حمل مصاحف


فهرس القرآن الكريم الكريمmp3 القرآن الكريم مكتوب

9مصاحف
/ / / /  / / /

شكرا للفريق المجتهد

شكرا لبلوجر وفريقه المحترمين- Thanks to blogger and his respected team

الأربعاء، 23 نوفمبر 2022

ج9.وج10.كتاب الجواهر الحسان في تفسير القرآن عبد الرحمن بن محمد بن مخلوف الثعالبي

 

ج9وج10. الثعالي

ج9.وج10.كتاب الجواهر الحسان في 

تفسير القرآن عبد الرحمن بن محمد بن 

مخلوف الثعالبي

فقاتل رضي الله عنه حتى قتل انتهى من ابن عباد شارح الحكم وقوله تعالى عرفها لهم قال ابو سعيد الخدري وقتادة ومجاهد معناه بينها لهم أي جعلهم يعرفون منازلهم منها وفي نحو هذا المعنى قول النبي ص - لأحدكم بمنزلة في الجنة اعرف منه بمنزله في الدنيا قال القرطبي في التذكرة وعلى هذا القول اكثر المفسرين قال وقيل ان هذا التعريف الى المنازل هو بالدليل وهو الملك الموكل بعمل العبد يمشي بين يديه انتهى وقالت فرقة معناه سماها لهم ورسمها كل منزل باسم صاحبه فهذا نحو من التعريف وقالت فرقة معناه شرفها لهم ورفعها وعلاها وهذا من الاعراف التي هي الجبال ومنه اعراف الخيل وقال مؤرج وغيره معناه طيبها ماخوذ من العرف ومنه طعام معرف أي مطيب وعرفت القدر طيبتها بالملح والتابل قال ابو حيان واصلح بالهم البال الفكر ولا يثنى ولا يجمع انتهى وقوله سبحانه ان تنصروا الله أي دين الله ينصركم بخلق القوة لكم وغير ذلك من المعاون ويثبت اقدامكم أي في مواطن الحرب وقيل على الصراط في القيامة وقوله فتعسا لهم معناه عثارا وهلاكا لهم وهي لفظة تقال للعاثر اذا اريد به الشر قال ابن السكيت التعس ان يخر على وجهه وقوله تعالى كرهوا ما انزل الله يريد القرآن فاحبط اعمالهم قال ع ولا خلاف ان الكافر له حفظة يكتبون سيئاته واختلف الناس في حسناتهم فقالت فرقة هي ملغاة يثابون عليها بنعم الدنيا فقط وقالت فرقة هي محصاة من اجل ثواب الدنيا ومن اجل انه قد يسلم فينضاف ذلك الى حسناته في الاسلام وهذا احد التاويلين في قوله ص - لحكيم بن حزام اسلمت على ما سلف لك من خير وقوله عز و جل افلم يسيروا في الارض توقيف لقريش وتوبيخ والذين من قبلهم يريد ثمود وقوم شعيب وغيرهم والدمار الافساد وهدم البناء واذهاب العمران والضمير في قوله امثالها يصح ان يعود على العاقبة ويصح ان

يعود على الفعلة التي يتضمنها قوله دمر الله عليهم وقوله تعالى ذلك بان الله مولى الذين أمنوا الآية المولى الناصر الموالي قال قتادة نزلت هذه الآية يوم احد ومنها انتزع النبي ص - رده على ابي سفيان حين قال قولوا الله مولانا ولا مولى لكم وقوله سبحانه والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام أي اكلا مجردا عن الفكر والنظر وهذا كما تقول الجاهل يعيش كما تعيش البهيمة والمعنى يعيش عديم الفهم والنظر في العواقب وقوله سبحانه وكأين من قرية هي أشد قوة من قريتك يعني مكة التي اخرجتك معناه وقت الهجرة ويقال أن هذه الاية نزلت اثر خروج النبي ص - من مكة وقيل غير هذا وقوله سبحانه افمن كان على بينة من ربه كمن زين له سوء عمله الآية توقيف وتقرير وهي معادلة بين هذين الفريقين واللفظ عام لاهل هاتين الصفتين غابر الدهر وعلى بينة أي على يقين وطريق واضحة وعقيدة نيرة بينة وقوله سبحانه مثل الجنة الآية قال النضر بن شميل وغيره مثل معناه صفة كانه قال صفة الجنة ما تسمعون فيها كذا وكذا وقوله فيها انهار من ماء غير آسن معناه غير متغير قاله ابن عباس وقتادة وسواء انتن او ينتن وقوله في اللبن لم يتغير طعمه نفي لجميع وجوه الفساد فيه وقوله لذة للشاربين جمعت طيب الطعم وزوال الآفات من الصداع وغيره وتصفية العسل مذهبة لمومه وضرره ت وروينا في كتاب الترمذي عن حكيم بن معاوية عن ابيه عن النبي ص - قال ان في الجنة بحر الماء وبحر العسل وبحر اللبن وبحر الخمر ثم تشقق الانهار بعد قال ابو عيسى هذا حديث حسن صحيح انتهى وقوله ولهم فيها من كل الثمرات أي من هذه الأنواع لكنها بعيدة الشبه تلك لا عيب فيها ولا تعب وقوله ومغفرة من ربهم معناه وتنعيم اعطته المغفرة وسببته والا فالمغفرة انما هي قبل دخول الجنة وقوله

سبحانه كمن هو خالد في النار الآية قبله محذوف تقديره اسكان هذه او تقديره اهؤلاء المتقون كمن هو خالد في النار وقوله سبحانه ومنهم من يستمع يعني بذلك المنافقين حتىاذا خرجوا من عندك قالوا للذين اوتوا العلم ماذا قال أنفا على جهة الاستخفاف ومنهم من يقوله جهالة ونسيانا وآنفا معناه مبتدئا كانه قال ما القول الذي ائتنفه الآن قبل انفصالنا عنه والمفسرون يقولون أنفا معناه الساعة الماضية وهذا تفسير بالمعنى ت وقال الثعلبي أنفا أي الآن واصله الابتداء قال ابو حيان أنفا بالمد والقصر اسم فاعل والمستعمل من فعله ائتنفت ومعنى ءأنفا مبتدئا فهو منصوب على الحال واعربه الزمخشري ظرفا أي الساعة قال ابو حيان ولا اعلم احدا من النحاة عده من الظروف انتهى وقال العراقي أنفا أي الساعة وقوله تعالى والذين اهتدوا زادهم هدى أي زادهم الله هدى ويحتمل زادهم استهزاء المنافقين هدى قال الثعلبي وقيل زادهم ما قال النبي ص - هدى قال ع الفاعل في وءاتاهم يتصرف القول فيه بحسب التاويلات المذكورة واقواها ان الفاعل الله تعالى وءاتاهم معناه اعطاهم أي جعلهم متقين وقوله تعالى فهل ينظرون يريد المنافقين والمعنى فهل ينتظرون وبغتة معناه فجأة وقوله فقد جاء اشراطها أي فينبغي الاستعداد والخوف منها والذي جاء من اشراط الساعة محمد ص - لأنه آخر الانبياء وقال عليه السلام بعثت انا والساعة كهاتين والاحاديث كثيرة في هذا الباب وقوله تعالى فاعلم انه لا اله الا الله الآية اضراب عن امر هؤلاء المنافقين وذكر الاهم من الامر والمعنى دم على علمك وهذا هو القانون في كل من امر بشيء هو متلبس به وكل واحد من الامة داخل في هذا الخطاب وعن ابي هريرة قال قال رسول الله ص - ما قال عبد لا اله الا الله مخلصا الا فتحت له ابواب الجنة حتى تفضي الى العرش ما اجتنبت الكبائر رواه الترمذي والنسائي

وقال الترمذي واللفظ له حديث حسن غريب انتهى من السلاح وقوله تعالى واستغفر لذنبك أي لتستن امتك بسنتك ت هذا لفظ الثعلبي وهو حسن وقال عياض قال مكي مخاطبة النبي ص - ها هنا هي مخاطبة لامته انتهى قال ع وروى ابو هريرة عن النبي ص - انه قال من لم يكن عنده ما يتصدق به فليستغفر للمؤمنين والمؤمنات وبوب البخاري رحمه الله العلم قبل القول والعمل لقوله تعالى فاعلم انه لا اله الا الله وقوله تعالى واستغفر لذنبك الآية وواجب على مومن ان يستغفر للمؤمنين والمؤمنات فانها صدقة وقال الطبري وغيره متقلبكم متصرفكم فى يقظتكم ومثواكم منامكم وقال ابن عباس متقلبكم تصرفكم في حياتكم الدنيا ومثواكم اقامتكم في قبوركم وفي أخرتكم وقوله عز و جل ويقول الذين أمنوا لولا نزلت سورة الآية هذا ابتداء وصف حال المؤمنين على جهة المدح له ووصف حال المنافقين على جهة الذم وذلك ان المؤمنين كان حرصهم على الدين يبعثهم على تمنى ظهور الاسلام وتمنى قتال العدو وكانوا يانسون بالوحي ويستوحشون اذا ابطأ وكان المنافقون على العكس من ذلك وقوله محكمة معناه لا يقع فيها نسخ واما الاحكام الذي هو الاتقان فالقرآن كله سواء فيه والمرض الذي في قلوب المنافقين هو فساد معتقدهم ونظر الخائف الموله قريب من نظر المغشي عليه وخسسهم هذا الوصف والتشبيه وقوله تعالى فاولى لهم طاعة اولى وزنها افعل من وليك الشيء يليك والمشهور من استعمال اولى انك تقول هذا اولى بك من هذا أي احق وقد تستعمل العرب اولى لك فقط على جهة الاختصار لما معها من القول على جهة الزجروالتوعد فتقول اولى لك يا فلان وهذه الآية من هذا الباب ومنه قوله تعالى اولى لك فأولى وقالت فرقة اولى رفع بالابتداء وطاعة خبره قال ع وهذا هو المشهور من استعمال اولى وقيل غير هذا قال ابو حيان قال صاحب الصحاح

اولى لك تهديد ووعيد قال ابو حيان والأكثر على انه اسم مشتق من الولي وهو القرب وقال الجرجاني هو مأخوذ من الويل فقلب فوزنه افلع انتهى فاذا عزم الأمر ناقضوا وعصوا قال البخاري قال مجاهد عزم الامر جد الامر انتهى وقوله سبحانه فهل عسيتم مخاطبة هؤلاء الذين في قلوبهم مرض والمعنى فهل عسى ان تفعلوا ان توليتم غير ان تفسدوا في الأرض وتقطعوا ارحامكم ومعنى ان توليتم أي ان اعرضتم عن الحق وقيل المعنى ان توليتم امور الناس من الولاية وعلى هذا قيل انها نزلت في بني هاشم وبني امية ذكره الثعلبي ت وهو عندي بعيد لقوله اولائك الذين لعنهم الله فتعين التاويل الاول والله اعلم وفي البخاري عن جبير بن مطعم عن البني ص - قال لا يدخل الجنة قاطع يعني قاطع رحم وفيه عن ابي هريرة عن النبي ص - قال من سره ان يبسط له في رزقه وان ينسأ له في اثره فليصل رحمه اه وفي صحيح مسلم عن عائشة قالت قال رسول الله ص - الرحم معلقة بالعرش تقول من وصلني وصله الله ومن قطعني قطعه الله وفي رواية لا يدخل الجنة قاطع وفي طريق من سره ان يبسط عليه رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه وخرجه البخاري من طريق ابي هريرة على ما تقدم وخرج البخاري عن ابي هريرة عن النبي ص - قال ان الله خلق الخلق حتى اذا فرغ من خلقه قالت الرحم هذا مقام العائذ بك من القطيعة قال نعم اما ترضين ان اصل من وصلك واقطع من قطعك قالت بلى يا رب قال فهو لك قال رسول الله ص - فاقرءوا ان شئتم فهل عسيتم ان توليتم ان تفسدوا في الأرض وتقطعوا ارحامكم وفي رواية قال الله من وصلك وصلته ومن قطعك قطعته انتهى وروى ابو داود في سننه عن عبد الرحمن بن عوف قال سمعت رسول الله ص - يقول قال الله عز و جل انا الرحمن وهي الرحم شققت

لها من اسمي من وصلها وصلته ومن قطعها بتته انتهى وقوله تعالى اولائك الذين لعهم الله اشارة الى المرضى القلوب المذكورين وقوله فاصمهم واعمى ابصارهم استعارة لعدم فهمهم وقوله عز من قائل افلا يتدبرون القرآن الآية توقيف وتوبيخ وتدبر القرآن زعيم بالتبيين والهدى لمتأمله قال الهروي قوله تعالى افلا يتدبرون والقرآن معناه افلا يتفكرون فيعتبرون يقال تدبرت الأمر اذا نظرت في ادباره وعواقبه انتهى وقوله تعالى ام على قلوب اقفالها معناه بل على قلوب اقفالها وهو الرين الذي منعهم من الايمان وروي ان وفد اليمن وفد على النبي ص - وفيهم شاب فقرأ النبي ص - هذه الآية فقال الفتى عليها اقفالها حتى يفتحها الله تعالى ويفرجها قال عمر فمعظم في عيني فما زالت في نفس عمر رضي الله عنه حتى ولي الخلافة فاستعان بذلك الفتى وقوله تعالى ان الذين ارتدوا على ادبارهم الآية قال قتادة نزلت في قوم من اليهود وقال ابن عباس وغيره نزلت في منافقين كانوا اسلموا ثم نافقت قلوبهم والآية تعم كل من دخل في ضمن لفظها غابر الدهر وسول معناه رجاهم سؤلهم وأمانيهم ونقل ابو الفتح عن بعضهم انه بمعنى دلاهم مأخوذ من السول وهو الاسترخاء والتدلى وقال العراقي سول أي زين سوء الفعل وقوله تعالى ذلك بأنهم قالوا للذين كرهوا الآية قيل انها نزلت في بني اسرائيل الذين تقدم ذكرهم الآن وروي ان قوما من قريظة والنضير كانوا يعدون المنافقين في امر رسول الله ص - والخلاف عليه بنصر ومؤازرة فذلك قولهم سنطيعكم في بعض الامر وقرا الجمهور اسرارهم بفتح الهمزة وقرأ حمزة والكسائي وحفص اسرارهم بكسرها وقوله سبحانه فكيف اذا توفتهم الملائكة يعنى ملك الموت واعوانه والضمير يضربون للملائكة وفي نحو هذا احاديث تقتضي صفة الحال وما اسخط الله هو الكفر والرضوان هنا الحق والشرع المؤدى الى الرضوان

وقوله سبحانه ام حسب الذين في قلوبهم مرض الآية توبيخ للمنافقين وفضح لسرائرهم والضفن الحقد وقال البخاري قال ابن عباس اضغانهم حسدهم انتهى وقوله سبحانه ولو نشاء لاريناكهم الآية لم يعينهم سبحانه بالاسماء والتعريف التام ابقاء عليهم وعلى قراباتهم وان كانوا قد عرفوا بلحن القول وكانوا في الاشتهار على مراتب كابن ابي وغيره والسيما العلامة وقال ابن عباس والضحاك ان الله تعالى قد عرفه بهم في سورة براءة بقوله ولا تصل على احد منهم مات ابدا وفي قوله قل لن تخرجوا معي ابدا ولن تقاتلوا معي عدوا قال ع وهذا في الحقيقة ليس بتعريف تام ثم اخبر تعالى انه سيعرفهم في لحن القول أي في مذهب القول ومنحاه ومقصده واحتج بهذه الآية من جعل الحد في التعريض بالقذف ص قال ابو حيان ولتعرفنهم اللام جواب قسم محذوف انتهى وقوله سبحانه والله يعلم اعمالكم مخاطبة للجميع من مومن وكافر وقوله سبحانه ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين الآية كان الفضيل بن عياض اذا قرأ هذه الآية بكى وقال اللهم لا تبتلنا فانك ان بلوتنا فضحتنا وهتكت استارنا وقوله سبحانه ان الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله وشاقوا الرسول الآية قالت فرقة نزلت في بني اسرائيل وقالت فرقة نزلت في قوم من المنافقين وهذا نحو ما تقدم وقال ابن عباس نزلت في المطعمين في سفرة بدر وقالت فرقة بل هي عامة في كل كافر وقوله لن يضروا الله شيئا تحقير لهم وقوله سبحانه يا أيها الذين آمنوا اطيعوا الله وأطيعوا الرسول ولا تبطلوا اعمالكم روي ان هذه الآية نزلت في بني اسد من العرب وذلك انهم اسلموا وقالوا للنبي ص - نحن آثرناك على كل شيء وجئناك بانفسنا واهلينا كانهم يمنون بذلك فنزل فيهم يمنون عليك ان اسلموا الآية ونزلت فيهم هذه الآية وظاهر الآية العموم وقوله سبحانه ان الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله ثم ماتوا وهم كفار الآية

روي انها نزلت بسبب ان عدي بن حاتم قال يا رسول الله ان حاتما كانت له افعال بر فما حاله فقال النبي ص - هو في النار فبكى عدي وولى فدعاه النبي ص - فقال له ابي وابوك وابو ابراهيم خليل الرحمن في النار ونزلت هذه الآية في ذلك وظاهر الآية العموم في كل ما تناولته الصفة وقوله سبحانه فلا تهنوا معناه لا تضعفوا وتدعوا الى السلم أي الى المسألة وقال قتادة معنى الآية لا تكونوا اولى الطائفتين ضرعت للأخرى قال ع وهذا حسن ملتئم مع قوله تعالى وان جنحوا للسلم فاجنح لها وانتم الأعلون في موضع الحال المعنى فلا تهنوا وانتم في هذه الحال ويحتمل ان يكون اخبارا بمغيب ابرزه الوجود بعد ذلك والأعلون معناه الغالبون والظاهرون من العلو وقوله والله معكم معناه بنصره ومعونته ويتر معناه ينقص ويذهب والمعنى لن يتركم ثواب اعمالكم وقوله سبحانه انما الحياة الدنيا لعب ولهو تحقير لامر الدنيا وقوله وان تومنوا وتتقوا يؤتكم اجوركم معناه هذا هو المطلوب منكم لا غيره لا تسئلون اموالكم ثم قال سبحانه منبها على خلق ابن آدم ان يسألكموها فيحفكم تبخلوا والاحفاء هو اشد السؤال وهو الذي يستخرج ما عند المسئول كرها ت وقال الثعلبي فيحفكم أي يجهدكم ويلحف عليكم وقوله تبخلوا جزما على جواب الشرط ويخرج اضغانكم أي يخرج الله اضغانكم وقرأ يعقوب ونخرج بالنون والاضغان معتقدات السوء وهو الذي كان يخاف ان يعتري المسلمين ثم وقف الله تعالى عباده المؤمنين على جهة التوبيخ لبعضهم بقوله هأنتم هؤلاء وكرر ها التنبيه تاكيدا وقوله تعالى ومن يبخل فانما يبخل عن نفسه أي بالثواب والله الغني أي عن صدقاتكم وانتم الفقراء الى ثوابها ت هذا لفظ الثعلبي قال ع يقال بخلت عليك بكذا وبخلت عنك بمعنى امسكت عنك وروى الترمذي عن ابي هريرة عن النبي ص - قال السخي قريب من الله قريب من الجنة قريب من

الناس بعيد من النار والبخيل بعيد من الله بعيد من الجنة بعيد من الناس قريب من النار ولجاهل سخي أحب إلى الله من عابد بخيل قال أبو عيسى هذا حديث غريب انتهى وقوله سبحانه وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم قالت فرقة هذا الخطاب لجميع المسلمين والمشركين والعرب حينئذ والقوم الغير هم فارس وروى أبو هريرة أن النبي ص - سئل عن هذا وكان سلمان إلى جنبه فوضع يده على فخذه وقال قوم هذا لو كان الدين في الثريا لناله رجال من اهل فارس وقوله سبحانه ثم لا يكونوا أمثالكم معناه في الخلاف والتولي والبخل بالأموال ونحو هذاوحكى الثعلبي قولا أن القوم الغيرهم الملائكة ت وليس لأحد مع الحديث إذا صح نظر ولولا الحديث لاحتمل أن يكون الغير ما يأتي من الخلف بعد ذهاب السلف على ما ذكر في غير هذا الموضع
تفسير

سورة الفتح

وهي مدنية
هذه السورة نزلت على النبي ص - منصرفة من الحديبية وفي ذلك أحاديث كثيرة عن أنس وابن مسعود وغيرهما وفي تلك السفرة قال النبي ص - لعمر لقد أنزلت علي الليلة سورة هي أحب إلي من الدينا وما فيها خرجه البخاري وغيره بسم الله الرحمن الرحيم
قوله عز و جل إنا فتحنا لك فتحا مبينا الآية قوم يريد فتح مكة وقال جمهور

الناس وهو الصحيح الذي تعضده قصة الحديبية أن قوله إنا فتحنا لك إنما معناه هو ما يسر الله عز و جل لنبيه في تلك الخرجة من الفتح البين الذي استقبله ونزلت السورة مؤنسة للمؤمنين لأنهم كانوا استوحشوا من رد قريش لهم ومن تلك المهادنة التي جعلها الله سببا للفتوحات واستقبل النبي ص - في تلك السفرة إنه هادن عدوه ريثما يتقوى هو وظهرت على يديه آية الماء في بئر الحديبية حيث وضع فيه سهمه وثاب الماء حتى كفى الجيش واتفقت بيعة الرضوان وهي الفتح الأعظم قاله جابر بن عبدالله والبراء بن عازب وبلغ هديه محله قاله الشعبي واستقبل فتح خيبر وامتلأت أيدي المؤمنين وظهرت في ذلك الوقت الروم على فارس فكانت من جملة الفتح فسربها ص - هو والمؤمنون لظهور أهل الكتاب على المجوس وشرفه الله بأن أخبره أنه قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر أي وإن لم يكن ذنب ت قال الثعلبي قوله ليغفر لك الله قال أبو حاتم هذه لام القسم لما حذفت النون من فعله كسرت ونصب فعلها تشبيها بلام كي انتهى قال عياض ومقصد الآية إنك مغفور لك غير مؤاخذ بذنب أن لو كان انتهى قال أبو حيان ليغفر اللام للعلة وقال ع هي لام الصيرورة وقيل هي لام القسم ورد بأن لام القسم لا تكسر ولا ينصب بها وأجيب بأن الكسر قد علل بالحمل على لام كي وأما الحركة فليست نصبا بل هي الفتحة الموجودة مع النون بقيت بعد حذفها دالة على المحذوف ورد بأنه لم يحفظ من كلامهم والله ليقوم ولا بالله ليخرج زيد انتهى وفي صحيح البخاري عن أنس ابن مالك إنا فتحنا لك فتحا مبينا الحديبية انتهى
وقوله سبحانه ويتم نعمته عليه أي بإظهارك وتغليبك على عدوك والرضوان في الآخرة والسكينة فعيلة من السكون وهو تسكين قلوبهم لتلك الهدنة مع قريش حتى اطمأنت وعلموا أن وعد الله حق
وقوله سبحانه ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات

تجري من تحتها الأنهار الآية روي في معنى هذه الآية لما نزلت وما أدري ما يفعل بي ولا بكم تكلم فيها أهل الكفر وقالوا كيف نتبع من لا يعرف ما يفعل به وبالناس فبين الله في هذه السورة ما يفعل به بقوله ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر فلما سمعها المؤمنون قالوا هنيئا لك يا رسول الله لقد بين الله لك ما يفعل بك فما يفعل بنا فنزلت ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات إلى قوله مصيرا فعرفه الله ما يفعل به وبالمؤمنين وبالكافرين وذكر النقاش أن رجلا من عك قال هذا الذي لرسول الله فما لنا فقال النبي ص - هي لي ولأمتي كهاتين وجمع بين أصبعيه
وقوله ويكفر عنهم سيئاتهم هو من ترتيب الجمل في السرد لا ترتيب وقوع معانيها لأن تكفير السيئات قبل إدخالهم الجنة وقوله الظانين بالله ظن السوء قيل معناهم من قولهم لن ينقلب الرسول الآية وقيل هو كونهم يعتقدون الله بغير صفاته العلى
وقوله عليهم دائرة السوء أي دائرة السوء الذي أرادوه بكم في ظنهم السوء ويقال للأقدار والحوادث التي هي في طي الزمان دائرة لأنها تدور بدوران الزمان وقوله سبحانه إنا أرسلناك شاهدا الآية من جعل الشاهد محصل الشهادة من يوم يحصلها فقوله شاهدا حال واقعة ومن جعل الشاهد مؤدي الشهادة فهي حال مستقبلة وهي التي يسميها النحاة المقدرة والمعنى شاهدا على الناس بأعمالهم وأقوالهم حين بلغت ومبشرا أهل الطاعة برحمة الله ونذيرا من عذاب الله أهل المعصية ومعنى تعزروه تعظموه وتكبروه قاله ابن عباس وقرأ ابن عباس وغيره تعززوه بزاءين من العزة ثال الجمهور الضمير في تعزروه وتوقروه لللنبي ص - وفي تسبحوه لله عز و جل والبكرة الغدو والأصيل العشي
وقوله سبحانه إن الذين يبايعونك يريد في بيعة الرضوان وهي بيعةالشجرة حين أخذ رسول الله ص - الأهبة لقتال قريش لما بلغه قتل عثمان بن عفان رسوله إليهم

وذلك قبل أن ينصرف من الحديبية وكان في ألف وأربعمائة وبايعهم ص - على الصبر المتناهي في قتال العدو إلى أقصى الجهد حتى قال سلمة ابن الأكوع وغيره بايعنا رسول الله ص - على الموت وقال عبد الله ابن عمر وجابر بن عبد الله بايعنا رسول الله ص - على أن لا نفر والمبايعة في هذه الآية مفاعلة من البيع لأن الله تعالىاشترى منهم أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة ومعنى إنما يبايعون الله إن صفقتهم إنما يمضيها ويمنح الثمن الله تعالى ت وهذا تفسير لا يمس الآية ولا بد وقال الثعلبي إنما يبايعون الله أي أخذك البيعة عليهم عقد الله عليهم انتهى وهذا تفسير حسن
وقوله تعالى يد الله قال جمهور المتأولين اليد بمعنى النعمة إذ نعمة الله في نفس هذه المبايعة لما يستقبل من محاسنها فوق أيديهم التي مدوها لبيعتك وقيل المعنى قوة الله فوق قواهم في نصرك ت وقال الثعلبي يد الله فوق أيديهم أي بالوفاء والعهد وقيل بالثواب وقيل يد الله في المنة عليهم فوق أيديهم في الطاعة عند المبايعة وهذا حسن قريب من الأول
وقوله تعالى فمن نكث أي فمن نقض هذا العهد فإنما يجني على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسنؤتيه أجرا عظيما وهو الجنة وقوله سبحانه سيقول لك المخلفون من الأعراب قال مجاهد وغيره من جهينة ومزينة ومن كان حول المدينة من الأعراب وذلك أن النبي ص - حين أراد المسير إلى مكة عام الحديبية معتمرا استنفر من حول المدينة من الأعراب وأهل البوادي ليخرجوا معه حذرا من قريش وأحرم بالعمرة وساق معه الهدي ليعمل الناس أنه لا يريد حربا فتثاقل عنه هؤلاء المخلفين ورأوا أنه يستقبل عدوا عظيما من قريش وثقيف وكنانة والقبائل المجاورة لمكة وهم الأحابيش ولم يكن تمكن إيمان هؤلاء المخلفين فقعدوا عن النبي ص - وتخلفوا وقالوا لن يرجع محمد ولا أصحابه من هذه السفرة ففضحهم الله في هذه الآية

وأعلم نبيه محمدا ص - بقولهم واعتذارهم قبل أن يصل إليهم فكان كما أخبر الله سبحانه فقالوا شغلتنا أموالنا وأهلونا عنك فاستغفر لنا وهذا منهم خبث وإبطال لأنهم قالوا ذلك مصانعة من غير توبة ولا ندم فلذلك قال تعالى يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم ثم قال تعالى لنبيه عليه السلام قل لهم فمن يملك لكم من الله شيئاإن أراد بكم ضرا أي من يحمي منه أموالكم وأهليكم إن أراد بكم فيها سوءا وفي مصحف ابن مسعود إن أراد بكم سوءا ثم رد عليهم بقوله بل كان الله بما تعملون خبيرا ثم فسر لهم العلة التي تخلفوا من أجلها بقوله بل ظننتم الآية وبورا معناه هلكى فاسدين والبوار الهلاك والبور في لغة أزد عمان الفاسد ثم رجى سبحانه بقوله ولله ملك السموات والأرض يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء وكان الله غفورا رحيما ثم إن الله سبحانه أمر نبيه على ما روي بغزو خيبر ووعده بفتحها وأعلمه أن المخلفين إذارأوا مسير رسول الله ص - إلى يهود وهم عدو مستضعف طلبواالكون معه رغبة في عرض الدنيا والغنيمة فكان كذلك وقوله تعالى يريدون ان يبدلوا كلام الله معناه ان يغيروا وعده لأهل الحديبية بغنيمة خيبر وقال ابن زيد كلام الله هو قوله تعالى لن تخرجوا معي أبدا ولن تقاتلوا معي عدوا قال ع وهذا ضعيف لأن هذه الآية نزلت في غزوة تبوك في آخر عمره ص - وآية هذه السورة نزلت عام الحديبية وأيضا فقد غزت جهينة ومزينة بعد هذه المدة مع رسول الله ص - يعني غزوة الفتح فتح مكة ت قال الثعلبي وعلى التأويل الأول عامة أهل التأويل وهو أصوب من تأويل ابن زيد
وقوله كذلكم قال الله من قبل يريد وعده قبل باختصاصهم بها وباقي الآية بين وقوله سبحانه ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد قال قتادة وغيره هم هوازن ومن حارب النبي عليه السلام يوم حنين وقال الزهري وغيره هم أهل الردة وبنو حنيفة باليمامة وحكى

الثعلبي عن رافع بن خديج أنه قال والله لقد كنا نقرأ هذه الآية فيما مضى ولا نعلم من هم حتى دعا أبو بكر إلى قتال بني حنيفة فعلمنا أنهم هم المراد وقيل هم فارس والروم وقرأ الجمهور أو يسلمون على القطع أي أو هم يسلمون دون حرب قال ابن العربي والذين تعين قتالهم حتى يسلموا من غير قبول جزية هم العرب في أصح الأقوال أو المرتدون فأما فارس والروم فلا يقاتلون إلى أن يسلموا بل أن بذلوا الجزية قبلت منهم وهذه الآية أخبار بمغيب فهي من معجزات النبي ص - انتهى من الأحكام وقوله فان تطيعوا اي فيما تدعون اليه وباقي الآية بين ثم ذكر تعالى اهل الاعذار ورفع الحرج عنهم وهو حكم ثابت لهم الى يوم القيامة ومع ارتفاع الحرج فجائز لهم الغزو واجرهم فيه مضاعف وقد غزا ابن ام مكتوم وكان يمسك الراية فى بعض حروب القادسية وقد خرج النسائي هذا المعنى وذكر ابن ام مكتوم رحمه الله
وقوله عز و جل لقد رضي الله عن المؤمنين الآية تشريف لهم رضي الله عنهم وقد تقدم القول في المبايعة ومعناها وكان سبب هذه المبايعة أن رسول الله ص - أراد أن يبعث إلى مكة رجلا يبين لهم أن النبي ص - أراد لا يريد حربا وإنما جاء معتمرا فبعث إليهم خداش بن أمية الخزاعي وحمله ص - على جمل له يقال له الثعلب فلما كلمهم عقروا الجمل وأرادوا قتل خداش فمنعته الأحابيش وبلغ ذلك النبي ص - فأراد بعث عمر بن الخطاب فقال له عمر يا رسول الله إني أخاف قريشا على نفسي وليس بمكة من بني عدي أحد يحميني ولكن ابعث عثمان فهو أعز بمكة مني فبعثه النبي ص - فذهب فلقيه أبان بن سعيد بن العاصي فنزل عن دابته فحمله عليها وأجاره حتى بلغ الرسالة فقالوا له إن شئت يا عثمان أن تطوف بالبيت فطف به فقال ما كنت لأطوف حتى يطوف به النبي ص - ثم إن بني

سعيد بن العاصي حبسوا عثمان على جهة المبرة فأبطأ على النبي ص - وكانت الحديبية من مكة على نحو عشرة أميال فصرخ صارخ من عسكر رسول الله ص - قتل عثمان فجثا رسول اللله ص - والمؤمنون وقالوا لا نبرح إن كان هذا حتى نناجز القوم ثم دعا الناس إلى البيعة فبايعوه ص - ولم يتخلف عنها إلا الجد بن قيس المنافق وجعل النبي ص - يده على يده وقال هذه يد عثمان وهي خير ثم جاء عثمان سالما والشجرة سمرة كانت هنالك ذهبت بعد سنين
وقوله سبحانه فعلم ما في قلوبهم قال الطبري ومنذر بن سعيد معناه من الإيمان وصحته والحب في الدين والحرص فيه وقرأ الناس وأثابهم قال هارون وقد قرئت وآتاهم بالتاء بنقطتين والفتح القريب خيبر والمغانم الكثيرة فتح خيبر
وقوله تعالى وعدكم الله الآية مخاطبة للمؤمنين ووعد بجميع المغانم التي أخذها المسلمون ويأخدونها إلى يوم القيامة قاله مجاهد وغيره وقوله فعجل لكم هذه يريد خيبر وقال زيد بن اسلم وابنه المغانم الكثيرة خيبر وهذه اشارة الى البيعة والتخلص من امر قريش وقاله ابن عباس
وقوله سبحانه وكف أيدي الناس عنكم قال قتادة يريد كف أيديهم عن أهل المدينة فى مغيب النبي عليه السلام والمؤمنين ولتكون ءاية اي علامة على نصر المؤمنين وحكى الثعلبي عن قتادة أن المعنى كف الله غطفان ومن معها حين جاءوا لنصر خيبر وقيل أراد كف قريشا
وقوله سبحانه وأخرى لم تقدروا عليها قال ابن عباس الإشارة إلى بلاد فارس والروم وقال قتادة والحسن الأشارة إلى مكة وهذا قول يتسق معه المعنى ويتأيد
وقوله قد أحاط الله بها معناه بالقدرة والقهر لأهلها أي قد سبق في علمه ذلك وظهر فيها أنهم لم يقدروا عليها ت قوله وظهر فيها إلى آخره كلام غير محصل ولفظ الثعلبي وأخرى لم تقدروا عليها أي وعدكم فتح بلدة أخرى لم تقدروا عليها قد أحاط

بها لكم حتى يفتحها عليكم وقال ابن عباس علم الله أنه يفتحها لكم قال مجاهد هو ما فتحوه حتى اليوم ثم ذكر بقية الأقوال انتهى
وقوله سبحانه ولو قاتلكم الذين كفروا يعني كفار قريش في تلك السنة لولوا الأدبار ثم لا يجدون وليا ولا نصيرا
وقوله سنة الله أي كسنة الله إشارة إلى وقعة بدر وقيل إشارة إلى عادة الله من نصر الأنبياء ونصب سنة على المصدر
وقوله تعالى وهو الذي كف أيديهم عنكم الآية روي في سببها أن قريشا جمعت جماعة من فتيانها وجعلوهم مع عكرمة بن أبي جهل وخرجوا يطلبون غرة في عسكر النبي ص - واختلف الناس في عدد هؤلاء اختلافا متفاوتا فلذلك اختصرته فلما أحس بهم المسلمون بعث رسول الله ص - في أثرهم خالد بن الوليد وسماه يومئذ سيف الله في جملة من الناس ففروا أمامهم حتى أدخلوهم بيوت مكة وأسروا منهم جملة فسيقوا إلى النبي ص - فمن عليهم وأطلقهم قال الواحدي وكان ذلك سبب الصلح بينهم انتهى وقوله سبحانه هم الذين كفروا يعني أهل مكة وصدوكم عن المسجد الحرام أي منعوكم من العمرة وذلك أن النبي ص - خرج من المدينة إلى الحديبية في ذي القعدة سنة ست يريد العمرة وتعظيم البيت وخرج معه بمائة بدنة وقيل بسبعين فأجمعت قريش لحربه وغوروا المياه التي تقرب من مكة فجاء ص - حتى نزل على بير الحديبية وحينئذ وضع سهمه في الماء فجرى غمرا حتى كفى الجيش ثم بعث ص - إليهم عثمان كما تقدم وبعثوا هم رجالا آخرهم سهيل بن عمرو وبه انعقد الصلح على أن ينصرف ص - ويعتمر من قابل فهذا صدهم إياه وهو مستوعب في السير والهدي معطوف على الضمير في صدوكم أي وصدوا الهدي ومعكوفا حال ومعناه محبوسا تقول عكفت الرجل عن حاجته إذا حبسته وحبس الهدي من قبل المشركين هو

بصدهم ومن قبل المسلمين لرؤيتهم ونظرهم في أمرهم لأجل أن يبلغ الهدي محله وهو مكة والبيت وهذا هو حبس المسلمين وذكر تعالى العلة في أن صرف المسلمين ولم يمكنهم من دخول مكة في تلك الوجهة وهي أنه كان بمكة مؤمنون من رجال ونساء خفي إيمانهم فلو استباح المسلمون بيضتها أهلكوا أولائك المؤمنين قال قتادة فدفع الله عن المشركين بأولائك المؤمنين والوطء هنا الإهلاك بالسيف وغيره ومنه قوله ص - اللهم اشدد وطأتك على مضر قال أبو حيان ولولا رجال جوابها محذوف لدلالة الكلام عليه أي ما كف أيديكم عنهم انتهى والمعرة السوء والمكروه اللاحق مأخوذ من العر والعرة وهو الحرب الصعب اللازم واختلف في تعيين هذه المعرة فقال الطبري وحكاه الثعلبي هي الكفارة وقال منذر المعرة أن يعيبهم الكفار ويقولوا قتلوا أهل دينهم وقال بعض المفسرين هي الملام والقول في ذلك وتألم النفس في باقي الزمان وهذه أقوال حسان وجواب لولا محذوف تقديره لولا هؤلاء لدخلتم مكة لكن شرفنا هؤلاء المؤمنين بأن رحمناهم ودفعنا بسببهم عن مكة ليدخل الله أي ليبين للناظر أن الله يدخل من يشاء في رحمته أي ليقع دخولهم في رحمة الله ودفعه عنهم ت وقال الثعلبي قوله بغير علم يحتمل أن يريد بغير علم ممن تكلم بهذا والمعرة المشقة ليدخل الله في رحمته أي في دين الإسلام من يشاء من أهل مكة قبل أن تدخلوها انتهى
وقوله تعالى لو تزيلوا أي لو ذهبوا عن مكة تقول زلت زيدا عن موضعه إزالة أي أذهبته وليس هذا الفعل من زال يزول وقد قيل هو منه وقرأ أبو حيوة وقتادة تزايلوا بألف أي ذهب هؤلاء عن هؤلاء وقال النحاس وقد قيل إن قوله ولولا رجال مؤمنون الآية يريد من في أصلاب الكافرين ممن سيؤمن في غابر الدهر وحكاه الثعلبي والنقاش عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن النبي ص

مرفوعا والحمية التي جعلوها هي حمية أهل مكة في الصد قال الزهري وهي حمية سهيل ومن شاهد منهم عقد الصلح وجعلها سبحانه حمية جاهلية لأنها كانت منهم بغير حجة إذ لم يأت ص - محاربا لهم وإنام جاء معتمرا معظما لبيت الله والسكينة هي الطمأنينة إلى أمر رسول الله ص - والثقة بوعد الله والطاعة وزوال الأنفة التي لحقت عمر وغيره وكلمة التقوى قال الجمهور هي لا إله إلا الله وروي ذلك عن النبي ص - وفي مصحف ابن مسعود وكانوا أهلها وأحق بها والمعنى كانوا أهلها على الإطلاق في علم الله وسابق قضائه لهم وروى أبو أمامة عن النبي ص - أنه قال إذا نادى المنادي فتحت أبواب السماء واستجيب الدعاء فمن نزل به كرب أو شدة فليتحين المنادي فإذا كبر كبر وإذا تشهد تشهد وإذا قال حي على الصلاة قال حي على الصلاة وإذا قال حي على الفلاح قال حي على الفلاح ثم يقول رب هذه الدعوة الصادقة المستجاب لها دعوة الحق وكلمة التقوى أحينا عليها وأمتنا عليها وابعثنا عليها واجعلنا من خيار أهلها أحياء وأمواتا ثم يسئل الله حاجته رواه الحاكم في المستدرك وقال صحيح الإسناد انتهى من السلاح فقد بين ص - في هذا الحديث معنى كلمة التقوى على نحو ما فسر به الجمهور والصحيح أنه يعوض عن الحيلة الحوقلة ففي صحيح مسلم ثم قال حي على الصلاة قال لا حول ولا قوة إلا بالله ثم قال حي على الفلاح قال لا حول ولا قوة إلا بالله الحديث انتهى
وقوله تعالى وكان الله بكل شيء عليما إشارة إلى علمه بالمؤمنين الذين دفع عن كفار قريش بسببهم وإلى علمه بوجه المصلحة في صلح الحديبية فيروى أنه لما انعقد الصلح أمن الناس في تلك المدة الحرب والفتنة وامتزجوا وعلت دعوة الإسلام وانقاد إلى الإسلام كل من له فهم وزاد عدد الإسلام في تلك المدة أضعاف ما كان قبل ذلك قال ع ويقتضي ذلك أن

النبي ص - كان في عام الحديبية في أربع عشرة مائة ثم سار إلى مكة بعد ذلك بعامين في عشرة آلاف فارس ص - ت المعروف عشرة آلاف وقوله فارس ما أظنه يصح فتأمله في كتب السيرة
وقوله سبحانه لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق الآية روي في تفسيرها أن النبي ص - رأى في منامه عند خروجه إلى العمرة أنه يطوف بالبيت هو وأصحابه بعضهم محلقون وبعضهم مقصرون وقال مجاهد رأى ذلك بالحديبية فأخبر الناس بهذه الرؤيا فوثق الجميع بأن ذلك يكون في وجهتهم تلك وقد كان سبق في علم الله أن ذلك يكون لكن ليس في تلك الوجهة فلما صدهم أهل مكة قال المنافقون وأين الرؤيا ووقع في نفوس بعض المسلمين شيء من ذلك فأجابهم النبي ص - بأن قال وهل قلت لكم يكون ذلك في عامنا هذا أو كما قال ونطق أبو بكر قبل ذلك بنحوه ثم أنزل الله عز و جل لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق الآيةواللام في لتدخلن لام القسم
وقوله إن شاء الله اختلف في هذا الاستثناء فقال بعض العلماء إنما استثنى من حيث أن كل واحد من الناس متى رد هذا الوعد إلى نفسه أمكن أن يتم الوعد فيه وإن لا يتم إذ قد يموت الإنسان أو يمرض لحينه فلذلك استثنى عز و جل في الجملة إذ فيهم ولا بد من يموت أو يمرض ت وقد وقع ذلك حسبما ذكر في السير وقال آخرون هو أخذ من الله تعالى على عباده بأدبه في استعمال الاستثناء في كل فعل ت قال ثعلب استثنى الله تعالى فيما يعلم ليستثني الخلق فيما لا يعلمون وقيل غير هذا ولما نزلت هذه الآية علم المسلمون أن تلك الرؤيا ستخرج فيما يستأنفونه من الزمان فكان كذلك فخرج ص - في العام المقبل واعتمر
وقوله سبحانه فعلم ما لم تعلموا يريد ما قدره من ظهور الإسلام في تلك المدة ودخول الناس فيه
وقوله من دون ذلك أي من قبل ذلك وفيما

