قال المشركات من غير نساء أهل الكتاب وقد تزوج حذيفة نصرانية أو يهودية وقريء على أحمد بن محمد بن الحجاج عن يحيى بن سليمان قال حدثنا وكيع قال حدثنا سفيان عن حماد قال سألت سعيد بن جبير عن قول الله عز و جل ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن قال هم أهل الأوثان قال أبو جعفر وهذا أحد قولي الشافعي رحمه الله أن تكون الآية عامة يراد بها الخاص فتكون المشركات ههنا هم أول الأوثان

والمجوس فأما من قال إنها ناسخة للتي في المائدة وزعم أنه لا يجوز نكاح نساء أهل الكتاب فقوله خارج عن قول الجماعة الذين تقوم بهم الحجة لأنه قد قال بتحليل نكاح النساء أهل الكتاب من الصحابة والتابعين جماعة منهم عثمان رضي الله عنه وطلحة وابن عباس وجابر وحذيفة ومن التابعين سعيد بن المسيب وسعيد بن جبير والحسن ومجاهد وطاووس وعكرمة والشعبي والضحاك وفقهاء الأمصار عليه
وأيضا فيمنع أن تكون هذه الآية من سورة البقرة ناسخة للآية التي في سورة المائدة لأن البقرة من أول ما نزل بالمدينة والمائدة من آخر ما نزل وإنما الآخر ينسخ الأول
وأما حديث ابن عمر فلا حجة فيه لأن ابن عمر رضي الله عنه كان رجلا متوقفا فلما سمع الآيتين في واحدة التحليل وفي الأخرى التحريم ولم يبلغه النسخ توقف ولم يؤخذ عنه ذكر النسخ وإنما تؤول عليه وليس يؤخذ الناسخ والمنسوخ بالتأويل
وأين ما في هذه الآية أن تكون منسوخة على قول من قال ذلك من العلماء وهو أيضا أحد قولي الشافعي وذلك أن الآية إذا كانت عامة لم تحمل على الخصوص إلا بدليل قاطع فإن قال قائل فقد قال قوم من العلماء إنه لا يقال لأهل الكتاب مشركون وإنما المشرك من عبد وثنا مع الله عز و جل فأشرك به
قال أبو جعفر وممن يروى عنه هذا القول أبو حنيفة وزعم أن قول الله عز و جل إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم

هذا أنه يراد به أهل الأوثان وأن لليهود والنصارى أن يقربوا المسجد الحرام
قال أبو جعفر وهذا قول خارج عن قول الجماعة من أهل العلم واللغة وأكثر من هذا أن في كتاب الله عز و جل نصا تسميه اليهود والنصارى بالمشركين قال الله عز و جل آتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلاها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون فهذا نص القرآن فمن أشكل عليه أن قيل له اليهود والنصارى لم يشركوا أجيب عن هذا بجوابين

أحدهما أن يكون هذا اسما إسلاميا ولهذا نظائر بينها من يحسن الفقه واللغة من ذلك مؤمن أصله من آمن إذا صدق ثم صار لا يقال مؤمن إلا لمن آمن بمحمد ثم تبع ذلك العمل ومن الأسماء الإسلامية المنافق ومنها على قول بعض العلماء الخمر سمي ما أسكر كثيره خمرا على لسان رسول الله
والجواب الآخر وهو عن آبي إسحق بن إبراهيم بن السدي قال كل من كفر بمحمد فهو مشرك قال فهذا من اللغة لأن محمدا قد جاء من البراهين بما لا يجوز أن يأتي به بشر إلا من عند الله عز و جل فإذا كفر بمحمد فقد زعم أن ما لا يأتي به إلا الله قد جاء به غير الله عز و جل فجعله الله عز و جل شريكا
قال أبو جعفر وهذا من لطيف العلم وحسنه
فأما نكاح إماء أهل الكتاب فحرام عند العلماء إلا أبا حنيفة وأصحابه فإنهم أجازوه واحتج لهم محتج بشيء قاسه قال لما أجمعوا على أن قوله عز و جل ولا تنكحوا المشركات يدخل فيه الأحرار والإماء وجب في القياس أن يكون قوله عز و جل والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب داخلا فيه الحرائر والإماء لتكون الناسخة مثل المنسوخة
قال أبو جعفر وهذا الإحتجاج خطأ من غير جهة

فمن ذلك أنه لم يجمع على أن الآية التي في البقرة منسوخة
ومن ذلك القياسات والتمثيلات لا يؤخذ بها في الناسخ والمنسوخ وإنما يؤخذ الناسخ والمنسوخ بالتيقن والتوقيف
وأيضا فقد قال الله عز و جل نصا ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات فكيف يقبل ممن قال من فتياتكم الكافرات
وأما نكاح الحربيات فروي عن ابن عباس وإبراهيم النخعي أنهما منعا من ذلك وغيرهما من العلماء يجيز ذلك ونص الآيه توجب جوازه

وهو قول مالك بن أنس والشافعي رحمهما الله إلا أنهما كرها ذلك مخافة تنصير الولد أو الفتنة
قال أبو جعفر وأما نكاح الإماء المجوسيات والوثنيات فالعلماء على تحريمه إلا ما رواه يحيى بن أيوب عن جريج عن عطاء وعمرو بن دينار أنهما سئلا عن نكاح الإماء المجوسيات فقالا لا بأس بذلك وتأولا قول الله عز و جل ولا تنكحوا المشركات فهذا عندهما على عقد النكاح لا على الأمة المشتراة واحتجا بسبي أوطاس وأن الصحابة نكحوا الإماء منهن بملك اليمين
قال أبو جعفر وهذا قول شاذ أما سبي أوطاس فقد يجوز أن يكون الإماء أسلمن فجاز نكاحهن
وأما الإحتجاج بقوله عز و جل ولا تنكحوا المشركات فغلط لأنهم حملوا النكاح على العقد والنكاح في اللغة يقع على العقد وعلى الوطء فلما قال تعالى ولا تنكحوا المشركات حرم كل نكاح يقع على المشركات من نكاح ووطء وفي هذا من اللغة شيء بين حدثني به من أثق به قال سمعت أحمد بن يحيى يقول أصل النكاح في اللغة الوطء وإنما يقع للعقد مجازا قال والدليل على هذا أن العرب تقول أنكحت الأرض البر إذا أدخلت البر في الأرض
قال أبو جعفر وهذا من حسن اللغة والاستخراج اللطيف ووجب من

هذا أن يكون قوله تعالى فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره حتى يطأها وبذلك جاءت السنة أيضا
وقد أدخلت الآية التي تلي هذه في الناسخ والمنسوخ وهي الآية الحادية والعشرون

باب ذكر الآية الحادية والعشرين من هذه السورة
قال الله عز و جل ويسئلونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن
قال أبو جعفر أدخلت هذه الآية في الناسخ والمنسوخ لأنه معروف من شريعة بني إسرائيل ألا يجتمعوا مع الحائض في بيت ولا يأكلوا معها ولا يشربوا فنسخ الله عز و جل من شريعتهم كما قريء على أحمد بن عمرو بن عبد الخالق عن محمد بن أحمد بن الجنبد البغدادي عن عمرو بن عاصم قال حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت وعاصم الأحول عن أنس بن مالك قال كانت اليهود يعتزلون النساء في الحيض فأنزل الله عز و جل ويسئلونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن فأمرنا رسول الله أن نؤاكلهن ونشاربهن ونصنع كل شيء إلا النكاح فقالت اليهود ما يريد محمد أن يدع شيئا من أمرنا إلا خالفنا فيه
قال أبو جعفر فدل هذا الحديث على أنه لا يحرم من الحائض إلا النكاح من الفرج وهذا قول جماعة من العلماء أن الرجل له أن يباشر الحائض وينال منها ما دون الوطء في الفرج وهو قول عائشة رضي الله

عنها وأم سلمة وابن عباس ومسروق والحسن وعطاء والشعبي وإبراهيم النخعي وسفيان الثوري ومحمد بن الحسن وهو الصحيح من قول الشافعي
قال أبو جعفر وهذا الحديث المسند دال عليه قريء على أحمد بن محمد بن الحجاج عن يحيى بن سليمان قال حدثنا عبدالرحمن بن زياد عن عبد الله بن عمر وقال حدثنا أيوب السختياني عن أبي معشر عن إبراهيم عن مسروق قال سألت عائشة رضي الله عنها ما يحل من امرأتي وهي حائض قالت كل شيء إلا الفرج
قال أبو جعفر فهذا إسناد متصل
والحديث الآخر أنها قالت كان رسول الله يباشرني فوق الإزار ليس فيه دليل على حظر غير ذلك
وقد يحتمل أن يكون المعنى فوق الإزار وهو مفروش فهذا قول وقال عبيدة اللحاف واحد والفراش مختلف وهذا قول شاذ يمنع منه ما صح عن رسول الله من مباشرته نساءه وهن حيض
وقول ثالث أن يعتزل الحائض فيما بين السرة والركبة وهو قول جماعة من العلماء منهم ميمونة ويروي عن ابن عباس ومنهم سعيد بن المسيب ومالك بن أنس رحمه الله وأبو حنيفة رحمه الله

والحجة لهم ما حدثناه إبراهيم بن شريك قال حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس قال حدثنا الليث يعني ابن سعد عن الزهري عن حبيب مولى عروة
عن ندبة مولاة ميمونه عن ميمونة أن النبي كان يباشر المرأة من نسائه وهي حائض إذا كان إزارها إلى نصف فخذيها أو إلى ركبتيها محتجزة به
قال أبو جعفر الليث يقول ندبة وغيره يقول ندبه وليس في هذا الحديث دليل على حظر ما تقدمت إباحته
وقد زعم قوم أن حديث أنس الذي بدأنا به منسوخ لأنه كان في أول ما نزلت الآية وأن الناسخ له حديث أبي إسحاق عن عمير مولى عمر عن عمر رضي الله عنه عن النبي أنه قال له في الحائض لك ما فوق الإزار وليس لك ما تحته

قال وهذا إدعاء في النسخ ولا يعجز أحدا ذلك والإسناد الأول أحسن إستقامه من هذا وهذا القول قد قال به جماعة قد ذكرناهم ولم يقل أحد منهم فيه بنسخ والذي قال هذا بعض المحدثين
والتقدير على القول الأول فاعتزلوا جماع النساء في موضع المحيض أي في الفرج فيكون المحيض اسما للموضع كما أن المجلس اسم للموضع الذي يجلس فيه وكذا ولا تقربوهن حتى يطهرن كما حدثنا بكر بن سهل قال حدثنا أبو صالح قال حدثني

معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس فاعتزلوا النساء في المحيض قال اعتزلوا نكاح فروجهن
قال أبو جعفر ومن قرأ حتى يطهرن فمعناه حتى يحل لهن أن يطهرن كما يقول قد حلت المرأة للأزواج أي حل لها أن تتزوج ومن قرأ حتى يطهرن جعله بمعنى يغتسلن وقد قرأ الجماعة بالقراءتين فهما بمنزلة اثنين لا يحل له حتى تطهر وتطهر
فأما قول من قال إنها تحل له إذا غسلت فرجها من الأذى بعد أن تخرج من الحيض فخارج عن الإجماع وهو ظاهر القرآن قال الله عز و جل وإن كنتم جنبا فاطهروا
وفي موضع آخر ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا فجاء القرآن ليطهروا ويغتسلوا بمعنى واحد وكذا حتى يطهرن أي الطهور الذي يصلين به

وأما قول من قال إذا طهرت من الحيض حلت وإن لم تغتسل إذا دخل عليها وقت صلاة أخرى فخارج أيضا عن الإجماع وليس يعرف من قول واحد وإنما قيس على شيء من قول أبي حنيفة أنه قال إذا طلق رجل إمرأته طلاقا يملك معه الرجعة كان له أن يراجعها من غير إذنها ما لم تغتسل من الحيضة الثالثة إلا أن تطهر من الحيضة الثالثة فيدخل عليها وقت صلاة أخرى ولم تغتسل قاسوا على هذا

والدليل على ذلك ما حدثناه أحمد بن محمد الأزدي قال حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال حدثنا أبو حذيفة قال حدثنا سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله عز و جل ولا تقربوهن حتى يطهرن قال من الدم فإذا تطهرن قال اغتسلن قال أحمد بن محمد ولا أعلم بين العلماء في هذا إختلافا
قال أبو جعفر فأما من حيث أمركم الله ففي معناه اختلاف فعن ابن عباس ومجاهد قالا في الفرج وعن محمد بن

علي بن الحنفية قال من قبل الحلال من قبل التزويج وعن أبي رزين قال من قبل الطهر لا من قبل الحيض
قال أبو جعفر وهذا القول أشبه بسياق الكلام وأصح في اللغة لأنه لو كان المراد به الفرج كانت ههنا أولى فإن قيل لم لا يكون معناه من قبل الفرج قيل لو كان كذا لم يجز أن يطأها من دبرها في فرجها والإجماع على غير ذلك إن الله يحب التوابين قال عطاء أي من الذنوب وهذا لا خلاف فيه واختلفوا في معنى ويحب المتطهرين فمن أهل التفسير من قال المتطهرين من أدبار النساء وقيل من الذنوب وقال عطاء المتطهرين بالماء وهذا أولى بسياق الآية والله أعلم
وأما الآية الثانية والعشرون فقد أدخلها بعض العلماء في الناسخ والمنسوخ وهو قتادة وذكرناها ليكون الكتاب مشتملا على ما ذكره العلماء

ذكر الآية الثانية والعشرين من هذه السورة
قال الله عز و جل والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء الآية
قال أبو جعفر فممن جعلها في الناسخ والمنسوخ الضحاك عن ابن عباس و قتادة إلا أن لفظ ابن عباس أن قال استثناء ولفظ قتادة نسخ قال قال الله عز و جل والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ثم نسخ من الثلاث الحيض المطلقات اللواتي لم يدخل بهن في سورة الأحزاب فقال جل ثناؤه يا أيها الذين ءامنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها ونسخ الحيض عن أولات الأحمال قال جل وعز وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن
قال أبو جعفر وقال غيرهما من العلماء ليس هذا بنسخ ولكنه تبيين بين جل وعز بهاتين الآيتين أنه لم يرد بالإقراء الحوامل ولا اللواتي لم يدخل بهن
ثم اختلف العلماء في الإقراء فقالوا فيها ثلاثة أقوال كما حدثنا أحمد بن محمد الأزدي قال حدثنا محمود بن حسان قال حدثنا

عبد الملك بن هشام قال حدثنا أبو زيد الأنصاري قال سمعت أبا عمرو بن العلاء يقول تسمى العرب الطهر قرءا وتسمى الحيض قرءا وتسمى الطهر مع الحيض جميعا قرءا
وقال الأصمعي أصل القرء الوقت يقال أقرأت النجوم إذا طلعت لوقتها
قال أبو جعفر فلما صح في اللغة أن القرء الطهر والقرء الحيض وأنه لهما جميعا وجب أن يطلب الدليل على المراد بقوله عز و جل ثلاثة قروء من غير اللغة إلا أن بعض العلماء تقول هي الأطهار ويرده إلى اللغة من جهة الإشتقاق وسنذكر قوله بعد ذكرنا في ذلك عن الصحابة والتابعين وفقهاء الأمصار فممن قال الأقراء الأطهار عائشة رضي الله عنها بلا اختلاف عنها كما قريء على إسحاق بن إبراهيم بن جابر عن سعيد بن الحكم بن محمد بن أبي مريم قال

حدثنا عبد الله بن عمر بن حفص قال أخبرني عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت إنما الإقراء الأطهار
وقال أبو جعفر وقد رواه الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها
وممن روي عنه الأقراء الأطهار بأختلاف ابن عمر وزيد بن ثابت كما حدثنا بكر بن سهل قال حدثنا عبد الله بن يوسف قال أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان يقول إذا طلق الرجل إمرأته فرأت الدم من الحيضة الثالثة فقد برئت منه وبريء منها ولا ترثه ولا يرثها وإنما وقع الخلاف فيه عن ابن عمر لأن بكر بن سهل حدثنا قال حدثنا عبد الله بن يوسف قال أخبرنا مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه كان يقول إذا طلق العبد امرأته اثنتين حرمت عليه حتى تنكح زوجا غيره حرة كانت أو أمة وعدة الأمة حيضتان وعدة الحرة ثلاث حيض

قال أبو جعفر والحديثان جميعا في الموطأ
فأما حديث زيد ففيه روايتان إحداهما من حديث الزهري عن قبيصة بن ذويب عن زيد بن ثابت قال عدة الأمة حيضتان وعدة الحرة ثلاث حيض
والمخالف له ما حدثناه إبراهيم بن شريك قال حدثنا أحمد يعني ابن عبد الله بن يونس قال حدثنا ليث عن نافع أن سليمان بن يسار حدثه أن الأخوص وهو ابن حكيم طلق امرأته بالشام فهلك وهى في آخر حيضتها يعني الثالثة فكتب معاوية إلى زيد بن ثابت يسأله فكتب إليه لا ترثه ولا يرثها وقد برئت منه وبريء منها قال نافع فقال عبد الله بن عمر مثل ذلك
وقريء على بكر بن سهل عن سعيد بن منصور قال حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن عمرة عن عائشة رضي الله عنها وعن سليمان بن يسار عن زيد بن ثابت قالا يبينها من زوجها إذا طعنت في الحيضة الثالثة

قال أبو جعفر فهؤلاء الصحابة الذين روى عنهم أن الأقراء الأطهار وهم ثلاثة فأما التابعون وفقهاء الأمصار فمنهم القاسم وسالم وسليمان بن يسار وأبو بكر بن عبد الرحمن وأبان بن عثمان ومالك بن أنس والشافعي وأبو ثور
قال أبو جعفر وأما الذين قالوا الأقراء الحيض فأحد عشر من أصحاب رسول الله بلا اختلاف عنهم زيادة اثنين باختلاف
كما قريء على أحمد بن محمد بن الحجاج عن يحيى بن سليمان قال حدثنا خالد بن إسماعيل ووكيع بن الجراح قالا حدثنا عيسى بن أبي عيسى عن الشعبي قال أحد عشر من أصحاب رسول الله أو اثنا عشر الخير فالخير منهم عمر وزاد وكيع وأبو بكر قالا وعلي وابن مسعود وابن عباس إذا طلق الرجل إمرأته بطلقة أو طلقتين فله عليها الرجعة ما لم تغتسل من القرء الثالث وقال وكيع في حديثه ما لم تغتسل من حيضتها الثالثة
قال أبو جعفر الأحد عشر أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وابن مسعود وابن عباس ومعاويه وعبادة وأبو الدرداء وأبو موسى الأشعري وأنس رضي الله عنهم والاثنان بالاختلاف ابن عمر ويزد رضي الله عنهما
وقريء على بكر بن سهل عن سعيد بن منصور قال حدثنا سفيان بن عيينه عن الزهري عن سعيد بن المسيب في الرجل يطلق امرأته تطليقة أو تطليقتين قال قال علي رضي الله عنه هو أحق برجعتها ما لم تغتسل من الحيضة الثالثة وقال سفيان وحدثنا منصور عن إبراهيم عن علقمة عن عمر وابن مسعود أنهما قالا هو أحق برجعتها ما لم تغتسل

قال سفيان وحدثنا أيوب عن الحسن بن أبي موسى الأشعري مثل ذلك
ومن التابعين وفقهاء الأمصار سعيد بن المسيب وسعيد بن جبير وطاووس وعطاء والضحاك ومحمد بن سيرين والشعبي والحسن وقتادة والأوزاعي والثوري وأبو حنيفة وأصحابه وإسحق وأبو عبيد
وحكى الأثرم عن أحمد بن حنبل أنه كان يقول الأقراء الأطهار ثم وقف وقال الأكابر من أصحاب رسول الله يقولون غير هذا
وقال أبو جعفر فهذا ما جاء عن العلماء بالروايات
ونذكر ما في ذلك من النظر واللغة من احتجاجاتهم إذ كان الخلاف قد وقع
فمن أحسن ما احتج به من قال الأقراء الأطهار قال الله عز و جل والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء فأخبر أن القرء هو العدة والعدة عقيبة الطلاق وإنما يكون الطلاق في الطهر فلو كانت الأقراء هي الحيض كان بين الطلاق والعدة فصل

واحتجوا بالحديث حدثنا بكر بن سهل قال حدثنا عبد الله بن يوسف قال أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه طلق امرأته وهى حائض فسأل عمر رضي الله عنه عن ذلك رسول الله قال مره فليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم إن شاء أمسك بعد وإن شاء طلق قبل أن يمس فتلك العدة التي أمر الله عز و جل أن يطلق لها النساء قال المحتج فتلك إشارة الى الطهر
وفي حديث أبي الزبير عن ابن عمر قال وتلا رسول الله فطلقوهن في قبل عدتهن قال فقبل عدتهن وهو الطهر
قال أبو جعفر ومخالفه يحتج عليه بالحديث بعينه وسيأتي ذلك
واحتج بعضهم بأنه من قريت الماء أي حبسته فكذا القرء هو احتباس الحيض وهذا غلط بين لأن قرئت الماء غير مهموز وهذا مهموز فاللغلا تمنع أخذ هذا من هذا
واحتج بعضهم بأن الآية ثلاثة قروء بالتاء فوجب أن يكون للطهر لأن الطهر مذكر وعدد المذكر يدخل فيه التاء ولو كان للحيضة لقيل ثلاث
قال أبو جعفر وهذا غلط في العربية لأن الشيء يكون له اسمان مذكر ومؤنث فإذا جئت بالمؤنث أنثته وإذا جئت بالمذكر ذكرته كما تقول

رأيت ثلاث أدور ورأيت ثلاثة منازل لأن الدار مؤنثة والمنزل مذكر والمعنى واحد
وأما احتجاج الذين قالوا الأقراء الحيض فبشيء من القرآن ومن الإجماع ومن السنة ومن القياس
قالوا قال الله عز و جل وآلائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر فجعل الميؤوس منه المحيض فدل على أنه هو العدة وجعل العوض منه الأشهر إذا كان معدوما
قال الله عز و جل فطلقوهن لعدتهن وبين رسول الله أن معنى فطلقوهن لعدتهن أن تطلق في طهر لم تجامع فيه ولا يخلو لعدتهن من أن يكون معناه ليعتددن في المستقبل أو يكون للحال أو الماضي ومحال أن تكون العدة قبل الطلاق أو أن يطلقها في حال عدتها فوجب أن يكون للمستقبل
قال أبو جعفر والطهر كله جائز أن يطلق فيه وليس بعد الطهر إلا الحيض
وقال عز و جل والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء وقالوا إذا طلقها في الطهر ثم احتسبت به قرءا فلم تعتد إلا قرئين وشيئا وليس هكذا نص القرآن
وقد احتج محتج في هذا فقال التثنية جمع واحتج بقوله عز و جل الحج أشهر معلومات وإنما ذلك شهران وأيام

قال أبو جعفر وهذا الإحتجاج غلط لأنه لم يقل عز و جل ثلاثة أشهر فيكون مثل ثلاثة قروء وإنما هذا مثل قوله عز و جل يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا فلا يجوز أن يكون أقل منها وكذا فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم
فأما من السنة فحدثنا الحسن بن غليب قال حدثنا يحيى بن عبد الله قال أخبرنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن بكير بن عبد الله بن الأشح عن المنذر بن المغيرة عن عروة بن الزبير أن فاطمة بنت أبي حبيش أخبرته أنها أتت رسول الله فشكت إليه الدم فقال إنما ذلك عرق فانظري إذا أتاك قرؤك فلا تصلي فإذا مر القرء فتطهري ثم صلي من القرء إلى القرء

قال أبو جعفر فهذا لفظ رسول الله سمي الحيض قرءا في أربعة مواضع
وأما الإجماع فأجمع المسلمون على الإستبراء بحيضة وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه بحضرة أصحاب رسول الله عدة الأمة حيضتان نصف عدة الحرة ولو قدرت على أن أجعلها حيضة ونصف ففعلت
وهذا يدخل في باب الإجماع لأنه لم ينكر عليه أحد من الصحابة
وقالوا قد أجمع العلماء على أن المطلقة ثلاثا إذا ولدت فقد خرجت من العدة لا إختلاف في ذلك وإنما اختلفوا في المتوفى عنها زوجها قالوا في القياس أن يكون الحيض بمنزلة الولد لأنهما جميعا يخرجان من الجوف
وفي سياق الآيه أيضا دليل قال الله عز و جل ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن فللعلماء في هذا قولان
قال ابن عباس الحبل وقال الزهري الحيض وليس ثم دليل يدل على إختصاص أحدهما فوجب أن يكون لهما جميعا
وإنما حظر عليها كتمان الحيض والحبل لأن زوجها إذا طلقها طلاقا يملك معه الرجعة كان له أن يراجعها من غير أمرها ما لم تنقض عدتها

فإذا كرهته قالت قد حضت الحيضة الثالثة أو قد ولدت لئلا يراجعها فنهيت عن ذلك
قال الله عز و جل وبعولتهن أحق بردهن في ذلك
قال حدثنا أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة قال حدثنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن قتادة وبعولتهن أحق بردهن في ذلك قال هو أحق بردها في العدة
قال أبو جعفر التقدير في العربية في ذلك الأجل
وأما ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف فقال فيه ابن زيد عليه أيضا أن يتقي الله عز و جل فيها
وأما وللرجال عليهن درجة ففيه أقوال فقال ابن زيد عليها ان تطيعه وليس عليه أن يطيعها وقال الشعبي إذا قذفها لاعن ولم يحد وإذا قذفته حدت
ومن أحسن ما قيل فيه ما رواه عكرمة عن ابن عباس قال ما أريد أن أستنطف حقوقي على زوجتي

قال أبو جعفر ومعنى هذا أن الله عز و جل ندب الرجال إلى أن يتفضلوا على نسائهم وأن يكون لهم عليهن درجة في العفو والفضل والاحتمال لأن معنى درجة في اللغة زيادة وإرتفاع
قال أبو العالية والله عزيز في إنتقامه حكيم في تدبره
قال أبو جعفر وهذا قول حسن أي عزيز في إنتقامه ممن خالف أمره أو حدوده في أمر الطلاق أو العدة حكيم فيما دبر لخلقه
واختلف العلماء في الآية التي تلي هذه فمنهم من جعلها ناسخة ومنهم من جعلها منسوخة ومنهم من جعلها محكمة وهي الآية الثالثة والعشرون

باب ذكر الآية الثالثة والعشرين من هذه السورة
قال الله عز و جل الطلاق مرتان
فمن العلماء من يقول هى ناسخة لما كانوا عليه لأنهم كانوا في الجاهلية مدة وفي أول الإسلام برهة يطلق الرجل إمرأته ما شاء من الطلاق فإذا كادت تحل من طلاقها راجعها ما شاء فنسخ الله عز و جل ذلك بأنه إذا طلقها ثلاثا لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره وإذا طلقها واحدة أو إثنتين كانت له مراجعتها ما دامت في العدة فقال عز و جل الطلاق مرتان أى الطلاق الذي يملك معه الرجعة وهذا معنى قول عروة
قريء على عبد الله بن أحمد بن عبد السلام عن أبي الأزهر قال حدثنا روح بن عبادة عن سعيد عن قتادة في قول الله عز و جل الطلاق مرتان قال فنسخ هذا ما كان قبله فجعل الله عز و جل حد الطلاق ثلاثا وجعل له الرجعة ما لم يطلق ثلاثا
قال أبو جعفر فهذا قول
والقول الثاني أنها منسوخة بقوله عز و جل فطلقوهن لعدتهن

والقول الثالث إنها محكمة وافترق قول من قال إنها محكمة على ثلاث جهات
فمنهم من قال لا ينبغي للرجال إذا أراد أن يطلق امرأته أن يطلقها إلا اثنتين لقول الله عز و جل الطلاق مرتان ثم إن شاء طلق الثالثة بعد وهذا قول عكرمة
والقول الثاني أنه يطلقها في طهر لم يجامعها فيه إن شاء واحدة وإن شاء اثنتين وإن شاء ثلاثا وهذا قول الشافعي
والقول الثالث الذي عليه أكثر العلماء أن يطلقها في كل طهر طلقة واحدة

ويحتج أصحاب هذا القول بقول رسول الله لعمر رضي الله عنه مرة فليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم إن شاء أمسك وإن شاء طلق قبل أن يجامع
قال أبو جعفر وقد ذكرناه بإسناده فكانت السنة أن يكون بين كل تطليقتين حيضة فلو طلق رجل امرأته وهى حائض ثم راجعها ثم طلقها في الطهر الذي يلي الحيضة وقعت تطليقتان بينهما حيضة واحدة
قال أبو جعفر وهذا خلاف السنة فلهذا أمر أن يراجعها ثم يمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر
ومن الحجة أيضا الطلاق مرتان لأن مرتين يدل على التفريق كذا هو في اللغة قال سيبويه وقد تقول سير عليه مرتين تجعله للدهر أي ظرفا فسيبويه يجعل مرتين ظرفا فالتقدير أوقات الطلاق مرتان
حدثنا أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة قال حدثنا عبد الرزاق قال حدثنا سفيان الثوري قال أخبرني إسماعيل بن

سميع عن أبي رزين أن رجلا قال يا رسول الله أسمع الله عز و جل يقول الطلاق مرتان فأين الثالثة قال التسريح بإحسان
قال أبو جعفر وفي هذه الآية ما قد اختلف فيه اختلافا كثيرا وجعله بعضهم فيه المنسوخ بعد الإتفاق على أنه في مخالعة الرجل امرأته قال جل وعز ولا يحل لكم أن تأخذوا مما ءاتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله
قال عقبة بن أبي الصهباء سألت بكر بن عبد الله المزني عن

الرجل يريد امرأته أن تخالعه فقال لا يحل له أن يأخذ منها شيئا قلت فأين قول الله عز و جل في كتابه فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به قال نسخت قلت فأين جعلت قال في سورة النساء وإن أردتم إستبدال زوج مكان زوج و ءاتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا والآية الأخرى
قال أبو جعفر وهذا قول شاذ خارج عن الإجماع وليس إحدى الآيتين رافعة للأخرى فيقع النسخ لأن قوله فإن حختم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به ليس بمزال بتلك لأنهما إذا خافا هذا لم يدخل الزوج في وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج لأن هذا للرجال خاصة
قال أبو جعفر ومن الشذوذ في هذا ما روى عن سعيد بن جبير ومحمد بن سيرين والحسن أنهم قالوا لا يجوز الخلع إلا بأمر السلطان قال شعبة قلت لقتادة عمن أخذ الحسن الخلع إلى السلطان قال عن زياد

قال أبو جعفر وهو صحيح معروف عن زياد ولا معنى لهذا القول لأن الرجل إذا خالع امرأته إنما هو على ما يتراضيان به ولا يجوز أن يجبره السلطان على ذلك فلا معنى لقول من قال هو إلى السلطان
ومع هذا فقول الصحابة وأكثر التابعين أن الخلع جائز من غير إذن السلطان
فممن قال ذلك عمر وعثمان وابن عمر رضي الله عنه كما حدثنا محمد بن زيان قال حدثنا محمد بن رمح قال اخبرني الليث عن نافع أنه سمع الربيع ابنه معوذ بن عفراء تخبر عبد الله بن عمر أنها اختلعت من زوجها في عهد عثمان فجاء عمها معاذ بن عفراء الى عثمان رضي الله عنه فقال إن ابنة معوذ اختلعت من زوجها أفتنتقل فقال عثمان لتنتقل ولا ميراث بينهما ولا عدة عليها ولكن لا تنكح حتى تحيض حيضة خشية أن يكون بها حمل فقال ابن عمر عثمان خيرنا وأعلمنا
قال أبو جعفر وفي حديث أيوب وعبيد الله عن نافع عن ابن عمر عن عثمان رضي الله عنهما ولا نفقة لها
وفي هذا الحديث أحكام وعلوم
فمنها أن عثمان رضي الله عنه أجاز الخلع على خلاف ما قال بكر بن عبد الله وأجازه من غير إذن السلطان على خلاف ما قال زياد وجعله طلاقا على خلاف ما يروى عن ابن عباس وأجازه بالمال ولم يسل أهو

أكثر من صداقها أم أقل على خلاف ما يقول أبو حنيفة وأصحابه أن الخلع لا يجوز بأكثر مما ساق إليها من الصداق وأجاز للمختلعة أن تنتقل وجعلها خلاف المطلقة ولم يجعل عليها عدة كالمطلقة
وقال بهذا القول إسحق بن راهويه قال ليس على المختلعة عدة وإنما عليها الإستبراء بحيضة وهو قول ابن عباس بلا اختلاف
وعن ابن عمر فيه اختلاف فلما جاء عن ثلاثة من الصحابة لم يقل بغيره ولا سيما ولم يصح عن أحد من الصحابة خلافه فأما عن غيرهم فكثير
قال جماعة من العلماء عدة المختلعة عدة المطلقة منهم سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار وسالم بن عبدالله وعروة بن الزبير وعمر بن عبد العزيز رحمهم الله والزهري والحسن وإبراهيم النخعي وسفيان الثوري والأوزاعي ومالك وأبو حنيفة وأصحابه والشافعي وأحمد بن حنبل رحمهم الله
وفي حديث عثمان أنه أوجب أن المختلعة أملك بنفسها لا تتزوج إلا برضاها وإن كانت لم تطلق إلا واحدة
وفيه أنها لا نفقة لها ولا سكنى وأنهما لا يتوارثان
وإن كان إنما طلقها واحدة
وفيه أنها لا تنكح حتى تحيض حيضة

وفيه أن عبد الله بن عمر خير أن عثمان خير وأعلم من كل من ولي عليه
وأما حديث ابن عباس فحدثناه أحمد بن محمد الأزدي قال حدثنا محمد بن خزيمة قال حدثنا حجاج قال حدثنا أبو عوانة عن ليث عن طاووس أن ابن عباس جمع بين رجل وامرأته بعد أن طلقها تطليقتين وخالعها وهذا قول شاذ خارج عن الإجماع والمعقول
وذلك أنه إذا قال لأمراته أنت طالق إذا كان كذا فوقعت الصفة طلقت بإجماع فكيف يكون إذا أحذ منها شيئا وطلق بصفة لم يقع الطلاق فهذا محال في المعقول وطاووس مولى لقوم من النمر وهو فقيه أهل النمر وإن كان رجلا صالحا فعنده عن ابن عباس مناكير يخالف عليها ولا يقبلها أهل العلم
منها أنه روى عن ابن عباس أنه قال في رجل قال لإمرأته أنت طالق ثلاثا إنما تلزمه واحدة ولا يعرف هذا عن ابن عباس إلا من روايته والصحيح عنه وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما أنها ثلاث كما قال الله عز و جل فإن طلقها فلا تحل له من بعد أى الثالثة
قال أبو جعفر فأما العلة التي رويت عن ابن عباس في المختلعة أنه روى عنه أنه قال وقع الخلع بين طلاقين قال الله جل وعز الطلاق مرتان ثم ذكر المختلعة فقال فإن طلقها

قال أبو جعفر الذي عليه أهل العلم أن قوله عز و جل الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان كلام قائم بنفسه ثم قال ولا يحل لكم أن تأخذوا مما ءاتيتموهن شيئا فكان هذا حكما مستأنفا ثم قال عز و جل فإن طلقها فرجع إلى الأول ولو كان على ما روى عن ابن عباس لم تكن المختلعة إلا من طلقت تطليقتين وهذا ما لا يقول به أحد ومثل هذا في التقديم والتأخير وامسحوا برءوسكم وأرجلكم
قال أبو جعفر وهذا بين في النحو وفي الآية من اللغة
وقد ذكره مالك رحمه الله نصا فقال المختلعة التي اختلعت من كل ما لها والمفتدية التي أفتدت ببعض مالها والمبادئة التي بادأت زوجها من قبل أن يدخل بها فقالت قد أبرأتك فبارئني
قال وكل هذا سواء
وقال أبو جعفر وهذا صحيح في اللغة وقد يدخل بعضه في بعض فيقال مختلعة وإن دفعت بعض مالها فيكون تقديره أنها اختلعت نفسها من زوجها وكذلك المفتدية وإن افتدت بكل مالها

فأما قول من قال لا يجوز أن تختلع بأكثر مما ساق إليها من الصداق فشيء لا توجبه الآية لأن الله عز و جل قال فلا جناح عليهما فيما افتدت به وليس في التلاوة فيما افتدت به من ذلك ولا منه فيصح ما قالوا على أن سعيد بن المسيب يروي عنه أنه قال لا يجوز الخلع إلا بأقل من الصداق وقال ميمون بن مهران من أخذ الصداق كله فلم يسرح بإحسان
وقد أدخلت الآية الرابعة والعشرون في الناسخ والمنسوخ

باب ذكر الآية الرابعة والعشرين من هذه السورة
قال الله عز و جل وعلى الوارث مثل ذلك
في هذه الآية للعلماء أقوال فمنهم من قال هي منسوخة ومنهم من قال إنها محكمة والذين قالوا إنها محكمة لهم فيها ستة أجوبة فمنهم من قال وعلى الوارث مثل ذلك أن لا يضار ومنهم من قال الوارثة عصبة الأب عليهم النفقة والكسوة ومنهم من قال على وارث المرضع النفقة والكسوة ومنهم من قال وعلى الوارث أي الصبي نفسه ومنهم من قال الوارث الباقي من الأبوين ومنهم من قال الوارث كل ذي رحم محرم
قال أبو جعفر ونحن ننسب هذه الأقوال إلى قائلها من الصحابة والتابعين والفقهاء ونشرحها لتكمل الفائدة في ذلك
حكى عبد الرحمن بن القاسم في الأسدية عن مالك بن أنس رحمه الله أنه قال لا يلزم الرجل نفقة أخ ولا ذي قرابة ولا ذي رحم منه قال وقول الله عز و جل وعلى الوارث مثل ذلك هو منسوخ
قال أبو جعفر هذا لفظ مالك ولم يبين ما الناسخ لها ولا عبد الرحمن بن القاسم

ومذهب ابن عباس ومجاهد و الشعبي أن المعنى وعلى الوارث مثل ذلك أى لا يضار
والذين قالوا علىت وارث الأب النفقة والكسوة عمر بن الخطاب رضي الله عنه والحسن بن أبي الحسن كما قريء علي محمد بن جعفر بن حفص عن يوسف بن موسى قال حدثنا قبيصة قال حدثنا سفيان عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب عن سعيد بن المسيب أن عمر أجبر بني عم على منفوس وفي رواية ابن عيينة الرجال دون النساء
وقال الحسن إذا خلف أمه وعمه الأم موسرة والعم معسر فالنفقة على العم

والذين قالوا وعلى وارث المولود النفقة والكسوة زيد بن ثابت قال إذا خلف أما وعما فعلى كل واحد منهما على قدر ميراثهما وهو قول عطاء وقال قتادة على وارث الصبي لا قدر ميراثهم
وقال قبيصة بن ذؤيب الوارث الصبي كما قريء على محمد بن جعفر بن حفص عن يوسف بن موسى قال حدثنا أبو عبد الرحمن المقريء قال حدثنا حيوة قال حدثنا جعفر بن ربيعة عن قبيصة بن ذؤيب وعلى الوارث مثل ذلك قال الوارث الصبي وروى ابن المبارك عن سفيان الثوري قال إذا كان للصبي أم وعم أجبرت الأم على رضاعة ولم يطالب العم بشيء
وأما الذين قالوا على كل ذي رحم محرم فهم أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد

قال أبو جعفر فهذه جميع الأقوال التي وصفناها من أقوال الصحابة والتابعين والفقهاء
فأما قول مالك رحمه الله إنها منسوخة فلم يبينه ولا علمت أن أحدا من أصحابه بين ذلك والذي يشبه أن تكون الناسخ لها عنده والله أعلم أنه لما أوجب الله عز و جل للمتوفى عنها زوجها من مال المتوفى نفقة حول والسكنى ثم نسخ ذلك ورفعه نسخ ذلك أيضا عن الوارث واما قول من قال وعلى الوارث مثل ذلك أن لا يضار فقول حسن لأن أموال الناس محظورة فلا يخرج منها شيء إلا بدليل قاطع
وأما قول من قال على ورثة الأب فالحجة أن النفقة كانت على الأب فورثته أولى من ورثة الابن

وأما حجة من قال على ورثة الابن فنقول كما يرثون يقومون به
قال أبو جعفر وكان محمد بن جرير يختار قول من قال الوارث ههنا الابن وهو إن كان قولا غريبا فالإسناد به صحيح والحجة فيه ظاهرة لأن ماله أولى به
وقد أجمع الفقهاء إلا من شذ منهم أن رجلا لو كان له ولد طفل وللولد مال والأب موسر أنه لا يجب على الأب نفقة ولا رضاع وأن ذلك من مال الصبي فإن قيل قد قال الله عز و جل وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف قيل هذا الضمير للمؤنث ومع هذا فإن الإجماع حد للآية مبين لها لا يسع مسلما الخروج عنه
وأما قول من قال ذلك على من بقي من الأبوين فحجته أنه لا يجوز للأم تضييع ولدها وقد مات من كان ينفق عليها وعليه
وأما قول من قال النفقة والكسوة على كل ذي رحم محرم فحجته أن على الرجل أن ينفق على كل ذي رحم محرم إذا كان فقيرا
قال أبو جعفر وقد عورض هذا القول بأنه لم يؤخذ من كتاب الله عز و جل ولا إجماع ولا من سنة صحيحة بل لا يعرف من قول سوى من ذكرناه فأما القرآن فقال الله تعالى وعلى الوارث مثل ذلك فتكلم الصحابة والتابعون فيه بما تقدم ذكره فإن كان على الوارث النفقة والكسوة فقد خالفوا ذلك فقالوا إذا ترك خاله وابن عمه فالنفقة على خاله وليس على ابن عمه شيء فهذا مخالفة نص القرآن لأن الخال لا يرث مع ابن

العم في قول أحد ولا يرث وحده على قول كثير من العلماء والذي احتجوا به من النفقة على كل ذي رحم محرم أكثر أهل العلم على خلافه
وأما الآية الخامسة والعشرون فقد تكلم العلماء أيضا فيها فقال أكثرهم هي ناسخة وقال بعضهم فيها ما نسخ

باب ذكر الآية الخامسة والعشرين من هذه السورة
قال الله جل وعز والذين يتوفون منكم و يذرون أزواجا يتربصن بأنفسهم ربعة أشهر وعشرا الاية
أجمع اكثر العلماء على أن هذه الآية ناسخة لقوله عز و جل والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج أوصى لها زوجها بنفقة سنة وبالسكنى ما لم تخرج فتتزوج ثم نسخ ذلك بأربعة أشهر وعشر أو بالميراث
واختلف الذين قالوا هذا القول قال بعضهم نسخ من الأربعة الأشهر والعشر المتوفي عنها زوجها وهي حامل فانقضاء عدتها إذا ولدت وقال قوم آخر الأجلين
وقال قوم هو عام بمعنى الخاص أي والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا ليس حوامل يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا
وقال قوم ليس في هذا نسخ وإنما هو نقصان من الحول
وقال قوم هما محكمتان واستدلوا بأنها منهية عن المبيت في غير منزل زوجها
قال أبو جعفر ونحن نشرح هذه الأقوال ونذكر قائلي من يعرف منهم

فممن قال إن الآية ناسخة وصح ذلك عنه عثمان بن عفان رضي الله عنه وعبد الله بن الزبير حين قال عبد الله بن الزبير قلت لعثمان لم أثبت في المصحف والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج وقد نسختها والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا فقال يا بن أخي إني لا أغير شيئا عن مكانه فبين عثمان رضي الله عنه أنه إنما أثبت في المصحف على ما أخذه عن النبي وأخذه النبي عن جبريل عليهما السلام على ذلك التأليف لم يغير منه شيئا
أخبرنا أبو جعفر قال حدثنا أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة قال حدثنا عبد الرزاق قال حدثنا معمر عن قتادة والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم قال نسختها والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا قال متاعا إلى الحول غير إخراج نسخها الربع أو الثمن ونسخ الحول العدة أربعة أشهر و عشرا
قال أبو جعفر وحدثنا بكر بن سهل قال حدثنا أبو صالح قال حدثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال وقول تعالى والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم الآية كانت المرأة إذا مات زوجها وتركها اعتدت سنة وينفق عليها من ماله ثم أنزل الله عز و جل بعد ذلك والذين يتوفون منكم ويذرون

أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا إلا أن تكون حاملا فانقضاء عدتها أن تضع ما في بطنها ونزل ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم فبين الله عز و جل الميراث وترك النفقة والوصية
قال أبو جعفر وأما قول من قال إنه عام بمعنى الخاص فقول حسن لأنه قد تبين ذلك بالقرآن والحديث وسنذكر ذينك
وأما قول من قال نسخ منها الحوامل فيحتج بقول ابن مسعود من شاء لاعنته أن سورة النساء القصري نزلت بعد الطولي يعني أن قوله تعالى وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن نزلت بعد التي في البقرة وهذا القول أعني أن أولات الأحمال ناسخة للتي في البقرة أو مبينة لها قول أكثر الصحابة والتابعين والفقهاء فمنهم عمر وابن عمر وابن مسعود وأبو مسعود البدري وأبو هريرة رضي الله عنهم وسعيد بن المسيب والزهري ومالك والأوزاعي والثوري وأصحاب الرأي والشافعي وأبو ثور رحمهم الله

وأما قول من قال آخر الأجلين فحجته أنه جمع بين الآيتين وممن قال به بلا اختلاف علي بن أبي طالب رضي الله عنه وكان بينه وبين الصحابة فيه منازعة شديدة كثيرة من أجل الخلاف فيه
كما حدثنا أحمد بن محمد الأزدي قال أخبرنا إبراهيم بن مرزوق قال حدثنا أبو داود الطيالسي عن شعبة قال حدثنا عبيد بن الحسن قال حدثنا بن معقل قال شهدت علي بن أبي طالب رضي الله عنه وقد سئل عن رجل توفى وامرأته حامل فقال تعتد آخر الأجلين فقيل له يا أمير المؤمنين إن أبا مسعود البدري يقول لتبتغ لنفسها فقال إن فروخا لا يعلم شيئا فبلغ ذلك أبا مسعود البدري فقال بلى وأنا أعلم وذكر الحديث
وممن صح عنه أنه قال تعتد اخر الأجلين عبد الله بن عباس
قال أبو جعفر وقد ذكرنا من قال بغير هذا من الصحابة حتى قال

عمر رضي الله عنه إن وضعت حملها وزوجها على السرير حلت وعلى القول الآخر لا تحل حتى تمضي أربعة أشهر وعشرا ثم جاء التوقيف عن النبي بأنها تحل إذا توفى عنها زوجها وهي حامل ثم ولدت قبل انقضاء أربعة اشهر وعشرا
وصح ذلك عنه كما حدثنا بكر بن سهل قال حدثنا عبد الله بن يوسف قال حدثنا مالك عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار أن عبد الله بن عباس وأبا سلمة بن عبد الرحمن سئلا عن المرأة يتوفى عنها زوجها وهى حامل فقال ابن عباس آخر الآجلين وقال أبو سلمة إذا ولدت فقد حلت فقال أبو هريرة أنا مع ابن أخي يعنى أبا سلمة فأرسلوا كريبا مولى ابن عباس إلى أم سلمة زوج النبي فجاء فأخبرهم أن أم سلمة قالت ولدت سبيعة الأسلمية بعد وفاة زوجها بليال فذكرت ذلك

لرسول الله فقال قد حللت وقال الحسن والشعبي لا تتزوج حتى تخرج من دم النفاس وكذا قال حماد بن أبي سليمان
قال أبو جعفر وإذا قال رسول الله شيئا لم يلتفت إلى قول غيره ولا سيما ونص القرآن وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن
وقد أجمع الجميع بلا خلاف بينهم أن رجلا لو توفى وترك امرأته حاملا فانقضت أربعة أشهر وعشرا أنها لا تحل حتى تلد فعلم أن المقصود الولادة
وأما قول من قال ليس في هذا نسخ وإنما هو نقصان من الحول فحجته أن هذا مثل صلاة المسافر لما نقصت من الأربع إلى اثنين لم يكن هذا ناسخا
وهذا غلط بين لأنه إذا كان حكمها أن تعتد سنة إذا لم تخرج فإن خرجت لم تمنع ثم أزيل هذا ولزمتها العدة أربعة أشهر وعشرا وهذا هو النسخ وليس صلاة المسافر من هذا في شيء

والدليل على ذلك أن عائشة رضي الله عنها قالت فرضت الصلاة ركعتين ركعتين فزيد في صلاة الحضر وأقرت صلاة المسافر بحالها وكذا تقول جماعة من الفقهاء أن فرض المسافر ركعتان
قال أبو جعفر وقد عورضوا في هذا بأن عائشة رضي الله عنها كانت تتم في السفر فكيف تتم في السفر وهي تقول فرض المسافر ركعتان فهذا متناقض فأجيبوا عن ذلك بأن هذا ليس بمتناقض لأنه قد صح عنها ما ذكرناه وهي أم المؤمنين رضي الله عنها فحيث حلت فهي مع أولادها فليست بمسافرة وحكمها حكم من كان حاضرا فلذلك كانت تتم الصلاة إن صح عنها الإتمام
ومما يدلك على أن الآية منسوخة أن بكر بن سهل حدثنا قال حدثنا عبد الله بن يوسف قال حدثنا مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن حميد بن نافع عن زينب ابنة أبي سلمة أنها أخبرته هذه الأحاديث الثلاثة
قالت زينب دخلت على أم حبيبة زوج النبي حين توفى أبوها

أبو سفيان بن حرب فدعت أم حبيبة بطيب فيه صفرة خلوق أو غيره فدهنت منه جارية ثم مست بعارضيها ثم قالت والله مالي بالطيب من حاجة غير أني سمعت رسول الله يقول لا يحل لا مرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ليال إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا
قالت زينب ودخلت على زينب ابنة جحش حين توفى أخوها فدعت بطيب فمست منه ثم قالت أما والله ما لي بالطيب من حاجة غير أني سمعت رسول الله على المنبر يقول لا يحل لا مرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ليال إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا
قالت زينب وسمعت أم سلمة تقول جاءت امرأة إلى رسول الله فقالت يا رسول الله إن ابنتي توفى عنها زوجها وقد اشتكت عينها أفأكحلها فقال رسول الله لا مرتين أو ثلاثا كل ذلك يقول لا ثم قال رسول الله إنما هي أربعة أشهر وعشر وقد كانت إحداكن في الجاهلية ترمي بالبعرة على رأس الحول
قال حميد فقلت لزينب وما ترمي بالبعرة على رأس الحول قال

حميد فقالت زينب كانت المرأة إذا توفي عنها زوجها دخلت حفشا ولبست شر ثيابها ولم تمس طيبا ولا شيئا حتى تمر بها سنة ثم تؤتى بدابة حمار أو شاة أو طائر فتفتض به فقلما تفتض بشيء إلا مات ثم تخرج فتعطي بعرة فترمى بها ثم تراجع بعد ما شاءت من طيب أو غيره
قال أبو جعفر وفي هذا الحديث من الفقه والمعاني واللغة شيء كثير فمن ذلك إيجاب الإحداد والامتناع من الزينة والكحل عن المتوفى عنها زوجها على خلاف ما روى إسماعيل بن علية عن يونس عن الحسن أنه كان لا يرى بالزينة بأسا للمتوفى عنها زوجها ولا يرى إلا حداد شيئا
وفيه قوله لا يحل لا مرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج فأوجب هذا على كل امرأة بالغة كانت أو غير بالغة مدخول بها أو غير مدخول بها أمة كانت تحت حر أو حرة كانت تحت عبد أو مطلقة واحدة أو اثنتين لأنها بمنزلة من لم تطلق

ودل ظاهر الحديث على أنه لا إحداد على كافرة لقوله تؤمن بالله واليوم الآخر
ودل أيضا ظاهرة على أنه لا احداد على الحامل لذكره أربعة اشهر وعشرا
قال أبو جعفر فأما معنى ترمي بالبعرة فقال فيه أهل اللغة والعلماء بمعاني العرب أنهن كن يفعلن ذلك ليرين أن مقامهن حولا أهون عليهن من تلك البعرة المرمية
وفيه من اللغة والغريب قوله تفتض وقد رواه بعض الفقهاء الجلة تقبص وقال معناه تجعل أصابعها على الطائر كما قريء فقبضت قبصة فخالفه أصحاب مالك رحمه الله أجمعون وقالوا تفتض وهو على تفسير مالك كذا يجب
كما حدثنا بكر بن سهل قال حدثنا عبد الله بن يوسف قال سمعت مالكا رحمه الله وسئل ما تفتض به قال تمسح به جلدها

قال أبو جعفر هذا مشتق من انفض القوم إذا تفرقوا وزال بعضهم عن بعض قال جل وعز حتى ينفضوا فمعنى تفتض به تزول به لأنها لا تزول من مكانها إلا بهذا فقد صارت تفتض به
وأما قول من قال الآيتان محكمتان واحتج بأن على المتوفى عنها

زوجها أن لا تبيت إلا في منزلها فليس بشيء لأنه لو كان كما قال وجب عليها أن تقيم سنة كما في الآية المنسوخة وأيضا فليس مقامها في منزلها إجماعا بل قد اختلف فيه الصدر الأول ومن بعدهم
فممن قال أن عليها المقام عمر وعثمان وأم سلمة وابن مسعود وابن عمر رضي الله عنهم وتابعهم على ذلك أكثر فقهاء الأمصار فقال مالك رحمه الله تزور وتقيم بعد العشاء إلى أن يهدأ الناس ولا تبيت إلا في منزلها
وهذا قول الليث بن سعد وسفيان الثوري وأبي حنيفة والشافعي رحمهم الله وقال محمد بن الحسن لا تخرج المتوفى عنها زوجها ولا المبتوتة من منزلها البتة

وممن قال غير هذا وقال لها أن تخرج وتحج إن شاءت ولا تقيم في منزلها علي بن أبي طالب رضي الله عنه وعلى هذا صح عنه أنه أخرج ابنته أم كلثوم زوجة عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما قتل عمر فضمها إلى منزله قبل أن تنقضي عدتها وصح عن ابن عباس مثل هذا
وروى الثوري عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس قال ليس على المتوفى عنها زوجها ولا على المبتوتة إقامة في بيتها إنما قال الله تعالى يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا فإنما عليهما العدة وليس عليها المقام ولا نفقة لهما
وممن قال بهذا القول أعني أنه ليس على المتوفى عنها زوجها إقامة ابن عباس قال قالت عائشة رضي الله عنها وجابر بن عبد الله فهؤلاء أربعة من الصحابة لم يوجبوا الإقامة
ومنهم من احتج بالآية والحجة لمخالفهم قوله عز و جل يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا فعليهن أن يحبسن أنفسهن عن كل الأشياء إلا ما خرج بدليل
ومن الحجة أيضا توقيف الرسول وقوله للفريعة حين توفى عنها زوجها أقيمي في منزلك حتى يبلغ الكتاب أجله
وقد قال قوم إن قول الله عز و جل والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم منسوخ بالحديث لا وصية لوارث وأكثر

العلماء على انها منسوخة بالآية التي ذكرناها
قال أبو جعفر ومما يبين لك أنها منسوخة اختلاف العلماء في النفقة على المتوفى عنها زوجها وهى حامل
فأكثر العلماء تقول لا نفقة لها ولا سكنى
فمن الصحابة عبد الله بن عباس وابن الزبير وجابر ومن التابعين سعيد بن المسيب والحسن وعطاء بن أبي رباح وممن دونهم مالك بن أنس وأبو حنيفة وزفر وأبو يوسف ومحمد وهو الصحيح من قول الشافعي رحمه الله
وممن قال للمتوفى عنها زوجها وهي حامل النفقة من رأس المال علي بن أبي طالب رضي الله عنه وابن مسعود وابن عمر رحمهما الله وهذا قول شريح وخلاس بن عمرو والشعبي والنخعي وأيوب السختياني وحماد بن أبي سليمان والثوري وأبي عبيد
وفيه قول ثالث عن قبيصة بن ذؤيب قال لو كنت فاعلا لجعلتها من مال ذي بطنها

وحجة من قال لا نفقة للمتوفى عنها زوجها إجماع المسلمين أنه لا نفقة لمن كانت تجب له النفقة على الرجل قبل موته من أطفاله وأزواجه وآبائه الذين تجب عليه نفقتهم بإجماع إذا كان زمني فقراء فكذا يجب أيضا في الحامل المتوفى عنها زوجها
قال أبو جعفر واختلفوا أيضا في الآية السادسة والعشرين فمنهم من قال هي محكمة واجبة ومنهم من قال هي مندوب إليها ومنهم من قال قد أخرج منها شيء ومنهم من قال هي منسوخة