يدنو إليكم واختلف في الفتح القريب فقال كثير من العلماء هو بيعة الرضوان وصلح الحديبية وقال ابن زيد هو فتح خيبر
وقوله تعالى محمد رسول الله قال جمهور الناس هو ابتداء وخبر استوفى فيه تعظيم منزلة النبي ص -
وقوله والذين معه ابتداء وخبره أشداء ورحماء خبر ثان وهذا هو الراجح لأنه خبر مضاد لقول الكفار لا تكتب محمد رسول الله والذين معه إشارة إلى جميع الصحابة عند الجمهور وحكى الثعلبي عن ابن عباس أن الإشارة إلى من شهد الحديبية ت ووصف تعالى الصحابة بأنهم رحماء بينهم وقد جاءت أحاديث صحيحة في تراحم المؤمنين حدثنا الشيخ ولي الدين العراقي بسنده عن عبدالله بن عمرو بن العاص أن رسول الله ص - قال الراحمون يرحمهم الرحمن ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء وأخرج الترمذي من طريق أبي هريرة عن رسول الله ص - أنه قال لا تنزع الرحمة إلا من قلب شقي وخرج عن جرير بن عبدالله قال قال رسول الله ص - من لا يرحم الناس لا يC قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح وهذا الحديث خرجه مسلم عن جرير وخرج مسلم أيضا من طريق أبي هريرة من لا يرحم لا يرحم انتهى وبالجملة فأسباب الألفة والتراحم بين المؤمنين كثيرة ولو بأن تلقى أخاك بوجه طلق وكذلك بذل السلام وطيب الكلام فالموفق لا يحتقر من المعروف شيأ وقد روى الترمذي الحكيم في كتاب ختم الأولياء له بسنده عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال سمعت رسول الله ص - يقول إذا التقى المسلمان كان أحبهما إلى الله سبحانه أحسنهما بشرا بصاحبه أو قال أكثرهما بشرا بصاحبه فإذا تصافحا أنزل الله عليهما مائة رحمة تسعون منها للذي بدأ وعشرة للذي صوفح انتهى
وقوله تراهم ركعا سجدا أي ترى هاتين الحالتين كثيرا فيهم ويبتغون معناه يطلبون
وقوله سبحانه سيماهم في وجوههم

قال مالك بن أنس كانت جباههم متربة من كثرة السجود في التراب وقاله عكرمة ونحوه لأبي العالية وقال ابن عباس وخالد الحنفي وعطية هو وعد بحالهم يوم القيامة من الله تعالى يجعل لهم نورا من أثر السجود قال ع كما يجعل غرة من أثر الوضوء حسبما هو في الحديث ويؤيد هذا التأويل اتصال القول بقوله فضلا من الله وقال ابن عباس السمت الحسن هو السيما وهو خشوع يبدو على الوجه قال ع وهذه حالة مكثري الصلاة لأنها تنهاهم عن الفحشاء والمنكر وقال الحسن ابن أبي الحسن وشمر بن عطية السيما بياض وصفرة وتبهيج يعتري الوجوه من السهر وقال عطاء بن أبي رباح والربيع بن أنس السيما حسن يعتري وجوه المصلين قال ع ومن هذا الحديث الذي في الشهاب من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار قال ع وهذا حديث غلط فيه ثابت بن موسى الزاهد سمع شريك بن عبدالله يقول حدثنا الأعمش عن أبي سفيان عن جابر ثم نزع شريك لما رأى ثابتا الزاهد فقال يعنيه من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار فظن ثابت أن هذاالكلام حديث متركب على السند المذكور فحدث به عن شريك ت واعلم أن الله سبحانه جعل حسن الثناء علامة على حسن عقبى الدار والكون في الجنة مع الأبرار جاء بذلك صحيح الآثار عن النبي المختار ففي صحيح البخاري ومسلم عن أنس قال مروا بجنازة فأثنوا عليها خيرا فقال النبي ص - وجبت ثم مروا بأخرى فأثنوا عليها شرا فقال وجبت فقال عمر ما وجبت فقال هذا أثنيتم عليه خيرا فوجبت له الجنة وهذا أثنيتم عليه شرا فوجبت له النار أنتم شهداء الله في الأرض انتهى ونقل صاحب الكوكب الدري من مسند البزار عن النبي ص - أنه قال يوشك أن تعرفوا أهل الجنة من أهل النار فقالوا يا رسول الله بم قال بالثناء الحسن والثناء السيء انتهى ونقله صاحب كتاب التشوف إلى رجال التصوف

وهو الشيخ الصالح أبو يعقوب يوسف بن يحيى التاذلي عن ابن أبي شيبة ولفظه وخرج أبو بكر بن أبي شيبة أنه قال ص - في خطبته توشكوا أن تعرفوا أهل الجنة من أهل النار أو قال خياركم من شراركم قالوا بما يا رسول الله قال بالثناء الحسن وبالثناء السيئ أنتم شهداء الله بعضكم على بعض ومن كتاب التشوف قال وخرج البزار عن أنس قال قيل يا رسول الله من أهل الجنة قال من لا يموت حتى تملأ مسامعه مما يحبه قيل فمن أهل النار قال من لا يموت حتى تملأ مسامعه مما يكره قال وخرج البزار عن أبي هريرة أن رجلا قال يا رسول الله دلني على عمل أدخل به الجنة قال لا تغضب وأتاه آخر فقال متى أعلم أني محسن قال إذا قال جيرانك أنك محسن فإنك محسن وإذا قالوا أنك مسيء فإنك مسيء انتهى ونقل القرطبي في تذكرته عن عبدالله بن السائب قال مرت جنازة بابن مسعود فقال لرجل قم فانظر أمن أهل الجنة هو أم من أهل النار فقال الرجل ما يدريني أمن أهل الجنة هو أم من أهل النار قال انظر ما ثناء الناس عليه فأنتم شهداء الله في الأرض انتهى وبالله التوفيق وإياه نستعين
وقوله سبحانه ذلك مثلهم في التوراة الآية قال مجاهد وجماعة من المتأولين المعنى ذلك الوصف هو مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل وتم القول وكزرع ابتداء تمثيل وقال الطبري وحكاه عن الضحاك المعنى ذلك الوصف هو مثلهم في التوراة وتم القول ثم ابتدأ ومثلهم في الإنجيل كزرع ت وقيل غير هذا وأبينها الأول وما عداه يفتقر إلى سند يقطع الشك
وقوله تعالى كزرع على كل قول هو مثل للنبي عليه السلام وأصحابه في أن النبي عليه السلام بعث وحده فكن كالزرع حبة واحدة ثم كثر المسلمون فهم كالشطء وهو فراخ السنبلة التي تنبت حول الأصل يقال أشطأت الشجرة إذا أخرجت غصونها وأشطأ الزرع إذا أخرج شطأه وحكى النقاش عن ابن عباس أنه قال الزرع النبي ص

فآزره علي بن أبي طالب فاستغلظ بأبي بكر فاستوى على سوقه بعمر بن الخطاب ت وهذا لين الإسناد والمتن كما ترى والله أعلم بصحته
وقوله تعالى فآزره له معنيان أحدهما ساواه طولا والثاني أن آزره ووازره بمعنى أعانه وقواه مأخوذ من الأزر وفاعل آزر يحتمل أن يكون الشطء ويحتمل أن يكون الزرع
وقوله تعالى ليغيظ بهم الكفار ابتداء كلام قبله محذوف تقديره جعلهم الله بهذه الصفة ليغيظ بهم الكفار قال الحسن من غيظ الكفار قول عمر بمكة لا يعبد الله سرا بعد اليوم
وقوله تعالى منهم هي لبيان الجنس وليست للتبعيض لأنه وعد مرج للجميع
تفسير

سورة الحجرات

وهي مدنية بإجماع
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله
عز و جل يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله الآية قال ابن زيد معنى لا تقدموا لا تمشوا وقرأ ابن عباس والضحاك ويعقوب بفتح التاء والدال على معنى لا تتقدموا وعلى هذا يجيء تأويل ابن زيد والمعنى على ضم التاء بين يدي قول الله ورسوله وروي أن سبب هذه الآية أن وفد بني تميم لما قدم قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه يا رسول الله لو أمرت القعقاع بن معبد وقال عمر لا يا رسول الله بل أمر الأقرع ابن حابس فقال له أبو بكر ما أردت إلا خلافي فقال عمر ما أردت خلافك وارتفعت أصواتهما فنزلت الآية وذهب بعض قائلي هذه المقالة إلى أن قوله لا تقدموا أي ولاة

فهو من تقديم الأمراء وعموم اللفظ أحسن أي اجعلوه مبدأ في الأقوال والأفعال وعبارة البخاري وقال مجاهد لا تقدموا لا تفتاتوا على رسول الله ص - حتى يقضي الله عز و جل على لسانه انتهى
وقوله سبحانه لا ترفعوا أصواتكم الآية هي أيضا في هذا الفن المتقدم فروي أن سببها ما تقدم عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما والصحيح أنها نزلت بسب عادة الأعراب من الجفاء وعلو الصوت وكان ثابت بن قيس بن شماس رضي الله عنه ممن في صوته جهارة فلما نزلت هذه الآية اهتم وخاف على نفسه وجلس في بيته لم يخرج وهو كئيب حزين حتى عرف النبي ص - خبره فبعث إليه فأنسه وقال له امش في الأرض بسطا فإنك من أهل الجنة وقال له مرة أما ترضى أن تعيش حميدا وتموت شهيدا فعاش كذلك ثم قتل شهيدا باليمامة يوم مسيلمة ت وحديث ثابت بن قيس وتبشيره بالجنة خرجه البخاري وكذلك حديث أبي بكر وعمر وارتفاع أصواتهما خرجه البخاري ايضا انتهى
وقوله كجهر بعضكم لبعض أي كحال أحدكم في جفائه فلا تنادوه باسمه يا محمد يا أحمد قاله ابن عباس وغيره فأمرهم الله بتوقيره وأن يدعوه بالنبوءة والرسالة والكلام اللين وكره العلماء رفع الصوت عند قبر النبي ص - وبحضرة العالم وفي المساجد وفي هذه كلها آثار قال ابن العربي في أحكامه وحرمة النبي ص - ميتا كحرمته حيا وكلامه المأثور بعد موته في الرفعة مثل كلامه المسموع من لفظه فإذا قرئ كلامه وجب على كل حاضر أن لا يرفع صوته عليه ولا يعرض عنه كما كان يلزمه ذلك في مجلسه عند تلفظه به وقد نبه الله تعالى على دوام الحرمة المذكورة على مرور الأزمنة بقوله وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا وكلام النبي ص - هو من الوحي وله من الحرمة مثل ما للقرآن انتهى
وقوله تعالى أن تحبط مفعول من أجله أي مخافة أن تحبط

ثم مدح سبحانه الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله وغض الصوت خفضه وكسره وكذلك البصر وروي أن أبا بكر وعمر كانا بعد ذلك لا يكلمان رسول الله ص - إلا كأخي السرار وأن النبي ص - كان يحتاج مع عمر بعد ذلك إلى استعادة اللفظ لأنه كان لا يسمعه من إخفائه إياه وامتحن معناه اختبر وطهر كما يمتحن الذهب بالنار فيسرها وهيأها للتقوى وقال عمر بن الخطاب امتحنها للتقوى أذهب عنها الشهوات قال ع من غلب شهوته وغضبه فذلك الذي امتحن الله قلبه للتقوى وبذلك تكون الاستقامة وقال البخاري امتحن أخلص انتهى
وقوله سبحانه إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون نزلت في وفد بني تميم وقولهم يا محمد اخرج إلينا يا محمد اخرج إلينا وفي مصحف ابن مسعود أكثرهم بنو تميم لا يعقلون وباقي الآية بين
وقوله تعالى يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا وقرئ فتثبتوا روي في سبب الآية أن النبي ص - بعث الوليد بن عقبة بن أبي معيط إلى بني المصطلق مصدقا فلما قرب منهم خرجوا إليه ففزع منهم وظن بهم شرا فرجع وقال للنبي ص - قد منعوني الصدقة وطردوني وارتدوا فغضب النبي ص - وهم بغزوهم فورد وفدهم منكرين لذلك وروي أنه لما قرب منهم بلغه عنهم أنهم قالوا لا نعطيه الصدقة ولا نطيعه فقال ما ذكرناه فنزلت الآية وإن تصيبوا معناه مخافة أن تصيبوا قال قتادة وقال النبي ص - عندما نزلت هذه الآية التثبت من الله والعجلة من الشيطان
وقوله سبحانه واعلموا أن فيكم رسول الله لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم توبيخ للكذبة والعنت المشقة
وقوله تعالى أولائك هم الراشدون رجوع من الخطاب إلى الغيبة كأنه قال ومن اتصف بما تقدم من المحاسن أولائك هم

الراشدون
وقوله سبحانه فضلا من الله ونعمة أي كان هذا فضلا من الله ونعمة وكان قتادة رحمه الله يقول قد قال الله تعالى لأصحاب محمد عليه السلام واعلموا أن فيكم رسول الله لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم وأنتم والله أسخف رأيا وأطيش أحلاما فليتهم رجل نفسه ولينتصح كتاب الله تعالى
وقوله تعالى وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما سبب الآية في قول الجمهور هو ما وقع بين المسلمين المتحزبين في قضية عبدالله بن أبي ابن سلول حين مر به النبي ص - راكبا على حماره متوجها إلى زيارة سعد بن عبادة في مرضه حسبما هو معلوم في الحديث الطويل ومدافعة الفئة الباغية متوجهة في كل حال وأما التهيئ لقتالهم فمع الولاة وقال النبي ص - حكم الله في الفئة الباغية أن لا يجهز على جريحها ولا يطلب هاربها ولا يقتل أسيرها ولا يقسم فيئها وتفيء معناه ترجع وقرأ الجمهور بين أخويكم وذلك رعاية لحال أقل عدد يقع فيه القتال والتشاجر وقرأ ابن عامر بين إخوتكم وقرأ عاصم الجحدري بين إخوانكم وهي قراءة حسنة لأن الأكثر في جمع الأخ في الدين ونحوه من غير النسب إخوان والأكثر في جمعه من النسب إخوة وآخاء قد تتداخل هذه الجموع وكلها في كتاب الله
وقوله سبحانه يا أيهاالذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم الآية هذه الآية والتي بعدها نزلت في خلق أهل الجاهلية وذلك أنهم كانوا يجرون مع شهوات نفوسهم لم يقومهم أمر من الله ولا نهي فكان الرجل يسخر ويلمز وينبز بالألقاب ويظن الظنون ويتكلم بها ويغتاب ويفتخر بنسبه إلى غير ذلك من أخلاق النفوس البطالة فنزلت هذه الآية تأديبا لهذه الأمة وروى البخاري ومسلم والترمذي واللفظ له عن أبي هريرة قال قال رسول الله ص - المسلم أخو المسلم لا يخونه ولا يكذبه ولا يخذله كل المسلم على السملم حرام عرضه وماله ودمه التقوى هاهنا

بحسب امرئ من الشر أن يحتقر أخاه المسلم انتهى ويسخر معناه يستهزئ وقد يكون ذلك المستهزأ به خيرا من الساخر والقوم في كلام العرب واقع على الذكران وهو من أسماء الجمع ومن هذا قول زهير ... وما أدري وسوف أخال أدري ... أقوم آل حصن أم نساء ...
وهذه الآية أيضا تقتضي اختصاص القوم بالذكران وقد يكون مع الذكران نساء فيقال لهم قوم على تغليب حال الذكور وتلمزوا معناه يطعن بعضكم على بعض بذكر النقائص ونحوه وقد يكون اللمز بالقول وبالإشارة ونحوه مما يفهمه آخر والهمز لا يكون إلا باللسان وحكىالثعلبي أن اللمز ما كان في المشهد والهمز ما كان في المغيب وحكى الزهراوي عكس ذلك
وقوله تعالى أنفسكم معناه بعضكم بعضا كما قال تعالى أن اقتلوا أنفسكم كأن المؤمنين كنفس واحدة إذ هم ءاخوة كما قال ص - كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى سائره بالسهر والحمى وهم كما قال ايضا كالبنيان يشد بعضه بعضا والتنابز التلقب والنبز واللقب واحد واللقب يعني المذكور في الآية هو ما يعرف به الإنسان من الأسماء التي يكره سماعها وليس من هذا قول المحدثين سليمان الأعمش وواصل الأحدب ونحوه مما تدعو الضرورة إليه وليس فيه قصد استخفاف واذى وقال ابن زيد معنى ولا تنابزوا بالألقاب أي لا يقل أحد لأحد يا يهودي بعد إسلامه ولا يا فاسق بعد توبته ونحو هذا
وقوله سبحانه بيس الاسم الفسوق بعد الإيمان يحتمل معنيين أحدهما بيس اسم تكتسبونه بعصيانكم ونبزكم بالألقاب فتكونون فساقا بالمعصية بعد إيمانكم والثاني بيس قول الرجل لأخيه يا فاسق بعد إيمانه وعن حذيفة رضي الله عنه قال شكوت إلى رسول الله ص - ذرب لساني فقال أين أنت من الاستغفار إني لأستغفر الله كل يوم مائة مرة رواه النسائي واللفظ له وابن

ماجه والحاكم في المستدرك وقال صحيح على شرط مسلم وفي رواية للنسائي اني لاستغفر الله في اليوم واتوب اليه مائة مرة والذرب بفتح الذال والراء هو الفحش انتهى من السلاح ومنه عن ابن عمر ان كنا لنعد لرسول الله ص - في المجلس الواحد مائة مرة رب اغفر لي وتب علي انك انت التواب الرحيم رواه ابو داود وهذا لفظه والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه وقال الترمذي حسن صحيح غريب انتهى ثم امر تعالى المومنين باجتناب كثير من الظن وان لا يعلموا ولا يتكلموا بحسبه لما في ذلك وفي التجسس من التقاطع والتدابر وحكم على بعضه انه اثم اذ بعضه ليس باثم والظن المنهي عنه هو ان تظن شرا برجل ظاهره الصلاح بل الواجب ان تزيل الظن وحكمه وتتأول الخير قال ع وما زال اولوا العزم يحترسون من سوء الظن ويجتنبون ذرائعه قال النووي واعلم ان سوء الظن حرام مثل القول فكما يحرم ان تحدث غيرك بمساوى انسام يحرم ان تحدث نفسك بذلك وتسىء الظن به وفي الصحيح عنه ص - اياكم والظن فانه اكذب الحديث والاحاديث بمعنى ما ذكرناه كثيرة والمراد بذلك عقد القلب وحكمه على غيره بالسوء فاما الخواطر وحديث النفس اذا لم يستقر ويستمر عليه صاحبه فمعفو عنه باتفاق العلماء لأنه لا اختيار له في وقوعه ولا طريق له الى الانفكاك عنه انتهى قال ابو عمر في التمهيد وقد ثبت عن النبي ص - انه قال حرم الله من المومن دمه وماله وعرضه وان لا يظن به الا الخير انتهى ونقل في موضع آخر بسنده ان عمر بن عبد العزيز كان اذا ذكر عنده رجل بفضل او صلاح قال كيف هو اذا ذكر عنده اخوانه فان قالوا انه يتنقصهم وينال منهم قال عمر ليس هو كما تقولون وان قالوا انه يذكر منهم جميلا وخيرا ويحسن الثناء عليهم قال هو كما تقولون ان شاء الله انتهى من التمهيد وروى ابو داود في سننه عن ابي

هريرة عن النبي ص - قال حسن الظن من حسن العبادة انتهى وقوله تعالى ولا تجسسوا أي لا تبحثوا عن مخبئات امور الناس وادفعوا بالتي هي احسن واجتزءوا بالظواهر الحسنة وقرأ الحسن وغيره ولا تحسسوا بالحاء المهملة قال بعض الناس والتجسس بالجيم في الشر وبالحاء في الخير قال ع وهكذا ورد القرآن ولكن قد يتداخلان في الاستعمال ت وقد وردت احاديث صحيحة في هذا الباب لولا الاطالة لجلبناها ولا يغتب معناه لا يذكر احدكم من اخيه شيأ هو فيه ويكره سماعه وقد قال النبي ص - اذا ذكرت ما في اخيك فقد اغتبته وذا ذكرت ما ليس فيه فقد بهته وفي حديث آخر الغيبة ان تذكر المؤمن بما يكره قيل وان كان حقا قال اذا قلت باطلا فذلك هو البهتان وحكى الزهراوي عن جابر عن النبي ص - انه قال الغيبة اشد من الزنا قيل وكيف قال لان الزاني يتوب فيتوب الله عليه والذي يغتاب لا يتاب عليه حتى يستحل قال ع وقد يموت من اغتيب او يابى وروى ابو داود في سننه عن انس بن مالك قال قال رسول الله ص - لما عرج بي مررت بقوم لهم اظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم فقلت من هؤلاء يا جبريل قال هؤلاء الذين ياكلون لحوم الناس ويقعون في اعراضهم انتهى والغيبة مشتقة من غاب يغيب وهي القول في الغائب واستعملت في المكروه ولم يبح في هذا المعنى الا ما تدعو الضرورة اليه من تجريح الشهود وفي التعريف بمن استنصح في الخطاب ونحوهم لقول النبي ص - اما معاوية فصعلوك لا مال له وما يقال في الفسقة ايضا وفي ولاة الجور ويقصد به التحذير منهم ومنه قوله عليه السلام اعن الفاجر ترعون اذكروا الفاجر بما فيه متى يعرفه الناس اذا لم يذكروه ت وهذا الحديث خرجه ايضا ابو بكر بن الخطيب بسنده عن بهز عن ابيه عن جده عن النبي ص

قال اترعون عن ذكر الفاجر اذكروه بما فيه يحذره الناس ولم يذكر في سنده مطعنا انتهى ومنه قوله عليه السلام بيس ابن العشيرة ثم مثل تعالى الغيبة باكل لحم ابن آدم الميت ووقف تعالى على جهة التوبيخ بقوله ايحب احدكم ان يأكل لحم اخيه ميتا فكرهتموه أي فكذلك فاكرهوا الغيبة قال ابو حيان فكرهتموه قيل خبر بمعنى الامر أي فاكرهوه وقيل على بابه فقال الفراء فقد كرهتموه فلا تفعلوه انتهى وقد روى البخاري عن النبي ص - انه قال لا يرمي رجل رجلا بالفسوق ولا يرميه بالكفر الا ارتدت عليه ان لم يكن صاحبه كذلك وفي رواية مسلم من دعا رجلا بالكفر او قال عدو الله وليس كذلك الا حار عليه وفي الصحيحين عنه ص - أي رجل قال لأخيه كافر فقد باءبها احدهما انتهى وباقي الآية بين وقوله تعالى يا ايها الناس انا خلقناكم من ذكر وانثى الآية المعنى يا أيها الناس انتم سواء من حيث انتم مخلوقون وانما جعلتم قبائل لأن تتعارفوا او لان تعرفوا الحقائق واما الشرف والكرم فهو بتقوى الله تعالى وسلامة القلوب وقرأ ابن مسعود لتعارفوا بينكم وخيركم عند الله اتقاكم وقرأ ابن عباس لتعرفوا ان على وزن تفعلوا بكسر العين وبفتح الهمزة من ان وروي ان النبي ص - قال من سره ان يكون اكرم الناس فليتق الله واما الشعوب فهو جمع شعب وهو اعظم ما يوجد من جماعات الناس مرتبطا بنسب واحد كمضر وربيعة وحمير ويتلوه القبيلة ثم العمارة ثم البطن ثم الفخذ ثم الفصيلة والأسرة وهما قرابة الرجل الادنون ثم نبه سبحانه على الحذر بقوله ان الله عليم خبير أي بالمتقى الذي يستحق رتبة الكرم وخرج مسلم في صحيحه عن النبي ص - انه قال ان الله اوحى الي ان تواضعوا حتى لا يفخر احد على احد ولا يبغى احد على أحد ورورى ابو داود والترمذي عن النبي ص - أنه قال لينتهين اقوام يفتخرون بآبائهم انما

هم فحم من جهنم او ليكونن على الله اهون من الجعل الذي يدهده الخراء بانفه ان الله اذهب عنكم عبية الجاهلية وفخرها انما هو مؤمن تقي او فاجر شقي كلكم بنو آدم وآدم من تراب انتهى ونقله البغوي في مصابيحه وقوله تعالى قالت الأعراب آمنا قال مجاهد نزلت في بني اسد وهي قبيلة كانت تجاور المدينة اظهروا الاسلام وفي الباطن انما يريدون المغانم وعرض الدنيا ثم امر الله تعالى نبيه ان يقول لهؤلاء المدعين للايمان لم تؤمنوا أي لم تصدقوا بقلوبكم ولكن قولوا اسلمنا أي استسلمنا والاسلام يقال بمعنيين احدهما الذي يعم الايمان والاعمال وهو الذي في قوله تعالى ان الدين عند الله الاسلام والذي في قوله عليه السلام بني الاسلام على خمس والمعنى الثاني للفظ الاسلام هو الاستسلام والاظهار الذي يستعصم به ويحقن الدم وهذا هو الذي في الآية ثم صرح بان الايمان لم يدخل في قلوبهم ثم فتح باب التوبة بقوله وان تطيعوا الله الآية وقرأ الجمهور لا يلتكم من لات يليت اذا نقص يقال لات حقه اذا نقصه منه وقرأ ابو عمرو لا يالتكم من ألت يألت وهي بمعنى لات وقوله سبحانه انما المؤمنون انما هنا حاصرة وقوله ثم لم يرتابوا أي لم يشكوا ثم امر الله تعالى نبيه عليه السلام بتوبيخهم بقوله اتعلمون الله بدينكم أي بقولكم آمنا وهو يعلم منكم خلاف ذلك لأنه العليم بكل شيء وقوله سبحانه يمنون عليك ان اسلموا نزلت في بني اسد ايضا وقرأ ابن مسعود يمنون عليك اسلامهم وقرأ ابن كثير وعاصم في رواية والله بصير بما يعلمون

تفسير

سورة ق

وهي مكية باجماع
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله عز و جل ق والقرآن المجيد قال مجاهد والضحاك وابن زيد وعكرمة ق اسم الجبل المحيط بالدنيا وهو فيما يزعمون انه من زمردة خضراء منها خضرة السماء وخضرة البحر وقيل في تفسيره غير هذا والمجيد الكريم في اوصافه الذي جمع كل معلاة وق مقسم به وبالقرآن قال الزجاج وجواب القسم محذوف تقديره ق والقرآن المجيد لتبعثن قال ع وهذا قول حسن واحسن منه ان يكون الجواب هو الذي يقع عنه الاضراب ببل كانه قال والقرآن المجيد ما ردوا امرك بحجة ونحو هذا مما لا بد لك من تقديره بعد الذي قدره الزجاج وباقي الآية بين مما تقدم في ص ويونس وغيرهما ثم اخبر تعالى ردا على قولهم بانه سبحانه يعلم ما تاكل الأرض من ابن آدم وما تبقى منه وان ذلك في كتاب والحفيظ الجامع الذي لم يفته شيء وفي الحديث الصحيح ان الارض تاكل ابن آدم الاعجب الذنب وهو عظم كالخردلة فمنه يركب ابن آدم قال ع وحفظ ما تنقص الأرض انما هو ليعود بعينه يوم القيامة وهذا هو الحق قال ابن عباس والجمهور المعنى ما تنقص من لحومهم وابشارهم وعظامهم وقال السدي ما تنقص الارض أي ما يحصل في بطنها من موتاهم وهذا قول حسن مضمنه الوعد والمريج معناه المختلط قاله ابن زيد أي بعضهم يقول ساحر وبعضهم يقول كاهن وبعضهم يقول شاعر الى غير ذلك من تخليطهم قال ع والمريج المضطرب ايضا وهو قريب من الاول ومنه مرجت عهودهم ومن الاول مرج

البحرين ثم دل تعالى على العبرة بقوله افلم ينظروا الى السماء الآية وزيناها أي بالنجوم والفروج والفطور والشقوق خلالها واثناءها قاله مجاهد وغيره ت وقال الثعلبي باثر كلام للكساءي يقول كيف بنيناها بلا عمد وزيناها بالنجوم وما فيها فتوق والارض مددناها أي بسطناها على وجه الماء انتهى والرواسي الجبال والزوج النوع والبهيج الحسن المنظر قاله ابن عباس وغيره والمنيب الراجع الى الحق عن فكرة ونظر قال قتادة هو المقبل الى الله تعالى وخص هذا الصنف بالذكر تشريفا لهم من حيث انتفاعهم بالتبصرة والذكرى وحب الحصيد البر والشعير ونحوه مما هو نبات محبب يحصد قال ابو حيان وحب الحصيد من اضافة الموصوف الى صفته على قول الكوفيين او على حذف الموصوف واقامة الصفة مقامه أي حب الزرع الحصيد على قول البصريين وباسقات حال مقدرة لانها حالة الانبات ليست طوالا انتهى وباسقات معناه طويلات ذاهبات في السماء والطلع اول ظهور التمر في الكفرى قال البخاري ونضيد معناه منضود بعضه على بعض انتهى ووصف البلدة بالميت على تقدير القطر والبلد ثم بين سبحانه موضع الشبه فقال كذلك لخروج يعني من القبور وهذه الآيات كلها انما هي امثلة وادلة على البعث واصحاب الرس قوم كانت لهم بير عظيمة وهي الرس وكل ما لم يطو من بير او معدن او نحوه فهو رس وجاءهم نبيء يسمى حنظلة ابن سفيان فيما روي فجعلوه في الرس وردموا عليه فاهلكهم الله وقال الضحاك الرس بير قتل فيها صاحب يس وقيل انهم قوم عاد والله اعلم وقوله كل قال سيبويه التقدير كلهم والوعيد الذي حق هو ما سبق به القضاء من تعذيبهم وقوله سبحانه افعيينا توقيف للكفار وتوبيخ والخلق الاول انشاء الانسان من نطفة على التدريج المعلوم وقال الحسن الخلق الأول آدم واللبس الشك والريب واختلاط النظر والخلق الجديد البعث من القبور وقوله سبحانه ولقد خلقنا

الانسان الآية الانسان اسم جنس وتوسوس معناه تتحدث في فكرتها والوسوسة انما تستعمل في غير الخير وقوله تعالى ونحن اقرب اليه من حبل الوريد عبارة عن قدرة الله على العبد وكون العبد في قبضة القدرة والعلم قد احيط به فالقرب هو بالقدرة والسلطان اذ لا ينحجب عن علم الله لا باطن ولا ظاهر والوريد عرق كبير في العنق ويقال انهما وريدان عن يمين وشمال واما قوله تعالى اذا يتلقى المتلقيان فقال المفسرون العامل في اذ اقرب ويحتمل عندي ان يكون العامل فيه فعلا مضمرا تقديره اذكر اذ يتلقى المتلقيان والمتلقيان الملكان الموكلان بكل انسان ملك اليمين الذي يكتب الحسنات وملك الشمال الذي يكتب السيئات قال الحسن الحفظة اربعة اثنان بالنهار واثنان بالليل قال ع ويؤيد ذلك الحديث الصحيح يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار الحديث بكماله ويروى ان ملك اليمين امير على ملك الشمال وان العبد اذا اذنب يقول ملك اليمين للآخر تثبت لعله يتوب رواه ابراهيم التيمي وسفيان الثوري وقعيد معناه قاعد وقوله سبحانه ما يلفظ من قول الآية قال الحسن بن ابي الحسن وقتادة يكتب الملكان جميع الكلام فيثبت الله من ذلك الحسنات والسيئات ويمحو غير هذا وهذا هو ظاهر هذه الآية قال ابو الجوزاء ومجاهد يكتبان عليه كل شيء حتى انينه في مرضه وقال عكرمة يكتبان الخير والشر فقط قال ع والأول اصوب ت وروى ابو الدرداء عن النبي ص - انه قال كل شيء يتكلم به ابن ادم فانه مكتوب عليه اذا اخطأ خطيئة فاحب ان يتوب الى الله فليأت فليمد يديه الى الله عز و جل ثم يقول اللهم اني اتوب اليك منها لا ارجع اليها ابدا فانه يغفر له ما لم يرجع في عمله ذلك رواه الحاكم في المستدرك وقال صحيح على شرط الشيخين يعني البخاري ومسلما انتهى من السلاح قال النووي رحمه الله تعالى ينبغي لكل مكلف ان يحفظ لسانه من جميع الكلام

الا كلاما تظهر فيه مصلحته ومتى استوى الكلام وتركه بالمصلحة فالسنة الامساك فانه قد ينجر الكلام المباح الى حرام او مكروه وهذا هو الغالب والسلامة لا يعدلها شيء وقد صح عنه ص - فيما رواه البخاري ومسلم انه قال من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا او ليصمت وهو نص صريح فيما قلناه قال وروينا في كتاب الترمذي وابن ماجه عن النبي ص - انه قال من حسن اسلام المرء تركه ما لا يعنيه قال الترمذي حديث حسن وفيه عن عقبة بن عامر قلت يا رسول الله ما النجاة قال امسك عليك لسانك وليسعك بيتك وابك على خطيئتك قال الترمذي حديث حسن وفيه عنه ص - قال من وقاه الله شر ما بين لحييه وشر ما بين رجليه دخل الجنة قال الترمذي حديث حسن انتهى والرقيب المراقب والعتيد الحاضر وقوله جاءت عطف عندي على قوله اذ يتلقى فالتقدير واذ تجىء سكرة الموت ت قال شيخنا زين الدين العراقي في ارجوزته ... وسكرة الموت اختلاط العقل ...
البيت انتهى وقوله بالحق معناه بلقاء الله وفقد الحياة الدنيا وفراق الحياة حق يعرفه الانسان ويحيد منه بامله ومعنى هذا الحيد انه يقول اعيش كذا وكذا فمتى فكر حاد بذهنه وامله الى مسافة بعيدة من الزمان وهذا شأن الانسان حتى يفاجئه الاجل قال عبد الحق في العاقبة ولما احتضر مالك بن انس ونزل به الموت قال لمن حضره ليعاينن الناس غدا من عفو الله وسعة رحمته ما لم يخطر على قلب بشر كشف له رضي الله عنه عن سعة رحمة الله وكثرة عفوه وعظيم تجاوزه ما اوجب ان قال هذا وقال ابو سليمان الداراني دخلنا على عابد نزوره وقد حضره الموت وهو يبكي فقلنا له ما يبكيك رحمك الله فأنشأ يقول ... وحق لمثلي البكا عند موته ... ومالي لا أبكي وموتي قد اقترب

ولي عمل في اللوح احصاه خالقي ... فان لم يجد بالعفو صرت الى العطب ...
انتهى يوم الوعيد هو يوم القيامة والسائق الحاث على السير واختلف الناس في السائق والشهيد فقال عثمان بن عفان وغيره هما ملكان موكلان بكل انسان احدهما يسوقه والاخر من حفظته يشهد عليه وقال ابو هريرة السائق ملك والشهيد العمل وقيل الشهيد الجوارح وقال بعض النظار سائق اسم جنس وشهيد كذلك فالساقة للناس ملائكة موكلون بذلك والشهداء الحفظة في الدنيا وكل من يشهد وقوله سبحانه كل نفس يعم الصالحين وغيرهم فانما معنى الآية شهيد بخيره وشره ويقوى في شهيد اسم الجنس فتشهد الملائكة والبقاع والجوارح وفي الصحيح لا يسمع مدى صوت المؤذن انس ولا جن ولا شيء الا شهد له يوم القيامة وقوله سبحانه لقد كنت قال ابن عباس وغيره أي يقال للكافر لقد كنت في غفلة من هذا فلما كشف الغطاء عنك الآن احتد بصرك أي بصيرتك وهذا كما تقول فلان حديد الذهن ونحوه وقال مجاهد هو بصر العين أي احتد التفاته الى ميزانه وغير ذلك من اهوال القيامة والوجه عندي في هذه الآية ما قاله الحسن وسالم بن عبد الله انها مخاطبة للانسان ذي النفس المذكورة من مومن وكافر وهكذا قال الفخر قال والأقوى ان يقال هو خطاب عام مع السامع كانه يقول ذلك ما كنت منه تحيد ايها السامع انتهى وينظر الى معنى كشف الغطاء قول النبي ص - الناس نيام فاذا ماتوا انتبهوا وقوله تعالى وقال قرينه هذا ما لدي عتيد قال جماعة من المفسرين يعني قرينه من زبانية جهنم أي قال هذا العذاب الذي لدي لهذا الكافر حاضر وقال قتادة وابن زيد بل قرينه الموكل بسوقه قال ع ولفظ القرين اسم جنس فسائقه قرين وصاحبه من الزبانية قرين وكاتب سيئاته في الدنيا قرين والكل تحتمله هذه الآية أي هذا الذي احصيته عليه عتيد لدي وهو

موجب عذابه والقرين الذي في هذه الآية غير القرين الذي في قوله قال قرينه ربنا ما اطغيته اذ المقارنة تكون على انواع وقوله سبحانه القيا في جهنم كل كفار عنيد المعنى يقال القيا في جهنم واختلف لمن يقال ذلك فقال جماعة هو قول لملكين من ملائكة العذاب وقال عبد الرحمن بن زيد هو قول للسائق والشهيد وقال جماعة من اهل العلم باللغة هذا جار على عادة كلام العرب الفصيح ان يخاطب الواحد بلفظ الاثنين وذلك ان العرب كان الغالب عندها ان يترافق في الاسفار ونحوها ثلاثة فكل واحد منهم يخاطب اثنين فكثر ذلك في اشعارها وكلامها حتى صار عرفا في المخاطبة فاستعمل في الواحد ومن هذا قولهم في الاشعار خليلي وصاحبي وقفا نبك ونحوه وقال بعض المتأولين المراد القين فعوض من النون الف وقرأ الحسن بن ابي الحسن القيا بتنوين الياء وعنيد معناه عاند عن الحق أي منحرف عنه وقوله تعالى مناع للخير لفظ عام للمال والكلام الحسن والمعاونة على الأشياء ومعتد معناه بلسانه ويده وقوله سبحانه الذي جعل مع الله الآية يحتمل ان يكون الذي بدلا من كفار او صفة له ويقوى عندي ان يكون الذي ابتدأ ويتضمن القول حينئذ بني آدم والشياطين المغوين لهم في الدنيا ولذلك تحرك القرين الشيطان المغوى فرام ان يبرئى نفسه ويخلصها بقوله ربنا ما اطغيته وقوله ربنا ما اطغيته ليست بحجة لأنه كذب ان نفى الاطغاء عن نفسه جملة وهو قد اطغاه بالوسوسة والتزيين واطغاه الله بالخلق والاختراع حسب سابق قضائه الذي هو عدل منه سبحانه لا رب غيره وقوله سبحانه لا تختصموا لدي معناه قال الله لا تختصموا لدي بهذا النوع من المقاولة التي لا تفيد شيأ وقد قدمت اليكم بالوعيد وهو ما جاءت به الرسل والكتب وجمع الضمير لانه مخاطبة لجميع القرناء اذ هو امر شائع لا يقف على اثنين فقط وقوله سبحانه ما يبدل القول لدي أي لا

ينقض ما ابرمه كلامى من تعذيب الكفرة ثم ازال سبحانه موضع الاعتراض بقوله وما انا بظلام للعبيد أي هذا عدل فيهم لاني انذرت وامهلت وانعمت وقرأ الجمهور يوم نقول بالنون وقرأ نافع وعاصم في رواية ابي بكر بالياء وهي قراءة اهل المدينة قال ع والذي يترجح في قول جهنم هل من مزيد انها حقيقة وانها قالت ذلك وهي غير ملأى وهو قول انس بن مالك ويبين ذلك الحديث الصحيح وهو قوله ص - يقول الله لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد حتى يضع الجبار فيها قدمه فتقول قط قط وينزوي بعضها الى بعض ولفظ البخاري عن ابي هريرة قال قال النبي ص - تحاجب الجنة والنار فقالت النار اوثرت بالمتكبرين والتجبرين وقالت الجنة ما لي لا يدخلني الا ضعفاء الناس وسقطهم فقال الله للجنة انت رحمتى ارحم بك من اشاء من عبادي وقال للنار انما انت عذابي اعذب بك من اشاء من عبادي ولك واحدة منهما ملؤها فاما النار فلا تملئي حتى يضع الجبار فيها قدمه فتقول قط قط فهناك تمتلئي ويزوي بعضها الى بعض ولا يظلم الله عز و جل من خلقه احدا واما الجنة فان الله ينشئى لها خلقا انتهى قال ع ومعنى قدمه ما قدم لها من خلقه وجعلهم في علمه ساكنيها ومنه ان لهم قدم صدق عند ربهم وملاك النظر في هذا الحديث ان الجارحة والتشبيه وما جرى مجراه منتف كل ذلك عن الله سبحانه فلم يبق الا اخراج اللفظ على الوجوه السائغة في كلام العرب وازلفت الجنة معناه قربت ولما احتمل ان يكون معناه بالوعد والاخبار رفع الاحتمال بقوله غير بعيد قال ابو حيان غير بعيد أي مكانا غير بعيد فهو منصوب على الظرف وقيل منصوب على الحال من الجنة انتهى وقوله سبحانه هذا ما توعدون يحتمل ان يكون معناه يقال لهم في الآخرة عند ازلاف الجنة هذا الذي كنتم توعدون به في الدنيا ويحتمل ان يكون خطابا للامة أي

هذا ما توعدون ايها الناس لكل اواب حفيظ والاواب الرجاع الى الطاعة والى مراشد نفسه وقال ابن عباس وعطاء الاواب المسبح من قوله يا جبال اوبى معه وقال المحاسبي هو الراجع بقلبه الى ربه وقال عبيد بن عمير كنا نتحدث انه الذي اذا قام من مجلسه استغفر الله مما جرى في ذلك المجلس وكذلك كان النبي ص - يفعل والحفيظ معناه لاوامر الله فيمتثلها ولنواهيه يتركها وقال ابن عباس حفيظ لذنوبه حتى يرجع عنها والمنيب الراجع الى الخير المائل اليه قال الداودي وعن قتاة بقلب منيب قال مقبل على الله سبحانه انتهى وقوله سبحانه ادخلوها أي يقال لهم ادخلوها وقوله عز و جل لهم ما يشاءون فيها ولدينا مزيد خبر بانهم يعطون آمالهم اجمع ثم ابهم تعالى الزيادة التي عنده للمومنين المنعمين وكذلك هي مبهمة في قوله تعالى فلا تعلم نفس ما اخفي لهم من قرة اعين وقد فسر ذلك الحديث الصحيح وهو قوله عليه السلام يقول الله تعالى اعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر بله ما اطلعتم عليه قال ع وقد ذكر الطبري وغيره في تعيين هذا المزيد احاديث مطولة واشياء ضعيفة لان الله تعالى يقول فلا تعلم نفس وهم يعينونها تكلفا وتعسفا وقوله سبحانه فنقبوا في البلاد أي ولجوا البلاد من انقابها طمعا في النجاة من الهلاك هل من محيص أي لا محيص لهم وقرأ ابن عباس وغيره فنقبوا على الامر لهؤلاء الحاضرين ت وعبارة البخاري فنقبوا ضربوا وقال الداودي وعن ابي عبيدة فنقبوا في البلاد طافوا وتباعدوا انتهى وقوله تعالى ان في ذلك يعني اهلاك من مضى لذكرى أي تذكرة والقلب عبارة عن العقل اذ هو محله والمعنى لمن كان له قلب واع ينتفع به وقال الشبلي معناه قلب حاضر مع الله لا يغفل عنه طرفة عين وقوله تعالى او القى السمع وهو شهيد معناه صرف سمعه الى هذه الانباء الواعظة واثبته في سماعها وهو

شهيد قال بعض المتأولين معناه وهو مشاهد مقبل على الأمر غير معرض ولا مفكر في غير ما يسمع ت ولفظ البخاري او القى السمع أي لا يحدث نفسه بغيره شهيد أي شاهد بالقلب انتهى قال المحاسبي في رعايته وقد احببت ان احضك على حسن الاستماع لتدرك به الفهم عن الله عز و جل في كل ما دعاك اليه فانه تعالى اخبرنا في كتابه ان من استمع كما يحب الله تعالى ويرضى كان له فيما يستمع اليه ذكرى يعني اتعاظا واذا سمى الله عز و جل لاحد من خلقه شيأ فهو له كما سمى وهو واصل اليه كما اخبر قال عز و جل ان في ذلك لذكرى لمن كان له قلب او القى السمع وهو شهيد قال مجاهد شاهد القلب لا يحدث نفسه بشيء ليس بغائب القلب فمن استمع الى كتاب الله عز و جل أو الى حكمة او الى علم او الى عظة لا يحدث نفسه بشيء غير ما يستمع اليه قد اشهد قبله ما استمع اليه يريد الله عز و جل به كان له فيه ذكرى لأن الله تعالى قال ذلك فهو كما قال عز و جل انتهى كلام المحاسبي وهو در نفيس فحصله واعمل به ترشد وقد وجدناه كما قال وبالله التوفيق وقوله سبحانه ولقد خلقنا السموات والارض الآية خبر مضمنه الرد على اليهود الذين قالوا ان الله خلق الأشياء كلها ثم استراح يوم السبت فنزلت وما مسنا من لغوب واللغوب الاعياء والنصب وقوله تعالى فاصبر على ما يقولون أي ما يقوله الكفرة من اهل الكتاب وغيرهم وعم بذلك جميع الأقوال الزائغة من قريش وغيرهم وسبح معناه صل باجماع من المتأولين ت وفي الاجماع نظر وقد قال الثعلبي وسبح بحمد ربك أي قل سبحان الله والحمد لله قاله عطاء الخراساني انتهى ولكن المخرج في الصحيح انما هو امر الصلاة وقال ابن العربي في احكامه وقوله تعالى ومن الليل فسبحه فيه اربعة اقوال احدها انه تسبيح الله في الليل ويعضد هذا القول الحديث الصحيح من تعار من الليل فقال لا اله الا الله الحديث وقد ذكرناه في سورة المزمل

والثاني صلاة الليل والثالث انها ركعتا الفجر والرابع انها صلاة العشاء الآخرة انتهى وقوله بحمد ربك الباء للاقتران أي سبح سبحة يكون معها حمد وقبل طلوع الشمس هي الصبح وقبل الغروب هي العصر قاله ابن زيد والناس وقال ابن عباس الظهر والعصر ومن الليل هي صلاة العشائين وقال ابن زيد هي العشاء فقط وقال مجاهد هي صلاة الليل وقوله وادبار السجود قال عمر بن الخطاب وجماعة هي الركعتان بعد المغرب واسنده الطبري عن ابن عباس عن النبي ص - قال ع كانه روعي ادبار صلاة النهار كما روعي ادبار النجوم في صلاة الليل وقال ابن عباس ايضا وابن زيد ومجاهد هي النوافل اثر الصلوات وهذا جار مع لفظ الآية وقرأ نافع وابن كثير وحمزة وادبار بكسر الهمزة وهو مصدر وقرأ الباقون بفتحها وهو جمع دبر كطنب واطناب أي وفي ادبار السجود أي في اعقابه وقوله سبحانه واستمع يوم يناد المنادي من مكان قريب واستمع بمنزلة وانتظر وانما الآية في معنى الوعيد للكفار وهذا كما تقول لمن تعده بورود فتح استمع كذا وكذا أي كن منتظرا له مستمعا له فعلى هذا فنصب يوم انما هو على المفعول الصريح وقوله سبحانه من مكان قريب قيل وصفه بالقرب من حيث يسمع جميع الخلق وروي عن النبي ص - أن ملكا ينادي من السماء ايتها الاجسام الهامدة والعظام البالية والرمم الذاهبة هلمي الى الحشر والوقوف بين يدي الله عز و جل والصيحة هي صيحة النادي والخروج هو من القبور ويومه هو يوم القيامة ويوم الخروج في الدنيا هو يوم العيد وقوله تعالى ذلك حشر علينا يسير معادل لقول الكفرة ذلك رجع بعيد وقوله سبحانه نحن اعلم بما يقولون وعيد محض للكفرة وقوله سبحانه وما انت عليهم بجبار قال الطبري وغيره معناه وما انت عليهم بمسلط تجبرهم على الايمان وقال قتادة هو نهي من الله تعالى عن التجبر والمعنى

وما انت عليهم بمتعظم من الجبروت وروى ابن عباس ان المومنين قالوا يا رسول الله لو خوفتنا فنزلت فذكر بالقرآن من يخاف وعيدي
تفسير سورة والذاريات وهي مكية باجماع المفسرين بسم الله الرحمن الرحيم
قوله عز و جل والذاريات ذروا الآية اقسم الله عز و جل بهذه المخلوقات تنبيها عليها وتشريفا لها ودلالة على الاعتبار فيها حتى يصير الناظر فيها الى توحيد الله عز و جل فقوله والذاريات هي الرياح باجماع وذروا نصب على المصدر والحاملات وقرأ قال علي هي السحاب وقال ابن عباس وغيره هي السفن الموقورة بالناس وامتعتهم وقال جماعة من العلماء هي ايضا مع هذا جميع الحيوان الحامل وفي جميع ذلك معتبر والجاريات يسرا قال علي وغيره هي السفن في البحر وقال آخرون هي السحاب وقال آخرون هي الكواكب قال ع واللفظ يقتضي جميع هذا ويسرا نعت لمصدر محذوف وصفات المصادر المحذوفة تعود احوالا ويسرا معناه بسهولة والمقسمات امرا الملائكة والامر هنا اسم جنس فكانه قال والجماعات التي تقسم امور الملكوت من الأرزاق والآجال والخلق في الأرحام وامر الرياح والجبال وغير ذلك لان كل هذا انما هو بملائكة تخدمه وانت المقسمات من حيث اراد الجماعات وهذا القسم واقع على قوله انما توعدون لصادق الآية وتوعدون يحتمل ان يكون من الوعد ويحتمل ان يكون من الايعاد وهو اظهر والدين الجزاء

وقال مجاهد الحساب ثم اقسم تعالى بمخلوق آخر فقال والسماء ذات الحبك والحبك الطرائق التي هي على نظام في الأجرام ويقال لما تراه من الطرائق في الماء والرمال اذا اصابته الريح حبك ويقال لتكسر الشعر حبك وكذلك في المنسوجات من الآكسية وغيرها طرائق في موضع تداخل الخيوط هي حبك وذلك لجودة خلقة السماء ولذلك فسرها ابن عباس وغيره بذات الخلق الحسن وقال الحسن حبكها كواكبها وقوله سبحانه انكم لفي قول مختلف يحتمل ان يكون خطابا لجميع الناس أي منكم مومن بمحمد ومنكم مكذب له وهو قول قتادة ويحتمل ان يكون خطابا للكفرة فقط لقول بعضهم شاعر وبعضهم كاهن وبعضهم ساحر الى غير ذلك وهذا قول ابن زيد ويوفك معناه يصرف أي يصرف من الكفار عن كتاب الله من صرف ممن غلبت عليه شقاوته وعرف الاستعمال في افك انما هو في الصرف من خير الى شر وقوله تعالى قتل الخراصون دعاء عليهم كما تقول قاتلك الله وقال بعض المفسرين معناه لعن الخراصون وهذا تفسير لا يعطيه اللفظ ت والظاهر ما قاله هذا المفسر قال عياض في الشفاء وقد يقع القتل بمعنى اللعن قال الله تعالى قتل الخراصون وقاتلهم الله انى يوفكون أي لعنهم الله انتهى وقد تقدم للشيخ عند قوله تعالى عليهم دائرة السوء قال كل ما كان بلفظ دعاء من جهة الله عز و جل فانما هو بمعنى ايجاب الشيء لان الله تعالى لا يدعو على مخلوقاته انتهى بلفظه وظاهره مخالف لما هنا وسيبينه في سورة البروج والخراص المخمن القائل بظنه والاشارة الى مكذبي النبي ص - والغمرة ما يغشى الانسان ويغطيه كغمرة الماء وساهون معناه عن وجوه النظر وقوله تعالى يسئلون ايان يوم الدين أي يوم الجزاء وذلك منهم على جهة الاستهزاء وقوله يوم هم على النار يفتنون قال الزجاج التقدير هو كائن يوم هم على النار يفتنون ويفتنون معناه يحرقون ويعذبون في النار قاله ابن عباس والناس

وفتنت الذهب احرقته وذوقوا فتنتكم أي حرقكم وعذابكم قاله قتادة وغيره ان المتقين في جنات وعيون الآية روى الترمذي عن النبي ص - قال لا يبلغ العبد ان يكون من المتقين حتى يدع ما لا باس به حذرا لما به الباس قال ابو عيسى هذا حديث حسن انتهى وقوله سبحانه في المتقين آخذين ما آتاهم ربهم أي محصلين ما اعطاهم ربهم سبحانه من جناته ورضوانه وانواع كراماته انهم كانوا قبل ذلك يريد في الدنيا محسنين بالطاعات والعمل الصالح ت وروى الترمذي عن سعد بن ابي وقاص عن النبي ص - قال لو ان ما يقل ظفر مما في الجنة بدا لتزخرف له ما بين خوافق السموات والارض ولو ان رجلا من اهل الجنة اطلع فبدا اساوره لطمس ضوء الشمس كما تطمس الشمس ضوء النجوم انتهى ومعنى قوله كانوا قليلا من الليل ما يهجعون ان نومهم كان قليلا لاشتغالهم بالصلاة والعبادة والهجوع النوم وقد قال الحسن في تفسير هذه الآية كابدوا قيام الليل لا ينامون منه الا قليلا واما اعراب الآية فقال الضحاك في كتاب الطبري ما يقتضي ان المعنى كانوا قليلا في عددهم وتم خبر كان ثم ابتدأ من الليل ما يهجعون فما نافية وقليلا وقف حسن وقال جمهور النحويين ما مصدرية وقليلا خبر كان والمعنى كانوا قليلا من الليل هجوعهم وعلى هذا الاعراب يجيء قول الحسن وغيره وهو الظاهر عندي ان المراد كان هجوعهم من الليل قليلا قيل لبعض التابعين مدح الله قوما كانوا قليلا من الليل ما يهجعون ونحن قليلا من الليل ما نقوم فقال رحم الله امرأ رقد اذا نعس واطاع ربه اذا استيقظ وقوله تعالى وبالاسحار هم يستغفرون قال الحسن معناه يدعون في طلب المغفرة ويروى ان ابواب الجنة تفتح سحر كل ليلة قال ابن زيد السحر السدس الاخر من الليل والباء في قوله بالاسحار بمعنى في قاله ابو البقاء انتهى ومن كلام الجوزي في المنتخب يا

اخي علامة المحبة طلب الخلوة بالحبيب وبيداء الليل فلوات الخلوات لما ستروا قيام الليل في ظلام الدجى غيرة ان يطلع الغير عليهم سترهم سبحانه بستر فلا تعلم نفس ما اخفي لهم من قرة اعين لما صفت خلوات الدجى ونادى اذان الوصال اقم فلانا وانم فلانا خرجت بالاسماء الجرائد وفاز الأحباب بالفوائد وانت غافل راقد أه لو كنت معهم اسفا لك لو رأيتهم لأبصرت طلائع الصديقين في اول القوم وشاهدت ساقه المستغفرين في الركب وسمعت استغاثة المحبين في وسط الليل لو رأيتهم يا غافل وقد دارت كؤس المناجات بين مزاهر التلاوات فاسكرت قلب الواجد ورقمت في مصاحف الوجنات تعرفهم بسيماهم يا طويل النوم فاتتك مدحة تتجافى وحرمت منحة والمستغفرين يا هذا ان لله تعالى ريحا تسمى الصبيحة مخزونه تحت العرش تهب عند الاسحار فتحمل الدعاء والانين والاستغفار الى حضرة العزيز الجبار انتهى وفي اموالهم حق الآية الصحيح انها محكمة وان هذا الحق هو على وجه الندب ومعلوم يراد به متعارف وكذلك قيام الليل الذي مدح به ليس من الفرائض واكثر ما تقع الفضيلة بفعل المندوبات والمحروم هو الذي تبعد عنه ممكنات الرزق بعد قربها منه فيناله حرمان وفاقة وهو مع ذلك لا يسئل فهذا هو الذي له حق في اموال الأغنياء كما للسائل حق وما وقع من ذكر الخلاف فيه فيرجع الى هذا وبعد هذا محذوف تقديره فكونوا ايها الناس مثلهم وعلى طريقهم وفي الأرض آيات لمن اعتبر وايقن وقوله سبحانه وفي انفسكم احالة على النظر في شخص الانسان وما فيه من العبر وامر النفس وحياتها ونطقها واتصال هذا الجزء منها بالعقل قال ابن زيد انما القلب مضغة في جوف ابن آدم جعل الله فيه العقل افيدري احد ما ذلك العقل وما صفته وكيف هو ت قال ابن العربي في رحلته اعلم ان معرفة

العبد نفسه من اولى ما عليه وآكده اذا لا يعرف ربه الا من عرف نفسه قال تعالى وفي انفسكم افلا تبصرون وغير ما آية في ذلك ثم قال ولا ينكر عاقل وجود الروح من نفسه وان كان لم يدرك حقيقته كذلك لا يقدر ان ينكر وجود الباري سبحانه الذي دلت افعاله عليه وان لم يدرك حقيقته انتهى وقوله سبحانه وفي السماء رزقكم قال مجاهد وغيره هو المطر وقال واصل الاحدب اراد القضاء والقدر أي الرزق عند الله ياتي به كيف شاء سبحانه لا رب غيره وتوعدون يحتمل ان يكون من الوعد ويحتمل ان يكون من الوعيد قال الضحاك المراد من الجنة والنار وقال مجاهد المراد الخير والشر وقال ابن سيرين المراد الساعة ثم اقسم سبحانه بنفسه على صحة هذا القول والخبر وشبهه في اليقين به بالنطق من الانسان وهو عنده في غاية الوضوح وما زائدة تعطى تاكيدا والنطق في هذه الآية هو الكلام بالحروف والاصوات في ترتيب المعاني وروي ان بعض الاعراب الفصحاء سمع هذه الآية فقال من احوج الكريم الى ان يحلف والحكاية بتمامها في كتاب الثعلبي وسبل الخيرات وروي ان النبي ص - قال قاتل الله قوما اقسم لهم ربهم بنفسه فلم يصدقوه وروى ابو سعيد الخدري ان النبي ص - قال لو فر احدكم من رزقه لتبعه كما يتبعه الموت واحاديث الرزق كثيرة ومن كتاب القصد الى الله سبحانه للمحاسبي قال قلت لشيخنا من اين وقع الاضطراب في القلوب وقد جاءها الضمان من الله عز و جل قال من وجهين احدهما قلة المعرفة بحسن الظن والقاء التهم من الله عز و جل والوجه الثاني ان يعارضها خوف الفوت فتستجيب النفس للداعي ويضعف اليقين ويعد الصبر فيظهر الجزع قلت شيء غير هذا قال نعم ان الله عز و جل وعد الارزاق وضمن وغيب الاوقات ليختبر اهل العقول ولولا ذلك لكان كل المومنين راضين صابرين متوكلين لكن الله عز و جل اعلمهم انه

رازقهم وحلف لهم على ذلك وغيب عنهم اوقات العطاء فمن ها هنا عرف الخاص من العام وتفاوت العباد في الصبر والرضا واليقين والتوكل والسكون فمنهم كما علمت ساكن ومنهم متحرك ومنهم راض ومنهم ساخط ومنهم جزع فعلى قدر ما تفاوتوا في المعرفة تفاوتوا في اليقين وعلى قدر ما تفاوتوا في اليقين تفاوتوا في السكون والرضا والصبر والتوكل اه وقوله سبحانه هل اتاك حديث ضيف ابراهيم الآية قد تقدم قصصها وعليم أي عالم وهو اسحاق عليه السلام ت ولنذكر هنا شيئا في آداب الطعام قال النووي روى ابن السني بسنده عن النبي ص - انه كان يقول في الطعام اذا قرب اليه اللهم بارك لنا فيما رزقتنا وقنا عذاب النار بسم الله انتهى وفي صحيح مسلم عن جابر عن النبي ص - قال اذا دخل الرجل بيته فذكر الله تعالى عند دخوله وعند طعامه قال الشيطان لا مبيت لكم ولا عشاء واذا دخل فلم يذكر الله تعالى عند دخوله قال الشيطان ادركتم المبيت واذا لم يذكر الله تعالى عند طعامه قال ادركتم المبيت والعشاء وفي صحيح مسلم عن النبي ص - قال ان الشيطان يستحل الطعام ان لا يذكر اسم الله عليه الحديث انتهى والصرة الصيحة كذا فسره ابن عباس وجماعة قال الطبري عن بعضهم قالت اوه بصياح وتعجب وقال النحاس في صرة في جماعة نسوة وقوله فصكت وجهها معناه ضربت وجهها استهوالا لما سمعت وقال سفيان وغيره ضربت بكفها جبهتها وهذا مستعمل في الناس حتى الان وقولهم كذلك قال ربك أي كقولنا الذي اخبرناك وقوله تعالى حجارة من طين بيان يخرج عن معتاد حجارة البرد التي هي من ماء ويروى انه طين طبخ في نار جهنم حتى صار حجارة كالآجر ومسومة نعت لحجارة ثم اخبر تعالى انه اخرج بامره من كان في قرية لوط من المومنين منجيا لهم واعاد الضمير على القرية وان لم يجر لها قبل ذلك ذكر لشهرة

امرها قال المفسرون لا فرق بين تقدم ذكر المؤمنين وتأخره وانما هما وصفان ذكرهم اولا باحدهما ثم أخرا بالثاني قيل فالآية دالة على ان الايمان هو الاسلام قال ع ويظهر لي ان في المعنى زيادة تحسن التقديم للايمان وذلك انه ذكره مع الاخراج من القرية كأنه يقول نفذ امرنا باخراج كل مؤمن ولا يشترط فيه ان يكون عاملا بالطاعات بل التصديق بالله فقط ثم لما ذكر حال الموجودين ذكرهم بالصفة التي كانوا عليها وهي الكاملة التصديق والاعمال والبيت من المسلمين هو بيت لوط عليه السلام وكان هو وابنتاه وفي كتاب الثعلبي وقيل لوط واهل بيته ثلاثة عشر وهلكت امرأته فيمن هلك وهذه القصة ذكرت على جهة ضرب المثل لقريش وتحذيرا ان يصيبهم مثل ما اصاب هؤلاء وقوله وتركنا فيها أي في القرية وهي سدوم آية قال ابو حيان وفي موسى أي وفي قصه موسى انتهى وقوله سبحانه في فرعون فتولى بركته أي اعرض عن امر الله وركنه هو سلطانه وجنده وشدة امره وقول فرعون في موسى ساحرا او مجنون و تقسيم ظن ان موسى لا بد ان يكون احد هذين القسمين وقال ابو عبيدة او هنا بمعنى الواو وهذا ضعيف لا داعية اليه في هذا الموضع وقوله ما تذر من شيء اتت عليه أي ما تدع من شيء اتت عليه مما اذن لها في اهلاكه الا جعلته كالرميم وهو الفاني المتقطع يبسا او قدما من الأشجار والورق والعظام وروي في حديث ان تلك الريح كانت تهب على الناس فيهم العادي وغيره فتنتزع من بين الناس وتذهب به وقوله سبحانه وفي ثمود اذا قيل لهم تمتعوا أي اذ قيل لهم في أول بعث صالح وهذا قول الحسن ويحتمل اذ قيل لهم بعد عقر الناقة تمتعوا في دركم ثلاثة ايام وهو قول الفراء وقوله فاخذتهم الصاعقة وهم ينظرون أي يبصرون بعيونهم وهذا قول الطبري ويحتمل ان يريد وهم ينتظرون في تلك الايام الثلاثة وهذا قول مجاهد فما استطاعوا من

قيام أي من مصارعهم قاله بعض المفسرين وقال قتادة وغيره معناه من قيام بالامر النازل بهم ولا دفعه عنهم وقم نوح بالنصب وهو عطف اما على الضمير في قوله فاخذتهم اذ هو بمنزلة اهلكتهم واما على الضمير في قوله فنبذناهم وقوله والسماء نصب باضمار فعل تقديره وبنينا السماء بنيناها والايد القوة قاله ابن عباس وغيره وانا لموسعون أي في بناء السماء أي جعلناها واسعة قاله ابن زيد ابو البقاء فنعم الماهدون أي نحن فحذف المخصوص انتهى وقوله سبحانه ومن كل شيء خلقنا زوجين قال مجاهد معناه ان هذه اشارة الى المتضادات والمتقابلات من الاشياء كالليل والنهار والشقاوة والسعادة والهدى والضلال والسماء والارض والسواد والبياض والصحة والمرض والايمان والكفر ونحو هذا ورجحه الطبري بانه ادل على القدرة التي توجد الضدين وقال ابن زيد وغيره هي اشارة الى الانثى والذكر من كل حيوان ت والاول احسن لشموله لما ذكره ابن زيد وقوله سبحانه ففروا الى الله الآية امر بالدخول في الايمان وطاعة الرحمن ونبه بلفظ الفرار على ان وراء الناس عقابا وعذابا يفر منه فجمعت لفظه فروا بين التحذير والاستدعاء ت واسند ابو بكر احمد بن الحسين البيهقي في دلائل النبوءة تصنيفه عن كثير بن عبد الله عن ابيه عن جده ان رسول الله ص - كان في المسجد فسمع كلاما من زاويته واذا هو بقائل يقول اللهم اعني على ما ينجيني مما خوفتني فقال رسول الله ص - حين سمع ذلك الا تضم اليها اختها فقال الرجل اللهم ارزقني شوق الصادقين الى ما شوقتهم اليه وفيه فذهبوا ينظرون فاذا هو الخضر عليه السلام انتهى مختصرا وقوله تعالى كذلك أي سيرة الامم كذلك قال عياض فهذه الآية ونظائرها تسلية للنبي ص - عزاه الله عز و جل بما اخبر به عن الامم السالفة ومقالها لانبيائها وانه ليس اول من

لقي ذلك انتهى من الشفا وقوله سبحانه اتواصوا به توقيف وتعجيب من توارد نفوس الكفرة في تكذيب الانبياء على تفرق ازمانهم أي لم يتواصوا لكنهم فعلوا فعلا كأنه فعل من تواصي والعلة في ذلك ان جميعهم طاغ والطاغي المستعلي في الارض المفسد وقوله تعالى فتول عنهم أي عن الحرص المفرط عليهم وذهاب النفس حسرات ولست بملوم اذ قد بلغت وذكر فإن الذكرى نافعة للمؤمنين ولمن قضي له ان يكون منهم وقوله سبحانه وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون قال ابن عباس وعلي المعنى ما خلقت الجن والانس الا لآمرهم بعبادتي وليقروا لي بالعبودية وقال زيد بن اسلم وسفيان هذا خاص والمراد ما خلقت الطائعين من الجن والانس الا لعبادتي ويؤيد هذا التأويل ان ابن عباس روى عن النبي ص - انه قرأ وما خلقت الجن والانس من المؤمنين الا ليعبدون وقال ابن عباس ايضا معنى ليعبدون ليتذللوا لي ولقدرتي وان لم يكن ذلك على قوانين شرع وعلى هذا التأويل فجميعهم من مؤمن وكافر متذلل لله عز و جل الا تراهم عند القحوط والامراض وغير ذلك كيف يخضعون لله ويتذللون ت قال الفخر فإن قيل ما العبادة التي خلق الله الجن والانس لها قلنا التعظيم لامر الله والشفقة على خلق الله فان هذين النوعن لم يخل شرع منهما وأما خصوص العبادات فالشرائع مختلفة فيها بلوضع والهيئة والقلة والكثرة والزمان والمكان والشرائط والاركان انتهى ونقل الثعلبي وغيره عن مجاهد الا ليعبدون أي ليعرفوني قال صاحب الكلم الفارقية المعرفة بالله تملأ القلب مهابة ومخافة والعين عبرة وعبرة وحياء وخجلة والصدر خشوعا وحرمة والجوارح استكانة وذلة وطاعة وخدمة واللسان ذكرا وحمدا والسمع اصغاء وتفهما والخواطر في مواقف المناجات خمودا والوساوس اضمحلالا انتهى وقوله سبحانه ما اريد منهم من رزق أي ان يرزقوا انفسهم ولا غيرهم

وقوله ان يطعمون أي ان يطعموا خلقي قاله ابن عباس ويحتمل ان يريد ان ينفعوني والمتين الشديد ت وروينا في كتاب الترمذي عن ابي هريرة عن النبي ص - قال ان الله عز و جل يقول يا بن آدم تفرغ لعبادتي املأ صدرك غنى وأسد فقرك والا تفعل ملأت يدك شغلا ولم اسد فقرك قال ابو عيسى هذا حديث حسن وروينا فيه عن انس قال قال رسول الله ص - من كانت الآخرة همه جعل الله غناه في قلبه وجمع له شمله واتته الدنيا وهي راغمة ومن كانت الدنيا همه جعل الله فقره بين عينيه وفرق عليه شمله ولم يأته من الدنيا الا ما قدر له انتهى وقوله سبحانه فان للذين ظلموا يريد اهل مكة والذنوب الحظ والنصيب واصله من الدلو وذلك ان الذنوب هو ملء الدلو من الماء وكذا قال ابن حيان ذنوبا أي نصيبا انتهى واصحابهم يراد بهم من تقدم من الامم المعذبة وباقي الآية وعيد بين
تفسير سورة والطور وهي مكية باجماع
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله عز و جل والطور وكتاب مسطور الآية هذه مخلوقات اقسم الله عز و جل بها تنبيها على النظر والاعتبار بها المؤدي الى توحيد الله والمعرفة بواجب حقه سبحانه قال بعض اللغويين كل جبل طور فكانه سبحانه اقسم بالجبال وقال آخرون الطور كل جبل اجرد لا ينبت شجرا وقال نوف البكالي المراد هنا جبل طور سيناء وهو الذي اقسم الله به لفضله على الجبال والكتاب المسطور معناه باجماع المكتوب

اسطار واختلف الناس في هذا الكتاب المقسم به فقال بعض المفسرين هو الكتاب المنتسخ من اللوح المحفوظ للملائكة لتعرف منه جميع ما تفعله وتصرفه في العالم وقيل هو القرآن اذ قد علم تعالى انه يتخلد في رق منشور وقيل هو الكتب المنزلة وقيل هو الكتاب الذي فيه اعمال الخلق وهو الذي لا يغادر صغيرة ولا كبيرة والرق الورق المعدة للكتب وهي مرققة فلذلك سميت رقا وقد غلب الاستعمال على هذا الذي هو من جلود الحيوان والمنشور خلاف المطوي والبيت المعمور هو الذي ذكر في حديث الاسراء قال جبريل للنبي ص - هذا البيت المعمور يدخله كل يوم سبعون الف ملك لا يعودون اليه آخر ما عليهم وبهذا هي عمارته وهو في السماء السابعة وقيل في السادسة وقيل انه مقابل للكعبة لو وقع حجر منه لوقع على ظهر الكعبة وقال مجاهد وقتادة وابن زيد في كل سماء بيت معمور وفي كل أرض كذالك وهي كلها على خط من الكعبة وقال علي بن ابي طالب قال السهيلي والبيت المعمور اسمه عريبا قال وهب بن منبه من قال سبحان الله وبحمده كان له نور يملأ ما بين عريبا وحريبا وهي الأرض السابعة انتهى والسقف المرفوع هو السماء واختلف الناس في البحر المسجور فقال مجاهد وغيره الموقد نارا وروي ان البحر هو جهنم وقال قتادة المسجور المملوء وهذا معروف من اللغة ورجحه الطبري وقال ابن عباس هو الذي ذهب ماؤه فالمسجور الفارغ وروي ان البحار يذهب ماؤها يوم القيامة وهذا معروف في اللغة فهو من الاضداد وقيل يوقد البحر نارا يوم القيامة فذلك سجره وقال ابن عباس ايضا المسجور المحبوس ومنه ساجور الكلب وهي القلادة من عود او حديد تمسكه وكذلك لولا ان البحر يمسك لفاض على الأرض والجمهور على انه بحر الدنيا وقال منذر بن سعيد المقسم به جهنم وسماها بحرا لسعتها وتموجها كما قال ص - في الفرس وان وجدناه

لبحرا والقسم واقع على قوله ان عذاب ربك لواقع يريد عذاب الآخرة واقع للكافرين قاله قتادة قال الشيخ عبد الحق في العاقبة ويروى ان عمر بن الخطاب رضي الله عنه سمع قارئا يقرأ والطور وكتاب مسطور قال هذا قسم حق فلما بلغ القارىء الى قوله عز و جل ان عذاب ربك لواقع ظن ان العذاب قد وقع به فغشي عليه انتهى وتمور معناه تذهب وتجيء بالرياح متقطعة متفتتة وسير الجبال هو في اول الامر ثم تتفتت حتى تصير آخرا كالعهن المنفوش ويدعون قال ابن عباس وغيره معناه يدفعون في اعناقهم بشدة واهانة وتعتمة ومنه يدع اليتيم وفي الكلام محذوف تقديره يقال لهم هذه النار التي كنتم بها تكذبون توبيخا وتقريعا لهم ثم وقفهم سبحانه بقول افسحر هذة الآية ثم قيل لهم على جهة قطع رجائهم اصبروا او لا تصبروا سواء عليكم أي عذابكم حتم فسواء جزعكم وصبركم لا بد من جزاء اعمالكم وقوله سبحانه ان المتقين في جنات ونعيم الآية يحتمل ان يكون من خطاب اهل النار فيكون اخبارهم بذلك زيادة في غمهم وسوء حالهم نعوذ بالله من سخطه ويحتمل وهو الاظهر ان يكون اخبارا للنبي ص - ومعاصريه لما فرغ من ذكر عذاب الكفار عقب بذكر نعيم المتقين جعلنا الله منهم بفضله ليبين الفرق ويقع التحريض على الايمان والمتقون هنا متقوا الشرك لأنهم لا بد من مصيرهم الى الجنات وكلما زادت الدرجة في التقوى قوي الحصول في حكم الآية حتى ان المتقين على الإطلاق هم في هذه الآية قطعا على الله تعالى بحكم خبره الصادق وقرأ جمهور الناس فاكهين ومعناه فرحين مسرورين وقال ابو عبيدة هو من باب لابن وتامر أي لهم فاكهة قال ع والمعنى الاول ابرع وقرأ خالد فيما روى ابو حاتم فكهين والفكه والفاكه المسرور المتنعم وقوله تعالى بما أتاهم ربهم أي من انعامه ورضاه عنهم وقوله تعالى ووقاهم ربهم عذاب الجحيم هذا متمكن في متقى المعاصي الذي لا يدخل

النار ووقاهم مشتق من الوقاية وهي الحائل بين الشيء وبين ما يضره وقوله كلوا واشربوا أي يقال لهم كلوا واشربوا وهنيئا نصب على المصدر وقوله بما كنتم تعملون معناه ان رتب الجنة ونعيمها بحسب الاعمال واما نفس دخولها فهو برحمة الله وفضله واعمال العباد الصالحات لا توجب على الله تعالى التنعيم ايجابا لكنه سبحانه قد جعلها امارة على من سبق في علمه تنعيمه وعلق الثواب والعقاب بالتكسب الذي في الاعمال والحور جمع حوراء وهي البيضاء القوية بياض بياض العين وسواد سوادها والعين جمع عيناء وهي كبيرة العينين مع جمالها وفي قراءة ابن مسعود والنخعي وزوجناهم بعيس عين قال ابو الفتح العيساء البيضاء وقوله سبحانه والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بايمان الحقنا بهم ذرياتهم اختلف في معنى الآية فقال ابن عباس وابن جبير والجمهور اخبر الله تعالى ان المؤمنين الذين اتبعتهم ذريتهم في الايمان يلحق الابناء في الجنة بمراتب الآباء وان لم يكن الابناء في التقوى والاعمال كالآباء كرامة للآباء وقد ورد في هذا المعنى حديث عن النبي ص - فجعلوا الحديث تفسير للآية وكذلك وردت احاديث تقتضي ان الله تعالى يرحم الآباء رعيا للأبناء الصالحين وقال ابن عباس ايضا والضحاك معنى الآية ان الله تعالى يلحق الابناء الصغار باحكام الآباء المؤمنين يعني في الموارثة والدفن في مقابر المسلمين وفي احكام الآخرة في الجنة وقال منذر بن سعيد هي في الصغار لا في الكبار قال ع وارجح الأقوال في هذه الآية القول الاول لأن الآيات كلها في صفة احسان الله تعالى الى اهل الجنة فذكر من جملة احسانه سبحانه انه يرعى المحسن في المسيء ولفظة الحقنا تقتضي ان للملحق بعض التقصير في الأعمال ت واظهر من هذا ما اشار اليه الثعلبي في بعض انقاله ان الله تعالى يجمع لعبده المؤمن ذريته في الجنة كما كانوا في الدنيا

انتهى ولم يتعرض لذكر الدرجات في هذا التاويل وهو احسن لأنه قد تقرر ان رفع الدرجات هي بأعمال العاملين والايات والاحاديث مصرحة بذلك ولما يلزم على التأويل الاول ان يكون كل من دخل الجنة مع آدم عليه السلام في درجة واحدة إذ هم كلهم ذريته وقد فتحت لك بابا للبحث في هذا المعنى منعني من اتمامه ما قصدته من الاختصار وبالله التوفيق وقوله وما التناهم أي نقصناهم ومعنى الآية ان الله سبحانه يلحق الابناء بالآباء ولا ينقص الآباء من اجورهم شيئا وهذا تأويل الدجمهور ويحتمل ان يريد من عمل الآبناء من شيء من حسن او قبيح وهذا تأويل ابن زيد ويؤيده قوله سبحانه كل امرئى بما كسب رهين والرهين المرتهن وفي هذه الألفاظ وعيد وامددت الشيء اذا سربت اليه شيأ آخر يكثره او يكثر لديه وقوله مما يشتهون اشارة الى ما روي من ان المنعم اذا اشتهى لحما نزل ذلك الحيوان بين يديه على الهيئة التي اشتهاه فيها وليس يكون في الجنة لحم يحتز ولا يتكلف فيه الذبح والسلخ والطبخ وبالجملة لا كلفة في الجنة ويتنازعون معناه يتعاطون ومنه قول الأخطل
... نازعته طيب الراح الشمول وقد ... صاح الدجاج وحانت وقعة الساري ...
قال الفخر ويحتمل ان يقال التنازع التجاذب وحينئذ يكون تجاذبهم تجاذب ملاعبة لا تجاذب منازعة وفيه نوع لذة وهو بيان لما عليه حال الشراب في الدنيا فإنهم يتفاخرون بكثرة الشرب ولا يتفاخرون بكثرة الاكل انتهى والكأس الاناء فيه الشراب ولا يقال في فارغ كأس قاله الزجاج واللغو السقط من القول والتأثيم يلحق خمر الدنيا في نفس شربها وفي الأفعال التي تكون من شاربيها وذلك كله منتف في الآخرة ت قال الثعلبي وقال ابن عطاء أي لغو يكون في مجلس محله جنة عدن والساقي فيه الملائكة وشربهم على ذكر الله وريحانهم تحية من عند الله والقوم

اضياف الله ولا تأثيم أي فعل يؤثمهم وهو تفعيل من الاثم أي لا يأثمون في شربها انتهى واللؤلؤ المكنون اجمل اللؤلؤ لأن الصون والكن يحسنه قال ابن جبير اراد الذي في الصدف لم تنله الايدي وقيل للنبي ص - اذا كان الغلماء كاللؤلؤ المكنون فكيف المخدومون قال هم كالقمر ليلة البدر ت وهذا تقريب للافهام والا فجمال اهل الجنة اعظم من هذا يدل على ذلك احاديث صحيحة ففي صحيح مسلم من حديث ابي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله ص - ان اول زمرة يدخلون الجنة وفي رواية من امتي على صورة القمر ليلة البدر ثم الذين يلونهم على اشد كوكب دري في السماء اضاءة وفي رواية ثم هم بعد ذلك منازل الحديث وفي صحيح مسلم ايضا عن النبي ص - ان في الجنة لسوقا يأتونها كل جمعة فتهب ريح الشمال فتحثو في وجوههم وثيابهم ويزدادون حسنا وجمالا فيقول لهم اهلوهم والله لقد ازددتم بعدنا حسنا وجمالا فيقولون وانتم والله لقد ازددتم بعدنا حسنا وجمالا انتهى وقد اشار الغزالي وغيره الى طرف من هذا المعنى لما تكلم على رؤية العارفين لله سبحانه في الآخرة قال بعد كلام ولا يبعد ان تكون الطاف الكشف والنظر في الآخرة متوالية الى غير نهاية فلا يزال النعيم واللذة متزايدة ابد الآباد وللشيخ ابي الحسن الشاذلي هنا كلام حسن قال لو كشف عن نور المؤمن لعبد من دون الله ولو كشف عن نور المؤمن العاصي لطبق السماء والأرض فكيف بنور المؤمن المطيع نقل كلامه هذا ابن عطاء وابن عباد انظره ثم وصف تعالى عنهم انهم في جملة تنعمهم يتساءلون أي عن احوالهم وما نال كل واحد منهم وانهم يتذكرون حال الدنيا وخشيتهم عذاب الاخرة والاشفاق اشد الخشية ورقة القلب والسموم الحار وندعوه يحتمل ان يريد الدعاء على بابه ويحتمل ان يريد نعبده وقرأ نافع والكساءي انه

بفتح الهمزة والباقون بكسرها والبر الذي يبر ويحسن وقوله سبحانه فذكر امر لنبيه عليه السلام بادامة الدعاء الى الله عز و جل ثم قال مونسا له فما انت بانعام الله عليك ولطفه بك كاهن ولا مجنون وقوله سبحانه ام يقولون أي بل يقولون شاعر الآية روي ان قريشا اجتمعت في دار الندوة فكثرت آراؤهم في النبي ص - حتى قال قائل منهم تربصوا به ريب المنون أي حوادث الدهر فيهلك كما هلك من قبله من الشعراء زهير والنابغة والاعشى وغيرهم فافترقوا على هذه المقالة فنزلت الآية في ذلك والتربص الانتظار والمنون من اسماء الموت وبه فسر ابن عباس وهو ايضا من اسماء الدهر وبه فسر مجاهد والريب هنا الحوادث والمصائب ومنه قوله ص - انما فاطمة بضعة مني يريبني ما رابها الحديث وقوله قل تربصوا وعيد في صيغة امر وقوله سبحانه ام تأمرهم احلامهم بهذا الاحلام العقول وقوله بهذا يحتمل ان يشير الى هذه المقالة هو شاعر ويحتمل ان يشير الى ما هم عليه من الكفر وعبادة الاصنام وتقوله معناه قال عن الغير انه قال فهي عبارة عن كذب مخصوص ثم عجزهم سبحانه بقوله فليأتوا بحديث مثله والضمير في مثله عائد على القرآن وقوله ان كانوا صادقين ت أي في ان محمدا تقوله قاله الثعلبي وقوله سبحانه ام خلقوا من غير شيء قال الثعلبي قال ابن عباس من غير اب ولا ام فهم كالجماد لا يعقلون ولا تقوم لله عليهم حجة اليسوا خلقوا من نطفة وعلقة وقال ابن كيسان ام خلقوا عبثا وتركوا سدى من غير شيء أي لغير شيء لا يؤمرون ولا ينهون ام هم الخالقون لانفسهم فلا ياتمرون لامر الله انتهى وعبر ع عن هذا بان قال وقال آخرون معناه ام خلقوا لغير علة ولا لغاية عقاب وثواب فهم لذلك لا يسمعون ولا يتشرعون ت وقد يحتمل ان يكون المعنى ام خلقوا من غير شيء خلقهم أي من غير موجد اوجدهم ويدل عليه مقابلته بقوله ام هم

الخالقون وهكذا قال الغزالي في الاحياء قال وقوله عز و جل ام خلقوا من غير شيء أي من غير خالق انتهى بلفظه من كتاب آداب التلاوة قال الغزالي ولا يتوهم ان الآية تدل انه لا يخلق شيء الا من شيء انتهى وقال الفخر قوله تعالى من غير شيء فيه وجوه المنقول منها ام خلقوا من غير خالق وقيل ام خلقوا لا لغير شيء عبثا وقيل ام خلقوا من غير اب وام انتهى واحسنها الاول كما قال الغزالي والله اعلم بما اراد سبحانه وفي الصحيح عن جبير بن مطعم قال سمعت النبي ص - يقرأ في المغرب بالطور فلما بلغ هذه الآية ام خلقوا من غير شيء ام هم الخالقون الى قوله المصيطرون كاد قلبي ان يطير وفي رواية وذلك اول ما وقر الايمان في قلبي انتهى واسند ابو بكر بن الخطيب في تاريخه عن جبير بن مطعم قال اتيت رسول الله ص - في فداء اهل بدر فسمعته يقرأ في المغرب بالطور فكأنما تصدع قلبي حين سمعت القرآن انتهى وقوله سبحانه ام عندهم خزائن ربك بمنزلة قوله ام عندهم الاستغناء في جميع الامور والمصيطر القاهر وبذلك فسر ابن عباس الآية والسلم السبب الذي يصعد به كان ما كان من خشب او بناء او حبال او غير ذلك والمعنى الهم سلم الى السماء يستمعون فيه أي عليه او منه وهذه حروف يسد بعضها مسد بعض والمعنى يستمعون الخبر بصحة ما يدعونه فليأتوا بالحجة المبينة في ذلك وقوله سبحانه ام عندهم الغيب الآية قال ابن عباس يعني ام عندهم اللوح المحفوظ فهم يكتبون ما فيه ويخبرون به ثم قال ام يريدون كيدا بك وبالشرع ثم جزم الخبر بأنهم هم المكيدون أي هم المغلوبون فسمى غلبتهم كيدا اذ كانت عقوبة الكيد ثم قال سبحانه ام لهم اله غير الله يعصمهم ويمنعهم من الهلاك قال الثعلبي قال الخليل ما في سورة الطور كلها من ذكر ام كله استفهام لهم انتهى ثم نزه تعالى نفسه عما يشركون به وقوله وان يروا كسفا أي قطعة يقولون لشدة معاندتهم