باب ذكر الآية السادسة والعشرين من هذه السورة
قال الله عز و جل لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعا بالمعروف حقا على المحسنين
فممن قال بظاهر الآية وأنه واجب على كل مطلق المتعة للمطلقة كما قال جل ثناؤه ومتعوهن من الصحابة علي بن أبي طالب رضي الله عنه ومن التابعين الحسن
قال الحسن وأبو العالية لكل مطلقة متعة مدخول بها أو غير مدخول بها مفروض لها أو غير مفروض لها وهذا قول سعيد ابن جبير والضحاك وهو قول أبي ثور
قال أبو جعفر وحدثنا بكر بن سهل قال حدثنا عبد الله ابن يوسف قال حدثنا مالك عن ابن شهاب أنه كان يقول لكل مطلقة متعة
وأما من قال قد أخرج منها شيء فعبد الله بن عمر كما حدثنا بكر بن سهل قال حدثنا عبد الله ابن يوسف قال حدثنا مالك عن نافع عن ابن عمر قال لكل مطلقة متاع إلا التي لم يسم لها صداق ولم تمس فحسبها نصف ما فرض لها

وأما قول من قال ومتعوهن على الندب لا على الحتم والإيجاب فهو قول شريج قال متع إن كنت من المحسنين ألا تحب أن تكون من المتقين فهذا قول مالك بن أنس رحمه الله أنه لا يجبر على المتعة لامرأة من المطلقات كلهن
وأما قول أبي حنيفة وأصحابه وهو يروي عن الشافعي رحمه الله أنه لا يجبر على المتعة إلا أن يتزوج إمرأة ولا يسمى لها صداقا فيطلقها قبل أن يمسها فإنه يجبر على تمتيعها
وأما قول من قال بالنسخ فيها فهو قول سعيد بن المسيب كما حدثنا أحمد بن محمد الأزدي قال حدثنا أحمد بن الحسن الكوفي قال حدثنا أسباط بن محمد قال حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن سعيد بن المسيب قال كانت المتعة واجبة لمن لم يدخل بها من النساء في سورة الأحزاب ثم نسختها الآية التي في البقرة

قال أبو جعفر يجب أن تكون التي في سورة الأحزاب يا أيها الذين ءامنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها فمتعوهن فهذا إيجاب المتعة والناسخة لها عنده التي في البقرة وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم الآية وهذا لا يكون فيها ناسخ ولا منسوخ لأنه ليس في الآية لا تمتعوهن ولكن القول الصحيح البين أنه اجتزى بذكر المتعة ثم فلم يذكرها ههنا ولا سيما وبعده وللمطلقات متاع بالمعروف

فهذا أوكد من متعوهن لأن متعوهن قد يقع على الندب وذكره التمتيع في القرآن مؤكد قال الله عز و جل على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعا بالمعروف وكذا ظاهر القرآن
وهو قول علي بن أبي طالب ومن ذكرنا وهو أحد قولي الشافعي أن على كل مطلق متعة إذا كان الطلاق من قبله فأما تفرضوا لهن فريضة ففيه أن علي بن أبي طلحة روى عن بن عباس قال الفريضة الصداق
قال أبو جعفر الفرض في اللغة الإيجاب ومنه فرض الحاكم على فلا كذا كما قال الشاعر ... كانت فريضة ما تقول كما ... كان الزنا فريضة الرجم ...
وقد احتج قوم في أن التمتيع ليس بواجب لقول الله عز و جل حقا على المحسنين وكذا حقا على المتقين
وهذا لا يلزم لأنه إذا كان واجبا على المحسنين فهو على غيرهم أوجب وأيضا فإن الناس جميعا مأمورون بأن يكونوا محسنين متقين لأن معنى يجب أن يكون محسنا يجب أن تحسن إلى نفسك بأن تؤدي فرائض الله عز و جل وتجتنب معاصيه فتكون محسنا إلى نفسك حتى لا تدخل النار ويجب أن تتقي الله عز و جل بترك معاصيه والانتهاء إلى ما كلفكه الله من فرائضه فوجب على الخلق أن يكونوا محسنين متقين
واختلف العلماء في الآية السابعة والعشرين فقال بعضهم هي منسوخة وقال بعضهم هي مخصوصة

باب ذكر الآية السابعة والعشرين من هذه السورة
قال الله عز و جل لا إكراه في الدين
فمن العلماء من قال هي منسوخة لأن رسول الله قد أكره العرب على دين الإسلام وقاتلهم ولم يرض منهم إلا بالإسلام
فممن قال بذلك سليمان بن موسى قال نسخها يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين
وقال زيد بن أسلم أقام رسول الله بمكة عشر سنين يدعو الناس إلى الإسلام ولا يقاتل أحدا فأبى المشركون إلا قتاله فاستأذن الله عز و جل في قتالهم فأذن له
وقال بعض العلماء ليست منسوخة ولكن لا إكراه في الدين نزلت في أهل الكتاب لا يكرهون على الإسلام إذا أدوا الجزية والذين يكرهون أهل الأوثان فهم الذين نزلت فيهم يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين وأعلظ عليهم

ومما يحتج به لهذا القول ما قريء على أحمد بن محمد بن الحجاج عن يحيى بن سليمان قال أخبرنا سفيان بن عيينة عن زيد بن أسلم عن أبيه قال سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول لعجوز نصرانية أسلمي أيتها العجوز تسلمي إن الله بعث محمدا بالحق قالت العجوز أنا عجوز كبيرة وأموت إلى قريب فقال عمر اللهم اشهد ثم قال لا إكراه في الدين
وممن قال إنها مخصوصة ابن عباس كما قريء على أحمد بن شعيب عن محمد بن بشار عن ابن أبي عدي في حديثه عن شعبة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال كانت المرأة تجعل على نفسها إن عاش لها ولد أن تهوده فلما أجليت بنو النضير كان فيهم من أبناء الأنصار فقالت الأنصار لا ندع أبناءنا فأنزل الله عز و جل لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي
قال أبو جعفر قول ابن عباس في هذه الآية أولى الأقوال لصحة إسناده وأن مثله لا يؤخذ بالرأي فلما خبر أن الآية نزلت في هذا وجب أن تكون أولى الأقوال وأن تكون الآية مخصوصة نزلت في هذا وحكم أهل الكتاب كحكمهم

فأما دخول الألف والام في الدين فللتعريف لأن المعنى لا إكراه في الدين وفي ذلك قول آخر يكون التقدير ولا إكراه في دين الإسلام والألف واللام عوض عن المضاف إليه مثل يصهر به ما في بطونهم والجلود أي وجلودهم
واختلف العلماء أيضا في الآية الثامنة والعشرين فقال بعضهم هي ناسخة وقال بعضهم نزلت في شيء بعينه غير ناسخة وقال بعضهم هي عامة

باب ذكر الآية الثامنة والعشرين من هذه السورة
قال الله عز و جل وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة
فمن قال إنها ناسخة احتج بأن الإنسان في أول الإسلام كان إذا أعسر من دين عليه بيع حتى يستوفي المدين دينه منه فنسخ الله عز و جل ذلك بقوله وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة
يدلك على هذا القول أن أحمد بن محمد الأزدي حدثنا قال حدثنا إبراهيم بن أبي داود قال حدثنا يحيى بن صالح الوجاظي قال حدثنا مسلم بن خالد الزنجي عن زيد بن أسلم عن عبد الرحمن بن البيلماني قال كنت بمصر فقال لي رجل ألا أدلك على رجل من أصحاب رسول الله فقلت بلى فأشار إلى رجل فجئته فقلت من

أنت رحمك الله فقال أنا سرق فقلت سبحان الله ما ينبغي لك أن تسمى بهذا الاسم وأنت رجل من أصحاب النبي فقال إن رسول الله سماني سرقا فلن أدع ذلك أبدا قلت ولم سماك سرقا قال لقيت رجلا من أهل البادية ببعيرين له يبيعهما فابتعتهما منه وقلت له انطلق معي حتى أعطيك فدخلت بيتي ثم خرجت من خلف خرج لي وقضيت بثمن البعيرين حاجتي وتغيبت حتى ظننت أن الأعرابي قد خرج فخرجت والأعرابي مقيم فأخذني فقدمني إلى رسول الله فأخبرته الخبر فقال رسول الله ما حملك على ما صنعت فقلت قضيت بثمنهما حاجتي يا رسول الله قال فاقضه قال قلت ليس عندي قال أنت سرق اذهب به يا أعرابي فبعه حتى تستوفي حقك
قال فجعل الناس يساومونه بي ويلتفت إليهم ويقول ما تريدون فيقولون نريد أن نبتاعه منك قال فو الله إن منكم أحدا أحوج إليه مني اذهب فقد اعتقتك
قال أحمد بن محمد الأزدي ففي هذا الحديث بيع الحر في الدين وقد كان ذلك في أول الإسلام يباع من عليه دين فيما عليه من الدين إذا لم يكن له مال يقضيه عن نفسه حتى نسخ الله عز و جل ذلك فقال تعالى وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة
وذهب قوم إلى أن هذه الآية إنما نزلت في الربا وأنه إذا كان لرجل على رجل دين ولم يكن عنده ما يقضيه إياه حبس أبدا حتى يوفيه

واحتجوا بقول الله عز و جل إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها
فهذا قول شريح وإبراهيم النخعي كما حدثنا أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة قال حدثنا عبد الرزاق قال أخبرني معمر عن أيوب عن محمد بن سيرين في قول الله عز و جل وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة قال خاصم رجل إلى شريح في دين له فقال آخر يعذر صاحبه إنه معسر وقد قال الله عز و جل وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة فقال شريح كان هذا في الربا وإنما كان في الأنصار وإن الله عز و جل قال إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل ولا يأمرنا الله بشيء ثم نخالفه احبسوه إلى جانب السارية حتى يوفيه
وقال جماعة من أهل العلم فنظرة إلىا ميسرة عامة في جميع الناس وكل من أعسر أنظر
وهذا قول أبي هريرة والحسن وجماعة من الفقهاء

وعارض في هذه الأقوال بعض الفقهاء بأشياء من النظر والنحو واحتج بأنه لا يجوز أن يكون هذا في الربا قال لأن الربا قد أبطل فكيف يقال فيه وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة وأن تصدقوا خير لكم
واحتج من النحو بأنه لو كان في الربا لكان وإن كان ذا عسرة لأنه قد تقدم ذكره فلما كان في السواد وإن كان ذو عسرة علم أنه منقطع من الأول عام لكل من كان ذا عسرة وكان بمعنى وقع حدث كما قال ... فدى لبني ذهل بن شيبان ناقتي ... إذا كان يوم ذو كواكب أشهب ...
قال أبو جعفر هذا الاحتجاج ظاهر حسن فإذا فتشت عنه لم يلزم وذلك أن قوله الربا قد أبطله الله عز و جل فالأمر في قوله قد أبطله الله صحيح إن كان يريد ألا يعمل به وإلا فقد قال جل وعز فلكم رءوس أموالكم فما الذي يمنع أن يكون الإعسار في مثل هذا وأما احتجاجه بالنحو فلا يلزم قد يجوز أن يكون التقدير وإن كان منهم ذو عسرة وقد حكى النحويين المرء مقتول بما قتل به إن خنجر فخنجر وإن كان يجوز فيه غير هذا
وأحسن ما قيل في الآية قول عطاء والضحاك قالا هي في

الربا والدين كله فهذا قول يجمع الأقوال لأنه يجوز أن تكون ناسخة عامة نزلت في الربا ثم صار حكم غيره كحكمه ولا سيما وقد روى يزيد بن أبي زياد عن مجاهد عن ابن عباس قال نزلت في الربا وهذا توقيف من ابن عباس بحقيقة الأمر مما لا يجوز أن يؤخذ بقياس ولا رأي لأنه خبر أنها نزلت فيه
فأما وأن تصدقوا خير لكم فجعله قتادة على الموسر والمعسر وقال السدي على المعسر وهذا أولى لأنه يليه
واختلفوا في الآية التاسعة والعشرين وجاء الاختلاف فيها عن الصدر الأول والثاني

باب ذكر الآية التاسعة والعشرين من هذه السورة
قال الله عز و جل يا أيها الذين ءامنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه الآية فافترق العلماء فيها على ثلاثة أقوال
فمنهم من قال لا يسع مؤمنا إذا باع بيعا إلى أجل أو اشترى إلا أن يكتب ويشهد إذا وجد كاتبا ولا يسع مؤمنا اشترى شيئا أو باعه إلا أن يشهد ولا يكتب إذا لم يكن إلى أجل واحتجوا بظاهر القرآن وقال بعضهم هذا على الندب والإرشاد لا على الحتم
وقال بعضهم هو منسوخ
فممن قال هو واجب من الصحابة ابن عمر وأبو موسى الأشعري رضي الله عنهما ومن التابعين محمد بن سيرين وأبو قلابة والضحاك وجابر بن زيد ومجاهد ومن أشدهم في ذلك عطاء قال أشهد إذا بعت وإذا اشتريت بدرهم أو نصف درهم أو ثلث درهم أو أقل من ذلك فإن الله عز و جل يقول وأشهدوا إذا تبايعتم

قال أبو جعفر وحدثنا جعفر بن مجاشع قال حدثنا إبراهيم بن إسحق قال حدثنا شجاع قال حدثنا هشيم عن مغيرة عن إبراهيم قال أشهد إذا بعت وإذا اشتريت ولو دستجة بقل
وممن كان يذهب إلى هذا محمد بن جرير وأنه لا يحل لمسلم إذا باع واشترى إلا أن يشهد وإلا كان مخالفا كتاب الله عز و جل وكذا إن كان إلى أجل فعليه أن يكتب ويشهد إن وجد كاتبا واحتج بحجج سنذكرها في آخر الأقوال في الآية
وممن قال إنها منسوخة من الصحابة أبو سعيد الخدري كما حدثنا محمد بن جعفر الأنباري قال حدثنا إبراهيم بن ديسم الخراساني قال حدثنا عبيد الله بن عمر قال حدثنا محمد بن مروان قال حدثنا عبد الملك بن أبي نضرة عن أبيه عن أبي

سعيد الخدري أنه تلا يا أيها الذين ءامنوا إذا تدانيتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه إلى فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي اؤتمن أمانته قال نسخت هذه ما قبلها
قال أبو جعفر وهذا قول الحسن والحكم وعبد الرحمن بن زيد
وممن قال إنها على الندب والإرشاد لا على الحتم الشعبي ويحكى أن هذا قول مالك والشافعي وأصحاب الرأي رحمهم الله
واحتج محمد بن جرير في أنها أمر لازم وأنه واجب على كل من اشترى شيئا إلى أجل أن يكتب ويشهد وإن اشتراه بغير أجل أن يشهد بظاهر الآية وأنه فرض لا يسع تضييعه لأن الله عز و جل أمر به وأمر الله عز و جل لازم لا يحمل على الندب والإرشاد إلا بدليل ولا دليل يدل

على ذلك ولا يجوز عنده أن يكون هذا نسخا لأن معنى الناسخ أن يبقى حكم المنسوخ ولم تأت آية فيها لا تكتبوا ولا تشهدوا فيكون هذا ناسخا
واحتج بأنه لا معنى لقول من قال فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي آؤتمن أمانته ناسخ للأول لأن هذا حكم غير ذلك وإنما هذا حكم من لم يجد كاتبا قال الله عز و جل ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة فإن أمن بعضكم بعضا أي فلم يطالبه برهن فليؤد الذي اؤتمن أمانته قال ولو جاز أن يكون هذا ناسخا للأول لجاز أن يكون قوله تعالى وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط الآية ناسخا لقوله تعالى يا أيها الذين ءامنوا إذا قمتم إلى الصلواة ولجاز أن يكون قوله تعالى فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين ناسخا لقوله عز و جل فتحرير رقبة
قال أبو جعفر فهذا كلام بين غير أن الفقهاء الذين تدور عليهم الفتيا وأكثر الناس على أن هذا ليس بواجب
ومما يحتجون فيه أن المسلمين مجمعون على أن رجلا لو خاصم رجلا إلى الحاكم فقال باعني كذا فقال ما بعته ولم تكن بينة أن الحاكم يستحلفه ويحتجون أيضا بحديث الزهري عن عمارة بن خزيمة بن ثابت عن

عمه وكان من أصحاب النبي أن رسول الله ابتاع فرسا من أعرابي ثم استتبعه ليدفع إليه ثمنه فأسرع النبي المشي فساوم قوم الإعرابي بالفرس ولم يعلموا فصاح الأعرابي بالنبي أتبتاعه مني أم أبيعه فقال أليس قد ابتعته منك قال لا والله ما ابتعته مني فأقبل الناس يقولون له ويحك إن رسول الله لا يقول إلا حقا فقال هل من شاهد فقال خزيمة أنا أشهد فقال النبي بم تشهد قال أشهد بتصديقك فجعل النبي شهادة خزيمة شهادة رجلين فاحتجوا بهذا الحديث أن النبى ابتاع بغير إشهاد
فأما ما احتج به محمد بن جرير فصحيح غير أن ثم وجها يخرج منه لم يذكره وهو أن علي بن أبي طلحة روى عن ابن عباس في قوله عز و جل ما ننسخ من ءاية أو ننسها قال ننساها نتركها هكذا يقول المحدثون والصواب نتركها
قال أبو جعفر وفي هذا معنى لطيف شرحه سهل بن محمد على مذهب ابن عباس وبين معنى ذلك قال ننسخها نزيل حكمها بآية غيرها وننسأها نزيل حكمها بأن نطلق لكم تركها كما قال عز و جل يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا ولا يسرقن ولا يزنين الآية ثم أطلق للمسلمين ترك ذلك من

غير آية نسختها فكذا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه وكذا وأشهدوا إذا تبايعتم
قال أبو جعفر فأما النسخ فكما قال محمد بن جرير وأما الندب فلا يحمل عليه الأمر إلا بدليل قاطع وأما قول مجاهد لا يجوز الرهن إلا في السفر لأنه في الآية كذلك فقول شاذ والجماعة على خلافه
قال أبو جعفر وقرىء على أحمد بن شعيب عن يوسف بن حماد قال حدثنا سفيان بن حبيب عن هشام عن عكرمة عن ابن عباس قال توفى رسول الله وذرعه مرهونة عند يهودي بثلاثين صاعا من شعير لأهله
قال أبو جعفر وليس كون الرهن في الآية في السفر مما يحظر غيره وأما إذا تداينتم بدين والفائدة في بدين وقد تقدم

تداينتم فالجواب عنه أن العرب تقول تداينا أي تجازينا وتعاطينا الأخذ بيننا فأبان الله عز و جل بقوله بدين المعنى الذي قصد له
واختلف العلماء في الآية التي هى تتمة الثلاثين آية من هذه السورة فمنهم من قال هي منسوخة ومنهم من قال هي محكمة عامة ومنهم من قال هي محكمة خاصة

باب ذكر الآية التي هي تتمة ثلاثين من هذه السورة
قال الله عز و جل وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله الآية فعن ابن عباس فيها ثلاثة أقوال
أحدهن أنها منسوخة بقوله عز و جل لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت وسنذكره بإسناده
والثاني أنها غير منسوخة وأنها عامة يحاسب المؤمن والكافر والمنافق بما أبدى وأخفى فيغفر للمؤمنين ويعاقب الكافرون والمنافقون
والثالث أنها مخصوصة وأنها في كتمان الشهادة وإظهارها كذا روى يزيد بن أبي زياد عن مقسم عن ابن عباس
فأما الرواية عن عائشة رضي الله عنها فإنها قالت ما هم به العبد من خطيئة عوقب على ذلك بما يلحقه من الهم والحزن في الدنيا فهذه أربعة أقوال

وقرىء على أحمد بن محمد بن الحجاج عن يحيى بن سليمان قال حدثنا إسماعيل بن علية قال حدثنا ابن أبي نجيح عن مجاهد في قول الله عز و جل وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله قال هذا في الشك واليقين
وهذه الأقوال الخمسة يقرب بعضها من بعض
فقول مجاهد في الشك واليقين قريب من قول ابن عباس إنها لم تنسخ وإنها عامة
وقول ابن عباس الذي رواه عنه مقسم أنها في الشهادة تصح على أن غير الشهادة بمنزلتها
وقول عائشة رضي الله عنها إنها ما يلحق الإنسان في الدنيا على أن تكون عامة أيضا
فأما أن تكون منسوخة فتصح من جهة وتبطل من جهة فأما الجهة التي تبطل منها فإن الأخبار لا يكون فيها ناسخ ولا منسوخ ومن زعم أن في الأخبار ناسخا ومنسوخا فقد ألحد أو جهل فأخبر الله عز و جل أنه يحاسب من أبدى شيئا أو أخفاه فمحال أن يخبر بضده وأيضا فإن الحكم

إذا كان منسوخا فإنما ينسخ بنفيه وبآخر ناسخ له ناف له من كل جهاته فلو كان لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ناسخا لنسخ تكليف ما لا طاقة به وهذا منفي عن الله عز و جل أن يتعبد به كما قال جل وعز لا يكلف الله نفسا إلا ما ءاتاها
وصح عن النبي أنه كان يلقن أصحابه إذا بايعوا فيما استطعتم
فأما الوجه الذي يصح منه وهو الذي ينبغي أن يتبين ويوقف عليه لأن المعاند ربما عارض بقول الصحابة والتابعين في أشياء من الأخبار ناسخة ومنسوخة قالجاهل لاللغة إما أن يخير فيها وإما أن يلحد فيقول في الأخبار ناسخ ومنسوخ وهو يعلم أن الإنسان إذا قال قام فلان ثم نسخ هذا فقال لم يقم فقد كذب
وفي حديث ابن عباس يتبين ما أراد كما حدثنا محمد بن جعفر الأنباري قال حدثنا صالح بن زياد الرقي قال حدثنا يزيد قال

أخبرنا سفيان بن الحسين عن الزهري عن سالم أن عبد الله بن عمر تلا وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فدمعت عيناه فبلغ صنيعه ابن عباس فقال يرحم الله أبا عبد الرحمن صنع كما صنع أصحاب محمد حين أنزلت ونسختها الآية التي بعدها لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ومعنى نسختها نزلت بنسختها سواء وليس هذا من الناسخ والمنسوخ في شيء
قريء على عبد الله بن الصقر بن نصر عن زياد بن أيوب قال حدثنا هشيم قال أخبرنا شيبان عن الشعبي قال لما نزلت وإن تبدوا ما في انفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله لحقتهم منها شدة حتى نسخها ما بعدها
وفي هذا معنى لطيف وهو أن يكون معني نسختها نسخت الشدة التي لحقتهم أي أزالتها كما يقال نسخت الشمس الظل أى أزالته
ومن حسن ما قيل في الآية وأشبهه بالظاهر قول ابن عباس أنها عامة يدلك على ذلك ما حدثنا أحمد بن علي بن سهل قال حدثنا

زهير وهو ابن حرب قال أخبرنا إسماعيل وهو ابن علية عن هشام وهو الدستواني عن قتادة عن صفوان بن محرز قال قال رجل لابن عمر كيف سمعت رسول الله يقول في النجوى قال سمعته يقول يدني المؤمن من ربه جل وعز حتى يضع عليه كنفه فيقرره بذنوبه فيقول هل تعرف فيقول رب أعرف قال فإني قد سترتها عليك في الدنيا وإني أغفرها لك اليوم فيعطى صحيفة حسناته
فأما الكفار والمنافقون فينادى بهم على رؤوس الخلائق هؤلاء الذين كذبوا على الله عز و جل
قال أبو جعفر الحديث حقيقة معنى الآية وأنه لا نسخ فيها وإسناده إسناد لا يدخل القلب منه لبس وهو من أحاديث أهل السنة والجماعة

بسم الله الرحمن الرحيم
سورة آل عمران
قال أبو جعفر لم نجد في هذه السورة بعد تقص شديد مما ذكر في الناسخ والمنسوخ إلا ثلاث آيات ولولا محبتنا أن يكون الكتاب مشتملا على كل ما ذكر منها لكان القول فيها أنها ليست بناسخة ولا منسوخة ونحن نبين ذلك إن شاء الله باب ذكر الآية الأولى من هذه السورة
قال الله عز و جل ءايتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا فزعم بعض أهل العلم أن هذا منسوخ وذلك أن هذه شريعة قد ذكرها الله عز و جل فكان لنا أن نستعملها ما لم تنسخ ثم إنها نسخت على لسان رسول الله
قال أبو جعفر كما قريء علي أحمد بن حماد عن سعيد بن أبي مريم قال أخبرنا عبد العزيز الدراوردي قال أخبرنا حزام بن

عثمان عن عبد الرحمن ومحمد بن جابر بن عبد الله عن أبيهما قال قال رسول الله لا صمت يوما إلى الليل قال فنسخ إباحة الصمت
وقد قال الله عز و جل إخبارا عن مريم فلن أكلم اليوم إنسيا
ليس في هذا ناسخ ولا منسوخ لأن الحديث عن النبي لا صمت يوما أنه لا يحل لأحد أن يصمت يوما إلى الليل ولا يذكر الله عز و جل ولا يسبح وهذا محظور في كل شريعة
والدليل على هذا أن بعد قوله عز و جل ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا الأمر بالتسبيح عشيا وبكرا
وقد زعم بعض العلماء أن الآية الثانية منسوخة وقال بعضهم هي محكمة

باب ذكر الآية الثانية من هذه السورة
قال الله عز و جل يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون فمن أجل ما روى في تفسيرها وأوضحه ما حدثناه علي بن الحسين قال حدثنا الحسن بن محمد قال حدثنا عمرو بن الهيثم قال حدثنا المسعودي عن زبيد عن مرة عن عبد الله بن مسعود في قول الله عز و جل يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله حق تقاته قال أن يطاع فلا يعصى ويذكر فلا ينسى وأن يشكر فلا يكفر
أخبرنا أبو جعفر قال حدثنا جعفر بن محمد الأنباري قال

حدثنا موسى بن هرون الطوسي قال حدثنا الحسين وهو ابن محمد المروزي قال أخبرنا شيبان عن قتادة في قوله عز و جل يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله حق تقاته قال أن يطاع فلا يعصى ثم أنزل الله عز و جل في آل عمران
قال أبو جعفر محال أن يقع في هذا ناسخ ولا منسوخ إلا على حيلة وذلك أن معنى نسخ الشيء إزالته والمجيء بضده فمحال أن يقال اتقوا الله منسوخ ولا سيما مع قول رسول الله مما فيه بيان الآية كما قريء على أحمد بن محمد بن الحجاج عن يحيى بن سليمان قال حدثنا أبو الأحوص قال حدثنا أبو إسحاق عن عمرو بن

ميمون عن معاذ بن جبل قال قال لي رسول الله يا معاذ أتدري ما حق الله عز و جل على العباد قلت الله ورسوله أعلم قال أن يعبدوه فلا يشركوا به شيئا أفلا ترى أنه محال أن يقع في هذا نسخ
والذي قلناه قول ابن عباس كما حدثنا بكر بن سهل قال حدثنا عبد الله بن صالح قال حدثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال وقول الله عز و جل يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله حق تقاته قال لم تنسخ ولكن حق تقاته أن يجاهدوا في الله حق جهاده ولا تأخذكم في الله لومة لائم وتقوموا بالقسط ولو على آبائكم وأبنائكم
قال أبو جعفر فكل ما ذكر في الآية واجب على المسلمين أن يستعملوه ولا يقع فيه نسخ وهذا هو قول النبي أن تعبدوا الله لا تشركوا به شيئا وكذا على المسلمين كما قال ابن مسعود أن تطيعوا الله فلا تعصوه وتذكروه فلا تنسوه وأن تشكروه ولا تكفروه وأن تجاهدوا فيه حق جهاده

فأما قول قتادة مع محله من العلم إنها نسخت فيجوز أن تكون معناه نزلت فاتقوا الله ما استطعتم بنسخة اتقوا الله حق تقاته وأنها مثلها لأنه لا يكلف أحدا إلا طاقته
وزعم قوم من العلماء الكوفيين أن الآية الثالثة ناسخة
وقال غيرهم هي محكمة وليست بناسخة

باب ذكر الآية الثالثة من هذه السورة
قال الله عز و جل ليس لك من الآمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون
فزعم بعض الكوفيين أن هذه الآية ناسخة للقنوت الذي كان النبي يفعله بعد الركوع في الركعة الأخيرة من الصبح
واحتج بحديث حدثناه أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة قال حدثنا عبد الرزاق قال حدثنا معمر عن الزهري عن سالم عن ابن عمر أن النبي لعن في صلاة الفجر بعد الركوع في الركعة الآخرة فقال اللهم العن فلانا وفلانا ناسا من المنافقين فأنزل الله عز و جل ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون
قال أبو جعفر فهذا إسناد مستقيم وليس فيه دليل على ناسخ ولا منسوخ وإنما نبهه الله عز و جل على أن الأمر إليه ولو كان هذا ناسخا لما جاز أن يلعن المنافقون
واحتج أيضا بما حدثناه علي بن الحسين عن الحسن بن محمد قال حدثنا شبابة قال أخبرنا إبراهيم بن سعد عن الزهري عن أبي سلمة وابن المسيب عن أبي هريرة قال كان رسول الله إذا أراد أن يدعو لأحد أو يدعو على أحد قنت بعد الركوع فربما قال إذا قال سمع الله لمن

حمده ربنا ولك الحمد اللهم انج الوليد بن الوليد وسلمة بن هشام وعياش بن أبي ربيعة والمستضعفين من المؤمنين اللهم اشدد وطأتك على مضر واجعلها سنين كسني يوسف حتى أنزلت ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون

وهذا أيضا نظير الحديث الأول وفيه حجة على الكوفيين لأنهم يقولون لا يجوز أن يدعى في الصلاة إلا بما في القرآن أو ما أشبهه وليس في القرآن من هذا شيء ولذلك عارض هذا المحتج بأن جعله في الناسخ والمنسوخ بلا حجة قاطعة ولا دليل واضح لما صح عن النبي الدعاء في الصلاة بغير ما في القرآن وعن الصحابة والتابعين
وأيضا فإن العرب إنما كانت تعرف الصلاة في كلامها الدعاء كما قال ... تقول بنتي وقد قربت مرتحلا ... يا رب جنب أبي الأوصاب والوجعا ...
... عليك مثل الذي صليت فاعتصمي ... يوما فإن لجنب المرء مضجعا ...
فسميت الصلاة صلاة لأن الدعاء فيها وهذا قول المدنيين أن للإنسان أن يدعو في صلاته بما شاء من الطاعة
وعلى أنه قد روي بما صح سنده في نزول الآية غير هذا
من ذلك ما حدثنا علي بن الحسين عن الحسن بن محمد قال حدثنا يزيد بن هارون قال أخبرنا حميد الطويل عن أنس بن مالك قال شج النبي في وجهه وكسرت رباعيته ورمي رمية على كتفه فجعل يمسح الدم عن وجهه ويقول كيف تفلح أمة فعلوا هذا بنبيهم فأنزل الله عز و جل ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو

يعذبهم فإنهم ظالمون
وهذا الحديث ليس بناقض لما تقدم بكون الأمران جميعا كانا فنزلت الآية وقرىء على أحمد بن محمد بن الحجاج عن يحيى بن سليمان قال حدثنا يوسف بن بكير عن محمد بن إسحاق قال حدثني يعقوب بن عتبة عن سالم بن عبد الله بن عمر قال جاء رجل من قريش إلى النبي فقال إنك تنهى عن السبي تقول قد سبي العرب ثم تحول فحول قفاه إلى النبي وكشف إسته في وجه رسول الله فلعنه ودعا عليه فأنزل الله عز و جل ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون ثم أسلم الرجل فحسن إسلامه

قال أبو جعفر فهذا الحديث وإن كان منقطعا فإنما ذكرناه لأن سالما هو الذي وصله عن أبيه وفي هذا زيادة أن الرجل أسلم فعلم أن النبي نبه على أنه لا يعلم من الغيب شيئا وأن الأمر كله لله يتوب على من يشاء ويعجل العقوبة لمن يشاء
والتقدير ليس لك من الأمر شيء ولله ما في السموات وما في الأرض دونك ودونهم يغفر لمن يشاء ويتوب على من يشاء ويعذب من يشاء
فتبين بهذا كله أن لا ناسخ ولا منسوخ في هذا
اخبرنا أبو جعفر قال حدثنا أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة قال حدثنا عبد الرزاق قال حدثنا معمر عن الزهري وعن عثمان الخزري عن مقسم قال دعا رسول الله فقال اللهم لا يبلغ الحول حتى يموت كافرا قال فما بلغ الحول حتى مات كافرا إلى النار

بسم الله الرحمن الرحيم
سورة النساء
قال الله عز و جل وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم
قال أبو جعفر في هذه الآية إشكال وتفسير ونحو وقد ذكرنا ما فيها إلا ما كان من النسخ فإنها على مذهب جماعة من العلماء ناسخة
وذلك أن الناس كانوا في الجاهلية وبرهة من الإسلام يتزوج الرجل ما شاء من الحرائر فنسخ الله ذلك بالقرآن والسنة والعمل وأنه لا يحل لأحد أن يتزوج فوق أربع ونسخ ما كانوا عليه
قال الحسن والضحاك كان الرجل يسلم وعنده عشرة نسوة منهن من قد تزوجه في الجاهلية ومنهن من قد تزوجه في الإسلام وأكثر وأقل حتى سألوا النبي عن اليتامى فنزلت وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى أي تعدلوا فانكحوا ما طاب لكم من النساء أي فكما خفتم في اليتامى فخافوا في نكاح النساء
قال محمد بن الحسن في رجل أسلم وعنده عشر نسوة قال يخلى منهن ستا ويمسك أربعا من اللواتي تزوج بدئا فبدئا وليس له أن يختار منهن أربعا فإن احتج بالحديث عن النبي أنه خير غيلان فقال له اختر أربعا قيل للمحتج بهذا إن غيلان تزوج عشرا وذلك مباح فكان

العشر مباحات فلما رفع ذلك قيل له اختر
قال أبو جعفر وهذا كلام لطيف حسن غير أن مالكا والشافعي وأبا حنيفة رحمهم الله يجيزونه على ظاهر الحديث
ولم يزل المسلمون من لدن رسول الله إلى هذا الوقت يحرمون ما فوق الأربع بالقرآن والسنة
قريء على أحمد بن شعيب عن الحسن بن حريث قال أخبرنا

الفضل بن موسى قال أخبرنا معمر عن الزهري عن سالم عن ابن عمر قال أسلم غيلان بن سلمة وعنده عشر نسوة فقال له رسول الله أمسك أربعا وفارق سائرهن
قريء على أحمد بن محمد بن الحجاج عن يحيى بن سليمان قال حدثنا عبد الرحمن بن زياد عن أبي جعفر الرازي عن محمد بن السائب عن حميصه بن الشمردل عن قيس بن الحارث قال أسلمت وكان تحتي في الجاهلية ثماني نسوة فأتيت رسول الله فأخبرته فقال اختر منهن أربعا وخل سائرهن ففعلت قال أبو جعفر ومعنى مثنى في اللغة اثنين اثنين وثلاث ثلاثا

ثلاثا
هذا قول الخليل وسيبويه والكسائي وغيرهم ولهذا لم يصرف وقيل معدول وليس معناه اثنين فقط فيعارض معارض بأن يقول اثنتان وثلاث وأربع تسع وأيضا فليس من كلام الفصحاء اثنين اثنين وثلاثا وأربعا وأيضا فلو كان معناه تسعا لكان المعنى فانكحوا تسعا أو واحدة وكان محظورا ما بين ذينك
قال أبو جعفر وهذه احتجاجات قاطعة وإن كان في توقيف الرسول كفاية مع الإجماع من الذين لا يجتمعون على غلط ولا خطأ
واختلف العلماء في الآية الثانية فمنهم من قال هي منسوخة ومنهم من قال هي محكمة

باب ذكر الآية الثانية من هذه السورة
قال الله عز و جل مخاطبا للأوصياء في أموال اليتامى ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف
فمنع جماعة من أهل العلم الوصي من أخذ شيء من مال اليتيم فحكى بشر بن الوليد عن أبي يوسف قال لا أدري لعل هذه الآية منسوخة بقوله عز و جل يا أيها الذين ءامنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم
وقال أبو يوسف لا يحل له أن يأخذ من مال اليتيم شيئا إذا كان مقيما معه في المصر فإن احتاج أن يسافر من أجله فله أن يأخذ ما يحتاج إليه ولا يقتني شيئا وهو قول أبي حنيفة ومحمد
وحدثنا جعفر بن مجاشع قال حدثنا إبراهيم بن إسحق قال حدثنا إبراهيم بن عبد الله قال حدثنا حجاج عن ابن جريج عن عطاء الخراساني عن ابن عباس ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف
قال نسخ الظلم والاعتداء ونسختها إن الذين

يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا
ثم افترق الذين قالوا إن الآية محكمة فرقا
فقال بعضهم إن احتاج الوصي فله أن يقترض من مال اليتيم فإذا أيسر قضاه وهذا قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه وعبيدة وأبي العالية وسعيد بن جبير
واستشهد عبيدة وأبو العالية بأن بعده فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم
كما قريء على الحسن بن غليب بن سعيد عن يوسف بن عدي قال حدثنا أبو الأخوص قال حدثنا أبو إسحاق عن يرفأ مولى عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال قال لي عمر يا يرفأ إني أنزلت مال الله عز و جل مني بمنزلة مال اليتيم إن احتجت أخذت منه فإذا أيسرت قضيته وإني إن استغنيت استعففت فإني قد وليت من أمر المسلمين أمرا عظيما

قال أبو جعفر وهذا قول جماعة من التابعين وغيرهم منهم عبيدة قال لا يحل للوصي أن يأخذ من مال اليتيم إلا قرضا واستشهد بأن بعد هذا فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم وكذا قول أبو العالية ومجاهد كما قريء على عبد الله بن أحمد بن عبد السلام عن أبي الأزهر قال حدثنا روح بن عبادة قال حدثنا بن عيينة قال حدثنا ابن أبي نجيح عن مجاهد قال يستسلف ولي اليتيم من ماله فإذا أيسر رده
قال روح وحدثنا شعبة عن حماد عن سعيد ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف قال قرضا وفقهاء الكوفيين على هذا القول
وقال أبو قلابة فليأكل بالمعروف مما يجبي من الغلة فأما المال الناض فليس له أن يأخذ منه شيئا قرضا ولا غيره
وذهب جماعة من العلماء إلى ظاهر الآية فقال له أن يأخذ منه مقدار قوته منهم الحسن كما قرىء على عبد الله بن أحمد بن عبد السلام عن أبي الأزهر قال حدثنا روح عن اشعث عن الحسن قال

إذا احتاج ولي اليتيم أكل بالمعروف وليس عليه إذا أيسر قضاؤه والمعروف قوته
قال أبو جعفر وهذا قول قتادة والنخعي
كما حدثنا أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة قال حدثنا عبد الرزاق قال أخبرنا سفيان الثوري عن مغيرة عن إبراهيم في قوله عز و جل ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف قال ما سد الجوعة ووارى العورة وليس يلبس الكتان ولا الحلل
واختلف عن ابن عباس في تفسير الآية اختلافا كثيرا على أن الأسانيد عنه صحاح مع اختلاف المتون
فمن ذلك أنه قرىء على عبد الله بن أحمد بن عبد السلام عن أحمد بن الأزهر قال حدثنا روح قال حدثنا شعبة ومالك بن أنس عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد قال جاء أعرابي إلى ابن عباس فقال إن لي إبلا أفقر ظهورها وأحمل عليها ولي يتيم له إبل فما يحل لي منها قال إذا كنت تهنأ جرباها وتلوط حوضها وتنشد ضالتها وتسقي وردها فاحلبها غير ناهك لها في الحلب ولا مضر بنسلها

قال أبو جعفر وهذا إسناد صحيح غير أنه لو كان هذا على هذا التأويل وأن الوصي إنما يأخذ بمقدار عمله كان الغني والفقير في ذلك واحدا وقد فرق الله عز و جل بينهما في الآية بعينها
وروى عكرمة عن ابن عباس ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف قال إذا احتاج واضطر
وقال الشعبي كذلك إذا كان منه بمنزلة الدم ولحم الخنزير أخذ فإذا وجد أوفى
وهذا لا معنى له لأنه إذا اضطر هذا الاضطرار كان له أخذ ما يقيمه من مال يتيمه أو غيره من قريب أو بعيد
وعن ابن عباس رواية ثالثة كما قريء على محمد بن جعفر بن حفص عن يوسف بن موسى قال حدثنا قبيصة قال حدثنا سفيان عن الأعمش عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس في قول الله عز و جل ومن كان غنيا فليستعفف قال بغناه ولا يأكل مال اليتيم ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف قال يقوت على نفسه حتى لا يحتاج إلى مال اليتيم

قال أبو جعفر وهذا من أحسن ما روى في تفسير الآية لأن أموال الناس محظورة لا يطلق منها شيء إلا بحجة قاطعة
وقد تنازع العلماء في معنى الآية واحتملت غير تأويل فعدلنا إلى هذا لما قلنا وهو قول محكي معناه عن الشافعي رحمه الله وقد ذكرنا قول أهل الكوفة وأنهم يجعلونه على القرض
فأما مذهب أهل المدينة أو بعضهم فما ذكرناه من قول الحسن واحتج لهم محتج بما روى عن النبي كما حدثنا أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة قال حدثنا عبد الرزاق قال حدثنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن الحسن العرني قال قال رجل للنبي إن في حجري يتيما أفأضربه قال مما تضرب منه ولدك قال أفأصيب من ماله قال غير متأثل مالا ولا واق مالك بما له
وقريء على عبد الله بن أحمد بن عبد السلام النيسابوري عن أبي الأزهر قال حدثنا روح قال حدثنا حسين المعلم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال جاء رجل إلى النبي فقال إني لا أجد شيئا أوليس لي شيء وليتيمي مال قال كل منه غير مسرف

ولا متأثل مالا قال واحبسه قال ولا تفد مالك بماله
قال أبو جعفر والذين ذهبوا إلى هذا من أهل المدينة يجيزون أخذ القوت وما لا يضر باليتيم
والذي روى في ذلك عن النبي هو من أحاديث المشايخ وليس هو مما يقطع به في مثل هذا
واختلف العلماء أيضا في الآية الثالثة من هذه السورة فقال بعضهم هي منسوخة وقال بعضهم هي محكمة

باب ذكر الآية الثالثة من هذه السورة
قال الله جل وعز وإذا حضر القسمة أولوا القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه وقولوا لهم قولا معروفا
قال أبو جعفر للعلماء فيها ثلاثة أقوال فمنهم من قال إنها منسوخة ومنهم من قال هي محكمة واجبة ومنهم من قال هي محكمة على الندب والترغيب والحض
فممن روى عنه أنها منسوخة ابن عباس وسعيد بن المسيب
كما قريء على محمد بن جعفر بن حفص عن يوسف بن موسى قال حدثنا سلمة بن الفضل قال حدثنا إسماعيل بن مسلم عن حميد الأعرج عن مجاهد عن ابن عباس في قوله عز و جل وإذا حضر القسمة أولوا القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه قال نسختها يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين
أخبرنا أبو جعفر قال حدثنا أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة قال أخبرنا عبد الرزاق قال حدثنا معمر عن قتادة أن ابن المسيب قال في قول الله عز و جل وإذا حضر القسمة أولوا القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه نسخها الميراث والوصية

وقال بأنها محكمة منسوخة أبو مالك وعكرمة والضحاك
وممن قال إنها محكمة ويؤول قوله على الندب عبيدة وعروة وسعيد بن جبير ومجاهد وعطاء والحسن والزهري والشعبي ويحيى وابن يعمر وهو مروي عن ابن عباس
قال أبو جعفر كما حدثنا بكر بن سهل قال حدثنا أبو صالح قال حدثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس وإذا حضر القسمة أولوا القربى واليتامى والمساكين قال أمر الله عز و جل المؤمنين عند قسمة مواريثهم أن يصلوا أرحامهم وأيتامهم ومساكينهم من الوصية فإن لم يكن وصية وصل لهم من الميراث
قال أبو جعفر وهذا أحسن ما قيل في الآية أن يكون على الندب والترغيب في فعل الخير والشكر لله عز و جل فأمر الله تعالى الذين فرض لهم الميراث إذا حضروا القسمة وحضر معهم من لا يرث من الأقرباء واليتامى والمساكين أن يرزقوهم شكرا لله عز و جل على ما فرض لهم

وقد زعم بعض أهل النظر أنه لا يجوز أن يكون ههنا نسخ لأن الذي يقول إنها منسوخة لا يخلو أمره من إحدى جهتين إما أن يكون كانت ندبا ثم نسخت وهذا محال لأن الندب إلى الخير لا نسخه لا تفعلوا الخير وهذا المحال أو تكون كانت واجبة فنسخت وهذا أيضا لا يكون لأن قائله يقول إنه كان إذا حضر أولو القربى واليتامى والمساكين أعطوهم ولم يعطوا العصبة فنسخ ذلك بالفرض
وهذا لم يعرف قط في جاهلية ولا إسلام وأيضا فإن الآية إذا ثبتت فلا يقال فيها منسوخة إلا أن ينفي حكمها
على أنه قد روى عن ابن عباس رواه عنه القاسم بن محمد أنه قال هذا مخاطبة للموصي نفسه وكذا قال ابن زيد قيل للموصى أوص لذوي القربى واليتامى والمساكين
واستدل على هذا بأن بعده وقولوا لهم قولا معروفا أي إن لم توصوا لهم فقولوا لهم قولا معروفا أي خيرا
وهذا القول اختيار محمد بن جرير
فأما القول الثالث فهو أن تكون محكمة واجبة كما حدثنا جعفر بن مجاشع قال حدثنا إبراهيم بن إسحق قال حدثنا عبيد الله قال

حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال حدثنا سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد وإذا حضر القسمة أولوا القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه قال هي واجبة عند قسمة الميراث ما طابت به أنفسهم
قال أبو جعفر فهذا مجاهد يقول بإيجابها بالإسناد الذي لا يدفع صحته وهذا خلاف ما روى عنه عن ابن عباس غير أن هذا الإسناد أصح
أخبرنا أبو جعفر قال وحدثنا أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة قال أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن الحسن والزهري وإذا حضر القسمة أولوا القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه قالا هي محكمة ما طابت به أنفسهم عند أهل الميراث وأكثر العلماء على هذا القول وقد بينا صحته
والصحيح في الآية الرابعة والخامسة أنهما منسوختان

باب ذكر الآية الرابعة والخامسة من هذه السورة
قال الله عز و جل والاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا والذان يأتيانها منكم فأذوهما فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما إلى الآية الأخرى
أخبرنا أبو جعفر قال حدثنا معمر عن قتادة في قوله عز و جل فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت قال نسختها الحدود وفي قوله والذان يأتيانها منكم فأذوهما قال نسختها الحدود
قال أبو جعفر وفي الآيتين ثلاثة أقوال للعلماء الذين اتفقوا على نسخهما
فمنهم من قال كان حكم الزاني والزانية إذا زنيا وكانا ثيبين أو بكرين أن يحبس كل واحد منهما في بيت حتى يموت ثم نسخ هذا بالآية الأخرى وهي والذان يأتيانها منكم فأذوهما فصار حكمهما أن يؤذيا بالسب والتعيير ثم نسخ ذلك فصار حكم البكر من الرجال والنساء إذا زنيا أن يجلدا مائة جلدة وينفى عاما وحكم الثيب من الرجال والنساء أن يجلد مائة ويرجم حتى يموت
قال أبو جعفر وهذا القول مذهب عكرمة وهو مروي عن الحسن

عن حطان بن عبد الله الرقاشي عن عبادة بن الصامت
قال أبو جعفر فهذا قول
والقول الثاني أنه كان حكم الزاني والزانية الثيبين إذا زنيا أن يحبسا حتى يموتا وحكم البكرين أن يؤذيا وهذا قول قتادة وإليه كان يذهب محمد بن جرير واحتج بأن الآية الثانية والذان يأتيانها منكم فدل هذا على أنه يراد الرجل والمرأة البكران قال ولو كان لجميع الزناة لكان والذين كما أن الذي قبله والاتي يأتين الفاحشة قال ولأن العرب لا توعد اثنين إلا أن يكونا شخصين مختلفين
والقول الثالث أن يكون قوله عز و جل والاتي يأتين الفاحشة من نسائكم عاما لكل من زنت من ثيب وبكر وأن يكون والذان يأتيانها منكم عاما لكل من زنى من الرجال ثيبا كان أو بكرا

وهذا قول مجاهد وهو مروي عن ابن عباس وهو أصح الأقوال بحجج بينة سنذكرها
فأما قول من قال إن الآية الثانية ناسخة للأولى وإن كان يحتمل ذلك فالحديث عن رسول الله يدل على غير ذلك كما قريء على علي بن سعيد بن بشير عن عمرو بن رافع قال حدثنا هشيم قال حدثنا منصور عن الحسن عن حطان بن عبد الله الرقاشي عن عبادة بن الصامت عن رسول الله قال خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة والثيب بالثيب جلد مائة والرجم
فبين بقول رسول الله قد جعل الله لهن سبيلا أن الآية لم تنسخ قبل هذا
قال أبو جعفر وهذا الحديث أصل من أصول الفقه وإن كان قد تؤول فيه شيء سنذكره في موضعه

ومما يدل أيضا على ما قلنا أن أحمد بن محمد الأزدي حدثنا قال حدثنا أبو شريح محمد بن زكريا وابن أبي مريم قالا حدثنا محمد بن يوسف قال حدثنا قيس بن الربيع قال حدثنا مسلم عن مجاهد عن ابن عباس في قوله عز و جل والاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت قال فكانت المرأة إذا زنت حبست ماتت أو عاشت حتى نزل في سورة النور الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ونزلت سورة الحدود فكان من عمل سوءا جلد وأرسل
قال أبو جعفر ودل هذا على أن ابن عباس لم يكن يقول بنفي الزاني
وأما القول الثاني الذي اختاره محمد بن جرير ففيه شيء وذلك أنه جعل والذان يأتيانها منكم للرجل والمرأة وهذا إنما يجوز في العربية على مجاز ولا يحمل الشيء على مجاز ومعناه صحيح في الحقيقة والذي عارض به من قوله إن العرب لا توعد اثنين إلا أن يكونا شخصين مختلفين فهذا إن صح فهما شخصان مختلفان لأنه إذا كان واللذان للرجل الثيب والبكر فهما مختلفان
ومعارضته أنه لو كان هكذا لوجب أن يكون والذين لا يلزم لأن العرب تحمل على اللفظ وعلى المعنى كما قال عز و جل وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما ومثل هذا كثير

والقول الذي اخترناه هو قول ابن عباس كما حدثنا نصر بن سهل قال حدثنا عبد الله بن صالح قال حدثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال وقوله جل وعز والاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فكانت المرأة إذا زنت تحبس في البيت حتى تموت ثم أنزل الله جل وعز بعد ذلك الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة فإن كان محصنين رجما فهذا هو السبيل الذي جعله الله لهما
قال وقوله جل وعز والذان يأتيانها منكم فأذوهما فكان الرجل إذا زنى أوذي بالتعيير وضرب النعال فأنزل الله جل وعز بعد ذلك هذا الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة فإن كانا محصنين رجما في سنة رسول الله
قال أبو جعفر هذا نص كلام ابن عباس فتبين أن قوله جل وعز واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم عام لكل من زنى من النساء وأن قوله عز و جل والذان يأتيانها منكم عام لكل من زنى من الرجال ونسخ الله عز و جل الآيتين في كتابه وعلى لسان رسوله بحديث عبادة بن الصامت الذي ذكرناه

فمر بعض العلماء على استعمال حديث عبادة وأنه يجب على الزاني والزانية البكرين جلد مائة وتغريب عام وأنه يجب على الثيبين جلد مائة والرجم
هذا قول على بن أبي طالب رضي الله عنه لا اختلاف عنه في ذلك أنه جلد شراحة مائة ورجمها بعد ذلك وقال جلدتها بكتاب الله عز و جل ورجمها بسنة رسول الله
وقال بهذا القول من الفقهاء الحسن بن صالح بن حي وهو قول الحسن بن أبي الحسن وإسحق بن راهويه

والحجة في قول الله عز و جل الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة فثبت الجلد بالقرآن والرجم بالسنة ومع هذا فقول الرسول والثيب بالثيب جلد مائة والرجم
وقال جماعة من العلماء بل على الثيب الرجم بلا جلد وهذا يروى عن عمر رضي الله عنه وهو قول الزهري والنخعي ومالك والثوري والأوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي وأحمد وأبي ثور فمنهم من احتج بأن الجلد منسوخ عن المحصن بالرجم ومنهم من قال آية الجلد مخصوصة ومنهم من قال حديث عبادة منسوخ منه الجلد الذي على الثيب واحتجوا بأحاديث سنذكر منها ما فيه كفاية
فمنها ما قريء على أحمد بن شعيب عن محمد بن المثنى قال حدثنا محمد قال حدثنا شعبة عن قتادة عن يونس بن جبير عن كثير بن الصلت قال زيد بن ثابت سمعت رسول الله يقول الشيخ والشيخة إذا زنيا فأرجموهما البتة
وقريء على أحمد عن قتيبة قال حدثنا أبو عوانة عن سماك بن حرب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال قال رسول الله لماعز بن مالك أحق ما بلغني عنك قال ما بلغك عني قال

بلغني أنك وقعت على جارية آل بني فلان قال نعم فشهد أربع شهادات ثم أمر به فرجم
قالوا فليس في هذين الحديثين ذكر الجلد مع الرجم
وكذا قوله أغد يا أنيس على امرأة هذا فإن اعترفت بالزنا فارجمها ولم يذكر الجلد فدل هذا على نسخه
وقال المخالف لهم لا حجة لكم في هذه الأحاديث لأنه ليس في واحد منها أنه لم يجلد وقد ثبت الجلد بكتاب الله عز و جل فليس بممتنع أن يسكت عنه لشهرته
وقد تكلم العلماء منهم الشافعي رحمه الله في نظير هذا فقالوا قد يحفظ البعض ما لا يحفظ الكل وقد يروى بعض هذا الحديث ويحذف بعضه
واختلفوا في موضع آخر من أحكام الزنا فقال قوم في البكر تجلد وتنفى وقال قوم تجلد ولا تنفى وقال قوم النفي إلى الإمام على حسب ما يرى
فممن قال تجلد وتنفى الخلفاء الراشدون المهديون أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم أجمعين وهو قول ابن عمر

وقال به من الفقهاء عطاء وطاووس وسفيان الثوري ومالك وابن أبي ليلى والشافعي وأحمد وأبو إسحاق وأبو ثور
وقال بترك النفي حماد بن أبي سليمان وأبو حنيفة ومحمد بن الحسن
قال أبو جعفر وحجة من قال بالنفي الحديث المسند بدءا ثم كثره من قال به وجلالتهم كما قريء على أحمد بن شعيب عن قتيبة قال حدثنا ابن عيينة عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن أبي هريرة وزيد بن خالد وشبل قالوا كنا عند النبي فقام رجل فقال أنشدك بالله إلا قضيت بيننا بكتاب الله عز و جل فقام خصمه وكان أفقه منه فقال صدق اقض بيننا بكتاب الله عز و جل وأذن لي أن أتكلم فقال قل قال إن ابني كان عسيفا على هذا فزنى بامرأته فافتديت بمائة شاة وخادم كأنه أخبر على ابنه الرجم فافتدى منه بمائة شاة وخادم قال رسول الله والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله عز و جل أما مائة الشاة والخادم فرد عليك وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام اغد يا

أنيس على امرأة هذا فإن اعترفت بالزنا فارجمها فغدا عليها فاعترفت بالزنا فرجمها
قال أبو جعفر فثبت التغريب بلفظ رسول الله فمن ادعى نسخه فعليه أن يأتي بالتوقيف بذلك فأما المعارضة بأن العبد لا ينفى بالزنا فغير لازمة وقد صح عن عبد الله بن عمر أنه ضرب أمته في الزنا ونفاها ولو وجب ألا ينفي الأمة والعبد لما وجب ذلك في الأحرار وكان هذا مخرجا من الحديث وكذا القول في النساء على أن المزني قد حكى أن الأولى بقول الشافعي رحمه الله أن تنفى الأمة نصف سنة لقول الله عز و جل فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب
ومن قال النفي إلى الإمام احتج بأن في حديث مالك عن الزهري عن أبي عبيد الله عن أبي هريرة وزيد بن خالد أن رسول الله جلد وغرب وليس فيه كما في حديث ابن عيينه
وفي الآية السادسة موضعان قد أدخلا في الناسخ والمنسوخ

باب ذكر الآية السادسة من هذه السورة
قال الله عز و جل وأحل لكم ما وراء ذالكم وفيها فما استمتعتم به منهن فئاتوهن أجورهن فريضة
فقوله عز و جل وأحل لكم ما وراء ذالكم لولا ما جاء فيه من النسخ لم يكن تحريم سوى في الآية وحرم الله عز و جل على لسان رسوله من لم يذكر في الآية
حدثنا أبو جعفر كما حدثنا بكر بن سهل قال حدثنا عبد الله بن يوسف قال حدثنا مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله قال لا يجمع بين المرأة وعمتها ولا بين المرأة وخالتها
وقريء على أحمد بن شعيب عن إبراهيم بن الحسن قال حدثنا حجاج عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر قال نهى رسول الله أن تنكح المرأة على عمتها أو على خالتها