هذا سحاب مركوم بعضه على بعض وهذا جواب لقولهم فاسقط علينا كسفا من السماء وقولهم او تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا يقول لو فعلنا هذا بهم لما آمنوا ولقالوا سحاب مركوم وقوله تعالى فذرهم وما جرى مجراه من الموادعة منسوخ بآية السيف والجمهور ان يومهم الذي فيه يصعقون هو يوم القيامة وقيل هو موتهم واحدا واحدا ويحتمل ان يكون يوم بدر لانهم عذبوا فيه والصعق التعذيب في الجملة وان كان الاستعمال قد كثر فيما يصيب الانسان من الصيحة المفرطة ونحوه ثم اخبر تعالى بان لهم دون هذا اليوم أي قبله عذابا واختلف في تعيينه فقال ابن عباس وغيره هو بدر ونحوه وقال مجاهد هو الجوع الذي اصابهم وقال البراء بن عازب وابن عباس ايضا هو عذاب القبر وقال ابن زيد هي مصائب الدنيا اذ هي لهم عذاب ت ويحتمل ان يكون المراد الجميع قال الفخر ان قلنا ان العذاب هو بدر فالدين ظلموا هم اهل مكة وان قلنا العذاب هو عذاب القبر فالذين ظلموا عام في كل ظالم انتهى ثم قال تعالى لنبيه واصبر لحكم ربك فانك باعيننا أي بمرأي ومنظر نرى ونسمع ما تقول وانك في حفظنا وحيطتنا كما تقول فلان يرعاه الملك بعين وهذه الآية ينبغي ان يقررها كل مومن في نفسة فانها تفسح مضايق الدنيا وقوله سبحانه وسبح بحمد ربك قال ابو الاحوص هو التسبيح المعروف يقول في كل قيام سبحان الله وبحمده وقال عطاء المعنى حين تقوم من كل مجلس ت وفي تفسير احمد بن نصر الداودي قال وعن ابن المسيب قال حق على كل مسلم ان يقول حين يقوم الى الصلاة سبحان الله وبحمده لقول الله سبحانه لنبيه وسبح بحمد ربك حين تقوم انتهى وقال ابن زيد هي صلاة النوافل وقال الضحاك هي الصلوات المفروضة ومن قال هي النوافل جعل ادبار النجوم ركعتي الفجر وعلى هذا القول جماعة كثيرة من الصحابة والتابعين وقد روي مرفوعا ومن جعله التسبيح المعروف

جعل قوله حين تقوم مثالا أي حين تقوم وحين تقعد وفي كل تصرفك وحكى منذر عن الضحاك ان المعنى حين تقوم في الصلاة بعد تكبيرة الاحرام فقل سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك الحديث
تفسير سورة والنجم وهي مكية باجماع
وهي اول سورة اعلن بها رسول الله ص - وجهر بقراءتها في الحرم والمشركون يستمعون وفيها سجد وسجد معه المومنون والمشركون والجن والانس غير ابي لهب فانه رفع حفنة من تراب الى جبهته وقال يكفيني هذا ت والذي خرجه البخاري في صحيحه عن ابن مسعود فسجد رسول الله ص - وسجد من خلفه الا رجلا رأيته اخذ كفا من تراب فسجد عليه فرأيته بعد ذلك قتل كافرا وهو امية بن خلف انتهى وسبب نزولها ان المشركين قالوا ان محمدا يتقول القرآن ويختلق اقواله فنزلت السورة في ذلك
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله عز و جل والنجم اذا هوى ما ضل صاحبكم وما غوى وما ينطق عن الهوى الآية قال الحسن وغيره النجم المقسم به هنا اسم جنس اراد به النجوم ثم اختلفوا في معنى هوى فقال جمهور المفسرين هوى للغروب وهذا هو السابق الى الفهم من كلام العرب وقال ابن عباس في كتاب الثعلبي هوى في الانقضاض في اثر العفريت عند استراق السمع وقال مجاهد وسفيان النجم في قسم الآية الثريا وسقوطها مع الفجر هو هويها والعرب لا تقول النجم مطلقا

الا للثريا والقسم واقع على قوله ما ضل صاحبكم وما غوي ص اذا هوى ابو البقاء العامل في الظرف فعل القسم المحذوف أي اقسم بالنجم وقت هويه وجواب القسم ما ضل انتهى قال الفخر اكثر المفسرين لم يفرقوا بين الغي والضلال وبينهما فرق فالغي في مقابلة الرشد والضلال اعم منه انتهى وما ينطق عن الهوى يريد محمدا ص - انه لا يتكلم عن هواه أي بهواه وشهوته وقال بعض العلماء وما ينطق القرآن المنزل عن هوى ت وهذا تاويل بعيد من لفظ الآية كما ترى وقوله ان هو الا وحي يوحى يراد به القرآن باجماع ت وليس هذا الاجماع بصحيح ولفظ الثعلبي ان هو الا وحي أي ما نطقه في الدين الا بوحي انتهى وهو احسن ان شاء الله قال الفخر الوحي اسم ومعناه الكتاب او مصدر وله معان منها الارسال والالهام والكتابة والكلام والاشارة فان قلنا هو ضمير القرآن فالوحي اسم معناه الكتاب ويحتمل ان يقال مصدر أي ما القرآن الا ارسال أي مرسل وان قلنا المراد من قوله ان هو الا وحي قول محمد وكلامه فالوحي حينئذ هو الالهام أي كلامه ملهم من الله او مرسل انتهى والضمير في علمه لنبينا محمد ص - والمعلم هو جبريل عليه السلام قاله ابن عباس وغيره أي علم محمدا القرآن وذو مرة معناه ذو قوة قاله قتادة وغيره ومنه قوله عليه السلام لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مرة سوي واصل المرة من مرائر الحبل وهي فتلة واحكام عمله وقوله فاستوى قال الربيع والزجاج المعنى فاستوى جبريل في الجو وهو اذ ذاك بالافق الاعلى اذ رآه رسول الله ص - بحراء قد سد الافق له ستمائة جناح وحينئذ دنا من محمد عليه السلام حتى كان قاب قوسين وكذلك رآه نزلة اخرى في صفته العظيمة له ستمائة جناح عند السدرة وقوله ثم دنا فتدلى قال الجمهور المعنى دنا جبريل الى محمد في الارض عند حراء وهذا هو الصحيح ان جميع

ما في هذه الآيات من الأوصاف هو مع جبريل ودنا اعم من تدلى فبين تعالى بقوله فتدلى هيئة الدنو كيف كانت وقاب معناه قدر قال قتادة وغيره معناه من طرف العود الى طرفه الآخر وقال الحسن ومجاهد من الوتر الى العود في وسط القوس عند المقبض وقوله او ادنى معناه على مقتضى نظر البشر أي لو رآه احدكم لقال في ذلك قوسان او ادنى من ذلك وقيل المراد بقوسين أي قدر الذراعين وعن ابن عباس ان القوس في الآية ذراع يقاس به وذكر الثعلبي انها لغة بعض الحجازيين وقوله تعالى فاوحى الى عبده ما اوحى قال ابن عباس المعنى فاوحى الله الى عبده محمد ما اوحى وفي قوله ما اوحى ابهام على جهة التفخيم والتعظيم قال عياض ولما كان ما كاشفه عليه السلام من ذلك الجبروت وشاهده من عجائب الملكوت لا تحيط به العبارات ولا تستقل بحمل سماع ادناه العقول رمز عنه تعالى بالايماء والكناية الدالة على التعظيم فقال تعالى فاوحى الى عبده ما اوحى وهذا النوع من الكلام يسميه اهل النقد والبلاغة بالوحي والاشارة وهو عندهم ابلغ ابواب الايجاز انتهى وقوله سبحانه ما كذب الفؤاد ما رأى المعنى لم يكذب قلب محمد الشيء الذي رأى بل صدقه وتحققه نظرا قال اهل التأويل منهم ابن عباس وغيره رأى محمد الله بفؤاده وقال النبي ص - جعل الله نور بصري في فؤادي فنظرت اليه بفؤادي وقال آخرون من المتأولين المعنى ما راى بعينه لم يكذب ذلك قلبه بل صدقه وتحققه وقال ابن عباس فيما روي عنه ان محمدا رأى ربه بعيني راسه وانكرت ذلك عائشة وقالت انا سألت رسول الله ص - عن هذه الآيات فقال لي هو جبريل فيها كلها قال ع وهذا قول الجمهور وحديث عائشة عن النبي ص - قاطع بكل تاويل في اللفظ لان قول غيرها انما هو منتزع من الفاظ القرآن وقوله سبحانه افتمارنه على ما يرى قرأ حمزة والكساءي

افتمرونه بفتح التاء دون الف أي افتجحدونه ت قال الثعلبي واختار هذه القراءة ابو عبيد قال انهم لا يمارونه وانما جحدوه واختلف في الضمير في قوله ولقد رآه حسبما تقدم فقالت عائشة والجمهور هو عائد على جبريل ونزله معناه مرة اخرى فجمهور العلماء ان المرءي هو جبريل عليه السلام في المرتين مرة في الارض بحراء ومرة عند سدرة المنتهى ليلة الاسراء رآه على صورته التي خلق عليها وسدرة المنتهى هي شجرة نيق في السماء السابعة وقيل لها سدرة المنتهى لأنها اليها ينتهي علم كل عالم ولا يعلم ما وراءها صعدا الا الله عز و جل وقيل سميت بذلك لأنها اليها ينتهي من مات على سنة النبي ص - قال ع وهم المومنون حقا من كل جيل وقوله سبحانه عندها جنة المأوى قال الجمهور اراد سبحانه ان يعظم مكان السدرة ويشرفه بان جنة المأوى عندها قال الحسن هي الجنة التي وعد بها المومنون وقوله سبحانه اذ يغشى السدرة ما يغشى أي غشيها من امر الله ما غشيها فما يستطيع احد ان يصفها وقد ذكر المفسرون في وصفها اقوالا هي تكلف في الآية لأن الله تعالى ابهم ذلك وهم يريدون شرحه وقد قال ص - فغشيها الوان لا ادرى ما هي وقوله تعالى ما زاغ البصر قال ابن عباس معناه ما جال هكذا ولا هكذا وقوله وما طغى معناه ولا تجاوز المرءي وهذا تحقيق للامر ونفي لوجوه الريب عنه وقوله لقد رأى من آيات ربه الكبرى قال جماعة معناه لقد رأى الكبرى من آيات ربه أي مما يمكن ان يراها البشر وقال آخرون المضى لقد رأى بعضا من آيات ربه الكبرى وقال ابن عباس وابن مسعود رأى رفرفا أخضر من الجنة قد سد الافق ت وزاد الثعلبي وقيل المعراج وما رأى في تلك الليلة في مسراه في عوده وبدءه دليله قوله تعالى لنريه من آياتنا الآية قال عياض وقوله تعالى لقد رأى من آيات ربه الكبرى انحصرت الافهام عن تفصيل

ما أوحى وتاهت الاحلام في تعيين تلك الآيات الكبرى وقد اشتملت هذه الآيات على اعلام الله بتزكية جملته عليه السلام وعصمتها من الآفات في هذا المسرى فزكى فؤاده ولسانه وجوارحه فقلبه بقوله تعالى ما كذب الفؤاد ما رأى ولسانه عليه السلام بقوله تعالى وما ينطق عن الهوى وبصره بقوله تعالى ما زاغ البصر وما طغى اه ولما فرغ من ذكر عظمة الله وقدرته قال على جهة التوقيف افرأيتم اللات والعزى الآية أي ارأيتم هذه الأوثان وحقارتها وبعدها عن هذه القدرة والصفات العلية واللات صنم كانت العرب تعظمة والعزى صخرة بيضاء كانت العرب أيضا تعبدها واما مناة فكانت بالمشلل من قديد وكانت اعظم هذه الأوثان عندهم وكانت الأوس والخزرج تهل لها ووقف تعالى الكفار على هذه الأوثان وعلى قولهم فيها انها بنات الله فكأنه قال أرأيتم هذه الأوثان وقولكم هي بنات الله الكم الذكر وله الأنثى ثم قال تعالى على جهة الانكار تلك اذا قسمة ضيزى أي عوجاء قاله مجاهد وقيل جائرة قال ابن عباس وقال سفيان معناه منقوصة وقال ابن زيد معناه مخالفة والعرب تقول ضزته حقه اضيزه بمعنى منعته وضيزى من هذا التصريف قال ابو حيان والثالثة الاخرى صفتان لمناة للتاكيد قيل واكدت بهذين الوصفين لعظمها عندهم وقال الزمخشري والاخرى ذم وهي المتأخرة الوضيعة المقدار وتعقب بان اخرى مؤنث آخر ولم يوضعا للذم ولا للمدح ت وفي هذا التعقب تعسف والظاهر ان الوصفين معا سيقا مساق الذم لأن هؤلاء الكفار لم يكتفوا بضلالهم في اعتقادهم ما لا يجوز في اللات والعزى الى ان اضافوا الى ذلك مناة الثالثة الأخرى الحقيرة وكل اصنامهم حقير انتهى ثم قال تعالى ان هي الا اسماء يعني ان هذه الأوصاف من انها اناث وانها آلهة تعبد ونحو هذا الا اسماء أي تسميات اخترعتموها انتم وآباؤكم ما انزل الله بها برهانا ولا حجة وما هو الا اتباع الظن وما تهوى الانفس وهوى

الانفس هو ارادتها الملذة لها وانما تجد هوى النفس ابدا في ترك الأفضل لآنها مجبولة بطبعها على حب الملذ وانما يردعها ويسوقها الى حسن العاقبة العقل والشرع وقوله سبحانه ولقد جاءهم من ربهم الهدى فيه توبيخ لهم اذ يفعلون هذه القبائح والهدى حاضر وهو محمد وشرعه والانسان في قوله ام للانسان اسم جنس كانه يقول ليست الاشياء بالتمنى والشهوات وانما الامر كله لله والاعمال جارية على قانون امره ونهيه فليس لكم ايها الكفرة مرادكم في قولكم هذه آلهتنا وهي تشفع لنا وتقربنا الى الله زلفى ونحو هذا فلله الآخرة والاولى أي له كل امرهما ملكا ومقدورا وتحت سلطانه قال الشيخ ابو عبد الرحمن السلمي في كتاب عيوب النفس ومن عيوب النفس كثرة التمني والتمنى هو الاعتراض على الله عز و جل في قضائه وقدره ومداواتها ان يعلم انه لا يدري ما يعقبه التمني ايجره الى خير او الى شر فاذا تيقن ابهام عاقبة تمنيه اسقط عن نفسه ذلك ورجع الى الرضى والتسليم فيستريح انتهى وقوله سبحانه وكم من ملك الآية رد على قريش في قولهم الأوثان شفعاؤنا وكم للتكثير وهي في موضع رفع بالابتداء والخبر لا تغنى والغنى جلب النفع ودفع الضر بحسب الأمر الذي يكون فيه الغناء وقوله سبحانه ان الذين لا يؤمنون بالاخرة يعني كفار العرب وقوله وان الظن لا يغني من الحق شيئا أي في المعتقدات والمواضع التي يريد الانسان ان يحرر ما يعقل ويعتقد فانها مواضع حقائق لا تنفع الظنون فيها واما في الاحكام وظواهرها فيجتزى فيها بالمظنونات ثم سلى سبحانه نبيه وامره بالاعراض عن هؤلاء الكفرة وقوله عن ذكرنا قال الثعلبي يعني القرآن وقوله سبحانه ان ربك هو اعلم بمن ضل عن سبيله الآية متصلة في معنى التسلية ومتضمنة وعيدا للكافرين ووعدا للمؤمنين والحسنى الجنة ولا حسنى دونها وقد تقدم نقل الأقوال في الكبائر في سورة النساء وغيرها وتحرير القول في الكبائر انها كل

معصية يوجد فيها حد في الدنيا او توعد عليها بنار في الآخرة او لعنة ونحو هذا وقوله الا اللمم هو استثناء يصح ان يكون متصلا وان قدرته منقطعا ساغ ذلك وبكل قد قيل واختلف في معنى اللمم فقال ابو هريرة وابن عباس والشعبي وغيرهم اللمم صغار الذنوب التي لا حد فيها ولا وعيد عليها لأن الناس لا يتخلصون من مواقعة هذه الصغائر ولهم مع ذلك الحسنى اذا اجتنبوا الكبائر وتظاهر العلماء في هذا القول وكثر المائل اليه وحكي عن ابن المسيب ان اللمم ما خطر على القلب يعني بذلك لمة الشيطان وقال ابن عباس معناه الا ما الموا به من المعاصي الفلتة والسقطة دون دوام ثم يتوبون منه وعن الحسن بن ابي الحسن انه قال في اللمة من الزنا والسرقة وشرب الخمر ثم لا يعود قال ع وهذا التأويل يقتضي الرفق بالناس في ادخالهم في الوعد بالحسنى اذ الغالب في المؤمنين مواقعة المعاصي وعلى هذا انشدوا وقد تمثل به النبي ص - ... ان تغفر اللهم تغفر جما ... واي عبد لك لا الما ...
وقوله سبحانه اذ أنشأكم من الأرض يريد خلق ابيهم آدم ويحتمل ان يراد به انشاء الغذاء واجنة جمع جنين وقوله سبحانه فلا تزكوا انفسكم ظاهره النهي عن تزكية الانسان نفسه ويحتمل ان يكون نهيا عن ان يزكي بعض الناس بعضا واذا كان هذا فانما ينهي عن تزكية السمعة والمدح للدنيا اوالقطع بالتزكية واما تزكية الامام والقدوة احدا ليؤتم به او ليتهمم الناس بالخير فجائز وفي الباب احاديث صحيحة وباقي الآية بين ت قال صاحب الكلم الفارقية اعرف الناس بنفسه اشدهم ايقاعا للتهمة بها في كل ما يبدو ويظهر له منها واجهلهم بمعرفتها وخفايا آفاتها وكوامن مكرها من زكاها واحسن ظنه بها لانها مقبلة على عاجل حظوظها معرضة عن الاستعداد لآخرتها انتهى وقال ابن عطاء الله اصل كل معصية وغفلة وشهوة الرضى عن النفس واصل كل طاعة ويقظة وعفة عدم الرضى منك

عنها قال شارحة ابن عباد الرضى عن النفس اصل جميع الصفات المذمومة وعدم الرضى عنها اصل الصفات المحمودة وقد اتفق على هذا جميع العارفين وارباب القلوب وذلك لأن الرضى عن النفس يوجب تغطية عيوبها ومساويها وعدم الرضى عنها على عكس هذا كما قيل ... وعين الرضى عن كل عيب كليلة ... ولكن عين السخط تبدي المساويا ...
انتهى وقوله تعالى أفرأيت الذي تولى الآية قال مجاهد وابن زيد وغيرهما نزلت في الوليد بن المغيرة المخزومي وذلك انه سمع قراءة النبي ص - ووعظه فقرب من الاسلام وطمع النبي ص - في اسلامه ثم انه عاتبه رجل من المشركين وقال له اتترك ملة آبائك ارجع الى دينك واثبت عليه وانا اتحمل لك بكل شيء تخافه في الآخرة لكن على ان تعطيني كذا وكذا من المال فوافقه الوليد على ذلك ورجع عما هم به من الاسلام واعطى بعض ذلك المال لذلك الرجل ثم امسك عنه وشح فنزلت الآية فيه وقال السدي نزلت في العاصي بن وائل قال ع فقوله واعطى قليلا واكدى على هذا هو في المال وقال مقاتل في كتاب الثعلبي المعنى اعطى الوليد قليلا من الخير بلسانه ثم اكدى أي انقطع ما اعطى وهذا بين من اللغفظ والآخر يحتاج الى رواية وتولى معناه ادبر واعرض عن امر الله واكدى معناه انقطع عطاؤه وهو مشبه بالذي يحفر في الأرض فانه اذا انتهى في حفر بير ونحوه الى كدية وهي ما صلب من الأرض يئس من الماء وانقطع حفره وكذلك اجبل اذا انتهى في الحفر الى جبل ثم قيل لمن انقطع عمله اكدى واجبل ت قال الثعلبي واصله من الكدية وهو حجر في البيريويس من الماء قال الكساءي تقول العرب اكدى الحافر واجبل اذا بلغ في الحفر الى الكدية والجبل انتهى وقوله عز و جل اعنده علم الغيب فهو يرى معناه اعلم من الغيب ان من تحمل

ذنوب آخر انتفع بذلك المتحمل عنه فهو لهذا الذي علمه يرى الحق وله فيه بصيرة ام هو جاهل لم ينبأ بما في صحف موسى وابراهيم الذي وفى بما ارسل به من انه لا تزر وازرة أي لا تحمل حاملة حمل اخرى وفي البخاري وابراهيم الذي وفى وفى ما فرض عليه انتهى وقوله سبحانه وان ليس للانسان الا ما سعى وما بعده كل ذلك معطوف على قوله الا تزر وازرة وزر اخرى والجمهور ان قوله وان ليس للانسان الا ما سعى محكم لا نسخ فيه وهو لفظ عام مخصص وقوله وان سعيه سوف يرى أي يراه الله ومن شاهد تلك الامور وفي عرض الاعمال على الجميع تشريف للمحسنين وتوبيخ للمسيئين ومنه قوله ص - من سمع باخيه فيما يكره سمع الله به سامع خلقه يوم القيامة وفي قوله تعالى ثم يجزاه الجزاء الاوفى وعيد للكافرين ووعد للمومنين وقوله سبحانه وان الى ربك المنتهى أي منتهى الخلق ومصيرهم اللهم اطلعنا على خيرك بفضلك ولا تفضحنا بين خلقك وجد علينا بسترك في الدارين وحق لعبد يعلم انه الى ربه منتهاه ان يرفض هواه ويزهد في دنياه ويقبل بقلبه على مولاه ويقتدي بنبي فضله الله على خلقه وارتضاه ويتأمل كيف كان زهده ص - في دنياه واقباله على مولاه قال عياض في شفاه واما زهده ص - فقد قدمنا من الاخبار اثناء هذه السيرة ما يكفي وحسبك من تقلله منها واعراضه عنها وعن زهرتها وقد سيقت اليه بحذافيرها وترادفت عليه فتوحاتها انه توفي ص - ودرعة مرهونة عند يهودي وهو يدعو ويقول اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا وفي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت ما شبع آل رسول الله ص - ثلاثة أيام تباعا حتى مضى لسبيله وعنها رضي الله عنها قالت لم يمتلئى جوف نبي الله ص - شبعا قط ولم يبث شكوى الى

احد وكانت الفاقة احب اليه من الغنى وان كان ليظل جائعا يلتوى طول ليلته من الجوع فلا يمنعه ذلك صيام يومه ولو شاء سأل ربه جميع كنوز الأرض وثمارها ورغد عيشها ولقد كنت ابكي له رحمة مما ارى به وامسح بيدي على بطنه مما به من الجوع واقول نفسي لك الفداء لو تلغت من الدنيا بما يقوتك فيقول يا عائشة ما لي وللدنيا اخواني من اولى العزم من الرسل صبروا على ما هو اشد من هذا فمضوا على حالهم فقدموا على ربهم فاكرم مئابهم واجزل ثوابهم فاجدني استحيي ان ترفهت في معيشتي ان يقصر بي غدا دونهم وما من شيء هو احب الي من اللحوق باخواني واخلاءي قالت فما اقام بعد الا اشهرا حتى توفي صلوات الله وسلامه عليه انتهى وباقي الآية دلالة على التوحيد واضحة والنشأة الأخرى هي اعادة الاجسام الى الحشر بعد البلى واقنى معناه اكسب ما يقتنى تقول قنيت المال أي كسبته وقال ابن عباس اقنى قنع قال ع والقناعة خير قنية والغنى عرض زائل فلله در ابن عباس والشعري نجم في السماء قال مجاهد وابن زيد هو مرزم الجوزاء وهما شعريان احداهما الفميصاء والاخرى العبور لانها عبرت المجرة وكانت خزاعة ممن يعبد هذه الشعرى العبور ومعنى الآية وان الله سبحانه رب هذا المعبود الذي لكم وعادا الاولى اختلف في معنى وصفها بالاولى فقال الجمهور سميت اولى بالاضافة الى الامم المتأخرة عنها وقال الطبري وغيره سميت اولى لان ثم عادا آخرة وهي قبيلة كانت بمكة مع العماليق وهم بنو لقيم بن هزال والله اعلم وقرأ الجمهور وثموادا بالنصب عطفا على عاد وقوم نوح عطفا على ثمود وقوله من قبل لانهم كانوا اول امة كذبت من اهل الأرض والموتفكة قرية قوم لوط اهوى أي طرحها من هواء عال الى سفل وقوله سبحانه فبأي آلاء ربك تتمارى مخاطبة للانسان الكافر كانه قيل له هذا هو الله الذي له هذه الأفعال وهو خالقك المنعم عليك بكل النعم ففي

أيها تشك وتتمارى معناه تتشكك وقال مالك الغفاري إن قوله الا تزر إلى قوله تتمارى هو في صحف إبراهيم وموسى
وقوله سبحانه هذا نذير يحتمل أن يشير إلى نبينا محمد ص - وهو قول قتادة وغيره وهذا هو الأشبه ويحتمل أن يشير إلى القرآن وهو تأويل قوم ونذير يحتمل أن يكون بناء اسم فاعل ويحتمل أن يكون مصدر ونذر جمع نذير
وقوله تعالى أزفت الآزفة معناه قربت القريبة والآزفة عبارة عن القيامة بإجماع من المفسرين وأزف معناه قرب جدا قال كعب بن زهير
... بان الشباب وأها الشيب قد أزفا ... ولا أرى لشباب ذاهب خلفا ...
وكاشفة يحتمل أن تكون صفة لمؤنث التقدير حال كاشفة ونحو هذا التقدير ويحتمل أن تكون بمعنى كاشف قال الطبري والزجاج هو من كشف السر أي ليس من دون الله من يكشف وقتها ويعلمه وقال منذر بن سعيد هو من كشف الضر ودفعه أي ليس من يكشف خطبها وهولها إلا الله
وقوله سبحانه أفمن هذا الحديث تعجبون الآية روى سعد بن أبي وقاص أن رسول الله ص - قال إن هذا القرآن أنزل بخوف فإذا قرأتموه فابكوا فإن لم تبكوا فتباكوا ذكره الثعالبي وأخرج الترمذي والنسائي عن النبي ص - أنه قال لا يلج النار من بكى من خشية الله حتى يعود اللبن في الضرع ولا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم في منخر أبدا قال النسائي ويروى في جوف أبدا ولا يجتمع الشح والإيمان في قلب أبدا قال الترمذي وقال النبي ص - عينان لا تمسهما النار عين بكت من خشية الله وعين باتت تحرس في سبيل الله انتهى من مصابيح البغوي قال أبو عمر بن عبد البر روي عن النبي ص - أنه قال إياكم وكثرة الضحك فإنه يميت القلب ويذهب بنور الوجه انتهى من بهجة المجالس وروى الترمذي

عن أبي هريرة قال قال رسول الله ص - من يأخذ عني هؤلاء الكلمات فيعمل بهن أو يعلم من يعمل بهن فقال أبو هريرة فقلت أنا يا رسول الله فأخذ بيدي فعد خمسا وقال اتق المحارم تكن أعبد الناس وارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس وأحسن إلى جارك تكن مؤمنا وأحب للناس ما تحب لنفسك تكن مسلما ولا تكثر الضحك فإن كثرة الضحك يميت القلب انتهى والسامد اللاعب اللاهي وبهذا فسر ابن عباس وغيره من المفسرين وسمد بلغة حمير غني وهو كله معنى قريب بعضه من بعض ثم أمر تعالى بالسجود له والعبادة تخويفا وتحذيرا وهاهنا سجدة في قول كثير من العلماء ووردت بها أحاديث صحاح ولم ير مالك بالسجود هنا وقال زيد بن ثابت أنه قرأ بها عند النبي ص - فلم يسجد قال ابن العربي في أحكامه وكان مالك يسجدها في خاصة نفسه انتهى
تفسير سورة اقتربت الساعة وهي مكية بإجماع
إلا آية واحدة قوله سيهزم الجمع الآية ففيها خلاف والجمهور أنها أيضا مكية
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله سبحانه اقتربت الساعة وانشق القمر معناه قربت الساعة وهي القيامة وأمرها مجهول التحديد وكل ما يروى في عمر الدنيا من التحديد فضعيف

وقوله وانشق القمر إخبار عما وقع وذلك أن قريشا سألت رسول الله ص - آية فأراهم الله انشقاق القمر فرآه النبي ص - وجماعة من المسلمين والكفار فقال رسول الله ص - اشهدوا
وقوله وإن يروا جاء اللفظ مستقبلا لينتظم ما مضى وما يأتي فهو إخبار بأن حالهم هكذا
وقوله مستمر قال الزجاج قيل معناه دائم متماد وقال قتادة وغيره معناه مار ذاهب عن قريب يزول ثم قال سبحانه على جهة جزم الخبر وكل أمر مستقر كأنه يقول وكل شيء إلى غاية عنده سبحانه ومزدجر معناه موضع زجر
وقوله فما تغن النذر يحتمل أن تكون ما نافية ويحتمل أن تكون استفهامية ثم سلى سبحانه نبيه عليى السلام بقوله فتول عنهم أي لا تذهب نفسك عليهم حسرات وتم القول في قوله عنهم ثم ابتدأ وعيدهم بقوله يوم والعامل في يوم قوله يخرجون وقال الرماني المعنى فتول عنهم واذكر يوم وقال الحسن المعنى فتول عنهم إلى يوم وقرأ الجمهور نكر بضم الكاف قال الخليل النكر نعت للأمر الشديد والرجل الداهية وخص الإبصار بالخشوع لأنه فيها أظهر منه في سائر الجوارح وكذلك سائر ما في نفس الإنسان من حياء أو صلف أو خوف ونحوه إنما يظهر في الإبصار والأجداث جمع جدث وهو القبر وشبههم سبحانه بالجراد المنتشر وقد شبههم سبحانه في آية أخرى بالفراش المبثوث وفيهم من كل هذا شبه وذهب بعض المفسرين إلى أنهم أولا كالفراش حين يموج بعضهم في بعض ثم في رتبة أخرى كالجراد إذا توجهو نحو المحشر والداعي والمهطع المسرع في مشيه نحو الشيء مع هز ورهق ومد بصر نحو المقصد إما لخوف أو طمع ونحوه قال أبو حيان مهطعين أي مسرعين وقيل فاتحين أذانهم للصوت انتهى
ويقول الكافرون هذا يوم عسر لما يرون من مخايل هوله وعلامات مشقته
وقوله سبحانه كذبت قبلهم قوم نوح الآية وعيد لقريش وضرب مثل لهم
وقوله

وازدجر إخبار من الله عز و جل أنهم زجروا نوحا عليه السلام بالسب والنجه والتخويف قاله ابن زيد
وقوله فانتصر أي فانتصر لي منهم بأن تهلكهم
وقوله ففتحنا أبواب السماء قال الجمهور هذا مجاز وتشبيه لأن المطر كأنه من أبواب وهذا مبدأ الانتصار من الكفار والمنهمر الشديد الوقوع الغزير وقرأ الجمهور فالتقى الماء يعني ماء السماء وماء العيون
وقوله سبحانه على أمر قد قدر أي قضي وقدر في الأزل وذات ألواح ودسر هي السفينة والدسر المسامير واحدها دسار وهذا هو قول الجمهور وقال مجاهد الدسر أضلاع السفينة قال العراقي والدسار أيضا ما تشد به السفينة انتهى
وقوله تعالى تجري بأعيننا معناه بحفظنا وتحت نظر منا قال البخاري قال قتادة أبقى الله عز و جل سفينة نوح حتى أدركها أوائل هذه الأمة انتهى وقرأ جمهور الناس جزاء لمن كان كفر مبنيا للمفعول قال مكي قيل من يراد بها نوح والمؤمنون لأنهم كفروا من حيث كفر بهم فجزاهم الله بالنجاة وقرئي شاذ كفر مبنيا للفاعل والضمير في تركناها قال مكي هو عائد على هذه الفعلة والقصة وقال قتادة وغيره هو عائد على السفينة ومدكر أصله مذتكر أبدلوا من التاء دالا ثم أدغموا الدال في الدال وهذه قراءة الناس قال أبو حاتم ورويت عن النبي ص - بإسناد صحيح
وقوله تعالى فكيف كان عذابي ونذرى توقيف لكفار قريش والنذر هنا جمع نذير وهو المصدر والمعنى كيف كان عاقبة إنذاري لمن لم يحفل به كأنتم أيها القوم ويسرنا القرآن أي سهلناه وقربناه والذكر الحفظ عن ظهر قلب قال ع يسر بما فيه من حسن النظم وشرف المعاني فله حلاوة في القلوب وامتزاج بالعقول السليمة
وقوله فهل من مدكر استدعاء وحض على ذكره وحفظه لتكون زواجره وعلومه حاضرة في النفس فلله در من قبل وهدي ت وقال الثعلبي فهل من مدكر أي من متعظ
وقوله في يوم نحس مستمر الآية ورد

في بعض الأحاديث في تفسير هذه الآية يوم نحس مستمر يوم الأربعاء ومستمر معناه متتابع
وقوله تنزع الناس معناه تقلعهم من مواضعهم قلما فتطرحهم وروي عن مجاهد أن الريح كانت تلقي الرجل على رأسه فيتفتت رأسه وعنقه وما يلي ذلك من بده قال ع فلذلك حسن التشبيه بأعجاز النخل وذلك ان المنقلع هو الذى ينقلع من قعره وقال قوم انما شبههم باعجاز النخل لأنهم كانوا يحتفرون حفرا ليمتنعوا فيها من الريح فكأنه شبه تلك الحفر بعد النزع بحفر أعجاز النخل والنخل تذكر وتؤنث وفائدة تكرار قوله فكيف كان عذابي ونذر التخويف وهز النفوس وهذا موجود في تكرار الكلام كقوله ص - الأهل بلغت الأهل بلغت الأهل بلغت ونحوه وقول ثمود لصالح ابشر منا واحدا نتبعه هو حسد منهم واستبعاد منهم أن يكون نوع البشر يفضل هذا التفضيل ولم يعلموا أن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء ويفيض نور الهدى على من رضيه وقولهم إنا إذا لفي ضلال أي في ذهاب وائتلاف عن الصواب وسعر معناه في احتراق انفس واستعارها حنقا وقيل في جنون يقال ناقة مسعورة إذا كانت خفيفة الرأس هائمة على وجهها والأشر البطر وقرأ الجمهور سيعلمون بالياء وقرأ حمزة وحفص ستعلمون بالتاء من فوق على معنى قل لهم يا صالح ثم أمر الله صالحا بارتقاب الفرج والصبر ت وقال الثعلبي فارتقبهم أي انتظرهم ما يصنعون ونبئهم أن الماء قسمة بينهم وبين الناقة لها شرب ولهم شرب يوم ومعلوم ومحتضر معناه محضور مشهود متواسى فيه وقال مجاهد كل شرب أي من الماء يوما ومن لبن الناقة يوما محتضر لهم فكأنه أنبأهم بنعمة الله سبحانه عليهم في ذلك وصاحبهم هو قدار بن سالف وتعاطى مطاوع عاطي فكان هذه الفعلة تدافعها الناس وأعطاها بعضهم بعضا فتعاطاها هو وتناول العقربيده قاله ابن عباس وقد تقدم قصص القوم والهشيم ما تفتت وتهشم من الأشياء والمحتظر معناه

الذي يصنع حظيرة قاله ابن زيد وغيره وهي مأخوذة من الحظر وهو المنع والعرب وأهل البوادي يصنعونها للمواشي وللسكنى أيضا من الأغصان والشجر المورق والقصب ونحوه وهذا كله هشيم يتفتت أما في أول الصنعة وأما عند بلى الحظيرة وتساقط أجزائها وقد تقدم قصص قوم لوط والحاصب مأخوذ من الحصباء
وقوله فتماروا معناه تشككوا وأهدى بعضهم الشك إلى بعض بتعاطيهم الشبه والضلال و النذر جمع نذير وهو المصدر ويحتمل أن يراد بالنذر هنا وفي قوله كذبت قوم لوط بالنذر جمع نذير الذي هو اسم فاعل
وقوله سبحانه فطمسنا أعينهم قال قتادة هي حقيقة جر جبريل شيئا من جناحه على أعينهم فاستوت مع وجوههم قال أبو عبيدة مطموسة بجلدة كالوجه وقال ابن عباس والضحاك هذه استعارة وإنما حجب إدراكهم فدخلوا المنزل ولم يروا شيئا فجعل ذلك كالطمس
وقوله بكرة قيل عند طلوع الفجر
وقوله فذوقوا يحتمل أن يكون من قول الله تعالى لهم ويحتمل أن يكون من قولا لملائكة ونذري جمع المصدر أي وعاقبة إنذاري ومستقر أي دائم استقر فيهم حتى يفضي بهم إلى عذاب الآخرة وآل فرعون قومه واتباعه وقوله كذبوا بئاياتنا كلها يحتمل ان يريد ءال فرعون ويحتمل أن يكون قوله ولقد جاء آل فرعون النذر كلاما تاما ثم يكون قوله كذبوا بآياتاننا كلها يعود على جميع من ذكر من الأمم
وقوله تعالى أكفاركم خير من أولائكم خطاب لقريش على جهة التوبيخ
وقوله أم لكم براءة أي من العذاب في الزبر أي في كتب الله المنزلة قاله ابن زيد وغيره ثم قال تعالى لنبينا محمد ص - أم يقولون نحن واثقون بجماعتنا منتصرون بقوتنا على جهة الإعجاب سيهزمون فلا ينفع جمعهم وهذه عدة من الله تعالى لرسوله أن جمع قريش سيهزم فكان كما وعد سبحانه قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه كنت أقول في نفسي أي جمع يهزم

فلما كان يوم بدر رأيت رسول الله ص - يثب في الدرع وهو يقول سيهزم الجمع ويولون الدبر والجمهور على أن الآية نزلت بمكة وقول من زعم أنها نزلت يوم بدر ضعيف والصواب أن الوعد نجز يوم بدر قال أبو حيان ويولون الجمهور بياء الغيبة وعن أبي عمرو بتاء الخطاب والدبر هنا اسم جنس وحسن إفراده كونه فاصلة وقد جاء مجموعا في آية أخرى وهو الأصل انتهى ثم اضرب سبحانه تهمما بأمر الساعة التي هي أشد عليهم من كل هزيمة وقتل فقال بل الساعة موعدهم وأدهى أفعل من الداهية وهي الرزية العظمى تنزل بالمرء وأمر من المرارة ت وقال الثعالبي الداهية الأمر الشديد الذي لا يهتدى للخلاص منه انتهى ثم أخبر تعالى عن المجرمين أنهم في الدنيا في حيرة وائتلاف وفقد هدى وفي الآخرة في احتراق وتسعر وقال ابن عباس المعنى في خسران وجنون والسعر الجنون وأكثر المفسرين على أن المجرمين هنا يراد بهم الكفار والسحب الجر
وقوله سبحانه إنا كل شيء خلقناه بقدر قرأ جمهور الناس كل بالنصب وقالوا المعنى إنا خلقنا كل شيء بقدر سابق وليست خلقنا في موضع الصفة لشيء وهذا مذهب أهل السنة وهذا المعنى يقتضي أن كل شيء مخلوق إلا ما قام عليه الدليل أنه ليس بمخلوق كالقرآن والصفات ت قال الثعالبي قال ابن عباس خلق الله الخلق كلهم بقدر وخلق الخير والشر فخير الخير السعادة وشر الشر الشقاوة
وقوله سبحانه وما أمرنا إلا واحدة قال ع أي إلا قوله واحدة وهي كن ت قوله إلا قوله فيه قلق ما وكانه فهم أن معنى الآية راجع إلى قوله تعالى إنما أمرنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون وعبارة الثعالبي أي وما أمر الساعة إلا واحدة أي إلا رجفة واحدة قال أبو عبيد هي نعت للمعنى دون اللفظ مجازه وما أمرنا إلا مرة واحدة كن فيكون كلمح بالبصر أي كخطف بالبصر فقيل له إنه يعني الساعة فقال الساعة وجميع ما يريد انتهى وكلام

أبي عبيد عندي حسن والأشياع الفرق المتشابهة في مذهب أو دين ونحوه الأول شيعة للآخر والآخر شيعة للأول وكل شيء فعلته الأمم المهلكة في الزبر أي مكتوب محفوظ عليهم إلى يوم الحساب قاله ابن عباس وغيره ومستطر أي مسطر وقرأ الجمهور ونهر بفتح النون والهاء على أنه اسم الجنس يريد به الأنهار على أنه بمعنى وسعة في الأرزاق والمنازل قال أبو حيان وقرأ الأعمش ونهر بضم النون والهاء جمع نهر كرهن ورهن انتهى
وقوله تعالى في مقدع صدق يحتمل أن يريد به الصدق الذي هو ضد الكذب أي المقعد الذي صدقوا في الخبر به ويحتمل أن يكون من قولك عود صدق أي جيد ورجل صدق أي خير والمليك المقتدر الله تعالى ت وقال الثعلبي في مقعد صدق أي في مجلس حق لا لغو فيه وتأثيم وهو الجنة عند مليك مقتدر وعند إشارة إلى القربة والرتبة انتهى ص قال أبو البقاء في مقعد صدق بدل من قوله في جنات انتهى قال المحاسبي وإذا أخذ أهل الجنة مجالسهم واطمأنوا في مقعد الصدق الذي وعده الله لهم منهم في القرب من مولاهم سبحانه على قدر منازلهم عنده انتهى من كتاب التوهم ثم قال المحاسبي بإثر هذا الكلام فلو رأيتهم وقد سمعوا كلام ربهم وقد داخل قلوبهم السرور وقد بلغوا غاية الكرامة ومنتهى الرضى والغبطة فما ظنك بنظرهم إلى العزيز العظيم الجليل الذي لا تقع عليه الأوهام ولا تحيط به الأفهام ولا تحده الفطن ولا تكيفه الفكر الأزلي القديم الذي حارت العقول عن إدراكه وكلت الألسن عن كنه صفاته انتهى

تفسير

سورة الرحمن

عز و جل وهي مكية في قول الجمهور
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله عز و جل الرحمن علم القرآن الرحمن بناء مبالغة من الرحمة وقوله علم القرآن تعديد نعمه أي هو من به وعلمه الناس وخص حفاظه وفهمته بالفضل قال النبي ص - خيركم من تعلم القرآن وعلمه ومن الدليل على أن القرآن غير مخلوق أن الله تعالى ذكر القرآن في كتابه في أربعة وخمسين موضعا ما فيها موضع صرح فيه بلفظ الخلق ولا أشار إليه وذكر الإنسان على الثلث من ذلك في ثمانية عشر موضعا كلها نصت على خلقه وقد اقترن ذكرهما في هذه السورة على هذا النحو والإنسان هنا اسم جنس قاله الزهراوي وغيره قال الفخر الرحمن مبتدأ خبره الجملة الفعلية التي هي علم القرآن انتهى والبيان النطق والفهم والإبانة عن ذلك بقول قاله الجمهور وبذلك فضل الإنسان من سائر الحيوان وكل المعلومات داخلة في البيان الذي علمه الإنسان فمن ذلك البيان كون الشمس والقمر بحسبان وهذا ابتداء تعديد نعم قال قتادة بحسبان مصدر كالحساب وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى والضحاك هو جمع حساب والمعنى أن هذين لهما في طلوعهما وغروبهما وقطعهما البروج وغير ذلك حسابات شتى وهذا مذهب ابن عباس وغيره وقال قتادة الحسبان الفلك المستدير شبهه بحسبان الرحى وهو العود المستدير الذي باستدارته تستدير المطحنة
وقوله سبحانه والنجم والشجر يسجدان قال ابن عباس وغيره النجم النبات الذي لا ساق له

قال ع وسمي نجما لأنه نجم أي ظهر وهو مناسب للشجر نسبة بينة وقال مجاهد وغيره النجم اسم الجنس من نجوم السماء قال ع والنسبة التي لها من السماء هي التي للشجر من الأرض لأنهما في ظاهرهما وسمي الشجر من اشتجار غصونه وهو تداخلها قال مجاهد وسجودهما عبارة عن التذلل والخضوع
وقوله سبحانه ووضع الميزان يريد به العدل قاله أكثر الناس
وقوله ألا تطغوا في الميزان وقوله واقيموا الوزن بالقسط وقوله ولا تخسروا الميزان يريد به الميزان المعروف وأن لا هو بتقدير ليلا أو مفعول من أجله وفي مصحف ابن مسعود لا تطغوا في الميزان وقرأ بلال بن أبي بردة تخسروا بفتح التاء وكسر السين من خسر ويقال خسر وأخسر بمعنى نقص وأفسد كجبر وأجبر والأنام قال الحسن بن أبي الحسن هم الثقلان الإنس والجن وقال ابن عباس وقتادة وابن زيد والشعبي هم الحيوان كله والنخل ذات الأكمام وذلك أن طلعها في كم وفروعها أيضا في أكمام من ليفها والكم من النبات كل ما التف على شيء وستره ومنه كمائم الزهر وبه شبه كم الثوب والحب ذو العصف هو البر والشعير وما جرى مجراه قال ابن عباس العصف التبن واختلف في الريحان فقال ابن عباس وغيره هو الرزق وقال الحسن هو ريحانكم هذا وقال ابن زيد وقتادة الريحان هو كل مشموم طيب قال ع وفي هذا النوع نعمة عظيمة ففيه الأزهار والمندل والعقاقير وغير ذلك وقرأ الجمهور والريحان بالرفع عطفا على فاكهة وقرأ حمزة والكسائي والريحان بالخفض عطفا على العصف فالريحان على هذه القراءة الرزق ولا يدخل فيه المشموم إلا بتكلف وريحان أصله روحان فهو من ذوات الواو والآلاء النعم والضمير في قوله ربكما للجن والإنس اللذين تضمنهما لفظ الأنام وأيضا ساغ تقديم ضميرهما عليهما لذكر الإنسان والجان عقب ذلك وفيه اتساع وقال منذر بن سعيد خوطب من يعقل لأن المخاطبة بالقرآن كله هي للإنس

والجن وعن جابر قال قرأ علينا النبي ص - سورة الرحمن حتى ختمها ثم قال ما لي أراكم سكوتا للجن كانوا أحسن ردا منكم ما قرأت عليهم هذه الآية من مرة فبأي آلاء ربكما تكذبان إلا قالوا لا بشيء من نعمك ربنا نكذب
وقوله سبحانه خلق الإنسان من صلصال كالفخار وخلق الجان من مارج من نار الآية اختلف في اشتقاق الصلصال فقيل هو من صل إذا أنتن فهي إشارة إلى الحمأة وقال الجمهور هو من صل إذا صوت وذلك في الطين لجودته فهي إشارة إلى ما كان في تربة أدم من الطين الحر وذلك أن الله تعالى خلقه من طين مختلف فمرة ذكر في خلقه هذا ومرة هذا وكل ما في القرآن صفات ترددت على التراب الذي خلق منه والفخار الطين الطيب إذا مسه الماء فخر أي ربا وعظم والجان اسم جنس كالجنة قال الفخر وفي الجان وجه آخر أنه أبو الجن كما أن الإنسان هنا أبو الإنس خلق من صلصال ومن بعده خلق من صلبه كذلك الجان هنا أبو الجن خلق من نار ومن بعده من ذريته انتهى والمارج اللهب المضطرب من النار قال ابن عباس وهو أحسن النار المختلط من ألوان شتى قال أبو حيان المارج المختلط من أصفر وأخضر وأحمر انتهى وكرر سبحانه قوله فبأي آلاء ربكما تكذبان تأكيدا وتنبيها للنفوس وتحريكا لها وهذه طريقة من الفصاحة معروفة وهي من كتاب الله في مواضع وفي حديث النبي ص - وفي كلام العرب وذهب قوم إلى أن هذا التكرار إنما هو لما اختلفت النعم المذكورة كرر التوقيف مع كل واحدة منها قال ع وهذا حسن وقال الحسين بن الفضل التكرار لطرد الغفلة وللتأكيد وخص سبحانه ذكر المشرقين والمغربين بالتشريف في إضافة الرب إليهما لعظمهما في المخلوقات ت وتحتمل الآية أن يراد بالمشرقين والمغربين وما بينهما كما هو في سورة الشعراء واختلف الناس في البحرين قال ع والظاهر عندي أن قوله تعالى البحرين يريد بهما

نوعي الماء العذب والأجاج أي خلطهما في الأرض وأرسلهما متداخلين في وضعهما في الأرض قريب بعضهما من بعض ولا بغي قال ع وذكر الثعالبي في مرج البحرين ألغازا وأقوالا باطنة يجب أن لا يلتفت إلى شيء منها ت ولا شك في اطراحها فمنها نقله عن الثوري مرج البحرين فاطمة وعلي اللؤلؤ والمرجان الحسن والحسين ثم تمادى في نحو هذا مما كان الأولى به تركه ومرج الشيء أي اختلط والبرزخ الحاجز قال البخاري لا يبغيان لا يختلطان انتهى قال ابن مسعود والمرجان حجر أحمر وهذا هو الصواب قال عطاء الخراساني وهو البسذ
وقوله سبحانه يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان قال جمهور من المتأولين إنما يخرج ذلك من الأجاج في المواضع التي تقع فيها الأنهار والمياه العذبة فلذلك قال منهما ت وهذا بناء على أن الضمير في منهما للعذب وللمالح وأما على قول من قال إن البحرين بحر فارس والروم أو بحر القلزم وبحر الشام فلا إشكال إذ كلها مالحة وقد نقل الأخفش عن قوم أنه يخرج اللؤلؤ والمرجان من المالح ومن العذب وليس لمن رده حجة قاطعة ومن أثبت أولى ممن نفى قال أبو حيان والضمير في منهما يعود على البحرين يعني العذب والمالح والظاهر خروج اللؤلؤ والمرجان منهما وحكاه الأخفش عن قوم انتهى والجواري جمع جارية وهي السفن وقرأ حمزة وأبو بكر المنشئات بكسر الشين أي اللواتي أنشأ جريهن أي ابتدأنه وقرأ الباقون بفتح الشين أي أنشأها الله أو الناس وقال مجاهد المنشآت ما رفع قلعه من السفن كالأعلام أي الجبال ت ولفظ البخاري المنشئات ما رفع قلعه من السفن فأما ما لا يرفع قلعه فليس بمنشئات انتهى
وقوله سبحانه كل من عليها أي على الأرض فان والإشارة بالفناء إلى جميع الموجودات على الرض من حيوان وغيره والوجه عبارة عن الذات لأن الجارحة منفية في حقه سبحانه قال الداودي وعن ابن عباس ذو

الجلال قال ذو العظمة والكبرياء انتهى
وقوله سبحانه يسأله من في السماوات والأرض أي من ملك وأنس وجن وغيرهم لا غنى لأحد منهم عنه سبحانه كلهم يسئله حاجته إما بلسان مقاله وإما بلسان حاله
وقوله سبحانه كل يوم هو في شأن أي يظهر شأنا من قدرته التي قد سبقت في الأزل في ميقاته من الزمان من إحياء وإماتة ورفعة وخفض وغير ذلك من الأمور التي لا يعلم نهايتها إلا هو سبحانه والشأن هو اسم جنس للأمور قال الحسين بن الفضل معنى الآية سوق المقادير إلى المواقيت وفي الحديث أن النبي ص - قرأ هذه الآية فقيل له ما هذا الشأن يا رسول الله قال يغفر ذنبا ويفرج كربا ويرفع قوما ويضع آخرين وذكر النقاش أن سبب هذه الآية قول اليهود استراح الله يوم السبت فلا ينفذ فيه شيأ
وقوله تعالى سنفرغ لكم أيه الثقلان عبارة عن إتيان الوقت الذي قدر فيه وقضى أن ينظر في أمور عباده وذلك يوم القيامة وليس المعنى أن ثم شغلا يتفرغ منه إذ لا يشغله سبحانه شان عن شان وإنما هي إشارة وعيد وتهديد قال البخاري وهو معروف في كلام العرب يقال لأفرغن لك وما به شغل انتهى والثقلان الإنس والجن يقال لكل ما يعظم أمره ثقل وقال جعفر بن محمد الصادق سمي الإنس والجن ثقلين لأنهما ثقلا بالذنوب قال ع وهذا بارع ينظر إلى خلقهما من طين ونار واختلف الناس في معنى قوله تعالى إن استطعتم أن تنفذوا الآية فقال الطبري قال قوم المعنى يقال لهم يوم القيامة يا معشر الجن والإنس إن استطعتم الآية قال الضحاك وذلك أنه يفر الناس في أقطار الأرض والجن كذلك لما يرون من هول يوم القيامة فيجدون سبعة صفوف من الملائكة قد أحاطت قد أحاطت بالأرض فيرجعون من حيث جاءوا فحينئذ يقال لهم يا معشر الجن والإنس وقال بعض المفسرين هي مخاطبة في الدنيا والمعنى إن استطعتم الفرار من الموت بأن تنفذوا من

أقطار السماوات والأرض فانفذوا ت والصواب الأول
وقوله فانفذوا صيغة أمر ومعناه التعجيز والشواظ لهب النار قاله ابن عباس وغيره قال أبو حيان الشواظ هو اللهب الخالص بغير دخان انتهى والنحاس هو المعروف قاله ابن عباس وغيره أي يذاب ويرسل عليهما ونحوه في البخاري قال ص وقال الخليل النحاس هنا هو الدخان الذي لا لهب له ونقله أيضا أبو البقاء وغيره انتهى
وقوله سبحانه فإذا انشقت السماء جواب إذا محذوف مقصود به الإبهام كأنه يقول فإذا انشقت السماء فما أعظم الهول قال قتادة السماء اليوم خضراء وهي يوم القيامة حمراء فمعنى قوله وردة أي محمرة كالوردة وهي النوار المعروف وهذا قول الزجاج وغيره
وقوله كالدهان قال مجاهد وغيره هو جمع دهن وذلك أن السماء يعتريها يوم القيامة ذوب وتميع من شدة الهول وقال ابن جريج من حر جهنم نقله الثعلبي وقيل غير هذا
وقوله فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان قال قتادة وغيره هي مواطن فلا تعارض بين الآيات
وقوله سبحانه فيؤخذ بالنواصي والأقدام قال ابن عباس يؤخذ كل كافر بناصيته وقدميه ويطوى ويجمع كالحطب ويلقى كذلك في النار وقيل المعنى أن بعض الكفرة يؤخذون بالنواصي وبعضهم يسحبون ويجرون بالأقدام
وقوله تعالى هذه جهنم أي يقال لهم على جهة التوبيخ وفي مصحف ابن مسعود هذه جهنم التي كنتما بها تكذبان لا تموتان فيها ولا تحييان
وقوله سبحانه يطوفون بينها وبين حميم آن المعنى أنهم يترددون بين نار جهنم وجمرها وبين حميم وهو ما غلي في جهنم من مائع عذابها وءان الشيء حضر وءان اللحم أو ما يطبخ أو يغلى نضج وتناهى حره وكونه من الثاني أبين
وقوله تعالى ولمن خاف مقام ربه أي موقفه بين يدي ربه قيل في هذه الآية إن كل خائف له جنتان ت قال الثعلبي قال محمد بن علي الترمذي جنة لخوفه من ربه وجنة

لتركه شهوته والأفنان يحتمل أن تكون جمع فنن وهو الغصن وهذا قول مجاهد فكأنه مدحها بظلالها وتكاثف أغصانها ويحتمل أن تكون جمع فن وهو قول ابن عباس فكأنه مدحها بكثرة فواكهها ونعيمها وزوجان معناه نوعات ت ونقل الثعلبي عن ابن عباس قال ما في الدنيا شجرة حلوة ولا مرة إلا وهي في الجنة حتى الحنظل إلا أنه حلو انتهى ومتكئين حال وقرأ الجمهور على فرش بضم الراء وروي في الحديث أنه قيل للنبي ص - هذه البطائن من استبرق فكيف الظواهر قال هي من نور يتلألأ والاستبرق ما خشن وحسن من الديباج والسندس ما رق منه وقد تقدم القول في لفظ الاستبرق والضمير في قوله فيهن للفرش وقيل للجنات إذ الجنتان جنات في المعنى والجنى ما يجني من الثمار ووصفه بالدنو لأنه يدنو إلى مشتهيه فيتناوله كيف شاء من قيام أو جلوس أو اضطجاع روي معناه في الحديث وقاصرات الطرف هن الحور قصرن الحاظهن على أزواجهن لم يطمثهن أي لم يفتضهن لأن الطمث دم الفرج
وقوله ولاجان
قال مجاهد الجن قد تجامع نساء البشر مع أزواجهن إذا لم يذكر الزوج اسم الله فنفى سبحانه في هذه الآية جميع المجامعات
وقوله تعالى كأنهن الياقوت والمرجان الآية الياقوت والمرجان هي من الأشياء التي قد برع حسنها واستشعرت النفوس جلالتها فوقع التشبيه بها فيما يشبه ويحسن بهذه المشبهات فالياقوت في املاسه وشفوفه ولو ادخلت فيه سلكا لرأيته من ورائه وكذلك المرأة من نساء الجنة

يرى مخ ساقها من وراء العظم والمرجان في إملاسه وجمال منظره
وقوله سبحانه هل جزاء الإحسان إلا الإحسان آية وعد وبسط لنفوس جميع المؤمنين لأنها عامة قال ابن المنكدر وابن زيد وجماعة من أهل العلم هي للبر والفاجر والمعنى أن جزاء من أحسن بالطاعة أن يحسن إليه بالتنعيم وحكى النقاش أن النبي ص - فسر هذه الآية هل جزاء التوجيد إلا الجنة ت ولو صح هذا الحديث لوجب الوقوف عنده ولكن الشان في صحته قال الفخر قوله تعالى هل جزاء الاحسان إلا الاحسان فيه وجوه كثيرة حتى قيل أن في القرآن ثلاث آيات في كل واحدة منها مائة قول إحداها قوله تعالى فاذكروني اذكركم وثانيتها وإن عدتم عدنا وثالثتها هل جزاء الاحسان إلا الاحسان ولنذكر الأشهر منها والأقرب أما الأشهر فوجوه أحدها هل جزاء التوحيد إلا الجنة أي هل جزاء من قال لا إله إلا الله إلا دخول الجنة ثانيها هل جزاء الاحسان في الدنيا إلا الاحسان في الآخرة ثالثها هل جزاء من أحسن اليكم بالنعم في الدنيا إلا أن تحسنوا له العبادة والتقوى وأما الأقرب فهو التعميم أي لأن لفظ الآية عام انتهى
وقوله سبحانه ومن دونهما جنتان قال ابن زيد وغيره معناه أن هاتين دون تينك في المنزلة والقرب فالأوليان للمقربين وهاتان لأصحاب اليمين وعن ابن عباس أن المعنى أنهما دونهما في القرب إلى المنعمين وأنهما أفضل من الأولين قال ع وأكثر الناس على التأويل الأول ت واختار الترمذي الحكيم التأويل الثاني وأطنب في الاحتجاج له في نوادر الأصول له وخرج البخاري هنا عن النبي ص - قال جنتان من فضة آنيتهما وما فيهما وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما الحديث وفيه أن في الجنة خيمة من لؤلؤة مجوفة عرضها ستون ميلا في كل زاوية منها أهل ما يرون الآخرين يطوف عليهم المؤمن انتهى ومد هامتان معناه قد علا

لونهما دهمة وسواد في النظرة والخضرة قال البخاري مدهامتان سوداوان من الري انتهى والنضاخة الفوارة التي يهيج ماؤها وكرر النخل والرمان وهما من أفضل الفاكهة تشريفا لهما وقالت أم سلمة قلت يا رسول الله أخبرني عن قول الله تعالى خيرات حسان قال خيرات الأخلاق حسان الوجوه وقرئى شاذا خيرات بشد الياء المكسورة ت وفي صحيح البخاري من حديث أنس عن النبي ص - لروحة في سبيل الله أو غدوة خير من الدنيا وما فيها ولقاب قوس أحدكم في الجنة أو موضع قيد سوطه خير من الدنيا وما فيها ولو أن امرأة من أهل الجنة اطلعت إلى أهل الأرض لأضاءت ما بينهما ولملأته ريحا ولنصيفها على رأسها يعني الخمار خير من الدنيا وما فيها
وقوله سبحانه مقصورات أي محجوبات مصونات في الخيام وخيام الجنة بيوت اللؤلؤ قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه هي در مجوف ورواه ابن مسعود عن النبي ص - قال الداودي وعن ابن عباس والخيمة لؤلؤة مجوفة فرسخ في فرسخ لها أربعة آلاف مصراع انتهى والرفرف ما تدلى من الأسرة من عالي الثياب والبسط وقاله ابن عباس وغيره وما يتدلى حول الخباء من الخرقة الهفافة يسمى رفرفا وكذلك يسميه الناس اليوم وقيل غير هذا وما ذكرناه أصوب والعبقري بسط حسان فيها صور وغير ذلك تصنع بعبقر وهو موضع يعمل فيه الوشي والديباج ونحوه قال ابن عباس العبقري الزرابي وقال ابن زيد هي الطنافس قال الخليل والأصمعي العرب إذا استحسنت شيأ واستجادته قالت عبقري قال ع ومنه قوله ص - في عمر فلم أر عبقريا من الناس يفري فريه
وقوله سبحانه تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام هذا الموضع مما أريد فيه بالاسم مسماه والدعاء بهاتين الكلمتين حسن مرجو الإجابة وقد قال ص - الظوا بيا ذا الجلال والإكرام

تفسير

سورة الواقعة

وهي مكية بإجماع ممن يعتد بقوله
روي عن النبي ص - أنه قال من دام على قراءة سورة الواقعة لم يفتقر أو قال لم تصبه فاقة أبدا قال ع لأن فيها ذكر القيامة وحظوظ الناس في الآخرة وفهم ذلك غنى لا فقر معه ومن فهمه شغل بالاستعداد
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله سبحانه إذا وقعت الواقعة الآية الواقعة اسم من أسماء القيامة قاله ابن عباس وقال الضحاك الواقعة الصيحة وهي النفخة في الصور وكاذبة يحتمل أن يكون مصدرا فالمعنى ليس لها تكذيب ولا رد ولا مثنوية وهذا قول مجاهد والحسن ويحتمل أن يكون صفة لمقدر كأنه قال ليس لوقعتها حال كاذبة
وقوله سبحانه خافضة رافعة قال قتادة وغيره يعني القيامة تخفض أقواما إلى النار وترفع أقواما إلى الجنة وقيل إن بانفطار السماوات والأرض والجبال وانهدام هذه البنية ترتفع طائفة من الأجرام وتنخفض أخرى فكأنها عبارة عن شدة هول القيامة ت والأول أبين وهو تفسير البخاري ومعنى رجت زلزلت وحركت بعنف قاله ابن عباس ومعنى بست فتت كما تبس البسيسة وهي السويق قاله ابن عباس وغيره وقال بعض اللغويين بست معناه سيرت والهباء ما يتطاير في الهواء من الأجزاء الدقيقة ولا يكاد يرى إلا في الشمس إذا دخلت من كوة قاله ابن عباس وغيره والمنبث بالثاء المثلثة الشائع في جميع الهواء

والخطاب في قوله وكنتم لجميع العالم والأزواج الأنواع قال قتادة هذه منازل الناس يوم القيامة
وقوله سبحانه فأصحاب الميمنة ابتداء وما ابتداء ثان وأصحاب الميمنة خبر ما والجملة خبر الابتداء الأول وفي الكلام معنى التعظيم كما تقول زيد ما زيد ونظير هذا في القرآن كثير والميمنة أظهر ما في اشتقاقها أنها من ناحية اليمين وقيل من اليمن وكذلك المشأمة إما أن تكون من اليد الشؤمي وإما أن تكون من الشؤم وقد فسرت الآية بهذين المعنيين
وقوله تعالى والسابقون ابتداء والسابقون الثاني قال سيبويه هو خبر الأول وهذا على معنى تفخيم الأمر وتعظيمه وقال بعض النحاة السابقون الثاني نعت للأول ومعنى الصفة أن تقول والسابقون إلى الإيمان السابقون إلى الجنة والرحمة أولئك ويتجه هذا المعنى على الابتداء والخبر
وقوله أولئك المقربون ابتداء وخبر وهو في موضع الخبر على قول من قال السابقون الثاني صفة والمقربون معناه من الله سبحانه في جنة عدن فالسابقون معناه الذين قد سبقت لهم السعادة وكانت أعمالهم في الدنيا سبقا إلى أعمال البر وإلى ترك المعاصي فهذا عموم في جميع الناس وخصص المفسرون في هذه أشياء تفتقر إلى سند قاطع وروي أن النبي ص - سئل عن السابقين فقال هم الذين إذا أعطوا الحق قبلوه وإذا سئلوه بذلوه وحكموا للناس بحكمهم لأنفسهم والمقربون عبارة عن أعلى منازل البشر في الآخرة قال جماعة من أهل العلم هذه الآية متضمنة أن العالم يوم القيامة على ثلاثة أصناف
وقوله سبحانه ثلة من الأولين وقليل من الآخرين الثلثة الجماعة قال الحسن بن أبي الحسن وغيره المراد السابقون من الأمم والسابقون من هذه الأمة وروي أن الصحابة حزنوا لقلة سابقي هذه الأمة على هذا التأويل فنزلت الآية ثلة من الأولين وثلة من الآخرين فرضوا وروي عن عائشة أنها تأولت أن الفرقتين في أمة كل نبىء هي في الصدر ثلة وفي آخر الأمة قليل وقال النبي

ص - فيما روي عنه الفرقتان في أمتي فسابق أول الأمة ثلة وسابق سائرها إلى يوم القيامة قليل قال السهيلي وأما آخر من يدخل الجنة وهو آخر أهل النار خروجا منها فرجل اسمه جهينة فيقول أهل الجنة تعالوا نسئله فعند جهينة الخبر اليقين فيسلونه هل بقي في النار أحد بعدك ممن يقول لا إله إلا الله وهذا حديث ذكره الدارقطني من طريق مالك بن أنس يرفعه بإسناد إلى النبي ص - ذكره في كتاب رواه مالك بن أنس رحمه الله انتهى
وقوله تعالى على على سرر موضونة أي منسوجة بتركيب بعض أجزائها على بعض كحلق الدرع ومنه وضين الناقة وهو حزامها قال ابن عباس موضونة مرمولة بالذهب وقال عكرمة مشبكة بالدر والياقوت يطوف عليهم للخدمة ولدان وهو صغار الخدمة ووصفهم سبحانه بالخلد وإن كان جميع ما في الجنة كذلك إشارة إلى أنهم في حال الولدان مخلدون لا تكبر لهم سن أي لا يحولون من حالة إلى حالة وقاله ابن كيسان وقال الفراء مخلدون معناه مقرطون بالخلدات وهي ضرب من الأقراط والأول أصوب لأن العرب تقول للذي كبر ولم يشب أنه لمخلد والأكواب ما كان من أواني الشرب لا أذن له ولا خرطوم قال قتادة ليست لها عرى والإبريق ما له خرطوم والكأس الآنية المعدة للشرب بشريطة أن يكون فيها خمر ولا يقال لأنية فيها ماء أو لبن كأس
وقوله من معين قال ابن عباس معناه من خمر سائلة جارية معينة
وقوله لا يصدعون عنها ذهب أكثر المفسرين إلى أن المعنى لا يلحق رءوسهم الصداع الذي يلحق من خمر الدنيا وقال قوم معناه لا يفرقون عنها بمعنى لا تقطع عنهم لذتهم بسبب من الأسباب كما يفرق أهل خمر الدنيا بأنواع من التفريق ولا ينزفون معناه لا تذهب عقولهم سكرا قاله مجاهد وغيره والنزيف السكران وباقي الآية بين وخص المكنون باللؤلؤ لأنه أصفى لونا وأبعد عن الغير وسألت أم سلمة رسول

الله ص - عن هذا التشبيه فقال صفاؤهن كصفاء الدر في الأصداف الذي لا تمسه الأيدي وجزاء بما كانوا يعملون أي أن هذه الرتب والنعيم هي لهم بحسب أعمالهم لأنه روي أن المنازل والقسم في الجنة هي مقتسمة على قدر الأعمال ونفس دخول الجنة هو برحمة الله وفضله لا بعمل عامل كما جاء في الصحيح
وقوله تعالى إلا قيلا سلاما سلاما قال أبو حيان إلا قيلا سلاما سلاما الظاهر أن الاستثناء منقطع لأنه لا يندرج في اللغو والتأثيم وقيل متصل وهو بعيد انتهى قال الزجاج وسلاما مصدر كأنه يذكر انه يقول بعضهم لبعض سلاما سلاما ت قال الثعلبي والسدر شجر النبق ومخضود أي مقطوع الشوك قال ع ولأهل تحرير النظر هنا إشارة في أن هذا الخذد بإزاء أعمالهم التي سلموا منها إذ أهل اليمين توابون لهم سلام وليسوا بسابقين قال الفخر وقد بان لي بالدليل أن المراد بأصحاب اليمين الناجون الذين أذنبوا وأسرفوا وعفا الله تعالى عنهم بسبب أدنى حسنة لا الذين غلبت حسناتهم وكثرت انتهى والطلح من العضاة شجر عظيم كثير الشوك وصفه في الجنة على صفة مباينة لحال الدنيا ومنضود معناه مركب ثمره بعضه على بعض من أرضه إلى أعلاه وقرأ علي رضي الله عنه وغيره وطلع فقيل لعلي إنما هو وطلح فقال ما للطلح والجنة قيل له أنصلحها في المصحف فقال أن المصحف اليوم لا يهاج ولا يغير وقال علي أيضا وابن عباس الطلح الموز والظل الممدود معناه الذي

تنسخه شمس وتفسير ذلك في قوله ص - أن في الجنة شجرة يسير الراكب الجواد المضمر في ظلها مائة سنة لا يقطعها واقرءوا إن شئتم وظل ممدود إلى غير هذا من الأحاديث في هذا المعنى ت وفي صحيحي البخاري ومسلم عن النبي ص - أن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة سنة لا يقطعها ولقاب قوس أحدكم في الجنة خير مما طلعت عليه الشمس أو تغرب انتهى وماء مسكوب أي جار في غير أخدود لا مقطوعة ولا ممنوعة أي لا مقطوعة بالأزمان كحال فاكهة الدنيا ولا ممنوعة بوجه من الوجوه التي تمتنع بها فاكهة الدنيا والفرش الأسرة وعن أبي سعيد الخدري أن في ارتفاع السرير منها مسيرة خمس مائة سنة ت وهذا إن ثبت فلا بعد فيه إذ أحوال الآخرة كلها خرق وعادة وقال أبو عبيدة وغيره أراد بالفرش النساء ومرفوعة معناه في الأقدار والمنازل وأنشأناهن معناه خلقناهن شيئا بعد شيئ وقال النبي ص - في تفسير هذه الآية هن عجائزكن في الدنيا عمشا رمصا جعلهن الله بعد الكبر أترابا وقال للعجوز أن الجنة لا يدخلها العجوز فحزنت فقال إنك إذا دخلت الجنة أنشئت خلقا آخر
وقوله سبحانه فجعلناهن أبكار قيل معناه دائمة البكارة متى عاود الوطء وجدها بكرا والعرب جمع عروب وهي المتحببة إلى زوجها بإظهار محتبه قاله ابن عباس وعبر عنهن ابن عباس أيضا بالعواشق وقال زيد العروب الحسنة الكلام ت قال البخاري والعروب يسميها أهل مكة العربة وأهل المدينة الغنجة وأهل العراق الشكلة انتهى
وقوله أترابا معناه في الشكل والقد قال قتادة أترابا يعني سنا واحدة ويروى أن أهل الجنة هم على قد ابن أربعة عشر عاما في الشباب والنضرة وقيل على مثال أبناء ثلاث وثلاثين سنة مردا بيضا مكحلين زاد الثعلبي على خلق ءادم طوله ستون ذراعا في سبعة أذرع
وقوله سبحانه ثلة من الأولين وثلة من الآخرين قال الحسن بن أبي

الحسن وغيره الأولون سالف الأمم منهم جماعة عظيمة أصحاب يمين والأخرون هذه الأمة منهم جماعة عظيمة أهل يمين قال ع بل جميعهم الأمن كان من السابقين وقال قوم من المتأولين هاتان الفرقتان في أمة محمد وروى ابن عباس عن النبي ص - أنه قال الثلتان من أمتي وروى ابن المبارك في رقائقه عن النبي ص - أنه قال إن أمتى ثلثا أهل الجنة والناس يومئذ عشرون ومائة صف وإن أمتي من ذلك ثمانون صفا انتهى
وقوله سبحانه وأصحاب الشمال الآية في الكلام بمعنى الانحاء عليهم وتعظيم مصائبهم والسموم أشد ما يكون من الحر اليابس الذي لا بلل معه والحميم السخن جدا من الماء الذي في جهنم واليحموم هو الدخان الأسود يظل اهل النار قاله ابن عباس والجمهور وقيل هو سرادق النار المحيط باهلها فإنه يرتفع من كل ناحية حتى يظلهم وقيل هو جبل في النار أسود
وقوله ولا كريم معناه ليس له صفة مدح قال الثعلبي وعن ابن المسيب ولا كريم أي ولا حسن نظيره من كل زوج كريم وقال قتادة لا بارد النزل ولا كريم المنظر وهو الظل الذي لا يغني من اللهب انتهى والمترف المنعم في سرف وتخوض ويصرون معناه يعتقدون اعتقادا لا ينزعون عنه والحنث الآثم وقال الثعلبي وكانوا يصرون يقيمون على الحنث العظيم أي الذنب انتهى ونحوه للبخاري وهو حسن نحو ما في الرسالة قال قتادة وغيره والمراد بهذا الإثم العظيم الشرك وباقي الآية في استبعادهم للبعث وقد تقدم بيانه
وقوله سبحانه ثم إنكم أيها الضالون مخاطبة لكفار قريش ومن كان في حالهم ومن في قوله من زقوم لبيان الجنس والضمير في منها عائد على الشجر والضمير في عليه عائد على المأكول والهيم قال ابن عباس وغيره جمع أهيم وهو الجمل الذي أصابه الهيام بضم الهاء وهو داء معطش يشرب معه الجمل حتى يموت أو يسقم سقما شديدا وقال قوم

هو جمع هائم وهو أيضا من هذا المعنى لأن الجمل إذا أصابه ذلك الداء هام على وجهه وذهب وقال ابن عباس أيضا وسفيان الثوري الهيم الرمال التي لا تروى من الماء والنزل أول ما يأكل الضيف والدين الجزاء
وقوله سبحانه أفرأيتم ما تمنون الآية وليس يوجد مفطور يخفي عليه أن المني الذي يخرج منه ليس له فيه عمل ولا إرادة ولا قدرة وقرأ الجمهور قدرنا وقرأ ابن كثير وحده قدرنا بتخفيف الدال فيحتمل أن يكون المعنى فيهما قضينا وأثبتنا ويحتمل أن يكون بمعنى سوينا قال الثعلبي عن الضحاك أي سوينا بين أهل السماء وأهل الأرض
وقوله وما نحن بمسبوقين أي على تبديلكم إن أردناه وإن ننشئكم بأوصاف لا يصلها علمكم ولا يحيط بها فكركم قال الحسن من كونهم قردة وخنازير لأن الآية تنحو إلى الوعيد والنشأة الأولى قال أكثر المفسرين إشارة إلى خلق آدم وقيل المراد نشأة الإنسان في طفولته وهذه الآية نص في استعمال القياس والحض عليه وعبارة الثعلبي ويقال النشأة الأولى نطفة ثم علقة ثم مضغة ولم يكونوا شيا فلولا أي فهلا تذكرون أني قادر على إعادتكم كما قدر على إبدائكم وفيه دليل على صحة القياس لآن علمهم سبحانه الاستدلال بالنشأة الأخرى انتهى
وقوله سبحانه أنتم تزرعونه أي زرعا يتم أم نحن وروي أبو هريرة عن النبي ص - أنه قال لا تقل زرعت ولكن قلت حرثت ثم تلا أبو هريرة هذه الآية والحطام اليابس المتفتت من النبات الصائر إلى ذهاب وبه شبه حطام الدنيا وتفكهون قال ابن عباس وغيره معناه تعجبون أي مما نزل بكم وقال ابن زيد معناه تتفجعون قال ع وهذا كله تفسير لا يخص اللفظة والذي يخص اللفظة هو تطرحون الفكاهة عن أنفسكم وقولهم أنا لمغرمون قبله محذوف تقديره يقولون وقرأ عاصم الجحدري أإنا لمغرمون بهمزتين على الاستفهام والمعنى يحتمل أن يكون انا لمغرمون من الغرام وهو أشد العذاب ويحتمل أنا لمحملون

الغرم أي غرمنا في النفقة وذهب زرعنا وقد تقدم تفسير المحروم وأنه الذي تبعد عنه ممكنات الرزق بعد قربها منه وقال الثعلبي المحروم ضد المرزوق انتهى والمزن هو السحاب والاجاج أشد المياه ملوحة وتورون معناه تقتدحون من الأزند تقول أوريت النار من الزناد والزناد قد يكون من حجر وحديدة ومن شجر لا سيما في بلاد العرب ولا سيما في الشجر الرخو كالمرخ والعفار والكلخ وما اشبهه ولعادة العرب فى ازنادهم من شجر قال تعالى أأنتم أنشأتم شجرتها أي التي تقدح منها أم نحن المنشؤن نحن جعلناها يعني نار الدنيا تذكرة للنار الكبرى نار جهنم قاله مجاهد وغيره والمتاع ما ينتفع به والمقوين في هذه الآية الكائنين في الأرض القواء وهي الفيافي ومن قال معناه للمسافرين فهو نحو ما قلناه وهي عبارة ابن عباس رضي الله عنه تقول أقوى الرجل إذا دخل أن الأرض القواء
وقوله سبحانه فلا أقسم بمواقع النجوم الآية قال بعض النحاة لا زائدة والمعنى فاقسم وزيادتها في بعض المواضع معروفة وقرأ الحسن وغيره فلا قسم من غير ألف وقال بعضهم لا نافية كأنه قال فلا صحة لما يقوله الكفار ثم ابتدأ اقسم بمواقع النجوم والنحوم هنا قال ابن عباس وغيره هي نجوم القرءان وذلك أنه روي أن القرءان نزل في ليلة القدر إلى سماء الدنيا وقيل إلى البيت المعمور جملة واحدة ثم نزل بعد ذلك على النبي ص - نجوما مقطعة مدة من عشرين سنة قال ع ويؤيده عود الضمير على القرءان في قوله إنه لقرءان كريم وقال كثير من المفسرين بل النجوم هنا هي الكواكب المعروفة ثم اختلف هؤلاء في مواقعها فقيل غروبها وطلوعها وقيل مواقعها عند انقضاضها أثر العفاريت
وقوله وإنه لقسم تأكيد
وقوله لو تعلمون اعتراض
وقوله إنه لقرءان كريم هو الذي وقع القسم عليه
وقوله في كتاب مكنون الآية المكنون المصون قال ابن عباس وغيره أراد الكتاب الذي في السماء قال الثعلبي

ويقال هو اللوح المحفوظ
وقوله لا يمسه إلا المطهرون يعني الملائكة وليس في الآية على هذا التأويل تعرض لحكم مس المصحف لسائر بني آدم وقال بعض المتأولين أراد بالكتاب مصاحف المسلمين ولم تكن يومئذ فهو إخبار بغيب مضمنه النهي فلا يمس المصحف من بني آدم الا الطاهر من الكفر والحدث وفي كتاب رسول الله ص - لعمرو بن حزم لا يمس القرءان إلا طاهر وبه أخذ مالك وقرأ سلمان إلا المطهرون بكسر الهاء
وقوله تعالى أفبهذا الحديث يعني القرءان المتضمن البعث ومدهنون معناه يلاين بعضكم بعضا ويتبعه في الكفر مأخوذ من الدهن للينه وإملاسه وقال ابن عباس المداهنة هي المهاودة فيما لا يحل والمداراة هي المهاودة فيما يحل ونقل الثعلبي أن ادهن وداهن بمعنى واحد وأصله من الدهن انتهى
وقوله سبحانه وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون أجمع المفسرون على أن الآية توبيخ للقائلين في المطر الذي ينزله الله تعالى رزقا للعباد هذا بنوء كذا والمعنى وتجعلون شكر رزقكم وحكى الهيثم بن عدي أن من لغة ازد شنوءة ما رزق فلان بمعنى ما شكر وكان علي يقرأ وتجلون شكركم أنكم تكذبون وكذلك قرأ ابن عباس ورويت عن النبي ص - وقد أخبر الله سبحانه فقال ونزلنا من السماء ماء مباركا فأنبتنا به جنات وحب الحصيد والنخل باسقات لها طلع نضيد رزقا للعباد فهذا معنى قوله أنكم تكذبون أي بهذا الخبر قال ع والمنهي عنه هو أن يعتقد أن للنجوم تأثيرا في المطر
وقوله سبحانه فلولا إذابلغت الحلقوم يعنى بلغت نفس الانسان والحلقوم مجرى الطعام وهذه الحال هي نزع المرء للموت
وقوله وأنتم إشارة إلى جميع البشر حينئذ أي وقت النزع تنظرون إليه وقال الثعلبي وأنتم حينئذ تنظرون إلى أمري وسلطاني يعني تصريفه سبحانه في الميت انتهى والأول عندي أحسن وعزاه الثعلبي لابن عباس ونحن

أقرب إليه منكم أي بالقدرة والعلم ولا قدرة لكم على دفع شيء عنه وقيل المعنى وملائكتنا أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرونهم على التأويل الأول من البصر بالقلب فلولا إن كنتم غير مدينين أي مملوكين أذلاء والمدين المملوك هذا أصح ما يقال في هذه اللفظة هنا ومن عبر عنها بمجازي أو بمحاسب فذلك هنا قلق والمملوك مقلب كيف شاء المالك ومن هذا الملك قول الأخطل ... رتب وربا في حجرها ابن مدينة ... تراه على مسحاته يتركل ...
أراد ابن أمة مملوكة وهو عبد يخدم الكرم وقد قيل في معنى البيت أنه أراد أكارا حضريا فنسبه إلى المدينة فمعنى الآية فهل لا ترجعون النفس البالغة الحلقوم إن نتم غير مملوكين مقهورين
وقوله ترجعونها سد مسد الأجوبة والبيانات التي تقتضيها التحضيضات
وقوله تعالى فأما إن كان من القربين الآية ذكر سبحانه في هذه الآية حال الآزواج الثلاثة المذكورين في أول السورة وحال كل امرئي منهم فأما المرء من السابقين المقربين فيلقى عند موته روحا وريحانا والروح الرحمة والسعة والفرح ومنه لا تيأسوا من روح الله والريحان الطيب وهو دليل النعيم وقال مجاهد الريحان الرزق وقال الضحاك الريحان الاستراحة قال ع الريحان ما تنبسط إليه النفوس ونقل الثعلبي عن أبي العالية قال لا يفارق أحد من المقربين الدنيا حتى يوتي بغصن من ريحان الجنة فيشمه ثم يقبض روحه فيه ونحوه عن الحسن انتهى فإن أردت يا أخي اللحوق بالمقربين والكون في زمرة السابقين فاطرح عنك دنياك واقبل على ذكر مولاك واجعل الآن الموت نصب عينيك قال الغزالي وإنما علامة التوفيق أن يكون الموت نصب عينيك لا تغفل عنه ساعة فليكن الموت على بالك يا مسكين فإن السير حاث بك وأنت غافل عن نفسك ولعلك قد قاربت المنزل وقطعت المسافة فلا يكن اهتمامك إلا بمبادرة العمل اغتناما لك نفس أمهلت فيه انتهى من الأحياء قال ابن المبارك

في رقائقه أخبرنا سفيان عن ليث عن مجاهد قال ما من ميت يموت الأعرض عليه أهل مجلسه إن كان من أهل الذكر فمن أهل الذكر وإن كان من أهل اللهو فمن أهل اللهو انتهى
وقوله تعالى فسلام لك من أصحاب اليمين عبارة تقتضي جملة مدح وصفة تخلص وحصول عال من المراتب والمعنى ليس في أمرهم إلا السلام والنجاة من العذاب وهذا كما تقول في مدح رجل أما فلان فناهيك به فهذا يقتضي جملة غير مفصلة من مدحه وقد اضطربت عبارات المتأولين في قوله تعالى فسلام لك فقال قوم المعنى فيقال له سلام لك إنك من أصحاب اليمين وقال الطبري فسلام لك أنت من أصحاب اليمين وقيل المعنى فسلام لك يا محمد أي لا ترى فيهم إلا السلامة من العذات ت ومن حصلت له السلامة من العذاب فقد فاز دليله فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز قال ع فهذه الكاف في لك إما أن تكون للنبي عليه السلام وهو الأظهر ثم لكل معتبر فيها من أمته وأما أن تكون لمن يخاطب من أصحاب اليمين وغير هذا مما قيل تكلف ونقل الثعلبي عن الزجاج فسلام لك أي أنك ترى فيهم ما تحب من السلامة وقد علمت ما أعد الله لهم من الجزاء بقوله في سدر مخضود الآيات
والمكذبون الضالون هم الكفار أصحاب الشمال والمشئمة والنزول أول شيء يقدم للضيف والتصلية أن يباشر بهم النار والجحيم معظم النار وحيث تراكمها إن هذا لهو حق اليقين المعنى أن هذا الخبر هو نفس اليقين وحقيقته
وقوله تعالى فسبح باسم ربك العظيم عبارة تقتضي الأمر بالأعراض عن أقوال الكفار وسائر أمور الدنيا المختصة بها وبالإقبال على أمور الآخرة وعبادة الله تعالى والدعاء إليه ت وعن جابر بن عبد الله قال قال النبي ص - من قال سبحان الله العظيم وبحمده غرست له نخلة في الجنة رواه الترمذي والنساءي والحاكم وابن حبان في صحيحيهما وقال الحاكم صحيح