قال أبو جعفر ولهذا الحديث طرق غير هذين الطريقين فاجتزأنا بهما لصحتهما واستقامة طريقهما قال حدثنا أحمد بن محمد الأزدي قال حدثنا عبيد الله بن محمد المؤدب قال حدثنا علي بن معبد بن شداد العبدي قال حدثنا مروان بن شجاع عن خصيف عن عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله نهى أن يجمع بين العمة والخالة وبين الخالتين وبين العمتين
قال أبو جعفر وقد أشكل هذا الحديث على بعض اهل العلم وتحير في معناه حتى حمله على ما يبعد أو لا يجوز فقال معنى بين العمتين على المجاز أى بين العمة وبنت أخيها فقيل لهما عمتان كما قيل سنة العمرين يعنون أبا بكر وعمر رضي الله عنهما وقال وبين الخالتين مثله على المجاز وقال أو في الأول حذف أي بين العمة وبنت أخيها
وهذا من التعسف الذي لا يكاد يسمع بمثله وفيه أيضا مع التعسف أنه يكون كلاما مكررا بغير فائدة لأنه إذا كان المعني نهى أن يجمع بين العمة وبنت أخيها وبين العمتين يعني به العمة وبنت أخيها صار الكلام مكررا بغير فائدة وأيضا فلو كان كما قال لوجب أن يكون وبين الخالة وليس كذا الحديث لأن الحديث نهى أن يجمع بين العمة والخالة
فالواجب على لفظ الحديث أنه نهى أن يجمع بين امرأتين إحداهما عمة الأخرى والأخرى خالة الأخرى وهذا يخرج على معنى صحيح بكون رجل وابنه تزوجا امرأة وابنتها تزوج الرجل البنت وتزوج الابن الأم فولد لكل واحد منهما ابنة من هاتين الزوجتين فابنة الأب عمة ابنة

الإبن وابنة الإبن خالة ابنة الأب
وأما الجمع بين الخالتين فهذا يوجب أن يكونا امرأتين كل واحدة منهما خالة صاحبتها وذلك أن يكون رجل تزوج ابنة رجل وتزوج الآخر ابنته فولد لكل منهما ابنة فابنة كل واحدة منهما خالة الأخرى واما الجمع بين العمتين فيوجب ألا يجمع بين امرأتين كل واحدة منها عمة الأخرى وذلك أن يتزوج رجل أم رجل فيتزوج الآخر أم الآخر فيولد لكل واحد منهما ابنة فابنة كل واحد منهما عمة الأخرى

قال أبو جعفر فهذا ما حرمه الله على لسان رسول الله مما ليس في القرآن
وقد قال الله عز و جل واذكرن ما يتلى في بيوتكن من ءايات الله والحكمة فقيل الحكمة السنة ثم قاس الفقهاء على هذا فقالوا كل امرأتين لو كانت إحداهما رجلا لم يجز أن تتزوج الأخرى فلا يجوز الجمع بينهما
ثم حرم الله على لسان رسوله مما ليس في الآية كما حدثناه بكر بن سهل قال حدثنا عبد الله بن يوسف قال حدثنا مالك عن عبد الله بن دينار عن سليمان بن يسار عن عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله قال تحرم الرضاعة ما تحرم الولادة
ولهذا الحديث طرق اجتزأنا بهذا منها لأنه لا مطعن فيه وليس في القرآن إلا تحريم الأمهات والأخوات من الرضاعة فقط

ثم اختلف العلماء في الرضاع بعد الحولين فقال أكثرهم لا رضاع بعد الحولين فممن قال هذا أزواج النبي إلا عائشة رضي الله عنها وهو أحد قولي مالك والقول الآخر عنه بعد الحولين بيسير نحو الشهر وقال أبو حنيفة بعد الحولين بستة أشهر وقال زفر بعد الحولين بستة وقالت طائفة أخرى الرضاع للصغير والكبير معنى واحد
فممن صح عنه هذا عائشة رضي الله عنها وأبو موسى الأشعري وقال به الفقهاء الليث بن سعد وكان يفتي به قال

عبد الله بن صالح سألته امرأة تريد الحج وليس لها ذو محرم فقال امض الى امرأة رجل فترضعك فيكون زوجها أباك فتحجي معه
والحجة لهذا القول انه قريء على احمد بن شعيب عن عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن قال حدثنا ابن عيينة قال سمعناه من عبد الرحمن بن القاسم بن محمد عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت جاءت سهلة ابنة سهيل إلى رسول الله فقالت إني أرى في وجه أبي حذيفة علي إذا دخل سالم قال النبي فأرضعيه قالت كيف أرضعه وهو رجل كبير قال ألست أعلم أنه رجل ثم جاءت بعد فقالت والله يا رسول الله ما أرى في وجه أبي حذيفة بعد شيئا أكرهه
قال أبو جعفر واحتج من قال الرضاع في الحولين لا غير بقول الله عز و جل والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة فعارضهم الآخرون فقالوا ليس في هذا دليل على نفي ما بعد الحولين
واحتج الآخرون أيضا بأن الحديث المسند إنما فيه إزالة كراهته فعارضهم الآخرون فقالوا لم تزل عائشة رضي الله عنها تقوم برضاع

الكبير معروفا ذلك غير أن ربيعة بن أبي عبد الرحمن كان يقول هذا الحديث مخصوص في سالم وحده
وقال غيره هو منسوخ واستدل على ذلك بأن مسروقا روى عن عائشة رضي الله عنها كن عشر رضعات نزلن في الشيخ الكبير ثم نسخن وروى أيضا مسروق عن عائشة رضي الله عنها عن رسول الله أنه قال إنما الرضاعة من المجاعة
قال أهل اللغة معنى هذا إنما الرضاعة للصبي الذي إذا جاع أشبعه اللبن ونفعه من الجوع فأما الكبير فلا رضاعة له
قال أبو جعفر قريء على أحمد بن شعيب عن قتيبة قال حدثنا أبو عوانة عن هشام بن عروة عن فاطمة بنت المنذر عن أم سلمة عن رسول الله أنه قال لا رضاع إلا ما فتق الأمعاء في الثدي وكان قبل الفطام

وأما قوله عز و جل فما استمتعتم به منهن فأتوهن أجورهن فريضة فقد اختلف العلماء بعد اجتماع من تقوم به

الحجة أن المتعة حرام بكتاب الله عز و جل وسنة رسول الله وقول الخلفاء الراشدين المهديين رضي الله عنهم أجمعين وتوقيف علي بن أبي طالب رضي الله عنه ابن عباس وقوله له إنك رجل تائه وإن رسول الله قد حرم المتعة
والاختلاف بين العلماء في صحة الإسناد عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه واستقامة طريقه بروايته عن رسول الله تحريم المتعة وسنذكر

ذلك بإسناده في موضعه إن شاء الله تعالى
فقال قوم فما استمتعتم به منهن فأتوهن أجورهن فريضة قال هو النكاح بعينه وما أحل الله جل وعز المتعة قط في كتابه
فممن قال هذا من العلماء الحسن ومجاهد كما حدثنا أحمد بن محمد الأزدي قال حدثنا ابن أبي مريم قال حدثنا الفاريابي عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد فما استمتعتم به منهن قال النكاح
قال أبو جعفر حدثنا أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة قال أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن الحسن فما استمتعتم به منهن قال النكاح وكذا يروى عن ابن عباس
قال أبو جعفر وسنذكره بإسناده وشرحه
وقال جماعة من العلماء كانت المتعة حلالا ثم نسخ الله عز و جل ذلك بالقرآن
وممن قال هذا سعيد بن المسيب وهو يروي عن ابن عباس وعائشة رضي الله عنهما وهو قول القاسم وسالم وعروة كما قريء على أحمد بن محمد بن الحجاج عن يحيى بن سليمان قال حدثنا علي بن هاشم

عن عثمان بن عطاء الخراساني عن أبيه عن ابن عباس في قوله عز و جل فما استمعتم به منهن فأتوهن أجورهن فريضة قال نسختها يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن يقول الطلاق للطهر الذي لم يجامعها فيه
وقريء على محمد بن جعفر بن حفص عن يوسف بن موسى قال حدثنا وكيع عن سفيان عن داود بن أبي هند عن سعيد بن المسيب قال نسخت المتعة آية الميراث يعني ولكم نصف ما ترك أزواجكم
قال أبو جعفر وذلك أن المتعة لا ميراث فيها فلذلك قال فيها بالنسخ وإنما المتعة أن يقول لها أتزوجك يوما وما أشبه ذلك على أنه لا عدة عليك ولا ميراث بيننا ولا طلاق ولا شاهد يشهد على ذلك وهذا هو الزنا بعينه ولذلك قال عمر رضي الله عنه لا أوتي برجل تزوج متعة إلا غيبته تحت الحجارة
قريء على أحمد بن محمد بن الحجاج عن يحيى بن عبد الله بن بكير قال حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب قال قال لي سالم بن عبد الله وهو يذاكرني يقولون بالمتعة هؤلاء فهل رأيت نكاحا لا

طلاق فيه ولا عدة له ولا ميراث فيه قال وقال لي القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق كيف يجترئون على الفتيا بالمتعة وقد قال الله عز و جل والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون
قال أبو جعفر وهذا قول بين لأنه إذا لم تكن تطلق ولا تعتد ولا ترث فليست بزوجة
وقال قوم من العلماء الناسخ للمتعة الحديث عن رسول الله كما قريء على أحمد بن محمد الأزدي عن إبراهيم بن أبي داود قال حدثنا عبد الله بن محمد بن أسماء قال حدثنا جويرية عن مالك بن أنس عن الزهري أن عبد الله بن محمد بن علي بن أبي طالب والحسن بن محمد حدثاه عن أبيهما أنه سمع علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول لابن

عباس إنك رجل تائه إن رسول الله نهى عن المتعة
قال أبو جعفر ولهذا الحديث طرق فاجتزأنا بهذا لصحته ولجلالة جويريه بن أسماء ولأن ابن عباس لما خاطبه علي بن أبي طالب رضي الله عنه بهذا لم يحاججه فصار تحريم المتعة إجماعا لأن الذين يحلونها اعتمادهم على ابن عباس
وقال قوم نسخت المتعة بالقرآن والسنة جميعا وهذا قول أبي عبيد وقد روى الربيع بن سبرة عن أبيه أن النبي حرم المتعة يوم الفتح
فقد صح من الكتاب والسنة التحريم ولم يصح التحليل من الكتاب بما ذكرنا من قول من قال إن الإستمتاع النكاح
على أن الربيع بن سبرة قد روى عن أبيه أن رسول الله قال لهم استمتعوا من هذه النساء قال والاستمتاع عندنا يومئذ التزويج

حدثنا بكر بن سهل قال حدثنا عبد الله بن صالح قال أخبرنا معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال وقوله جل وعز فما استمتعتم به منهن فأتوهن أجورهن فريضة يقول إذا تزوج الرجل المرأة فنكحها مرة واحدة وجب لها الصداق كله والاستمتاع النكاح قال وهو قوله تعالى وءاتوا النساء صدقاهن نحلة
قال أبو جعفر فبين ابن عباس أن الاستمتاع هو النكاح بأحسن بيان فالتقدير في العربية فما استمتعم به ممن قد تزوجتموه بالنكاح مرة أو أكثر من ذلك فأعطوها الصداق كاملا إلا أن تهبه له أو تهب منه
وقيل التقدير فما استمتعتم به وما بمعنى من وقيل التقدير فما استمتعتم به من دخول بالمرأة فلها الصداق كاملا أو النصف إن لم يدخل بها
فأما ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة فتأوله قوم من الجهال المجترئين على كتاب الله عز و جل أن المتمتع إن أراد الزيادة بغير استبراء ورضيت بذلك زادته وزادها وهذا الكذب على الله تعالى
قال أبو جعفر ومن أصح ما قيل فيه أنه لا جناح على الزوج والمرأة أن يتراضيا بعدما انقطع بينهما من الصداق أن تهبه له أو تنقصه منه أو يزيدها فيه

واختلف العلماء في الآية السابعة فمنهم من قال هي منسوخة ومنهم من قال هي ناسخة ومنهم من قال هي محكمة غير ناسخة ولا منسوخة

باب ذكر الآية السابعة من هذه السورة
قال الله عز و جل والذين عقدتم أيمانكم فأتوهم نصيبهم
فمن أصح ما روى في هذه الآية إسنادا وأجله قائلا ما حدثناه أحمد بن شعيب قال أخبرني هارون بن عبد الله قال حدثنا أبو أسامة قال حدثني إدريس بن يزيد قال حدثنا طلحة بن مصرف عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله تعالى والذين عقدت أيمانكم فأتوهم نصيبهم قال كان المهاجرون حين قدموا المدينة تورث الأنصار دون رحمهم للأخوة التي آخى النبي بينهم حتى نزلت الآية ولكل جعلنا مولى مما ترك الوالدان والأقربون قال نسختها والذين عقدت أيمانكم فأتوهم نصيبهم قال من النصر والنصح والرفادة ويوصي له وهو لا يرث

قال أبو عبد الرحمن إسناده صحيح
قال أبو جعفر فحمل هذا الحديث وأدخل في المسند على أن الآية ناسخة وليس الأمر عندي كذلك والذي يجب أن يحمل عليه الحديث أن يكون ولكل جعلنا مولى ناسخا لما كانوا يفعلونه وأن يكون والذين عقدت أيمانكم غير ناسخ ولا منسوخ ولكن فسره ابن عباس وسنبين العلة في ذلك عند آخر هذا الباب
ولكن ممن قال الآية ناسخة سعيد بن المسيب كما حدثنا جعفر بن مجاشع قال حدثنا إبراهيم بن إسحاق قال حدثنا داود بن رشيد قال حدثنا الوليد قال حدثنا مروان بن أبي الهذيل سمع الزهري يقول أخبرني سعيد في قول الله عز و جل والذين عقدت أيمانكم قال الحلفاء في الجاهلية والذين كانوا يتبنون فكانوا يتوارثون على ذلك حتى نزلت والذين عقدت أيمانكم فأتوهم نصيبهم فنزع الله عز و جل ميراثهم وأثبت لهم الوصية
وقال الشعبي كانوا يتوارثون حتى أزيل ذلك

وممن قال إنها منسوخة الحسن وقتادة كما قريء على عبد الله بن أحمد بن عبد السلام عن أبي الأزهر قال حدثنا روح عن أشعث عن الحسن والذين عقدت أيمانكم فأتوهم نصيبهم قال كان الرجل يعاقد الرجل على أنهما إذا مات أحدهما ورثه الآخر فنسختها آية المواريث
وقال قتادة كان يقول ترثني وأرثك وتعقل عني وأعقل عنك فنسخها وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض
وقال الضحاك كانوا يتحالفون ويتعاقدون على النصر والوراثة فإذا مات أحدهم قبل صاحبه كان له مثل نصيب ابنه فنسخ ذلك بالمواريث
ومثل هذا أيضا مروي عن ابن عباس مشروحا كما حدثنا أحمد قال كما حدثنا بكر بن سهل قال حدثنا أبو صالح قال حدثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال وقوله جل وعز والذين عقدت أيمانكم فأتوهم نصيبهم كان الرجل يعاقد الرجل أيهما مات قبل صاحبه ورثه الآخر فأنزل الله عز و جل وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم

معروفا قال يقول يوصي له وصية فهي جائزة من ثلث مال الميت فذلك المعروف
وممن قال إنها محكمة مجاهد وسعيد بن جبير كما قريء على إبراهيم بن موسى الجوزي عن يعقوب بن إبراهيم قال حدثنا وكيع عن سفيان عن منصور عن مجاهد في قوله عز و جل والذين عقدت إيمانكم فأتوهم نصيبهم قال من العقل والمشورة والرفد وقال سعيد بن جبير فأتوهم نصيبهم من العون والنصر
قال أبو جعفر وهذا أولى ما قيل في الآية أنها محكمة لعلتين
إحداهما أنه إنما يحمل النسخ على ما لا يصح المعنى إلا به وما كان منافيا فأما ما صح معناه وهو متلو فبعيد من الناسخ والمنسوخ
والعلة الأخرى الحديث عن النبي الصحيح الإسناد كما حدثنا أحمد بن شعيب قال أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال

حدثنا إسحق الأزرق عن زكريا بن أبي زائدة عن سعد بن إبراهيم عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه أن رسول الله قال لا خلف في الإسلام وأيما حلف كان في الجاهلية فإن الإسلام لم يزده إلا شدة فتبين بهذا الحديث أن الحلف غير منسوخ وتبين من الحديث الأول وقول مجاهد وسعيد بن جبير أنه في النصر والنصيحة والعون والرفد ويكون ما في الحديث الأول من قول ابن عباس نسختها يعني ولكل جعلنا مولى لأن الناس كانوا يتوارثون في الجاهلية بالتبني وتوارثوا في أول الإسلام بالإخاء ثم نسخ هذا كله فرائض الله عز و جل بالمواريث
واختلف العلماء أيضا في الآية الثامنة

باب ذكر الآية الثامنة من هذه السورة قال الله عز و جل يا أيها الذين ءامنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون
أكثر العلماء على أنها منسوخة غير أنهم يختلفون في الناسخ لها فمن ذلك ما قريء على أحمد بن شعيب عن إسحاق بن إبراهيم قال أحبرنا أبو داود قال حدثنا سفيان عن على بن بذيمة عن عكرمة عن ابن عباس في قول الله عز و جل لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى قال نسختها إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق الآية
قال أبو جعفر فيكون على هذا قد نسخت الآية على الحقيقة يكونون أمروا بألا يصلوا إذا سكروا ثم أمروا بالصلاة على كل حال فإن

كانوا لا يعقلون ذلك فعليهم أن يصلوا وهذا قبل التحريم فأما بعد التحريم فينبغي ألا يفعلوا ذلك أعني من الشرب فإن فعلوا فقد أساءوا والحكم في الصلاة واحد إلا الزيادة في المضمضة من المسكر لأنه لما حرم صار نجسا فهذا قول
وقد روى عثمان بن عطاء عن أبيه عن ابن عباس لا تقربوا الصلواة وأنتم سكارى قال في المساجد وتقدير هذا في العربية لا تقربوا موضع الصلاة مثل وسئل القرية
قال حدثنا أبو جعفر قال وثنا أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة قال حدثنا عبد الرزاق قال أخبرني معمر عن قتادة لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى قال فكانوا يتجنبون السكر عند حضور الصلوات ثم نسخت في تحريم الخمر وقال مجاهد نسخت بتحريم

الخمر
وممن قال إنها محكمة غير منسوخة الضحاك قال وأنتم سكارى من النوم
والقول الأول أولى لتواتر الآثار بصحته كما قريء على إبراهيم بن موسى الجوزي عن يعقوب بن إبراهيم قال حدثنا وكيع قال حدثنا سفيان عن عطاء بن السائب عن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال دعانا رجل من الأنصار قبل تحريم الخمر فحضرت الصلاة فتقدم عبد الرحمن بن عوف فقرأ قل يا أيها الكافرون فلبس عليه فنزلت يا أيها الذين ءامنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون
قال أبو جعفر فهذا ليس من النوم في شيء مع التوقيف في نزول الآية

وقد عارض معارض فقال كيف يتعبد السكران بألا يقرب الصلاة في تلك الحال وهو لا يفهم وهذا لا يلزم
وفيه جوابان أحدهما أنه تعبد ألا يسكر عند حضور الصلاة
والجواب الآخر وهو أصحهما أن السكران ههنا هو الذي لم يزل فهمه وإنما خدر جسمه من الشرب وفهمه قائم فهو مأمور منهي فأما من لا يفهم فقد خرج إلى الخبل وحال المجانين وهذا لم يزل مكروها في الجاهلية ثم زاده الإسلام توكيدا كما روى عن عثمان رضي الله عنه قال ما سكرت في جاهلية ولا إسلام ولا تغيبت ولا تمنيت ولا مسست ذكري بيميني منذ بايعت رسول الله قيل له فالإسلام حجزك فما بال الجاهلية قال كرهت أن أكون لعبة لأهلي
فيكون المنسوخ من الآية التحريم في أوقات الصلاة وغيرها
والبين في الآية التاسعة أنها منسوخة

باب ذكر الآية التاسعة من هذه السورة
قال الله عز و جل إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق أو جاءوكم حصرت صدورهم أن يقاتلونكم أو يقاتلوا قومهم ولو شاء الله لسلطهم عليكم فلقاتلوكم فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم فما جعل الله لكم عليهم سبيلا
أهل التأويل على أن هذه الآية منسوخة بالأمر بالقتال
قال أبو جعفر كما حدثنا جعفر بن مجاشع قال حدثنا إبراهيم بن إسحاق قال حدثنا إبراهيم بن عبد الله قال حدثنا حجاج عن ابن جريج عن عطاء الخراساني عن ابن عباس في قوله عز و جل إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق الآية قال نسختها براءة فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم
وحدثنا جعفر قال حدثنا إبراهيم قال حدثنا عبيد الله قال حدثنا يزيد عن سعيد عن قتادة إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق قال نسحتها قال ثم نسخ بعد ذلك فنبذ إلى كل ذي عهد عهده ثم أمر الله جل ثناؤه أن نقاتل المشركين حتى يقولوا لا إله إلا الله فقال فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم
قال أبو جعفر وحدثنا أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة

قال حدثنا عبد الرزاق قال حدثنا معمر عن قتادة فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم قال نسختها براءة فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم
قال أبو جعفر هذا قول مجاهد وقال ابن زيد نسخها الجهاد
وزعم بعض أهل اللغة أن معنى إلا الذين يصلون يتصلون أى ينتمون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق أي ينتسبون إليهم كما قال الأعشى ... إذا اتصلت قالت أبكر بن وائل ... وبكر سبتها والأنوف رواغم ...
قال أبو جعفر وهذا غلط عظيم لأنه يذهب إلى أن الله عز و جل حظر أن يقاتل أحد بينه وبين المسلمين نسب والمشركون قد كان بينهم وبين السابقين الأولين أنساب
وأشد من هذا الجهل الاحتجاج بأن ذلك كان ثم نسخ لأن أهل التأويل مجمعون على أن الناسخ له براءة إنما نزلت براءة بعد الفتح وبعد أن انقطعت الحروب وإنما يؤتى هذا من الجهل بقول أهل التفسير

والاجتراء على كتاب الله تعالى وحمله على المعقول من غير علم بأقوال المتقدمين
والتقدير على قول أهل التأويل فإن تولوا فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق وأولئك القوم خزاعة صالحهم رسول الله على أنهم لا يقاتلون فأعطاهم الأمان ومن وصل إليهم فدخل في الصلح معهم كان حكمه حكمهم
أو جاءوكم حصرت صدورهم أي وإلا الذين جاؤكم حصرت صدورهم وهم بنو مدلج وبنو خزيمة ضاقت صدورهم أن يقاتلوا المسلمين أو يقاتلوا قومهم بني مدلج وحصرت خبر بعد خبر وقيل حذفت منه قد
فأما أن يكون دعاء فمخالف لقول أهل التأويل لأنه قد أمر ألا يقاتلوا فكيف يدعي عليهم وقيل المعنى أو يصلون إلى قوم جاءوكم حصرت صدورهم
ثم قال جل وعز ولو شاء الله لسلطهم عليكم أى لسلط هؤلاء الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق والذين جاءوكم حصرت

صدورهم أي فاشكروا نعمة الله عليكم واقبلوا أمره ولا تقاتلوهم فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم أي الصلح فما جعل الله لكم عليهم سبيلا أي طريقا إلى قتلهم وسبي ذراريهم
ثم نسخ هذا كله كما قال أهل التأويل فنبذ إلى كل ذي عهد عهده فقيل لهم فسيحوا في الأرض أربعة أشهر ثم ليس بعد ذلك إلا الإسلام أو القتل لغير أهل الكتاب
واختلف العلماء في الآية العاشرة فقالوا فيها خمسة أقوال

باب ذكر الآية العاشرة من هذه السورة
قال الله عز و جل ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما
فمن العلماء من قال لا توبة لمن قتل مؤمنا متعمدا وبعض من قال هذا قال الآية التي في الفرقان منسوخة بالآية التي في النساء فهذا قول
ومن العلماء من قال له توبة لأن هذا مما لا يقع فيه ناسخ ولامنسوخ لأنه خبر ووعيد
ومن العلماء من قال الله عز و جل متولي عقابه تاب أو لم يتب إن شاء عذبه وإن شاء عفا عنه وإن شاء أدخله النار وأخرجه منها
ومن العلماء من قال المعنى فجزآوه جهنم إن جازاه
ومن العلماء من قال التقدير ومن يقتل مؤمنا متعمدا مستحلا لقتله فهذا جزاؤه لأنه كافر
قال أبو جعفر فهذه خمسة أقوال
فالقول الأول أنه لا توبة للقاتل مروي عن زيد بن ثابت وابن

عباس كما قريء على أحمد بن محمد بن الحجاج عن يحيى بن عبد الله بن بكير قال حدثني الليث بن سعد قال أخبرني خالد وهو ابن يزيد عن سعيد بن أبي هلال عن جهم بن أبي الجهم أن أبا الزناد أخبره أن خارجة بن زيد بن ثابت أخبره عن أبيه زيد بن ثابت قال لما نزلت الآية التي أنزلت في الفرقان والذين لا يدعون مع الله إلاها ءاخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون عجبنا للينها فنزلت في النساء ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه حتى فرغ

وقريء علي أبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب عن عمرو بن علي قال حدثنا يحيى قال ثنا ابن جريج قال أخبرني القاسم بن أبي بزة عن سعيد بن جبير قال سألت ابن عباس هل لمن قتل مؤمنا متعمدا من توبة قال لا وقرأت عليه الآية التي في الفرقان والذين لا يدعون مع الله إلاها ءاخر فقال هذه آية مكية نسختها آية مدنية ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما
قال أبو عبد الرحمن وأخبرنا قتيبة قال حدثنا سفيان عن عمار الذهني عن سالم بن الجعد أن ابن عباس سئل عمن قتل مؤمنا متعمدا ثم تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى فقال وأنآ له بالتوبة وقد سمعت نبيكم يقول يجيء متعلقا بالقاتل تشخب أوداجه دما يقول أي رب سل هذا فيم قتلني ثم قال ابن عباس والله لقد أنزلها الله عز و جل ثم ما نسخها

قال أبو عبد الرحمن وأخبرنا يحيى بن حكيم قال حدثنا ابن أبي عدي قال حدثنا شعبة عن يعلى بن عطاء عن أبيه عن عبد الله بن عمرو عن رسول الله قال لزوال الدنيا أهون على الله عز و جل من قتل رجل مسلم
قال أبو عبد الرحمن وأخبرني أحمد بن فضالة قال حدثني عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن أيوب عن الحسن عن الأحنف بن قيس عن أبي بكرة قال سمعت رسول الله يقول

إذا التقى المسلمان بسيفيهما فقتل أحدهما صاحبه فالقاتل والمقتول في النار قيل يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول قال إنه أراد أن يقتل صاحبه
قال أبو جعفر فهذه أحاديث صحاح يحتج بها أصحاب هذا القول مع ما روى عبد الله بن مسعود عن النبي سباب المسلم فسوق وقتاله كفر
وعنه لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض ومن أعان على قتل مسلم بشطر كلمة جاء يوم القيامة مكتوبا بين عينيه يا آيس من رحمة الله
قال أبو جعفر والقول الثاني أن له توبة قال جماعة من العلماء منهم عبد الله بن عمر وهو أيضا مروي عن زيد بن ثابت وابن عباس

كما قريء على بكر بن سهل عن عبدالله بن صالح قال حدثني معاوية بن صالح عن عبد الوهاب بن بخت عن نافع أو سالم أن رجلا سأل عبد الله بن عمر فقال يا أبا عبد الرحمن كيف ترى في رجل قتل رجلا عمدا قال أنت قتلته قال نعم قال تب إلى الله عز و جل يتب عليك
وحدثنا علي بن الحسين قال حدثنا الحسن بن محمد قال حدثنا يزيد بن هارون قال أخبرنا أبو مالك الأشجعي عن سعد بن عبيدة قال جاء رجل إلى ابن عباس فقال ألمن قتل مؤمنا متعمدا توبة قال لا إلا النار قال فلما ذهب قال له جلساؤه أهكذا كنت تفتينا أن لمن قتل توبة مقبولة قال إني لأحسبه رجلا مغضبا يريد أن يقتل مؤمنا قال فبعثوا في أثره فوجدوه كذلك
قال أبو جعفر وأصحاب هذا القول حججهم ظاهرة منها قول الله تعالى وإني لغفار لمن تاب وءامن وهو الذي يقبل التوبة عن عباده
وقد بينا في أول هذا الكتاب أن الأخبار لا يقع فيها نسخ
وقد اختلف عن ابن عباس أيضا فروى عنه أنه قال نزلت في أهل الشرك يعني التي في الفرقان وعنه نسختها التي في النساء فقال بعض العلماء معنى نسختها نزلت بنسختها

قال أبو جعفر وليس يخلو أن تكون الآية التي في النساء نزلت بعد التي في الفرقان كما روى عن زيد بن ثابت وابن عباس على أنه قد روى عن زيد أن التي في الفرقان نزلت بعدها أو يكون هذا وتكون التي في الفرقان نزلت بعدها أو يكونا نزلتا معا وليس ثم قسم رابع
فإن كانت التي في النساء بعد التي في الفرقان فهي مبينة لها كما أن قوله عز و جل إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة مبني على قوله جل وعز قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف
وإن كانت التي في الفرقان نزلت بعد التي في النساء فهي مبينة لها
فإن كانتا نزلتا معا فإحدهما محمولة على الأخرى وهذا باب من النظر إذا تدبرته علمت أنه لا مدفع له مع ما يقوي ذلك من المحكم الذي لا تنازع فيه وهو قوله عز و جل وإني لغفار لمن تاب وءامن
وأما القول الثالث أن أمره إلى الله تعالى تاب أو لم يتب فعليه الفقهاء أبو حنيفة وأصحابه والشافعي أيضا يقول في كثير من هذا إلا بعفو الله عنه أو معنى هذا

وأما القول الرابع وهو قول أبي مجلز أن المعنى إن جازاه فالغلط فيه بين وقد قال الله عز و جل ذلك جزاؤهم جهنم بما كفروا فلم يقل أحد معناه إن جازاهم وهذا خطأ في العربية لأن بعده وغضب الله عليه وهو محمول على معنى جازاه
وأما القول الخامس أن المعنى ومن يقتل مؤمنا متعمدا مستحلا لقتله فغلط لأن من عام لا يخص إلا بتوقيف أو دليل قاطع فهذا القول يقال إنه قول عكرمة لأنه ذكر أن الآية نزلت في رجل قتل مؤمنا متعمدا ثم ارتد

قال أبو جعفر فهذه عشر آيات قد ذكرناها في سورة النساء ورأيت بعض المتأخرين قد ذكر آية سوى العشرة وهي قوله عز و جل وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا
قال أبو جعفر وإنما لم أفرد لها بابا لأنه لم يصح عندي أنها ناسخة ولا منسوخة ولا ذكرها أحد من المتقدمين بشيء من ذينك فيذكر قوله وليس يخلو أمرها من إحدى ثلاث جهات ليس في واحدة منهن نسخ
وذلك أن الذي قال هي منسوخة يحتج بأن الله عز و جل قال وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلواة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا قال فكان في هذا منع من قصر الصلاة إلا في الخوف ثم صح عن النبي أنه قصر في غير الخوف آمن ما كان الناس في السفر فجعل فعل النبي ناسحا للآية وهذا غلط بين لأنه ليس في الآية منع للقصر في الأمن وإنما فيها إباحة القصر في الخوف فقط
والجهات التي فيها عن العلماء المتقدمين منهن أن يكون معنى أن يقصروا من الصلاة أن تقصروا من حدودها في حال الخوف وذلك ترك إقامة ركوعها وسجودها وأداؤها كيف أمكن مستقبل القبلة ومستدبرها وماشيا وراكبا في حال الحرب وهي حال الخوف كما قال عز و جل فإن خفتم فرجالا أو ركبانا وهذا يروى عن ابن عباس فهذا قول وهو اختيار محمد بن جرير واستدل على صحته

بأن بعده فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلات فإقامتها إتمام ركوعها وسجودها وسائر فرائضها وترك إقامتها في غير الطمأنينة هو ترك إقامة هذه الأشياء
ومن الجهات في تأويل الآية أن جماعة من الصحابة والتابعين قالوا قصر صلاة الخوف أن تصلى ركعة واحدة لأن صلاة المسافر ركعتين ليس بقصر ثم أتمت صلاة المقيم وأقرت صلاة المسافر بحالها عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها

وممن قال صلاة الخوف ركعة واحدة حذيفة وجابر بن عبد الله وسعيد بن جبير وهو قول ابن عباس كما قريء على محمد بن جعفر بن حفص عن خلف بن هشام المقريء قال حدثنا أبو عوانة عن بكير بن الأخفش عن مجاهد عن ابن عباس قال فرض الله الصلاة على لسان نبيكم للمقيم أربعا وللمسافر ركعتين وفي الخوف ركعة
قال أبو جعفر وفي الآية قول ثالث عليه أكثر الفقهاء وذلك أن تكون صلاة الخوف ركعتين مقصورة من أربع بكتاب الله عز و جل وصلاة السفر في الأمن ركعتان مقصورة بسنة رسول الله صلى الله عليه و سلم لا بالقرآن ولا بنسخ للقرآن
ويدلك على صحة هذا ما قرىء على يحيى بن أيوب عن ابن أبي مريم قال حدثنا يحيى بن أيوب قال أخبرني ابن جريح أن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي عمارة حدثه عن عبد الله بن بابية عن يعلى بن أمية أنه قال سألت عمر بن الخطاب رضي الله عنه قلت أرأيت قول الله عز و جل فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا النساء 101 فقد زال الخوف فما بال

القصر فقال عجبت مما عجبت منه فسألت رسول الله صلى الله عليه و سلم قال هي صلاة تصدق الله بها عليكم فاقبلوها
قال أبو جعفر فلم يقل صلى الله عليه و سلم قد نسخ ذلك وإنما نسبه عليه السلام إلى الرخصة فصح قول من قال قصر صلاة السفر بالسنة وقصر صلاة الخوف بالقرآن ولا يقال منسوخ لما ثبت في التنزيل وصح فيه التأويل إلا بتوقيف أو بدليل قاطع

بسم الله الرحمن الرحيم
سورة المائدة
اختلف العلماء في هذه السورة فمنهم من قال لم ينسخ منها شيء ومنهم من احتج بأنها آخر سورة نزلت فلا يجوز أن يكون فيها يس منسوخ قال أبو جعفر كما حدثنا جعفربن مجاشع قال حدثنا إبراهيم بن إسحاق قال حدثنا عبيدالله قال حدثنا عبدالرحمن بن مهدي قال حدثنا الثوري عن أبي إسحاق عن أبي ميسرة قال لم ينسخ من المائدة شيء وقرىء على إسحاق بن إبراهيم بن يونس عن الوليد بن شجاع قال حدثنا عبدالله بن وهب قال أخبرني معاوية بن صالح عن أبي الزاهرية عن جبير بن نضير قال حججت فدخلت على عائشة رضي الله عنها فقالت هل تقرأ سورة المائدة قلت نعم قالت أما إنها آخر سورة نزلت فما وجدتم فيها حلالا فآستحلوه وما وجدتم فيها حراما فحرموه

قال أبو جعفر ومما يحتج به في هذا الحديث عمر رضي الله عنه حين قرأ اليوم أكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي فقال له بعض اليهود لو نزلت هذه علينا في يوم لاتخذناه عيدا قال عمر رضي الله عنه كان في اليوم الذي نزلت فيه عيدان نزلت يوم الجمعة يوم عرفات يعني في حجة الوداع
قال أبو جعفر فأما البرآء فإنه قال آخر سورة نزلت برآءة وآخر آية نزلت يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة وهذا ليس بمتناقض لأنهما جميعا من اخر ما نزل
ولو لم يكن في المائدة منسوخ لاحتجنا إلى ذكرها لأن فيها ناسخاوهذا الكتاب يشتمل على الناسخ والمنسوخ
على أن كثيرا من العلماء قد ذكروا فيها آيات منسوخة وقال بعضهم فيها آية واحدة منسوخة قال كما حدثنا أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة قال حدثنا عبدالرزاق قال أخبرنا الثوري عن بيان عن الشعبي قال ليس فى المائدة منسوخ إلا قوله عز و جل يا ايها الذين امنو لا تحلوا شعائر الله الآية قال أبو جعفر وهذه الآية الأولى مما نذكره منها

باب ذكر الآية الأولى من هذه ا لسوره
قال الله عز و جل يا ايها الذين امنوا لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام ولا الهدي ولا القلائد ولا امين البيت الحرام
ذهب جماعة من العلماء إلى أن هذه الاحكام الخمسة منسوخة وذ هب بعضهم إلى أن فيها منسوخا وذهب بعضهم إلى أنها محكمة
فممن ذهب إلى أنها منسوخة قتادة وروى ذلك عن ابن عباص حدثنا أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة قال حدثنا عبدالرزاق قال أخبرنا معمر عن قتادة في قول الله عز و جل يا ايها الذين امنوا لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام ولا الهدى ولا القلائد ولا امين البيت الحرام قال منسوخ كان الرجل في الجاهلية إذا خرج يريد الحج تقلد من السمر فلا يعرض له أحد وإذا تقلد قلادة شعر لم يعرض له أحد وكان المشرك يومئذ لا يصد عن البيت فأمر الله عز و جل أن لا يقاتل المشركون في الشهر الحرام ولا عند البيت ثم نسخها قوله فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم قال أبو جعفر وحدثنا بكر بن سهل قال حدثنا أبو صالح بن معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال وقوله يا ايها الذين امنوا لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام ولا الهدى ولا القلائد

ولا امين البيت الحرام فكان المؤمنون والمشركون يحجون الى البيت جميعا فنهى أن يمنع أحد من الحج إلى البيت من مؤمن وكافر ثم أنزل الله عز و جل بعد هذا انما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا وقال عز و جل ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله فنفى المشركين من المسجد الحرام
وبهذا الإسناد لا تحلوا شعائر الله كان المشركون يعظمون أمر الحج ويهدون الهدايا إلى البيت ويعظمون حرمته فأراد المسلمون ان يغيروا ذلك فأنزل الله عز و جل يا أيها الذين امنوا لا تحلوا شعائر الله قال أبو جعفر فهذا على تاويل النسخ في الأحكام الخمسة بإباحة قتال المشركين على كل حال ومنعهم من المسجد الحرام
فأما مجاهد فقال لم ينسخ منها إلا القلائد كان الرجل يتقليد شيء من لحاء الحرم فلايقرب فنسخ ذلك قال أبو جعفر وعلى مذهب أبي ميسرة أنها محكمة

وأما عطاء فقال لا تحلوا شعائر الله أي لا تتعرضوا ما يسخطه وابتغوا طاعته واجتنبوا معاصيه فهذا لا نسخ فيه وهو قول حسن لأن واحد الشعائر شعيرة من شعرت به أي علمت به فيكون المعنى لا تحلوا معالم الله وهي أمره ونهيه وما أعلمه الناس فلا يخالفوه
وقد روى عن ابن عباس الهدي ما لم يقلد وقد عزم صاحبه على أن يهديه والقلائد ما قلد فأما الربيع بن أنس فتأول معنى ولا القلائد أنه لا يحل لهم أن يأخذوا من شجر الحرم فيتقلدوه وهو ومعنى شاذ بعيد وقول أهل التاويل إنهم نهوا أن يحلوا ما قلد فيأخذوه ويغصبوه
فمن قال هذا منسوخ فحجته بينة أن المشرك حلال الدم وإن تقلد من شجرالحرم وهذا بين جدا
وفي هذه الآية مما ذكر أنه منسوخ قوله تعالى ولا يجرمكنم شنئان قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام ان تعتدوا قالا

عبدالرحمن بن زيد هذا كله منسوخ نسخه الجهاد
قال أبوجعفر ذهب ابن زيد إلى أنه لما جاز قتالهم لأنهم كفار جاز أن يعتدي عليهم ويبدءوا بالققال وأما غيره من أهل التأويل أنها ليست منسوخة فممن قال ذلك مجاهد واحتج بقول النبي صلى الله عليه و سلم لعن الله من قتل بذحل في الجاهلية وأهل التأويل وأكثرهم متفقون على أن يحملنكم إبغاض قوم لأن صدوكم عن المسجد الحرام يوم الحديبية على أن تعقدوا لأن سورة المائدة نزلت بعد يوم الحديبية فالبين على أن صدوكم بفتح الهمزة لأنه شيء قد تقدم واختلف العلماء في الآية الثانية

باب ذكر الاية الثالية من هذه السورة
قال الله تبارك وتعالى اليوم احل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم فقالوا فيها ثلاثة أقوال منهم من قال أحل لنا طعام أهل الكتاب وإن ذكروا عليه غير اسم الله عز و جل فكان هذا ناسخا لقوله جل وعز ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وما اهل لغير الله به
وقال قوم ليس هذا ناسخا ولكنه مسثنى من ذلك
وقال آخرون ليس بنسخ ولا استثناء ولكن اذا ذكر أهل الكتاب غير اسم الله عز و جل لم تؤكل ذبيحتهم فالقول الأول عن جماعة من العلماء كما قال عطاء كل من ذبيحة النصراني وان قال باسم المسيح لأن الله عز و جل قد أحل ذبائحهم وقد ما يقولون وقال القاسم بن مخيمرة كل من ذبيحته وإن قال باسم جرجس

وهو قول ربيعة والشعبي ويروى عن صحابيين أبي الدرداء وعبادة بن الصامت
وأصحاب القول الثاني يقولون هذا استثناء وحلال أكله وأصحاب القول الثالث يقولون إذا سمعت الكتابي يسمي غير الله فلا تاكل
وقال بهذا من الصحابة علي بن أبي طالب وعائشة وابن عمر رضي الله عنهم وهو قول طاووس والحسن وقال مالك بن أنس أكره ذلك

ولم يحرمه
واختلفوا أيضا في ذبائح نصارى بني تغلب فاكثر العلماء يقول هم بمنزلة النصارى تؤكل ذبائحهم وتتزوج المحصنات من نسائهم فممن قال هذا ابن عباس بلا اختلاف عنه وقال آخرون لا تؤكل ذبائحهم ولا يتزوج فيهم لأنهم عرب وإنما دخلوا في النصرانية
فممن روي عنه هذا علي بن أبي طالب كما قرىء على أحمد بن محمد بن الحجاج عن يحيى بن سليمان قال حدثنا حفص بن غياث قال حدثنا أشعث بن عبدالملك عن الحسن قال ما علمت أحدا من أصحاب محمدصلى الله علية وسلم حرم ذبائح بني تغلب إلا علي بن أبي طالب رضي الله عنه

قال أبو جعفر وهذا قول الشافعي رضي الله عنه وعارضه محمد بن جرير بأن الحديث المروي عن علي بن أبي طالب الصحيح أنه قال لا تاكلوا ذبائح بني تغلب ولا تتزوجوا فيهم لأنهم لم يتعلقوا من النصرانية إلا بشرب الخمر قال فدل هذا أنهم لو كانوا على ملة النصارى في كل أمورهم لأكلت ذبائحهم وتزوج فيهم
قال وقد قامت الحجة على أكل ذبائح النصارى والتزوج فيهم من النصارى
وقد احتج ابن عباس في ذلك فقال قال الله عز و جل ومن يتولهم منكم فإنه منهم فلو لم يكن بنو تغلب من النصارى الا بتوليتهم إياهم لأكلت ذبيحتهم
فاما المجوس فالعلماء مجمعون إلآ من شذ منهم على أن ذبائحهم لا تؤكل ولا يتزوج فيهم لأنهم ليسوا أهل كتاب وقد بين ذلك رسول الله في كتابه إلى كسرى فلم يخاطبهم بأنهم أهل كتاب وخاطب

قيصر بغير ذلك فقال يا أهل الكتاب تعالوا الى كلمة سواء بيننا وبينكم والآية وقد عارض معارض بالحديث المروي عن عبدالرحمن بن عوف أنه قال لعمربن الخطاب رضي الله عنه في المجوس سمعت رسول الله يقول أنزلوهم منزلة أهل الكتاب
قال أبو جعفر وهذا الحديث لا حجة فيه من جهات إحداها أنه قد غلط في متنه وأن اسناده غير متصل فلا يقوم حجة
وهذا الحديث حدثناه بكربن سهل قال حدثنا عبدلله بن يوسف قال حدثنا مالك عن جعفربن محمد عن أبيه قال قال عمربن الخطاب رضي الله عنه ما أدري كيف أعمل في أمر المجوس فشهد عنده عبدالرحمن بن عوف أنه سمع رسول الله يقول سنوا بهم سنة أهل الكتاب
قال أبو جعفر فالإسناد منقطع لأن محمدبن علي لم يولد فى وقت عمر وأما المتن فيقال إنه على غير هذا كما حدثنا أحمد بن محمد الأزدي قال حدثنا أحمد بن بشر الكوفي قال سمعت سفيان بن

عيينة يقول عمرو بن دينار سمع بجالة يقول إن عمر رضي الله عنه لم يكن أخذ من المجوس الجزية حتى شهد عبدالرحمن بن عوف أن رسول الله أخذها من مجوس هجر وهذا إسناد متصل صحيح
ولو صح الحديث الاول ما كان فيه دليل على أكل ذبائح المجوس ولا تزوج نسائهم لأن قوله عليه السلام سنوا بهم سنة أهل الكتاب يدل على أنهم ليسوا من أهل الكتاب وأيضا فإنما نقل الحديث على أنه في الجزية خاصة وأيضا فسنوا بهم ليس من الذبائح في شيء لأنه لم يقل استنوا أنتم في أمرهم بشيء
فاما الاحتجاج بان حذيفة تزوج مجوسية فغلط والصحيح أنه تزوج يهودية
وفي هذه الاية والمحصنات من الذين اوتوا الكتاب من قبلكم وقد ذكرناه في قوله عز و جل ولا تنكحوا المشركات وقول من قال ان هذه الاية ناسخة لتلك لا واختلفوا في الآية الثالثة فقالوا فيها سبعة أقوال

باب ذكر الاية الثالثة من هذه السورة
قال الله عز و جل يا أيها الذين ءامنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وايديكم إلى المرافق المائدة 6 الآية فيها سبعة أقوال فمن العلماء من قال هي ناسخة لقوله عزوجل لا تقربوا الصلاة وانتم سكارى النساء 43
ومنهم من قال هي ناسخة لما كانوا عليه لأن النبي الله كان إذا أحدث لم يكلم أحدا حتى يتوضا وضوءه للصلاة فنسخ هذا وأمر بالطهارة عند القيام الى الصلاة
ومنهم من قال هي منسوخة لأنه لولم ينسخ لوجب على كل قائم الى الصلاة الطهارة وإن كان متطهرا والناسخ لها فعل النبي وسنذكره بإسناده
ومن العلماء من قال يجب على كل من قام إلى الصلاة أن يتوضا للصلاة بظاهر الآية وإن كان طاهرا فهذا قول عكرمة وابن سيرين واحتج عكرمة بعلي بن أبي طالب رضي الله عنه كما حدثنا أحمدبن محمد الأزدى قال حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال حدثنا بشر بن عمر

==========================ج2.===================

ج2. كتاب الناسخ والمنسوخ أحمد بن محمد بن إسماعيل المرادي النحاس



وعبدالصمد بن عبدالوارث قالا حدثنا شعبة عن مسعود بن علي قال كان علي بن أبي طالب يتوضا لكل صلاة ويتلو يا ايها الذين امنو اذا قمتم الى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم المائدة 6 الآية
ومن العلماء من يقول ينبغي لكل من قام إلى الصلاة أن يتوضأ لها طلبا للفضل وحمل الآية على الندب ومنهم من قال الآية مخصوصة لمن قام من النوم
والقول السابع أن الآية يراد بها من لم يكن على طهارة
فهذه سبعة أقوال فأما القول الأول أنها ناسخة لقول الله عز و جل لا تقربوا الصلاة وانتم سكارى فقد ذكرناه بإسناده في سورة النساء ولا يبين في هذا نسخ بكون التقدير إذا قمتم إلى الصلاة غير سكارى
والقول الثاني يحتج من قال له بحديث عبد الله بن علقمة بن

الفعواء عن أبيه كان النبي صلى الله علية وسلم إذا بال لم يكلم أحدا حتى يتوضأ للصلاة حتى نزلت آية الرخصة يا أيها الذين ءامنوا إذا قمتم إلى الصلاة
وقرىء على أحمد بن شعيب عن محمد بن بشار عن ابن معاذ قال حدثنا سعيد عن قتادة عن الحسن عن حصين بن المنذر أبي ساسان عن الهاجر بن قنفذ أنه سلم على النبي وهو يبول فلم يرد عليه حتى توضا فلما توضأ رد عليه

وهذا أيضا لايبين فيه نسخ لأنه مباح فعله
ومن قال الآية منسوخة بفعل النبي صلى الله عليه و سلم فاحتج بما حدثناه عبدالله بن محمد بن جعفر قال حدثنا أحمد بن منصور قاله حدثنا عبدالرزاق قال حدثنا سفيان عن علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن أبيه أن رسول الله كان يتوضأ وضوءه لكل صلاة فلما كان يوم الفتح صلى الصلوات بوضوء واحد ومسح على خفيه فقال عمر رضي الله عنه لقد فعلت شيئا ما كنت تفعله فقال عمدا فعلته
ومن منع أن ينسخ القرآن بالسنة قال هذا تبيين وليس بنسخ ومن قال على كل قائم إلى الصلاة أن يتوضأ لها احتج بظاهر الآية وبما روى عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه

ومن قال هي على الندب احتج بفعل النبي صلى الله علية وسلم وبأن علي بن أبي طالب رضي الله عنه لم يقل هذا واجب فيتأول أنه يفعل هذا إرادة الفضل
والدليل على هذا أنه قد صح عن علي بن أبي طالب أنه توضأ وضوءا خفيفا ثم قال هذا وضوء من لم يحدث وكذا عن عمر رضي الله عنه أيضاويحتج بحديث أبي عطيف عن ابن عمر عن النبي من توضأ على طهارة كتبت له عشرحسنات
وأما من قال المعنى إذا قمتم من النوم فيحتج بأن في القرآن الوضوء على النائم وهذا قول أها المدينة

كما حدثنا بكر بن سهل قال حدثنا عبدالله بن يوسف قال حدثنا مالك عن زيد بن أسلم أن تفسير هذه الآية يا أيها الذين امنوا اذا قمتم الى الصلاة الآية أن ذلك إذا قام من المضجع يعني النوم
والقول السابع قول الشافعي رحمه الله قال لو وكلنا إلى الآية لكان على كل قائم إلى الصلاة الطهارة فلما صلى رسول الله الصلوات بطهر واحد بينها فمعنى هذا على هذا القول يا ايها الذين امنوا اذا قمتم الى الصلاة وقد احدثتم فاغسلوا وجوهكم وأيديكم الى المرافق وامسحوا برءوسكم وارجلكم الى الكعبين
وقد زعم قوم أن هذا ناسخ للمسح على الخفين وسنبين ما في ذلك وأنه ليس بناسخ له إن شاء الله
وقال قوم في قراءة من قرأ وأرجلكم بالخفض أنه منسوخ بفعل النبي صلى الله عليه و سلم وقوله لأن الجماعة الذين تقوم بهم الحجة رووا أن النبي صلى الله علية وسلم غسل قدميه وفي ألفاظه عليه السلام إذا غسل قدميه خرجت الخطايا من قدميه ولم يقل أحد عنه صلى الله عليه و سلم أنه قال فإذا مسح قدميه وصح عنه

عليه السلام ويل للعراقيب من النار وويل للأعقاب من النار وأنه أمر بتخليل الأصابع ولو كان المسح جائزا ما كان لهذا ومعنى
وقال قوم قد صح الغسل بنص كتاب الله في القراءة بالنصب وبفعل رسول الله وقوله ومن أدعى أن المسح جائز فقد تعلق بشذوذ
وقال قوم الغسل والمسح جميعا واجبان بكتاب الله عز و جل لأن القراءة بالنصب والخفض مستفيضة وقد قرأ بها الجماعة
فممن قال إن مسح الرجلين منسوخ الشعبي كما حدثنا أحمد بن محمد الأزدي قال حدثنا ابراهيم بن مرزرق قال حدثنا يعقوب بن

اسحاق قال حدثنا حماد بن سلمة عن عاصم عن الشعبي قال نزل القرآن بإلمسح والسنة بالغسل
ومن قال قد صح الغسل بالكتاب والسنة احتج بالقراءة بالنصب وبما صح عن النبي صلى الله عليه و سلم
ومن قال هما واجبان قال هما بمنزلة آيتين لصحة كل واحدة منهما عن جماعة تقوم بهم الحجة كما حدثنا أحمدبن محمد الأزدي قال حدثنا ابراهيم بن مرزوق قال حدثنا أبو داود قال حدثنا قيس عن عاصم عن ذر عن عبدالله أنه قرأ وأرجلكم بالنصب
قال وحدثنا أحمد قال حدثنا محمد بن خزيمة قال حدثنا سعيد بن منصور قال سمعت هشيما يقول أخبرنا خالد عن عكرمة عن ابن عباس أنه قرأ وأرجلكم قال عاد إلى الغسل

قال أبو جعفر وهذه قراءة عروة بن الزبير ونافع والكسائي
وقرأ أنس بن مالك وأرجلكم بالخفض وهي قراءة أبى جعفر وأبي عمرو وعاصم والأعمش وحمزة حتى انه يقال تمسحت بمعنى تطهرت للصلاة فيكون على هذا الخفض كالنصب
وقد سمعت علي بن سليمان يقول التقدير وأرجلكم غسلا ثم حذف هذا لعلم السامع
وممن قال إن المسح على الخفين منسوخ بسورة المائدة ابن عباس وقال ما مسح رسول الله على الخفين بعد نزول المائدة

وممن رد المسح أيضا عائشة رضي الله عنها وأبو هريرة
قال أبو جعفر من نفى شيئا وأثبته غيره فلا حجة للنافي وهذا موجود في الأحكام والمعقول
وقد أثبت المسح على الخفين من أصحاب رسول الله ظ جماعة كثيرة ومنهم من قال بعد المائدة
فممن أثبت المسح علي بن أبي طالب وسعد بن أبي وقاص وبلال وعمرو بن أمية الضمري وصفوان بن عسال المرادي وحذيفة وبريدة وخزيمة بن ثابت وأبو بكر وسهل بن سعد وأسامة بن زيد وسلمان وجرير البجلي والمغيرة بن شعبة وعن عمربن الخطاب غير مسند صحيح
فمن ذلك ما حدثناه أحمدبن شعيب أبوعبدالرحمن قال أخبرنا اسحاق بن إبراهيم وهو ابن راهويه قال أخبرنا عبدالرزاق قال أخبرنا سفيان الثوري عن عمروبن قيس الملائي عن الحكم بن عيينة عن القاسم بن مخيمرة عن شريح بن هانىء عن علي بن أبي طالب

رضي الله عنه قال جعل رسول الله للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن ويوما وليلة للمقيم يعني في المسح
قال أبو عبدالرحمن وأخبرنا هناد بن السري عن أبي معاوية عن الأعمش عن الحكم بن عيينة عن القاسم بن مخيمرة عن شريح بن هانىء قال سألت عائشة رضي الله عنها عن المسح على الخفين فقالت ائت عليا فإنه أعلم بذلك مني فأتيت عليا فسألته عن المسح فقال أمرنا رسول الله أن نجعل للمقيم يوما وليلة وللمسافر ثلاثا
قال أبو عبدالرحمن وأخبرنا قتيبة قال حدثنا حفص عن الأعمش عن إبراهيم عن همام أن جرير ابن عبدالله البجلي توضأ ومسح على خفيه فقيل له أتمسح فقال قد رأيت رسول صلى الله عليه و سلم يمسح فكان أصحاب عبدالله يعجبهم قول جرير لأن إسلامه كان قبل موت رسول الله بيسير
قال أبو جعفر وكذا قال أحمد ابن حنبل أنا أستحسن حديث جرير في المسح على الخفين لأن إسلامه كان بعد نزول المائدة

وقد عارض قوم من الذين يمنعون المسح على الخفين بأن الواقدي روى عن عبدالحميد بن جعفر عن أبيه أن جرير البجلي أسلم في سنة عشر في شهر رمضان وأن المائدة نزلت في ذي الحجة يوم عرفات قالوا فإسلام جرير على هذا قبل نزول المائدة
قال أبو جعفر والذي احتج بهذا جاهل بمعرفة الحديث لأن هذا الحديث لا تقوم به حجة لوهاه وضعف اسناده وأيضا فإن قوله نزلت المائدة يوم عرفات في ذي الحجة جهل وأيضا لأن الرواية أنه نزل منها في ذلك اليوم آية واحدة وهي اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي
ولوصح ما قال إن المسح كان قبل نزول المائدة لما كانت له فيه حجة ولكان المسح ثابتا ويكون القرآن نزل بالغسل لمن لم يكن عليه فى خفان
ويقال له أيضا ما معنى المسح قبل نزول المائدة وهل كان التوضؤ للصلاة واجبا قبل نزول المائدة فإن قال كان واجبا فقد صح أن المسح على الخف بدل من الغسل وإن قال كان غير واجب قيل له فما معنى المسح والغسل غير واجب وكذا المسح وهذا بين في تثبيت المسح على الخفين وهوقول الفقهاء الذين تقوم بهم الحجة
واختلفوا في الاية الرابعة فمنهم من قال هي منسوخة ومنهم من قال هي محكمة

باب ذكر الاية الرابعه من هذه السورة
قال الله عز و جل فاعف عنهم أالماندة 13
من العلماء من قال إنما كان العفو والصفح قبل الأمر بالقتال ثم نسخ ذلك بالأمر بالقتال
كما حدثنا أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا مسلمة قال حدثنا عبدالرزاق قال حدثنا معمر عن قتادة في قول الله عز و جل ولا تزال تطلع على خائنه منهم إلا قليلا منهم فاعف عنهم واصفح المائدة 13 قال نسخها قتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الأخر التوبة 29 الآية

وقال غيره ليست بمنسوخة لأنها نزلت في يهود غدروا برسول الله غدرة وأرادوا قتله فأمر الله عزوجل بالصفح عنهم
قال أبو جعفر وهذا لا يمنع أن يكون أمر بالصفح عنهم بعد أن لحقتهم الذلة والصغار فصفح عنهم في شيء بعينه
واختلفوا أيضا في الاية الخامسة فقال بعضهم هي ناسخة وقال بعضهم هي محكمة غير ناسخة

باب في ذكرالآية الخامسة من هذه السورة
قال الله عز و جل جزاؤا الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الارض فساد ان يقتلوا او يصلبوا او تقطع ايديهم وارجلهم من خلاف او ينفوا من الارض فقال قوم هذه ناسخة لما كان رسول الله فعله في أمر العرنيين من التمثيل بهم وسمل أعينهم وتركهم حتى ماتوا
فممن قال هذا محمد بن سيرين قال لما فعل النبي صلى الله عليه و سلم ذلك وعظ ونسخ بهذا الحكم واستدل على ذلك بأحاديث صحاح فمن ذلك ما حدثناه أحمد بن شعيب أبو عبدالرحمن قال أخبرني عمروبن عثمان بن سعيد بن كثير عن الوليد عن الأوزاعي عن يحيى من أبي قلابة عن أنس أن نفرا من عكل قدموا على رسول الله فأسلموا فاحتووا المدينة فأمرهم النبي صلى الله عليه و سلم أن يخرجوا الى إبل الصدقة فيشربوا من ألبانها وأبوالها ففعلوا فقتلوا راعيها واستاقوها فبعث النبي في طلبهم قافة فأتى بهم فقطع أيديهم وأرجلهم ولم

يحسمهم وسمل أعينهم وتركهم حتى ماتوا فأنزل الله عز و جل إنما جزاؤا الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض أن يقتلوا او يصلبوا الآية
قال أبو عبدالرحمن وأخبرني الفضل بن سهل قال حدثني يحيى بن غيلان ثقة مأمون قال حدثني يزيد بن زريع عن سليمان التميمي عن أنس قال إنما سمل رسول الله أعين أولثك لأنهم سملوا أعين الرعاء
قال أبو جعفر وهذا من أحسن الحديث الذي يروى في هذا الباب وأغربه وأصحه وفيه حجة للشافعي رحمه الله في القصاص

فأما الحديث الأول فيحتج به من جعل الآية ناسخة وفيه من الغريب قولة فاحتووا المدينة قال أبو زيد يقال احتويت البلاد اذا كرهتها وإن كانت موافقه لك في بدنك واستوبلتها اذا لم تكن توافقك في بدنك وإن كنت محبا لها وفيه وسمل أعينهم قال أبو عبيد السمل أن تفقأ العين بحديدة محماة أو بغير ذلك يقال سملتها أسملها سملا وقد يكون السمل بالشوك كماقال أبو ذؤيب يرثي بنين له ماتوا
فالعين بعدهم كأن حداقها سملت بشوك فهي عور تدمع
وبعض من يقول إنها محكمة غير ناسخة يقول الحكمان قائمان جميعا واحتج بالحديث أن السمل كان قصاصا وهو أحسن ما قيل فيه وقال أبو الزناد لما فعل ذلك صلى الله عليه و سلم وعظ ونهى عن المثلة فلم يعد وقال غيره إنما فعل ذلك على الاجتهاد كما فعل في الغنائم حتى نزلت لولا كتاب من الله سبق الآية وقال آخر لا يجوز أن يفعل النبي صلى الله عليه و سلم شيئا من هذا وما أشبهه إلا بوحي منزل أو إلهام من الله عز و جل لقوله تعالى وما ينطق عن الهوى النجم 3 ولفرضه طاعته
وقال السدي إنما أراد أن يفعل فنهى عن ذلك وأمر بالحدود

قال أبو جعفر وقد ذكرنا الحديث بغير ما قال فأما ما في الآية من قوله عز و جل او من اختلاف العلماء في تخيير الإمام أن يفعل أي هذا شاء ومن قول بعضهم بل ذلك على الترتيب فنذكر منه ما تكمل به الفائدة في علم الآية إن شاء الله
واختلف العلماء فيمن يلزمه اسم محاربة الله عز و جل ورسوله عليه السلام على خمسة أقوال
فمنهم من قال المحارب لله ورسوله هو المشرك والمعاند دين الله غز وجل فأما من كان مسلما وخرج متلصصا فلا يلزمه هذا الاسم
وهذا القول مروي عن ابن عباس وهو يدوي عن الحسن وعطاء
ومن العلماء من قال المحارب لله ورسوله المرتد وهذا قول عروة بن الزبير كما قرىء على عبدالله بن أحمد بن عبدالسلام عن أبي الأزهر قال حدثنا روح بن عبادة عن ابن جريج قال أخبرني هشام بن عروة عن أبيه قال إذا خرج المسلم وشهر سلاحه ثم تلصص ثم جاء تائبا أقيم عليه الحد ولو ترك لبطلت العقوبات إلا أن يلحق ببلاد الشرك ثم يأتي تائبا فيقبل منه

وقال قوم المحارب لله عز و جل ولرسوله من المسلمين من فسق فشهر سلاحه وخرج على المسلمين يحاربهم وردوا على من قال لا يكون المحارب الله ورسوله إلا مشركا بحديث معاذ عن النبي صلى الله عليه و سلم من عادى وليا من الله عز و جل فقد نادى الله بالمحاربة
قال أبو جعفر وحدثنا أحمد بن محمد الأزدي قال حدثنا الحسين بن الحكم الخبري قال حدثنا أبو غسان مالك بن إسماعيل عن السدي عن صبي مولى أم سلمة عن زيد بن أرقم أن رسرل الله قال لعلي بن أبي طالب وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام أنا سلم لمن سالمتم وحرب لمن حاربتم أفلا ترى قول رسول الله لمن ليس بكافر وتسميته إياه محاربا
وقد رد أبو ثور وغيره على من قال إن الآية في المشركين بأشياء بينه

قال قد أجمع العلماء على أن المشرك إذا فعل هذه الأشياء ثم أسلم قبل إن يتوب منها أنه لا يقام عليه حد شيء من حدوها لقول الله عز و جل قل للذين كفروا ان ينتهوا يغفر لهم ماقد سلف وهذا كلام بين حسن
وقال غيره لوكانت الآية في المشركين لوجب في أسرى المشركين أن يقتلوا لا أو يصلبوا أوتقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض أبي هذا لا يقوله أحد
وقال بعض العلماء الآية عامة في المشركين والمسلمين فهذه أربعة اقوال
والقول الخامس أن تكون الآية عامة على ظاهرها إلا أن يدل دليل على خارج منها فيخرج بالدليل وقد دل على ما ذكرناه على أن أهل الحرب من المشركين خارجون منها فهذا أحسن ما قيل فيها وهوقول أكثر الفقهاء
ثم اختلفوا فيمن لزمه اسم المحاربة أيكون الإمام مخيرا فيه أم تكون عقوبته على قدر خيانته
فقال قوم الإمام مخير فيه على أنه يجتهد وينظر للمسلمين فممن قال هذا من الفقهاء مالك بن أنس وهو مروي عن ابن عباس وهو

قول سعيد بن المسيب وعمر بن عبدالعزيز ومجاهد والضحاك
وممن قال العقوبة على قدر الخيانة وليس للإمام في ذلك خيار الحسن وعطاء وسعيد بن جبير وأبو مجلز وهو مروي أيضا عن ابن عباس إلا أنه من رواية الحجاج بن أرطأة عن عطية عن ابن عباس والحجاج وعطية ليسا بذاك عند أهل الحديث
وقال بهذا من الفقهاء الأوزاعي والشافعي

وهو قول أصحاب الرأي سفيان وأبي حنيفة وأبي يوسف غير أنهم أختلفوا في الترتيب في أكثر الآية فما علمت أنهم اتفقوا إلا فيمن خرج فقتل فإن اصحاب الترتيب أجمعوا على قتله وسنذكر اختلافهم
فأما أصحاب التخيير الذين قالوا ذلك إلى الامام فحجتهم ظاهر الاية وأن أو في العربية كذا ومعناها إذا قلت خذ دينارا أو درهما ورأيت زيدا أو عمرا واحتجوا بقول الله عز و جل فكفارته اطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون اهليكم او كسوتهم او تحرير رقبه وكذا ففدية من صيام أو صدقة او نسك انه لا اختلاف أن هذا على التخيير فكذا ما اختلفوا فيه مردود إلى ما أجمعوا عليه وإلى لغة الذين نزل القرآن بلغتهم
فعارضهم من يقول بالترتيب بحديث عثمان وابن مسعود وعائشة رضي الله عنهم عن النبي صلى الله عليه و سلم لا يحل دم امرىء مسلم الا باحدى ثلاث كفر بعد إيمان او زنا بعد احصان أو قتل نفس بغير نفس
فعارضهم الاخرون بأشياء منها المحارب مضموم إلى هذه الثلاثة كما ضممتم إليها أشياء ليست كفرا كما قال الله عز و جل قل لا أجد في ما أوحى الى محرما على طاعم يطعمه الآية فضممتم إليها تحريم كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير

واحتج بعضهم بأن لاية المحاربة حكما آخر واستدل على ذلك بأن الأمر للمحارب وليس الى لآية وانما هو الى الإمام واحتج بأن عائشة رضي الله عنها قد روت عن النبي صلى الله عليه و سلم ذكر المحارب كما قرىء على أحمد بن شعيب عن العباس بن محمد قال حدثنا أبو عامر عن ابراهيم بن طهمان عن عبدالعزيز بن رقيع عن عبيد بن عمير عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لا يحل دم امرىء مسلم الا باحدى ثلاث خصال زان محصن يرجم أو رجل قتل متعمدا فبقتل أو رجل خرج من الإسلام فيحارب فيقتل أو يصلب أو ينفى من الأرض واحتجوا أيضا بأن أكثر التابعين على أن الإمام مخيير وكذا ظاهر الآيه كما قرىء على ابراهيم بن موسى الجوزي بمدينة السلام عن يعقوب الدورقي قال حدثنا وكيع عن سفيان عن عاصم الأحول عن الحسن وعن ابن جريج عن عطاء في قول الله عز و جل انما جزاؤا الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الارض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا الآية قالا الإمام مخير فيه

وحدثنا بكر بن سهل قال حدثنا عبدالله بن صالح قال حدثني معاوية عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال وقوله عز و جل انما جزاؤا الذين يحاربون لله ورسوله ويسعون في الارض فسادا ان يقتلوا او يصلبوا او تقطع ايديهم وأرجلهم من خلاف او ينفوا من الارض قال من شهر السلاح في قبة الاسلام وأفسد السبيل فظهر عليه وقدر فإمام المسلمين مخير فيه ان شاء قتله وان شاء صلبه وان شاء قطع يده ورجله قال او ينفوا من الارض قال يهربوا ويخرجوا من دار الاسلام الى دار الحرب الا الذين تابوا ثم قال بهذا من التابعين سعيد بن المسيب ومجاهد والضحاك وهو قول إبراهيم النخعي وعمر بن عبدالعزيز
فأما الرواية الأخرى عن ابن عباس بان ذلك على قدر جناياتهم فقد ذكرنا أنها من رواية الحجاج عن عطية عن ابن عباس في قول الله عزوجل إنما جزؤا الذين يحاربون الله ورسوله الأية قال اذا خرج فأظهر السلاح وقتل قتل وإن أخذ المال ولم يقتل قطعت يده ورجله وإن أخذ المال وقتل ثم صلب
ومن هذا قول قتادة وعطاء الخراساني وزعم إسماعيل بن إسحاق أنه لم يصح إلا عنهما يعض ين المتقدمين لأن الرواية عن ابن عباس ضعيفة عنده وعند أهل الحديث

وقال الأوزاعي اذا خرج وقتل قتل فإن أخذ المال وقتل صلب وقتل مصلوبا وإن أخذ المال ولم يقتل قطعت يده ورجله
وقال الليث بن سعد إذا أخذ المال وقتل صلب وقتل بالحربه مصلوبا
وقال أبو يوسف إذا أخذ المال وقتل صلب وقتل على الخشبة
وقال أبو حنيفة اذا قتل قتل وإذا أخذ المال ولم يقتل قطعت يده ورجله من خلاف واذا أخذ المال وقتل فالسلطان مخير فيه ان شاء قطع يده ورجله وقتله وإن شاء لم يقطع يده ورجله وقتله وصلبه قال أبو يوسف القتل يأتي على كل حال
وقال الشافعي رحمه الله إذا أخذ المال قطعت يده اليمنى وحسمت ثم قطعت رجله اليسرى وحسمت وخلي وإذا قتل قتل وإذا أخذ المال وقتل قتل وصلب وروي عنه أنه قال يصلب ثلاثة أيام قال وإن حضر وكثر وهيب وكان رداء للعدو عزز وحبس قال أبو جعفر أختلف الذين قالوا بالترتيب واختلف عن بعضهم حتى وقع في ذلك اضطراب كثير فممن اختلف عنه ابن عباس كماا ذكرناه والحسن فروي عنه التخيير والترتيب وأنه قال اذا خرج وقتل قتل فإن أخذ المال ولم يقتل قطعت يده ورجله ونفي وان أخذ المالن وقتل قتل

وقال أحمد بن محمد بن حنبل رحمه الله ان قتل قتل وإن أخذ المال ولم يقتل قطتث يده ورجله
وقال قوم لا ينبغي أن يصلب قبل القتل فيحال بينه وبين الصلاة والاكل والشرب وحكي عن الشافعي أكره أن يقتل مصلوبا لنهي النبي عن المثلة
وقال أبو ثور الإمام مخير على ظاهر الآية
واحتج غيره بأن الذين قالوا بالتخيير معهم ظاهر الآية وأن الذين قالوا بالترتيب وإن اختلفوا فإنك تجد في أقوالهم أنهم يجمعون عليه حدين رر فيقولون يقتل ويصلب ويقول بعضهم يصلب ويقتل ويقول بعضهم تقطع يده ورجله وينفى وليس كذلك الآية ولا كذا ومعنى او في اللغة
فاما ومعنى أو ينفوا من الأرض ففيه أقوال منها عن ابن عباس ئ ما ذكرناه أنهم يهربون حتى يخرجوا من دار الإسلام إلى دار الحرب آ وهذا أيضا يحكى ومعناه عن الشافعي رحمه الله أنهم يخرجون من بلد إلى بلد ويحاربون وكذا قال الزهري محمد بن مسلم وقال سعيد بن

جبير ينفون من بلد الى بلد وكلما أقاموا في بلد نفوا منه وقال الشعبي ينفيه السلطان الذي أحدث هذا في عمله عن عمله
وقال مالك بن أنس رحمه الله إمام دار الهجرة ينفى من البلد الذي أحدث فيه هذا إلى غيره ثم يحبس فيه ويحتج لمالك رحمه الله بأن الزاني كذا ينفى
وقال الكوفيون لما قال الله عز و جل او ينفوا من الارض فقد علم أنه لا بد أن يستقروا في الأرض لم يكن شيء أولى بهم من الحبس لأنه اذا حبس فقد نفى من الأرض إلا موضع استقراره
واختلف العلماء أيضا في الاية السادسة فمنهم من قال إنها منسوخة ومنهم من قال هي محكمة

باب ذكرالآية السادسة من هذه السورة
قال الله عز و جل فإن جاءوك فاحكم بينهم او اعرض عنهم المائدة 42 من العلماء من قال هذه الآية محكمة والإمام مخير إذا تحاكم إليه أهل الكتاب ان شاء حكم بينهم وإن شاء أعرض عنهم وردهم إلى حكامهم
هذا قول الشعبي وإبراهيم النخعي كما قرىء على أحمد بن محمد بن الحجاج عن يحيى بن سليمان قال حدثنا وكيع قال حدثنا سفيان عن المغيرة عن ابراهيم وعامرالشعبي في قول الله عز و جل فإن جاءوك فاحكم بينهم او أعرض عنهم قال إن شاء حكم وإن شاء لم يحكم
قال أبو جعفر وقال بهذا من الفقهاء عطاء بن أبي رباحء ومالك بن أنس رحمهما الله

ومن العلماء من قال إذا تحاكم أهل الكتاب إلى الإمام فعليه أن يحكم بينهم بكتاب الله تعالى وسنة رسول الله ولا يحل له أن يردهم الى حكامهم وقائلوا هذا القول يقولون الآية منسوخة لأنها إنما أنزلت أول ما قدم النبي المدينة واليهود فيها يومئذ كثير فكان الأرعي لهم والأصلح أن يردوا الى حكامهم فلما قوى الإسلام أنزل الله عز و جل وأن احكم بينهم بما أنزل الله
فممن قال بهذا القول من الصحابة ابن عباس وجماعة من التابعين والفقهاء
قال أبو جعفر كما حدثنا علي بن الحسين قال حدثنا الحسن بن محمد قال حدثنا سعيد بن سليمان قال حدثنا عباد عن سفيان عن الحكم عن مجاهد عن ابن عباس قال نسخت من هذه السورة يعني المائدة آيتان آية القلائد وقوله عز و جل فإن جاؤك فاحكم أو اعرض عنهم فكان رسول الله صلى اله عليه وسلم مخيرا فيهم إن شاء حكم وإن شاء أعرض عنهم فردهم إلى حكامهم فنزلت وأن احكم بينهم بما أنزل الله فأمر رسول الله صلى الله عليه و سلم بأن يحكم بينهم بما في كتابنا
وهذا اسناد مستقيم وأهل الحديث يدخلونه في المسند وهو مع هذا قول جماعة من العلماء

كما قريء على عبدالله بن الصقر عن زياد بن أيوب س قال حدثنا هشيم قال أخبرنا أصحابنا منصور وغيره عن الحكم عن مجاهد في قول الله عز و جل وأن احكم بينهم بما أنزل الله قال نسخت هذه الآية التي قبلها فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم وهذا أيضا إسناد صحيح
والقول بأنها منسوخة قول عكرمة والزهري وعمر بن عبدالعزيز والسدي وهوالصحيح من قول الشافعي رحمه الله قال في كتاب الجزية ولا خيار له إذا تحاكموا إليه بقوله عز و جل 6 حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون
وهذا من أصح الاحتجاجات لأنه إذا كان ومعنى وهم صاغرون أن يجري عليهم أحكام المسلمين وجب ألا يردوا إلى حكامهم وإذا وجب هذا فالآية منسوخة وهو أيضا قول الكوفيين أبي حنيفة وزفر وأبي يوسف ومحمد لا اختلاف بينهم إذا تحاكم أهل الكتاب إلى الإمام اثم أنه ليس له أن يعرض عنهم غير أن أبا حنيفة قال إذا جاءت المرأة والزوج فعليه أن يحكم بينهما بالعدل وإن جاءت المرأة وحدها ولم يرض الزوج لم يحكم بينهما وقال الباقون بل يحكم

فثبت أن قول اأكثر العلماء أن الآية منسوخة مع ما صح فيها من توقيف ابن عباس ولو لم يأت الحديث عن ابن عباس لكان النظر يوجب أنها منسوخة لأنهم قد أجمعوا جميعا أن أهل الكتاب إذا تحاكموا إلي الامام فله أن ينظر بينهم وأنه إذا نظر بينهم مصيب ثم اختلفوا في الاعراض عنهم على ما ذكرنا فالواجب أن ينظر بينهم لأنه مصيب عند الجماعة وألا يعرض عنهم فيكون عند بعض العلماء تاركا فرضا فاعلا ما لا يحل له ولايسعه
ولمن قال بأنها منسوخة من الكوفيين قول آخر منهم من يقول على الإمام إذاعلم من أهل الكتاب حدا من حدود الله أن يقيمه وإن لم

يتحاكموا إليه ويحتج بأن قول الله وأن احكم بينهم بما أنزل الله يحتمل أمرين أحدهما وأن احكم بينهم إذا تحاكموا إليك الآخر وأن احكم بينهم وان لم يتحاكموا إليك إذا علمت ذلك منهم 0 قالوا فوجدنا في كتاب الله عز و جل وسنة رسوله ما يوجب إقامة الحد عليهم وإن لم يتحاكموا إلينا
فاما ما في كتاب الله عز و جل فقوله تعالى يا أيها الذين امنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله
وأما ما في السنة فحديث البراء قال أبو جعفر حدثنا علي بن الحسين قال حدثنا الحسن بن محمد قال حدثنا أبو معاوية قال أبو معاوية حدثني الأعمش عن عبدالله بن مرة عن البراء قال مر على النبي بيهودي قد جلد وحمم فقال أهكذا حد الزاني عندكم فقالوا نعم فدعا رجلا من علمائهم فقال سألتك بالله أهكذا حد إلزاني فيكم فقال لولا أنك سألتني بهذا ما أخبرتك كان الحد عندنا الرجم فكان الشريف إذا زنا تركناه وكان الوضيع إذا زنا رجمناه فقلنا تعالوا نجتمع على شيء يكون للشريف والوضيع فاجتمعنا على الجلد والتحميم فانزل الله عز و جل يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر الى قوله يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه أي ائتوا محمدا صلى الله عليه و سلم فإن أفتاكم بالجلد والتحميم فاقبلوا وان لم تؤتوه فاحذروا أي وان أفتاكم بالرجم فلا تقبلوا إلى ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون قال في اليهود ومن لم يحكم

بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون قال في اليهود ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون قال في الكفار خاصة فأمر رسول الله باليهودي فرجم وقال أنا أول من أحيى امرك
فاحتجوا بأن النبي صلى الله عليه و سلم حكم بينهم ولم يتحاكموا إليه في هذا إلحديث فان قال قائل ففي حديث مالك عن نافع عن ابن عمر أن اليهود أتوا النبي صلى الله عليه و سلم
قيل له ليس في حديث مالك أيضا أن اللذين زنيا رضيا بالحكم وقد رجمها النبي

فأما ما في الحديث من ان ومعنى ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرين أنه في اليهود ففي ذلك اختلات قد ذكرناه وهذا أولى ما قيل فيه لأنه عن صحابي مشاهد التنزيل يخبر ان بذلك السبب نزلت هذه الآية على أن غير الحسن بن محمد يقول فيه عن النبي في قوله ومن لم يحكم بما انزل الله فأولئك هم الكافرون قال هم اليهود أن حكم غيرهم كحكمهم فكل من حكم بغير إذا أنزل الله جاحدا له كما غير اليهود فهو كافر ظالم فاسق
واختلفوا في الآية السابعة فمنهم من قال هي منسوخة ومنهم من قال هي محكمة وهي من أشكل ما في الناسخ والمنسوخ

باب ذكرالآية السابعة من هذه السوره
قال الله عزوجل يا ايها الذين ءامنوا شهادة بينكم اذا حضر احدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم أو ءاخران من غيركم
للصحابه والتابعين والفقهاء في هذه الآية خمسة أقوال منها أن شهادة أهل الكتاب على المسلمين جائزة في السفر اذا كانت وصية
وقال قوم كان هذا هكذا ثم نسخ ولا تجوز شهادة كافر بحال
وقال قوم الآية كلها في المسلمين اذا شهدوا فهذه ثلاثة اقوال
والقول الرابع أن هذا ليس في الشهادة التي تؤدي وانما الشهادة هاهنا بمعنى الحضور
والقول الخامس أن الشهادة ههنا بمعنى اليمين
فالقول الأول عن رجلين من الصحابة عبدالله بن قيس

وعبدالله بن عباس كما حدثنا بكر بن سهل قال حدثنا عبدالله بن صالح قال حدثنا معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة ابن عباس قال وقوله عزوجل يا أيها الذين ءامنوا شهادة بينكم اذا حضر احدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم فهذا لمن مات وعنده المسلمون فأمره الله عز و جل أن يشهد على وصيته عدلين من المسلمين ثم قال عز و جل او ءاخران من غيركم ان انتم ضربتم في الأرض فأصابتكم مصيبة الموت فهذا لمن مات وليس عنده أحد من المسلمين فأمر الله جل وعز بشهادة رجلين من غير المسلمين فإن ارتيب بشهادتهما استحلفا بعد الصلاة بالله عز و جل لم نشتر بشهادتنا ثمنا قليلا ا فإن اطلع الأولياء على أن الكافرين كذبا حلفا بالله عز رجل أن شهادة الكافرين باطلة وأنا لم نعتد فذلك قوله تعالى فإن عثر على انهما استحقا اثما فأخران يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم الأولين يقول إن اطلع على أنهما كذبا قام الأوليان فحلفا انهما كذبا يقول الله عز و جل ذلك ادنى أن يأتوا أي ان يأتي الكافران بالشهادة على وجهها او يخافوا ان ترد ايمان بعد ايمانهم فتترك شهادة الكافرين ويحكم بشهادة الأولياء

فليس شهود على المسلمين إقسام أنما الإقسام إذا كانا كافرين
فهذا قول ابن عباس مشروحا مبينا لا يحتاج إلى زيادة تشرح وقال به من التابعين جماعة منهم شريح قال تجوز شهادة أهل الكتاب على المسلمين في السفر اذا كانت وصية وهو قول سعيد بن المسيب وسعيد بن جبير وعبيدة ومحمد بن سيرين والشعبي ويحيى بن يعمر وقتادة والسدي وقال به من الفقهاء سفيان الثوري ومال إليه أبو عبيد لكثرة من قال به
والقول الثاني أن الآية منسوخة وأنه لا تجوز شهادة كافر بحال كما لا تجوز شهادة فاسق قول زيد بن أسلم ومالك بن أنس والشافعي وقول أبي حنيفة أيضا أنها منسوخة ولا تجوز عنده شهادة

الكفار على المسلمين غير أنه خالف من تقدم ذكره بأنه أجاز شهادة الكفار بعضهم على بعض
والقول الثالث أن الآية كلها في المسلمين لا منسوخ فيها قول الزهري والحسن كما قرىء على عبدالله بن الصقر عن زياد بن أيوب عن هشيم قال أخبرنا منصور وغيره عن الحسن في قول الله عز و جل أو ءاخران من غيركم قال من غير عشيرتكم
والقول الرابع أن الشهادة ههنا بمعنى الحضور يحتج قائله بما تعارض به تلك الأقوال بما سنذكره
وكذا القول الخامس أن الشهادة بمعنى اليمين كما قال الله عز و جل فشهادة احدهم اربع شهادات بالله
فأما المعارضة في القول الأول فنص كتاب الله عز و جل قال عز و جل ممن ترضون من الشهداء وقال عز و جل وأشهدوا ذوي عدل منكم الطلاق 2 ولا نرضي الكفار ولا يكونون ذوى عدل ويعارض بالإجماع لأنه قد أجمع المسلمون أن شهادة الفساق لا تجوز والكفار فساق وأجمعوا أيضا أن شهادة الكفار لا تجوز على المسلمين في غير هذا الموضع الذي قد اختلف فيه فيرد ما اختلف فيه إلى ما أجمع عليه وهذه احتجاجات بينة

واحتج من خالفهما بكثرة من قال ذلك القول وأنه قد قالة صحابيان وليس ذلك في غيره ومخالفة الصحابة إلى غيرهم ينفر منه اهل العلم
قال فيجعل هذا على الضرورة كما تقصر الصلاة في السفر وكما يكون التيمم فيه والإفطار في شهر رمضان
قيل له هذه الضرورات إنما تكون في الحال وليس كذا الشهادة
وعورض من قال بنسخ الآية أنه لم يأت هذا على أحد ممن شهد التنزيل وأيضا فإن في القولين جميعا شيئا من العربية ربئة غامضا وذلك أن معنى آخر في العربية آخر من جنس الأول يقول مررت بكريم وكريم آخر فقولك آخر يدل على أنه من جنس الأول ولا يجوز عند أهل العربية مررت بكريم وخسيس آخر ولا مررت برجل وحمار آخر فوجب من هذا أن يكون معنى اثنان ذوا عدل منكم أو آخران عدلان والكفارلا يكونون عدولا فيصح على هذا قول من قال من عندكم من غير عشيرتكم من المسلمين
على أنه قد عورض لأن في أول الآية يا أيها الذين ءامنوا شهادة بينكم اذا حضر احدكم الموت فخوطب الجماعة من المؤمنين
فيقال لمن عارض بهذا هذا موجود في اللغة كثير يستغنى عن الاحتجاج
والقول الرابع أن الشهادة بمعنى الحضور معروف في اللغة ا وقد احتج قائله بأن الشاهد لا يكون عليه يمين في شيء من الأحكام غير هذا

المختلف فيه فيرد ما اختلف فيه الى ما اجتمع عليه لأنه يقال شهدت وصية فلان أي حضرت
والقول الخامس أن الشهادة بمعنى اليمين معروف يكون التقدير في شهادة أحدكم أي يمين أحدكم أن يحلف اثنان وحقيقته في العربية قة يمين اثنين مثل وسئل القرية يوسف 82
قرىء على علي بن سعيد بن بشير الرازي عن صالح بن عبدلله الترمذي قال يحيى بن أبي زائدة عن محمد بن أبي القاسم عن عبدالملك بن سعيد بن جبير عن أبيه عن ابن عباس قال كان تميم الدارى وعدي بن بداء يختلفان الى مكة للتجارة فخرج معهم رجل من بني سهم فتوفى بأرض ليس فيها مسلم فأوصى اليهما فدفعا الى أهله وحبسا جاما من فضة مخوصا بالذهب ففقده أولياء السهمي من تركته فأتوا رسول الله فاستحلفهما رسول الله ما كتمنا ولا اطلعنا ثم عرف الجام بمكة فقالوا اشتريناه من تميم وعدي بن بداء فقام رجلان من أولياء السهمي فحلفا بالله أن هذا الجام للسهمي ولشهادتنا أحق من شهادتهما وما اعتدينا انا اذا لمن الظالمين فأخذ الجام وفيهم نزلت هذه الآية

وقرىء على علي بن سعيد بن بشير عن أبي مسلم الحسن بن احمد عن ابي شعيب الحراني قال حدثنا محمد بن سلمة قال حدثنا محمد بن إسحاق عن أبي النضر عن باذان مولى أم هانيء بنت أبى طالب عن ابن عباس عن تميم الداري في قوله عز و جل يا ايها الذين امنوا شهادة بينكم اذا حضر احدكم الموت برىء الناس منها غيري وغير علي بن بداء وكانا نصرانيين يختلفان الى الشام قبل الاسلام فأتيا الشام لتجارتهما وقدم عليهما مولى لبني سهم يقال له برير بن أبي مريم لتجارة ومعه جام من فضة يريد به الملك وهو عظم تجارته فمرض فاوصى اليهما وأمرهما أن يبلغا ما ترك أهله قال تميم فلما مات أخدنا ذلك الجام فبعناه بألف درهم ثم اقتسمناه انا وعدى بن بداء فلما قدمنا الى أهله دفعنا اليهم ما كان ومعنا وفقدوا الجام فسألوا عنه فقلنا ما ترك غير هذا وما دفع إلينا غيره قال فلما أسلمت بعد قدوم النبي صلى الله عليه و سلم المدينة فأثمت من ذلك فأتيت أهله فأخبرتهم الخبر وأديت إليهم خمسمائة درهم وأخبرتهم أن عند صاحبي مثلها فوثبوا اليه فاتوا به رسول الله فسألهم البينة فلم يجدوا فأمرهم أن يستحلفوه بما يعظم به على أهل دينه فحلف فأنزل الله يا أيها الذين ءامنوا شهادة

بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصيه قرأ إلى قوله عز و جل ان ترد ايمان بعد ايمانهم فقام عمرو بن العاص ورجل اخر منهم فحلفا فنزعت الخمسمائة درهم من عدي بن بداء
قال أبو جعفر فهذا ما في الآية وما بعدها من القصة من الآثار واختلاف العلماء والنظر ثم نبينها على ما هوأصح من ذلك الذي ذكرنا
الأبين في هذا أن تكون شهادة بينكم قسم بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية أن يقسم ذوا عدل منكم أوآخرن من غيركم
وللعلماء في أو ههنا قولان فمنهم من قال أو ههنا للتعقيب وأنه اذا وجد اثنين ذوي عدل من المسلمين لم يجز له أن يشهد كافرين وهذا الترل يروى عن سعيد بن المسيب وسعيد بن جبير والشعبي وابراهيم وقتادة

ومنهم من قال أو ههنا للتخيير لأنها إنما هي وصية وقد يكون الموصي يرى أو يسند وصيته إلى كافرين أو أجنبيين
وهذا القول أن أو للتخيير هو القول البين الظاهر إن أنتم ضربتم فى الأرض قال ابن زيد أي سافرتم وكذلك هو في اللغة وفي الكلام حذف مستدل عليه أي ان أنتم سافرتم فأصابتكم مصيبة الموت وقد أسندتم وصيتكم إلى اثنين ذوي عدل منكم أوآخرين من غيركم فإن ارتبتم أي اتهمتم الوصيين والتقدير أو آخرين من غيركم إن ارتبتم تحبسونهما من بعدالصلاة واختلف العلماء في هذه الصلاة فقال أكثرهم هي العصر فممن قال هذا عبدالله بن قيس الأشعري واستعمله وقضى به وهو قول سعيد بن المسيب وسعيد بن جبير وإبراهيم وقتادة ومنهم من قال هي صلاة من صلواتهم في دينهم وهذا قول السدي وهو يروي عن ابن عباس والقول الأول أولى لقوله عز و جل من بعد الصلاة فجاءت

معرفة بالألف واللام واذا كان بعد صلاة من صلواتهم كانت نكره وقد صح عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه لاعن بين العجلانين بعد العصر فخصها بهذا
لأثم ويقال إن أهل الكتاب أيضا يعظمون ذلك الوقت
فيقسمان بالله وهما الوصيان ولا نشتري به ثمنا أي لا نشتري بقسمنا شيئا نأخده مما أوصى به ولا ندفعه إلى أحد ولو كان ذا قربى 1 ولا نكتم شهادة الله أي ولا نكتم شهادة الله عندنا إنا إذا لمن الأثمين أي إن فعلنا ذلك
فإن عثر على أنهما استحقا اثما أصله من عثرت بالشيء أي وقعت عليه أي قد وقع على أنهما استحقا اثما بكذبهما في أيمانهما وأخذهما ما ليس لهما فأخران يقومان مقامهما أي في الأيمان من الذين استحق عليهم الأولين
تقدير هذا في العربية مختلف عند جماعة من العلماء فمنهم من قال التقدير من الذين استحق منهم الأوليان وعليهم بمعنى منهم مثل إذا اكتالوا علىالناس يستوفون ومنهم من قال عليهم بمعنى فيهم أي من الذين استحق فيهم اثم الأوليين ثم حذف إثم مثل وسئل القرية وهذا قول محمد بن جرير
وقال ابراهيم بن السري التقدير من الذين استحق عليهم الإيصاء والأوليان بدل من قوله عز و جل فأخران

قال أبوجعفر وهذا من أحسن ماقيل فيه لأنه لا يجعل حرفا بدلا من حرف وأيضا فإن التفسير عليه لأن المعنى عند أهل التفسير من الذين أستحقت عليهم الوصية والأوليان قراءة علي بن أبي طالب رضي الله عنه في كثير من القراء
وقراءة يحيى بن وثاب والأعمش وحمزة الأولين وفيها من البعد ما لا خفاء به والأولين بدل من الذين
فيقسمان بالله لشهادتنا أحق من شهادتهما أي لقسمنا فصح أن معنى الشهادة ههنا القسم وما اعتدينا أي وما تجاوزنا الحق في قسمنا إنا إذا لمن الظالمين أي ان كنا حلفنا على باطل وأخذنا ما ليس لنا
وصح من هذا كله أن الآية غير منسوخة
ودل الحديث على ذلك لأنه إذا أوصى رجل إلى آخر فاتهم ع الورثة الموصي إليه حلف الموصي اليه وبرىء فإن اطلع على أن الموصي إليه خان وذلك أن يشهد شاهد أو يوجد شيء يعلم أنه للميت فيقول الموصي إليه قد اشتريته منه فيحلف الوارث ويستحقه
فقد بين الحديث أن المعنى على هذا
وإن كان العلماء قد تكلموا في استحلاف الشاهدين ههنا لمن وجب
فمنهم من قال لأنهم ادعيا وصية من الميت وهذا قول يحيى بن يعمر

وهذا لا يعرف في حكم الإسلام أن يدعي رجل وصية فيحلف ويأخذها
ومنهم من قال إنما يحلفان إذا شهدا أن الميت أوصى بما لا يجوز أو بماله كله أو لبعض الورثة
هي وهذا أيضا لا يعرف في الأحكام أن يحلف الشاهد إذا شهد أن الموصى أوصى بما لا يجوز
ومنهم من قال إنما يحلفان إذا اتهما ثم ينقل اليمين عنهما إذا اطلع علىالخيانة كما ذكرنا
ثم قال جل وعز ذلك أدنى أي أقرب أن يأتوا بالشهادة على وجهها وهما الموصي إليهما أو يخافوا أن ترد أيمان بعد أيمانهم وهي أيمان الأولين أي الأوليين باليمين لما ظهرت خيانة الموصى إليهما وقد قيل هما الأوليان بالميت
واتقوا الله واسمعوا أي واسمعوا ما يقال لكم قابلين له متبعين أمر الله عز و جل فيه والله لا يهدي القوم الفاسقين أي الخارجين عن طاعته عز و جل وقال ابن زيد كل فاسق مذكور في القرآن فمعناه الكاذب

بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الأنعام
قال أبو جعفر حدثني يموت بن المزرع قال حدثنا أبو حاتم سهل بن محمد السجستاني قال حدثنا أبو عبيدة معمر بن المثنى التيمي قال حدثنا يونس بن حبيب قال سمعت أبا عمرو بن العلاء رحمه الله يقول سألت مجاهدا عن تلخيص آي القرآن المدني من المكي فقال سالت ابن عباس عن ذلك فقال نزلت سورةالأنعام بمكة جملة واحدة فهي مكية إلا ثلاث آيات منها نزلت في المدينة فهي مدنية قل تعالوا أتل ماحرم ربكم عليكم الأنعام إلى تمام الآيات الثلاث
قال أبو جعفر إذا كانت سورة الأنعام مكية لم يصح قول من قال ومعنى وءاتوا حقه يوم حصاده الزكاة المفروضة لأن الزكاة إنما فرضت بالمدينة وهذا يشرح في موضعه وإذا كانت السورة مكية فلا تكاد تكون فيها آية ناسخة

وما تقدم من السور فهن مدنيات أعني سورة البقرة وآل عمران والنساء والمائدة
حدثني يموت بذلك الإسناد بعينه وفي سورة الأنعام آيات قد ذكرت في الناسخ والمنسوخ
فالأيه الأولى منها قوله عز و جل قل لست عليكم بوكيل
قال أبو جعفر حدثنا أبوالحسن عليل بن أحمد قال حدثنا محمد بن هشام بن أبي خيرة قال حدثنا عاصم بن سليمان عن جويبر عن الضحاك عن ابن عباس في قوله عز و جل قل لست عليكم بوكيل قال نسخ هذا آية السيف فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم
قال أبو جعفر هذا خبر لا يجوز أن ينسخ ومعنى وكيل حفيظ ورقيب والنبي صلى الله عليه و سلم ليس هو عليهم بحفيظ إنما عليه أن ينذرهم وعقابهم إلى الله عز و جل
والآية الثانية نظيرها باب

باب ذر الآية الثانية من هذه السورة
قال الله عز و جل وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء
حدثناأبوالحسن عليل بن أحمد قال حدثنا محمد بن هشام قال حدثنا عاصم بن سليمان عن جويبر عن الضحاك عن ابن عباس في قول الله عز و جل وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء ولكن ذكرى لعلهم يتقون قال هذه مكية نسخت بالمدينة بقوله عز و جل وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم فنسخ هذا ما قبله وأمر المؤمنين أن لا يقعدوا مع من يكفر بالقرآن ويستهزىء به
قال أبو جعفر وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء خبر ومحال نسخه والمعنى فيه بين ليس على من اتقى الله عز و جل إذا نهى انسانا عن منكر من حسابه شيء الله جل وعز مطالبه ومعاقبه وعليه أن لا ينهاه ولا يقعد معه راضيا بقوله وفعله وإلا كان مثله وهذان الحديثان وان كانا عن ابن عباس فانهما من حديث جويبر والآية الثالثة قريب منها باب

باب ذكر الآية
الثالثة من هذه السورة قال عزوجل وذر الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا
حدثنا أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة قال حدثنا عبدالرزاق قال أخبرنا معمر عن قتادة وذر الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا قال نسختها فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم
قال أبو جعفر ليس هذا بخبر وهو يحتمل النسخ غير أن البين فيه أنه ليس بمنسوخ وأنه على ومعنى التهديد لمن فعل هذا أي ذز فإن الله عز و جل مطالبه ومعاقبه ومثله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون
والصحيح في الآية الرابعة أنها منسوخة

باب ذكر الآية الرابعة من هذه الصورة
قال الله عز و جل وهو الذي أنشأ جنات معروشات وغير معروشات والنخل والزرع مختلفا أكله والزيتون والرمان متشابها وغير متشابه كلوا من ثمره وءاتوا حقه يوم حصاده ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين
للصحابة والتابعين والفقهاء في هذه الآية خمسة أقوال فمنهم من قال هي منسوخة بالزكاة المفروضة ومنهم من قال هي منسوخة بالسنة العشر ونصف العشر ومنهم من قال يعني بهذه الزكاة المفروضة ومنهم من قال هي محكمة واجبة يراد بها غير الزكاة ومنهم من قال هي على ا لندب
فممن قال هي منسوخة بالزكاة المفروضة سعيد بن جبير حدثنا أبو جعفر كما حدثنا جعفر بن مجاشع قال حدثنا ابراهيم بن اسحاق قال حدثنا الوليد بن صالح قال أخبرنا شريك عن سالم الأفطس عن سعيد بن جبير في قول الله عز و جل وءاتوا حقه يوم حصاده قال كان هذا قبل أن تنزل الزكاة كان الرجل يبدأ بعلف الدابة وبالشيء

وهذا قول أبي جعفر محمد بن علي وعكرمة وقال الضحاك نسخت الزكاة كل صدقة في القرآن
وممن قال نسخت الآية بقول النبي بالعشر ونصف العشر ابن عباس فيما روى عنه كما حدثنا أحمد بن محمد الأزدي قال حدثنا فهد قال حدثنا محمد بن سعيد قال حدثنا الحجاج عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس في قوله عز و جل وآتوا حقه يوم حصاده قال نسخها العشر ونصف العشر
وقرىء على عبدالله بن أحمد بن عبدالسلام عن أبي الأزهر قال حدثنا روح قال أخبرنا الثوري عن مغيرة عن شباك عن

إبراهيم وءاتوا حقه يوم حصاده قال نسخها العشر ونصف العشر
قال أبوجعفر وهذا قول محمد بن الحنفية والسدي
وممن قال إنها الزكاة المفروضة أنس بن مالك وكما حدثنا جعفر بن مجاشع قال حدثنا إبراهيم بن اسحاق قال حدثنا أبو حفص قال حدثنا عبدالصمد قال حدثنا يزيد بن درهم عن أنس بن مالك وءاتوا حقه يوم حصاده قال الزكاة
وقرىء على عبدالله بن أحمد بن عبدالسلام عن أبي الأزهر قال حدثنا روح عن عبادة قال أخبرنا شعبة عن أبي رجاء قال سألت لا الحسن عن قول الله عز و جل وءاتوا حقه يوم حصاده قال الزكاة المفروضة

قال أبو جعفر وهذا قول سعيد بن المسيب وجابر بن لم زيد وعطاء وقتادة وزيد بن أسلم قال وحدثنا بكر بن سهل قال حدثنا عبدالله بن يوسف قال أخبرنا مالك في قول الله عز و جل وءاتوا حقه يوم حصاده أن ذلك الزكاة والله جل ثناؤه أعلم وقد سمعت من يقول ذلك
قال أبو جعفر وقد قيل إن هذا أيضا قول الشافعي على التأويل لأنة لا يقول في معنى وءاتوا حقه يوم حصاده لايخلو من أن يكون ذلك في وقت الحصاد أو بعده وتثبت السنة أنه بعده
وقد قيل بل يجب على قول الشافعي أن تكون منسوخة لأنه يقول ليس في الزمان زكاة ولا في شيء من الثمار إلا في النخل والكرم وفي نص الآية ذكر الرمان والزيتون وقد قال بمصر ليس في الزيتون زكاة لأنه أدم

قال أبو جعفر فهذه ثلاثة
وأقوال الرابع أن في المال حقا سوى الزكاة وأن معنى وءاتوا حقه يوم حصاده أن يعطى منه شيئا سوى الزكاة وأن يخلى بين المساكين وبين ما سقط كما حدثنا جعفر بن محمد الأنباري قال حدثنا الحسن بن عفان قال حدثنا يحيى بن اليمان عن سفيان قال يدع المساكين يتبعون أثرالحصادين فما سقط عن المنجل أخذوه
هذا قول جماعة من العلماء منهم جعفر بن محمد وقد روي وصح عن علي بن الحسين رضي الله عنه أنه أنكر حصاد الليل من أجل هذا
وقرىء على أحمد بن محمد بن الحجاج عن يحيى بن سليمان قال حدثنا حفص قال حدثنا أشعث عن نافع عن ابن عمر وءاتوا حقه يوم حصاده قال كانوا يعطون من اعتر بهم وهذا أيضا قول

مجاهد ومحمد بن كعب وعطية وهذا قول أبي عبيد واحتج بحديث النبي أنه نهى عن حصاد الليل
والقول الخامس أن يكون وءاتوا حقه يوم حصاده على الندب وهذا القول لا نعرف أحدا من المتقدمين قاله وإذا تكلم أحد من المتأخرين في معنى آية من القرآن قد تقدم كلام المتقدمين فيها فخرج عن قولهم لم يلتفت الى قوله ولم يعد خلافا فبطل هذا
وأما القول بأنها الصدقة المفروضة فيعارض بأشياء منها أن هذه السورة مكية والزكاة فرضت بالمدينة لا تنازع بين أهل العلم في ذلك
ومنها أن قوله تعالى يوم حصاده لو كان للزكاة المفروضة وجب ان يعطى وقت الحصاد وقد جاءت السنة وصحت أن الزكاة لا تعطي إلا بعد الكيل
وأيضا فإن في الآية ولاتسرفوا فكيف يكون هذا في الزكاة وهي معلومة
وأيضا فلو كان هذا في الزكاة لوجب أن تكون الزكاة في كل الثمر وفي كل ما أنبتت الأرض وهذا لا يقوله أحد نعلمه من الصحابة ولا التابعين ولا الفقهاء إلا بعض المتأخرين ممن خرج عن الإجماع

وأكثر ما قيل في هذا من قول من يحتج بقوله قول أبي حينفة أن في كل هذا الزكاة إلا في الحطب والحشيش والقصب فقد أخرج شيئا مما في الآية ولم يختلف العلماء أن في أربعة أشياء منها الزكاة الحنطة والشعير والتمر والزبيب فهذا اجماع
وجماعة من العلماء يقولون لا يجب الزكاة فيما أخرجت الأرض إلا في أربعة أشياء الحنطة والشعهير والتمر والزبيب
فممن قال هذا الحسن ومحمد بن سيرين والشعبي وابن أبي ليلى

وسفيان الثوري والحسن بن صالح وعبدالله بن المبارك ويحيى بن ادم وابو عبيد
واحتج أبو عبيد بحديث الثوري عن طلحة عن يحيى بن أبي بردة ثم أن معاذا وأبا موسى لما بعثا ليعلما الناس أمر دينهم لم يأخذا الزكاة فيما أخرجت الأرض إلا من هذه الأربعة
واحتج غيره أن أموال المسلمين محظورة فلما أجمع على هذه الأشياء وجبت بالإجماع ولما وقع الاختلاف في غيرها لم يجب فيها شيء
وزاد ابن عباس على هذه الأربعة الزيتون والحبوب كلها السلت والزيتون
وزاد الزهيري على هذه الأربعة الأشياء وهذا قول عطاء وعمر بن عبدالعزيز ومكحول ومالك بن أنس وهو قول الأوزاعي والليث أن في الزيتون الزكاة
قال أبو جعفر رهذا القول كله كان قول الشافعي بالعراق ثم قال بمصر في الزيتون لا أرى أنه يجب فيه الزكاة لأنه أدم لا أنه يؤكل بنفسه وقال يعقوب ومحمد فيما بعد الأربعة كل ما يؤكل ويبقى ففيه

الزكاة
فهذه الأقوال كلها تدل على أن الآية منسوخة لأنه ليس أحد منهم أوجب الزكاة في كل ما ذكر في الآية وأكثرهم اعتماده على الأشياء الأربعة فمن ضم إليها الحبوب وما يقتات فإنما قاسه عليها ومن ضم إليها الزيتون فإنما قاسه على النخل والعنب
هكذا قول الشافعي بالعراق
قال أبو جعفر وقد يحتج بعض من يذهب إلى أن الآية محكمة وأن ذلك حق في المال سوى الزكاة بما حدثنا أبو علي الحسن بن غليب قال جدثنا عمران بن أبي عمران قال حدثنا ابن لهيعة عن دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري عن النبي في قول الله عز و جل وءاتوا حقه يوم حصاده قال ما سقط من السنبل

قال أبو جعفر وهذا الحديث لو كان مما تقوم به حجة لجاز أن يكون منسوخا كالآية وقد قامت الحجة بأنه لا فرض في المال سوى الزكاة إلا لمن تجب نفقته وثبت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه و سلم كما حدثنا بكر بن سهل قال حذثنا عبدالله بن يوسف قال أخبرنا مالك عن عمه أبي سهيل بن مالك عن أبيه أنه سمع طلحة بن عبيدالله يقول جاء رجل إلى رسول الله من أهل نجد ثائر الرأس نسمع لصوته دويا ولا نفقه ما يقول حتى دنا فإذا هو يسأل عن الإسلام فقال رسول الله خمس صلوات في اليوم والليلة قال هل على غيرها قال لا إلا أن تطوع فقال رسول الله وصيام رمضان فقال هل على غيره قال لا إلا أن تطوع وذكر له رسول الله الزكاة فقال هل علي غيرها قال لا إلا أن تطوع فأدبر الرجل وهو يقول والله لا أزيد على هذا ولا أنقص منه فقال رسول الله أفلح ان صدق
فتبين بهذا الحديث مع صحة اسناده واستقامة طريقه أنه لا فرض على المسلمين من الصلاة إلا الخمس ولا من الصدقة إلا الزكاة فلما ثبت أنه لا يجب بالآية فرض سوى الزكاة وأنها ليست الزكاة وأنها ليست

ندبا لم يبق الا أن تكون منسوخة
فأما ولا تسرفوا فقد تكلم العلماء في معناه فقال سعيد بن المسيب ومعنى ولا تسرفوا لا تمنعوا من الزكاة الواجبة وقال أبو العالية كانوا اذا حصدوا أعطوا ثم تباروا في ذلك حتى أجحفوا فأنزل الله تعالى ولا تسرفوا وقال السدي لا تعطوا أموالكم فتقعدوا

فقرآء وقال ابن جريج نزلت في ثابت بن قيس بن شماس جد نخلا له فخلف أن لا يأتيه أحد الا أعطاه فأمسى ليست له ثمرة فأنزل الله عز و جل ولا تسرفوا انه لا يحب المسرفين
وقال ابن زيد بن أسلم ولاتسرفوا للولاة أي ولا تأخذوا ما لا يجب على الناس
قال أبو جعفر وهذه الأقوال كلها غير متناقضة لأن الإسراف في اللغة فعل ما لا ينبغي فهذا كله داخل في أصل اللغة فواجب اجتنابه ومعنى انه لا يحب المسرفين لا يثيبهم ولا يقبل أعمالهم مجازا وتقدير والزيتون والرمان وشجر الزيتون وشجر الرمان مثل وسئل القرية
قال قتادة متشابها وغير متشابه يتشابه ورقه ويختلف ثمره وقال غير يتشابه لونه ويختلف طعمه
وقرأ يحيى بن وثاب كلوا من ثمره وهي قراءة حسنه لانه قد ذكرت أشياء كثيرة فثمر جمع ثمار وثما جمع ثمرة

قال محمد بن جرير أصل الإسراف في كلام العرب الإخطاء في إصابة غير الحق اما بزيادة وإما بنقصان من الحد الواجب وأنشد ... أعطوا هنيدة يحدوها ثمانية ... ما في عطائهم من ولا سرف ... أي خطأ
واختلفوا في الآية الخامسة اختلافا كثيرا

باب ذكر الآية الخامسة من هذه السورة
قال الله تعالى قل لا أجد في ما أوحى إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقا أهل لغير الله به
في هذه الآية خمسة أقوال قالت طائفة هي منسوخة لأنه وجب منها ألا يحرم الا ما فيها فلما حرم رسول الله الحمر الأهلية وكل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير نسخت هذه الأشياء منها
وقالت طائفة الآية محكمة ولا حرام من الحيوان إلا ما فيها وأحلوا ما ذكرنا وغيره من الحيوان
وقالت طائفة الآية محكمة وكل ما حرمه رسول الله داخل فيها
وقالت طائفة هي محكمة وكل ما حرمه رسول الله مضموم إليها داخل في الاستثناء
والقول الخامس أن هذه الاية جواب لما سألوا عنه فأجيبوا عما سألوا وقد حرم الله عز و جل ورسوله صلى الله عليه و سلم غير ما في الآية
قال أبو جعفر القول الأول أنها منسوخة غير جائز لأن الأخبار لا تنسخ
والقول الثاني أنها جامعة لكل ما حرم وإحلال الحمر الانسية وغيرها قول جماعة من العلماء منهم سعيد بن جبير والشعبى ويقال إنه قول عائشة وابن عباس وثم أحاديث مسندة بندائها

فمن ذلك ما حدثناه أحمد بن محمد الأزدي قال حدثنا فهد قال حدثنا أبو نعيم قال حدثنا شعبة عن عبيد بن حسن عن عبدالرحمن بن معقل عن عبدالرحمن بن بشر عن رجال من مزينة من أصحاب النبي عليه السلام من الظاهرة عن أبجر أو ابن أبجر أنه قال يا رسول الله لم يبق لي شيء أستطيع أن أطعمه أهلي إلا حمر لي قال أطعم أهلك من سمين مالك فإنما كرهت لكم جوال القرية فاحتجوا بهذا الحديث في إحلال الحمر الأهلية وقالوا إنما كرهها رسول الله صلى الله عليه و سلم لأنها كانت تاكل القذر كما كره الجلالة
وحدثنا أحمد بن محمد بن أزدي قال حدثني إسماعيل بن يحيى المزني قال حدثنا الشافعي قال أخبرنا عبدالوهاب بن عبدالمجيد عن أيوب السختياني عن محمد بن سيرين عن أنس بن مالك أن رسول الله جاءه جاء

فقال أكلت الحمر ثم جاءه جاء فقال فنيت الحمر فأمر رسول الله مناديا فنادى إن الله عز و جل ورسوله عليه السلام ينهيانكم عن لحوم الحمر الأهلية فإنها رجس فكفئت القدور وانها لتفور
قال أبوجعفر فهذا ما فيه من المسند
وأما ما جاء عن الصحابة فحدثنا علي بن الحسين قال حدثنا الحسن بن محمد قال حدثنا يزيد بن هارون قال أنبأنا يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد كانت عائشة رضي اللة عنها إذا ذكر لها النهى عن كل ذي ناب من السباع قالت إن الله عز و جل يقول قل لا أجد في ما أوحى إلى محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة الآية
قال أبوجعفر وهذا اسناد صحيح لا مطعن فيه
قال وحدثنا علي بن الحسين قال حدثنا الحسين بن محمد قال حدثنا شبابة عن ورقاء عن عمرو بن دينار قال كان جابر بن عبدالله ينهى عن لحوم الحمر ويأمر بلحوم الخيل وأبي ذلك ابن عباس وتلا قل لا أجد في ما أوحى إلي محرما على طاعم يطعمه حكى ذلك عمرو عن طاووس عن ابن عباس
وأما ما فيه عن التابعين فحدثنا أحمد بن محمد الأزدي قال حدثنا المزني قال حدثنا الشافعي قال أخبرنا سفيان بن عيينة عن أبي