على شرط مسلم وعند النساءي شجرة بدل نخلة وعن النعمان بن بشير قال قال رسول الله ص - أن مما تذكرون من جلال الله التسبيح والتهليل والتحميد ينعطفن حول العرش لهن دوي كدوي النحل تذكر بصاحبها أما يحب أحدكم أن يكون ألا يزال له من يذكر به ورواه أيضا ابن المبارك في رقائقه عن كعب وفيه ايضا عن كعب أنه قال أن للكلام الطيب حول العرش دويا كدوي النحل يذكرن بصاحبهن انتهى وعن أبي هريرة أن النبي ص - مر به وهو يغرس غرسا فقال يا أبا هريرة ما الذي تغرس قلت غراسا قال ألا أدلك على غراس خير من هذا سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر يغرس لك بكل واحدة شجرة في الجنة روى هذين الحديثين ابن ماجه واللفظ له والحاكم في المستدرك وقال في الأول صحيح على شرط مسلم انتهى من السلاح وروى عقبة بن عامر قال لما نزلت فسبح باسم ربك العظيم قال النبي ص - اجعلوها في ركوعكم فلما نزلت سبح اسم ربك الأعلى قال اجعلوها في سجودكم فيحتمل أن يكو المعنى سبح الله بذكر أسمائه العلا والاسم هنا بمعنى الجنس أي بأسماء ربك والعظيم صفة للرب سبحانه وقد يحتمل أن يكون الاسم هنا واحدا مقصودا ويكون العظيم صفة له فكأنه أمره أن يسبحه باسمه الأعظم وإن كان لم ينص عليه ويؤيد هذا ويشير إليه اتصال سورة الحديد وأولها فيها التسبيح وجملة من أسماء الله تعالى وقد قال ابن عباس اسم الله الأعظم موجود في ست آيات من أول سورة الحديد فتأمل هذا فإنه من دقيق النظر ولله تعالى في كتابه العزيز غوامض لا تكاد الأذهان تدركها

تفسير

سورة الحديد

وهي مدنية ويشبه صدرها أن يكون مكيا
روي عن ابن عباس أن اسم الله الأعظم هو في ست آيات من أول سورة الحديد وروي أن الدعاء بعد قراءتها مستجاب
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله عز و جل سبح لله ما في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم قال أكثر المفسرين التسبيح هنا هو التنزيه المعروف في قولهم سبحان الله وهذا عندهم إخبار بصيغة الماضي مضمنه الدوام والاستمرار ثم اختلفوا هل هذا التسبيح حقيقة أو مجاز على معنى أن أثر الصنعة فيها تنبه الراءي على التسبيح قال الزجاج وغيره والقول بالحقيقة أحسن وهذا كله في الجمادات وأما ما يمكن التسبيح منه فقول واحد أن تسبيحهم حقيقة
وقوله تعالى هو الأول أي الذي ليس لوجوده بداية مفتتحة والآخر الدائم الذي ليس له نهاية منقضية قال أبو بكر الوراق هو الأول بالأزلية والآخر بالأبدية والظاهر معناه بالأدلة ونظر العقول في صنعته والباطن بلطفه وغوامض حكمته وباهر صفاته التي لا تصل إلى معرفتها على ما هي عليه الأوهام وباقي الآية تقدم تفسير نظيره
وقوله تعالى وهو معكم أين ما كنتم معناه بقدرته وعلمه وإحاطته وهذه آية جمعت الأمة على هذا التأويل فيها وباقي الآية بين
وقوله سبحانه آمنوا بالله ورسوله والآية أمر للمؤمنين بالثبوت على الإيمان ويروى أن هذه الآية نزلت

في غزوة العسرة قاله الضحاك وقال الإشارة بقوله فالذين آمنوا منكم وأنفقوا إلى عثمان بن عفان يريد ومن في معناه كعبد الرحمن بن عوف وغيره
وقوله مما جعلكم مستخلفين فيه تزهيد وتنبيه على أن الأموال إنما تصير إلى الإنسان من غيره ويتركها لغيره وليس له من ذلك الا ما أكل فأفنى أو تصدق فأمضى ويروى أن رجلا مر بأعرابي له إبل فقال له يا أعرابي لمن هذه الإبل قال هي لله عندي فهذا موفق مصيب أن صحب قوله عمله
وقوله سبحانه وما لكم لا تؤمنون بالله الآية توطئة لدعائهم رضي الله عنهم لأنهم أهل هذه الرتب الرفيعة وإذا تقرر ان الرسول يدعوهم وأنهم ممن أخذ الله ميثاقهم فيكف يمتنعون من الإيمان
وقوله إن كنتم مؤمنين أي إن دمتم على إيمانكم والظلمات الكفر والنور الإيمان وباقي الآية وعد وتأنيس
وقوله تعالى ومالكم لا تنفقوا في سبيل الله ولله ميراث السموات والأرض المعنى وما لكم أن لا تنفقوا في سبيل الله وأنتم تموتون وتتركون أموالكم فناب مناب هذا القول قوله ولله ميراث السموات والأرض وفيه زيادة تذكير بالله وعبرة وعنه يلزم القول الذي قدرناه
وقوله تعالى لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح الآية الأشهر في هذه الآية أنها نزلت بعد الفتح واختلف في الفتح المشار إليه فقال أبو سعيد الخدري والشعبي هو فتح الحديبية وقال قتادة ومجاهد وزيد بن أسلم هو فتح مكة الذي أزال الهجرة قال ع وهذا هو المشهور الذي قال فيه النبي ص - لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية وحكم الآية باق غابر الدهر من أنفق في وقت حاجة السبيل أعظم أجرا ممن أنفق مع استغناء السبيل والحسنى الجنة قاله مجاهد وقتادة والقرض السلف والتضعيف من الله تعالى هو في الحسنات وقد مر ذكر ذلك والأجر الكريم الذييقترن به رضى وإقبال هذا معنى الدعاء بيا كريم العفو أي إن مع عفوه رضى وتنعيما
وقوله

سبحانه يوم ترى المؤمينن المؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم الآية العامل في يوم قوله وله أجر كريم والرؤية هنا رؤية عين والجمهور أن النور هنا هو نور حقيقة وقد روي في هذا عن ابن عباس وغيره أثار مضمنها أن كل مؤمن ومظهر للإيمان يعطي يوم القيامة نوار فيطفأ نور كل منافق ويبقى نور المؤمنون حتى أن منهم من نوره يضيء كما بين مكة وصنعاء رفعه قتادة إلى النبي ص - ومنهم من نوره كالنخلة السحوق ومنهم من نوره يضيء ما قرب من قدميه قاله ابن مسعود ومنهم من يهم بالانطفاء مرة ويبين مرة على قدر المنازل في الطاعة والمعصية قال الفخر قال قتادة ما من عبد إلا وينادي يوم القيامة يا فلان هذا نورك يا فلان لا نور لك نعوذ بالله من ذلك واعلم أن العلم الذي هو نور البصيرة أولى بكونه نورا من نور البصر وإذا كان كذلك ظهر أن معرفة الله تعالى هي النور في القيامة فمقادير الأنوار يوم القيامة على حسب مقادير المعارف في الدنيا اننتهى ونحوه للغزالي وخص تعالى بين الأيدي بالذكر لأنه موضع حاجة الإنسان إلى النور واختلف في قوله تعالى وبأيمانهم فقال بعض المتأولين المعنى وعن إيمانهم فكأنه خص ذكر جهة اليمين تشريفا وناب ذلك مناب أن يقول وفي جميع جهاتهم وقال جمهور المفسرين المعنى يسعى نورهم بين أيديهم يريد الضوء المنبسط من أصل النور وبإيمانهم أصله والشيء الذي هو متقد فيه فتضمن هذا القول أنهم يحملون الأنوار وكونهم غير حاملين أكرم الأتري أن فضيلة عباد بن بشر وأسيد بن حضير غنما كانت بنور لا يحملانه هذا في الدنيا فكيف بالآخرة ت وفيما قاله ع عندي نظر وأيضا فأحوال الآخرة لا تقاس على احوال الدنيا وقوله تعالى بشراكم أي يقال بشراكم جنات أي دخول جنات ت وقد جاءت بحمد الله أثار بتبشير هذه الأمة المحمدية وخرج ابن ماجه قال أخبرنا جبارة بن المغلس قال حدثنا عبد الأعلى عن أبي بردة

عن أبيه قال قال النبي ص - إذا جمع الله الخلائق يوم القيامة أذن لأمة محمد ص - في السجود فسجدوا طويلا ثم يقال ارفعوا رءوسكم فقد جعلنا عدتكم فداءكم من النار قال ابن ماجه وحدثنا جبارة بن المغلس حدثنا كثير بن سليمان عن أنس بن مالك قال قال النبي ص - أن هذه الأمة أمة مرحومة عذابها بأيديها فإذا كان يوم القيامة دفع إلى كل رجل من المسلمين رجل من المشركين فيقال هذا فداؤك من النار وفي صحيح مسلم دفع الله لكل مسلم يهوديا أو نصرانيا فيقول هذا فداؤك من النار انتهى من التذكرة
وقوله تعالى يوم يقول المنافقون قيل يوم هو بدل من الأول وقيل العامل فيه اذكر قال ع ويظهر لي أن العامل فيه قوله تعالى ذلك هو الفوز العظيم ويجيء معنى الفوز أفخم كأنه يقول إن المؤمنين يفوزون بالرحمة يوم يعتري المنافقين كذا وكذا لأن ظهور المرء يوم خمول عدوه ومضاده ابدع وأفخم وقول المنافقين هذه المقالة المحكية هو عند انطفاء أنوارهم كما ذكرنا قبل وقولهم انظرونا معناه انتظرونا وقرأ حمزة وحده انظرونا بقطع الألف وكسر الظاء ومعناه أخرونا منه فنظرة إلى ميسرة ومعنى قولهم أخرونا أي أخروا مشيكم لنا حتى نلتحق فنقتبس من نوركم واقتبس الرجل أخذ من نور غيره قبسا قال الفخر القبس الشعلة من النار والسراج والمنافقون طمعوا في شيء من أنوار المؤمنين وهذا منهم جهل لأن تلك الأنوار نتائج الأعمال الصالحة في الدنيا وهم لم يقدموها قال الحسن يعطى يوم القيامة كل أحد نورا على قدر عمله ثم يؤخذ من حجر جهنم ومما فيها من الكلاليب والحسك ويلقى على الطريق ثم تمضي زمرة من المؤمنين وجوههم كالقمر ليلة البدر ثم تمضي زمرة أخرى كأضوأ كوكب في السماء ثم على ذلك ثم تغشاهم ظلمة تطفىء نور المنافقين فهنالك يقول المنافقون للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم انتهى

وقوله تعالى قيل ارجعوا وراءكم يحتمل أن يكون من قول المؤمنين لهم ويحتمل أن يكون من قول الملائكة والقول لهم فالتمسوا نورا هو على معنى التوبيخ لهم أي أنكم لا تجدونه ثم أعلم تعالى أنه يضرب بينهم في هذه الحال بسور حاجز فيبقى المنافقون في ظلمة وعذاب
وقوله تعالى باطنه فيه الرحمة أي جهة المؤمنين وظاهره جهة المنافقين والظاهر هنا البادي ومنه قول الكتاب من ظاهر مدينة كذا وعبارة الثعلبي فضرب بينهم بسور وهو حاجز بين الجنة والنار قال أبو أمامة الباهلي فيرجعون إلى المكان الذي قسم فيه النور فلا يجدون شيئا فينصرفون إليهم وقد ضرب بينهم بسور قال قتادة حائط بين الجنة والنار له باب باطنه فيه الرحمة يعني الجنة وظاهره من قبله العذاب يعني النار انتهى قال ص قال أبو البقاء الباء في بسور زائدة وقيل ليست بزائدة قال أبو حيان والضمير في باطنه عائد على الباب وهو الأظهر لأنه الأقرب وقيل على سور أبو البقاء والجملة صفة لباب أو لسور انتهى
وقوله تعالى ينادونهم معناه ينادي المنافقون المؤمنين ألم نكن معكم في الدنيا فيرد المؤمنون عليهم بلى كنتم معنا ولكن عرضتم أنفسكم للفتنة وهي حب العاجل والقتال عليه قال مجاهد فتنتم أنفسكم بالنفاق وتربصتم معناه هنا بأيمانكم فأبطأتم به حتى متم وقال قتادة معناه تربصتم بنا وبمحمد ص - الدوائر وشككتم والارتياب التشكك والأماني التي غرتهم وهي قولهم سيهلك محمد هذا العام ستهزمه قريش ستأخذه الأحزاب إلى غير ذلك من أمانيهم وطول الأمل غرار لكل أحد وأمر الله الذي جاء هو الفتح وظهور الإسلام وقيل هو موتهم على النفاق الموجب للعذاب والغرور الشيطان بإجماع المتأولين وينبغي لكل مؤمن أن يعتبر هه الآية في نفسه وتسويفه في توبته واعلم أيها الأخ أن الدنيا غرارة للمقبلين عليها فإن أردت الخلاص والفوز بالنجاة فازهد فيها وأقبل على ما يعنيك من إصلاح دينك

والتزود لآخرتك وقد روى ابن المبارك في رقائقه عن أبي الدرداء أنه قال يعني لأصحابه لئن حلفتم لي على رجل منكم أنه أزهدكم لأحلفن لكم أنه خيركم وروى ابن المبارك بسنده عن النبي ص - أنه قال يبعث الله تبارك وتعالى يوم القيامة عبدين من عباده كانا على سيرة واحدة أحدهما مقتور عليه والآخر موسع عليه فيقبل المقتور عليه إلى الجنة ولا ينثني عنها حتى ينتهي إلى أبوابها فيقول حجبتها إليك إليك فيقول إذن لا أرجع قال وسيفه في عنقه فيقول أعطيت هذا السيف في الدنيا أجاهد به فلم أزل مجاهدا به حتى قبضت وأنا على ذلك فيرمي بسيفه إلى الخزنة وينطلق لا يثنونه ولا يحبسونه عن الجنة فيدخلها فيمكث فيها دهرا ثم يمر به أخوه الموسع عليه فيقول له يا فلان ما حبسك فيقول ما خلي سبيلي إلا الآن ولقد حبست ما لو أن ثلاثمائة بعير أكلت خمطا لا يردن إلا خمسا وردن على عرقي لصدرن منه ريا انتهى
وقوله تعالى فاليوم لا يؤخذ منكم فدية الآية استمرار في مخاطبة المنافقين قال قتادة وغيره
وقوله تعالى هي مولاكم قال المفسرون معناه هي أولى بكم وهذا تفسير بالمعنى وإنما هي استعارة لأنها من حيث تضمهم وتباشرهم هي تواليهم وتكون لهم مكان المولى وهذا نحو قول الشاعر
... تحية بينهم ضرب وجيع ...
وقوله تعالى ألم يأن ابتداء معنى مستأنف ومعنى ألم يأن ألم يحن يقال أنى الشيء يأنى إذا حان وفي الآية معنى الحض والتقريع قال ابن عباس عوتب المؤمنون بهذه الآية وهذه الآية كانت سبب توبة الفضيل وابن المبارك والخشوع الإخبات والتطامن وهي هيئة تظهر في الجوارح متى كان في القلب ولذلك خص تعالى القلب بالذكر وروى شداد بن أوس عن النبي ص - أنه قال أول ما يرفع من الناس الخشوع
وقوله تعالى لذكر الله أي لأجل ذكر الله تعالى ووحيه أو لأجل تذكير الله إياهم

وأوامره فيهم والإشارة في قوله أوتوا الكتاب إلى بني إسرائيل المعاصرين لموسى عليه السلام ولذلك قال من قبل وإنما شبه أهل عصبي نبي بأهل عصر نبي
وقوله فطال عليهم الأمد قيل معناه أمد الحياة وقيل أمد انتظار القيامة قال الفخر قال مقاتل ابن حيان الأمد هنا الأمل أي لما طالت آمالهم لا جرم قست قلوبهم انتهى وباقي الآية بين
وقوله تعالى اعلموا أن الله يحيي الأرض بعد موتها الآية مخاطبة لهؤلاء المؤمنين الذين ندبوا إلى الخشوع وهذا ضرب مثل واستدعاء إلى الخير برفق وتقريب بليغ أي لا يبعد عندكم أيها التاركون للخشوع رجوعكم إليه وتلبسكم به فإن الله يحيي الأرض بعد موتها فكذلك يفعل بالقلوب يردها إلى الخشوع بعد بعدها عنه وترجع هي إليه إذا وقعت الإنابة والتكسب من العبد بعد نفورها منها كما يحيي الأرض بعد أن كانت ميتة وباقي الآية بين والمصدقين يعني به المتصدقين وباقي الآية بين ت وقد جاءت آثار صحيحة في الحض على الصدقة قد ذكرنا منها جملة في هذا المختصر وأسند مالك في الموطأ عن النبي ص - أنه قال يا نساء المؤمنات لا تحقرن إحداكن لجارتها ولو كراع شاة محرق في الموطأ عنه ص - ردوا السائل ولو بظلف محرق قال ابن عبد البر في التمهيد ففي هذا الحديث الحض على الصدقة بكل ما أمكن من قليل الأشياء وكثيرها وفي قول الله عز و جل فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره أوضح الدلائل في هذا الباب وتصدقت عائشة رضي الله عنها بحبتين من عنب فنظر إليها بعض أهل بيتها فقالت لا تعجبن فكم فيها من مثقال ذرة ومن هذا الباب قوله ص - اتقوا النار ولو بشق تمرة ولو بكلمة طيبة وإذا كان الله عز و جل يربي الصدقات ويأخذ الصدقة بيمينه فيربيها كما يربي أحدنا فلوه أو فصيله فما بال من عرف هذا يغفل عنه وما التوفيق إلا بالله انتهى من التمهيد وروى ابن المبارك في رقائقه قال أخبرنا حرملة بن عمران

أنه سمع يزيد بن أبي حبيب يحدث أن أبا الخير حدثه أنه سمع عقبة بن عامر يقول سمعت رسول الله ص - يقول كل امرىء في ظل صدقته حتى يفصل بين الناس قال يزيد فكان أبو الخير لا يخطئه يوم إلا تصدق فيه بشيء ولو كعكة أو بصلة أو كذا انتهى والصديقون بناء مبالغة من الصدق أو من التصديق على ما ذكر الزجاج
وقوله تعالى والشهداء عند ربهم اختلف في تأويله فقال ابن مسعود وجماعة والشهداء معطوف على الصديقين والكلام متصل ثم اختلفت هذه الفرقة في معنى هذا الاتصال فقال بعضهما وصف الله المؤمنين بأنهم صديقون وشهداء فكل مؤمن شهيد قاله مجاهد وروى البراء بن عازب أن النبي ص - قال مؤمنوا أمتي شهداء وتلا رسول الله ص - هذه الآية وإنما خص ص - ذكر الشهداء السبعة تشريفا لهم لأنهم في أعلى رتب الشهادة ألا ترى أن المقتول في سبيل الله مخصوص أيضا من السبعة بتشريف ينفرد به وقال بعضها الشهداء هنا من معنى الشاهد لا من معنى الشهيد فكأنه قال هم أهل الصدق والشهداء على الأمم وقال ابن عباس ومسروق والضحاك الكلام تام في قوله الصديقون وقوله والشهداء ابتداء مستأنف ثم اختلفت هذه الفرقة في معنى هذا الاستيناف فقال بعضها معنى الآية والشهداء بأنهم صديقون حاضرون عند ربهم وعنى بالشهداء الأنبياء عليهم السلام ت وهذا تأويل بعيد من لفظ الآية وقال بعضها قوله والشهداء ابتداء يريد به الشهداء في سبيل الله واستأنف الخبر عنهم بأنهم عند ربهم لهم أجرهم ونورهم فكأنه جعلهم صنفا مذكورا وحده ت وأبين هذه الأقوال الأول وهذا الأخير وإن صح حديث البراء لم يعدل عنه قال أبو حيان والظاهر أن الشهداء مبتدأ خبره ما بعده انتهى
وقوله تعالى ونورهم قال الجمهور ههو حقيقة حسبما تقدم
وقوله سبحانه اعلموا إنما الحياة

الدنيا لعب ولهو هذه الآية وعظ وتبيين لأمر الدنيا وضعة منزلتها والحياة الدنيا في هذه الآية عبارة عن الأشغال والتصرفات والفكر التي هي مختصة بالحياة الدنيا وأما ما كان من ذلك في طاعة الله وما كان في الضرورات التي تقيم الأود وتعين على الطاعات فلا مدخل له في هذه الآية وتأمل حال الملوك بعد فقرهم يبن لك أن جميع ترفههم لعب ولهو والزينة التحسين الذي هو خارج عن ذات الشيء والتفاخر بالأموال والأنساب وغير ذلك على عادة الجاهلية ثم ضرب الله عز و جل مثل الدنيا فقال كمثل غيث الآية وصورة هذا المثال أن الإنسان ينشأ في حجر مملكة فما دون ذلك فيشب في النعمة ويقوى ويكسب المال والولد ويغشاه الناس ثم يأخذ بعد ذلك في انحطاط ويشيب ويضعف ويسقم وتصيبه النوائب في ماله وذريته ويموت ويضمحل أمره وتصير أمواله لغيره وتتغير رسومه فأمره مثل مطر أصاب أرضا فنبت عن ذلك الغيث نبات معجب أنيق ثم هاج أي يبس واصفر ثم تحطم ثم تفرق بالرياح واضمحل
وقوله أعجب الكفار أي الزراع فهو من كفر الحب أي ستره وقيل يحتمل أن يعني الكفار بالله لأنهم أشد إعجابا بزينة الدنيا ثم قال تعالى وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة الآية كأنه قال والحقيقة ها هنا وذكر العذاب أولاتهما به من حيث الحذر في الإنسان ينبغي أن يكون أولا فإذا تحرز من المخاوف مد حينئذ أمله فذكر تعالى ما يحذر قبل ما يطمع فيه وهو المغفرة والرضوان وعبارة الثعلبي ثم يهيج أي يجف وفي الآخرة عذاب شديد لأعداء الله ومغفرة لأوليائه وقال الفراء وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة أي إما عذاب شديد وإما مغفرة وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور هذا تزهيد في العمل للدنيا وترغيب في العمل للآخرة انتهى وهو حسن وعن طارق قال قال رسول الله ص - نعمت الدار الدنيا لمن تزول منها لآخرته وبيست الدار لمن صدته عن آخرته

وقصرت به عن رضا ربه فإذا قال العبد قبح الله الدنيا قالت الدنيا قبح الله أعصانا لربه رواية الحاكم في المستدرك انتهى من السلاح ولا يشك عاقل أن حطام الدنيا مشغل عن التأهب للآخرة قال أبو عمر بن عبد البر في كتاب فضل العلم وقد روي مرفوعا لكل أمة فتنة وفتنة أمتي المال قال أبو عمر ثم نقول إن الزهد في الحلال وترك الدنيا مع القدرة عليها أفضل من الرغبة فيها في حلالها وهذا ما لا خلاف فيه بين علماء المسلمين قديما وحديثا والآثار الواردة عن الصحابة والتابعين ومن بعدهم من علماء المسلمين في فضل الصبر والزهد فيها وفضل القناعة والرضا بالكفاف والاقتصار على ما يكفي دون التكاثرالذي يلهي ويطغى أكثر من أن يحيط بها كتاب أو يشمل عليها باب والذين زوى الله عنهم الدنيا من الصحابة أكثر من الذين فتحها عليهم أضعافا مضاعفة وقد روينا عن عبد الرحمن بن عوف أنه لما حضرته الوفاة بكى بكاء شديدا وقال كان مصعب بن عمير خيرا مني توفي ولم يترك ما يكفن فيه وبقيت بعده حتى أصبت من الدنيا وأصابت مني ولا أحسبني إلا سأحبس عن أصحابي بما فتح الله علي من ذلك وجعل يبكي حتى فاضت نفسه وفارق الدنيا رحمة الله عليه فإن ظن ظان جاهل أن الاستكثار من الدنيا ليس به بأس أو غلب عليه الجهل فظن أن ذلك أفضل من طلب الكفاف منها وشبه عليه بقول الله تعالى ووجدك عائلا فأغنى فيما عدده سبحانه على نبيه ص - من نعمه عنده فإن ذلك ليس كما ظن بل ذلك غنى القلب دلت على ذلك الآثار الكثيرة كقوله عليه السلام ليس الغنى عن كثرة العرض وإنما الغنى غنى النفس انتهى
وقوله سبحانه سابقوا إلى مغفرة من ربكم الآية لما ذكر تعالى المغفرة اتي في الآخرة ندب في هذه الآية إلى المسارعة إليها والمسابقة وهذه الآية حجة عند جميع العلماء في الندب إلى الطاعات وقد استدل بها بعضهم على أن أول أوقات الصلوات أفضل لأنه

يقتضي المسارعة والمسابقة وذكر سبحانه العرض من الجنة إذ المعهود أنه أقل من الطول وقد ورد في الحديث أن سقف الجنة العرش وورد في الحديث أن السموات السبع في الكرسي كالدرهم في الفلاة وأن الكرسي في العرش كالدرهم في الفلاة ت أيها الأخ أمرك المولى سبحانه بالمسابقة والمسارعة رحمة منه وفضلا فلا تغفل عن امتثال أمره وإجابة دعوته
... السباق السباق قولا وفعلا ... حذر النفس حسرة المسبوق ...
ذكر صاحب معالم الإيمان وروضات الرضوان في مناقب صلحاء القيروان قال ومنهم أبو خالد عبد الخالق المتعبد كان كثير الخوف والحزن وبالخوف مات رأى يوما خيلا يسابق بها فتقدمها فرسان ثم تقدم أحدهما على الآخر ثم جد التالي حتى سبق الأول فتخقق عبد الخالق الناس حتى وصل إلى الفرس السابق فجعل يقبله ويقول بارك الله فيك صبرت فظفرت ثم سقط مغشيا عليه انتهى
وقوله سبحانه ما أصاب من مصيبة في الأرض الآية قال ابن زيد وغيره المعنى ما حدث من حادث خير وشر فهذا على معنى لفظ أصاب لا على عرف المصيبة فإن عرفها في الشر وقال ابن عباس ما معناه أنه أراد عرف المصيبة فقوله في الأرض يعني بالقحوط والزلازل وغير ذلك وفي أنفسكم بالموت والأمراض وغير ذلك
وقوله إلا في كتاب معناه إلا والمصيبة في كتاب ونبرأها معناه نخلقها يقال برأ الله الخلق أي خلقهم والضمير عائد على المصيبة وقيل على الأرض وقيل على الأنفس قاله ابن عباس وجماعة وذكر المهدوي جواز عود الضمير على جميع ما ذكر وهي كلها معان صحاح أن ذلك على الله يسير يريد تحصيل الأشياء كلها في كتاب وقال الثعلبي وقيل المعنى إن خلق ذلك وحفظ جميعه على الله يسير انتهى
وقوله لكيلا تأسوا معناه فعل الله هذا كله وأعلمكم به ليكون سبب تسليتكم وقلة اكتراثكم بأمور الدنيا فلا

تحزنوا على فائت ولا ترفحوا الفرح المبطر يما ءاتاكم منها قال ابن عباس ليس أحد إلا يحزن أو يفرح ولكن من أصابته مصيبة فليجعلها صبرا ومن أصابه خير فليجعله شكرا وفي صحيح مسلم عن أبي سعيد وأبي هريرة أنهما سمعا رسول الله ص - يقول ما يصيب المسلم من وصب ولا نصب ولا سقم ولا حزن حتى الهم يهمه إلا كفر به من سيئاته وفي صحيح مسلم عن عائشة قالت سمعت رسول الله ص - يقول ما من مسلم يشاك شوكة فما فوقها إلا كتبت له بها درجة ومحيت عنه بها خطيئة وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال لما نزلت من يعمل سوءا يجز به بلغت من المسلمين مبلغا شديدا فقال رسول الله ص - سددوا وقاربوا ففي كل ما يصاب به المسلم كفارة حتى النكبة ينكبها والشوكة يشاكها انتهى وقد تقدم كثير في هذا المختصر من هذا المعنى فالله المسئول أن ينفع به كل من حصله أو نظر فيه
وقوله تعالى والله لا يحب كل مختال فخور يدل على أن الفرح المنهي عنه إنما هو ما أدى إلى الاختيال والفخر وأما الفرح بنعم الله المقترن بالشكر والتواضع فإنه لا يستطيع أحد دفعه عن نفسه ولا حرج فيه والله أعلم
وقوله الذين يبخلون قال بعضهم هو خبر مبتدأ محذوف تقديره هم الذين يبخلون وقال بعضهم هو في موضع نصب صفة لكل وإن كان نكرة فهو يخصص نوعا ما فيسوغ لذلك وصفه بالمعرفة وهذا مذهب الأخفش والكتاب هنا اسم جنس لجميع الكتب المنزلة والميزان العدل في تأويل الأكثرين
وقوله تعالى وأنزلنا الحديد عبر سبحانه عن خلقه الحديد بالإنزال كما قال وأنزل لكم من الأنعام الآية قال جمهور من المفسرين الحديد هنا أراد به جنسه من المعادن وغيرها وقال حذاق من المفسرين أراد به السلاح ويترتب معنى الآية بأن الله أخبر أنه أرسل وأنزل كتبا وعدلا مشروعا وسلاحا يحارب به

من عاند ولم يقبل هدى الله إذ لم يقبل له عذر وفي الآية على هذا التأويل حض على القتال في سبيل الله وترغيب فيه
وقوله وليعلم الله من ينصره يقوي هذا التأويل
وقوله بالغيب معناه بما سمع من الأوصاف الغائبة عنه فآمن بها وباقي الآية بين
وقوله سبحانه وقفينا معناه جئنا بهم بعد الأولين وهو مأخوذ من القفا أي جيء بالثاني في قفا الأول فيجيء الأول بين يدي الثاني وقد تقدم بيانه وقوله سبحانه وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة ورهبانية الجعل في هذه الآية بمعنى الخلق
وقوله ابتدعوها صفة لرهبانية وخصها بأنا ابتدعت لأن الرأفة والرحمة في القلب لا تكسب للإنسان فيها وأما الرهبانية فهي أفعال بدن مع شيء في القلب ففيها موضع للتكسب ونحو هذا عن قتادة والمراد بالرأفة والرحمة حب بعضهم في بعض وتوادهم والمراد بالرهبانية رفض النساء واتخاذ الصوامع والديارات والتفرد للعبادات وهذا هو ابتداعهم ولم يفرض الله ذلك عليهم لكنهم فعلوا ذلك ابتغاء رضوان الله هذا تأويل جماعة وقرأ ابن مسعود ما كتبناها عليهم لكن ابتدعوها وقال مجاهد المعنى كتبناها عليهم ابتغاء رضوان الله فالاستثناء على هذا متصل واختلف في الضمير الذي في قوله فما رعوها من المراد به فقال ابن زيد وغيره هو عائد على الذين ابتدعوا الرهبانية وفي هذا التأويل لزوم الإتمام لكل من بدأ بتطوع ونفل وأنه يلزمه أن يرعاه حق رعيه وقال الضحاك وغيره الضمير للأخلاف الذين جاءوا بعد المبتدعين لها وروينا في كتاب الترمذي عن كثير بن عبد الله المزني عن أبيه عن جده أن النبي ص - قال لبلال بن الحارث اعلم قال ما أعلم يا رسول الله قال اعلم يا بلال قال ما أعلم يا رسول الله قال أنه من أحيا سنة من سنتي قد أميتت بعدي فإن له من الأجر مثل من عمل بها من غير أن ينقص من أجورهم شيئا ومن ابتدع ضلالة لا يرضى الله ورسوله بها كان عليه مثل آثام من عمل بها لا ينقص

ذلك من أوزار الناس شيئا قال أبو عيسى هذا حديث حسن انتهى
وقوله تعالى يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله قالت فرقة الخطاب بهذه الآية لأهل الكتاب ويؤيده الحديث الصحيح ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وآمن بي الحديث وقال آخرون الخطاب للمؤمنين من هذه الأمة ومعنى آمنوا برسوله أي اثبتوا على ذلك ودوموا عليه يؤتكم كفلين أي نصيبين بالإضافة إلى ما كان الأمم قبل يعطونه قال أبو موسى كفلين ضعفين بلسان الحبشة والنور هنا إما أن يكون وعدا بالنور الذي يسعى بين الأيدي يوم القيامة وإما أن يكون استعارة للهدى الذي يمشي به في طاعة الله
وقوله تعالى ليلا يعلم أهل الكتاب الا يقدرون على شيء من فضل الله الآية روي أنه لما نزل هذا الوعد المتقدم للمؤمنين حسدهم أهل الكتاب على ذلك وكانت اليهود تعظم دينها وأنفسها وتزعم أنهم أحباء الله وأهل رضوان فنزلت هذه الآية معلمة أن الله فعل ذلك وأعلم به ليعلم أهل الكتاب أنهم ليسوا كما يزعمون ولا في قوله ليلا زائدة وقرأ ابن عباس والجحدري ليعلم أهل الكتاب وروى إبراهيم التيمي عن ابن عباس كي يعلم وروي عن حطان الرقاشي أنه قرأ لان يعلم
وقوله تعالى ألا يقدرون معناه أنهم لا يملكون فضل الله ولا يدخل تحت قدرهم وباقي الآية بين

تفسير

سورة المجادلة

وهي مدنية
إلا أن النقاش حكى أن قوله تعالى ما يكون من نجوى ثلاثة الآية مكي
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله عز و جل قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها الآية اختلف الناس في اسم هذه المرأة على أقوال واختصار ما رواه ابن عباس والجمهور أن أوس بن الصامت الأنصاري أخا عبادة بن الصامت ظاهر من امرأته خولة بنت خويلد وكان القهار في الجاهلية يوجب عندهم فرقة مؤبدة فلما فعل ذلك أوس جاءت زوجته رسول الله ص - فقالت يا رسول الله إن أوسا أكل شبابي ونثرت له بطني فلما كبرت ومات أهلي ظاهر مني فقال رسول الله ص - ما أراك إلا حرمت عليه فقالت يا رسول الله لا تفعل فإني وحيدة ليس لي أهل سواه فراجعها رسول الله ص - بمثل مقالته فراجعته فهذا هو جدالها وكانت في خلال جدالها تقول اللهم إليك أشكو حالي وانفرادي وفقري وروي أنها كانت تقول اللهم إن لي منه صبية صغارا إن ضممتهم إليه ضاعوا وإن ضممتهم إلي جاعوا فهذا هو اشتكاؤها إلى الله فنزلت الآية فبعث النبي ص - في أوس وأمره بالتكفير فكفر بالإطعام وأمسك أهله قال ابن العربي في أحكامه والأشبه في اسم هذه المرأة أنها خولة بنت ثعلبة امرأة أوس بن الصامت وعلى هذا اعتمد الفخر قال الفخر هذه الواقعة تدل على أن من انقطع رجاؤه من الخلق ولم يبق له في مهمه أحد إلا الخالق كفاه الله ذلك المهم انتهى والمحاورة مراجعة القول ومعاطاته

وفي مصحف ابن مسعود تحاورك في زوجها والظهار قول الرجل لامرأته أنت علي كظهر أمي يريد في التحريم كأنها إشارة إلى الركوب إذ عرفه في ظهور الحيوان وكان أهل الجاهلية يفعلون ذلك فرد الله بهذه الآية على فعلهم وأخبر بالحقيقة من أن الأم هي الوالدة وأما الزوجة فلا يكون حكمها حكم الأم وجعل الله سبحانه القول بالظهار منكرا وزورا فهو محرم لكنه إذا وقع لزم هكذا قال فيه أهل العلم لكن تحريمه تحريم المكروهات جدا وقد رجى الله تعالى بعده بأنه عفو غفور مع الكفارة
وقوله سبحانه ثم يعودون الآية ت اختلف في معنى العود والعود في الموطأ العزم على الوطء والإمساك معا وفي المدونة العزم على الوطء خاصة
وقوله تعالى من قبل أن يتماسا قال الجمهور وهذا عام في نوع المسيس الوطء والمباشرة فلا يجوز لمظاهر أن يطأ ولا أن يقبل أو يلمس بيده أو يفعل شيئا من هذا النوع إلا بعد الكفارة وهذا قول مالك رحمه الله
وقوله تعالى ذلكم توعظون به إشارة إلى التحذير أي فعل ذلك عظة لكم لتنتهوا عن الظهار
وقوله سبحانه فمن لم يستطع قال الفخر الاستطاعة فوق الوسع والوسع فوق الطاعة فالاستطاعة هي أن يتمكن الإنسان من الفعل على سبيل السهولة انتهى وفروع الظهار مستوفاة في كتب الفقه فلا نطيل بذكرها
وقوله سبحانه ذلك لتؤمنوا بالله ورسوله الآية إشارة إلى الرخصة والتسهيل في النقل من التحريم إلى الصوم والإطعام ثم شدد سبحانه بقوله وتلك حدود الله أي فالتزموها ثم توعد الكافرين بقوله وللكافرين عذاب أليم
وقوله سبحانه إن الذين يحادون الله ورسوله كبتوا الآية نزلت في قوم من المنافقين واليهود كانوا يتربصون برسول الله ص - وبالمؤمنين الدوائر ويتمنون فيهم المكروه ويتناوجون بذلك وكبت الرجل إذا بقي خزيان يبصر ما يكره ولا يقدر على دفعه وقال قوم منهم أبو عبيدة أصله كبدوا أي أصابهم داء في أكبادهم فأبدلت

الدال تاء وهذا غير قوي والذين من قبلهم منافقوا الأمم الماضية ولفظ البخاري كبتوا أحزنوا
وقوله تعالى وللكافرين عذاب مهين يوم يبعثهم الله العامل في يوم قوله مهين ويحتمل أن يكون فعلا مضمرا تقديره اذكره
وقوله تعالى إلا هو رابعهم أي بعلمه وإحاطته وقدرته وعبارة الثعلبي إلا هو رابعهم يعلم ويسمع نجواهم يدل على ذلك افتتاح الآية وخاتمتها انتهى
وقوله تعالى ألم تر إلى الذين نهوا عن النجوى ثم يعودون الآية قال ابن عباس نزلت في اليهود والمنافقين وإذا جاؤوك حيوك هو قولهم السام عليكم يريدون الموت ثم كشف الله تعالى خبث طويتهم والحجة التي إليها يستروحون وذلك أنهم كانوا يقولون لو كان محمد نبيئا لعذبنا بهذه الأقوال التي تسيئه وجهلوا أن أمرهم مؤخر إلى عذاب جهنم
وقوله تعالى يا أيها الذين آمنوا إذا تناجيتم الآية وصية منه سبحانه للمؤمنين أن لا يتناجوا بمكروه وذلك عام في جميع الناس إلى يوم القيامة
وقوله إنما النجوى أي بالإثم من الشيطان وقرأ نافع وأهل المدينة ليحزن بضم الياء وكسر الزاي والفعل مسند إلى الشيطان وقرأ أبو عمرو وغيره ليحزن بفتح الياء وضم الزاي ثم أخبر تعالى أن الشيطان أو التناجي الذي هو منه ليس بضار أحدا إلا أن يكون ضر بإذن الله أي بأمره وقدره ثم أمر بتوكيل المؤمنين عليه تبارك وتعالى
وقوله تعالى يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجلس الآية وقرأ عاصم في المجالس قال زيد بن أسلم وقتادة هذه الآية نزلت بسبب تضايق الناس في مجلس النبي ص - وذلك أنهم كانوا يتنافسون في القرب منه وسماع كلامه والنظر إليه فيأتي الرجل الذي له الحق والسن والقدم في الإسلام فلا يجد مكانا فنزلت بسبب ذلك وروى أبو هريرة أن النبي ص - قال لا يقم أحد من مجلسه ثم يجلس فيه الرجل ولكن تفسحوا يفسح الله لكم قال جمهور العلماء سبب نزول الآية مجلس النبي ص

ثم الحكم مطرد في سائر المجالس التي هي للطاعات ومنه قوله ص - أحبكم إلى الله ألينكم مناكب في الصلاة وركبا في المجالس وهذا قول مالك رحمه الله وقال ما أرى الحكم إلا يطرد في مجالس العلم ونحوها غابر الدهر قال ع فالسنة المندوب إليها هي التفسح والقيام منهي منه في حديث النبي ص - حيث نهى أن يقوم الرجل فيجلسه الآخر مكانه ت وقد روى أبو داود في سننه عن سعيد بن أبي الحسن قال جاءنا أبو بكرة في شهادة فقام له رجل من مجلسه فأبى أن يجلس فيه وقال إن رسول الله ص - نهى عن ذلك ونهى أن يمسح الرجل يده بثوب من لم يكسه وروى أبو داود عن ابن عمر قال جاء رجل إلى النبي ص - فقام له رجل من مجلسه فذهب ليجلس فيه فنهاه رسول الله ص - انتهى قال ع فأما القيام إجلالا فجائز بالحديث وهو قوله عليه السلام حين أقبل سعد بن معاذ قوموا إلى سيدكم وواجب على المعظم أن لا يجب ذلك ويأخذ الناس به لقوله عليه السلام من أحب أن يتمثل له الناس قياما فليتبوأ مقعده من النار ت وفي الاحتجاج بقضية سعد نظر لأنها احتفت بها قرائن سوغت ذلك انظر السير وقد أطنب صاحب المدخل في الإنحاء والرد على المجيزين للقيام والسلامة عندي ترك القيام
وقوله تعالى يفسك الله لكم معناه في رحمته وجنته ص يفسح مجزوم في جواب الأمر انتهى وإذا قيل انشزوا معناه ارتفعوا وقوموا فافعلوا ذلك ومن رياض الصالحين للنووي وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله ص - قال لايحل للرجل أن يفرق بين اثنين إلا بإذنهما رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن وفي رواية لأبي داود لا يجلس بين رجلين إلا بإذنهما وعن حذيفة رضي الله عنه أن رسول الله ص - لعن من جلس وسط الحلقة رواه أبو داود بإسناد حسن وروى الترمذي عن أبي

مجلز أن رجلا قعد وسط الحلقة فقال حذيفة ملعون على لسان محمد ص - أو لعن الله على لسان محمد ص - من جلس وسط الحلقة قال الترمذي حديث حن صحيح انتهى
وقوله سبحانه يرفع الله الذين آمنوا منكم الآية قال جماعة المعنى يرفع الله المؤمنين العلماء درجات فلذلك أمر بالتفسح من أجلهم وقال آخرون المعنى يرفع الله المؤمنين ولعلماء الصنفين جميعا درجات لكنا نعلم تفاضلهم في الدرجات من مواضع أخر فلذلك جاء الأمر بالتفسح عاما للعلماء وغيرهم وقال ابن مسعود وغيره يرفع الله الذين آمنوا منكم وهنا تم الكلام ثم ابتدأ بتخصيص العلماء بالدرجات ونصبهم بإضمار فعل فللمؤمنين رفع على هذا التأويل وللعلماء درجات وعلى هذا التأويل قال مطرف بن عبد الله بن الشخير فضل العلم أحب إلي من فضل العبادة وخير دينكم الورع وروى البخاري وغيره عن أبي موسى عن النبي ص - قال مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضا فكان منها طائفة قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير وكانت منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا وأصاب منها طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ فذلك مثل من فقه في دين الله عز و جل ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلم ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ولم يقبل هدى الله عز و جل الذي أرسلت به انتهى
وقوله تعالى يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم ارسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة ذلك خير لكم وأطهر روي عن ابن عباس وقتادة في سببها أن قوما من شباب المؤمنين وإغفالهم كثرت مناجاتهم للنبي ص - في غير حاجة وكان ص - سمحا لا يرد أحدا فنزلت هذه الآية مشددة عليهم وقال مقاتل نزلت في الأغنياء لأنهم غلبوا الفقراء على مناجاة النبي ص - ومجالسته قال جماعة من

الرواة نسخت هذه الآية قبل العمل بها لكن استقر حكمها بالعزم عليه وصح عن علي أنه قال ما عمل بها أحد غيري وأنا كنت سبب الرخصة والتخفيف عن المسلمين قال ثم فهم رسول الله ص - أن هذه العبادة قد شقت على الناس فقال لي يا علي كم ترى أن يكون جد هذه الصدقة أتراه دينارا قلت لا قال فنصف دينار قلت لا قال فكم حبة من شعير قال إنك لزهيد فأنزل الله الرخصة يريد للواجدين وأما من لم يجد فالرخصة له ثابتة بقوله فإن لم تجدوا قال الفخر قوله عليه السلام لعلي إنك لزهيد معناه إنك قليل المال فقدرت على حسب حالك انتهى
وقوله سبحانه ءأشفقتم الآية الإشفاق هنا الفزع من العجر عن الشيء المتصدق به أو من ذهاب المال في الصدقة
وقوله فأقيموا الصلاة الآية المعنى دوموا على هذه الأعمال التي هي قواعد شرعكم ومن قال إن هذه الصدقة منسوخة بآية الزكاة فقوله ضعيف
وقوله تعالى ألم تر إلى الذين تولوا نزلت في قوم من المنافقين تولوا قوما من الهيود وهم المغضوب عليهم قال الطبري ما هم منكم يريد به المنافقين ولا منهم أي ولا من اليهود وهذا التأويل يجري مع قوله تعالى مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء كالشاة العائرة بين الغنمين وتحتمل الآية تأويلا آخر وهو أن يكون قوله ما هم يريد به اليهود ولا منهم يريد به المنافقين ويحلفون يعني المنافقين وقرأ الحسن اتخذوا إيمانهم بكسر الهمزة والجنة ما يتستر به ثم أخبر تعالى عن المنافقين في هذه الآية أنه ستكون لهم إيمان يوم القيامة بين يدي الله تعالى يخيل إليهم بجهلهم أنها تنفعهم وتقبل منهم وهذا هو حسابهم أنهم على شيء أي على شيء نافع لهم
وقوله تعالى استحوذ عليهم الشيطان معناه تملكهم من كل جهة وغلب على نفوسهم وحكي أن عمر قرأ استحاذ ثم قضى تعالى على محاده بالذل وباقي الآية بين
وقوله سبحانه لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون

من حاد الله ورسوله الآية نفت هذه الآية أن يوجد من يومن بالله حق الإيمان ويلتزم شعبه على الكمال يواد كافرا ومنافقا وكتب في قلوبهم الإيمان معناه أثبته وخلقه بالإيجاد
وقوله أولائك إشارة إلى المؤمنين الذين يقتضيهم معنى الآية لأن المعنى لكنك تجدهم لا يوادون من حاد الله
وقوله تعالى بروح منه معناه بهدى منه ونور وتوفيق إلا هي ينقدح لهم من القرءان وكلام النبي ص - والحزب الفريق وباقي الآية بين
تفسير

سورة الحشر

وهي مدنية
باتفاق
وهي سورة بني النضير وذلك أنهم كانوا عاهدوا النبي ص - وهم يرون أنه لا ترد له راية فلما كان شأن أحد وما أكرم الله به المسلمين ارتابوا وداخلوا قريشا وغدروا فلما رجع النبي ص - من أحد حاصرهم حتى أجلاهم عن أرضهم فارتحلوا إلى بلاد مختلفة خيبر والشام وغير ذلك ثم كان أمر بني قريظة مرجعه من الأحزاب
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى سبح لله ما في السموات وما في الأرض وهو العزيز الحكيم الآية تقدم الكلام في تسبيح الجمادات والذين كفروا من اهل الكتاب هم بنو النضير
وقوله لأول الحشر قال الحسن بن أبي الحسن وغيره يريد حشر القيامة أي هذا أوله والقيام من القبور آخره وقال عكرمة وغيره المعنى لأول موضع

الحشر وهو الشام وذلك أن أكثرهم جاء إلى الشام وقد روي أن حشر القيامة هو إلى بلاد الشام
وقوله سبحانه ما ظننتم أن يخرجوا يريد لمنعتهم وكثرة عددهم
وقوله تعالى يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين أي كلما هدم المسلمون من تحصينهم في القتال هدموا هم من البيوت ليجبروا الحصن ت والحاصل أنهم يخربون بيوتهم حسا ومعنى اما حسا فواضح واما معنى فبسوء رأيهم وعاقبة ما أضمروا من خيانتهم وغدرهم ولولا أن كتب الله عليهم الجلاء من الوطن لعذبهم في الدنيا بالسبي والقتل قال البخاري والجلاء الإخراج من أرض إلى أرض انتهى
وقوله تعالى ما قطعتم من لينة الآية سببها قول اليهود ما هذا الإفساد يا محمد وأنت تنهى عن الفساد فرد الله عليهم بهذه الآية قال ابن عباس وجماعة من اللغويين اللينة من النخيل ما لم يكن عجوة وقيل غير هذا ص أصل لينة لونة فقلبوا الواو ياء لسكونها وانكسار ما قبلها وجمعه لين كتمرة وتمر قال الأخفش واللينة كأنها لون من النخل أي ضرب منه انتهى
وقوله عز و جل وما أفاء الله على رسوله منهم الآية إعلام بأن ما أخذ لبني النضير ومن فدك هو خاص بالنبي ص - وليس على حكم الغنيمة التي يوجف عليها ويقاتل فيها بل على حكم خمس الغنائم وذلك أن بني النضير لم يوجف عليها ولا قوتلت كبير قتال فأخذ منها ص - قوت عياله وقسم سائرها في المهاجرين وأدخل معهم أبا دجانة وسهل بن حنيف من الأنصار لأنهما شكيا فقرا والإيجاف سرعة السير والوجيف دون التقريب يقال وجف الفرس وأوجفه الراكب
وقوله تعالى ما أفاء الله علىرسوله من أهل القرى الآية أهل القرى في هذه الآية هم أهل الصفراء والينبوع ووادي القرى وما هنالك من قرى العرب وذلك أنها فتحت في ذلك الوقت من غير إيجاف وأعطى رسول الله ص - جميع ذلك للمهاجرين ولم يحبس منها

لنفسه شيئا ولم يعط الأنصار شيئا لغناهم والقربى في الآية قرابته ص - منعوا الصدقة فعوضوا من الفيء
وقوله سبحانه كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم مخاطبة للأنصار لأنه لم يكن في المهاجرين في ذلك الوقت غني والمعنى كي لا يتداول ذلك المال الأغنياء بتصرفاتهم ويبقى المساكين بلا شيء وقد مضى القول في الغنائم في سورة الأنفال وروي أن قوما من الأنصار تكلموا في هذه القرى المفتتحة وقالوا لنا منها سهمنا فنزل قوله تعالى وما أتاكم الرسول فخذوه الآية فرفضوا بذلك ثم اطرد بعد معنى الآية في أوامر النبي ص - ونواهيه حتى قال قوم أن الخمر محرمة في كتاب الله بهذه الآية وانتزع منها ابن مسعود لعنة الواشمة الحديث ت وبهذا المعنى يحصل التعميم للأشياء في قوله تعالى ما فرطنا في الكتاب من شيء
وقوله تعالى للفقراء المهاجرين بيان لقوله والمساكين وابن السبيل وكرر لام الجر لما كانت الجملة الأولى مجرورة باللام ليبين أن البدل إنما هو منها ثم وصفهم تعالى بالصفة التي تقتضي فقرهم وتوجب الشفقة عليهم وهي إخراجهم من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا يريد به الآخرة والجنة أولائك هم الصادقون أي في الأقوال والأفعال والنيات والذين تبوءوا الدار هم الأنصار رضي الله عن جميعهم والضمير في من قبلهم للمهاجرين والدار هي المدينة والمعنى تبوءوا الدار مع الإيمان وبهذا الاقتران يتضح معنى قوله من قبلهم فتأمله قال ص والإيمان منصوب بفعل مقدار أي واعتقدوا الإيمان فهو من عطف الجمل كقوله
علفتها تبنا وماء باردا انتهى وقيل غير هذا وأثنى الله تعالى في هذه الآية على الأنصار بأنهم يحبون المهاجرين وبأنهم يؤثرون على أنفسهم وبأنهم قد وقوا شح أنفسهم ت وروى الترمذي عن أنس قال لما قدم النبي ص - المدينة أتاه المهاجرون فقالوا يا رسول الله ما رأينا قوما ابذل لكثير ولا أحسن مواساة في قليل من

قوم نزلنا بين أظهرهم لقد كفونا المئونة وأشركونا المهنة حتى لقد خفنا أن يذهبوا بالأجر كله فقال النبي ص - لا ما دعوتم الله لهم وأثنيتم عليهم قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح انتهى والحاجة الحسد في هذا الموضع قاله الحسن ثم يعم بعد وجوها وقال الثعلبي حاجة أي حزازة وقيل حسدا مما أوتوا أي مما أعطى المهاجرون من أموال بني النضير والقرى انتهى
وقوله تعالى ويؤثرون على أنفسهم صفة للأنصار وجاء الحديث الصحيح من غير ما طريق أنها نزلت بسبب رجل من الأنصار وصنيعه مع ضيف رسول الله ص - إذ نوم صبيانه وقدم للضيف طعامه وأطفأت أهله السراج وأوهما الضيف أنهما يأكلان معه وباتا طاويين فلما غدا الأنصاري على رسول الله ص - قال له لقد عجب الله من فعلكما البارحة ونزلت الآية في ذلك قال صاحب سلاح المؤمن الرجل الأنصاري الذي أضاف هو أبو طلحة انتهى قال الترمذي الحكيم في كتاب ختم الأولياء له حدثنا أبي قال حدثنا عبد الله بن عاصم حدثنا الجماني حدثنا صالح المري عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله ص - أن بدلاء أمتى لم يدخلوا الجنة بكثرة صوم ولا صلاة إنما دخلوها بسلامة الصدور وسخاوة الأنفس وحسن الخلق والرحمة بجميع المسلمين انتهى والإيثار على النفس أكرم خلق قال أبو يزيد البسطامي قدم علينا شاب من بلخ حاجا فقال لي ما حد الزهد عندكم فقلت إذا وجدنا أكلنا وإذا فقدنا صبرنا فقال هكذا عندنا كلاب بلخ فقلت له فما هو عندكم فقال إذا فقدنا صبرنا وإذا وجدنا آثرنا وروي أن سبب هذه الآية أن النبي ص - لما فتح هذه القرى قال للأنصار ان شئتم قسمتم للمهاجرين من اموالكم ودياركم وشاركتموهم فى هذه الغنيمة إن شئتم أمسكتم أموالكم وتركتم لهم هذه الغنيمة فقالوا بل نقسم لهم من أموالنا ونترك لهم هذه الغنيمة

فنزلت الآية والخصاصة الفاقة والحاجة وشح النفس هو كثرة طمعها وضبطها على المال والرغبة فيه وامتداد الأمل هذا جماع شح النفس وهو داعية كل خلق سوء وقد قال رسول الله ص - من أدى الزكاة المفروضة وقرى الضيف وأعطى في النائبة فقد برئى من الشج وإلى هذا الذي قلناه ذهب الجمهور والعارفون بالكلام وقيل في الشخ غير هذا قال ع وشح النفس فقر لا يذهبه غنى المال بل يزيده وينصب به ويوق من وقى يقي وقال الفخر اعلم أن الفرق بين الشح والبخل هو أن البخل نفس المنع والشح هو الحالة النفسانية التي تقتضي ذلك المنع ولما كان الشح من صفات النفس لا جرم قال الله تعالى ومن يوق شح نفسه فأولائك هم المفلحون أي الظافرون بما أرادوا قال ابن زيد من لم يأخذ شيئا نهاه الله عن أخذه ولم يمنع شيئا أمره الله تعالى بإعطائه فقد وقى شح نفسه انتهى
وقوله تعالى والذين جاءوا من بعدهم الآية قال جمهور العلماء أراد من يجيء من التابعين وغيرهم إلى يوم القيامة وقال الفراء أراد الفرقة الثالثة من الصحابة وهي من آمن في آخر مدة النبي ص -
وقوله يقولون حال فيها الفائدة والمعنى والذين جاءوا قائلين كذا وروت أم الدرداء وأبو الدرداء عن النبي ص - أنه كان يقول دعوة المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة عند رأسه ملك موكل كلما دعا لأخيه قال الملك الموكل به ءامين ولك مثله رواه مسلم انتهى قال ع ولهذه الآية قال مالك وغيره أنه من كان له في أحد من الصحابة رأي سوء أو بغض فلا حظ له في فيئي المسلمين وقال عبد الله بن يزيد قال الحسن أدركت ثلاثمائة من أصحاب النبي ص - منهم سبعون بدريا كلهم يحدثني أن النبي ص - قال من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الاسلام من عنقه فالجماعة ألا تسبوا الصحابة ولا تماروا في دين الله ولا تكفروا أحدا من اهل التوحيد بذنب قال

عبد الله فلقيت أبا أمامة وأبا الدرداء ووائلة وأنسا فكلهم يحدثني عن النبي ص - بمثل حديث الحسن والغل الحقد والاعتقاد الردي
وقوله تعالى ألم تر إلى الذين نافقوا يقولون لإخوانهم الآية نزلت في عبد الله بن أبي ابن سلول ورفاعة بن التابوت وقوم من منافقي الأنصار كانوا بعثوا إلى بني النضير وقالوا لهم اثبتوا في معاقبكم فأنا معكم كيفما تقلبت حالكم وكانوا في ذلك كاذبين وإنما أرادوا بذلك أن تقوى نفوسهم عسى أن يثبتوا حتى لا يقدر النبي ص - فيتم مرادهم وجاءت الأفعال غير مجزومة في قوله لا يخرجون ولا ينصرونهم لأنها راجعة إلى حكم القسم لا إلى حكم الشرط والضمير في صدورهم يعود على اليهود والمنافقين والضمير في قوله لا يقاتلونكم جميعا لبني النضير وجميع اليهود هذا قول جماعة المفسرين ومعنى الآية لا يبرزون لحربكم وإنما يقاتلون متحصنين بالقرى والجدران للرعب والرهب الكائن في قلوبهم
وقوله تعالى بأسهم بينهم شديد أي في غائلتهم وأحنهم تحسبهم جميعا أي مجتمعين وقلوبهم شتى أي متفرقة قال ع وهذه حال الجماعة المتخاذلة وهي المغلوبة أبدا في كل ما تحاول واللفظة مأخوذة من الشتات وهو التفرق ونحوه
وقوله تعالى كمثل الذين من قبلهم قال ابن عباس هم بنو قينقاع لأن النبي ص - أجلاهم عن المدينة قبل بني النضير والوبال الشدة والمكروه وعاقبة السوء والعذاب الأليم هو في الآخرة
وقوله سبحانه كمثل الشيطان معناه أن هاتين الفرقتين من المنافقين وبني النضير كمثل الشيطان مع الإنسان فالمنافقون مثلهم الشيطان وبنو النضير مثلهم الإنسان وذهب مجاهد وجمهور من المتأولين إلى أن الشيطان والإنسان في هذه الآية اسما جنس فكما أن الشيطان يغوي الإنسان ثم يفر عنه بعد أن يورطه كذلك أغوى المنافقون بني النضير وحرضوهم على الثبوت ووعدوهم النصر فلما نشب بنو النضير وكشفوا عن

وجوههم تركهم المنافقون في أسوأ حال وذهب قوم من رواة القصص إلى أن هذا في شيطان مخصوص مع عابد مخصوص اسمه برصيصا استودع امرأة جميلة وقيل سيقت إليه ليشفها بدعائه من الجنون فسول له الشيطان الوقوع عليها فحملت منه فخشي الفضيحة فسول له فقتلها ودفنها ففعل ثم شهره فلما استخرجت المرأة وحمل العابد شر حمل وصلب جاءه الشيطان فقال له اسجد لي سجدة وأنا أخلصك فسجد له فقال له الشيطان هذا الذي أردت منك إن كفرت بربك إني بريء منك فضرب الله تعالى هذا المثل ليهود بني النضير والمنافقين وهذا يحتاج إلى صحة سند والتأويل الأول هو وجه الكلام ت قال السهيلي وقد ذكر هذه القصة هكذا القاضي إسماعيل وغيره من طريق سفيان بن عمرو بن دينار عن عروة بن عامر بن عبيد بن رفاعة الزرقي عن النبي ص - أن راهبا كان في بني إسرائيل فذكر القصة بكمالها ويقال أن اسم هذا الراهب برصيصا ولم يذكر اسمه القاضي إسماعيل انتهى قال ع وقول الشيطان إني أخاف الله رياء من قوله وليست على ذلك عقيدته ولا يعرف الله حق معرفته ولا يحجزه خوفه عن سوء يوقع فيه ابن آدم من أول إلى آخر فكان عاقبتهما يعني الشيطان والإنسان على ما تقدم من حملهما على الجنس والخصوص
وقوله سبحانه يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد الآية هذه آية وعظ وتذكير وتقريب للآخرة وتحذير ممن لا تخفي عليه خافية وقوله تعالى لغد يريد يوم القيامة والذين نسوا الله هم الكفار والمعنى تركوا الله وغفلوا عنه حتى كانوا كالناسين فعاقبهم بأن جعلهم ينسون أنفسهم وهذا هو الجزاء على الذنب بالذنب قال سفيان المعنى حظ أنفسهم ويعطي لفظ الآية أن من عرف نفسه ولم ينسها عرف ربه تعالى وقد قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه أعرف نفسك تعرف ربك وروي عنه أيضا أنه قال من لم يعرف نفسه لم

يعرف ربه
وقوله سبحانه لو أنزلنا هذا القرآن على جبل الآية موعظة للإنسان وذم لأخلاقه وإعراضه وغفلته عن تدبر كلام خالقه وإذا كان الجبل على عظمه وقوته لو أنزل عليه القرآن وفهم منه ما فهمه الإنسان لخشع واستكان وتصدع خشية لله تعالى فالإنسان على حقارته وضعفه أولى بذلك وضرب الله سبحانه هذا المثل ليتفكر فيه العاقل ويخشع ويلين قلبه
وقوله سبحانه هو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة الآية لما قال تعالى من خشية الله جاء بالأوصاف العلية التي توجب لمخلوقاته هذه الخشية وقرأ الجمهور القدوس بضم القاف من تقدس إذا تطهر وتنزه
وقوله السلام أي ذو السلام لأن الإيمان به وتوحيده وأفعاله هي لمن آمن سلام كلها والمؤمن اسم فاعل من آمن بمعنى آمن من الأمن وقيل معناه المصدق عباده المؤمنين والمهيمن معناه الحفيظ والأمين قاله ابن عباس والجبار هو الذي لا يدانيه شيء ولا تلحق رتبته قال الفخر وفي اسمه تعالى الجبار وجوه أحدها أنه فعال من جبر إذا أغنى الفقير وجبر الكسير والثاني أن يكون الجبار من جبره إذا اكرهه قال الأزهري وهي لغة تميم وكثير من الحجازيين يقولونها بغير ألف في الإكراه وكان الشافعي رحمه الله يقول جبره السلطان على كذا بغير ألف وجعل الفراء الجبار بهذا المعنى من أجبر بالأفل وهي اللغة المعروفة في الإكراه انتهى والمتكبر معناه الذي له التكبر حقا والباريء بمعنى الخالق والمصور هو الذي يوجد الصور وباقي الآية بين وروى معقل بن يسار عن النبي ص - أنه قال من قال حين يصبح ثلاث مرات أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم وقرأ ثلاث آيات من آخر سورة الحشر وكل الله به سبعين ألف ملك يصلون عليه حين يمسي وإن مات في ذلك اليوم مات شهيدا ومن قالها حين يمسي كان بتلك المنزلة رواه الترمذي وقال حديث حسن غريب انتهى

تفسير

سورة الممتحنة

وهي مدنية بإجماع
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله عز و جل يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء الآية المراد بالعدو ها هنا كفار قريش وسبب نزول هذه الآية حاطب بن أبي بلتعة وذلك أن النبي ص - أراد الخروج إلى مكة عام الحديبية ت بل عام فتح مكة فكتب حاطب إلى قوم من كفار مكة يخبرهم بقصد رسول الله ص - ولم يكن ذلك منه ارتدادا فنزل الوحي مخبرا بما صنع حاطب فبعث النبي ص - عليا والزبير وثالثا قيل هو المقداد وقال انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها ظعينة معها كتاب من حاطب إلى المشركين فخذوه منها وخلوا سبيلها فانطلقوا حتى وجدوا المرأة فقالوا لها أخرجي الكتاب فقالت ما معي كتاب ففتشوا رحلها فما وجدوا شيئا فقال علي ما كذب رسول الله ص - ولا كذب والله لتخرجن الكتاب أو لتلقين الثياب فقالت أعرضوا عني فحلته من قرون رأسها فجاؤوا به النبي ص - فقال لحاطب من كتب هذا فقال أنا يا رسول الله فقال ما حملك على ما صنعت فقال يا رسول الله لا تعجل علي فوالله ما كفرت منذ أسلمت وما فعلت ذلك ارتدادا عن ديني ولا رغبة عنه ولكن لم يكن أحد من المهاجرين الأوله بمكة من يمنع عشيرته وكنت امرءا ملصقا فيهم وأهلي بين ظهرانيهم فخشيت عليهم فأردت أن أتخذ عندهم يدا فصدقه النبي ص - وقال لا تقولوا لحاطب إلا خيرا وروي أن حاطبا كتب أن رسول الله ص - يريد غزوكم

في مثل الليل والسيل وأقسم بالله لو غزاكم وحده لنصر عليكم فكيف وهو في جمع كثير ص وتلقون مفعوله محذوف أي تلقون إليهم أخبار الرسول وأسراره وبالمودة الباء للسبب انتهى
وقوله تعالى إن تؤمنوا مفعول من أجله أي أخرجوكم من أجل أن آمنتم بربكم
وقوله تعالى إن كنتم شرط جوابه متقدم في معنى ما قبله وجاز ذلك لما لم يظهر عمل الشرط والتقدير إن كنتم خرجتم جهادا في سبيلي وابتغاء مرضاتي فلا تتخذوا عدوي وعدوكم اولياء وجهادا منصوب على المصدر وكذلك ابتغاء ويجور أن يكون ذلك مفعولا من أجله والمرضاة مصدر كالرضى وتسرون حال من تلقون ويجوز أن يكون في موضع خبر ابتداء كأنه قال أنتم تسرون ويصح أن يكون فعلا ابتدئي به القول
وقوله تعالى أعلم يحتمل أن يكون افعل ويحتمل أن يكون فعلا لأنك تقول علمت بكذا فتدخل الباء ص والظاهر أنه افعل تفضيل ولذلك عدي بالباء انتهى وسواء يجوز أن يكون مفعولا بضل على تعدي ضل ويجوز أن يكون ظرفا على غير التعدي لأنه يجيء بالوجهين والأول أحسن في المعنى والسواء الوسط والسبيل هنا شرع الله وطريق دينه
وقوله سبحانه إن يثقفوكم يكونوا لكم أعداء الآية أخبر تعالى أن مداراة هؤلاء الكفرة غير نافعة في الدنيا وأنها ضارة في الآخرة ليبين فساد رأي مصانعهم فقال إن يثقفوكم أي إن يتمكنوا منكم وتحصلوا في ثقافهم ظهرت عداوتهم وانبسطت إليكم أيديهم بضرركم وقتلكم وانبسطت ألسنتهم بسبكم وأشد من هذا كله إنما يقنعهم أن تكفروا وهذا هو ودهم ثم أخبر تعالى أن هذه الأرحام التي رغبتم في وصلها ليست بنافعة يوم القيامة فالعامل في يوم قوله تنفعكم وقيل العامل فيه يفصل وهو مما بعده لا مما قبله وعبارة الثعلبي لن تنفعكم أرحامكم أي قرابتكم منهم ولا أولادكم الذين عندهم بمكة يوم القيامة إذا عصيتم الله من أجلهم يفصل بينكم فيدخل

المؤمنون الجنة والكافرون النار انتهى ت وهذه الآية تنظر إلى قوله تعالى وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى الآية واعلم أن المال والسبب النافع يوم القيامة ما كان لله وقصد به العون على طاعة الله وإلا فهو على صاحبه وبال وطول حساب قال ابن المبارك في رقائقه أخبرنا شعبة عن عمرو بن مرة قال سمعت عبد الله بن الحارث يحدث عن أبي كثير عن عبد الله بن عمرو بن العاصي أنه سمعه يقول ويجمعون يعني ليوم القيامة فيقال أين فقراء هذه الأمة ومساكينها فيبرزون فيقال ما عندكم فيقولون يا ربنا ابتلينا فصبرنا وأنت أعلم حسبه قال ووليت الأموال والسلطان غيرنا فيقال صدقتم فيدخلون الجنة قبل سائر الناس بزمان وتبقى شدة الحساب على ذوي السلطان والأموال قال قلت فأين المؤمنون يومئذ قال توضع لهم كراسي من نور ويظلل عليهم الغمام ويكون ذلك اليوم أقصر عليهم من ساعة من نهار انتهى وفي قوله تعالى والله بما تعملون بصير وعيد وتحذير
وقوله تعالى قد كانت لكم أسوة أي قدوة في إبراهيم الخليل والذين معه قيل من آمن به من الناس وقال الطبري وغيره الذين معه هم الأنبياء المعاصرون له أو قريبا من عصره قال ع وهذا أرجح لأنه لم يرو أن لإبراهيم أتباعا مؤمنين في وقت مكافحته نمرودا وفي البخاري أنه قال لسارة حين رحل بها إلى الشام مهاجرا من بلد النمرود ما على الأرض من يعبد الله غيري وغيرك وهذه الأسوة مقيدة في التبري من المشركين وإشراكهم وهو مطرد في كل ملة وفي نبينا عليه السلام أسوة حسنة على الإطلاق في العقائد وفي أحكام الشرع كلها
وقوله كفرنا بكم أي كذبناكم في عبادتكم الأصنام
وقوله إلا قول إبراهيم لأبيه يعني تأسوا بإبراهيم إلا في استغفاره لأبيه فلا تتأسوا به فتستغفروا للمشركين لأن استغفاره إنما كان عن موعدة وعدها إياه وهذا تأويل قتادة ومجاهد وعطاء الخراساني وغيرهم
وقوله ربنا عليك توكلنا

إلى قوله إنك أنت العزيز الحكيم هو حكاية عن قول إبراهيم والذين معه وهذه الألفاظ بينة مما تقدم في ءاي القرآن
وقوله ربنا لا تجعلنا فتنة قيل المعنى لا تغلبهم علينا فنكون لهم فتنة وسبب ضلالة نحا هذا المنحى قتادة وأبو مجلز وقد تقدم مستوفى في سورة يونس وقال ابن عباس المعنى لا تسلطهم علينا فيفتنونا عن أدياننا فكأنه قال لا تجعلنا مفتونين فعبر عن ذلك بالمصدر وهذا أرجح الأقوال لأنهم إنما دعوا لأنفسهم وعلى منحى قتادة إنما دعوا للكفار أما إن مقصدهم إنما هو أن يندفع عنهم ظهور الكفار الذي بسببه فتن الكفار فجاء في المعنى تحليق بليغ
وقوله تعالى لقد كان لكم فيهم أي في إبراهيم والذين وباقي الآية بين وروي أن هذه الآيات لما نزلت وعزم المؤمنون على امتثالها وصرم حبال الكفرة لحقهم تأسف وهم من أجل قراباتهم إذ لم يؤمنوا ولم يهتدوا حتى يكون بينهم التوادد والتواصل فنزلت عيسى الآية مونسة في ذلك ومرجية أن يقع فوقع ذلك بإسلامهم في الفتح وصار الجميع إخوانا وعسى من الله واجبة الوقوع ت قد تقدم تحقيق القول في عسى في سورة القصص فأغنى عن إعادته
وقوله تعالى لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم الآية اختلف في هؤلاء الذين لم ينه عنهم أن يبروا فقيل أراد المؤمنين التاركين للهجرة وقيل خزاعة وقبائل من العرب كانوا مظاهرين للنبي ص - ومحبين لظهوره وقيل أراد النساء والصبيان من الكفرة وقيل أراد من كفار قريش من لم يقاتل ولا أخرج ولم يظهر سوءا وعلى أنها في الكفار فالآية منسوخة بالقتال والذين قاتلوا في الدين وأخرجوهم هم مردة قريش
وقوله تعالى يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات الآية أثر صلح الحديبية وذلك أن ذلك الصلح تضمن أن من أتى مسلما من أهل مكة رد إليهم سواء كان رجلا أو امرأة فنقض الله تعالى من ذلك أمر النساء بهذه الآية وحكم بأن

المهاجرة المؤمنة لا ترد إلى دار الكفر وامتحنوهن معناه جربوهن واستخبروا حقيقة ما عندهن
وقوله تعالى الله أعلم بإيمانهن إشارة إلى الاسترابة ببعضهن ت وقوله تعالى فإن علمتموهن مؤمنات الآية العلم هنا بمعنى الظن وذكر الله تعالى العلة في أن لا يرد النساء إلى الكفار وهو امتناع الوطء وحرمته
وقوله تعالى وآتوهم ما أنفقوا الآية أمر بأن يؤتى الكفار مهور نسائهم التي هاجرن مؤمنات ورفع سبحانه الجناح في أن يتزوجن بصدقات هي أجورهن وأمر المسلمين بفراق الكافرات وأن لا يتمسكوا بعصمهن فقيل الآية في عابدات الأوثان ومن لا يجوز نكاحها ابتداء وقيل هي عامة نسخ منها نساء أهل الكتاب والعصم جمع عصمة وهي أسباب الصحبة والبقاء في الزوجية وأمر تعالى أن يسئل أيضا المؤمنون ما أنفقوا فروي عن ابن شهاب أن قريشا لما بلغهم هذا الحكم قالوا نحن لا نرضى بهذا الحكم ولا نلتزمه ولا ندفع لأحد صداقا فنزلت بسبب ذلك هذه الآية الأخرى وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار الآية فأمر الله تعالى المؤمنين أن يدفعوا إلى من فرت زوجته ففاتت بنفسها إلى الكفار صداقه الذي أنفق واختلف من أي مال يدفع إليه الصداق فقال ابن شهاب يدفع إليه من الصدقات التي كانت تدفع إلى الكفار بسبب من هاجر من أزواجهم وأزال الله دفعها إليهم حين لم يرضوا حكمه قال ع وهذا قول صحيح يقتضيه قوله فعاقبتم وقال قتادة وغيره يدفع إليه من مغانم المغازي وقال هؤلاء التعقيب هو الغزو والمغنم وقال ابن شهاب أيضا يدفع إليه من أي وجوه الفيء أمكن والمعاقبة في هذه الآية ليست بمعنى مجازاة السوء بسوء قال الثعلبي وقرأ مجاهد فأعقبتم وقال المعنى صنعتم بهم كما صنعوا بكم انتهى قال ع أي وذلك بأن يفوت إليكم شيء من أزاجهم وهكذا هو التعاقب على الجمل والدواب أن يركب هذا عقبة وهذا عقبة ويقاب عاقب الرجل صاحبه في كذا

أي جاء فعل كل واحد منها بعقب فعل الآخر وهذه الآية كلها قد ارتفع حكمها
وقوله عز و جل يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك الآية هذه بيعة النساء في ثاني يوم الفتح على الصفا وهي كانت في المعنى بيعة الرجال قبل فرض القتال ت وخرج البخاري بسنده عن عائشة أن النبي ص - كان يمتحن من هاجر إليه من المؤمنات بهذه الآية يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك الآية وكذا روى البخاري من طريق ابن عباس أنه عليه السلام تلا عليهن الآية يوم الفطر عقب الصلاة ونحوه عن أم عطية في البخاري وقرأ عليهن الآية أيضا في ثاني يوم فتح مكة وكلام ع يوهم أن الآية نزلت في بيعة النساء يوم الفتح وليس كذلك وإنما يريد أنه أعاد الآية على من لم يبايعه من أهل مكة لقرب عهدهم بالإسلام والله أعلم والإتيان بالبهتان قال أكثر المفسرين معناه أن تنسب إلى زوجها ولدا ليس منه قال ع واللفظ أعم من هذا التخصيص
وقوله تعالى ولا يعصينك في معروف يعمم جميع أوامر الشريعة فرضها وندبها وفي الحديث أن جماعة نسوة قلن يا رسول الله نبايعك على كذا وكذا الآية فلما فرغن قال ص - فيما استطعتن وأطقتن فقلنا الله ورسوله أرحم بنا منا لأنفسنا
وقوله تعالى فبايعهن أي امض لهن صفقة الإيمان بأن يعطين ذلك من أنفسهن ويعطين عليه الجنة واختلف في هيئة مبايعته ص - النساء بعد الإجماع على أنه لم تمس يده يد امرأة أجنبية قط والمروي عن عائشة وغيرها أنه بايع باللسان قولا وقال إنما قولي لمائة امرأة كقولي لامرأة واحدة
وقوما غضب الله عليهم هم اليهود في قول ابن زيد وغيره ويأسهم من الآخرة هو يأسهم من نعيمها مع التصديق بها وقال ابن عباس قوما غضب الله عليهم في هذه الآية كفار قريش
وقوله كما يئس الكفار من أصحاب القبور على هذا التأويل هو على ظاهره في

اعتقاد الكفرة إذا مات لهم حميم قالوا هذا آخر العهد به لا يبعث أبدا
تفسير

سورة الصف

وهي مدنية في قول الجمهور وقيل مكية
والأول أصح لأن معاني السورة تعضده ويشبه أن يكون فيها المكي والمدني
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى سبح لله ما في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم قد تقدم تفسيره واختلف في السبب الذي نزلت فيه يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون فقال ابن عباس وغيره نزلت بسبب قوم قالوا لو علمنا أحب العمل إلى الله تعالى لسارعنا إليه ففرض الله الجهاد وأعلمهم بفضله وأنه يحب المقاتلين في سبيله كالبنيان المرصوص فكرهه قوم منهم وفروا يوم الغزو فعاتبهم الله تعالى بهذه الآية وقال قتادة والضحاك نزلت بسبب جماعة من شباب المسلمين كانوا يتحدثون عن أنفسهم في الغزو بما لم يفعلوا ع وحكم هذه الآية باق غابر الدهر وكل من يقول ما لا يفعل فهو ممقوت الكلام والقول الأول يترجح بما يأتي من أمر الجهاد والقتال والمقت البغض من أجل ذنب أو ريبة أو دناءة يصنعها الممقوت وقول المرء ما لا يفعل موجب مقت الله تعالى ولذلك فر كثير من العلماء عن الوعظ والتذكير وآثروا السكوت ت وهذا بحسب فقه الحال إن وجد الإنسان من يكفيه هذه المنونة في وقته فقد يسعه السكون وإلا فلا يسعه قال الباجي في سنن الصالحين له قال الأصمعي بلغني أن بعض

الحكماء كان يقول أني لأعظكم وإني لكثير الذنوب ولو أن أحدا لا يعظ أخاه حتى يحكم أمر نفسه لترك الأمر بالخير واقتصر على الشر ولكن محادثة الإخوان حياة القلوب وجلاء النفوس وتذكير من النسيان وقال أبو حازم اني لأعظ الناس وما أنا بموضع للوعظ ولكن أريد به نفسي وقال الحسن لمطرف عظ أصحابك فقال إني أخاف أن أقول ما لا أفعل فقال رحمك الله واينا يفعل ما يقول ود الشيطان أنه لو ظفر منكم بهذه فلم يأمر أحد منكم بمعروف ولم ينه عن منكر انتهى
وقوله تعالى إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله الآية قال معاذ بن جبل سمعت رسول الله ص - يقول من قاتل في سبيل الله فواق ناقة فقد وجبت له الجنة ومن سأل الله القتل من نفسه صادقا ثم مات أو قتل فإن له أجر شهيد مختصر رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه واللفظ لأبي داود وقال الترمذي هذا حديث صحيح انتهى من السلاح ثم ذكر تعالى مقالة موسى وذلك ضرب مثل للمؤمنين ليحذروا ما وقع فيه هؤلاء من العصيان وقول الباطل
وقوله لم تؤذونني أي بتعنيتكم وعصيانكم واقتراحاتكم واسند الزيغ إليهم لكونه فعل حطيطة وهذا بخلاف قوله تعالى ثم تاب عليهم ليتوبوا فاسند التوبة إليه سبحانه لكونها فعل رفعة وزاغ معناه مال وصار عرفها في الميل عن الحق وأزاغ الله قلوبهم معناه طبع عليها وكثر ميلها عن الحق وهذه هي العقوبة على الذنب بالذنب
وقوله ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد قال عياض في الشفا سمى الله تعالى نبيه في كتابه محمدا وأحمد فأما اسمه أحمد فافعل مبالغة من صفة الحمد ومحمد مفعل من كثرة الحمد وسمى أمته في كتب أنبيائه بالحمادين ثم في هذين الاسمين من عجائب خصائصه سبحانه وبدائع اياته أنه سبحانه حمى أن يتسمى بهما أحد قبل زمانه أما أحمد الذي اتى في الكتب وبشرت به الأنبياء فمنع سبحانه أن يتسمى به أحد غيره حتى لا يدخل بذلك

ليس على ضعيف القلب وكذلك محمد أيضا لم يتسم به أحد من العرب ولا غيرهم إلى أن شاع قبيل وجوده ص - وميلاده أن نبيا يبعث اسمه محمد فسمى قوم قليل من العرب أبناءهم بذلك رجاء أن يكون أحدهم هو وهم محمد بن احيحة الأوسي ومحمد بن سلمة الأنصاري ومحمد بن براء البكري ومحمد بن سفيان باليمن ويقولون بل محمد بن اليحمد بن الأزد ومحمد بن سوادة منهم لا سابع لهم ولم يدع أحد من هؤلاء النبوءة أو يظهر عليه سبب يشكك الناس انتهى وروى أنس بن مالك عن النبي ص - أنه قال لا تسموا أولادكم محمدا ثم تلعنونهم رواه الحاكم في المستدرك انتهى من السلاح
وقوله سبحانه فلما جاءهم بالبينات الآية يحتمل أن يريد عيسى ويحتمل أن يريد محمد ص - لأنه تقدم ذكره ت والأول أظهر
وقوله سبحانه يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم الآية ندب وحض على الجهاد بهذه التجارة التي بينها سبحانه وهي أن يبذل المرء نفسه وماله ويأخذ ثمنا جنة الخلد وقرأ ابن عامر وحده تنجيكم بفتح النون وشد الجيم
وقوله تؤمنون معناه الأمر أي امنوا قال الأخفش ولذلك جاء يغفر مجزوما وفي مصحف ابن مسعود امنوا بالله ورسوله وجاهدوا وقوله ذلكم إشارة إلى الجهاد والإيمان وخير هنا يحتمل أن يكون للتفضيل فالمعنى من كل عمل ويحتمل أن يكون إخبارا أن هذا خير في ذاته ومساكن عطف على جنات وطيب المساكن سعتها وجمالها وقيل طيبها المعرفة بدوام أمرها
وقوله سبحانه وأخرى تحبونها الآية قال الأخفش وأخرى هي في موضع خفض عطفا على تجارة وهذا قلق وقد رده الناس لأن هذه الأخرى ليست مما دل عليه سبحانه إنما هي مما أعطى ثمنا وجزاء على الإيمان والجهاد بالنفس والمال وقال الفراء وأخرى في موضع رفع وقيل في موضع نصب بإضمار فعل تقديره ويدخلكم جنات ويمنحكم أخرى وهي النصر والفتح القريب وقصة

عيسى مع بني إسراءيل قد تقدمت
وقوله تعالى فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم قيل ذلك قبل محمد عليه السلام وبعد فترة من رفع عيسى رد الله الكرة لمن آمن به فغلبوا الكافرين الذين قتلوا صاحبه الذي ألقى عليه الشبه وقيل المعنى فأصبحوا ظاهرين بالحجة
تفسير

سورة الجمعة

وهي مدنية
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى يسبح لله ما في السموات وما في الأرص تقدم القول في مثل ألفاظ الآية والمراد بالأميين جميع العرب واختلف في المعينين بقول تعالى وآخرين منهم فقال أبو هريرة وغيره أراد فارس وقد سئل رسول الله ص - من الآخرون فأخذ بيد سلمان وقال لو كان الدين في الثريا لناله رجال من هؤلاء خرجه مسلم والبخاري وقال ابن زيد ومجاهد والضحاك وغيرهم أراد جميع طوائف الناس فقوله منهم على هذين القولين إنما يريد في البشرية والإيمان وقال مجاهد أيضا وغيره أراد التابعين من أبناء العرب فقوله منهم يريد في النسب والإيمان
وقوله لما يلحقوا نفي لما قرب من الحال والمعنى أنهم مزمعون أن يلحقوا فهي لم زيدت عليها ما تأكيدا
والذين حملوا التوراة هم بنو إسرائيل الأحبار المعاصرون للنبي ص - وحملوا معناه كلفوا القيام بأوامرها ونواهيها فهذا كما حمل الإنسان الأمانة وذكر تعالى أنهم لم يحملوها أي لم يطيعوا أمرها ويقفوا عند حدودها حين كذبوا نبيه محمدا ص

والتوراة تنطق بنبوته فكان كل حبر لم ينتفع بما حمل كمثل حمار عليه أسفار وفي مصحف ابن مسعود كمثل حمار بغير تعريف والسفر الكتاب المجمع الأوراق منضدة
وقول بيس مثل القوم التقدير بيس المثل مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله ص ورد بأن فيه حذف الفاعل ولا يجوز والظاهر أن مثل القوم فاعل بيس والذين كذبوا هو المخصوص بالذم على حذف مضاف أي مثل الذين كذبوا انتهى
وقوله سبحانه قل يا أيها الذين هادوا إن زعمتم الآية روي أنها نزلت بسبب أن يهود المدينة لما ظهر رسول الله ص - خاطبوا يهود خيبر في أمره وذكروا لهم نبوته وقالوا إن رأيتم أتباعه أطعناكم وإن رأيتم خلافه خالفناه معكم فجاءهم جواب أهل خيبر يقولون نحن أبناء إبراهيم خليل الرحمن وأبناء عزير بن الله ومنا الأنبياء ومتى كانت النبوة في العرب نحن أحق بالنبوة من محمد ولا سبيل إلى اتباعه فنزلت الآية بمعنى أنكم إذا كنتم من الله بهذه المنزلة فقربه وفراق هذه الحياة الخسيسة أحب إليكم فتمنوا الموت إن كنتم تعتقدون في أنفسكم هذه المنزلة ثم أخبر تعالى أنهم لا يتمنونه أبدا لعلمهم بسوء حالهم وروى كثير من المفسرين أن الله جلت قدرته جعل هذه الآية معجزة لمحمد نبيه فيهم فهي آية بااهرة وأعلمه أنه إن تمنى أحد منهم الموت في أيام معدودات مات وفارق الدنيا فقال رسول الله ص - تمنوا الموت على جهة التعجيز وإظهار الآية فما تمناه أحد منهم خوفا من الموت وثقة بصدق نبينا محمد ص -
وقوله سبحانه يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة الآية النداء هو الأذان وكان على الجدار في مسجد رسول الله ص - وفي مصنف أبي داود كان بين يدي النبي ص - وهو على المنبر أذان ثم زاد عثمان النداء على الزوراء ليسمع الناس ت وفي البخاري والترمذي وصححه عن السائب بن يزيد