اسحاق قال ذكرت لسعيد بن جبير حديث بن أبي أوفى في النهي عن لحوم الجمر فقال إنما كانت تلك الحمر تأكل القذر
قال وحدثنا علي بن الحسين قال حدثنا الحسين بن محمد قال حدثنا يحيى بن عباد عن يونس قال قلت للشعبي ما تقول في لحم الفيل فقال قال الله عز و جل قل لا أجد في ما أوحى إلى محرما على طاعم يطعمه الآية
قال أبو جعفر وهذه الأحاديث كلها تعارض بسنة رسول الله الثابتة عنه فأما معارضتها فإن الحديث المسند الذي فيه قول الرجل للنبي صلى الله عليه و سلم لم يبق لي شيء أطعمه أهلي إلا حمر لي قد يجوز أن تكون الحمر وحشية ويكون أكلها جائزا وقد يجوز أن يكون أحلها له على الضروزة كالميتة
وأما الحديث الثاني حديث أنس الذي فيه من أمر النبي صلى الله عليه و سلم مناديا ينادي بما نادى به ففيه دليل على تحريمها وهو قوله فإنها رجس فالرجس بالحرام أشبه منه بالحلال وفيه فكفيت القدور والحلال لا ينبغي أن يقلب
والذي تأوله سعيد بن جبير يخالف فيه
والذي روي عن عائشه وابن عباس يقال إن ابن عباس رجع عنه لما قال له

علي بن أي طالب إنك امرؤ تائه قد حرم رسول الله صلى الله عليه و سلم المتعة ولحوم الحمر الأهلية فرجع عن قوله وقال بتحريم المتعة وأكل الحمر الأهلية
ومع هذا فليس لأحد مع الرسول صلى الله عليه و سلم حجة
ومع هذا فإن ابن عباس يقول لا يحل أكل لحوم الخيل فقد أخرج الخيل من الآية والحمر أولى وقوله في الخيل قول مالك

وأبي حنيفة
والقول الثالث في أن الآية محكمة وأن المحرمات داخلة فيها قول نظرى لأن التذكية إنما تؤخذ توقيفا فكل ما لم توجد تذكيته بالتوقيف فهو ميتة داخل في الآية
والقول الرابع أن نضم إلى الآية ما صح عن النبي قول حسن فيكون داخلا في الاستثناء الا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو كذا أو كذا
وهذا قول الزهري ومالك بن أنس ألا ترى أن الزهري كان يقول بتحليل كل ذي ناب من السباع حتى قدم الشام فلقى أبا إدريس الخولاني فحدثه عن أبي ثعلبة الخشني عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه حرم كل ذي ناب من السباع فرجع إلى قوله وكذا صح قال مالك لما سئل عن كل ذي مخلب من الطير فقال ما أعلم فيه نهيا وهو عندي حلال

وقد صح عن النبي تحريم كل ذي مخلب من الطير غيرأن الحديث لم يقع إلى مالك رحمه الله فعذر بذلك
والقول الخامس أن الاية جواب قول حسن صحيح وهو قريب من القول الذي قبله لأنها إذا كانت جوابا فقد اجيبوا عما سألوا عنه وثم محرمات لم يسئلوا عنها فهي محرمة بحالها
والدليل على أنها جواب أن قبلها قل الذكرين حرم أم الأنثين وما معه من الاحتجاج عليهم
وهذا القول الخامس مذهب الشافعي
وفي هذه السورة شيء قد ذكره قوم هو من الناسخ والمنسوخ بمعزل ولكنا نذكره ليكون الكتاب عام الفائدة
قال الله عز و جل ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وانه لفسق ففي هذا أربعة أقوال فمن الناس من قال هي منسوخة بقوله

جل وعز وطعام الذين أوتوأ الكتاب حل لكم المائدة 5 وهم يذكرون غير اسم الله جل وعز على ذبائحهم ومنهم من قال هي محكمة لا يحل أكل ذبيحة الا أن يذكر اسم الله عز و جل عليها فإن تركه تارك عامدا أو ناسيا لم تؤكل ذبيحته والقول الثالث أن تؤكل إذا نسي أن يسمي
والقول الرابع أن تؤكل ذبيحة المسلم وإن ترك التسمية عامدا أو ناسيا
وفلقول الأول قول عكرمة قال في قول الله عز و جل ولا تأكلوا مما لم يذكراسم الله عليه قال فنسخ ذلك واستثنى منه فقال اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم المائدة 5 واحتج بعضهم لهذا القول بأن القاسم بن مخيمرة سئل عن ذبيحة النصارى هل تؤكل إذا سموا عليها بغير اسم الله عز و جل فقال نعم تؤكل ولو قالوا عليها باسم جرجس
قال أبو جعفر وهو قول مكحول وعطاء قال قد علم الله عز و جل ذلك منهم وأباح ذبائحهم وهو قول ربيعة وهو يروى عن أبي الدرداء وعبادة بن الصامت وهذا القول لو كان إجماعا لما وجب أن يكون فيه دليل على نسخ الآية ولكان استثناء
على أنه قد صح عن جماعة من الصحابة كراهة ذلك منهم علي بن أبي ا طالب قال إذا سمعته يقول باسم المسيح فلا تأكله فإنه مما أهل لغير الله به

وإذا لم تسمع فكل لأنه قد أحل لك ذلك ا وهو قول عائشة وابن عمر رضي الله عنهما وكره ذلك مالك رحمه الله ولم يحرمه
والقول الثاني أنه لا يحل أكل ما لم يذكر اسم الله عليه عز و جل في العمد والنسيان قول الحسن وابن سيرين والشعبي وعارضه محمد بن جرير وقال لو لم يكن من فساده إلا أن العلماء على غيره والجماعة لكان ذلك كافيا من فساده
قال أبو جعفر وقد ذكرنا من قال به من العلماء حدثنا أحمد بن محمد الأزدي قال حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا حجاج قال حدثنا حماد عن داود عن الشعبي قال لا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه
قال أبو جعفر وهذا أيضا مذهب أبي ثور
والقول الثالث أنه إذا ذبح فنسى التسمية أكلت ذبيحته قول سعيد بن جبير والنخعي ومالك وأبي حنيفة ويعقوب ومحمد والحجة لهم أن ظاهر الآية يوجب أن لا تؤكل ذبيحة من ترك ذكر اسم الله عامدا ولا ناسيا ألا ترى أن فيها وإنه لفسق فخرج بهذا النسيان لأنه لايقال لمن نسي فسق

والقول الرابع أنه تؤكل ذبيحة المسلم وإن ترك التسمية عامدا غير متهاون قول ابن عباس كما قرىء على أحمد بن شعيب بن علي عن عمرو بن علي قال حدثنا يحيى بن سعيد القطان قال حدثنا سفيان قال حدثنا هارون بن أبي وكيع عن أبيه عن ابن عباس في قول الله ولا يأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه قال خاصمهم المشركون فقالوا ما ذبح لا تأكلونه وما ذبحتم أكلتموه فهذا من أصح ما مر وهو داخل في المسند وخبر ابن عباس بسبب نزول الآية فوجب أن يكون ما لم يذكر اسم الله عليه يعني به الميتة وما ذبحه المشركون غير أهل الكتاب وما ذبحه المسلمون وأهل الكتاب مأكول وإن لم يذكر اسم الله عليه واحتج ابن عباس فقال اسم الله مع المسلم وهذا القول هو الصحيح من قول الشافعي وقد حكى حيوة بن شريح عن عقبةبن مسلم أنه قال يؤكل ما ذبحوا لكنائسهم لأنه من طعامهم الذي

أحله الله لنا قال فقلت له فقد قال الله عز و جل وما أهل لغير لله به فقال إنما ذلك ذبائح أهل الأوثان والمجوس
وفي هذه السورة وأعرض عن المشركين روى عن ابن عباس قال نسخ هذا قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الأخر
وقال غيره ليس هذا بنسخ وأنما هذا من قولهم أعرضت عنه أي لم أبسط إليه واشتقاقه من أوليته عرض وجهي وهذا واجب أن يستعمل مع المشركين وأهل المعاصي قال الله عز و جل أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين
وفي هذه السورة إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم شيء الآية
حدثنا أبو جعفر قال حدثنا أبو الحسن عليل بن أحمد قال حدثنا محمد بن هشام قال حدثنا عاصم بن سليمان قال حدثنا جويبر عن الضحاك عن ابن عباس في قوله عز و جل ا إن الذين فرقوا دينهم قال اليهود والنصارى تركوا الإسلام والدين الذي أمروا به وكانوا شيعا فرقا أحزابا مختلفة لست منهم في شيء نزلت بمكة ثم نسخها قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الاخر الآية

قال أبو جعفر وقال غيره ليس في هذا نسخ لأنه معروف في اللغة أن يقال لست من فلان ولا هو مني إذا كنت مخالفا له منكرا عليه ما هو فيه وحكى سيبويه أنت مني فرسخا أي ما دمنا نسير فرسخا على أنه قد روى أبو غالب عن أبي أمامة عن النبي في قول الله عز و جل إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا قال هم الخوارج وإن بني اسرائيل افترقت على إحدى وسبعين فرقة وتزيد هذه الأمة واحدة كلها في النار الا فرقة واحدة وهي الجماعة والسواد الأعظم فتبين بهذا الحديث وبظاهر الآية أن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا هم أهل البدع لأنهم إذا ابتدعوا تجادلوا وتخاصموا وتفرقوا فليس النبي صلى الله عليه و سلم ولا الفرقة الناجية وهي الجماعةالظاهرة منهم في شيء لأنهم منكرون عليهم ما هم فيه مخالفون لهم فهذا من الناسخ والمنسوخ بمعزل

بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الاعراف
حدثنا أبو جعفر قال حدثنا يموت بن المزرع قال حدثنا أبو حاتم قال حدثنا أبو عبيدة قال حدثنا يونس بن حبيب عن أبي عمرو بن العلاء عن مجاهد عن ابن عباس قال وسورة الأعراف نزلت بمكة فهي مكية

قال أبو جعفر لم نجد فيها مما يدخل في الناسخ والمنسوخ الا آية واحدة مختلفا فيها قال الله جل وعز خذ العفو الأعراف 119
فيها خمسة أقوال من العلماء من قال هي منسوخة بالزكاة المفروضة ومنهم من قال هي منسوخة بالأمر بالغلطة على الكفار ومنهم من قال خذ العفو أي الزكاة المفروضة ومنهم من قال هو حق في المال سوى الزكاة ومنهم من قال هو أمر بالاحتمال وترك الغلظة والفظاظة غير منسوخ
فممن روى عنه أنها منسوخة بالزكاة ابن عباس قال خذ العفو يقول خذ ما عفا وما أتوك به قال وكان هذا قبل أن تنزل برآءة بفرض الزكاة وتفصيلها وجعلها في مواضعها
وقال الضحاك نسخت الزكاة كل صدقة في القرآن وحدثنا جعفر بن مجاشع قال حدثنا إبراهيم الحربي قال حدثنا حسين

ابن الاسود عن عمر وعن أسباط عن السدي خذ العفو قال الفضل من المال نسخته الزكاة
والقول الثاني أنها منسوخة بالغلظة قول ابن زيد قال خذ لأ العفو فأقام النبي بمكة عشر سنين لا يعرض أحد ولا يقابله ثم لم أمره الله عزوجل أن يقعد لهم كل مرصد وأن لا يقبل منهم إلا الإسلام وأنزل يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم وقال جل وعز قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلطة
فنسخ هذا العفو
والقول الثالث أن العفو الزكاة قول مجاهد وكان إبراهيم بن محمد بن عرفة يميل إلى هذا القول قال لأن الزكاة يسير من كثير
والقول الرابع أن العفو شيء في المال سوى الزكاة قول القاسم وسالم قالا هو فضل المال ما كان عن ظهر غنى

والقول الخامس قول عبدالله وعروة ابني الزبير كما قرىء على أحمد بن شعيب عن هاررن بن إسحاق قال حدثنا عبدة عن هشام بن عروة صح عن أبيه عن ابن الزبير قال إنما أنزل الله عز و جل خذ العفو من أخلاق الناس
وهذا أولى ما قيل في الآية لصحة إسناده وأنه عن صحابي يخبر بنزول الاية وإذا جاء الشيء هذا المجيء لم يسع أحدا مخالفته والمعنى عليه خذ العفو أي السهل من أخلاق الناس رلا تغلظ عليهم ولا تعنف بهم وكذا كانت أخلاقه صلى الله عليه و سلم أنه ما لقى أحدا قط بمكروه في وجهه ولا ضرب أحدا بيده وقيل لعاثشة رضوان الله عليها ما كان خلق رسول الله صلى الله عليه و سلم الذي مدحه الله عز و جل به فقال تعالى وإنك لعلى خلق عظيم فقالت رضي الله عنها كان خلقه ا لقرآن
وقال محمد بن جرير إن هذا أمر النبي صلى الله عليه و سلم في الكفار أمره بالرفق بهم ؤاستدل على أن في المشركين أن ما قبله وما بعده فيهم قال لأن قبله احتجاجا عليهم قل أدعوا شركاءكم ثم كيدون فلا تنظرون وبعده وإخونهم يمدونهم في الغي
وخالفه غيره فقال أمر النبي بالأخلاق السهلة اللينة لجميع

الناس بل هذا للمسلمين أولى وقد قال ابن الزبير وهو الذي فسر الآية والله لأستعملن الأخلاق السهلة ما بقيت كما أمر الله عز و جل
وفي الآية وأمر بالعرف قال عروة والسدي العرف المعروف قال أبو جعفر والذي قالا معروف في اللغة يقال أولاني معروفا وعرفا وعارفة وفي الحديث العرف أن تعفو عمن ظلمك وتعطي من حرمك وتصل من قطعك وهذا من كلام العرب ومن اختصار القرآن المعجز لأنه قد اجتمع في قوله وامر بالعرف هذه الخصال الثلاث ويدخل فيه الأمر بالمعروف والقبول عن الله عز و جل ما أمر به وما ندب إليه هذا كله من العرف
وفيها وأعرض عن الجاهلين وزعم ابن زيد أن هذا منسوخ بالأمر بالقتال وقال غيره ليست بمنسوخة وإنما أمر باحتمال من ظلم وما بعد هذه الآية أيضا يدل على أن القول كما قال ابن الزبير وأنه صلى الله عليه و سلم امر بالسهل من الأخلاق وترك الغلطة لأن بعدها وأما ينزعنك من الشيطان نزع وإي يغضبنك من الشيطان وسوسة وتحميل على ترك الاحتمال فاستعذ بالله أي فاستجر به مما عرض لك انه سميع لاستجارتك وغيرها عليم بما يزيل لك ما عرض لك

وبعدها أيضا ما يدل على ما قال عز و جل إن الذين اتقوا أي اتقوا الله عز و جل بادآء فرائضه وترك معاصيه إذا مسهم طائف من الشيطان أي عارض ووسواس منه تذكروا وعد الله تعالى ووعيده وعقابه فإذا هم مبصرون الحق آخذون بما أمرهم الله عز و جل به من التحامل عند الغضب والغلظة على من قد نهوا عن الغلظة عليه

بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الانفال
حدثنا أبو جعفر قال حدثنا يموت بن المزرع بإسناده عن ابن عباس قال ونزلت سورة الأنفال بالمدينة فهي مدنية قال جل وعز يسئلونك عن الانفال الآية
للعلماء في هذه الآية خمسة أقوال فأكثرهم على أنها منسوخة بقول الله عز و جل واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه
واحتج بعضهم بأنها لما كانت من أول ما نزل بالمدينة من قبل أن يؤمر بتخميس الغنائم وكان الأمر في الغنائم كلها إلى النبي صلى الله عليه و سلم وجب أن تكون منسوخة بجعل الغنائم حيث جعلها الله عزوجل
وقائلوا هذا القول يقولون الأنفال ههنا الغنائم ويجعل بعضهم اشتقاقه من النافلة وهي الزيادة قال فالغنائم أنفال لأن الله عز و جل نفلها أمة محمد صلى الله عليه و سلم خصهم بذلك

وقال بعضهم ليست بمنسوخة وهي محكمة وللأئمة أن يعملوا بها فينقلوا من شاءوا اذا كان في ذلك صلاح المسلمين
واحتجوا أن هذا هي الأنفال على الحقيقة لا الغنائم لأنها زيادات يزاد بها الرجل على غنيمته أو يزيدها الإمام من رأى
والقول الثالث أن الأنفال ما شذ من العدو من عبد أو دابة فللإمام أن ينفل ذلك من شاء إذا كان صلاحا
والقول الرابع أن الأنفال أنفال السرايا خاصة
والقول الخامس أن الأنفال الخمس خاصة سألوا لمن هو فأجيبوا بهذا
قال أبو جعفر فممن روي عنه القول الأول ابن عباس من رواية ابن أبي طلحة قال الأنفال الغنائم التي كانت خالصة للنبي صلى الله عليه و سلم ليس لأحد فيها شيء ثم أنزل الله عز و جل واعلموا أنما غنمتم من شيء وهو قول مجاهد كما حدثني علي بن الحسين قال حدثنا الحسن بن محمد قال حدثنا حجاج عن ابن جريج قال أخبرني سليم مولى أبي علي عن مجاهد قال نسخت نسخها واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسة وهو قول عكرمة كما قرىء على

إبراهيم بن موسى الجوزي عن يعقوب بن ابراهيم قال حدثنا وكيع قال حدثنا اسرائيل عن جابر عن مجاهد وعكرمة قالا كانت الأنفال لله عزوجل وللرسول صلى الله عليه و سلم ثم نسخ ذلك قوله تعالى واعلموا انما غنمتم من شىء فان لله خمسه وهو أيضا قول الضحاك والشعبي والسدي وأكثر الفقهاء لأن أكثرهم يقول لا يجوز للإمام أن ينفل أحدا شيئا عن الغنيمة إلا من سهم النبي صلى الله عليه و سلم لأن الأسهم الأربعة قد صارت لمن شهد من الجيش الحرب وكذا قال الشافعي رحمه الله في السهم الخامس سهم النبي صلى الله عليه و سلم يكون للأئمة والمؤذنين أي لما فيه صلاح المسلمين وكذا التنفيل منه
والقول على هذا أن الاية منسوخة إذ صارت الأنفال تقسم خمسة أقسام وإذ كان بعض الفقهاء يقول تقسم ثلاثة أقسام وكان بعضهم يقول إنما ذكرت الأصناف التي يجب أن يقسم السهم فيها فإن دفع الى بعضها جاز فهذا كله يوجب أن الأية منسوخة لأنهم قد أجمعوا على أن الأربعة

الأسهم لمن شهد الحرب وإنما الاختلاف في السهم الخامس
ومما يحقق أنها نسخها حديث سعد بن أبي وقاص في سبب نزولها كما قرىء على محمد بن عمرو بن خالد عن أبيه قال حدثنا زهير بن معاوية قال حدثنا سماك بن حرب قال حدثني مصعب بن سعد عن أبيه قال إني أنزل في القرآن في أيات وذكر الحديث فقال فيه وأصاب رسول الله صلى الله عليه و سلم غنيمه عظيمة فإذا فيها سيف فأخذته فأتيت به رسول الله فقلت نفلنيه فانا من قد علمته قال رده من حيث أخذته فانطلقت به حتى إذا أردت أن ألقيه في القبض لامتنى نفسي فرجعت إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقلت أعطنيه قال فشد صوته وقال رده من حيث أخذته فأنزل الله عز و جل يسئلونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول

وحكى أبو جعفر بن رشدين عن عمرو بن خالد قال القبض الموضع الذي تجمع الغزاة فيه ما غنموا
وقرىء على أحمد بن محمد بن الحجاج عن يحيى بن سليمان قال حدثني عبدالله بن وهب قال أخبرني أبو صخر عن القرظي قال أبو صخر وحدثنى أبو معاوية البجلي عن سعيد بن جبير أن سعدا ورجلا من الأنصار خرجا يتنفلان فوجدا سيفا ملقى فخرا عليه جميعا فقال سعد هو لي وقال الأنصاري هو لي قال لا أسلمه حتى آتي رسول الله صلى الله عليه و سلم فقصا عليه القصة فقال رسول الله ليس لك يا سعد ولا للأنصاري ولكنه لي فنزلت

يسئلونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فاتقوأ الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين
يقول سلما السيف إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم نسخت هذه الآية فقال عز و جل واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه و للرسول ولذى القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل إلى آخر الآية
قال أبو جعفر هذه الزيادة حسنة وإن كانت غير متصلة فإنها عن سعد في سبب نزول الآية ثم ذكر نسخها وقد سمعت أحمد بن محمد بن سلامة يقول قال لي أحمد بن شعيب نظرت في حديث يحيى بن سليمان عن ابن وهب فما رأيت شيئا أنكره إلا حديثا واحدا ثم دف بيحيى في الحديث
والقول الثاني أنها غير منسوخة وأن للإمام أن يزيد من حضر الحرب على سهمه لبلاء أبلاه أو لغناء أتاه وأن له أن يرضخ لمن لم يقاتل إذا كان في ذلك صلاح للمسلمين يتأول قائل هذا ما صح عن ابن عباس كما حدثنا بكر بن سهل قال حدثنا عبدالله بن يوسف قال حدثنا مالك عن ابن شهاب عن القسام بن محمد قال سمعت رجلا يسال عبدالله بن عباس عن الأنفال فقال

الفرس من النفل والسلب من النفل ثم عاد يسأله فقال ابن عباس ذلك أيضا ثم عاد فقال ما الأنفال التي قال الله عز و جل في كتابه فلم يزل يسأله حتى كاد يخرجه فقال ابن عباس ما مثل هذا أمثله مثل صبيغ الذي ضربه عمر بن الخطاب رضي الله عنه
وحدثنا بكر بن سهل قال حدثنا عبدالله قال حدثنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم بعث سرية قبل نجد فيها عبدالله بن عمر فغنموا إبلا كثيرة فطارت سهمانهم اثنى عشر بعيرا أو أحد عشر بعيرا ونفلوا بعيرا بعيرا
قال أبوجعفر ففي هذا التنفيل ولم يقل فيه من الخمس
واحتج قائل هذا أيضا باللغة وأن معنى التنفيل في اللغه الزيادة وكان محمد بن جرير يميل إلى هذا القول
والقول الثالث أن الأنفال ما شذ من المشركين إلى المسلمين بغير قتال قول عطاء والحسن كما قرىء على أحمد بن محمد بن الحجاج عن يحيى بن سليمان قال حدثنا ابن نمير وأسباط عن عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء قل

الأنفال لله والرسول قال الأنفال ما شذ من المشركين إلى المسلمين من عبد أو امة أو متاع أو دابة فهو النفل كان للنبي صلى الله عليه و سلم أن يصنع به ما شاء قال يحيى بن سليمان وحدثنا حفص بن غياث عن عاصم بن سليمان عن الحسن قال فذلك الى الإمام يصنع به ما شاء
والقول الرابع أن الأنفال أنفال السرايا قول علي بن صالح بن حي
والقول الخامس أن الأنفال الخمس قول مجاهد رواه عنه ابن أبي نجيح قال قال المهاجرون لم يخرج منا هذا الخمس فقال الله عز و جل هو لله وللرسول
فهذه خمسة أقوال وإن كان بعضها يدخل في بعض لأن قول من قال هو ما شذ من المشركين إلى المسلمين يدخل في قول من قال للإمام أن ينفل وكذا قول من قال هي أنفال السرايا وقول مجاهد هي الخمس ترجع إلى قول من قال التنفيل من الخمس
واختلفوا أيضا في الآية الثانية من هذه السورة

باب ذكر الآية الثانية من هذه السورة
قال الله عز و جل ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير الأنفال 16
للعلماء في هذه الآية ثلاثة أقوال منهم من قال هي منسوخة ومنهم من قال هي مخصوصة لأهل بدر لأنها فيهم نزلت ومنهم من قال هي محكمة وحكمها باق إلى يوم القيامة
فممن قال هي منسوخة عطاء بن أبي رباح قال نسخها يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا

مائتين الى تمام الآيتين أي فنسخ التخفيف عنهم والإطلاق لهم أن يولوا ممن هو أكثر من هذا العدد
والقول الثاني أنها مخصوصة قول الحسن كما حدثنا محمد بن جعفر الأنباري بالأنبار قال حدثنا حاجب بن سليمان قال حدثنا وكيع عن الربيع بن صبيح عن الحسن قال ليس الفرار من الزحف من الكبائر إنما كان في أهل يدر خاصة هذه الآية ومن يولهم يومئذ دبره
وقرىء على أحمد بن شعيب عن أبي داود قال حدثنا أبو زيد الهروى قال حدثنا شعبة قال حدثنا داود بن أبي هند عن أبي نصرة عن أبي سعيد الخدري قال نزلت ومن يولهم يومئذ دبره

في أهل بدر
والقول الثالث أن حكمها باق إلى يوم القيامة قول ابن عباس كما حدثنا بكر بن سهل قال حدثنا عبدالله بن صالح قال حدثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس وذكرالكبائر قال والفرار من الزحف لأن الله عز و جل قال ومن يولهم يومئذ دبره الا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد بآء بغضب من الله
قال أبو جعفر وهذا أولى ما قيل في الآية ولا يجوز أن تكون منسوخة لأنه خبر ووعيد ولا ينسخ الوعيد كما لا ينسخ الوعد فإن قيل فحديث ابي سعيد الخدري متصل الإسناد وقد خبر بنزول الآية في أهل بدر تجلهر فكيف يجوز خلافه فالجواب إنه لعمري لا يجوز خلافه في مثل هذا والقول كما قال نزلت في أهل بدر وحكمها باق الى يوم القيامة وأهل بدر كان رسول الله فئتهم فكان لهم أن ينحازوا إليه وكذا كل إمام
والدليل على أن حكمها باق بما حدثناه علي بن الحسين كان حدثنا الحسن بن محمد قال حدثنا عفان قاذ حدثنا أبر عوانة

قال حدثنا يزيد بن أبي زياد عن عبدالرحمن بن أبي ليلى عن ابن عمر قال كنت في غزوة مسالح رسول الله فلقينا العدو فحاص الناس حيصة ويقال حاض الناس حيضة فكنت ممن حاص فرجعنا إلى أنفسنا فقلنا كيف يرانا المسلمون وقد بؤنا بالغضب قال ثم قرأ ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئه فقد باء بغضب من الله فقلنا نأتي المدينة فنبيت بها ثم نخرج فلا يرانا أحد فلما أتينا المدينة قلنا لو عرضنا أنفسنا على رسول الله فرصدنا حتى خرج الى صلاة الفجر ققلنا يا رسول الله نحن الفرارون قال لا بل أنتم العكارون قلنا إنا قد هممنا بكذا وكذا قال لا أنا فئة للمسلمين ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئه
قال أبو جعفر ففي هذا الحديث بيان معنى الآية لمن كان من أهل

العلم وذلك أن ابن عمر لم يقبله رسول الله للحرب إلا بعد يوم بدر فتبين بهذا أن حكم الآية باق وتبين أن لمن حارب العدو إذا خاف على نفسه أن ينحاز إلى فئة يتقوى بها
والعكارون الكرارون الراجعون يقال عكر وعكر واعتكر إذا كر ورجع فلما رجع ابن عمر ومن معه إلى النبي صلى الله عليه و سلم قابلين منه كانوا هم العاكرين الراجعين إلى ما كانوا عليه من بذل أنفسهم الى الجهاد والقبول من الرسول صلى الله عليه و سلم ما يأمرهم به
واختلفوا أيضا في الآية الثالثة اختلافا كثيرا لأنها مشكلة

باب ذكر الآية الثالثة من هذه السورة
قال الله عز و جل وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون
للعلماء في هذه الآية خمسة أقوال قال الحسن نسخ وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون قوله عز و جل وما لهم الا يعذبهم الله
قال أبو جعفر النسخ ههنا محال لأنه خبر خبر الله به ولانعلم أحدا روي عنه هذا إلا الحسن وسائر العلماء على أنها محكمة وقالوا فيها أربعة اقوال فمن ذلك ما حدثنا بكر بن سهل قال حدثنا عبدالله بن صالح عن معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم قال يقول سبحانه وما كان الله ليعذب قوما وأنبياؤهم بين أظهرهم حتى يخرجهم وماكان الله معذبهم وهم يستغفرون قال يقول وفيهم من قد سبق له منه الدخول في الإيمان وهو الاستغفار وما لهم ألا يعذبهم الله فعذبهم يوم بدر بالسيف

قال أبو جعفر شرح هذا وما كان الله معذبهم يعني الكفار جميعا وقد علم أن فيهم من يسلم فيكون لهم يراد بهم البعض مثل قول العرب قتلنا بني فلان وانما قتلوا بعضهم وما لهم ألا يعذبهم الله إذا سلم منهم من قد سبق في علمه أنه يسلم فهذا القول يجوز إلا أن فيه هذا التعسف
وقال مجاهد وهم يستغفرون أي يسلمون وهذا كالأول
وروى أبو زميل عن ابن عباس وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون أي وما كان معذبهم في الدنيا وهم يستغفرون وكانوا يقولون غفرانك وما لهم أن لا يعذبهم الله في الآخرة
قال أبو جعفر وهذا القول ظاهره حسن إلا أن فيه أنهم انما استعجلوا بعذاب الدنيا لا بعذاب الآخرة وأيضا فقد علم أنهم يعذبون في الآخره إن ماتوا على الكفر
فهذان قولان لمن قال إنها محكمة
والقول الثالث قول الضحاك كما قرىء على ابراهيم بن موسى الجوزي عن يعقوب بن إبراهيم قال حدثني وكيع قال حدثنا سلمة بن نبيط عن الضحاك في قوله وما كان الله معذبهم وهم

يستغفرون قال المؤمنون من أهل مكة وما لهم ألا يعذبهم الله قال الكفار من أهل مكة
قال أبو جعفر جعل الضميرين مختلفين وهو قول حسن وإن كان محمد بن جرير قد أنكره لأنه زعم أنه لم يتقدم للمؤمنين ذكر فيكنى عنهم
وهذا غلط بين لأنه قد تقدم ذكر المؤمنين في غير موضع من السورة
فإن قيل لم يتقدم ذكرهم في هذا الموضع فالجواب أن في المعنى دليلا على ذكرهم في هذا الموضع وذلك أن من قال من الكفار اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء إنما قال هذا مستهزئا ومتعنتا ولو قصد الحق لقال اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فاهدنا له ولكنه كفر وأنكر أن يكون الله عز و جل يبعث رسولا يوحى إليه من السماء أي اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأهلك الجماعة من الكفار والمسلمين
فهذا معنى ذكر المسلمين فيكون المعنى كيف يهلك الله عز و جل المسلمين فهذا معنى وما كان الله معذبهم يعني المؤمنين
قال وما لهم أن لا يعذبهم الله يعني الكافرين
وقول ابن أبزي كقول الضحاك وما كان الله معذبهم وهم

يستغفرون يعني الفئة المسلمة التي كانت بمكة فلما خرجوا قال الله عز و جل وما لهم ألا يعذبهم يعني الكفار
والقول الخامس قول قتادة والسدي وابن زيد قالوا وهم يستغفرون أي لو استغفروا
قال أبو جعفر وهذا أبين ما قيل في الآية ولا تعسف فيه كما أقول لا أسيء إليك وأنت تحسن إلي أي لو أحسنت الي ما أسات إليك فيكون المعنى وما كان الله معذبهم وهذه حالهم أي لو استغفروا من الكفر وتابوا وما لهم ألا يعذبهم الله أي وما شأنهم وما يمنعهم أن يعذبهم الله وهم مصرون على الكفر والمعاصي فقد استحقوا العذاب
واختلفوا أيضا في الآية الرابعة

باب ذكر الاية الرابعة من هذه السورة
قال الله عز و جل وإن جنحوا للسلم فاجنح لها
حدثنا أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة قال حدثنا عبدالرزاق عن معمر عن قتادة وإن جنحوا للسلم قال للصلح فاجنح لها قال نسخها فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم
وروي عن ابن عباس أن الناسخ لها فلا تهنوا وتدعوا إلىالسلم
قال أبو جعفر القول في أنها منسوخة لا يمتنع لأنه أمر بالإجابه الى الصلح والهدنه بغير شرط فلما قال الله عز و جل فلاتهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون حظر الصلح والهدنة مع قوة اليد والاستعلاء على المشركين

والبين في باب النظر أن لا تكون منسوخة وأن تكون الثانية مبينة للأولى
ومن العلماء من يقول في الآية الخامسة أنها منسوخة

باب ذكر الآية الخامسة من هذه السورة
قال الله عز و جل يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفا من الذين كفروا
وفي رواية ابن جريج وعثمان بن عطاء عن عطاء عن ابن عباس قال نسخها الأن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا الأية
وقرىء على محمد بن جعفر بن حفص عن يوسف بن موسى قال حدثنا يزيد بن هارون قال أخبرنا جرير بن حازم عن الزبير بن خريت عن عكرمة عن ابن عباس قال كان فرض على المسلمين أن يقاتل الرجل منهم العشرة من المشركين قال الله عز و جل إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفا من الذين كفروا فشق ذلك عليهم فأنزل الله عز و جل التخفيف فجعل على الرجل أن يقاتل الرجلين فخفف عنهم ونقصوا من النصر بقدر ذلك
قال أبو جعفر وهذا شرح بين حسن أن يكون هذا تخفيفا لا نسخنا لأن معنى النسخ دفع حكم المنسوخ ولم يرفع حكم الأول لأنه لم يقل

فيه لا يقاتل الرجل عشرة بل إن قدر على ذلك فهو الاختيار له ونظير هذا إفطار الصائم في السفر لا يقال إنه نسخ الصوم وإنما هو تخفيف ورخصة والصيام له
أفضل قال ابن شبرمة وكذا النهي عن المنكر لا يحل له أن يفر من اثنين اذا كانا على منكر وله أن يفر من أكثر منهما
ومن العلماء من ادخل الآية السادسة في الناسخ والمنسوخ

ذكر الآية السادسة من هذه السورة
قال الله عز و جل ماكان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض حدثنا بكر بن سهل قال حدثنا عبدالله بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض قال وذلك والمسلمون قليل يومئذ قال فلما كثروا واشتد سلطانهم أنزل الله عز و جل بعد هذا في الأسرى فإما منا بعد وإما فداء فجعل الله عز و جل النبي والمؤمنين في أمر الأسرى بالخيار إن شاءوا قتلوهم وإن شاءوا استعبدوهم وان شاءوا فادوهم
قال أبو جعفر وهذا كله من الناسخ والمنسوخ بمعزل لأنه قال جل وعز ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض فاخبر بهذا فلما أثخن في الأرض كان له أسرى واختلف في الحكم وسنذكر ذلك في لا موضعه إن شاء الله
وقد أدخلت الآية السابعة في الناسخ والمنسوخ

باب ذكر الآية السابعة من هذه السورة
قال الله عز و جل فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا الأنفال 69 فكان هذا ناسخا لما تقدم من حكم الله عز و جل في حظر الغنائم لأنها لم تحل لأحد قبل أمة محمد وإنما كانت تنزل نار من السماء فتأكلها
والدليل على صحة هذا قول النبي صلى الله عليه و سلم لم تحل الغنائم لأحد قبلنا وفي الحديث أنهم لما أسرعوا إليها أنزل الله عز و جل لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم قيل المعنى لولا أن الله عز و جل سبق منه أنه لا يعذب أحدا إلا بعد التقدم إليه لعاقبكم قبل وأكثر ما قيل لولا أنه سبق من الله عز و جل أنه لا يعذب أحدا على صغيرة إذا اجتنب الكبائر لعاقبكم
وفيه غير هذا قد ذكرته العلماء تقول في الآية الثامنة إنها منسوخة

باب ذكر الآية الثامنة من هذه السورة
قال الله عز و جل والذين ءامنوا ولم يهاجروا مالكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا الأنفال 72
حدثنا أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة قال أخبرنا عبدالرزاق قال أخبرنا معمر عن قتادة في قوله عز و جل والذين آمنوا ولم يهاجروا مالكم من ولايتهم من شيء قال كان المسلمون يتوارثون بالهجرة كان الرجل إذا أسلم فلم يهاجر لم يرث أخاه فنسخ ذلك قوله عز و جل وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المومنين والمهاجرين
وقرىء على علي بن سعيد بن بشير عن محمود بن غيلان قال حدثنا أبو داود قال حدثنا سليمان بن معاذ عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله آخى بين أصحابه فكانوا يتوارثون

بذلك حتى نزلت وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض فتوارثوا بالنسب
قال أبو جعفر فتكلم العلماء على أن هذه الاية ناسخة التي قبلها وأن التوارث كان بالهجرة والمؤاخاة فنسخ ذلك قال عكرمة فأقام الناس برهة من الدهر لا يرث الأعرابي المهاجر ولا المهاجر الأعرابي حتى أنزل الله عز و جل وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا الأحزاب 6 قال قتادة أي بالوصية

بسم الله الرحمن الرحيم
سورة براءة
قال أبو جعفر لا أعلم اختلافا أنها من آخر ما نزل بالمدينة ولذلك قل المنسوخ فيها ويدلك على ذلك ما حدثنا به أحمد بن عمر بن عبدالخالق قال حدثنا محمد بن المثنى وعمرو بن علي قالا حدثنا يحيى بن سعيد قال حدثنا عوف الأعرابي عن يزيد الفارسي قال حدثنا ابن عباس قال قلنا لعثمان بن عفان رضي الله عنه ما حملكم على أن همدتم الى الأنفال وهي من المثاني وإلى برآءة وهي من المئين فقرنتم بينهما ولم تكتبوا بينهما بسم الله الرحمن الرحيم

ووضعتهما في السبع الطول ما حملكم على هذا فقال كان رسول الله تنزل عليه السور ذوات العدد فإذا نزلت عليه الآية قال اجعلوها في سورة كذا وكذا فكانت الأنفال من أول ما نزل بالمدينة وكانت براءة من آخر ما نزل وكانت قصتها تشبه قصتها ولم يبين لنا رسول الله في ذلك شيئا فلذلك قرنت بينهما ولم أكتب بينهما سطر بسم الله الرحمن الرحيم
قال وقريء على محمد بن جعفر بن حفص عن يوسف بن موسى قال حدثنا أبو لو أسامة قال حدثنا عوف وذكر بإسناده نحوه غير أنه زاد فيه قال عثمان رحمه الله ورضي عنه فظننت أنها منها قال وكانتا تدعيان في زمان رسول الله القرينتين فلذلك جعلتهما في السبع الطول
قال أبو جعفر ففي هذا الحديث ظن عثمان أن الأنفال من براءة وتحتيق ابن عباس أنها ليست منها وفيه البيان أن تأليف القرآن عن الله عز و جل وعن رسول الله لا مدخل لأحد فيه ولو لم تكن في ذلك إلا كل الأحاديث المتواترة أن رسول الله ط ذكر البقرة وآل عمران وسائر السور وأنة كان يقرأ في صلاة كذا بكذا وأنه قرأ في ركعة بالبقرة وآل عمران وأنه

قال صلى الله عليه و سلم يأتيان يوم القيامة كانهما غمامتان أو غيايتان وصح أن أربعة من أصحاب رسول الله كانوا يحفظون القرآن في وقته ولا يجوز أن يحفظوا ما ليس مؤلفا
كما حدثنا أبو علي محمد بن جعفر بن محمد الأنباري قال حدثنا الحسن بن محمد قال حدثنا شبابة قال حدثنا شعبة عن قتادة عن أنس قال جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم أربعة أبي بن كعب وزيد بن ثابت وأبو زيد ومعاذ بن جبل

قال قتادة قلت لأنس من أبو زيد قال أحد عمومتي
قال أبو جعفر وهؤلاء الأربعة من الأنصار هم الذين كانوا يقرءون أبو زيد سعد بن عبيد من بني عمرو بن عوف من الأنصار وقال إلشعبي وأبو اللرداء احفظ القرآن على عهد رسول الله ومجمع بن جارية بقيت عليه سورتان أو ثلاث قال ولم يحفظ القرآن أحد من الخلفاء إلا عثمان وسالم مولى أبي حذيفة وكان بقي عليه منه شيء

فإن قيل فقد أمر النبي بأخذ القرآن عنه قيل ليس في هذا دليل على حفظه إياه كله ولكن فيه دليل على أمانته
ومما يدلك على أن القرآن كان مؤلفا في عهد رسول الله ما حدثنا أحمد بن محمد الأزدي قال حدثنا يزيد بن سنان قال حدثنا أبو داود قال حدثنا عمران القطان عن قتادة عن أبي بكر الهذلي عن أبي رافع قال قال رسول الله أعطيت السبع مكان التوراة وأعطيت المئين مكان الزبور وأعطيت المثاني مكان الإنجيل وفضلت بالمفصل

قال أبو جعفر فهذا التأليف من لفظ رسول الله وهذا أصل من أصول المسلمين لا يسعهم جهله لأن تأليف القرآن من إعجازه ولو كان التأليف عن غير الله عز و جل ورسوله عليه السلام لسوعد بعض الملحدين على طعنهم
وقد أشكل على بعض أصحاب الحديث ما طعن به بعض أهل الأهواء بالحديث أن عثمان رضي الله عنه أمر زيد بن ثابت أن يجمع القرآن وضم إليه جماعة فتوهم أن هذا هو التأليف وهذا غلط غظيم
وقد تكلم العلماء في معنى هذا بأجوبة فمنهم من قال إنه أنما أمر بجمعه وإن كان مجموعا لأنهم كانوا يقرءونه على سبعة أحرف فوقع بينهم الشر والخلاف فأراد عثمان رضي الله عنه أن يختار من السبعة حرفا واحدا هو أفصحها ويزيل الستة
قال أبو جعفر وهذا من أصح ما قيل فيه لأنه مروي عن زيد بن ثابت أنه قال هذا
ويدلك على صحته أن زيد بن ثابت كان يحفظ القرآن فلا معنى لجمعه اياه على هذا أو ما أشبهه
وقد قيل إنما جمعه وان كان يحفظه لتقوم حجته عند أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه أنه لم يستبد برأيه

وقد عارض بعض الناس في هذا فقال لم خص زيد بن ثابت بهذا وفي الصحابة من هو أكثر منه منهم عبدالله بن مسعود وأبو موسى الأشعرى وغيرهما
واحتج بما حدثناه إبراهيم بن محمد بن عرفة قال حدثنا شعيب بن أيوب قال حدثنا يحيى بن ادم قال حدثنا أبو بكر بن عياش عن عاصم عن ذر عن عبدالله أن أبا بكر وعمر زضي الله عنهما بشراه بأن رسول الله قال من أراد أن يقرأ القرآن غضا كما أنزل فليقرأه بقراءة ابن أم عبد
قال فالجواب عن هذا أن زيد بن ثابت قدم لأشياء لم تجتمع لغيره منها أنه كان يكتب الوحي لرسول الله نض ومنها أنه كان يحفظ

القرآن في عهد رسول الله ومنها أن قراءته كانت على آخر عرضة عرضها النبي على جبريل عليه السلام
وقول النبي في عبدالله بن مسعود ما قال قد تأوله هذا المعارض على غير تأويله وليس التأويل على ما ذهب إليه ولو كان على ما ذهب إليه ما وسع أحدا أن يقرأ إلا بحرف عبدالله والتأويل عند أهل العلم منهم الحسين بن علي الجعفي أن عبدالله بن مسعود كان يرتل القرآن فحضر النبي على ترتيل مثل ترتيله لاغير
ويدلك على ذلك الحديث أنه سئل عن طسم فقال لا أحفظها سل خبابا عنها
فإن قيل فقد حضر ابن مسعود العرضة الأخيرة
قيل له قد ذكرنا ما لزيد بن ثابت سوى هذا
على أن حرف عبدالله الصحيح أنه موافق لمصحفنا يدلك على ذلك أن أبا بكر بن عياش قال قرأت على عاصم وقرأ عاصم على ذر وقرأ ذر على عبدالله وقرىء على أحمد بن شعيب بن علي عن محمد بن بشار قال حدثنا محمد قال حدثنا شعبة عن أبي اسحاق قال

سمعت البراء بن عازب يقول آخر آية نزلت آية الكلالة وآخر سورة نزلت برآءة
قال أبو جعفر وقد ذكرنا أنه لا يكاد يوجد فيها منسوخ لهذا فأما الناسخ فيها فكثير
وقد اختلف في الآية الأولى منها

باب ذكر الآية الأولى من هذه السوره
قال الله عز و جل براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين فسيحوا في الأرض أربعة أشهر
للعلماء في هذه الآية سبعة أقوال منها ما حدثناه عليل بن أحمد قال حدثنا محمد بن هشام قال حدثنا عاصم بن سليمان عن جويبر عن الضحاك عن ابن عباس قال كان لقوم عهود فأمر الله جل وعز النبي أن يؤجلهم أربعة أشهر يسيحون فيها فلا عهد لهم بعدها وأبطل ما بعدها وكان قوم لا عهود لهم فأجلهم خمسين يوما عشرين من ذي الحجة والمحرم كله فذلك قوله فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم فهذا فهذا قول
والقول الثاني رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس أجل من له عهد أربعة أشهر ولم يقل فيه أكثر وبهذه الرواية فيمن لا عهد له كالأولي
والقول الثالث أنهم صنفان صنف عاهده النبي صلى الله عليه و سلم أقل من أربعة أشهر وصنف عاهده إلى غير أجل فرد الجميع إلى أربعة أشهر

والقول الرابع أنهم صنفان أيضا صنف عوهد إلى أقل من أربعة اشهر فأتمت له اربعه اشهر وصنف عوهد الى أربعة أشهر فأمر بالوفاء له قال عز و جل فأتموا إليهم عهدهم الى مدتهم
والقول الخامسن أنه رد الجميع الى أربعة أشهر من عوهد إلى أقل منها أو أكثر
قال أبو جعفر وهذا قول مجاهد والسدي قالا أول هذه الأشهر التي هي أشهر السياحة يوم الحج الأكبر الى عشر يخلون من شهر ربيع الاخر وسميت الحرم لأن القتال كان فيها محرما
قال أبوجعفر وحدثنا أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة قال حدثنا عبدالرزاق قال أخبرنا معمر عن الزهري فسيحوا في الأرض أربعة أشهر قال شوال وذو القعدة وذو الحجةوالمحرم
قال أبو جعفر ولا أعلم أحدا قال هذا إلا الزهري والدليل على غير قوله صحة الرواية أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه إنما قرأ عليهم هذا ونبذ العهد اليهم يأمر رسول الله صلى الله عليه و سلم في ذي الحجة يوم الحج الأكبر فيجب أن يكون هذا أول الشهور

وقال من احتج للزهري إنما حمل هذا على نزول برآءة
قال أبو جعفر وهذا غلط كيف ينبذ العهد إليهم وهم لا يعلمون وأيضا فإن النبي صلىالله عليه وسلم وجه أبا بكر رضي الله عنه يحج بالناس سنة تسع ثم اتبعه علي بن أبي طالب رضي الله عنه بهذه الآيات ليقرأها في الموسم ودل هذا على أنه قد نسخ بها ما كان النبي صلى الله عليه و سلم أقر المشركين عليه من حجهم البيت وطوافهم به عراة وسنذكر الحديث بهذا
والقول السابع أن الذين نبذ إليهم العهد وأحلوا أربعة أشهر هم الذين نقضوا العهد الذي كان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه و سلم فأمر بنبذ العهد إليهم وتأجيلهم أربعة أشهر فأما من لم ينقض العهد فكان مقيما على عهده قال الله عز و جل فما أستقاموا لكم فاستقيموالهم ومن لم يكن له عهد أجل خمسين يوما كما قال ابن عباس وهذا أحسن ما قيل في الآية وهو معنى قول قتادة والدليل على صحته ما حدثناه أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة قال حدثنا عبدالرزاق قال أخبرنا معمر بن اسحاق الهمداني عن زيد بن يثيع عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال أمرني رسول الله صلى الله عليه و سلم بأربع لا يحج البيت مشرك ولا يطوف بالبيت عريان ولا يدخل الجنة الا نفس مؤمنة وأن يتم لكل ذي عهد عهده

قال أبو جعفر فإن قيل فقد روى في الرابعة وأن ينبذ إلي كل ذي عهد عهده فالجواب أنه يجوز أن يكون هذا لمن نقض العهد على أن الرواية الأولى أولى وأكثر وأشبه والله أعلم
وقد حدثنا عليل بن أحمد قال حدثنا محمد بن هشام قال حدثنا عاصم بن سليمان عن جويبر عن الضحاك عن ابن عباس قال لم يعاهد رسول الله بعد هذا أحدا وقال السدي لم يعاهد رسول الله بعد هذا إلا من كان له عهد قبل
قال أبو جعفر هذا وإن كان قد روى فالصحيح غيره وقد عاهد النبي بعد الآن جماعة منهم أهل نجران قال الواقدي عاهدهم وكتب لهم سثة عشر قبل وفاته بيسير
وقد اعترض قوم من أهل الأهواء فقالوا قد أجلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه أهل نجران إلى الشام بعد أن أمنهم رسول الله وكتب لهم كتابا أن لا يحشروا وأرادوا بهذا الطعن على عمر رضي الله عنه وهذا جهل ممن قاله أو عناد لأن الأعمش روى عن سالم بن أبي الجعد قال أمن رسول الله أهل نجران وكتب لهم أن لا يحشروا ثم كتب

لهم بذلك أبو بكر الصديق رضي الله عنه بعد رسول الله ثم كتب لهم ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه فكثروا حتى صاروا أربعين ألف مقاتل فكره عمرأن يميلوا على المسلمين فيفرقوا بينهم وقالوا لعمر رضي الله عنه نريد أن نتفرق ونخرج إلى الشام فاغتنم ذلك منهم وقال نعم ثم ندموا فلم يقلهم
فلما ولي علي بن أبي طالب رضي الله عنه أتوه فقالوا كتابك بيمينك وشفاعتك بلسانك فقال إن عمر رضي الله عنه كان رشيدا
وفي غير رواية سالم فقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه اني ما قعدت هذا المقعد لأحل عقدا عقده عمر رضي الله عنه إن عمر كان رجلا موفقا

وقريء على عمران بن موسى يعرف بابن الطبيب عن أبي يعقوب إسحاق بن ابراهيم بن يزيد بن ميمون قال حدثنا أبو دارد الحفري قال حدثنا سفيان الثوري عن الأعمش عن أبي وائل قال عبد الله بن مسعود لو وضع علم عمر رضي الله عنه في كفة ووضع علم أحياء العرب في كفة لرجح علم عمر ولقد كنا نقول ذهب عمر بتسعة أعشار العلم
وقرىء على عمران بن موسى عن أبي إسحاق قال حدثنا الهيثم بن جميل قال حدثنا عيسىبن يونس عن عمر بن سعيد بن أبي حسين عن عبدالله بن أبي مليكة عن ابن عباس قال كنت فيمن يزدحم على عمر رضي الله عنه حين وضع على سريره فجاء

رجل من خلفي فوضع يده على منكبي فترحم وقال ما من أحد لقي الله في عز و جل بعلمه أحب الى من هذا أن كنت أظن ليجمعنه الله عز و جل مع صاحبيه كنت أسمع رسول الله يقول كنت أنا وأبو بكروعمر وقلت أنا وأبو بكر وعمر وكنت أظن ليجمعنك الله معهما فالتفت فإذا هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه
فهذا قول علي بن أبي طالب بالأسانيد الصحاح فلا مطعن لمن طعن على شيء بغيره من ينتحل محبته
وقد قرىء على أحمد بن شعيب عن عمرو بن منصور قال حدثنا عبد الله بن مسلمة قال حدثنا نافع عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه و سلم قال إن الله عز و جل جعل الحق على لسان عمر و وقلبه
والروايات بمثل هذا كثيرة ولم نقصد جمعها وإنما قصدنا بعضها لأن منه كفاية وبيانا عما أردناه
وقد اختلف العلماء في الآية الثانية من هذه السورة

باب ذكر الاية الثانية من هذه السورة
قال الله عز و جل فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم الآية للعلماء في هذه الآية ثلاثة أقوال فمنهم من قال هي منسوخة وقال لا يحل قتل أسير صبرا وإنما يمن عليه أو يفادى وقالوا الناسخ لها قوله عز و جل فأما منا بعد وإما فداء
فممن قال هذا الحسن رواه عنه أشعث أنه كان يكره قتل الأسير صبرا قال فأما منا بعد وإما فداء وهذا قول الضحاك والسدى قالا نسخ فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم قوله عز و جل فأما منا بعد وإما فداء وهذا قول عطاء كما قرىء على أحمد بن محمد بن الحجاج عن يحيى بن سليمان قال حدثني ابن وهب قال أخبرني ابن جريج عن عطاء في قوله عز و جل فأما منا بعد وإما فداء قال هذا في الأساري إما المن وإما الفداء وكان ينكر القتل صبرا

قال أبو جعفر فهذا قول ومن العلماء من قال لا يجوز في الأسارى من المشركين إلا القتل ولا يجوز أن يؤخذ منهم فداء ولا يمن عليهم وجعلوا قوله عز و جل فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ناسخا لقوله فأما منا بعد وإما فداء
هذا قول قتادة ومروي عن مجاهد كما قرىء على أحمد بن محمد بن الحجاج عن يحيى بن سليمان قال حدثنا عبدالله بن ادريس قال سمعت ليثا يحدث عن مجاهد قال نسخت هذه الآية فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم قوله عز و جل فإما منا بعد وإما فداء فإما السيف والقتل وإما الإسلام
والقول الثالث أن الآيتين جميعا محكمتان وهو قول ابن زيد وهو صحيح جيد بين لأن إحداهما لا تنفي الأخرى قال الله عز و جل فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم أي خذوهم أسرى للقتل أو المن أو الفداء فيكون الإمام ينظر في أمور الأسارى على ما فيه الصلاح من القتل أو المن أو الفداء
وقد فعل هذا كله رسول الله في حروبه فقتل عقبة بن أبي معيط

والنضر بن الحارث أسيرين يوم بدر ومن على قوم وفادي بقوم
وحدثنا أحمد بن شعيب قال أخبرنا قتيبة قال حدثنا مالك بن أنس عن ابن شهاب عن أنس أن رسول الله دخل مكة وعليه المغفر فقيل له ان بن خطل متعلق بأستار الكعبة فقال اقتلوه قال أبو جعفر وهذا في أعداد الأسارى وقد أمر النبي بقتله
وحدثنا أحمد بن محمد الأزدي قال حدثنا فهد بن سليمان قال حدثنا يوسف بن بهلول قال حدثنا عبدالله بن عبدالله بن عتبة عن ابن عباس بن عبد المطلب حمل أبا سفيان على عجز بغلته في الليلة التي كان صبيحتها ما كان من دخول رسول الله مكة قال العباس فكنت إذا مررت بنارالمسلمين قالوا من هذا فإذا نظروا قالوا عم رسول الله حتى مررت

بنار عمر بن الخطاب فقال من هذا وقام إلي ورآه في عجز البغلة فقال أبو سفيان عدو الله قد أمكن الله منك ومر يشتد إلى رسول الله فركضت البغلة فسبقت كما تسبق الدابة الرجل البطيء ثم اقتحمت فدخلت على رسول الله ثم جاء عمر فدخل فقال يا رسول الله صلى الله عليك هذا أبو سفيان قد أمكن الله منه بلا عهد ولا ميثاق فدعني فأضرب عنقه فقلت يا رسول الله اني قد أمنته
قال أبو جعفر فهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه أراد قتل أبي سفيان وهوأسير فلم يقل له رسول الله لا يجوز قتل الأسير ولا أنكرعليه ما قاله من همه بقتله
ففي هذا بيان أن الآية محكمة
وقد أدخلت الآية الثالثة في الناسخ والمنسوخ

ذكر الآية باب الثالثة من هذه السورة
قال الله عز و جل إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا فكانت هذه الآية ناسخة لما كان رسول الله صالح عليه المشركين أن لا يمنع من البيت أحد وقد قال الله عز و جل ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه ومعنى فلا يقربوا المسجد الحرام من دخوله فإنهم إذا دخلوه فقد قربوه والمسجد الحرام الحرم كله كما حدثنا أحمد بن محمد الأزدي قال حدثنا عبد الملك ابن مروان الرقي قال حدثنا حجاج بن محمد عن ابن جريج عن عطاء قال قوله عزوجل فلا يقربوا المسجد الحرام يريدالحرم كله قال أبو جعفر بعد عامهم هذا يعني سنة تسع وإن خفتم عيلة قال ابن عباس قالوا إذا لم يحج الكفار خفنا الفقر إذا قل من نبايعه
واختلف العلماء في حكم هذه الأية وفي دخول المشركين الحرم وسائر المساجد فقال عمر بن عبد العزيز ومالك بن أنس يمنع المشركرن كلهم

من أهل الكتاب وغيرهم من دخول الحرم ومن دخول كل المساجد
وهو قول قتادة قال لأنهم نجس قال وقيل لهم نجس لأنهم لا يستحمون من جنابة وكذا لا يدخل المسجد جنب فهذا قول
وقال الشافعي رحمه الله يمنع المشركون جميعا من دخول الحرم ولا يمنعون من دخول سائر المساجد
وقال أبو حنيفة ويعقوب ومحمد وزفر لا يمنع اليهود ولا النصارى من دخول المسجد الحرام ولا من سائر المساجد لأن المشركين هم أهل الأوثان فجعلوا قول الله إنما المشركون نجس مخصوصا به من لا كتاب له

قال أبو جعفر وهذا القول في كتاب الله نصا ما يدل على خلافه قال الله عز و جل قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الأخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله إلى قوله تعالى اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلاها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون
فهذا شيء قاطع وإن أشكل على أحد أنهم لم يجعلوا لله عز وجك شريكا فكيف يقال لهم المشركون
قيل له لهذا نظائر من أصول الدين يعرفها أهل اللغة وتحتاج الناس جميعا الى معرفتها وهي الأسماء الديانية وذلك أنه يقال آمن بكذا إذا صدق ثم قيل مؤمن لمن صدق بمحمد وهو اسم دياني وكذا منافق اسم وقع بعد الإسلام وكذا لكل ما أسكر كثيره خمر اسم إسلامي كما صح عن رسول الله كل مسكر خمر وكذا كل من كفر بمحمد مشرك وفي هذا قول آخر كان أبو اسحاق الزجاج يخرجه على أصول الاشتقاق المعروفة قال لما كان محمد رسول الله قد جاء من البراهين من عند الله عزوجل وكان من كفر به قد نسب ما لا يكون إلا من عند الله إلى غيرالله عزوجل كان مشركا
وقد أدخلت الآية الرابعة في الناسخ والمنسوخ

باب ذكر الاية الرابعة من هذه السورة
قال الله عز و جل قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر الآية
فمن العلماء من يقول هذه الآية ناسخة للعفو عن المشركين لأنه كان قتالهم ممنوعا منه فنسخ الله عزوجل ذلك
كما حدثنا بكر بن سهل قال حدثنا عبدالله بن صالح قال حدثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال وقوله عز و جل قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر فنسخ بهذا بالعفو عن المشركين
وقيل هذا ناسخ لقوله عزرجل فاقتلوا المشركين
وقيل بل هو تبيين لما قال الله جل وعز فاقتلوا المشركين وأمر في أهل الكتاب بأخذ الجزية علم أنه يراد بالمشركين غيرأهل الكتاب
وقيل لما قال الله تعالى فاقتلوا المشركين وجب قتل كل مشرك إلا من نص الله عليه من أهل الكتاب ومن قامت بترك قتله الحجة من النساء والصبيان ومن قامت يأخذ الجزية منه الحجة وهم المجوس وقائل هذا يقول بقتل الرهبان إذا لم يؤدوا الجزية لقول الله عز و جل فاقتلوا المشركين ولم تقم الحجة بتركهم إلا بعد أداء الجزية بالآية الأخرى

ومن الفقهاء من يقول لا يقتل الرهبان إلا لم يؤدوا الجزية لأن في نص القرآن ما يدل على ذلك يعرفه أهل اللسان الذين نزل القرآن بلغنهم قال الله عز و جل قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الأخر وقاتلوا في اللغه لا تكون الا من اثنين فخرج من هذا الرهبان والنساء والصبيان لأنه ليست سبيلهم أن يقاتلوا ومعنى لا يؤمنون بالله لا يؤمنون بأنه لا معبود إلا الله
قال سيبويه الأصل إله وقال الفراء الأصل الإله ثم ألقيت حركة الهمزة على ابلام ثم ادغم فالتقدير قاتلوا الذين لا يؤمنون بالإله الذى لا تصلح الألوهة إلا له لأنه ابتدع الأشياء ولا باليوم الآخر لأنهم لا يقرون بنعيم أهل الجنة ولا بالنار لمن أعدها الله له حتى يعطوا الجزية وهي فعلة من جزى فلان فلانا يجزيه إذا قضاه أي لايؤدون ما عليهم مما يحفظ رقابهم ويذلون به عن يد
وقد تكلم العلماء في معناه فما حفظ فيه عن صحابي أن معنى عن يد أن يؤديها وهو قائم والأخذ منه قاعد هذا عن المغيرة بن شعبة

وهوقول عكرمة
وقيل عن يد عن إنعام عليهم وقيل عن يد أي يؤديها بيده ولايوجه بها مع رسول
قال أبو جعفر ومعنى عن يد في كلام العرب وهو ذليل يقال أدى ذلك عن يده وعن يد وحكى سيبويه بايعته يدا بيد وهم ضاغرون قال عكرمة إعطاؤه إياها صغا 4 ر له وقال غيره وأحكام المسلمين جارية عليهم
وقد أدخلت الآية الخامسة في الناسخ والمنسوخ

باب ذكر الآية الخامسة من هذه السورة
قال الله عزوجل إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما
حدثنا عليل بن أحمد قال حدثنا محمد بن هشام قال حدثنا عاصم بن سليمان عن جويبر عن الضحاك عن ابن عباس إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما قال نسختها وما كان المؤمنون لينفروا كافة الآية وكذا قال الحسن وعكرمة وقال

غيرهم الآيتان محكمتان لأن قوله عز و جل إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما معناه إذا احتيج إليكم وإذا استنفرتم فهذا مما لا ينسخ لأنه خبر ووعيد وقوله جل وعز وما كان المؤمنون لينفروا كافة محكمة لأنه لا بد من أن يبقى بعض المؤمنين لئلا يخلوا دار الإسلام من المؤمنين فيلحقهم مكيدة
وهذا قول جماعة من الصحابة ومن التابعين
وقد أدخلت الآية السادسة في الناسخ والمنسوخ

باب ذكر الاية السادسة من هذه السورة
قال أبو جعفر حدثنا عليل بن أحمد قال حدثنا محمد بن هشام قال حدثنا عاصم بن سليمان عن جوبير عن الضحاك عن ابن عباس عفا الله عنك لم أذنت لهم حتى بتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين لا يستئذنك الذين يؤمنون بالله واليوم الأخر أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم والله عليم بالمتقين إنما يستئذنك الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر وارتابت قلوبهم فهم في ريبهم يترددون نسخ هذه الآيات الثلاث فإذا استئذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم
وقال الحسن وعكرمة لا يستئذنك الذين يؤمنون بالله واليوم الأخر نسخت الآية التي في سورة النور فإذا استئذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم
قال أبو جعفر وحدثني جعفربن مجاشع قال حدثنا إبراهيم بن اسحاق قال حدثنا عبيدالله قال حدثنا يزيد عن سعيد عن قتادة لا يستئذنك الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم ثم نزل في النور فأذن لمن شئت منهم

ومن العلماء من يقول هذه الأيات كلها محكمات
كما حدثنا بكر بن سهل قال حدثنا عبدالله بن صالح قال حدثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال وقوله عز و جل إنما يسئذنك الذين لا يؤمنون بالله واليوم الاخر فهذا تعبير للمنافقين حين استأذنوا في القعود عن الجهاد بغير عذر وعذر الله عز و جل المؤمنين فقال فإذا أستئذنوك لبغض شأنهم فأذن لمن شئت منهم
قال أبو جعفر وهذا من أحسن ما قيل في الآ 2 يات لأن قوله تعالى إنما يستئذنك الذين لايؤمنون بالله واليوم الاخر صفات المنافقين لأنهم لا يؤمنون بوحدانية الله عز و جل ولا بعقابه أهل معصيته ولا بثوابه أهل طاعته ثم قال جل وعز وأرتابت قلوبهم أي شككوا لأنهم على غير بصيرة من دينهم فهم في ريبهم يترددون متحيرين لا يعملون على حقيقة
وقد أدخلت الآية السابعة في الناسخ والمنسوخ

باب ذكر الآية السابعة من هذه السورة قال الله جل وعز إنما الصدقات للفقراء والمساكين
أدخلت في الناسخ والمنسوخ لأنها نسخت كل صدقة من القرآن كما حدثنا جعفر بن مجاشع قال حدثنا ابراهيم بن اسحاق الحربي قال حدثنا علي بن مسلم قال حدثنا عبيدالله عن سفيان عن جابر عن عكرمة إنما الصدقات للفقراء والمسكين قال نسخت هذه كل صدقة في القرآن
قال أبو جعفر من هذه الآية الناسخة ما هو مختلف فيه وما هو مجمع عليه فمما اختلف فيه منها الفرق بين الفقراء والمساكين اختلف في ذلك أهل التأويل والفقهاء وأهل اللغة وأهل النظر فقالوا في ذلك أحد عشر قولا
فحدثنا أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة قال حدثنا عبدالرزاق قال أخبرنا معمر عن قتادة إنما الصدقات للفقراء

والمساكين قال الفقراء الذين بهم زمانة والمساكين الأصحاء المحتاجون فهذا قول في الفرق بين الفقير والمسكين
وقال الضحاك الفقراء فقراء المهاجرين والمساكين من لم يهاجر
قال عكرمة الفقراء من اليهود والنصارى والمساكين من المسلمين
وقال عبيد الله بن الحسن المساكين الذين عليهم الذلة والخضوع والفقراء الذين يتجملون ويأخذون في السر وقال محمد بن مسلمة المسكين الذي لا شيء له والفقير الذي له المسكن والحادم فهذه

خمسة أقوال
وعن جماعة من الفقهاء قال المسكين الذي له شيء والفقير الذي لاشيء له
قال الشافعي رحمه الله الفقير والله أعلم من لا مال له ولا حرفة تقع منه موقعا زمنا كان أو غير زمن سائلا كان أو متعففا والمسكين من له مال أو حرفة لا تقع منه موقعا ولا تغنيه سائلا كان أو غير سائل فهذه ستة أقوال
وقال أبو ثور الفقير الذي له شيء والمسكين الذي لا يصيب من كسبه ما يقوته
وقال أهل اللغة منهم يعقوب بن إسحاق في جماعة معه المسكين الذي لا شيء له والفقير الذي له شيء لا يكفيه قال يونس قلت لأعرابي أفقير أنت فقال لا بل مسكين وأنشد أهل اللغة ... أما الفقير الذي كانت حلوبته ... وفق العيال فلم يترك له سبد

ومن أجل ما روى فيه ما رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس قال المساكين الطوافون والفقراء فقراء المسلمين
واكثر أهل التأويل على هذا القول قال مجاهد والحسن والزهري وجابر بن زيد وعكرمة والضحاك في اختلاف عنهما المسكين السائل والفقير الذي لا يسأل فهذه تسعة أقوال
ومن أهل النظر من يقول الفقير هو الفقير إلى الشيء وان كان يملك مالا فقد يكون غائبا عنه ويكون فقيرا الى أخذ الصدقه والمسكين الذي عليه الخضوع والذلة
والقول الحادي عشر أن الفقير هو الذي يعطى بفقره فقط والمسكين الذي يكون عليه مع فقره خضوع وذلة السؤال
وكان محمد بن جرير يذهب إلى هذا القول وان كان لم يذكر كثيرا مما ذكرناه وهو قول حسن وهو مستخرج من قول ابن عباس والجماعة الذين ذكرناهم معه لأن المسكين مشتق من المسكنة وهي الخضوع والذلة قال الله عز و جل وضربت عليهم الذلة

والمسكنة
قال أبو جعفر فهذه الأقوال وإن كثرت فإذا جمعت بعضها إلى بعض ونظرت فيها قرب بعضها من بعض
وذلك أن قول من قال المسكين كذا والفقير كذا لم يقل إنه لا يقال لغيره مسكين ولافقير
وقد الشافعي رحمه الله فيما روى عنه إذا وصى رجل بشيء للفقراء جاز ان يدفع إلى المساكين واذا اوصى بشيء للمساكين جاز أن يدفع للفقراء واذا أوصى للفقراء والمساكين لم يجز أن يدفع الى أحدهما
قال أبو جعفر فلما اجتمعت هذه الأقوال وقد قلنا إن بعضها يقرب من بعض وجب أن ترجع إلى ما هو أجمعها وهو أن المسكين هر الذي يسأل الناس والفقير الذي لا يسأل الناس ولا سيما وهذا قول ابن عباس ولا يعرف له مخالف من الصحابة فيه ثم تابعه على ذلك أهل التأويل الذين يرجع إلى قولهم في تفسير كتاب الله تعالى وأيضا فإن الأسماء إنما يرجع فيها إلى التعارف والتعارف بين الناس اذا قيل ادفع لا هذا الى المساكين أنهم الذين يسألون واذا قيل ادفع هذا إلى الفقراء فهم الذين لا يسألون وقد دل على هذا كتاب الله عز و جل قال تعالى لا يسئلون الناس إلحافا
قال أبو جعفر وسمعت علي بن سليمان يقول محتجا لأهل اللغة

بأنهم أعلم بالأسماء وبموضوعاتها وقد أجمعوا أن المسكين الذي لا شيء له قال وهو مشتق من السكون والسكون ذهاب الحركة حتى لا يبقى منها شيء وهذه صفة من لايملك شيئا
قال والدليل على أن الفقير هو الذي يملك شيئا أنه مشتق من قولهم فقرته أي كسرت فقاره فهذا قد بقي له شيء
فأما قول الله عز و جل فكانت لمساكين يعملون فى البحر فإذا صح أن المسكين هو الذي لا شيء له فالكلام على هذا سهل لأنه يجوز أن تنسب إليهم لأنهم كانوا يعملون فيها كما يقال قصدت فلانا في داره وإن كان مكتريا لها وكما يقال سرج الدابة
وقد يجوز أن تكون نسبوا إلى المسكنة وهي الخضوع كما قال النبي يا مسكينة عليك السكينة وقال صلى الله عليه و سلم مسكين مسكين من لا امرأة له ومسكينة مسكينة من لا زوج لها

فإن قيل فما معنى حديث أبي هريرة كما حدثنا بكر بن سهل قال حدثنا عبد الله بن يوسف قال حدثنا مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله قال ليس المسكين الذي ترده اللقمة واللقمتان والتمرة والتمرتان قالوا يا رسول الله فمن المسكين قال الذي لايجد غنى يغنيه ولايفطن له فيعطى ولايقوم فيسأل الناس
فقيل معنى هذا أن الذي يسأل يجيئه الشيء بعد الشيء وقيل المعنى ليس المسكين الذي هو في نهاية المسكنة
على أن هذا الحديث يدل على القول الذي اخترناه من أن المسكين السائل ويكون المعنى ليس المسكين الذي تعدونه فيكم مسكينا هذا كما قال صلى الله عليه و سلم ليس الغني عن كثرة العرض إنما الغنى غنى النفس ولهذا نظائر منها قول رسول الله صلى الله عليه و سلم إنما المحروب من حرب

دينه أي المحروب على الحقيقة هو هذا وقال صلى الله عليه و سلم ما تعدون الرقوب فيكم قالوا الذي لا يعيش له ولد قال بل الرقوب الذي لم يمت له ولد أي هذا الذي لم يمت له ولد هو أولى بهذا الاسم أي أولى بأن يكون قد لحقته المصيبة
واختلفوا من هذه الآية في قسم الزكاة فمنهم من قال في أي صنف قسمتها من هذه الأصناف الثمانية أجزى عنك ومنهم من قال بل تقسم في الأصناف الثمانية كما سماها الله عز و جل ومنهم من قال تقسم على سته يسقط منها سهم المؤلفة قلوبهم لأنهم إنما كانوا في وقت النبي صلى الله عليه و سلم وسهم العاملين إذا فرق الإنسان زكاته
قال أبو جعفر والقول الأول يروى عن ثلاثة من الصحابة عمر رضي الله عنه وحذيفة وابن عباس أن الصدقات جائز أن تدفع الى بعض هذه الأصناف دون بعض

ولا يعرف عن أحد من الصحابة خلاف لهذا وهو مع ذلك قول سعيد بن جبير وعطاء وإبراهيم وأبو العالية وميمون بن مهران ومالك بن أنس رحمه الله وأبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد
والقول بأنها تقسم فيمن سمى الله عز و جل قول الشافعي رحمه الله وحجته ظاهر الآية وأن ذلك بمنزلة الوصية إذا وصى رجل لجماعة لم يخرج منهم أحد
وحجة من ذكرنا غيره أن هذا مخالف للوصية لأن الوصية لا يجوز أن تقسم إلا فيمن سميت له فإن فقد بعضهم لم يرجع سهمه إلى من بقي وقد

أجمع الجميع على أنه إذا فقد من ذكر في الآية رجع سهمه إلى من بقي وأيضا وفاته فإنه لا يجوز ولا توصل إلى أن يعم كل من ذكر في الآية لأن الفقراء والمساكين لا يحاط بهم
واحتجوا بحديث النبي صلى الله عليه و سلم حين قال لسلمة بن صخر حين وطىء في شهر رمضان نهارا أطعم ستين مسكينا فقال ما بتنا ليلتنا إلا وحشاء لا نصل الى شيء فقال امض إلى بني زريق فخذ صدقتهم فتصدق بوسق على ستين مسكينا وكل أنت وعيالك ما بقي فأعطاه النبي صلى الله عليه و سلم صدقة هذه القبيلة ولم يقسمها على ثمانية فلما احتمل قوله جل وعز إنما الصدقات للفقراء والمساكين الآية أن يقسم على هذا واحتمل أن يكون المعنى يقسم في هذا الجنس ولايخرج عنهم ثم جاء عن ثلاثة من الصحابة أحد المعنيين كان أولى مع حجة من ذكرناه
وأما والعاملين عليها فقال الزهري هم السعاة قال الحسن يعطون بمقدار عملهم وقال مجاهد والضحاك لهم الثمن

وأما المؤلفة قلوبهم فهم عند الشافعي على ضربين أحدهما أنهم قوم أسلموا ولم يكن إسلامهم قويا فللإمام أن يستميلهم ويعطيهم من الصدقات وإن كانوا أغنياء
وأما وفى الرقاب فأكثر العلماء على أنهم المكاتبون وهو قول أبي موسى الأشعري والحسن وا بن زيد والشافعي
ومن العلماء من يقول يجوز أن يعتق من الزكاة لعموم الآية وهو قول مالك رحمه الله
وأمآ والغرمين فهم على ضربين عند الشافعي أحدهما أن يدان الرجل في مصلحة نفسه من غير معصية فيقضى دينه والاخر أن يدان الرجل في حمالات وفي معروف وفي ما فيه صلاح للمسلمين فيقضى دينه

وأما وفي سببل الله فأكثر الفقهاء تقول للغزاة ومنهم من يجيز أن يعطى في الحج وهو قول الكوفيين
واما وابن السبيل فهو المنقطع به الذي ليس ببلده يعطى ما يتحمل به وإن كان له في بلده مال ولا قضاء عليه
في هذه والاية أيضا ما قد اختلفوا فيه وهو من سبيله أن يعطي من الزكاة فمن ذلك ما حدثناه الحسن بن غليب قال حدثنا مهدى بن جعفر قال حدثنا زيد بن أبي الزرقاء عن سفيان الثوري قال إذا كان لرجل خمسون درهما فلا يدفع اليه من الزكاة شيء ولا يدفع إلى أحد أكثر من خمسين درهما
قال أبو جعفر وهذا القول يروى عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وابن مسعود وهو قول الحسن بن صالح وعبدالله بن المبارك وعبيدالله بن الحسن وأحمد بن محمد بن حنبل واسحاق بن راهويه وأكثر أصحاب الحديث لأن فيه حديثا عن النبي

كما قرىء على أحمد بن شعيب عن أحمد بن سليمان قال حدثنا يحيى بن آدم قال حدثنا سفيان الثوري عن حكيم بن جبير عن محمد بن عبدالرحمن بن يزيد عن أبيه عن عبدالله بن مسعود قال قال رسول الله من سأل وله مايغنيه جاءت يعنى مسألته يوم القيامة في وجهه خموشا أو كدوحا قالوا يا رسول الله وماذا يغنيه أو ماذا غناه قال خمسون درهما أو حسابها من الذهب
قال يحيى بن ادم قال سفيان وحدثنا زيد عن محمدبن بن عبد الرحمن بن يزيد قال أبو عبد الرحمن حكيم بن جبير ضعفيف في الحديث وإنما ذكرناه لقول سفيان حدثنا زبيد فهذا قول
وقال قوم لا يحل لمن يملك أربعين درهما أن يأخذ من الزكاه شيئا واحتجوا بحديث عطاء بن يسار عن رجل من بي أسد سمع

النبي صلى الله عليه و سلم يقول من سأل وله أربعون درهما قد سأل إلحافا
وهذا قول الحسن لا يحل لمن معه أربعون درهما أن يأخذ من الزكاه شيئا وهو قول أبي عبيد القاسم بن سلام قال وهذان الحديثان أصلان فيمن يحل له أخذ الزكاة
وقد روى مالك بن أنس القول بهذا الحديث غير أن الصحيح عنه أنه لم يجد في ذلك حدا وقال على مقدار الحاجة
ومذهب الشافعي قريب من هذا إنه قد يكون للرجل الجملة من الدنانير والدراهم وعليه عيال وهو محتاج إلى أكثر منها فلة أن يأخذ من الزكاة

ومن الفقهاء من يقول من كانت معه عشرون دينارا ومائتا درهم لم يحل له أن يأخذ من الزكاة شيئا وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد
وحجتهم قول النبي صلى الله عليه و سلم لمعاذ عرفهم أن عليهم صدقة تؤخذ من اغنيائهم وتجعل في فقرائهم فقد صار من تجب عليه الزكاة غنيا من المال على لسان رسول الله صلى الله عليه و سلم
وفي الحديث الذي ذكرنا فيه الخموش تفسير ما فيه من الغريب وغيره والخموش الخدوش واحدها خمش وقد خمش وجهه يخمشه ويخمشه خمشا وخموشا 4 والكدوح الآثار من الخدش والعض ومنه حمار مكدح أي معضض
وقال أبو عبدالرحمن لم يقل أحد عن سفيان حدثنا زبيد الا يحيى بن آدم
وقال غيره لما قال سفيان حدثنا زبيد عن محمد بن عبدالرحمن لم يصل الحديث
فقال من يرد عليه لم يحتج أن تصله لأنه قد ذكره بدئيا وقد عمز يحيى بن معين على يحيى بن آدم فقال قرأت على وكيع حديث يحيى بن آدم عن سفيان فقال ليس هذا يورينا الذي نعرفه

فأما غير يحيى بن معين فمقدم كيحيى بن آدم حتى قال سفيان بن عيينة بلغني أنه يخرج في كل مائة سنة بعد موت رسول الله صلى الله عليه و سلم رجل من العلماء يقوي الله به الدين وإن يحيى بن آدم عندي منهم
واختلفوا في الآية الثامنة فقالوا فيها قولين

باب ذكر الاية الثامنة من هذه السورة
قال الله عز و جل إستغفر لهم أولا تستغفر لهم الآية
من العلماء من قال هي منسوخة بقوله جل وعز ولا تصل على أحد منهم مات أبدا الآبة وفي رواية جويبر عن الضحاك عن ابن عباس استغفر لهم أولا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم فقال لأزيدن على السبعين فنسخها سواء عليهم أستغفرت لهم ام تستغفر لهم لن يغفر الله لهم إن اللة لا يهدى القوم الفاسقين
من العلماء من قال ليست بمنسوخة وإنما هذا على التهديد لهم أي لواستغفر لكم رسول الله ما غفر لكم
وقال قائل هذا القول لا يجوز أن يستغفر رسول الله صلى الله عليه و سلم المنافق لأن المنافق كافر بنص كتاب الله عز و جل قال الله جل ثناؤه اذا جاءك المنافقون إلى قوله ذلك بأنهم امنوا ثم كفروا
وقال من احتج بأنها منسوخة الآثار تدل على ذلك كما روى الزهري عن عبيدالله بن عبدالله بن عتبة عن ابن عباس عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ولا تصل على احد منهم مات أبدا قال لما مات عبدالله بن أبي سلول أتى ابنه وقومه رسول الله صلى الله عليه و سلم فكلموه أن يصلي عليه ويقوم على قبره فجاءرسول الله صلى الله عليه و سلم يصلي عليه قال عمر رضي الله عنه فقمت بينه وبين الجنازة فقلت يا رسول الله أتصلي عليه وهو الفاعل كذا وكذا يوم كذا وكذا وهو الراجع بثلث الناس

يوم أحد وهو القائل كذا وكذا كذا وهو الذي يقول لا تنفقواعلى من عند رسول الله حتى ينفضوا فجعل رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول اخبر عني يا عمر وجعل عمر رضي الله عنه يردد قوله فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم أخر عني يا عمر فلو أني أعلم أني لو استغفرت لهم أكثر من سبعين مرة غفر لهم لاستغفرت لهم وصلى عليه رسول الله صلى الله عليه و سلم ووقف على قبره حتى دفن فما لبثنا إلا ليالي حتى نزلت هذه الآية ولا تصل على احد منهم مات ابدا ولا تقم على قبره انهم كفرروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون لا تعجبك أموالهم وإنما يريد الله أن يعذبهم بها في الدنيا وتزهق انفسمهم وهم كافرون
قال فكان عمر رضي الله عنه يعجب من جرأته على رسول الله صلى الله عليه و سلم في ذلك اليوم وما أنزل الله عزوجل في ذلك من القرآن
قال ابو جعفر فقالوا هذا الحديث إنه صلى الله عليه و سلم صلى عليه بعد كلام عمر اياه وإن كان كلام عمر قد أحمد منه بعد ذلك حتى قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ما بعث الله عز و جل قط نبيا إلا وفي أمته محدث فإن يكن في أمتي فهو عمر فقيل معنى محدث ينطق على لسانه بالحق

وفي حديث عبيدالله بن عمر عن ناقع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لعمر ذلك اليوم إن الله عز و جل لم ينهني عن الصلاة عليهم وانما خيرني
قال أبو جعفر ففي هذا الحديث من التوقيف من رسول الله أن أو ههنا للتخيير أعني من قوله استغفرلهم أو لا تستغفر لهم فإن قيل فكيف يجوز أن يستغفر صلى الله عليه و سلم لمنافق فالجواب عن كذا أن يستغفر له على ظاهره على أنه مسلم وباطنه إلى الله عز و جل
وقد قيل ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ناسخ لفعله لا للآية الأخرى
وقد توهم بعض الناس أن قوله تعالى ولاتصل على أحد منهم ناسخ لقوله عز و جل وصل عليهم إن صلواتك سكن لهم
قال أبو جعفر وهذا غلط عظيم ولهذا كره العلماء أن يجترىء أحد على تفسير كتاب الله عز و جل حتى يكون عالما بأشياء منها الآثار والاختلاف بين أهل الآثار إن قوله عز و جل وصل عليم ليس هم الذين قيل فيهم ولا تصل عل أحد منهم مات أبدا

ويدلك على ذلك أن بعد وصل عليهم الم يعلموا ان الله هو يقبل التوبة عن عباده فكيف لا يصلي على من تاب
وأهل التأويل يقولون نزلت وصل عليهم في أبي لبابه وجماعة معه ربطوا أنفسهم في السواري لأنهم تخلفوا عن غزوة تبوك الى أن تاب الله عليهم
وقد ذكرت الآية التاسعة في الناسخ والمنسوخ

باب ذكر الاية التاسعة من هذه السورة
قال الله عز و جل ما كان لاهل المدينة ومن حولهم من الاعراب أن يتخلفوا عن رسول الله ولا ير غبوا بانفسهم عن نفسه
مذهب ابن زيد انه نسخها وما كان المؤمنون لينفروا كافة ومذهب غيره انه ليس ههنا ناسخ ولا منسوخ وان الآية الأولى توجب إذا نفر النبي صلى الله عليه و سلم او احتيج الى المسلمين فاستنفروا لم يسع احدا التخلف وإذا بعث النبي صلى الله عليه و سلم سرية تخلفت طائفة وهذا مذهب ابن عباس

والضحاك وقتاده

بسم الله الرحمن الرحيم
سورة يونس صلى الله عليه و سلم
قال أبو جعفر حدثنا يموت بن المزرع قال حدثنا أبو حاتم قال حدثنا أبو عبيدة قال حدثنا يونس عن أبي عمرو عن مجاهد عن ابن عباس قال نزلت سورة يونس بمكة فهي مكية
قال أبو جعفر لم نجد فيها مما يدخل في هذا الكتاب إلا موضعا واحدا قال الله عز و جل واصبر حتى يحكم الله وهو خير الحالكمين أي اصبر على أذاهم ومكرهم حتى يقضي الله عز و جل وهو خير القاضين وأعدل الفاصلين
فمذهب ابن زيد أنها منسوخة وانما نسخ منها الصبر عليهم قال أنزل الله عز و جل بعد هذا الأمر بالجهاد والغلظة عليهم

بسم الله الرحمن الرحيم
سورة هود
قال أبو جعفر حدثنا يموت بن المزرع بإسناده عن ابن عباس قال نزلت سورة هود بمكة فهي مكية
قال أبو جعفر لم نجد فيها مما يدخل في هذا الكتاب إلا اية واحدة من رواية جويبر عن الضحاك عن ابن عباس قال قوله عز و جل من كان يريد الحيوة الدنيا وزينتها أي ثواب الحياة الدنيا قال وزينتها مالها نوف إليهم أعمالهم فيها قال يوفي لهم ثواب أعمالهم بالصحة والسرور في الأهل والمال والولد وهم فيها يبخسون قال لا ينقصون ثم نسختها من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد
قال أبو جعفر محال أن يكون ههنا نسخ لأنه خبر والنسخ في الأخبار محال لو جاز النسخ فيها ما عرف حق من باطل ولا صدق من كذب ولبطلت المعاني ولجاز لرجل أن يقول لقيت فلانا ثم يقول نسخته مالقيته

بسم الله الرحمن الرحيم
سورة يوسف
قال أبو جعفر حدثنا يموت بن المزرع بإسناده عن ابن عباس قال نزلت سورة يوسف عليه السلام بمكة فهي مكية
قال أبو جعفر رأيت بعض المتأخرين قد ذكر أن فيها آية منسوخة وهي قوله تعالى إخبارا عن يوسف عليه السلام توفني مسلما وألحقني بالصالحين قال نسخه قول النبي صلى الله عليه و سلم لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به
قال أبو جعفر وهذا قول لا معنى له ولولا أنا أردنا أن يكون كتابنا متقصيا لما ذكرناه لأنه ليس معنى توفني مسلما توفني الساعة وهذا بين جدا لا إشكال فيه ولو صح أن قول يوسف صلى الله عليه و سلم توفني مسلما أنه يريد في ذلك الوقت لما كان منسوخا لأن النبي صلى الله عليه و سلم إنما قال لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به فإذا تمناه إنسان لغير ضر فليس بمخالف النبي صلى الله عليه و سلم وقد يجوزأن يتمنى الموت من له عمل صالح متخلصا به

من الكبائر فهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما استقامت أموره وفتح الله على يديه الفتوح وأسلم ببركته من لا يحصى عدده تمنى الموت فقال اللهم كبرت سني ورق عظمي وانتشرت رعيتي فاقبضني إليك غير مفرط ولا مضيع
وعن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه و سلم من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه فظاهر هذا الحديث أن السليم من الذنوب محب للقاء الله في كل الأحوال وقد قيل هذا عند الموت

بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الرعد
قال أبو جعفر حدثنا يموت بإسناده عن ابن عباس قال سورة الرعد نزلت بمكة فهي مكية وروى حميد عن مجاهد قال سورة الرعد مكية ليس فيها ناسخ ولا منسوخ وروى سعيد عن قتادة قال سورة الرعد مدنية إلا آية واحدة قوله ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعه الآية
والقول الأول أولى لأنه المتعارف كما حدثنا أحمد بن محمد الأزدي قال حدثنا أحمد بن داود قال حدثنا مسدد قال حدثنا

أبو عوانة عن أبي بشر قال قلت لسعيد بن جبير ومن عنده و علم الكتاب أهو عبدالله بن سلام قال كيف يكون عبدالله بن سلام والسورة مكية قال وكان سعيد بن جبير يقرأ ومن عنده علم الكتاب قال أبو جعفر أنكر هذا سعيد بن أبو جبير لأن السورة مكية وعبدالله بن سلام إنما أسلم بالمدينة

بسم الله الرحمن الرحيم
سورة ابراهيم
قال أبو جعفر حدثنا يموت بإسناده عن ابن عباس قال سورة إبراهيم نزلت بمكة فهي مكية سوى آيتين منها نزلتا بالمدينة وهما قوله عز و جل ألم تر إلى الذين بدلوا نعمت الله كفرا إلى آخر الآيتين نزلتا في قتلى بدر من المشركين وروى سعيد عن قتادة قال سورة إبراهيبم مكية إلأ ايتين منها نزلتا بالمدينة قوله جل وعز ألم تر إلى الذين بدلوا نعمت الله كفرا إلى وبئس القرار
قال أبو جعفر والذي قاله قتادة لا يمتنع قد تكون السورة مكية ثم ينزل الشيء بالمدينة فيأمر رسول الله بجعله فيها ولا يكون هذا لأحد غير رسول الله لما يأتيه من الوحي بذلك إذ كان تأليف القرآن معجزا لا يؤخذ إلا عن الله عز و جل وعن رسوله عليه السلام وعن الجماعة الذين لا يلحقهم الغلط ولا يتواطئون على الباطل

بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الحجر
قال أبو جعفر حدثنا يموت بإسناده عن ابن عباس قال نزلت سورة الحجربمكة فهي مكية
قال أبوجعفر لم نجد فيها مما يدخل في هذا الكتاب إلا حرفين قوله تعالى فاصفح الصفح الجميل الحجر 85 قال سعيد عن قتادة نسخته واقتلوهم حيث ثقفتموهم البقرة والحرف الاخر وأعرض عن المشركين الحجر وروى عن ابن عباس نسخته براءة والأمر بالقتال

بسم الله الرحمن الرحيم
سورة النحل
قال أبو جعفر حدثنا يموت بإسناده عن ابن عباس قال وسورة النحل نزلت بمكة فهي مكية سوى ثلاث آيات من آخرها فإنهن نزلن بين مكة والمدينة في منصرف رسول الله من أحد وذلك أنه قتل حمزة بن عبدالمطلب رضي الله عنه ومثل به المشركون فقال رسول الله لئن أظفرني الله بهم لأمثلن بثلاثين منهم فقال أصحاب رسول الله يا رسول الله لئن أظفرنا الله بهم لنمثلن بهم تمثيلا لم يمثل أحد من العرب فأنزل الله عز و جل بين مكة والمدينة ثلاث آيات وهن قوله وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به النحل 126 128 وما نزل بين مكة والمدينة فهو مدني

قال أبو جعفر في هذه السورة موضعان يصلحان في هذا الكتاب أحدهما قوله ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا النحل 67
قال أبو جعفر حدثنا أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة قال حدثنا عبدالرزاق قال أخبرنا الثوري عن الأسودا بن قيس عن عمرو بن سفيان عن ابن عباس أنه سئل عن هذه الآية ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا النحل 167 قال السكر ما حرم من ثمراتها
قال عبدالرزاق وحدثنا معمر عن قتادة تتخذون منه سكرا قال خمور الأعاجم ونسخت في سورة المائدة قال والرزق الحسن ما ينتبذون ويخللون ويأكلون
قال أبو جعفر والقول في أنها منسوخة يروى عن سعيد بن جبير

ومجاهد والشعبي وإبراهيم النخعي وبأي رزين
قال أبو جعفر الحق في هذا أنه خبر لا يجوز فيه نسخ ولكن يتكلم العلماء بشيء فيتأول عليهم ما هو غلط لأن قول قتادة نسخت يعني الخمر أي نسخت إباحتها والدليل على هذا أن سعيدا روى عن قتادة قال نزلت هذه الآية ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا النحل 67 والخمر يومئذ حلال ثم أنزل الله بعد تحريمها في سورة المائدة
قال أبو جعفر وهذا قول حسن صحيح أخبر الله عز و جل أنهم يفعلون هذا ونزل قبل تحريم الخمر على أن جماعة من أهل العلم والنظر قالوا غير ما تقدم منهم أبو عبيدة قال السكر الطعم وقال غيره السكر ما سد الجوع مشتق من قولهم سكرت النهر أي سددته فتتخذون منه سكرا على هذا ما كان من العجوة والرطب وهو معنى قول أبي عبيدة إذا شرح
والموضع الآخر قوله تعالى وجادلهم بالتى هي أحسن النحل 25 من قال هو منسوخ قال نسخه الأمر بالقتال في

سورة برآءة
ومن قال ليس بمنسوخ قال المجادلة بالتي هي أحسن هي الانتهاء إلى ما أمرالله عزوجل وهذا لا ينسخ

سورة بني اسرائيل
قال أبو جعفر حدثنا يموت بإسناده عن ابن عباس قال نزلت سورة بني إسرائيل بمكة فهي مكية
قال أبو جعفر فيها ثلاث آيات مما يصلح أن يكون في هذا الكتاب
ذكر الآية الأولى منهن قال الله عز و جل إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لها أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا الإسراء 23 24 في هذه ثلاثة أقوال للعلماء قوله وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا هو منسوخ بأن هذا مجمل ولا يجوز لمن كان أبواه مشركين أن يترحم عليهما

ومنهم من قال يجوز هذا إذا كانا حيين فإذا ماتا لم يجز
ومنهم من قال لا يجوز أن يترحم على كافر ولا يستغفر له حيا كان أو ميتا والآية محكمة مستثنى منها الكفار
قال أبو جعفر حدثنا جعفر بن مجاشع قال حدثنا إبراهيم بن إسحاق قال حدثنا عبيدالله قال حدثنا يزيد عن سعيد عن قتادة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا نسخ منه حرف واحد لا يجوز لمسلم أن يستغفر لأبويه إذا كانا مشركين لا يقول رب ارحمهما كما ربياني صغيرا ولكن ليخفض لهما جناح الذل من الرحمة وليقل لهما قولا معروفا قال الله عز و جل ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى التوبة 113 فنسخ هذا وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا الاسراء 24
والقول الثاني قول جماعة من أصحاب الحديث واحتجوا بحديث سعيد بن جبير عن ابن عباس قال لم يزل إبراهيم يستغفر لأبيه حتى مات فلما مات وتبين له أنه عدو الله تبرأ منه واحتجوا بحديث الزهري عن

سهل بن سعد أن رسول الله قال اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون

والقول الثالث يدل على صحته ظاهر القرآن قال الله عز و جل ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى وأيضا فإن النبي صلى الله عليه و سلم لم يزل من أول أمره يدعو إلى الله ويخبر أن الله عز و جل لا يغفر الشرك ومع هذا فيقول صلى الله عليه و سلم في النصارى وهم أهل كتاب لا تبدءوهم بالسلام وإذا لقيتموهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقه
فكيف يستغفر لمن هذه حاله أو يبجل أو يعظم بالدعاء له بالرحمة
وأيضا فإن الشرك أعظم الذنوب وأشدها فكيف يدعى لأهله بالمغفرة
ولم يصح أن الله أباح الاستغفار للمشركين ولا فرضه ولا ينسخ إلا ما أبيح أو فرض
فأما قول الله عز و جل وما كان استغفار ابراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها أياه فقد قيل إن أباه وعده أن يظهر إسلامه فاستغفر له فلما لم يظهر إسلامه ترك الاستغفار له
فإن قيل فما معنى ما كان للنبي والذين ءامنوا أن يستغفروا للمشركين فهل يكون هذا في العربية إلا بعد الاستغفار لهم فقد أجاب عن هذا بعض أهل النظر فقال يجوز أن يكون بعض المسلمين ظن أن هذا جائز فاستغفر لأبويه وهما مشركان فنزل هذا
قال أبو جعفر فهذا لا يحتاج أن يقال فيه يجوز لأن فيه حديثا قد غاب عن هذا المجيب حدثناه أحمد بن محمد الأزدي قال حدثنا يزيد بن

سنان قال حدثنا محمد بن كثير قال حدثنا سفيان الثوري عن أبي إسحاق عن أبي الخليل عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال سمعت رجلا يستغفرلأبويه وهما مشركان فقلت له أتستغفرلأبويك وهما مشركان فقال أليس قد استغفر إبراهيم فذكرت ذلك للنبي فنزلت وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه التوبة 114
قال أبو جعفر وهذا من أحسن ما روي في الآية مع استقامة طريقه وصحة إسناده
على أن الزهري قد روى عن سعيد بن المسيب عن أبيه قال دخل رسول الله على أبي طالب عند موته وعنده أبو جهل وعبدالله بن أبي أمية بن المغيرة فقال يا عم قل لا إله إلا الله كلمة أشهد لك بها يوم القيامة فقال له أبو جهل وعبدالله بن أبي أمية أترغب عن ملة عبدالمطلب فأقبل النبي وهما يعارضانه فكان آخر كلمة قالها على ملة عبدالمطلب وأبى أن يقول لا إله إلا الله فقال رسول الله الأستغفرن لك ما لم أنه عنك فانزل الله عز و جل ما كان للنبي والذين ءامنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى وأنزل في أبي طالب إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء

وحديث مسروق عن عبدالله على غير هذا في نزول الآية قال كنا مع النبي فجلس على قبر بين القبور فبكى حتى ارتفع نحيبه ففزعنا لذلك فلما قام قال له عمر رضي الله عنه مما بكيت يا رسول الله قال له على قبر آمنة بنت وهب استأذنت ربي عز و جل في الاستغفار لها قال فأنزل علي ما كان للنبي والذين ءامنوا أن يستغفروا للمشركين الآية فدخلني ما يدخل الولد لوالديه فبكيت
قال أبو جعفر وليست هذه الأحاديث متناقضة لأنه يجوز أن تكون الآية نزلت بعد هذا كله وليس في شيء من الأحاديث أن النبي صلى الله عليه و سلم استغفر لمشرك

باب ذكر الآية الثالثة من هذه السورة
قال الله عز و جل ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده الإسراء 34
قال أبو جعفر حدثني جعفر بن مجاشع قال حدثنا إبراهيم الحربي قال حدثنا عبيدالله قال حدثنا يزيد عن سعيد عن قتادةا ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن فكانوا من هذا في جهد حتى نزلت وإن تخالطوهم فإخوانكم البقرة 220
قال أبو جعفر قال مجاهد أي لا تقربوا مال اليتيم فتستقرضوا منه إلا بالتي هي أحسن التجارة لهم وقال ربيعة وزيد بن أسلم ومالك الأشد الحلم
قال أبو جعفر وقد قال جماعة من أهل التفسير وبلغ أشده ثلاثا وثلاثين سنة وليس هذا بمتناقض يكون أول الأشد بلوغ الحلم فعلى هذا يصح القولان فقد ذكرنا أمر اليتامى في سورة البقرة باكثر من هذا

باب ذكر الآية الثالثة من هذه السورة
قال الله عز و جل ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا
فيها ثلاثة أقوال
في رواية الضحاك عن ابن عباس نسختها الآية التي في سورة الأعراف واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول الأعراف 205 قال دون العلانية من القراءة بالغدو والأصال قال بالغداة والعشي ولا تكن من الغافلين الأعراف 205 قال عن القراءة في الصلاة
وفي رواية سعيد بن جبير عن ابن عباس كان النبي يجهر بالقرآن فإذا جهر به سب المشركون القرآن ومن جاء به فخفض صوته حتى لا يسمعه أحد فنزلت ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا الإسراء 110 أي أسمعهم القرآن حتى يأخذوه عنك

والقول الثالث أن المعنى في الدعاء وأن الصلاة ههنا الدعاء وهذا قول أبي هريرة وأبي موسى وعائشة رضي الله عنهم كما حدثنا أحمد بن محمد الأزدي قال أخبرنا فهد قال ثنا معلى بن أسد قال حدثنا سلام بن أبي مطيع قال حدثنا هشام بن عروة عن أبيه قال قالت لي خالتي عائشة زوج النبي رضي الله عنها يا بن أختي هل تدري فيما أنزلت هذه الآية ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها قلت لا قالت أنزلت في الدعاء
قال أبو جعفر وهذا من أحسن ما قيل في الآية لأن فيه هذا التوقيف عن عائشة والمعروف في كلام العرب أن الصلاة الدعاء ولا يقال للقراءة صلاة إلا على مجاز وأيضا فإن العلماء مجمعون على كراهية رفع الصوت بالدعآء وقد قال الله عز و جل ادعوا ربكم تضرعا وخفية
وأما أن تكون الآية منسوخة لقوله تعالى واذكر ربك في نفسك تضرعا وخفية الأعراف 205 فبعيد لأن هذا عقب قوله وإذا قرىء القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون فإنما أمر الله عز و جل إذا أنصت أن يذكر ربه في نفسه تضرعا وخيفة من عقابه ولهذا كان ههنا

وخيفة وثم وخفية ومع هذا فقد روى عن النبي صلى الله عليه و سلم في كراهة رفع الصوت بالدعاء ما يقوى هذا وقد قال ابن جريج في قول الله عز و جل إنه لا يحب المعتدين الأعراف 55 قال من الاعتداء رفع الصوت بالدعاء والنداء والصياح
قال أبو جعفر حدثنا أحمد بن محمد الأزدي قال حدثنا محمد بن عمرو بن يونس قال حدثنا أبو معاوية الضرير عن عاصم عن أبي عثمان عن أبي موسى قال كنت مع النبي في سفر فنزلنا في وهدة من الأرض فرفع الناس أصواتهم بالتكبير فقال رسول الله يا أيها الناس اربعوا على أنفسكم إنكم لا تدعون أصم ولا غائبا إنكم تدعون سميعا قريبا وهو معكم ثم دعاني وكنت قريبا منه فقال يا عبدالله بن قيس ألا أعلمك كلمة من كنز الجنة فقلت بلى يا رسول الله قال قل لا حول ولا قوة إلا بالله

بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الكهف ومريم وطه والأنبياء عليهم السلام
قال أبو جعفر حدثنا يموت بإسناده عن ابن عباس أنهن نزلن بمكة ولم نجد فيهن مما يدخل في هذا الكتاب إلا موضعا واحدا مختلفا فيه

قال الله عز و جل وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين ففهمناها سليمان وكلا ءاتينا حكما وعلما الانبياء 79
جماعة من الكوفيين يذهبون إلى أن هذا الحكم منسوخ وأن البهائم إذا أفسدت زرعا في ليل أو نهار أنه لا يلزم صاحبها شيء وإن كان رسول الله قد حكم بغير هذا فخالفوا حكمه وزعموا أنه منسوخ بقوله العجماء جبار
ومنهم من يقول في الحديث العجماء جرحها جبار والعجماء

البهيمة وأصله أنه يقال رجل أعجم وامرأة عجماء إذا كانا لا يفصحان با لكلام
ويقال إنه ما تقدم أبا حنيفة أحد بهذا القول حتى قال بعض العلماء هذا الحكم أصله في كتاب الله عز و جل وقد حكم به ثلاثة من الأنبياء فلا يجوز مخالفته بتأويل
قال أبو جعفر وسنبين ذلك من الآية ومن حكم الأنبياء عليهم السلام قال الله عز و جل وداود وسليمان أي واذكر داود وسليمان إذ يحكمان في الحرث قال قتادة كان نبتا وعن ابن مسعود كان الحرث كرما قد أنبتت عناقيده إذ نفشت فيه غنم القوم والنفش في كلام العرب لا يكون إلا بالليل أي دخلت الغنم بالليل في حرث القوم الذين ليسوا أصحابها فأفسدت العنب وأكلته وكنا لحكمهم شاهدين أي لم يغب عنا ذلك ففهمناها سليمان أي القضية قال ابن عباس دخلت الغنم فأفسدت الكرم فاختصموا إلى داود فقضى بالغنم لصاحب الكرم لأن ثمنها كان قريبا منه فمروا على سليمان فأخبروه فقال كان غير هذا الحكم أرفق بالجميع فدخل صاحب الغنم فأخبر داود فقال لسليمان كيف الحكم عندك قال يا نبي الله تدفع الغنم إلى صاحب الحرث فيصيب من ألبانها وأصوافها وأولادها وتدفع الكرم إلى صاحب الغنم فيقوم به حتى يرجع إلى حاله فإذا رجع إلى حاله

سلمت الكرم إلى صاحبه والغنم إلى صاحبها قال الله عز و جل ففهمناها سليمان
قال أبو جعفر ثم رجعنا إلى ما حكم به رسول اللة كما قرىء على أبي عبدالرحمن أحمد بن شعيب عن القاسم بن زكريا بن دينار قال حدثنا معاويةبن هشام عن سفيان عن إسماعيل بن أمية وعبدالله بن عيسى عن الزهري عن حرام بن محيصة عن البراء أن ناقة لآل البراء أفسدت نبتا فقضى رسول الله أن على أهل الثمار حفظها بالنهار وضمن أصحاب الماشية ما أصابته ماشيتهم بالليل
قال أبو عبدالرحمن وأخبرني عمرو بن عثمان قال حدثنا الوليد عن الأوزاعي عن الزهري عن حرام بن محيصة أن نبيين قبله عازب

أخبره أنه كانت له ناقة ضارية فدخلت حائطا فأفسدت فيه فكلم فيها رسول الله فقضى رسول الله أن على أهل الحوائط حفظها بالنهار وعلى أهل المواشي حفظها بالليل وأن على أهل الماشية ما أصابت بالليل
قال أبو جعفر وهذا حكم رسول الله بعد حكم نبيين قبله بالتضمين
وقال أبو حنيفة لا ضمان والحديث صحيح عن النبي فإن كان مالك قد رواه عن الزهري عن حرام بن محيصة أن ناقة لآل البراء فصار مقطوعا فقد رواه من تقوم به الحجة متصلا لأن إسماعيل بن أمية وعبدالله بن عيسى نبيلان جليلا المقدار وقد تابعهما الأوزاعي فلا معنى لمعارضة الأئمة فيما رووا بغيره
وقد قال الله عز و جل إذ يحكمان في الحرث وعلى ذلك القول لاحكم فيه
وقول النبي في العجماء جرحها جبار ليس من هذا في شيء لأنه قد أجمع من تقوم به الحجة من العلماء أن على راكب الدابة ما أصابت بيديها وقد صح أن المعنى العجماء جبار إذا لم يكن على صاحبها حفظها فإذا كان عليه حفظها فليست بجبار
وقد حكم رسول الله أن على أهل الماشية حفظها بالليل فليس ما أفسدته بالليل إذن جبارا والجبار الهدر الذي لا شيء فيه وقد حكم داود وسليمان صلى الله عليهما بما ذكرناه فمدحهما الله جل وعز فقال تعالى وكلا ءاتينا حكما وعلما الأنبياء 79
كما قرىء على أحمد بن محمد بن الحجاج عن يحيى بن سليمان

قال حدثني عبدالله بن وهب قال أخبرني مالك بن أنس عن زيد بن أسلم في قول الله جل وعز وكلا ءاتينا حكما وعلما قال زيد بن أسلم الحكم أو الحكمة العقل قال مالك وإنه ليقع بقلبي أن الحكمة هوالفقه في دين الله عزوجل
قال أبو جعفر والذي ذكرناه من تضمين أصحاب الماشية ما أصابت بالليل مع ما صح عن النبي قول أكثر الفقهاء منهم مالك والشافعي رحمهما الله

بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الحج
قال أبو جعفر حدثنا يموت بإسناده عن ابن عباس قال وسورة الحج نزلت بمكة سوى ثلاث آيات منها فإنهن نزل بالمدينة في ستة نفر من قريش ثلاثة منهم مؤمنون وثلاثة كافرون فأما المؤمنون فهم عبيدةا بن الحارث وحمزة بن عبدالمطلب وعلي بن أبي طالب رحمة الله عليهم دعاهم للبراز عتبة وشيبة ابنا ربيعة والوليد بن عتبة فأنزل الله عز و جل ثلاث آيات مدنيات هن هذان خصمان اختصموا في ربهم إلى تمام الآيات الثلاث الحج 19
قال أبو جعفر وجدنا في هذه السورة أربعة مواضع تصلح في هذا الكتاب منهن قول الله عز و جل فكلوا منها وأطعموا البائس

الفقير الحج 28 وقال تعالى فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر الحج 36
فمن العلماء من قال ذبح الضحايا ناسخ لكل ذبح كان قبله حتى قال محمد بن الحسن في إملائه كانت العقيقة تفعل في الجاهلية ثم فعلت في أول الإسلام ثم نسخت بذبح الضحية فمن شاء فعلها ومن شاء تركها
واحتج بعض الكوفيين بقول محمد بن علي بن الحسين نسخ ذبح الضحية كل ما قبله

وقد خولف محمد بن الحسن في هذا واحتج عليه بفعل رسول الله وقوله في العقيقة وسنذكر ذلك إن شاء الله
وقال بعض العلماء فكلوا منها ناسخ لفعلهم لأنهم كانوا يحرمون لحم الضحية على أنفسهم ولا يأكلون منها شيئا فنسخ ذلك بقوله عز و جل فكلوا منهما ويقول النبي من ضحى فليأكل من أضحيته إلا أن العلماء على أن هذا الأمر ندب لا إيجاب وإن كانوا يستحبون الأكل منها كما قال مالك والليث يستحب أن يأكل من لحم أضحيته لقول الله عز و جل فكلوا منها وقال الزهري من السنة أن يأكل أولا من الكبد
وأكثر العلماء منهم ابن مسعود وابن عمر وعطاء والثوري يستحبون أن يتصدق بالثلث ويطعم الثلث ويأكل هو وأهله الثلث
واختلف العلماء في الادخار منها على ثلاثة أقوال
فمنهم من قال لا يدخر منها بعد ثلاث وضعهم من قال يدخر منها إلى أي وقت أحب ومنهم من قال إن كانت بالناس حاجة إليها فلا يدخر

فممن قال لا يدخر بعد ثلاث علي بن أبي طالب رضي الله عنه وابن عمر كما قرىء على أحمد بن محمد بن الحجاج عن يحيى بن عبدالله بن بكير قال حدثنا الليث قال حدثني عقيل عن ابن شهاب عن أبي عبيد مولىبن أزهر قال شهدت علي بن أبي طالب رضي الله عنه صلى بنا العيد وعثمان رضي الله عنه محصور ثم خطبنا فقال لنا لا تدخروا شيئا من لحم أضاحيكم بعد ثلاث فإن رسول الله أمر بذلك
قال وحدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن شريك قال حدثنا أحمد بن عبدالله بن يونس قال حدثنا ليث عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله قال لا يأكل أحدكم من لحم أضحيته فوق ثلاثة أيام
قال أبو جعفر وهذان الحديثان صحيحان من قول النبي إلا أنه قد تؤول حديث ابن عمر رضي الله عنه أنه منسوخ كما حدثنا بكر بن سهل قال حدثنا عبدالله بن يوسف قال أخبرنا مالك عن أبي الزبير المكي أن جابر بن عبدالله أخبره أن رسول الله نهى أن تؤكل لحوم

الضحايا بعد ثلاث ثم قال بعد كلوا وتزودوا وادخروا
قال أبو جعفر وهذا نسخ بين وبه قال أبو سعيد الخدري وبريدة الأسلمي قال قال رسول الله إني كنت نهيتكم عن لحوم الأضاحي بعد ثلاث ألا فكلوا وتزودوا
والقول الثالث أن نهى النبي عن أكل لحوم الضحايا إنما كان لعلة بينتها عائشة رضي عنها قالت دفت دافة من البادية بحضرة الأضحى فقال رسول الله كلوا وتصدقوا ولا تدخروا بعد ثلاث ثم قال إنما نهيتكم من أجل الدافة فكلوا وادخروا
قال أبوجعفر وهذا من أحسن ما قيل في هذا حتى تتفق الأحاديث ولا تتضاد ويكون قول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنهما محصور لأن الناس كانوا في شدة محتاجين ففعل كما فعل رسول الله حين قدمت الدافة
والدليل على هذا ما حدثنا إبراهيم بن شريك قال حدثنا أحمد قال حدثنا ليث قال حدثني الحارث بن يعقوب عن يزيد بن أبي يزيد عن امرأته أنها سألت عائشة رضي الله عنها عن لحوم الأضاحي

فقالت قدم علينا علي بن أبي طالب من سفر فقدمنا إليه منه فأبى أن يأكله حتى سأل رسول الله فسأله فقال كل من ذي الحجة إلى ذي الحجة
قال أبو جعفر الدافة الجماعة بالدال غير معجمة ويقال ذففت على الجريج بالذال معجمة إذا أجهزت عليه مشتق مما حكاه أبو زيد قال عن العرب ذف الأمر واستذف إذا تهيأ ومنه يقال خفيف ذفيف
وقول محمد بن الحسن أن الضحية نسخت العقيقةقول لا دليل معه فيه والذي روي عن محمد بن علي نسخت الضحية كل ذبح معناه كل ذبح مكروه فأما العقيقة فذبح مندوب إليه كالضحية كما قرىء على أحمد بن شعيب عن الحسين بن حريث قال حدثنا الفضل وهو ابن موسى عن الحسين بن واقد عن عبدالله بن بريدة عن أبيه أن النبي عق عن الحسن والحسين وفي حديث ابن عباس بكبشين كبشين
وقرىء على محمد بن عمرو بن خالد عن أبيه قال حدثنا ابن

عيينة عن عمرو عن عطاء عن حبيبة ابنة ميسرة عن أم كرز أن رسول الله قال عن الغلام شاتان مكافأتان وعن الجارية شاة
قال أبو جعفر فهذا فعل رسول الله وقوله ثم الصحابة والتابعين فمن الصحابة ابن عباس وابن عمر وعبدالله بن عمرو وسمرة وفاطمة وعائشة رضي الله عنهم ومن التابعين القاسم وعروة ويحي الأنصاري وعطاء
قال مالك رحمه الله هو الأمر الذي لا اختلاف فيه عندنا وهو قول الشافعي وأحمد واسحاق وأبي ثور إلا أن مالكا رحمه الله يقول شاة عن الغلام وشاة عن الجارية والشافعي وأصحاب الحديث على حديث أم كرز والحجة لمالك رحمه الله الحديث أن فاطمة رضي الله عنها عقت

عن الحسن والحسين رضي الله عنهما بكبشين
وأما الحسن البصري فإنه قال العقيقة واجبة على الرجل إن لم يعق عنه عق عن نفسه
وهي عند غيره بمنزلة الضحية مندوب إليها إلا أن أبا حنيفة قال الضحية واجبة على كل من وجد إليها سبيلا وعلى الرجل أن يضحي عن ولده وخالفه أكثر أهل العلم واحتجوا بأن الله عز و جل لم يوجبها في كتابه ولا أوجبها رسول الله لأن حديث أبي بردة بن نيار يتأول فيه أنه أوجبها على نفسه

وقد احتج الشافعي بقول رسول الله من رأى هلال ذي الحجة فأراد أن يضحي فلا يحلق له شعرا ولا يقلم له ظفرا فقوله فأراد يدل على أنه مخير إن شاء فعل وإن شاء لم يفعل
وفي الحديث أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما لم يكونا يضحيان مخافة أن يتوهم الناس أن ذلك واجب وكذا قول ابن مسعود وبلال وابن عمر خمسة من الصحابة لم يوجبوا الضحية
قال زيد بن أسلم متكافئتان مشتبهتان يذبحان جميعا وقال أحمد مكافأتان متساويتان
وقال الأصمعي أصل العقيقة الشعر الذي يولد المولود وهو على رأسه وكذلك هو في البهائم فقيل عقيقة لأنها إذا ذبحت حلق ذلك الشعر
وأنكر أحمد هذا القول وقال الذبيحة العقيقة قال أبو جعفر والذي قال أحمد لا يمتنع في اللغة لأنه يقال عق إذا قطع ومنه عق فلان والديه

باب ذكر الآية الثانية من هذه السورة
قال الله عز و جل أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا الحج 39
حدثنا أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة قال حدثنا عبدالرزاق قال أخبرنا سفيان الثوري عن مسلم البطين في سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قرأ أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا قال هي أول آية نزلت في القتال
قال أبوجعفر وكانت هذه الآية ناسخة للمنع من القتال
وقال ابن زيد نسخ قول الله عز و جل وذروا الذين يلحدون في أسماءه الأعراف 180 الأمر بالقتال
وخالفه غيره فقال لا معنى ههنا للناسخ والمنسوخ لأن قول الله عز و جل وذروا الذين يلحدون في أسماءه الأعراف 180 تهديد لهم وهذا لاينسخ

باب ذكر الآية الثالثة من هذه السورة
قال الله عز و جل وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان الحج 52
قال أبو جعفر حدثنا بكر بن سهل قال حدثنا عبدالله بن صالح قال حدثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس فينسخ الله ما يلقي الشيطان قال يبطل ما ألقاه الشيطان ثم يحكم الله ءاياته الحج 52
قال أبوجعفر هذا من قول العرب نسخت الشمس الظل أزالته
ويروى في هذا الذي نسخه الله مما ألقاه الشيطان أحاديث
فمنها ما رواه الزهري عن أبي بكر بن عبدالرحمن بن الحارث بن هشام قال قرأ رسول الله والنجم إذا هوى النجم 11 فلما بلغ أفرءيتم اللات والعزى النجم 19 119 قال فإن شفاعتهم ترتجى فسها فلقيه المشركون فسلموا عليه فأنزل الله تعالى وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته الآية

قال أبو جعفر وهذا حديث منقطع وفيه هذا الأمر العظيم وكذا حديث قتادة وزاد فيه وإنهن لهن الغرانيق العلا
ولو صح هذا لكان له تأويل قد ذكرناه في أول هذا الكتاب
وأقطع من هذا ما ذكره الواقدي عن كثير بن زيد عن المطلب بن عبدالله قال فسجد المشركون كلهم إلا الوليد بن المغيرة فإنه أخذ ترابا من الأرض فرفعه إلى وجهه ويقال إنه أبو أحيحة سعيد بن العاص حتى نزل جبريل فقرأ عليه هذا فقال له ما جئتك به وأنزل الله تبارك وتعالى لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا الإسراء 74
قال أبو جعفر وهذا حديث منكر منقطع ولا سيما وهو من حديث الواقدي والدين والعقل يمنعان من هذا لأنه إن كان قال هذا

متعمدا ومعاذ الله أن يكون ذلك لأن فيه مساعدة لهم على دينهم لأن هذا قولهم وإن كان ناسيا فكيف صبر ولم يبين لهم ذلك حتى أتاه الوحي من الله عز و جل
ثم رجعنا إلى الآية فوجدنا فيها قولين لمن يرجع إلى قوله وعلمه كما حدثنا بكر بن سهل قال حدثنا أبو صالح قال حدثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته الحج 52 قال إذا حدث ألقى الشيطان في حديثه
قال أبو جعفر فالتأويل على هذا ألقى الشيطان فى سره وخاطره ما يوهمه به أنه الصواب ثم ينبهه الله عزوجل على ذلك
وقد صح عنه أنه قال إنه ليغان على قلبي فأستغفر الله عز و جل في اليوم والليلة سبعين مرة

وفي السير أن كبراء قريش جاءوه فقالوا يا محمد قد استغويت ضعفاءنا وسفهاءنا وذلك حين أظهر دعوته وتبينت براهينه فأمسك عنا حتى ننظر في أمرك فإن تبين لنا اتبعناك وان لم يتبين لنا كنت على أمرك ونحن على أمرنا فوقع له أن هذا إنصاف ثم نبهه الله عز و جل بالخاطر والتذكر لما أمره الله به من إظهار الدعوة وأن يصدع بما أمر به ثم نزل عليه الوحي لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا الإسراء 74 وما بعده فيكون على هذا ألقى الشيطان في أمنيته أي في سره
والقول الآخر عليه أكثر أهل التأويل قال سعيد بن جبير في أمنيته في قراءته وقال مجاهد في قوله وقال الضحاك الأمنية التلاوة قال أبو جعفر فهذا معروف في اللغة منه لا يعلمون الكتاب

إلا أماني البقرة 78 ويكون التقدير على هذا ألقى الشيطان في تلاوة النبي إما شيطانا من الإنس وإما شيطانا من الجن ومتعارف في الآثار أن الشيطان كان يظهر كثيرا في وقت النبي قال الله عز و جل وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم وقال لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم فلما تراءت الفئتان نكص على عقبيه الأنفال 48 فألقى الشيطان هذا في تلاوة النبي من غير أن ينطق به النبي والدليل على هذا أن ظاهر القرآن كذا وأن الثقات من أصحاب السير كذا يروون كما روى موسى بن عقبة عن الزهري ألقى الشيطان في تلاوة النبي فإن شفاعتهم ترتجى فوقرت في مسامع المشركين فاتبعوه جميعا وسجدوا وأنكر ذلك المسلمون ولم يسمعوه

واتصل الخبر بالله بالمهاجرين في أرض الحبشة وأن الجماعة قد تبعت النبي فقدموا وقد نسخ الله عز و جل ما ألقاة الشيطان فلحقهم الأذى والعنت
قال أبوجعفر فقد تبين معنى الآية بهذا وبغيره
وقال ابن جريج ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم الحج 53 قال القاسية قلوبهم المشركون
قال أبو جعفر وهذا قول بين لأنهم لم تلن قلوبهم لاتباع الحق والذين في قلوبهم مرض المنافقون

باب ذكر الآية الرابعة من هذه السورة
قال الله عز و جل وجاهدوا في الله حق جهاده الحج 78 من جعلها منسوخة قال هي مثل قوله عز و جل اتقوا الله حق تقاته آل عمران 102 فنسخها عنده فاتقوا الله ما استطعتم
قال أبوجعفر وهذا لا نسخ فيه وقد بيناه في سورة آل عمران

بسم الله الرحمن الرحيم
سورة المؤمنون
قال أبو جعفر حدثنا يموت بإسناده عن ابن عباس قال وسورة المؤمنين نزلت بمكة فهي مكية
في رواية المعتمر عن خالد عن محمد بن سيرين قال كان النبي ينظر إلى السماء في الصلاة فأنزل الله عز و جل هذه الآية الذين هم في صلاتهم خاشعون المؤمنون 2 وجعل رسول الله وجهه حيث يسجد وفي رواية هشيم كان المسلمون يلتفتون في الصلاة وينظرون حتى أنزل الله عز و جل قد أفلح المؤمنون الذين في صلاتهم خاشعون فأقبلوا على صلاتهم ونظروا أمامهم وكانوا يستحبون أن لا يجاوز أحدهم بصره موضع سجوده

قال أبو جعفر وأكثر العلماء على أن الخشوع في الصلاة أن ينظر إلى موضع سجوده إذا كان قائما ومنهم من قال إلا بمكة فإنه يستحب أن ينظرإلى البيت

بسم الله الرحمن الرحيم
سورة النور
حدثنا أبو جعفر قال حدثنا يموت بإسناده عن ابن عباس قال وسورة النور نزلت بالمدينة فهي مدنية
قال أبو جعفر قد ذكرنا قوله تعالى الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة النور وأنه ناسخ لقوله تعالى واللاتي يأتين الفاحشة من نساءكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم النساء 115 الآيتين في سورة النساء
ووجدنا في هذه السورة آيات سوى هذه فأولاهن قوله عز و جل الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين النور 3

للعلماء في الآية أربعة أقوال منهم من قال هي منسوخة ومنهم من قال النكاح ههنا الوطء ومنهم من قال الزاني هنا المجلود في الزنا لا ينكح إلا زاينة مجلودة في الزنا أو مشركة وكذا الزانية ومنهم من قال هي الزانية التي تتكسب برناها وتنفق على زوجها واحتج بأن الآية في ذلك أنزلت
فممن قال هي منسوخة سعيد بن المسيب كما حدثنا إسحاق بن إبراهيم القطان قال حدثني يحيى بن عبدالله بن بكير قال حدثنا الليث بن سعد قال حدثنا يحيى بن سعيد بن قيس الأنصاري عن سعيد بن المسيب في قول الله عز و جل الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة الزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك النور 3
قال ابن عمر إنها نسخت بالآية التي بعدها وأنكحوا الأيامى منكم النور 32 فدخلت الزانية في أيامى المسلمين
وهذا القول الذي عليه أكثر العلماء وأهل الفتيا يقولون إن من زنا بامرأة فله أن يتزوجها ولغيره أن يتزوجها وهو قول ابن عمر وسالم وجابر بن زيد وعطاء وطاووس ومالك بن أنس رحمهم الله وروى عنه ابن وهب أنه سئل عن الرجل يزني بامرأة ثم يريد نكاحها قال ذلك له بعد أن تستبرىء من وطئها وهو قول أبي حنيفة وأصحابه

وقال الشافعي رحمه الله في الآية القول فيها كما قال سعيد بن المسيب إن شاء الله أنها منسوخة
وممن قال بالقول الثاني أن النكاح ههنا الوطء ابن عباس كما حدثنا بكر بن سهل قال حدثنا أبو صالح قال حدثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال وقوله تعالى الزاني لاينكح إلازانية أو مشركة الآية قال الزاني من أهل القبلة لا يزني إلا مثله من أهل القبلة أو مشركة والزانية من أهل القبلة لا تزني إلا بزان مثلها من أهل القبلة أو مشرك وحرم الزنا على المؤمنين
واختار محمد بن جرير هذا القول وأؤما إلى أنه أولى الأقوال واحتج بأن الزانية من المسلمين لا يجوز لها أن تتزوج مشركا بحال وأن الزاني من المسلمين لا يجوز له أن يتزوج مشركة وثنية بحال فقد تبين أن المعنى الزاني من المسلمين لا يزني إلا بزانية لا تستحل الزنا من المسلمين أو مشركة تستحل الزنا والزانية لا تزني إلا بزان من المسلمين لا يستحل الزنا أو مشرك يستحل الزنا قال وحرم ذلك الزنا وهو النكاح المذكور قبل هذا

والقول الثالث أن الزاني المجلود لا ينكح إلا زانية مجلودة أو مشركة وكذا الزانية قول الحسن كما قرىء على إبراهيم بن موسى الجوزي عن يعقوب الدورقي قال حدثنا وكيع عن يزيد بن إبراهيم عن الحسن قال الزاني المجلود لا ينكح إلا زانية مجلودة مثله أو مشركة والزانية المجلودة لا ينكحها إلا زان مجلود مثلها أو مشرك
وحدثنا علي بن الحسين قال قال الحسين بن محمد الزعفراني قال حدثنا عفان قال حدثنا يزيد بن زريع قال حدثنا حبيب المعلم قال جاء رجل من أهل الكوفة إلى عمرو بن شعيب فقال ألا تعجب من الحسن يزعم أن الزاني المجلود لا ينكح إلا مثله وتأول هذه الآية الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة فقال وما تعجبك من هذا حدثني سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة عن رسول الله قال الزاني المجلود لا ينكح إلا مثله
قال أبو جعفر وهذا الحديث يجوز أن يكون منسوخا كما نسخت الآية في قول سعيد بن المسيب
والقول الرابع أن هذا كان في نسوة كان الرجل يتزوج إحداهن على أن تنفق عليه مما تكسب من الزنا فحرم الله عز و جل نكاحهن قول مجاهد كما قرىء على أحمد بن محمد بن الحجاج عن يحيى بن سليمان قال حدثنا أسباط بن محمد قال حدثنا عبدالملك بن أبي

سليمان عن القاسم بن أبي بزة عن مجاهد في قول اللة عز و جل الزاني لا ينكح إلازانية أو مشركة قال كن نساء بغايا وكانت منهن امرأة تدعى أم مهزم فكان الرجل يتزوج إحداهن لتنفق عليه من كسبها فنهاهم الله عز و جل عن ذلك أن يتزوجهن أحد من المسلمين
قرىء على أحمد بن شعيب عن عمرو بن علي قال حدثنا المعتمر عن أبيه عن الحضرمي يعني ابن لاحق عن القاسم بن محمد عن عبدالله بن عمرو قال كانت امرأة يقال لها أم مهزول وكانت بأجياد وكانت تسافح فأراد رجل من المسلمين أن يتزوجها فأنزل الله عز و جل والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين النور 3
قال أبو جعفر وهذا الحديث من أحسن ما روي في هذه الآية ذكر فيه السيب الذي نزلت فيه الآية فإذا صح جاز أن تكون الآية الناسخة بعده والله جل وعز أعلم بحقيقة ذلك

باب ذكر الآية الثانية من هذه السورة
قال الله جل وعز يا أيها الذين ءامنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ذلكم خير لكم لعلكم تذكرون النور 27 للعلماء في هذه الآية قولان فمنهم من قال لما قال الله عز و جل لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها كان هذا عاما في جميع البيوت ثم نسخ من هذا واستثني قال جل وعز ليس عليكم جناح أن يدخلوا بيوتا غير مسكونة فيها متاع لكم النور 29
ومنهم من قال الآيتان محكمتان فقوله جل وعز لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها يعني به البيوت التي لها أرباب وسكان والآية الأخرى في البيوت التي ليس لها أرباب يعرفون ولا سكان
فالقول الأول يروى عن ابن عباس وعكرمة كما حدثنا أبو الحسن عليل بن أحمد قال حدثنا محمد بن هشام قال حدثنا عاصم بن سليمان قال ثنا جويبر عن الضحاك عن ابن عباس يا أيها الذين ءامنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأذنوا قال حتى تسقالنرا وتسلموا على أهلها قال فيه تقديم وتأخير حتى تسلموا على أهلها وتستأنسوا قال ثم استثنى البيوت التي على طرق الناس والتي ينزلها المسافرون فقال جل وعز ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة النور 29 يقول ليس لها أهل ولا سكان بغير تسليم ولا استئذان فيها متاع

لكم قال منافع من الحر والبرد
وروى يزيد عن عكرمة والحسن لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها النور 29 قالا ثم نسخ من ذلك واستثنى فقال ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة فيها متاع لكم النور 29
والقول الثاني أنهما محكمتان قول أكثر أهل التأويل
فأما ما روى عن ابن عباس رحمه الله وبعض الناس يقول عن سعيد بن جبير أنه قال أخطا الكاتب وإنما هو حتى تستأذنوا فعظيم محظور القول به لأن الله عز و جل قال لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه فصلت 42
ومعنى حتى تستأنسوا بين عند أهل التأويل وأهل العربية كما قرىء على عبدالله بن أحمد بن عبدالسلام عن أبي الأزهر قال حدثنا روح عن عثمان بن غياث عن عكرمة حتى تستأنسوا قال

تستأذنوا قال مجاهد هو التنحنح والتنحم قال وأهل العربية يشتقون من جهتين
إحداهما حتى تستأنسوا حتى تستعلموا قال جل وعز ءانس من جانب الطور نارا القصص 129
والجهة الأخرى حتى تستأنسوا بان الذي تريدون الدخول إليه قد رضي دخولكم
والذي ذكرناه عن ابن عباس من التقديم والتأخير حسن أي لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم لها أرباب وفيها سكان حتى تسلموا وتستأذنوا فتقولوا السلام عليكم أدخل أو ما كان في معنى هذا من التنحنح والتنخم والإذن ذلكم خير لكم من أن تدخلوا بغير إذن فتروا ما لا تحبون أن تروه وتعصوا الله جل وعز لعلكم تذكرون ما يجب لله عليكم من طاعته فتلزمونه فهذه محكمة في غير حكم الثانية
والثانية قد تكلم في معناها العلماء كما قرىء على أحمد بن محمد بن الحجاج عن يحيى بن سليمان قال حدثني أبو معاوية قال حدثنا الحجاج بن أرطاة عن سالم المكي عن محمد بن علي بن الحنفية في قوله عز و جل ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة فيها متاع لكم قال هي بيوت الخانات وبيوت الأسواق
فاما قول عبدالرحمن بن زيد هي بيوت التجار والحوانيت في

القيساريات والأسواق فقول مرغوب عنه لأن الحوانيت التي فيها متاع الناس لا يحل دخولها إلا بإذن صاحبها وإن فتحها وجلس لأن الناس أحق بأملاكهم وأيضا فنص القرآن فيها متاع لكم وليس متاع التجار بمتاع للمخاطبين
وقد قال مجاهد هي بيوت كانت في طريق المدينة يضع الناس فيها أمتعاتهم فأذن لهم في دخولها بغير إذن
قال أبو جعفر فإذا كانت هذه البيوت إنما بنيت لهذا فهي مباحات لا يحتاج فيها إلى إذن
ومن أجمع ما قيل في الآية قول جابر بن زيد كما حدثنا أحمد بن محمد الأزدي قال حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال حدثنا يعقوب بن إسحاق الحضرمي عن حبيب بن أبي حبيب عن عمرو بن هرم عن جابر بن زيد في قوله جل وعز ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة فيها متاع لكم قال ليس يعني بالمتاع الجهاز ولكن ما سواه من الحاجة إما منزل ينزله قوم من ليل أو نهار أو خربة يدخلها الرجل لقضاء حاجة أو دار ينظرإليها فهذا متاع وكل منافع الدنيا متاع

قال أبو جعفر وهذا شرح حسن من قول إمام من أئمة المسلمين وهو موافق للغة والمتاع في كلام العرب المنفعة ومنه أمتع الله بك ومنه فمتعوهن الأحزاب 49 فالمعنى على قوله ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة فيها متاع لكم من قضاء حاجة أو دخول رجل إلى دار يقلبها لشري أوإجارة
وما تقدم من قول العلماء سوى ابن زيد داخل في هذا

باب في ذكرالآية لثالثة من هذه السورة
قال الله عز و جل يا أيها الذين ءامنوا ليستئذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات من قبل صلاة الفجر وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة ومن بعد صلاة العشاء النور 58 الآية
للعلماء في هذه الآية ست أقاويل منهم من قال هي منسوخة ومنهم من قال هي ندب غير واجبة ومنهم من قال هي في النساء دون الرجال ومنهم من قال هي في الرجال دون النساء ومنهم من قال كان العمل بها واجبا لأن القوم لم يكن لهم أغلاق ولا ستور فإن عاد الأمر إلى ذلك كان العمل بها واجبا
ومنهم من قال هي محكمة واجبة على المسلمين أن يعملوا بها كما أمر الله عز و جل لأن أمره حتم إلا أن يقع دليل على غيرذلك
فممن قال إنها منسوخة سعيد بن المسيب كما حدثنا جعفر بن مجاشع قال حدثنا إبراهيم بن إسحاق الحربي قال بلغني عن داود عن سعيد بن المسيب يا أيها الذين ءامنوا ليستئذنكم الذين ملكت أيمانكم الآية قال هي منسوخة
قال الحربي وحدثنا بندار قال حدثنا غندر قال حدثنا شعبة

عن أبي بشر عن سعيد وهو ابن جبير يا أيها الذين ءامنوا ليستئذنكم الذين ملكت أيمانكم قال لا يعمل بها اليوم
قال أبو جعفر فهذا قول وروى أيوب عن أبي قلابة يا أيها الذين ءامنوا ليستئذنكم الذين ملكت أيمانكم وأشهدوا إذا تبايعتم ا لبقرة 282
قال إنما أمر بهذا نظرا لهم
وحدثنا جعفر بن مجاشع قال حدثنا إبراهيم بن إسحاق قال حدثنا عبيد اللة قال حدثنا يحيى بن سعيد قال حدثنا سفيان عن أبي حصين عن أبي عبدالرحمن يا أيها الذين ءامنوا ليستئذنكم الذين ملكت أيمانكم قال النساء عنى بهذا

فهذه ثلاثة أقاويل هذا القول منها بين الخطأ لأن الذين لا يكون للنساء في كلام العرب وإنما يكون للنساء اللاتي أو اللائي
وحدثنا جعفر بن مجاشع قال حدثنا إبراهيم بن إسحاق قال حدثنا أبو بكر قال حدثنا يحيى بن يمان قال حدثنا سفيان عن ليث عن نافع عن ابن عمر ليستئذنكم الذين ملكت أيمانكم قال هي في الرجال دون النساء 4 وهذا القول الرابع يستحسنه أهل النظر لأن الذين في كلام العرب للرجال وإن كان يجوز أن يدخل معهم النساء فإنما يقع ذلك بدليل والكلام على ظاهره غير أن في إسناده ليث بن أبي سليم
وقرى على أحمد بن محمد بن الحجاج عن يحيى بن سليمان قال حدثنا عبدالرحمن بن زياد قال حدثنا الدراودي عن عمرو بن أبي عمر وعن عكرمة أن رجالا من أهل العراق سألوا ابن

عباس كيف يرى في هذه الآية في كتاب الله عز و جل قوله عز و جل يا أيها الذين ءامنوا ليستئذنكم الذين ملكت أيمانكم لا يعمل بها أحد فقال ابن عباس إن الله رفيق حليم رحيم بالمؤمنين يحب السترة عليهم وكان القوم ليست لهم سور ولا حجاب فربما دخل الخادم أو الولد أو يتيمه وهو مع أهله في حال جماع فأمر الله عز و جل بالاستئذان في هذه الثلاث الحالات
قال أبو جعفر وحدثنا بهذا الحديث جعفر بن مجاشع قال حدثنا ابراهيم قال حدثنا ابن الصباح قال حدثنا خالد بن مخلد قال حدثنا سليمان بن بلال عن عمرو عن عكرمة عن ابن عباس نحوه وزاد فيه ثم جاء الله جل ذكره باليسر وبسط في الرزق فاتخذ الناس الستور والحجاب فرأي الناس ذلك قد كفاهم من الاستئذان الذي أمروا به
وهذا القول الخامس متنه حسن وليس فيه دليل على نسخ الآية ولكن على أنها كانت على حال ثم زالت فإن كان مثل تلك الحال فحكمها قائم كما كان
والقول السادس أنها محكمة واجبة ثابتة على الرجال والنساء قول أكثر أهل العلم كما حدثنا محمد بن جعفر الأنباري قال حدثنا عبدالله بن يحيى قال حدثنا يعلى بن عبيد قال حدثنا عبدالملك بن أبي سليمان عن عطاء عن ابن عباس قال ثلاث آيات من القرآن قد ترك الناس العمل بهن قال عطاء حفظت اثنتين ونسيت واحدة في قول الله عز و جل يا أيها الذين ءامنوا ليستئذنكم الذين ملكت أيمانكم النور 58 حتى يختم الآية وفي الرجل أن يقول للآخر أنا أكرم

منك وليس أحد أكرم من أحد إلا بالتقوى وهو قول الله عز و جل يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير الحجرات 13
قال أبو جعفر هذا القول بأن الآية محكمة هو قول القاسم بن محمد وجابر بن زيد والشعبي كما قرىء على إبراهيم بن موسى الجوزي عن يعقوب الدورقي قال حدثنا وكيع عن سفيان عن موسى بن أبي عاثشة عن الشعبي يا أيها الذين ءامنوا ليستئذنكم الذين ملكت أيمانكم قال ليست بمنسوخة قلت إن الناس لا يعملون بها قال الله عز و جل المستعان

باب ذكر الآية الرابعة من هذه السورة
قال الله جل وعز ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج الأية 61
للعلماء فيها ستة أقوال منهم من قال في قوله جل وعز ولا على أنفسكم إلى آخر الآية أنه منسوخ ومنهم من قال في الآية أنها ناسخة لما قال الله جل وعز ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام البقرة 188 فامتنع الناس من أن يأكلوا طعاما لأحد إذا دعاهم إليه حتى أنزل الله جل وعز ولا على أنفسكم أن تأكلوأ الآية
واختلف الذين قالوا هذا على أربعة أقوال فمنهم من قال فأبيح للرجل أن يأكل من هذه البيوت بغير إذن صاحبها
ومنهم من قال أبيح له إذا أذن له
ومنهم من قال كان الأعمى والأعرج والمريض لا يأكلون مع الناس لئلأ يكره الناس ذلك فأزيل هذا

ومنهم من قال كان الإنسان يتوقى أن يأكل مع الأعمى لأنه يقصر في الأكل وكذا الأعرج والمريض فاذيل ذلك
والقول السادس أن الآية محكمة
فممن قال القول الأول أنها منسوخة من قوله عز و جل ولا على أنفسكم إلى آخر الآية عبدالرحمن بن زيد وقال هذا شيء قد انقطع كانوا في أول الإسلام ليست على أبوابهم أغلاق فكانت الستور مرخاة فربما جاء الرجل فدخل البيت وهو جائع وليس فيه أحد فسوغه الله أن ياكل ثم صارت الأغلاق على البيوت فلا يحل لأحد أن يفتحها فذهب هذا وانقطع
قال أبو جعفر ومما يدل على حظر هذا ما حدثناه بكر بن سهل قال حدثنا عبدالله بن يوسف قال حدثنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله ظ قال لا يحتلبن أحدكم ماشية أخيه إلا بإذنه أيحب أحدكم أن تؤتى مشربته فتكسر خزانته فينتقل طعامه فإنما تخزن لهم ضروع مواشيهم أطعمتهم فلا يحلبن أحدكم ماشية أخيه إلا بإذنه
قال أبو جعفر فكان في هذا الحديث حظر رسول الله هذا
والقول بأنها ناسخة قول جماعة كما حدثنا بكر بن سهل قال حدثنا عبد الله بن صالح قال حدثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي

طلحة عن ابن عباس قال لما أنزل الله تعالى يا أيها الذين ءامنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل النساء 29 فقال المسلمون إن الله عز و جل قد نهانا أن نأكل أموالنا بيننا بالباطل وإن الطعام من أفضل الأموال فلا يحل لأحد منا أن يأكل عند أحد فكف الناس عن ذلك فأنزل الله عز و جل بعد ذلك ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج إلى أو ما ملكتم مفاتحه النور 61 قال هو الرجل يوكل الرجل بضيعته والذي رخص الله جل ثناؤه له أن يأكل الطعام والتمر ويشرب اللبن
فذهب أبو عبيد إلى أن هذا إنما هو بعد الإذن لأن الناس توقفوا أن يأكلوا لأحد شيئا اذا لم يكن ذلك على سبيل التجارة أو عوض وان أذن لهم صاحب الطعام فأباح الله تعالى إذا أذن فيه صاحبه
وتأويله غيره على الإذن فيه وإن لم يطلق ذلك صاحبه إذا علم أنه ليس ممن يمنعه
واستدل على صحة هذا القول أنه ليس في الآية ذكر الإذن وإنما قال تعالى أن تأكلوا من بيوتكم لأن منزل الرجل قد يكون فيه ما ليس له وما يكون لأهله أو بيوت ءاباءكم إلى آخر الآية
ولم يذكر الابن فيها فتأول هذا بعض العلماء على أن منزل ابنه ومنزله واحد فلذلك لم يذكره

وعارضه بعضهم فقال هذا تحكم على كتاب الله عز و جل بل الأولى في الظاهر أن يكون الابن مخالفا لهؤلاء وليس الاحتجاج بما روى عن النبي أنت ومالك لأبيك بقوي لوها هذا الحديث وأنه لو صح لم يكن فيه حجة اذ قد يجوز أن يكون النبي علم أن مال ذلك المخاطب لأبيه وقد قيل إن معناه أنت لأبيك ومالك مبتدأ أي و مالك لك
والقاطع لهذا التوارث بين الأب والابن
وممن قال ان الآية ناسخة لما كان محظورا عليهم من الأكل مع الأعمى ومن ذكر معه مقسم كما روى سفيان عن قيس بن مسلم عن مقسم قال كانوا يتقون أن يأكلوا مع الأعمى والأعرج والمريض حتى

أنزل الله ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج النور 61 الآية
قال أبو جعفر وهذا القول غلط لأن الآية ليس على الأعمى حرج فكيف يكون هذا ناسخا للحظر عليهم الأكل معه ولو كان هذا كان يكون ليس للأكل مع الأعمى حرج على أن بعض النحويين قد احتال لهذا القول فقال قد تكون على بمعنى في وفي بمعنى على فيكون التقديرعلى هذا ليس في الأعمى حرج
وهذا القول بعيد لا ينبغي أن يحمل عليه كتاب الله عز و جل إلا بحجة قاطعة
وأما قول من قال كان الأعمى لا يأكل مع البصير وكذا الأعرج والمريض لئلا يلحقه منه أذى فيقول يجوز ولكن أهل التأويل على غيره
والقول السادس أن الآية محكمة وأنها نزلت في شيء بعينه قول جماعة من أهل العلم ممن يقتدي بقولهم منهم سعيد بن المسيب وعبيدالله بن عبدالله بن عتبة بن مسعود في جماعة من أهل العلم كما حدثنا علي بن الحسين قال حدثنا الحسن بن محمد قال حدثنا شبابة قال حدثنا أبو أويس عن الزهري عن سعيد بن المسيب في هذه الآية لا جناح عليكم أن تأكلوا من بيوتكن النور 61 الآية نزلت في أناس كانوا إذا خرجوا مع رسول الله وضعوا مفاتح بيوتهم عند أهل العلة ممن يتخلف عن رسول الله عند الأعمى والأعرج والمريض وعند أقاربهم فكانوا يأذنون لهم أن يأكلوا مما في بيوتهم إذا احتاجوا إلى ذلك

وكانوا يتقون أن يأكلوا منها ويقولون نخشى ألا تكون أنفسهم بذلك طيبة فأنزل الله عز و جل في ذلك هذه الآية فأحله لهم
فقال عبيدالله بن عبدالله إن الناس كانوا إذا خرجوا إلى الغزو دفعوا مفاتحهم إلى الزمني وأحلوا لهم أن يأكلوا مما في بيوتهم فكانوا لا يفعلون ذلك ويتقون ويقولون إنما أطلقوا لنا هذا عن غير طيب نفس فأنزل الله تعالى ليس على الأعمى حرج
حدثنا أحمد بن جعفر السمان الأنباري بالأنبار قال حدثنا إبراهيم بن سعد عن صالح بن كيسان عن الزهري عن عروة عن عاثشة رضي الله عنها قالت كان المسلمون يوعبون في النفير مع رسول الله فكانوا يدفعون مفاتحهم إلى ضمناهم ويقولون إن احتجتم فكلوا فيقولون إنماأحلوه لنا عن غير طيب نفس فأنزل الله عز و جل ليس عليكم جناح أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت ءابائكم النور 61 الآية
قال أبو جعفر يوعبون أي يخرجون بأجمعهم في المغازي يقال أوعب بنو فلان لبني فلان إذا جاءوا بأجمعهم ويقال بيت وعيب اذا كان

واسعا يستوعب كل ما جعل فيه والضمنى هم الزمنى واحدهم ضمن مثل زمن
قال أبو جعفر وهذا القول من أجل ما روي في الآية لما فيه عن الصحابة والتابعين من التوقيف أن الآية نزلت في شيء بعينه فيكون التقدير على هذا ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج ولا عليكم أن تأكلوا فإن تأكلوا خبر ليس ويكون هذا بعد الإذن
وقال ابن زيد المعنى ليس على الأعمى حرج في الغزو وإذا كان المعنى على هذا فليست أن خبر ليس
فاما من بيوتكم فمعناه من بيوت أنفسكم كذا ظاهره وقد تاؤل ذلك بعض أهل العلم على أنه بغير إذن كما ذكرنا
وروى معمر عن قتادة لا بأس أن تأكل من بيت صديقك وإن لم يأذن لك
وبتأول هذا على أنه إنما يكون مباحا إذا علمت أنه لا يمنعك وكان صديقك على الحقيقة إلا أن الأحاديث التي ذكرناها على الإذن والله اعلم

بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الفرقان
حدثنا أبو جعفر قال حدثنا يموت بإسناده عن ابن عباس قال وسورة الفرقان نزلت بمكة فهي مكية
قال أبو جعفر قال الله تعالى وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما الفرقان 63
من العلماء من قال هذا منسوخ وإنما كان هذا قبل أن يؤمر المسلمون بحرب المشركين وليس سلاما من التسليم إنما هو من التسلم تقول العرب سلاما أي تسلما منك وهو منصوب على أحد أمرين يجوز أن يكون منصوبا بقالوا ويجوزأن يكون مصدرا وهذا قول سيبويه وكلامه يدل على أن الآية عنده منسوخة
قال أبو جعفر ولا نعلم لسيبويه كلاما في معنى الناسخ والمنسوخ إلا

في هذه الآية قال سيبويه وزعم أبو الخطاب أن مثله مثل قولك الحمد لله مما ينتصب على المصدر قولك للرجل سلاما تريد تسلما منك كماقلت براءة منك أي لا ألتبس بشيء من أمرك
قال وزعم أن أبا ربيعة كان يقول إذا لقيت فلانا فقل سلاما فسأله ففسر له معنى براءة منك قال وزعم أن هذه الآية وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما بمنزلة ذلك لأن الأية فيما زعم مكية ولم يؤمر المسلمون يومئذ أن يسلموا على المشركين ولكنه على قوله لا خير بيننا ولا شر
قال أبو جعفر وزعم محمد بن يزيد أن سيبويه أخطأ في هذا وأساء العبارة لأنه لا معنى لقوله ولم يؤمر المسلمون يومئذ أن يسلموا على المشركين وانما كان ينبغي أن يقول ولم يؤمر المسلمون يومئذ أن يحاربوا المشركين ثم أمروا بحربهم
قال أبو جعفر كلام محمد بن يزيد يدل على أن الآية أيضا عنده منسوخة وإنما جاء فيها أن تكون منسوخة لأن معناها معنى الأمر أي إذا خاطبكم الجاهلون فقولوا سلاما فعلى هذا يكون النسخ فيها فأما كلام سيبويه فيحتمل أن يكون معناه لم يؤمر المسلمون يومئذ أن يسلموا على

المشركين ولكنهم أمروا أن يتسلموا منهم ويتبرءوا ثم نسخ ذلك بالأمر بالحرب
وقد ذكرنا قوله عز و جل والذين لا يدعون مع الله إلاها أخر الفرقان 68 إلى قوله تعالى إلا من تاب الفرقان 70 وقول من قال هو منسوخ بقوله عز و جل ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه و جهنم خالدا فيها النساء 93 في سورة النساء

بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الشعراء
حدثنا أبو جعفر حدثنا يموت بإسناده عن ابن عباس قال وسورة الشعراء نزلت بمكة فهي مكية سوى خمس آيات من آخرها نزلنا بالمدينة في ثلاثة نفر من الأنصار وهم شعراء رسول الله حسان بن ثابت وكعب بن مالك وعبدالله بن رواحة وهو قوله عز و جل والشعراء يتبعهم الغاوون ألم تر أنهم في كل واد يهيمون وأنهم يقولون مالا يفعلون إلا الذين ءامنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيرا الشعراء 227224 استثنى هؤلاء الثلاثة من جملة الشعراء إلى آخرالسورة

قال أبو جعفر قد أدخل هذه الآيات بعض الناس في الناسخ والمنسوخ
حدثنا أبو الحسن عليل بن أحمد قال حدثنا محمد بن هشام قال حدثنا عاصم بن سليمان عن جويبر عن الضحاك عن ابن عباس والشعراء يتبعهم الغاوون قال نسختها الآية التي بعدها يعني إلا الذين ءامنوا وعملوا الصالحات قال وحدثنا بكر بن سهل قال حدثنا عبدالله بن صالح قال حدثني معاوية بن صالح عن ابن عباس والشعراء يتبعهم الغاوون قال هم الكفار بتبعهم ضلال الجن والإنس قال ثم قال ألم تر أنهم في كل واد يهيمون يقول في كل لغو يخوضون وأنهم يقولون مالايفعلون يقول أكثرقولهم يكذبون قال ثم استثنى المؤمنين منهم فقال إلا الذين الذين ءامنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيرا في كلامهم وانتصروا من بعد ما ظلموا ردوا على الكفار الذين كانوا يهجون به المؤمنين
قال أبو جعفر وهذا أحسن ما قيل في الآية ويزيده بيانا قوله

للكفار يدل على صحته الاستثناء الذي بعده وقوله ضلال الجن والإنس يدل على صحته أن الكلام عام
وقد روى عكرمة عن ابن عباس يتبعهم الغاوون قال الرواة
والأول أولى لعموم الظاهر
ألم تر أنهم في كل واد يهيمون كما قال وهو تمثيل أي في كل وجه من الباطل يفتنون فيمدحون بالباطل والتزيد وكذا يهجون بالكذب والزور
وقوله أكثر قولهم يكذبون تصحيحه في النحو أكثر قولهم الكذب ودل يكذبون على الكذب
وقوله ثم استثنى المؤمنين منهم قول صحيح في العربية هذا الذي تسميه العرب استثناء لا نسخا تقول جاءني القوم إلا عمرا لا يقال هذا نسخ والاستثناء عند سيبويه بمنزلة التوكيد لأنك بينت به كما تبين بالتوكيد
وقوله وذكروا الله كثيرا في كلامهم قول حسن لعموم اللفظ وغيره تقول ذكروا الله عز و جل في شعرهم والأول أولى لغمومه وانتصروا من بعد ما ظلموا كما قال أي انتصروا من الكفار الذين ظلموا المؤمنين بهجائهم إياهم

بسم الله الرحمن الرحيم
سورة النمل والقصص والعنكبوت والروم
حدثنا أبو جعفر قال حدثنا يموت بإسناده عن ابن عباس أنهن نزلن بمكة

قال أبو جعفر لم نجد فيهن إلا موضعين أحدهما في سورة القصص وهو قوله تعالى وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين القصص 55
للعلماء فيه أربعة أقوال
منهم من قال هي منسوخة بالنهي في السلام على الكفار
ومنهم من قال هي منسوخة بالأمر بالقتال
ومنهم من تأولها فأباح السلام على الكفار
والقول الرابع أن هذا قول جميل ومخاطبة حسنة وليس من جهة السلام ولا نسخ فيه
قال أبوجعفر فالقول الأول يحتج قائله بما صح عن رسول الله في الكفار لا تبدؤوهم بالسلام قال ففي هذا نسخ

قال أبو جعفر وهذا القول وإن كان قد صح عن رسول الله لا تبدؤهم بالسلام فهو غلط لأن الآية ليست من هذا في شيء وانما هي من المتاركة كما يقول الرجل للرجل دعني بسلام تستعمله العرب للمتاركة
والقول الثاني أنها منسوخة بالأمر بالقتال قول جماعة من العلماء
قال أبو جعفر وقد بينا ذلك في قوله عز و جل وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما
والقول الثالث قول من أباح السلام على الكفار غلط لأن هذه الآية ليست من السلام في شيء فإنما هي من التسلم والمتاركة وحظر السلام على الكفار واجب بكتاب الله عز و جل وسنة رسول الله قال الله تعالى والسلام على من اتبع الهدى طه 47 وكذا كتب رسول الله إلى قيصر والسلام على من اتبع الهدى
والقول الرابع أنها مخاطبة حسنة قول حسن قال ابن زيد هؤلاء قوم من أهل الكتاب أسلموا فكانوا يمرون على قوم من أهل الكتاب يقرءون شيئا قد بدلوه من التوراة قد وقفوهم على ذلك فيعرضون عنهم
قال مجاهد أسلم قوم من أهل الكتاب فكان المشركون يؤذونهم

وكانوا يصفحون عنهم ويقولون سلام عليكم
قال أبو جعفر أصل اللغو في اللغة الباطل وما يجب أن يلغى ويطرح ومعنى وأعرضوا عنه لم يصغوا إليه ولم يستمعوا
ويدلك على صحة قول مجاهد أن بعده لنا أعمالنا ولكم أعمالكم القصص 55 أي قد رضينا بأعمالنا لأنفسنا ورضيتم بأعمالكم لأنفسكم سلام عليكم أي أمنة لكم منا أنا لا نحاوركم ولا نسابكم لا نبتغي الجاهلين لا نطلب عمل أهل الجهل
والموضع الاخر في سورة العنكبوت قوله تعالى ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم العنكبوت 46
فيه ثلاثة أقوال من العلماء من قال هو منسوخ ومنهم من قال هو محكم يراد به من آمن منهم ومنهم من قال هو محكم يراد به ذوو العهد منهم
فمن قال هو منسوخ احتج بأن الآية مكية فنسخ هذا الأمر بالقتال كما حدثنا محمد بن جعفر الأنباري قال حدثني موسى بن هارون قال حدثنا حسين قال حدثنا شيبان عن قتادة في قوله تعالى ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم قال نسختها قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الأخر التوبة 29

والقول الثاني قول ابن زيد قال لا يجادل المؤمنون منهم إذا أسلموا لعلهم يحدثون بالشيء فيكون كما قالوا إلا الذين ظلموا منهم من أقام على الكفر يجادل ويقال له الشر
والقول الثالث قول مجاهد ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم من قاتل لم يعط الجزية
قال أبوجعفر فمن قال هي منسوخة احتج بأنها مكية
وقول مجاهد حسن لأن أحكام الله عز و جل لا ينبغي أن يقال فيها إنها منسوخة إلا بخبر يقطع العذرأو حجة من معقول
فيكون المعنى ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالقول الجميل أي بالدعاء إلى الله عز و جل والتنبيه على حججه وإذا حدثوكم بحديث يحتمل أن يكون كما قالوا فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم فهذا الذي هوأحسن
ويدل على صحته أنه قرىء على أحمد بن شعيب عن محمد بن

المثنى عن عثمان وهو ابن عمر قال حدثنا علي وهو ابن المبارك قال حدثنا يحيى وهو ابن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال كان أهل الكتاب يقرءون التوراة بالعبرانية ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام فقال رسول الله لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم وقولوا ءامنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلاهنا وإلاهكم واحد ونحن له مسلمون
قال أبو جعفر ويكون الذين ظلموا كما قال مجاهد أهل الحرب وإن كان الكفار كلهم ظالمين لأنفسهم وانما التقدير ههنا إلا الذين ظلموا منهم أهل الإيمان وقولوا ءامنا بالذي أنزل إلينا من القرآن وأنزل إليكم من التوراة والإنجيل والزبور وإلاهنا وإلاهكم واحد أي معبودنا واحد لا ما اتخذتموه إلها ونحن له مسلمون أي خاضعون متذللون لما أمرنا به ونهانا عنه

بسم الرحمن الرحيم
سورة لقمان وآلم السجدة
حدثنا أبو جعفر قال حدثنا يموت بإسناده عن ابن عباس قال سورة لقمان نزلت بمكة فهي مكية سوى ثلاث آيات منها نزلن بالمدينة وذلك أنه لما هاجر رسول الله إلى المدينة أتته أحبار اليهود فقالوا يا محمد بلغنا أنك تقول وما أوتيتم من العلم إلا قليلا لإسراء 185 أفعنيتنا أم غنيت غيرنا فقال رسول الله عنيت الجميع فقال له اليهود يا محمد أوما تعلم أن الله عز و جل أنزل التوراة على موسى وخلفها موسى فينا ومعنا فقال النبي لليهود التوراة وما فيها من أنباء قليل في علم الله عز و جل فأنزل الله عز و جل بالمدينة ثلاث آيات وهن قوله ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله لقمان 27 إلى تمام الثلاث آيا ت

قال وسورة آلم السجدة نزلت بمكة وهي مكية سوى ثلاث آيات منها نزلن بالمدينة في رجلين من قريش شجر بينهما كلام فقال أحدهما

للآخر أنا أذرب منك لسانا وأحد منك سنانا وأرد للكتيبة فقال له الآخر اسكت فإنك فاسق فأنزل الله تعالى أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون السجدة 8 ا إلى تمام الثلاث آيات
قال أبو جعفر في سورة آلم السجدة موضع واحد قال جل وعز فأعرض عنهم وانتظر إنهم منتظرون السجدة 30
حدثنا أبو جعفر قال حدثنا أبو الحسن عليل بن أحمد قال حدثنا محمد بن هشام قال حدثنا عاصم بن سليمان قال حدثنا جويبر عن

الضحاك عن ابن عباس فأعرض عنهم قال عن مشركي قريش بمكة وانتظر إنهم منتظرون قال نسختها آية السيف في براءة لقوله عز و جل فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم الآية

بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الأحزاب
حدثنا أبو جعفر قال حدثنا يموت بإسناده عن ابن عباس قال وسورة الأحزاب نزلت بالمدينة فهي مدنية

باب ذكر الآية الأولى من هذه السورة
قال الله تعالى ادعوهم لأباءهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا ءاباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم الأحزاب ه كان هذا ناسخا لما كانوا عليه من التبني وكان رسول الله قد تبنى زيد بن حارثة فنسخ التبني وأمر أن يدعوا من دعوا إلى أبيه المعروف فإن لم يكن له أب معروف نسبه إلى ولائه المعروف فإن لم يكن له ولاء معروف قال بأخي يعني في الدين قال الله عز و جل إنما المؤمنون اخوة الحجرات 10
وهذا من نسخ السنة بالقرآن كما حدثنا علي بن الحسين قال حدثنا الحسن بن محمد قال حدثنا حجاج بن محمد عن ابن جريج قال حدثنا موسى بن عقبة أن سالم بن عبدالله حدثه عن عبدالله بن عمر عن زيد بن حارثة قال ما كنا ندعوه إلا زيد بن محمد حتى نزلت ادعوهم لأباءهم
قال أبو جعفر وقد ذكرنا وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين الأحزاب 6 وكذا يا أيها الذين ءامنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها فمتعوهن الأحزاب 49

باب ذكر الأية الثانية من هذه السورة
قال الله عز و جل لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن إلا ما ملكت يمينك الأحزاب
للعلماء في هذه الآية ثمانية أقوال منهم من قال هي منسوخة بالسنة ومنهم من قال هي منسوخة بآية أخرى وكان الله قد حظر عليه التزوج بعد من كان عنده ثم أطلقه له وأباحه بقوله تعالى ترجى من تشاء منهن وتئوي إليك من تشاء الأحزاب 51
ومن العلماء من قال الآية محكمة ولم يكن له صلى الله عليه و سلم أن يتزوج سوى من كان عنده ثوابا من الله عز و جل لهن حين اخترن الله عز و جل ورسوله والدار الآخرة
ومنهم من قال هي محكمة ولكن لما حظر عليهن أن يتزوجن بعد موته حظر عليه أن يتزوج غيرهن
ومنهم من قال المعنى لا يحل لك النساء من بعد هذه القصة يعني إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي ءاتيت أجورهن الآية
ومنهم من قال لا يحل لك النساء بعد المسلمات ولا تتزوج بيهودية ولا نصرانية
ومنهم من قال المعنى لا تبدل واحدة من أزواجك بيهودية ولا نصرانية

والقول الثامن أن النبي لما قال الله عز و جل ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله له سنة الله في الذين خلوا من قبل الأحزاب 38 كان له أن يتزوج من النساء من شاء بنير عدد محظور كماكان للأنبياء قبله صلى الله عليه و سلم وعليهم أجمعين
فالقول الأول أن الآية منسوخة بالسنة يدل عليه حديث عائشة رضي الله عنها كما قرىء على علي بن سعيد بن بشير عن أبي كريب قال حدثنا ابن عيينة عن عمرو عن عطاء عن عائشة رضي الله عنها قالت ما مات رسول الله حتى أحل له النساء فدل هذا الحديث على أن عاثشة رضي الله عنها قد كان عندها أنه حظر عليه التزوج ثم أطلق له وأبيح وكان هذا على قول من أجاز أن ينسخ القرآن بالسنة
والقول الثاني عن جماعة من جلة الصحابة والتابعين كما حدثنا أحمد بن محمد الأزدي قال حدثنا جعفر بن سليمان قال حدثنا إبراهيم بن المنذر قال حدثنا عمر بن أبي بكر الموصلي قال

حدثنا المغيرة بن عبدالرحمن عن أبي النضر مولى عمر بن عبيدالله عن عبدالله بن وهب بن زمعة عن أم سلمة قالت لم يمت رسول الله حتى أحل الله له أن يتزوج من النساء من شاء إلا ذات محرم وذلك قول الله تعالى ترجى من تشآء منهن وتئوي إليك من تشاء الأحزاب 51
وهذا والله أعلم أولى ما قيل في الآية وهو قول عائشة رضي الله عنها واحد في النسخ
وقد يجوز أن تكون عائشة أرادت أحل له ذلك بالقرآن
وهو مع هذا قول علي بن أبي طالب وابن عباس وعلي بن الحسين والضحاك
وقد عارض بعض فقهاء الكوفيين فقال محال أن تنسخ هذه الآية يعني ترجى من تشاء منهن وتئوي إليك من تشاء الأحزاب لا يحل لك النساء من بعد الاحزاب 52 وهي قبلها في المصحف الذي أجمع المسلمون عليه وقول من قال نسخت بالسنة لأنه مذهب بعض الكوفيين

قال أبو جعفر وهذه المعارضة لا تلزم وقائلها غالط لأن القرآن بمنزلة سورة واحدة كما صح عن ابن عباس أنزل القرآن جملة واحدة إلى االسماء الدنيا في شهر رمضان ويبين لك أن اعتراض هذا لا يلزم قوله عز و جل والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج البقرة 240 منسوخة على قول أهل التأويل لا نعلم بينهم خلافا بالآية التي قبلها والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا البقرة 234
والقول الثالث أن المعنى أنه صلى الله عليه و سلم حظر عليه أن يتزوج على نسائه لأنهن اخترن الله ورسوله والدار الآخرة فعوضن هذا قول الحسن وابن سيرين وأبي بكر بن عبدالرحمن بن الحارث بن هشام
قال أبو جعفر وهذا القول يجوزأن يكون هكذا ثم نسخ
فإن قال كيف يجوز أن ينسخ ما كان ثوابا قيل يجوز أن ينسخ ما كان ثوابا بما هو أعظم منه في الثواب فيكون هذا نسخ وعوض منه أنهن أزواجه في الجنة فهذا أعظم خطرا وأجل مقدارا كما قال حذيفة لامرأته لا تزوجي بعدي فان آخر أزواج المرأة زوجها في الجنة

وكذلك حظر على نساء النبي أن يتزوجن بعده
والقول الرابع أنه لما حرم عليهن أن يتزوجن بعده حرم عليه أن يتزوج غيرهن قول أبي أمامة بن سهل بن حنيف
والقول الخامس أن المعنى لا يحل لك النساء من بعد هذه قول ابن أبي رزين وهو يروي عن أبي بن كعب وهو اختيار محمد بن جرير

والقول السادس أن المعنى لا تحل لك النساء من بعد المسلمات قول مجاهد وسعيد بن جبير وعكرمة قال مجاهد لئلا تكون كافرة أما للمؤمنين وهذا القول يبعد لأنه يقدره من بعد المسلمات ولم يجر للمسلمات ذكر
والقول السابع أنه حرم عليه أن يبدل بعض نسائه بيهودية أو نصرانية أبعد من ذلك لأن نص القرآن ولا أن تبدل بهن أزواج الاحزاب 52 وليس في القرآن ولا أن تبادل وحكى ابن زيد عن العرب أنها كانت تبادل بأزواجها يقول أحدهم خذ زوجتي وأعطني زوجتك قال أبو جعفر وهذا غير معروف عند الناقلين لأفعال العرب

والقول الثامن أن النبي كان له حلال أن يتزوج من شاء من النساء ثم نسخ ذلك قول محمد بن كعب القرظي قال وكذا كانت الأنبياء قبله تزوج سليمان سبعمائة امرأة حرة وكان له ثلاثمائة مملوكة فذلك ألف وكان لداود مائة امرأة منهن أم سليمان امرأة أوريا بن حنان

قال عمر بن غفرة لما قالت اليهود ما لمحمد شغل إلا التزوج فحسدوه على ذلك فأنزل الله عز و جل أم يحسدون الناس على ما ءاتاهم الله من فضله فقد ءاتينا ءال إبراهيم الكتاب والحكمة وءاتيناهم ملكا عظيما النساء 54 كان لسليمان صلى الله عليه و سلم ألف امرأة منها سبعمائة حرة وكان لداود مائة امرأة

بسم الله الرحمن الرحيم
سورة سبأ وفاطر ويس والصافات
حدثناأبو جعفر قال حدثنا يموت بإسناده عن ابن عباس أنهن نزلن بمكة ولم يجد فيهن إلا آية واحدة في والصافات قال جل ثناؤه فلما بلغ معه السعي قال يابني إني أرى في المنام أني أذبحك الصافات 102 إلى تمام القصة
للعلماء في هذه الآية ثلاثة أقوال منهم من قال هي منسوخة واحتج بقوله عز و جل قال يا أبت افعل ما تؤمر الصافات 102 وأن بعده وفديناه بذبح عظيم وأجاز قائل هذا أن ينسخ الشيء قبل أن يعمل به واحتج بأن رسول الله فرضت عليه خمسون صلاة ثم نقلت إلى خمس واحتج بقوله تعالى يا أيها الذين ءامنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة المجادلة 13 وأن بعده فإذ لم

تفعلوا المجادلة 12 الآية وبقوله تعالى الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا
واحتج بقول الشافعي إن الله عز و جل إذا فرض شيئا استعمل عباده منه بما أحب ثم نقلهم اذا شاء
قال أبو جعفر فهذا قول والقول الثاني أن هذا مما لا يجوز فيه نسخ لأنه أمر بشيء ليس بممتد ولا يجوز النسخ في مثل هذا ومثل هذا لو قال قائل لرجل قم ثم قال له لا تقم لكان هذا بدآء ولا يجوز أن يكون هذا من صفات الله تعالى أن يقال اذبح ثم يقال لا تذبح فهذا عظيم من القول لايقع فيه ناسخ ولا منسوخ
وقال قائل هذا الذبح في اللغة القطع وقد فعل ذلك إبراهيم
والقول الثالث أن هذا أيضا لا يكون فيه نسخ وإنما أمر إبراهيم بالذبح والذبح فعله وقد فعل ما يتهيأ له وليس منعه من ذلك بمنسوب إليه أنه لم يفعل ما أمر به وهذا قول صحيح حسن عليه أهل التأويل
قال مجاهد لما أمر الله تعالى إبراهيم بذبح ابنه إسحاق عليه السلام قال له يا أبت خذ بناصيتي واجلس بين كتفي فلا أوذيك اذ وجدت حر السكين فلما وضع الي السكين على حلقه وفي بعض الأخبار فلما أمر السكين على حلقه انقلبت فقال له ما لك يابه قال انقلبت

قال فاطعن بها طعنا قال ففعل فانثنت فعلم الله عز و جل منه الصدق ففداه بذبح عظيم
قال أبو جعفر فقد فعل إبراهيم عليه السلام ما أمر به والدليل على هذا قوله عز و جل وناديناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا الصافات 105 وهذا مما يجب أن يقف عليه المسلمون لئلا ينسب إلى الله عزوجل البداء
وإنما أشكل على قائل ذلك القول الأول قوله عز و جل وفديناه بذبح عظيم الصافات 107 لأنه جهل معناه ولم يدر من المفدي على الحقيقة وانما المفدي ابنه وإبراهيم عليه السلام قد فعل ما أمر به فأما القول الثاني فلو صح عن أهل التأويل لما امتنع القول به
والقول الأول عظيم من القول واحتجاج صاحبه بحديث النبي أنه أمر أن يأمر أمته بخمسين صلاة ثم نقل ذلك إلى خمس لا حجة له فيه لأنه ليس فيه نسخ ولا نعلم أن أحدا من العلماء قال نسخ الشيء من قبل أن ينزل من السماء إلى الأرض إلا القاساني فإنه خرج عن قول الجماعة ليصح له قوله إن البيان لا يتأخر
وإنما أمر النبي أن يأمر أمته بخمسين صلاة فمن قبل أن يأمرهم راجع
وانما مثل هذا أن يأمر الله عز و جل جبريل عليه السلام بشيء فيراجع فيه فينقص منه أو يزال ولا يقال لهذا نسخ
وأما الاحتجاج بقوله عز و جل الأن خفف عنكم فمن أين لقائل هذا أن الآية الأولى لم يعمل بها

وأما احتجاجه بقوله عز و جل فإذ لم تفعلوا فمن أين له أيضا أن الآية الأولى لم يعمل بها
وقد حدثنا جعفر بن مجاشع قال حدثنا إبراهيم بن إسحاق قال
حدثنا أبو نعيم عن موسى بن قيس عن سلمة بن كهيل يا أيها الذين ءامنوا إذا ناجيتم الرسرل فقدموا بين يدي نجواكم صدقة قال أول من عمل بها علي بن أبي طالب رضي الله عنه ثم نسخت
وقد قال الله عز و جل علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم وإنما فعل هذا واحد
واحتجاجه بقول الشافعي لا معنى له لأن قول الشافعي إذا فرض الله شيئا استعمل عباده بما أحب منه لا دليل فيه على أن الشيء ينسخ قبل أن يستعمل بل لو قال قائل بل فيه دليل على أن الشيء لا ينسخ حتى يستعمل أو يستعمل بعضه لكان أولى بالصواب
والدليل على أن الشيء لا ينسخ قبل أن يستعمل أن احتجاج العلماء في النسخ أن معناه إذا قلت افعل كذا وكذا في معناه إلى وقت كذا أو بشرط كذا فاذا نسخ فانما أظهر ذلك الذي كان مضمرا

فاذا قيل صلوا الى بيت المقدس فمعناه إلى أن أزيل ذلك أو إلى وقت كذا أو على أني أزيل ذلك وقت كذا وقد علم الله عز و جل حقيقة ذلك ولا يجوز أن يقال صل الظهر بعد الزوال على أني أزيلها عنك مع الزوال
قال أبو جعفر وهذا بين وأقوال العلماء أن البيان يجوز أن يتأخر فخالفهم قائل هذا وجعله نسخا ولو جاز أن يقال لهذا نسخ لجاز أن يقال في قول الله عز و جل إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة ثم بين ما هي فلا يقول أحد من الأمة إن هذا نسخ
واحتجاجه بقول الشافعي مخالف فيه لأن أصحاب الشافعي الحذاق لا نعلم بينهم خلافا أن البيان يتأخر
وممن احتج منهم لتأخره ابن سريج لقول الله تعالى فإذا قرأناه فاتبع قرءانه ثم إن علينا بيانه وثم في اللغة تدل على أن الثاني بعد الأول
قال أبو جعفر والدليل على أن البيان خلاف النسخ أن البيان يكون في الأخبار والنسخ لا يكون في الأخبار
وأيضا فإن البيان يكون معه دليل يدل على الخصوص إذا كان اللفظ عاما أو كان خاصا يراد به العام كما قال جل ثناؤه إن أفي الإنسان لفي خسر فلما قال إلاالذين ءامنوا دل على أن الإنسان بمعنى

الناس وقال جل وعز والملك على أرجاءها علم أن الملك يمعنى الملائكة
فهكذا الخصوص والعموم وهكذا التخصيص في الاستثناء لا يسمى نسخا
وهذا الباب من اللغة يحتاج إليه كل من نظر في العلم وبالله التوفيق

بسم الله الرحمن الرحيم باب سورة ص والزمر
حدثناأبو جعفر قال حدثنا يموت بإسناده عن ابن عباس أنهما نزلتا بمكة سوى ثلاث آيات منها نزلن بالمدينة في وحشي قاتل حمزة رضي الله عنه فإنه أسلم فدخل المدينة فكان يثقل على رسول الله النظر إليه حتى ساء ظن وحشي وخاف أن يكون الله عز و جل لم يقبل إسلامه فأنزل الله تعالى بالمدينة ثلاث آيات وهي قوله عزوجل قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إلى تمام ا لثلاث آيات
قال أبو جعفر في ص ثلاث مواضع مما يصلح في هذا الكتاب فالموضع الأول قوله تعالى اصبر على ما يقولون ثم أمر بعد ذلك بالمدينة بالقتال
وقد يجوزأن يكون هذا غير منسوخ ويكون هذا تأديبا من الله عز و جل له وأمرا منه بالصبر على أذاهم لأن التقدير اصبر على ما يقولون مما يؤذونك به

والدليل على هذا أن قبله ذكر ما قد آذوه به قال الله عزوجل وقالوا ربنا عجل لنا قطنا قبل يوم الحساب لأنهم قالوا هذا استهزاء وإنكار لما جاء به
كما حدثنا بكر بن سهل قال حدثنا عبدالله بن صالح قال حدثنا معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس وقالوا ربنا عجل لنا قطنا قال العذاب
وقال قتادة نصيبا من العذاب قال ذلك أبو جهل اللهم إن كان ما جاء به محمد حقا فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم
وقال السدي قالوا للنبي صلى الله عليه و سلم أرنا منازلنا من الجنة نتبعك
قال إسماعيل بن أبي خالد عجل لنا قطنا أي رزقنا
وقرىء على أحمد بن محمد بن الحجاج عن يحيى بن سليمان قال وحدثنا وكيع قال حدثنا سفيان عن أبي المقدام عن سعيد بن جبير

وقالوا ربنا عجل لنا قطنا قال نصيبنا من الآخرة
قال أبو حعفر وهذا من أحسن ما روي فيه وأصل القظ في كلام العرب الكتاب بالجائزة فهو النصيب وهو مشتق من قولك قط أي حسب أي يكفيك ويجوزأن يكون مشتقا من قططت أي قطعت
قال أبو جعفر وقد ذكرنا قول أهل التأويل فيه وأهل اللغة في اشتقاته إلا شيئا حكاه العتبي أنهم لما أنزل الله عز و جل فأما من أوتى كتابه بيمينه الآية قالوا ربنا عجل لنا كتبنا حتى ننظر أيقع في أيماننا أم في شمائلنا استهزاء فأنزل الله عز و جل وقالوا ربنا عجل لنا قطنا
قال أبو جعفر وهذا القول أصله عن الكلبي وكثير مما يعتمد عليه العتبي والفداء وأهل الدين من أصحاب الحديث يحظرون ذكر شيء عن الكلبي ولا سيما في كتاب الله عزوجل
والموضع الآخر قوله عز و جل فطفق مسحا بالسوق والأعناق فمن العلماء من قال أبيح هذا ثم نسخ وحظر علينا قال الحسن قطع أسواقها وأعناقها فعوضه الله مكانها خيرا منها وسخر له الريح

وأحسن من هذا القول ما رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس قال طفق يمسح أعناقها وعراقيبها وهذا أولى التأويلين لأنه لا يجوز أن ينسب إلى نبي من الأنبياء أنه عاقب خيلا ولا سيما بغير جناية منها إنما شغل بالنظر إليها ففرط في صلاة فلاذنب لها في ذلك
وروى الحارث عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال الصلاة التي فرط فيها سليمان صلى الله عليه و سلم العصر

والموضع الثالث قوله عز و جل وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث
فمن العلماء من قال هذا منسوخ في شريعتنا وإذا حلف رجل أن يضرب إنسانا عشر ضربات ثم لم يضربه عشر مرات حنث
وقال قوم بل لا يحنث إذا ضربه بما فيه عشرة بعد أن تصيبه

العشرة فهذا قول الشافعي رحمه الله ومن قبله عطاء قال هي عامة
وقال مجاهد هي خاصة وأهل المدينة يميلون إلى هذا القول

بسم الله الرحمن الرحيم
الحواميم السبع
حدثناأبو جعفر قال حدثناي يموت بإسناده عن ابن عباس أنهن نزلن بمكة

قال أبو جعفر وانما نذكر ما نزل بمكة والمدينة لأن فيها أعظم الفائدة في الناسخ والمنسوخ لأن الآية اذا كانت مكية وكان فيها حكم وكان في غيرها مما نزل بالمدينة حكم غيره علم أن المدنية نسخت المكية
وجدنا في الحواميم ثمانية مواضع منها قي حمعسق خمسة مواضع

باب في ذكرالموضع الأول
قال الله عز و جل والملائكة يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون لمن فى الأرض حدثنا جعفر بن مجاشع قال حدثنا إبراهيم الحربي قال حدثناأحمد بن منصور قال حدثنا إبراهيم بن خالد قال حدثنا داود بن قيس الصنعاني قال دخلت على وهب بن منية مع ذي جولان فسألته عن قوله ويستغفرون لمن في الأرض قال نسختها الآية التي في غافر ويستغفرون للذين ءامنوا
قال أبو جعفر هذا لا يقع في ناسخ ولا منسوخ لأنه خبر من الله تعالى ولكن يجوز أن يكون وهب بن منية أراد هذه الآية على نسخة تلك الآية لأنه لا فرق بينهما وكذا يجب أن يتأول للعلماء ولا يتأول عليهم الخطأ العظيم إذا كان لما قالوه وجه
والدليل على ما قلناه ما حدثناه أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة قال ثنا عبدالرزاق قال حدثنا معمر عن قتادة في قوله تعالى ويستغفرون لمن في الأرض قال للمؤمنين منهم

باب ذكر الموضع الثاني
قال الله تعالى إخبارا لنا أعملنا ولكم أعمالكم لاحجة بيننا وبينكم
فيها قولالن محتملان فمن ذلك ما حدثناه عليل بن أحمد قال حدثنا محمد بن هشام قال حدثنا عاصم بن سليمان عن جويبر عن الضحاك عن ابن عباس قال وقوله تعالى لنا اعمالنا ولكم اعمالكم مخاطبة لليهود أي لنا ديننا ولكم دينكم قال ثم نسخت بقوله تعالى قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولاباليوم الأخر الآية
وكذا قال مجاهد لنا أعملنا ولكم أعمالكم أي لنا ديننا ولكم دينكم لاحجة بيننا وبينكم أي لا خصومة وهذا لليهود ثم نسخها قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الأخر فهذا قول
والقول الثاني أن تكون غير منسوخة أي لا حجة بيننا وبينكم لأن البراهين قد ظهرت والحجج قد قامت

والقول الأول يجوز لأن معنى لا حجة بيننا وبينكم على ذلك القول لم نؤمر أن نحتج عليكم ونقاتلكم ثم نسخ هذا كما أن قائلا لو قال من قبل أن تحول القبلة لا نصلي إلى الكعبة ثم حول الناس بعد لجازأن يقال نسخ ذلك

باب ذكر الموضع الثالث
قال الله عز و جل من كان يريد حرث الاخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له فى الاخرة من نصيب
فيه قولان فمن ذلك ما حدثناه عليل بن أحمد قال حدثنا محمد بن هشام قال حدثنا عاصم بن سليمان عن جويبر عن الضحاك عن ابن عباس قال وقوله تعالى من كان يريد حرث الأخرة من كان من الأبرار يريد بعمله الصالح ثواب الأخرة نزد له في حرئه أي في حسناته ومن كان يريد حرث الدنيا أي من كان من الفجاز يريد بعمله الحسن الدنيا نؤتة منها ثم نسخ ذلك في سورة سبحان من كان يريد العاجلة عجلنا له وفيها ما نشاء لمن نريد
والقول الآخر أنها غير منسوخة وهو الذي لا يجوز غيره لأن هذا خبر والأشياء كلها بإرادة الله عز و جل ألا ترى أنه قد صح عن رسول الله صلى الله عليه و سلم لا يقل أحدكم اللهم اغفر لي إن شئت اللهم ارحمني ان شئت

قال أبو جعفر إلا أنه يجوز أن يتأول للقول الأول أن يكون معناه هذه على نسخة هذه فيصح ذلك وربما أغفل من لم ينعم النظر في مثل هذا فجعل في الأخبار ناسخا ومنسوخا فلحقه الغلط العظيم والدليل على أنها غير منسوخة أنه خبر وقد قال قتادة في الآية من آثر الدنيا على الآخرة وكدح لها لم يكن له في الآخرة إلا النار ولم يزدد منها شيئا إلا ما قسم الله عز و جل

باب ذكرالموضع ا لرابع
قال الله عز و جل قل لا أسئلكم عليه أجرا إلا المودة في القربى
في هذه الآية أربعة أقوال
فمن ذلك ما حدثناه عليل بن أحمد قال حدثنا محمد بن هشام قال حدثنا عاصم بن سليمان عن جويبر عن الضحاك عن ابن عباس قل لآ أسئلكم عليه أجرا قال لا أسألكم على الإيمان جعلا إلا أن تودوني لقرابتي وتصدقوني وتمنعوا مني ففعل ذلك الأنصار ومنعوا منه منعهم عن أنفسهم وأولادهم ثم نسختها قل ماسألتكم من أجر فهو لكم إن أجري إلا على الله
ومذهب عكرمة أنها ليست بمنسوخة قال كانوا يصلون أرحامهم فلما بعث النبي صللى الله عليه وسلم قطعوه فقال قل لا أسألكم عليه أجرا إلا أن تودوني وتحفظوني لقرابتي ولا تكذبوني
وفي رواية قيس عن الأعمش عن سعيد بن جبير عن ابن عباس لما أنزل الله عز و جل قل لا اسئلكم عليه أجرا إلا المودة في القربى قالوا يا رسول الله من هؤلاء الذين نود بهم قال

علي وفاطمة وولدهما صلوات الله عليهم
والقول الرابع من أجمعها وأبينها كما قرىء على عبدالله بن الصقر بن نصر عن زياد بن أيوب قال حدثنا هشام قال حدثنا عوف ومنصور عن الحسن قل لا أسئلكم عليه أجرا إلا المودة فى القربى قال التقرب إلى الله عز و جل والتودد إليه بطاعته فهذا قول حسن
ويدل على صحته الحديث المسند عن رسول الله صلى الله عليه و سلم كما حدثناأحمد بن محمد الأزدي قال حدثنا الربيع بن سليمان المرادي قال حدثنا أسد بن موسى قال حدثنا قزعة وهو ابن أبي سويد البصري قال حدثنا عبدالله بن أبي نجيج عن مجاهد عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لا أسألكم على ما آتيتكم به من البينات والهدى أجرا إلا أن توآدوا الله عز و جل وأن تتقربوا إليه بطاعته

فهذا المبين عن الله عز و جل قد قال هذا وكذا قالت الأنبياء صلوات الله عليهم قبله إن أجري إلا على الله

باب ذكر الموضع الخامس
قال الله عز و جل والذين إذآ أصابهم البغي هم ينتصرون
زعم ابن زيد أنها منسوخة قال المسلمون ينتصرون من المشركين ثم نسخها أمرهم بالجهاد
وقال غيره هي محكمة والانتصار من الظالم بالحق تقويم له محمود ممدوح صاحبه كان الظالم مسلمأ أو مشركا كما روى أسباط عن السدي والذين إذآ أصابهم البغي هم ينتصرون قال ينتصرون ممن بغى عليهم من غيرأن يتعدوا
وهذا أولى من قول ابن زيد لأن الآية عامة
وجزاؤا سيئة سيئة مثلها أولى ما قيل فيه معاقبة المسيء بما يجب عليه وسميت الثانية سيئة لأنها مساءة للمقتص منه والنحويون يقولون هذا على الازدواج
وأكثر العلماء على أن هذا في العقوبات والقصاص وأخذ المال لا في الكلام إلا ابن أبي نجيح كما حدثنا علي بن الحسين عن الحسن بن محمد عن ابن عليه عن ابن أبي نجيح وجزاؤا سيئة سيئة مثلها قال

إذا قال له أخزاك الله قال له أخزاك الله
وقال ابن زيد هذا كله منسوخ بالجهاد وكذا عنده ولمن انتصر بعد ظلمه إنما هو للمشركين خاصة
وقول قتادة أنه عام وكذا يدل ظاهر الكلام والله أعلم

باب ذكر الموضع الذي في الزخرف
قال الله عز و جل فاصفح عنهم وقل سلام فسوف يعلمون
جماعة من العلماء يقولون إنها منسوخة بالأمر بالقتال فمن ذلك ما حدثناه عليل بن أحمد قال حدثنا محمد بن هشام قال حدثنا عاصم بن سليمان عن جويبر عن الضحاك عن ابن عباس فاصفح عنهم أي أعرض عنهم وقل سلام أي معروفا أي قل لمشركي أهل مكة فسوف يعلمون ثم نسخ هذا في سورة براءة بقوله جل وعز فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم الآية
قال أبو جعفر وحدثنا جعفر بن مجاشع قال حدثنا إبراهيم بن إسحاق قال حدثنا أحمد بن نيزك عن الخفاف عن سعيد عن قتادة فاصفخ عنهم قال ثم نسخ ذلك وأمر بالقتال

باب ذكر الموضع الذي في الجاثية
قال الله عز و جل قل للذين ءامنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله ليجزى قوما بما كانوا يكسبون
قال جماعة من العلماء هي منسوخة
فمن ذلك ما حدثناه عليل بن أحمد قال حدثنا محمد بن هشام قال حدثنا عاصم بن سليمان عن جويبر عن الضحاك عن ابن عباس قل للذين ءامنوا يغفروا نزلت في عمر بن الخطاب رضي الله عنه شتمه رجل من المشركين بمكة قبل الهجرة فأراد أن يبطش به فأنزل الله تعالى قل للذين ءامنوا يعني عمر بن الخطاب رضي الله عنه يغفروا للذين لا يرجون أيام الله ويعفوا ويتجاوزوا للذين لا يخافون مثل عقوبات الأيام الخالية ليجزي قوما بما كانوا يكسبون ثم نسخ

هذا في براءة بقوله تعالى فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم
حدثنا أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة قال حدثنا عبدالرزاق قال حدثنا معمر عن قتادة في قوله عز و جل قل للذين ءامنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله قال نسختها فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم

باب ذكر الآية التي في الاحقاف
قال الله عز و جل قل ما كنت بدعا من الرسل وما أدري ما يفعل بي ولا بكم
قرىء على محمد بن جعفر بن حفص عن يوسف بن موسى قال حدثنا حسين بن علي الجعفي عن سفيان وما أدري ما يفعل بي ولا بكم قال يرون أنها نزلت قبل الفتح وفي رواية الضحاك عن ابن عباس نسختها إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ماتقدم من ذنبك وما تأخر الآية

قال أبو جعفر فمحال أن يكون في هذا ناسخ ولا منسوخ من جهتين إحداهما أنه خبر والآخر أن من أول السورة إلى هذا الموضع فيه خطاب للمشركين واحتجاج عليهم وتوبيخ لهم فوجب أن يكون هذا أيضا خطابا للمشركين كما كان ما قبله وما بعده وبحال أن يقول صلى الله عليه و سلم للمشركين وما أدري ما يفعل بي ولا بكم في الآخرة ولم يزل صلى الله عليه و سلم من أول مبعثه إلى وفاته يخبر أن من مات على الكفر مخلد في النار ومن مات على الإيمان واتبعه وأطاعه فهو في الجنة فقد رأى صلى الله عليه و سلم ما يفعل به وبهم في الآخرة وليس يجوز أن يقول لهم ما أدري ما يفعل بي ولا بكم في الآخرة فيقولوا كيف نتبعك وأنت لا تدري أتصير إلى خفض ودعة أم إلى عذاب وعقاب
والصحيح في معنى الآية قول الحسن كما قرىء على محمد بن جعفر بن حفص عن يوسف بن موسى قال حدثنا وكيع قال حدثنا أبو بكر الهذلي عن الحسن وما أدري ما يفعل بي ولابكم في الدنيا

قال أبو جعفر وهذا أصح قول وأحسنه لا يدري رسول الله ما يلحقه وإياهم من مرض وصحة ورخص وغلاء وغنى وفقر ومثله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء إن أنا إلآ نذير وبشير

بسم الله ا لرحمن الرحيم
سورة محمد صلى الله عليه و سلم
حدثنا يموت بإسناده عن ابن عباس قال سورة محمد صلى الله عليه و سلم مدنية
قال أبو جعفر وجدنا فيها موضعين

باب ذكر الموضع ا لأول
قال الله عز و جل فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها
في هذه الآية خمسة أقوال من العلماء من قال إنها منسوخة وهي في أهل الأوثان لا يجوز أن يفادوا ولا يمن لاعليهم والناسخ لها عندهم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم
ومنهم من قال هي في الكفار جميعا وهي منسوخة
ومنهم من قال هي ناسخة ولا يجوز أن يقتل الأسير ولكن يمن عليه أو يفادى به
ومنهم من قال لا يجوز الأسر إلا بعد الإثخان والقتل فإذا أسر العدو بعد ذلك فللإمام أن يحكم فيه بما يرى من قتل أو من أو مفاداة
والقول الخامس أنها محكمة غير ناسخة ولا منسوخة والإمام مخير أيضا
فممن قال بالقول الأول ابن جريج وجماعة معه فمن ذلك ما حدثنا الحسن بن غليب عن يوسف بن عدي قال حدثنا بن المبارك عن ابن

جريج فإما منا بعد وإما فدآء قال نسختها فاقتلوأ المشركين حيث وجدتموهم
قال أبو جعفر وهذا معروف من قول ابن جريج أن الآية منسوخة وأنها في كفار العرب وهو قول السدي وكثير من الكوفيين
والقول الثاني أنها في جميع الكفار وأنها منسوخة قول جماعة من العلماء وأهل النظر وقالوا إذا أسر المشرك لم يجز أن يمن عليه ولا أن يفادى به فيرد إلى المشركين ولا يجوز عنده أن يفادى إلا بالمرأة لأنها لا تقتل والناسخ لها فافتلوا المشركين حيث وجدتموهم إذ كانت براءة آخر ما نزلت بالتوقيف فوجب أن يقتل كل مشرك إلا من قامت الدلالة على تركه من النساء والصبيان ومن يؤخذ منه الجزية قالوا والحجة لنا في قتل النبي صلى الله عليه و سلم عقبة بن أبي معيط وأبا عزة فيل فإن هذين

وغيرهما أهل أوثان بعد هذا لأن عقبة قتل يوم بدر وأبا عزة يوم أحد قالوا فليس في هذا حجة فقيل فإن ثبت في هذا حجة فهو القتل كما هو
فأما الاحتجاج بما فعله أبو بكر الصديق وعمر وعلي رضي الله عنهم من المن فليس فيه حجة لأن أبا بكر رضي الله عنه إنما من على الأشعث لأنه مرتد فحكمه أن يستتاب
وانما من عمر رضي الله عنه على الهرمزان لأنه احتال عليه بأن قال له اشرب فلا بأس عليك فقال له قد أمنتني

وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه إنما من على قوم مسلمين يشهدون شهادة الحق ويصلون ويصومون قال أبو أمامة كنت معه بصفين فكان إذا جيء بالأسير استحلفه أن لا يكثر عليه ودفع إليه أربعة دراهم وخلاه وكان هذا مذهبه رحمة الله عليه أن لا يقتل الأسير من المسلمين ولا يغنم ماله ولا يتبعه إذا وثن ولا يجهز على جريح فكانت هذه سنته في قتال من بغى من أهل القبلة
وحدثناأبو جعفر قال وحدثنا أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة قال حدثنا عبدالرزاق قال أخبرنا معمر عن قتادة فإما منا بعد وإما فدآء قال نسختها فشردبهم من خلفهم
وقال مجاهد نسخها فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وهو قول الحكم
والقول الثالث أنها ناسخة قول الضحاك وجماعة غيره كما روى

الثوري عن جويبر عن الضحاك فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم قال نسخها فإما منا بعد وإما فداء
ومن ذلك ما حدثناه الحسن بن غليب عن يوسف بن عدي قال حدثنا ابن المبارك عن ابن جريج عن عطاء فإما منا بعد وإما فداء قال فلا يقتل المشرك ولكن يمن عليه ويفادى إذا أسر كما قال الله عز و جل
قال أشعث كان الحسن يكره أن يقتل الأسير ويتلو فإما منا بعد وإما فدآء
والقول الرابع رواه شريك عن سالم الأفطس عن سعيد بن جبير قال لا يكون فداء ولا أسر إلا بعد الأثخان والقتل بالسيف
والقول الخامس قاله كثير من العلماء كما حدثنا بكر بن سهل قال ثنا عبدالله بن صالح قال حدثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس فإما منا بعد وإما فدآء قال فجعل الله عز و جل النبي صلى الله عليه و سلم

والمؤمنين بالخيار في الأسارى إن شاءوا قتلوهم وإن شاءوا استعبدوهم وإن شاءوا فادوا بهم
قال أبو جعفر وهذا على أن الآيتين محكمتان معمول بهما وهو قول حسن لأن النسخ إنما يكون بشيء قاطع فإذا أمكن العمل بالآيتين فلا معنى للقول بالنسخ إذ كان يجوز أن يقع التعبد إذا لقينا الذين كفروا قبل الأسر قتلناهم فإذا كان الأسر جاز القتل والمفاداة والمن على ما فيه الصلاح للمسلمين
وهذا القول يروى عن أهل المدينة والشافعي وأبي عبيد وبالله التوفيق

باب ذكر الموضع الثاني
قال الله عز و جل فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون
قال أبو جعفر من قال هذه ناسخة لقوله تعالى وإن جنحوا للسلم فاجنح لها احتج بأن في هذه المنع من الميل إلى الصلح اذا لم يكن بالمسلمين حاجة إلى ذلك الصلح
وقد قيل هاتان الآيتان نزلتا في وقتين مختلفين
وقيل يجوز أن يكون وإن جنحوا للسلم في قوم بأعيانهم وتكون هذه الآية عامة

بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الفتح والحجرات
حدثنا أبو جعفر قال حدثنا يموت بإسناده عن ابن عباس أنهما نزلتا بالمدينة وقد ذكرنا قول من قال إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ماتقدم من ذنبك وما تأخر ناسخ لقوله تعالى وما أدري ما يفعل بي ولا بكم وأن هذا لا يكون فيه نسخ ولم نذكر معنى إنا فتحنا لك على استقصاء وهذا موضعه
فمن الناس من يتوهم أنه يعني بهذا فتح مكة وذلك غلط والذي عليه الصحابة والتابعون غيره حتى كأنه إجماع كما روى أبو إسحاق عن

البراء إنا فتحنا لك فتحا مبينا قال تعدون الفتح فتح مكة وإنما نعده فتح الحديبية كنا أربع عشرة مائة
وكذا روى الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال تعدون الفتح فتح مكة وإنما هو الحديبية
وكذا قال أنس بن مالك وابن عباس وسهل بن حنيف والمسور بن مخرمة
وقال به من التابعين الحسن ومجاهد والزهري وقتادة وفي تسمية فتح الحديبية فتحا أقوال العلماء بينة ولو لم يكن فيها إلا أن الله تعالى أنزل على نبيه صلى الله عليه و سلم لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت

الشجرة بعد أن عرفه المغفرة له ثم لم ينزل بعد ذلك سخطا على من رضي عنه وأيضا فإن الحديبية بئر ورد عليها المسلمون وقد غاض ماؤها فتفل رسول الله صلى الله عليه و سلم فيها فجاء بالماء حتى عمهم ولم يكن بين المسلمين والكفار إلا ترام حتى كان الفتح
وقد كان بعض العلماء يتأول أنه إنما قيل ليوم الحديبية الفتح لأنه كان سببا لفتح مكة وجعله مجازا كما يقال قد دخلنا المدينة إذا قاربنا دخولها
وأبين ما في هذا ما حدثناه أحمد بن محمد بن الحجاج قال حدثنا يحيى بن سليمان قال حدثني الأجلح عن محمد بن إسحاق عن ابن شهاب بإسناده لم قال لم يكن في الإسلام فتح أعظم منه كانت الحرب قد حجرت بين الناس فلا يتكلم أحد وإنما كان القتال فلما كانت الحديبية والصلح وضعت الحرب وأمن الناس فتلاقوا ولم يكلم أحد بعقد الإسلام إلا دخل فيه ولقد دخل في تلك السنين مثل من كان قبل ذلك أو أكثر
وهذا قول حسن بين

وقال جل وعز لا يستوى منكم من أنفق من مقبل الفتح وقتل أولئك أعظم درجه من الذين أنفقوا من بعد وقتلوا كان هذا في يوم الحديبية أيضا جاء بذلك التوقيف عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال لأصحابه هذا فرق ما بينكم وبين الناس وفي الحديث لا تسبوا أصحابي فلو أنفق أحدكم ملء الأرض ما بلغ من أحدهم ولا نصيفه وهذا في الذين أنفقوا قبل الحديبية وقاتلوا

بسم الله الرحمن الرحيم
سورة ق والذرايات والنجم والقمر والرحمن والواقعة

حدثناأبو جعفر قال حدثنا يموت بإسناده عن ابن عباس أنهن نزلن بمكة
قال أبو جعفر وجدنا فيهن خمسة مواضع في سورة ق موضع قال الله تعالى فاصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب ومن الليل فسبحه وأدبارالسجود يجوز أن يكون فاصبر على مايقولون منسوخا بقوله عز و جل قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الأخر الآية ويجوز أن يكون محكما أي اصبر على أذاهم فإن الله لهم بالمرصاد
وهذا نزل في اليهود جاء التوقيف بذلك لأنهم تكلموا بكلام لحق النبي صلى الله عليه و سلم منه أذى كما قرىء على إسحاق بن إبراهيم بن يونس عن هناد بن السري قال حدثنا أبو بكر بن عياش عن أبي سعد وهو سعيد بن المرزبان عن عكرمة عن ابن عباس قال هناد قرأته على أبي بكر أن اليهود جاءت إلى النبي صلى الله عليه و سلم فسألته عن خلق السماوات والأرض فقال خلق الله الأرض يوم الأحد ويوم الاثنين وخلق الجبال يوم الثلاثاء

بما فيها من المنافع وخلق الشجر والماء والمدائن والعمارات والخراب يوم الأربعاء قال الله تعالى قل أءنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين إلى سواء للسائلين قال لمن سأل وخلق السماء يوم الخميس وخلق النجوم والشمس والقمر والملائكة يوم الجمعة إلى ثلاث ساعات بقين منه وخلق في أول ساعة من هذه الثلاث الساعات الآجال حيث يموت من يموت وفي الثانية ألقى الآفة على كل شيء ينتفع به الناس وفي الثالثة آدم صلى الله عليه و سلم وأسكنه الجنة وأمر إبليس بالسجود له وأخرجه منها في آخر ساعة قالت اليهود ثم ماذا يا محمد قال ثم استوى على العرش قالوا قد أصبت لو تممت ثم استراح فغضب النبي صلى الله عليه و سلم غضبا شديدا فنزلت ولقد خلقنا السماوت والأرض وما بينهما فى ستة أيام وما مسنا من لغوب
قال أبو جعفر ثم قال عز و جل فاصبر على ما يقولون فتأول هذا بعض العلماء على أنه إذا حزب إنسانا أمر فينبغي أن يفزع إلى الصلاة قال حذيفة كان النبي صلى الله عليه و سلم إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة
وعن ابن عباس أنه عرف وهو راحل بموت قتم أخيه فأمر بحط الراجلة ثم صلى ركعتين وتلا واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين

ثم قال عز و جل وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب قال أبو صالح الصبح والعصر وقد قيل الصبح والعصر والظهر ويكون ومن الليل للمغرب والعشاء الآخرة
وأما أدبار السجود فبين العلماء فيه اختلاف فأكثرهم يقول الركعتان بعد المغرب ومنهم من يقول بعد كل صلاة مكتوبة ركعتان
والظاهر يدل على هذا إلا أن الأولى اتباع الأكثر ولا سيما وهو صحيح عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهذا أمر بما قد أجمع المسلمون عليه أنه نافلة فيجوز أن يكون ندبا لا حتما ويجوز أن يكون منسوخا بما صح عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه لا يجب على أحد إلا خمس صلوات ونقل ذلك الجماعة وكان التأذين فيها والإقامة في عهد رسول الله صلى اله عليه وسلم والخلفاء الراشدين المهديين رضي الله عنهم ولا أحد منهم يوجب غيرها
وفي سورة الذاريات موضعان فالموضع الأول قوله عز و جل وفي أموالهم حق للسائل والمحروم
من العلماء من قال هي محكمة كما قال الحسن البصري وإبراهيم النخعي في المال حق سوى الزكاة

ومن قال هي منسوخة قال هى وإن كانت خبرا ففي الكلام معنى الأمر أي أعطو السائل والمحروم ويجعل هذا منسوخا بالزكاة المفروضة كما قرىء على أحمد بن محمد بن الحجاج عن يحيى بن سليمان قال حدثنا مروان بن معاوية قال حدثنا سلمة بن نبيط قال سمعت الضحاك بن مزاحم يقول نسخت الزكاة كل صدقة في القرآن
قال أبو جعفر وللعلماء فى المحروم ثمانية أقوال وقرىء على أحمد بن محمد بن الحجاج عن يحيى بن سليمان قال حدثنا عبدالرحيم بن سليمان قال حدثنا زكريا بن أبي زائدة عن أبي إسحاق السبيعي عن قيس بن كرقز قال سألت ابن عباس عن قول الله جل وعز للسائل والمحروم فقال السائل الذي يسأل والمحروم الذي لا يبقى له مال
وفي رواية شعبة والثوري عن أبي إسحاق عن قيس عن ابن

عباس قال المحروم المحارف وقال محمد بن الحنفية رضي الله عنه المحروم الذي لم يشهد الحرب أي فيكون له سهم في الغنيمة
وقال زيد بن أسلم المحروم الذي لحقته جائحة وأتلفت زرعه
وقال الزهري المحروم الذي لا يسأل الناس واحتج بحديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم قيل له من المسكين يا رسول الله قال الذي لا يجد ما يغنيه ولا يفطن له فيعطى ولا يسأل الناس وقال عكرمة المحروم الذي لايسمى له شيء
والقول الثامن يروى عن عمر بن عبدالعزيز قال المحروم الكلب
قال أبو جعفر وإنما وقع الاختلاف في هذا لأنها صفة أقيمت مقام الموضوع والمحروم هو الذي قد حرم الرزق فاحتاج فهذه الأقوال كلها داخلة في هذا غير أنه ليس فيها أجل مما روى عن ابن عباس رضي الله عنه ولا أجمع أنه المحارف
والموضع الآخر قوله جل ثناؤه فتول عنهم فما أنت بملوم

في رواية الضحاك أن التولي عنهم منسوخ لأنه قد أمر بالإقبال عليهم بالموعظة قال الله جل وعز يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته فأمر أن يبلغ كل ما أنزل إليه كما قالت عائشة رضي الله عنها من زعم أن محمدا صلى الله عليه و سلم كتم شيئا من الوحي فقد أعظم الفرية
قال مجاهد فتول عنهم فأعرض عنهم فمآ أنت بملوم أي ليس يلومك ربك جل وعز على تقصير كان منك
وفي الطور وسبح بحمد ربك حين تقوم
للعلماء فيه أقوال فمن ذلك ما حدثناه أحمد بن محمد بن الحجاج قال حدثنا يحيى الجعفي قال حدثنا ابن وهب قال حدثنا أسامة بن زيد سمع محمد بن كعب القرظي يقول في هذه الآية وسبح بحمد ربك حين تقوم قال حين تقوم إلى الصلاة
قال الجعفي وحدثني عمر بن هارون البلخي قال حدثني أبو مصلح عن الضحاك في هذه الآية قال حين تقوم للصلاة أن تكبر

وتقول سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك
قال أبو جعفر وهذا قول أن هذه الآية في افتتاح الصلاة
ورد هذا بعض العلماء وقال قد أجمع المسلمون أنه من لم يستفتح الصلاة بهذا فصلاته جائزة فلو كان هذا أمرا من الله لكان موجبا فإن قيل هو ندب قيل لو صح أنه واجب بما تقوم به الحجة لجاز أن يكون ندبا أو منسوخا
وقال أبو الجوزاء وسبح بحمد ربك حين تقوم من النوم
واختار هذا القول محمد بن جرير قال يكون هذا فرضا ويكون هذا النوم للقائلة ويعني به صلاة الظهر لأن صلاة الصبح مذكورة في الآية

والقول الثالث قول أبي الأحوص أن يكون كلما قام من مجلس قال سبحانك اللهم وبحمدك
وهذا القول أولاها من جهات إنه أوكدها قد صح عن عبدالله بن مسعود رحمه الله وإذا تكلم صحابي في آية لم يعلم أحد من الصحابة خالفه لم تسع مخالفته لأنهم أعلم بالتنزيل والتأويل كما قرىء على محمد بن جعفر بن حفص عن يوسف بن موسى قال حدثنا أبو نعيم قال حدثنا سفيان عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبدالله إوسبح بحمد ربك حين تقوم قال حين تقوم من المجلس تقول سبحان الله وبحمده
قال أبوجعفر فيكون هذا ندبا لجميع الناس
وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه رغب في ذلك وكان يقول كلما قام من مجلس سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك وفي بعض الحديث يغفرله كل ما كان في ذلك المجلس

وقد يجوز أن يكون هذا لما كان مخاطبة للنبي صلى الله عليه و سلم كان فرضا عليه وحده هذا على قول قوم
وحجة ثالثة أن الكلام عام فلا يخص به القيام من النوم إلا بحجة
ثم قال جل وعز ومن الليل فسبحه فيه ثلاثة أقوال من العلماء من قال يعني به المغرب والعشاء قال ابن زيد يعني به المغرب وحدثنا على بن الحسين عن الحسن بن محمد عن ابن علية قال حدثناابن جريج عن مجاهد قال قال ابن عباس ومن الليل فسبحه هو التسبيح في أدبار الصلوات ثم قال جل وعز وإدبارالنجوم فيه قولان قال الضحاك وابن زيد أدبار النجوم صلاة الصبح واختار محمد بن جرير هذا القول لأنه صلاة الصب ومن رض فالأولى أن تحمل الآية عليها
قال أبو جعفر قلت وأولى من هذا القول لأنه جاء عن صحابي لا نعلم له مخالفا كما قرىء على محمد بن جعفر بن حفص عن يوسف بن موسى قال حدثنا محمد بن فضيل قال حدثنا العلاء بن المسيب عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي في قوله جل وعز وإدبار النجوم قال الركعتان بعد الفجر

فإن قيل فالركعتان غير واجبتين والأمر من الله عز و جل على الحتم إلا أن تكون حجة تدل على أنه على غير الحتم فالجواب عن هذا أنه يجوز أن يكون حتما ثم نسخ لأنه لا فرض إلا الصلوات الخمس ويجوز أن يكون ندبا ويدلك على ذلك ما أجمع العلماء عليه أن ركعتي الفجر ليستا بفرض ولكنهما مندوب إليهما فلا ينبغي تركهما
وفي النجم قوله جل عز وأن ليس للإنسان إلا ما سعى
للناس في هذا أقوال فمنهم من قال إنها منسوخة ومنهم من قال هي محكمة ولا ينفع أحد أن يصدق عنه أحد ولا أن يجعل له ثواب شيء عمله قالوا وليس للإنسان إلا ما سعى كما قال الله جل وعز
وقال قوم قد جاءت أحاديث عن النبي صلى الله عليه و سلم بأسانيد صحاح فهي مضمومة إلى الآية وقال قوم الأحاديث لها تأويل وليس للإنسان على الحقيقة إلا ما سعى فمن تؤول عليه أن الآية منسوخة ابن عباس كما حدثنا بكر بن سهل قال حدثنا عبدالله بن صالح حدثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال وقوله تعالى وأن ليس للإنسان إلا ما سعى فانزل الله جل وعز بعد ذلك والذين ءامنوا أتبعهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم فأدخل الله عز و جل الأباء الجنة بصلاح الأبناء وقال محمد بن جرير يذهب إلى أنها منسوخة

قال أبو جعفر كذا عندي في الحديث وكان يجب أن يكون فأدخل الله عز و جل الأبناء الجنة بصلاح الأباء إلا أنه يجوز أن يكون المعنى على أن الآباء يلحقون الأبناء كما يلحق الأبناء بالآباء
قال أبو جعفر وحدثنا أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة قال حدثنا عبدالرزاق قال حدثنا الثوري عن عمرو بن مرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال إن الله يرفع ذرية المؤمن معه في درجة الجنة وإن كانوا دونه في العمل والذين ءامنوا وتبعهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم أي نقصناهم
وحدثنا أحمد بن محمد الأزدي قال حدثنا إبراهيم بن أبي داود قال حدثنا أحمد بن شكيب الكوفي قال محمد بن بشر العبدي قال حدثنا سفيان الثوري عن سماعه عن عمرو بن مرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال إن الله جل وعز ليرفع ذرية المؤمن معه في درجته وإن كان لم يبلغها بعمله ليقر بهم عينه ثم قرأ والذين ءامنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم الآية
قال أبو جعفر فصار الحديث مرفوعا عن رسول الله صلى الله عليه و سلم وكذا يجب

أن يكون لأن ابن عباس رحمه الله لا يقول هذا إلا عن رسول الله صلى الله عليه و سلم لأنه إخبار عن الله عز و جل بما يفعله وبمعنى أنه أنزلها عز و جل
وأما قول من قال لا ينفع أحدا أن يصدق عنه أحد ولم يتأول الأحاديث فقول مرغوب عنه لأن ما صح عن النبي صلى الله عليه و سلم لم يسع أحدا رده قال الله جل وعز وما ءاتاكم الرسول فخذوه وقد صحت عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أحاديث سنذكر منها شيئا
قال أبو جعفر حدثنا بكر بن سهل قال حدثنا عبدالله بن يوسف أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سليمان بن يسار عن عبدالله بن عباس قال كان الفضل بن عباس رديف رسول الله صلى الله عليه و سلم فجاءته امرأة من خثعم تستفتيه فجعل الفضل بن عباس ينظر إليها وتنظر إليه فجعل رسول الله صلى الله عليه و سلم يصرف وجه الفضل إلى الشق الأخر فقالت يا رسول الله إن فريضة الله جل وعز على عباده بالحج أدركت أبي شيخا كبيرا لا يستطيع أن يثبت على الراحلة أفأحج عنه قال نعم وذلك في حجة الوداع
قال أبو جعفر وفي حديث ابن عيينة عن عمرو عن الزهري عن سليمان عن ابن عباس زيادة وهي أن النبي صلى الله عليه و سلم قال لها أرأيت لو

كان على أبيك دين أكنت تقضينه قالت نعم قال فدين الله أولى فقال قوم لا يحج أحد عن أحد واحتج له بعض أصحابه فقال في الحج صلاة لا بد منها وقد أجمع العلماء على أن لا يصلي أحد عن أحد قيل لهم فالحج مخالف للصلاة مع ثبات السنة وسنذكر قول من تأول الحديث
وقد روى شعبة عن جعفر بن أبي وحشية عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن رجلا قال يا رسول الله إن أمي توفيت وعليها صيام قال فصم عنها
وقد قال من يقتدى بقوله من العلماء لا يصم أحد عن أحد فقال من احتج لهم هذا الحديث وإن كان مستقيم الإسناد وسعيد بن جبير وإن كان له المحل الجليل فقد وقع في أحاديثه غلط وقد خالفه عبيدالله بن عبدالله وعبيدالله من الإتقان على ما لا خفاء به كما حدثنا بكر بن سهل

قال حدثنا عبدالله بن يوسف قال أنبانا مالك عن عبيدالله بن عبدالله بن مسعود الهذلي عن عبدالله بن عباس أن سعد بن عبادة استفتى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال يا رسول الله ان أمي ماتت وعليها نذر لم تقضه قال فاقضه عنها
وروى الزهري عن أبي عبدالله الأغر عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال يلحق المسلم أو ينفع المسلم ثلاث ولد صالح يدعو له وعلم ينشره وصدقة جارية
قال أبو جعفر ونذكر قول من تأول هذه الأحاديث فيها أقوال قال أبو جعفر من العلماء من قال بالأحاديث كلها ولم يجز فيها الترك منهم أحمد بن محمد بن حنبل وكان هذا مذهبه فقال يحج الإنسان عن الإنسان ويتصدق عنه كما قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من مات وعليه صيام شهر رمضان أطعم عنه لكل يوم مد ومن مات وعليه صيام نذر صام عنه وليه كما أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم

ومن العلماء من قال ببعض الأحاديث فقال يحج الإنسان عن الإنسان ولا يصوم عنه ولا يصلي وهذا مذهب الشافعي
ومنهم من قال لا يجوز في عمل الأبدان أن يعملها أحد عن أحد ولا يحج أحد عن أحد وهذا قول مالك بن أنس
ومنهم من قال الأحاديث صحيحة ولكن هي محمولة على الآية وإنما يحج الإنسان عن الإنسان إذا أمره أو أوصى بذلك أو كان له فيه

سعي حتى يكون موافقا لقوله عزوجل وأن ليس للإنسان إلا ما سعى
ومنهم من قال لا يعمل أحد عن أحد شيئا فإن عمله فهو لنفسه كما قال جل وعز وأن ليس للإنسان إلا ما سعى وقال في الأحاديث سبيل الأنبياء صلى الله عليهم أجمعين ألا يمنعوا أحدا من فعل الخير
قال أبو جعفر وقول أحمد في هذا بين حسن وهو أصل مذهب الشافعي
فإن قال قائل كيف ترد إلى الآية ففي ذلك جوابان أحدهما أن ما قاله الرسول صلى الله عليه و سلم وصح عنه فهو مضموم إلى القرآن كما حدثنا أحمد بن محمد الأزدي قال حدثنا عيسى بن إبراهيم الغافقي قال حدثنا ابن عيينة عن ابن المنكدر وأبي النضر عن عبيدالله بن أبي رافع عن

أبيه أو غيره عن النبي صلى الله عليه و سلم قال لا ألفين أحدكم متكئا على أريكته يأتيه الأمر من أمري مما أمرت به أو نهيت عنه فيقول لا أدري ما وجدنا في كتاب الله عز و جل اتبعناه
قال أبو جعفر وهذا جواب جماعة من الفقهاء أن يضم الحديث إلى القرآن كما قال الله جل وعز قل لآ أجد فى مآ أوحى إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميته أو دما مسفوحا أو لحم خنزير ثم حرم رسول الله صلى الله عليه و سلم كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير فكان مضموما إلى الآية
وكان أحمد رحمه الله من أكثر الناس اتباعا لهذا حتى قال من احتجم وهو صائم فقد أفطر هو وحاجمه كما قال رسول الله

وفي الأحاديث تأويل آخر فيه لطف ودقة وهو أن الله جل وعز إنما قال وأن ليس للإنسان إلا ما سعى ولام الخفض معناها في العربية الملك والإيجاب فليس يجب للإنسان إلا ما سعى فإذا تصدق عنه غيره فليس يجب له شيء إلا أن الله جل وعز يتفضل عليه بما لم يجب له كما يتفضل على الأطفال بإدخالهم الجنة بغير عمل
قال أبوجعفر فعلى هذا يصح تأويل الأحاديث
وقد روى هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن رجلا قال يا رسول الله إن أمي افتلتت نفسها فماتت ولم توص أفتصدق عنها قال نعم فيكون في هذا الحديث ما ذكرنا من التأويلات
وفيه من الغريب قوله افتلتت نفسها معناه ماتت فجأة ومنه قول عمر رضي الله عنه كانت بيعة أبي بكر فالتة فوقي الله عز و جل شرها أي فجأة وفي هذا من المعنى أن عمر رضي الله عنه تواعد وفعل مثل ذلك وذلك أن أبا بكر رضي الله عنه كان له من الفضائل الباهرة التي لا تدفع ما يستوجب به الخلافة وأن يبايع فجأة وليس هذا لغيره وكان له استخلاف رسول الله صلى الله عليه و سلم إياه على الصلاة قال محمد بن جرير استخلافه إياه على الصلاة بمعنى استخلافه إياه على إمامة المسلمين والنظر في أمورهم لأنه استخلفه على الصلوات التي لا يقيمها إلا الأئمة من الجمع والأعياد وروجع في ذلك فقال يأبى الله جل وعز والمسلمون إلا أبا بكر

وقال غير محمد بن جرير روي شعبة والثوري عن الأعمش ومنصور عن سالم بن أبي الجعد عن ثوبان أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال استقيموا ولن تحصوا واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن فلما استخلف رسول الله صلى الله عليه و سلم أبا بكر على خير أعمالنا كان ما دونه تابعا له

بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الحديد والمجادلة
حدثنا يموت بإسناده عن ابن عباس أنهما نزلتا بالمدينة
قال أبو جعفر وجدنا في سورة المجادلة موضعين فأحدهما قوله جل وعز والذين يظاهرون من نساءهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة
فمن العلماء من قال هذه ناسخة لما كانوا عليه لأن الظهار كان

عندهم طلاقا فنخ ذلك وجعل فيه الكفارة قال أبو قلابة الظهار طلاق الجاهلية فكان الرجل إذا ظاهر من امرأته لم يرجع فيها أبدا
قال أبو جعفر وقرىء على أحمد بن عمر وابن عبدالخالق عن يوسف بن موسى قال حدثنا عبيدالله بن موسى قال حدثني أبو حمزة الثمالي وهو ثابت بن أبي صفية في عكرمة عن ابن عباس قال كان الرجل في الجاهلية إذا قال لامرأته أنت علي كظهر أمي حرمت عليه وذكر الحديث وقال فيه فأنزل الله جل وعز قد سمع الله المجادلة إلى آخر الآية
والموضع الآخر قوله جل وعز يا أيها الذين ءامنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة المجادلة 12
أكثر العلماء على أن هذه الآية منسوخة كما حدثنا جعفر بن مجاشع قال حدثنا إبراهيم بن إسحاق قال حدثنا أبو نعيم قال حدثنا موسى بن قيس عن سلمة بن كهيل يا أيها الذين ءامنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة والمجادلة 12 قال أول من عمل بها علي بن أبي طالب رضي الله عنه ثم نسخت

وقرىء على علي بن سعيد بن بشير عن محمد بن عبدالله الموصلي قال حدثنا القاسم بن يزيد الجرمي قال حدثنا سفيان الثوري عن عثمان بن المغيرة عن سالم بن أبي الجعد عن علي بن علقمة عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال لما نزلت يا أيها الذين ءامنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة قلت يا رسول الله كم قال دينارا قلت لا يطيقونه قال كم قلت حبة شعير قال إنك لزهيد قال فنزلت ءأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات المجادلة 13 الآية

بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الحشر
أخبرنا أبو جعفر حدثنا يموت بإسناده عن ابن عباس أنها مدنية قال لم نجد فيها إلا موضعا واحدا
قال الله جل وعز ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل الحشر 17
في هذه الآية ستة أقوال للعلماء منهم من قال هي منسوخة وقال الفيء والغنيمة واحد وكان في بدء الإسلام تقسم الغنيمة على هذه الأصناف ولا يكون لمن قاتل عليها شيء إلا أن يكون من هذه الأصناف ثم نسخ الله عز و جل ذلك في سورة الأنفال فجعل لهؤلاء الخمس وجعل الأربعة الأخماس لمن حارب فقال جل وعز واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول الأنفال 41 الآية
وهذا قول قتادة رواه عنه سعيد
ومنهم من قال الفيء خلاف الغنيمة والغنيمة ما أخذ عنوة بالغلبة والحرب يكون خمسه في هذه الأصناف وأربعة أخماسه للذين قاتلوا عليه والفيء ما صولح أهل الحرب عليه فيكون مقسوما في هذه الأربعة الأصناف ولا يخمس

وهذا قول سفيان الثوري رواه عنه وكيع
وقال غيره من الفقهاء الفيء أيضا غيرالغنيمة وهوما صولحوا عليه أيضا إلا أنه يخرج خمسه في هذه الأصناف ويكون أربعة أخماسه خارجة في صلاح المسلمين
ومنهم من قال هذه الآية تبيين لما قبلها من قوله عز و جل وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب قال يزيدابن رومان الفيء ما قوتل عليه وأوجب عليه بالخيل والركاب
والقول السادس حدثناه أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة قال ثنا عبدالرزاق قال أخبرنا معمر في قول الله جل وعز ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى الحشر 7 بلغني أنه الجزية والخراج خراج القرى يعني القرى التي تؤدي الخراج
قال أبو جعفر أما القول الأول أنها منسوخة فلا معنى له لأنه ليست إحداهما تنافي الأخرى فيكون النسخ
والقول الثاني أن الفيء خلاف الغنيمة قول مستقيم صحيح وذلك أن الفيء مشتق من فاء يفيء إذا رجع فأموال الكفار المحاربين حلال للمسلمين فإذا امتنعوا ثم صالحوا رجع إلى المسلمين منهم ما صولحوا عليه
وقول معمر إنها الجزية والخراج داخل في هذه الآية مما صولحوا عليه

وأما قول من قال إن الآية الثانية مبينة للأولى فغلط لأن الآية الأولى جاء التوقيف أنها نزلت في بني النضر حين أجلوا عن بلادهم بغير حرب وفيهم نزلت سورة الحشر هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر فجعل الله عز و جل أموالهم للنبي خاصة فلم يستأثر منها صلى الله عليه و سلم وفرقها في المهاجرين ولم يعط الأنصار منها شيئا إلا رجلين سهل ا بن حنيف وأبي دجانة سماك بن خرشة ولم يأخذ منها صلى الله عليه و سلم إلا ما يكفيه ويكفي أهله ففي هذا نزلت الآية الأولى
والآية الثانية لأصناف بعينهم فقد علم أن ما كان في أصناف بعينهم خلاف ما كان للنبي وحده
ويبين ذلك هذا الحديث حين تخاصم علي والعباس رضي الله عنهما إلى عمر رضي الله عنه في هذا بعينه كما قرىء على أحمد بن شعيب بن

علي عن عمرو بن علي قال حدثنا بشر بن عمر قال حدثنا مالك بن أنس عن الزهري عن مالك بن أوس بن الحدثان قال أرسل إلي عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين تعالى النهار فجئته فوجدته جالسا على سرير مفضيا إلى رمالة فقال حين دخلت إليه يا مال أما إنه قد دف أهل أبيات من قومك وقد أمرت برضخ فخذه فأقسمه بينهم قلت له لو أمرت غيري بذلك قال خذه فجاء يرفأ فقال يا أمير المؤمنين هل لك في عثمان بن عفان وعبدالرحمن بن عوف والزبير بن العوام وسعد بن أبي وقاص قال نعم فأذن لهم فدخلوا ثم جاءه فقال يا أمير المؤمنين هل لك في العباس وعلي قال نعم فأذن لهما فدخلا فقال العباس يا أمير المؤمنين اقض بيني وبين هذا يعني عليا فقال بعضهم أجل يا أمير المؤمنين فاقض بينهم وارحمهما فقال مالك بن أوس خيل إلي أنهما قدما أولئك النفر لذلك فقال عمر رضي الله عنه أنشدكم ثم أقبل على أولئك الرهط فقال أنشدكم بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض هل تعلمون أن رسول الله قال لا نورث ما تركنا صدقة قالوا نعم ثم أقبل على علي والعباس فقال أنشدكما بالله

الذي بإذنه تقوم السماء والأرض هل تعلمان أن رسول الله قال لا نورث ما تركنا صدقة قالا نعم قال فإن الله عزوجل خص نبيه بخاصة لم يخص بها أحدا من الناس فقال وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب ولكن الله يسلط رسله على من يشاء والله على كل شيء قدير الحشر 6 فكان الله جل ثناؤه أفاء على رسوله بني النضير فوالله ما استأثر بها عليكم ولا أخذها دونكم فكان رسول الله يأخذ منها نفقة سنة ويجعل ما بقي أسوة المال ثم أقبل على أولئك الرهط فقال أنشدكم بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض هل تعلمون ذلك قالوا نعم ثم أقبل على علي والعباس فقال أنشدكما بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض هل تعلمان ذلك قالا نعم فلما توفى رسول الله قال أبو بكر أنا ولي رسول الله فجئت أنت وهذا إلى أبي بكر فجئت أنت تطلب ميراثك من ابن أخيك ويطلب هذا ميراث امرأته من أبيها فقال أبو بكر قال رسول الله لا نورث ما تركنا صدقة فوليها أبو بكر فلما توفى أبو بكر قلت أنا ولي رسول الله وولي أبي بكر فوليتها بما شاء الله أليها ثم جئت أنت وهذا وأنتما جميع وأمركما واحد فسألتما فيها فقلت إن شئتما أن أدفعها إليكما على أن عليكما عهد الله لتليانها بالذي كان رسول الله يليها به فأخذتماها على ذلك ثم جئتماني لأقضي بينكما بغير ذلك فوالله لا أقضي بينكما بغيرذلك حتى تقوم الساعة فإن عجزتما عنها فرءاها إلي ..

 التالي بمشيئة الله ج3

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ج22.تذكرة الحفاظ/شيوخ صاحب التذكرة الجزء الاخير

شيوخ صاحب تذكرة الحفاظ ج22. 1- ولقد انتفعت وتخرجت بشيخنا الإمام العالم المحدث الحافظ الشهيد أبي الحسين علي ابن الشيخ الفقيه ببعلبك ولز...