قال كان النداء يوم الجمعة أوله إذا جلس الإمام على المنبر على عهد النبي ص - وأبي بكر وعمر فلما تولى عثمان وكثر الناس زاد الأذان الثالث فأذن به على الزوراء فثبت الأمر على ذلك قيل فقوله الثالث يقتضي أنهم كانوا ثلاثة وفي طريق آخر الثاني بدل الثالث وهو يقتضي أنهما اثنان انتهى وخرج مسلم عن أبي هريرة عن النبي ص - أنه قال من اغتسل ثم أتى الجمعة فصلى ما قدر له ثم أنصت للإمام حتى يفرغ من خطبته ثم يصلي معه غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى وفضل ثلاثة أيام انتهى وخرجه البخاري من طريق سلمان
وقوله من يوم الجمعة قال ابن هشام من مرادفة في انتهى
وقوله تعالى فاسعوا إلى ذكر الله الآية السعي في الآية لا يراد به الإسراع في المشي وإنما هو بمعنى قوله وأن ليس للإنسان إلا ما سعى فالسعي هو بالنية والإرادة والعمل من وضوء وغسل ومشي ولبس ثوب كل ذلك سعي وقد قال مالك وغيره إنما تؤتى الصلاة بالسكينة ت وهو نص الحديث الصحيح وهو قوله ص - في الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون وأتوها وعليكم السكينة ت والظاهر أن المراد بالسعي هنا المضي إلى الجمعة كما فسره الثعلبي ويدل على ذلك إطلاق العلماء لفظ الوجوب عليه فيقولون السعي إلى الجمعة واجب ويدل على ذلك قراءة عمر وعلي وابن مسعود وابن عمر وابن عباس وابن الزبير وجماعة من التابعين فامضوا إلى ذكر الله وقال ابن مسعود لو قرأت فاسعوا لأسرعت حتى يقع ردائي وقال العراقي فاسعوا معناه بادروا انتهى وقوله إلى ذكر الله هو وعظ الخطبة قاله ابن المسيب ويؤيده قوله ص - في الحديث الصحيح إذا كان يوم الجمعة كان على كل باب من أبواب المسجد ملائكة يكتبون الأول فالأول فإذا جلس الإمام طووا الصحف وجاؤوا يستمعون الذكر الحديث خرجه البخاري ومسلم واللفظ لمسلم والخطبة عند

الجمهور شرح في انعقاد الجمعة وعن أبي موسى الأشعري أن رسول الله ص - قال إن الله عز و جل يبعث الأيام يوم القيامة على هيئتها ويبعث الجمعة زهراء منيرة أهلها محفون بها كالعروس تهدى إلى كريمها تضيء لهم يمشون في ضوئها الوانهم كالثلج بياضا وريحهم يسطع كالمسك يخوضون في جبال الكافور ينظر إليهم الثقلان ما يطرفون تعجبا يدخلون الجنة لا يخالطهم إلا المؤذنون المحتسبون خرجه القاضي الشريف أبو الحسن علي بن عبد الله بن إبراهيم الهاشمي قال صاحب التذكرة وإسناده صحيح انتهى
وقوله سبحانه ذلكم إشارة إلى السعي وترك البيع
وقوله فانتشروا أجمع الناس على أن مقتضى هذا الأمر الإباحة وكذلك قوله وابتغوا من فضل الله أنه الإباحة في طلب المعاش مثل قوله تعالى وإذا حللتم فاصطادوا إلا ما روي عن أنس عن النبي ص - أنه قال ذلك الفضل المبتغى هو عيادة مريض أو صلة صديق أو اتباع جنازة قال ع وفي هذا ينبغي أن يكون المرء بقية يوم الجمعة ونحوه عن جعفر بن محمد وقال مكحول الفضل المبتغى العلم فينبغي أن يطلب أثر الجمعة
وقوله تعالى واذكروا الله كثيرا الآية قال معاذ بن جبل ما شيء أنجى من عذاب الله من ذكر الله رواه الترمذي واللفظ له وابن ماجه والحاكم في المستدرك وقال صحيح الإسناد انتهى من السلاح
وقوله سبحانه وإذا رأوا تجارة أو لهوا الآية نزلت بسبب أن رسول الله ص - كان قائما على المنبر يخطب يوم الجمعة فأقبلت عير من الشام تحمل ميرة وصاحب أمرها دحية بن خليفة الكلبي قال مجاهد وكان من عرفهم أن تدخل عيرالمدينة بالطبل والمعازف والصياح سرورا بها فدخلت العير بمثل ذلك فانفض أهل المسجد إلى رؤية ذلك وسماعه وتركوا رسول الله ص - قائما على المنبر ولم يبق معه غير اثني عشر رجلا قال جابر بن عبد الله أنا أحدهم قال

ع ولم تمر بي تسميتهم في ديوان فيما أذكر الآن إلا أني سمعت أبي رحمه الله يقول هم العشرة المشهود لهم بالجنة واختلف في الحادي عشر فقيل عمار بن ياسر وقيل ابن مسعود ت وفي تقييد أبي الحسن الصغير والاثنا عشر الباقون هم الصحابة العشرة والحاي عشر بلال واختلف في الثاني عشر فقيل عمار بن ياسر وقيل ابن مسعود انتهى قال السهيلي وجاءت تسمية الاثني عشر في حديث مرسل رواه أسد بن عمرو والد موسى بن أسد وفيه أن رسول الله ص - لم يبق معه إلا أبو بكر وعثمان حتى العشرة وقال وبلال وابن مسعود وفي رواية عمار بدل ابن مسعود وفي مراسيل أبي داود ذكر السبب الذي من أجله ترخصوا فقال إن الخطبة يوم الجمعة كانت بعد الصلاة فتأولوا رضي الله عنهم أنهم قد قضوا ما عليهم فحولت الخطبة بعد ذلك قبل الصلاة فهذا الحديث وإن كان مرسلا فالظن الجميل بأصحاب النبي ص - يوجب أن يكون صحيحا والله أعلم انتهى وروي أن النبي ص - قال لولا هؤلاء لقد كانت الحجارة سومت على المنفضين من السماء وفي حديث آخر والذي نفس محمد بيده لو تتابعتم حتى لا يبقى أحد لسال بكم الوادي نارا قال البخاري انفضوا معناه تفرقوا انتهى وقرأ ابن مسعود ومن التجارة للذين اتقوا والله خير الرازقين وإنما أعاد الضمير في قوله إليها على التجارة وحدها لأنها أهم وهي كانت سبب اللهو ص وقرئي إليهما بالتثنية

تفسير سورة إذا جاءك المنافقون وهي مدنية بإجماع
ونزلت في غزوة بني المصطلق بسبب أن ابن أبي سلول كانت له في تلك الغزوة أقوال منكرة وسيأتي بيان ذلك إن شاء الله
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله عز و جل إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله الآية فضح الله سرائر المنافقين بهذه الآية وذلك أنهم كانوا يقولون للنبي ص - نشهد أنك لرسول الله وهم في إخبارهم هذا كاذبون لأن حقيقة الكذب أن يخبر الإنسان بضد ما في قلبه وهذه كانت حالهم وقرأ الناس أيمانهم جمع يمين وقرأ الحسن إيمانهم بكسر الهمزة والجنة ما يتستر به في الإجرام والمعاني
وقوله ذلك إشارة إلى فعل الله بهم في فضحهم وتوبيخهم ويحتمل أن تكون الإشارة إلى سوء ما عملوا فالمعنى ساء عملهم بأن كفروا بعد إيمان
وقوله تعالى وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم هذا توبيخ لهم إذ كان منظرهم يروق جمالا وقولهم يخلب بيانا لكنهم كالخشب المسندة إذ لا أفهام لهم نافعة وكان عبدا بن أبي سلول من أبهى المنافقين وأطولهم ويدل على ذلك أنه لم يوجد قميص يكسو العباس غير قميصه قال الثعلبي تعجبك أجسامهم لاستواء خلقها وطول قامتها وحسن صورتها قال ابن عباس وكان عبد الله بن أبي جسيما صبيحا فصيحا ذلق اللسان فإذا قال سمع النبي ص

قوله ووصفهم الله تعالى بتمام الصورة وحسن الإبانة ثم شبههم بالخشب المسندة إلى الحائط لا يسمعون ولا يعقلون أشباح بلا أرواح وأجسام بلا أحلام انتهى
وقوله تعالى يحسبون كل صيحة عليهم هذا أيضا فضح لما كانوا يسرونه من الخوف وذلك بأنه كانوا يسرونه من الخوف وذلك أنهم كانوا يتوقعون أن يأمر النبي ص - عن الله بقتلهم قال مقاتل فكانوا متى سمعوا نشد أن ضالة أو صياحا بأي وجه أو أخبروا بنزول وحي طارت عقولهم حتى يسكن ذلك ويكون في غير شأنهم ثم أخبر تعالى بأنهم هم العدو وحذر منهم
وقوله تعالى قاتلهم الله دعاء يتضمن الإقصاء والمنابذة لهم وأنى يؤفكون معناه كيف يصرفون
وقوله تعالى وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله الآية سبب نزولها أن النبي ص - غزا بني المصطلق فازدحم لعمر بن الخطاب يقال له جهجاه مع سنان بن وبرة الجهني حليف للأنصار على الماء فكسع جهجاه سنانا فتثاورا ودعا جهجاه يا للمهاجرين ودعا سنان يا للأنصار فخرج رسول الله ص - فقال ما بال دعوى الجاهلية فلما أخبر بالقصة قال دعوها فإنها منتنة فقال عبد الله بن أبي أوقد فعلوها والله ما مثلنا ومثل جلابيب قريش إلا كما قال الأول سمن كلبك ياكلك وقال لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ثم قال لمن معه من المنافقين إنما يقيم هؤلاء المهاجرون مع محمد بسبب معونتكم لهم لو قطعتم ذلك عنهم لفروا فسمعها منه زيد بن أرقم فأخبر النبي ص - بذلك فعاتب رسول الله عبد الله بن أبي عند رجال من الأنصار فبلغه ذلك فجاء وحلف ما قال ذلك وحلف معه قوم من المنافقين وكذبوا زيدا فصدقهم النبي ص - فبقي زيد في منزله لا يتصرف حيا من الناس فنزلت هذه السورة عند ذلك فبعث النبي ص - إلى زيد وقال له لقد صدقك الله يا زيد فخري عند ذلك عبد الله بن أبي ومقته الناس

ولامه المؤمنون من قومه وقال له بعضم امض إلى رسول الله ص - واعترف بذنبك يستغفر لك فلوى رأسه إنكارا لهذا الرأي وقال لهم لقد اشرتم علي بالإيمان فآمنت وأشرتم علي بأن أعطي زكاة مالي ففعلت ولم يبق لكم إلا أن تأمروني بالسجود لمحمد فهذا قصص هذه السورة موجزا وقرأ نافع والمفضل عن عاصم لووا بتخفيف الواو وقرأ الباقون بتشديدها
وقوله تعالى سواء عليهم استغفرت لهم الآية روي أنه لما نزلت أن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم قال رسول الله ص - لأزيدن على السبعين وفي حديث آخر لو علمت أني لو زدت على السبعين لغفر لهم لزدت وفي هذا الحديث دليل على رفض دليل الخطاب فلما فعل ابن أبي وأصحابه ما فعلوا شدد الله عليهم في هذه الآية واعلم أنه لن يغفر لهم دون حد في الاستغفار
وقوله تعالى هم الذين إشارة إلى أن ابن أبي ومن قال بقوله ثم سفه تعالى أحلامهم في أن ظنوا أن إنفاقهم وهو سبب رزق المهاجرين ونسوا أن جريان الرزق بيد الله تعالى إذا انسد باب انفتح غيره ثم اعلم تعالى أن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين وفي ذلك وعيد وروي أن عبد الله بن عبد الله بن أبي كان رجلا صالحا لما سمع الآية جاء إلى أبيه فقال له أنت والله يا أبت الذليل ورسول الله العزيز ووقف على باب السكة التي يسلكها أبوه وجرد السيف ومنعه الدخول وقال والله لا دخلت إلى منزلك إلا أن يأذن في ذلك رسول الله وعبد الله بن أبي في أذل حال وبلغ ذلك رسول الله ص - فبعث إليه أن خله يمضي إلى منزله فقال أما الآن فنعم
وقوله سبحانه يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله الآية الالهاء الاشتغال بملذ وشهوة وذكر الله هنا عام في الصلوات والتوحيد والدعاء وغير ذلك من مفروض ومندوب وكذلك قوله تعالى وانفقوا من ما رزقناكم عام في المفروض والمندوب قاله جماعة من المفسرين قال

الشيخ أبو عبد الرحمن السلمي في كتاب عيوب النفس ومن عيوبها تضييع أوقاتها بالاشتغال بما لا يعني من أمور الدنيا والخوض فيها مع أهلها ومداواتها أن يعلم أن وقته أعز الأشياء فيشغله بأعز الأشياء وهو ذكر الله والمداومة على الطاعة ومطالبة الإخلاص من نفسه فإنه روي عن النبي ص - أنه قال من حسن إسلام المرء تركه مالا يعنيه وقال الحسن بن منصور عليك بنفسك فإن لم تشغلها شغلتك انتهى
وقوله لولا أخرتني إلى أجل قريب طلب للكرة والإمهال وسماه قريبا أنه بات وأيضا فإنما يتمنى ذلك ليقضي فيه العمل الصالح فقط وليس بتسع الأمل حينئذ لطلب العيش ونضرته
وقوله واكن من الصالحين ظاهره العموم وقال ابن عباس هو الحج وروى الترمذي عنه أنه قال ما من رجل لا يؤدي الزكاة ولا يحج إلا طلب الكرة عند موته قال الثعلبي قال ابن عباس إلى أجل قريب يريد مثل آجالنا في الدنيا انتهى وقرأ أبو عمرو وأكون وفي قوله تعالى ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها حض على المبادرة ومسابقة الأجل بالعمل الصالح
تفسير سورة التغابن وهي مدنية وقال آخرون مكية
إلا قوله عز و جل يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم إلى آخر السورة فإنه مدني
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن أي في أصل الخلقة وهذا

يجري مع قول الملك يا رب اشقي أم سعيد الحديث وذلك في بطن أمه وقيل الآية تعديد نعم فقوله هو الذي خلقكم هذه نعمة إلايجاد ثم قال فمنكم كافر أي بهذه النعمة لجهله بالله ومنكم مؤمن بالله والإيمان به شكر لنعمته فالإشارة على هذا التأويل في الإيمان والكفر هي إلى اكتساب العبد وهذا قول جماعة وقيل غير هذا
وقوله تعالى خلق السموات والأرض بالحق أي لم يخلقها عبثا ولا لغير معنى
وقوله تعالى فأحسن صوركم هو تعديد نعم والمراد الصورة الظاهرة وقيل المراد صورة الإنسان المعنوية من حيث هو إنسان مدرك عاقل والأول أجرى على لغة العرب
وقوله تعالى ألم يأتكم جزم أصله يأتيكم والخطاب في هذه الآية لقريش ذكروا بما حل بعاد وثمود وغيرهم ممن سمعت قريش بأخبارهم ووبال الأمر مكروهه وما يسوء منه
وقوله تعالى ذلك بأنه إشارة إلى ذوق الوبال وباقي الآية بين
وقوله تعالى زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا يريد قريشا ثم هي بعد تعم كل كافر بالبعث ولا توجد زعم مستعملة في فصيح الكلام إلا عبارة عن الكذب أو قول انفرد به قائله
وقوله سبحانه فآمنوا بالله ورسوله والنور الذي أننزلنا هذه الآية دعاء من الله وتبليغ وتحذير من يوم القيامة والنور القرءان ومعانيه ويوم الجمع هو يوم القيامة وهو يوم التغابن يغبن فيه المؤمنون الكافرين نحا هذا المنحى مجاهد وغيره
وقوله تعالى مااصاب من مصيبة يحتمل أن يريد المصائب التي هي رزايا ويحتمل أن يريد جميع الحوادث من خير وشر والكل بإذن الله والإذن هنا عبارة عن العلم والإرادة وتمكين الوقوع
وقوله سبحانه ومن يؤمن بالله يهد قلبه قال فيه المفسرون المعنى ومن آمن وعرف أن كل شيء بقضاء الله وقدره وعلمه هانت عليه مصيبته وسلم لأمر الله تعالى
وقوله تعالى فإن توليتم إلى آخر الآية وعيد وتبرئة للنبي ص -
وقوله يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم إلى آخر السورة

قرءان مدني واختلف في سببه فقال عطاء بن أبي رباح أنه نزل في عوف بن مالك الأشجعي وذكل أنه أراد غزوا مع النبي ص - فاجتمع أهله وأولاده وتشكوا إليه فراقه فرق لهم فثبطوه ولم يغز ثم إنه ندم وهم بمعاقبتهم فنزلت الآية بسببه محذرة من الأزواج والأولاد وفتنتهم ثم صرف تعالى عن معاقبتهم بقوله وإن تعفوا وتصفحوا وقال بعض المفسرين سبب الآية إن قوما آمنوا وثبطهم أزواجهم وأولادهم عن الهجرة فلم يهاجروا إلا بعد مدة فوجدوا غيرهم قد تفقه في الدين فندموا وهموا بمعاقبة أزواجهم وأولادهم ثم أخبر تعالى أن الأموال والأولاد فتنة تشغل المرء عن مراشده وتحمله من الرغبة في الدنيا على ما لا يحمده في آخرته ومنه قوله ص - الولد مبخلة مجينة وخرج أبو داود حديثا في مصنفه أن رسول الله ص - كان يخطب يوم الجمعة على المنبر حتى جاء الحسن والحسين عليهما قميصان أحمران يجرانهما يعثران ويقومان فنزل رسول الله ص - عن المنبر حتى أخذهما وصعد بهما ثم قرأ إنما أموالكم وأولادكم فتنة الآية وقال أني رأيت هذين فلم أصبر ثم أخذ في خطبته قال ع وهذه ونحوها هي فتنة الفضلاء فأما فتنة الجهال الفسقة فمؤدية إلى كل فعل مهلك وفي صحيحي البخاري ومسلم عن أبي ذر قال انتهيت إلى النبي ص - وهو يقول هم الأخسرون ورب الكعبة هم الأخسرون ورب الكعبة قلت ما شأني أيرى في شيئا فجلست وهو يقول فما استطعت أن أسكت وتغشاني ما شاء الله فقلت من هم بأبي أنت وأمي يا رسول الله قال هم الأكثرون مالا إلا من قال هكذا وهكذا وهكذا وفي رواية أن الأكثرين هم الأقلون يوم القيامة إلا من قال بالمال هكذا وهكذا وأشار ابن شهاب بين يديه وعن يمينه وعن شماله وقليل ما هم انتهى واللفظ للبخاري
وقوله سبحانه فاتقوا الله ما استطعتم تقدم الخلاف هل هذه الآية ناسخة لقوله تعالى

اتوقوا الله حق تقاته أو ليست بناسخة بل هي مبينة لها وإن المعنى اتقوا الله حق تقاته فيما استطعتم وهذا هو الصحيح قال الثعلبي قال الربيع بن أنس ما استطعتم أي جهدكم وقيل معناه إذا أمكنكم الجهاد والهجرة فلا يفتننكم الميل إلى الأموال والأولاد واسمعوا ما توعظون به وأطيعوا فيما تؤمرون به انتهى
وقوله سبحانه ومن يوق شح نفسه تقدم الكلام عليه وأسند أبو بكر بن الخطيب من طريق أبي هريرة وأبي سعيد الخدري عن النبي ص - قال السخاء شجرة في الجنة وأغصانها في الدنيا فمن كان سخيا أخذ بغصن منها فلم يتركه الغصن حتى يدخله الجنة والشح شجرة في النار وأغصانها في الأرض فمن كان شحيحا أخذ بغصن من اغصانها فلم يتركه الغصن حتى يدخله النار انتهى وباقي الآية بين
تفسير

سورة الطلاق

وهي مدنية
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى يا أيها النبي إذا طلقتم النساء أي إذا أردتم طلاقهن قاله الثعلبي وغيره فطلقوهن لعدتهن وطلاق النساء حل عصمتهن وصورة ذلك وتنويعه مما لا يختص بالتفسير ومعنى فطلقوهن لعدتهن أي لاستقبال عدتهن وعبارة الثعلبي أي لطهرهن الذي يحصينه من عدتهن وهو طهر لم يجامعها فيه انتهى قال ع ومعنى الآية أن لا يطلق أحد امرأته إلا في طهر لم يمسها فيه هذا على مذهب مالك ومن قاله بقوله القائلين بأن الإقراء عندهم هي الإطهار فيطلق عندهم

المطلق في طهر لم يمس فيه وتعتد به المرأة ثم تحيض حيضتين تعتد بالطهر الذي بينهما ثم تقيم في الطهر الثالث معتدة به فإذا رأت أول الحيضة الثالثة حلت ومن قال بأن الإقراء الحيض وهم العراقيون قال لعدتهن معناه أن يطلق طاهرا فتسقبل بثلاث حيض كوامل فإذا رأت الطهر بعد الثالثة حلت والأصل في منع طلاق الحائض حديث ابن عمر ثم أمر تعالى بإحصاء العدة لما يلحق ذلك من أحكام الرجعة والسكن والميراث وغير ذلك وعبارة الثعلبي وأحصوا العدة أي احفظوا عدد قروءها الثلاثة ونحوه تفسير ابن العربي قال قوله تعالى وأحصوا العدة معناه احفظوا الوقت الذي وقع فيه الطلاق لما يترتب على ذلك من الأحكام انتهى من أحكامه ثم أخبر تعالى بأنهن أحق بسكنى بيوتهن التي طلقن فيها فنهى سبحانه عن إخراجهن وعن خروجهن وسنة ذلك ألا تبيت عن بيتها ولا تغيب عنه نهارا إلا في ضرورة وما لا خطب له من جائز التصرف وذلك لحفظ النسب والتحرز بالنساء واختلفت في معنى قوله تعالى إلا أن يأتين بفاحشة مبينة فقال الحسن وغيره ذلك الزنا فيخرجن للحد وقال ابن عباس ذلك البذاء على الإحماء فتخرج ويسقط حقها من المسكن وتلزم الإقامة في مسكن تتخذه حفظا للنسب وفي مصحف أبي إلا أن يفحشن عليكم وعبارة الثعلبي عن ابن عباس إلا أن تبذو على أهلها فيحل لهم إخراجها انتهى وهو معنى ما تقدم وقرأ الجمهور مبينة بكسر الياء تقول بأن الشيء وبين بمعنى واحد إلا أن التضعيف للمبالغة وقرأ عاصم مبينة بفتح الياء
وقوله سبحانه وتلك حدود الله إشارة إلى جميع أوامره في هذه الآية
وقوله تعالى لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا قال قتادة وغيره يريد به الرجعة أي احصوا العدة وامتثلوا ما أمرتم به تجدوا المخلص إن ندمتم فإنكم لا تدرون لعل الرجعة تكون بعد
وقوله تعالى فإذا بلغن أجلهن يريد به أخر القروء فأمسكوهن بمعروف وهو حسن العشرة

أو فارقوهن بمعروف وهو أداء جميع الحقوق والوفاء بالشروط حسب نازلة نازلة وعبارة الثعلبي فإذا بلغن أجلهن أي أشرفن على انقضاء عدتهن انتهى وهو حسن
وقوله تعالى وأشهدوا ذوي عدل منكم يريد على الرجعة وذلك شرط في صحة الرجعة وتمنع المرأة الزوج من نفسها حتى يشهد وقال ابن عباس على الرجعة والطلاق معا قال النخعي العدل من لم تظهر منه ريبة والعدل حقيقة الذي لا يخاف إلا الله
وقوله سبحانه وأقيموا الشهادة لله أمر للشهود
وقوله ذلكم يوعظ به إشارة إلى إقامة الشهادة وذلك أن فصول الأحكام تدور على إقامة الشهادة
وقوله سبحانه ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب قال بعض رواة الآثار نزلت هذه الآية في عوف بن مالك الأشجعي أسر ولده وقدر عليه رزقه فشكا ذلك إلى النبي ص - فأمره بالتقوى فلم يلبث أن تفلت ولده وأخذ قطيع غنم للقوم الذين أسروه فسأل عفو النبي ص - أتطيب له تلك الغنم فقال نعم فقال أبو عمر ابن عبد البر قال النبي ص - أبى الله عز و جل أن يجعل أرزاق عباده المؤمنين إلا من حيث لا يحتسبون وقال عليه السلام لابن مسعود لا يكثر همك يا عبد الله ما يقدر يكن وما ترزق يأتيك وعنه ص - استنزلوا الرزق بالصدقة انهتى من كتابه المسمى ببهجة المجالس وأنس المجالس
وقوله تعالى ومن يتوكل على الله فهو حسبه هذه الآيات كلها عظة لجميع الناس ومعنى حسبه كافيه وقال ابن مسعود أكثر هذه الآيات حضا على التفويض لله
وقوله تعالى إن الله بالغ أمره بيان وحض على التوكل أي لا بد من نفوذ أمر الله توكلت أيها المرء أو لم تتوكل قاله مسروق فإن توكلت على الله كفاك وتعجلت الراحة والبركة وإن لم تتوكل وكلك إلى عجزك وتسخطك وأمره سبحانه في الوجهين نافذ
وقوله سبحانه واللائي يئسن من

المحيض من نسائكم الآية اللائي جميع التي واليائسات من المحيض على مراتب محل بسطها كتب الفقه وروى إسماعيل بن خالد أن قوما منهم أبي بن كعب وخلاد بن النعمان لما سمعوا قوله تعالى والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء قالوا يا رسول الله فما عدة من لا قرء لها من صغر أو كبر فنزلت هذه الآية فقال قائل منهم فما عدة الحامل فنزلت وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن وهو لفظ يعم الحوامل المطلقات والمعتدات من الوفاة والارتياب المذكور قيل هو بأمر الحمل
وقوله سبحانه أسكنوهن من حيث سكنتم الآية أمر بإسكان المطلقات ولا خلاف في ذلك في التي لم تبت وأما المبتوتة فمالك يرى لها السكنى لمكان حفظ النسب ولا يرى لها نفقة لأن النفقة بإزاء الاستمتاع وقال الثعلبي من حيث سكنتم أي في مساكنكم التي طلقتموهن فيها انتهى والوجد السعة في المال وأما الحامل فلا خلاف في وجوب سكناها ونفقتها بتت أو لم تبت لأنها مبينة في الآية وإنا اختلفوا في نفقة الحامل المتوفى عنها زوجها هل ينفق عليها من التركة أم لا وكذلك النفقة على المرضع المطلقة واجبة وبسط ذلك في كتب الفقه
وقوله سبحانه واتمروا بينكم بمعروف أي ليأمر كل واحد صاحبه بخير وليقبل كل أحد ما أمر به من المعروف
وقوله سبحانه وإن تعاسرتم أي تشططت المرأة في الحد الذي يكون أجره على الرضاع فللزوج أن يسترضع بما فيه رفقة إلا أن لا يقبل المولود غير أمه فتجبر هي حينئذ على رضاعه بأجرة مثلها ومثل الزوج في حالهما وغناهما ت وهذا كله في المطلقة البائن قال ابن عبد السلام من أصحابنا الضمير في قوله تعالى فإن أرضعن لكم فأتوهن أجورهن عائد على المطلقات وكذلك قوله تعالى والوالدات يرضعن أولادهن وأما ذات الزوج أو الرجعية فيجب عليها أن ترضع من غير أجر إلا أن تكون شريفة فلا يلزمها ذلك انتهى
وقوله سبحانه لينفق ذو سعة من سعته الآية

عدل بين الأزواج ليلا تضيع هي ولا يكلف هو ما لايطيق ثم رجى تعالى باليسر تسهيلا على النفوس وتطييبا لها
وقوله سبحانه وكأين قال الثعلبي وكأين أي وكم من قرية عتت أي عصت
وقوله فحاسبناها قال ع قال بعض المتأولين الآية في أحوال الآخرة أي ثم هو الحساب والتعذيب والذوق وخسارة العاقبة وقال آخرون ذلك في الدنيا ومعنى حاسبناها حسابا شديدا أي لم تغتفر لهم زلة بل أخذت بالدقائق من الذنوب ثم ندب تعالى أولي الألباب إلى التقوى تحذيرا
وقوله تعالى قد أنزل الله إليكم ذكرا رسولا اختلف في تقديره وأبين الأقوال فيه معنى أن يكون الذكر القرآن والرسول محمدا ص - والمعنى وأرسل رسولا لكن الإيجاز اقتضى اختصار الفعل الناصب للرسول ونحا هذا المنحى السدي وسائر الآية بين
وقوله سبحانه الله الذي خلق سبع سموات ومن الأرض مثلهن لا خلاف بين العلماء أن السماوات سبع وأما الأرض فالجمهور على أنها سبع أرضين وهو ظاهر هذه الآية وإنما المماثلة في العدد ويبينه قوله ص - في الحديث الصحيح من غصب شبرا من أرض طوقه الله من سبع أرضين إلى غير هذا مما وردت به الروايات وروي عن قوم من العلماء أنهم قالوا الأرض واحدة وهي مماثلة لكل سماء بانفرادها في ارتفاع جرمها وفي أن فيها عالما يعبد الله
وقوله سبحانه يتنزل الأمر بينهن الأمر هنا يعمم الوحي وجميع ما يأمر به سبحانه من تصريف الرياح نوالسحاب وغير ذلك من عجائب صنعه لا إله غيره وباقي السورة وعظ وحض على توحيد الله عز و جل
وقوله على كل شيء قدير عموم معناه الخصوص في المقدورات
وقوله بكل شيء علما عموم على إطلاقه

تفسير

سورة التحريم

وهي مدنية بإجماع
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى ياأيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك الآية وفي الحديث من طرق ما معناه أن النبي ص - جاء إلى بيت حفصة فوجدها قد مرت لزيارة أبيها فدعا ص - جاريته مارية فقال معها فجاءت حفصة وقالت يا نبي الله أفي بيتي وعلى فراشي فقال لها ص - مترضيا لها أيرضيك أن أحرمها قالت نعم فقال إني قد حرمتها قال ابن عباس وقال مع ذلك والله لا أطأها أبدا ثم قال لها لا تخبري بهذا أحدا ثم أن حفصة قرعت الجدار الذي بينها وبين عائشة وأخبرتها لتسرها بالأمر ولم تر في إفشائه إليها حرجا واستكتمتها فأوحى الله بذلك إلى نبيه ونزلت الآية وفي حديث آخر عن عائشة أن هذا التحريم المذكور في الآية إنما هو بسبب العسل الذي شربه ص - عند زينب بنت جحش فتمالأن عائشة وحفصة وسودة على أن تقول له من دنا منها إنا نجد منك ريح مغافير أأكلت مغافير يا رسول الله والمغافير صمغ العرفط وهو حلو كريه الرائحة ففعلن ذلك فقال رسول الله ما أكلت مغافير ولكني شربت عسلا فقلن له جرست نحلة العرفط فقال ص - لا أشربه أبدا وكان يكره أن توجد منه رائحة كريهة فدخل بعد ذلك على زينب فقالت ألا أسقيك من ذلك العسل فقال لا حاجة لي به قالت عائشة تقول سودة حين بلغنا امتناعه والله لقد حرمناه فقلت لها اسكتي قال ع والقول الأول أن الآية نزلت بسبب مارية أصح وأوضح وعليه تفقه الناس في

الآية ومتى حرم الرجل مالا أو جارية فليس تحريمه بشيء ت والحديث الثاني هو الصحيح خرجه البخاري ومسلم وغيرهما ودعا الله تعالى نبيه باسم النبوءة الذي هو دال على شرف منزلته وفضيلته التي خصه بها وقرره تعالى كالمعاتب له على تحريمه على نفسه ما أحل الله له ثم غفر له تعالى ما عاتبه فيه ورحمه
وقوله تعالى قد فرض الله أي بين وأثبت فقال قوم من أهل العلم هذه إشارة إلى تكفير التحريم وقال آخرون هي إشارة إلى تكفير اليمين المقترنة بالتحريم والتحلة مصدر وزنها تفعلة وأدغم لاجتماع المثلين وأحال في هذه الآية على الآية التي فسر فيها الإطعام في كفارة اليمين بالله تعالى والمولى الموالي الناصر
وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه يعني حفصة حديثا قال الجمهور الحديث هو قوله في أمر مارية وقال آخرون بل هو قوله إنما شربت عسلا
وقوله تعالى عرف بعضه المعنى مع شد الراء أعلم به وانب عليه وأعرض عن بعض أي تكرما وحياء وحسن عشرة قال الحسن ما استقصى كريم قط والمخاطبة بقوله إن تتوبا إلى الله هي لحفصة وعائشة وفي حديث البخاري وغيره عن ابن عباس قال قلت لعمر من اللتان تظاهرتا على رسول الله ص - قال حفصة وعائشة
وقوله صغت قلوبكما معناه مالت والصغي الميل ومنه أصغى إليه بأذنه وأصغى الإناء وفي قراءة ابن مسعود فقد زاغت قلوبكما والزيغ الميل وعرفه في خلاف الحق وجمع القلوب من حيث الاثنان جمع ص قلوبكما القياس فيه قلباكما مثنى والجمع أكثر استعمالا وحسنه إضافته إلى مثنى وهو ضميرهما لأنهم كرهوا اجتماع تثنيتين انتهى ومعنى الآية إن تبتما فقد كان منكما ما ينبغي أن يتاب منه وهذا الجواب الذي للشرط هو متقدم في المعنى وإنما ترتب جوابا في اللفظ وإن تظاهرا معناه تتعاونا وأصل تظاهرا تتظاهرا ومولاه أي ناصره وجبريل وما بعده يحتمل أن يكون عطفا على اسم الله ويحتمل أن يكون جبريل رفعا بالابتداء

وما بعده عطف عليه وظهير هو الخبر وخرج البخاري بسنده عن أنس قال قال عمر اجتمع نساء النبي ص - في الغيرة عليه فقلت لهن عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن فنزلت هذه الآية انتهى وقانتات معناه مطيعات والسائحات قيل معناه صائمات وقيل معناه مهاجرات وقيل معناه ذاهبات في طاعة الله وشبه الصائم بالسائح من حيث ينهمل السائح ولا ينظر في زاد ولا مطعم وكذلك الصائم يمسك عن ذلك فيستوي هو والسائح في الامتناع وشظف العيش لفقد الطعام
وقوله سبحانه يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا الآية قوا معناه اجعلوا وقاية بينكم وبين النار وقوله وأهليكم معناه بالوصية لهم والتقويم والحمل على طاعة الله وفي الحديث رحم الله رجلا قال يا أهلاه صلاتكم صيامكم زكاتكم مسكينكم يتيمكم ت وفي العتبية عن مالك أن النبي ص - قال إن الله أذن لي أن أتحدث عن ملك من الملائكة إن ما بين شحمة أذنه وعاتقه لمخفق الطير سبعين عاما انتهى وباقي الآية في غاية الوضوح نجانا الله من عذابه بفضله والتوبة فرض على كل مسلم وهي الندم على فارط المعصية والعزم على ترك مثلها في المستقبل هذا من المتمكن وأما غير المتمكن كالمجبوب في الزنا فالندم وحده يكفيه والتوبة عبادة كالصلاة وغيرها فإذا تاب العبد وحصلت توبته بشروطها وقبلت ثم عاود الذنب فتوبته الأولى لا تفسدها عودة بل هي كسائر ما تحصل من العبادات والنصوح بناء مبالغة من النصح أي توبة نصحت صاحبها وأرشدته وعن عمر التوبة النصوح هي أن يتوب ثم لا يعود ولا يريد أن يعود وقال أبو بكر الوراق هي أن تضيق عليك الأرض بما رحبت كتوبة الذين خلفوا وروي في ذلك معنى قوله تعالى يوم لا يخزي الله النبي أن النبي ص - تضرع مرة إلى الله عز و جل في أمر أمته فأوحى الله إليه إن شئت جعلت حسابهم إليك فقال يا رب أنت أرحم بهم فقال الله تعالى إذن لا أخزيك

فيهم
وقوله تعالى والذين آمنوا معه يحتمل أن يكون معطوفا على النبي فيخرج المؤمنون من الخزي ويحتمل أن يكون مبتدأ ونورهم يسعى جملة هي خبره وقولهم اتمم لنا نورنا قال الحسن بن أبي الحسن هو عندما يرون من انطفاء نور المنافقين حسبما تقدم تفسيره وقيل يقوله من أعطي من النور بقدر ما يرى موضع قدميه فقط وباقي الآية بين مما تقدم في غير هذا الموضع
وقوله سبحانه ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأت نوح الآية هذان المثلان اللذان للكفار والمؤمنين معناهما أن من لا كفر لا يغني عنه من الله شيء ولا ينفعه سبب وإن من آمن لا يدفعه عن رضوان الله دافع ولو كان في أسوأ منشأ وأخس حال وقول من قال إن في المثلين عبرة لأزواج النبي ص - بعيد قال ابن عباس وغيره خانتاهما أي في الكفر وفي أن امرأة نوح كانت تقول للناس إنه مجنون وأن امرأة لوط كانت تنم إلى قومها خبر أضيافه قال ابن عباس وما بغت زوجة نبي قط وامرأة فرعون اسمها آسية وقولها وعمله تعني كفره وما هو عليه من الضلالة
وقوله التي أحصنت فرجها الجمهور أنه فرج الدرع وقال قوم هو الفرج الجارحة وإحصانه صونه
وقوله سبحانه فنفخنا فيه عبارة عن فعل جبريل ت وقد عكس رحمه الله نقل ما نسبه للجمهور في سورة الأنبياء فقال المعنى واذكر التي أحصنت فرجها وهو الجارحة المعروفة هذا قول الجمهور انظر بقية الكلام هناك
وقوله سبحانه من روحنا إضافة مخلوق إلى خالق ومملوك إلى مالك كما تقول بيت الله وناقة الله كذلك الروح الجنس كله هو روح الله وقرأ الجمهور وصدقت بكلمات ربها بالجمع فيقوى أن يريد التوراة ويحتمل أن يريد أمر عيسى وقرأ الجحدري بكلمة فيقوى أن يريد أمر عيسى ويحتمل أن يريد التوراة فتكون الكلمة اسم جنس وقرأ نافع وغيره وكتابه وقرأ أبو عمرو وغيره وكتبه بضم التاء والجمع وذلك كله مراد به التوراة

والإنجيل قال الثعلبي واختار أبو حاتم قراءة أبي عمرو بالجمع لعمومها واختار أبو عبيدة قراءة الإفراد لأن الكتاب يراد به الجنس انتهى وهو حسن وكانت من القانتين أي من القوم القانتين وهم المطيعون العابدون وقد تقدم بيانه
تفسير

سورة الملك

وهي مكية بإجماع
وكان النبي ص - يقرأها عند أخذ مضجعه رواه جماعة مرفوعا وروي أنها تنجي من عذاب القبر تجادل عن صاحبها حتى لا يعذب وروى ابن عباس أن النبي ص - قال وددت أن سورة تبارك الذي بيده الملك في قلب كل مؤمن ت وقد خرج مالك في الموطأ أنها تجادل عن صاحبها وخرج أبو داود والترمذي والنسائي وأبو الحسن بن صخر وأبو ذر الهروي وغيرهم أحاديث في فضل هذه السورة نحو ما تقدم ولولا ما قصدته من الاختصار لنقلتها هنا ولكن خشية الإطالة منعتني من جلب كثير من الآثار الصحيحة في هذا المختصر وانظر الغافقي فقد استوفى نقل الآثار في فضل هذه السورة
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى تبارك الذي بيده الملك تبارك من البركة وهي التزايد في الخيرات الثعلبي تبارك الذي بيده الملك أي تعالى وتعاظم وقال الحسن تقدس الذي بيده الملك في الدنيا والآخرة وقال ابن عباس بيده الملك يعز من يشاء ويذل من يشاء انتهى
وقوله سبحانه الذي خلق الموت والحياة الآية الموت

والحياة معنيان يتعاقبان جسم الحيوان يرتفع أحدهما بحلول الآخر وما جاء في الحديث الصحيح من قوله عليه السلام يؤتى بالموت يوم القيامة في صورة كبش أملح فيذبح على الصراط الحديث فقال أهل العلم إنما ذلك تمثال كبش يوقع الله العلم الضروري لأهل الدارين أنه الموت الذي ذاقوه في الدنيا ويكون ذلك التمثال حاملا للموت لا على أنه يحل الموت فيه فتذهب عنه حياة ثم يقرن الله تعالى في ذلك التمثال إعدام الموت
وقوله سبحانه ليبلوكم أي جعل لكم هاتين الحالتين ليبلوكم أي ليختبركم في حال الحياة ويجازيكم بعد الممات وقال أبو قتادة ونحوه عن ابن عمر قلت يا رسول الله ما معنى قوله تعالى ليبلوكم أيكم أحسن عملا فقال يقول أيكم أحسن عقلا وأشدكم لله خوفا وأحسنكم في أمره ونهيه نظرا وإن كانوا أقلكم تطوعا وقال ابن عباس وسفيان الثوري والحسن أيكم أحسن عملا أزهدكم في الدنيا قال القرطبي وقال السدي أحسنكم عملا أي أكثركم للموت ذكرا وله أحسن استعدادا ومنه أشد خوفا وحذرا انتهى من التذكرة ولله در القائل
... وفي ذكر هول الموت والقبر والبلى ... عن الشغل باللذات للمرء زاجر ...
... أبعد اقتراب الأربعين تربص ... وشيب فذاك منذر لك ذاعر ...
... فكم في بطون الأرض بعد ظهورها ... محاسنهم فيها بوال دوائر ...
... وأنت على الدنيا مكب منافس ... لخطابها فيها حريص مكاثر ...
... على خطر تمسي وتصبح لاهيا ... أتدري بما إذا لو عقلت تخاطر ...
... وإن امرأ يسعى لدنياه جاهدا ... ويذهل عن أخراه لا شك خاسر ...
... كأنك مغتر بما أنت صائر ... لنفسك عمدا أو عن الرشد جائر ...
... فجد ولا تغفل فعيشك زائل ... وأنت إلى دار المنية صائر ...
... ولا تطلب الدنيا فإن طلابها ... وإن نلت منها ثروة لك ضائر

وكيف يلذ العيش من هو موقن ... بموقف عدل يوم تبلى السرائر ...
... لقد خضعت واستسلمت وتضاءلت ... لعزة ذي العرش الملوك الجبابر ...
انتهى وطباقا قال الزجاج هو مصدر وقيل جمعه طبقة أو جمع طبق والمعنى بعضها فوق بعض وقال أبان بن ثعلب سمعت أعرابيا يذم رجلا فقال شره طباق وخيره غير باق وما ذكره بعض المفسرين في السموات من أن بعضها من ذهب وفضة وياقوت ونحو هذا ضعيف لم يثبت بذلك حديث
وقوله سبحانه ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت معناه من قلة تناسب ومن خروج عن إتقان قال بعض العلماء خلق الرحمن معني به السماوات وإياها أراد بقوله هل ترى من فطور وبقوله ينقلب إليك البصر الآية وقال آخرون بل يعني به جميع ما خلق سبحانه من الأشياء فإنها لا تفاوت فيها ولا فطور جارية على غير إتقان قال منذر بن سعيد أمر الله تعالى بالنظر إلى السماء وخلقها ثم أمر بتكرير النظر وكذلك جميع المخلوقات متى نظرها ناظر ليرى فيها خللا أو نقصا فإن بصره ينقلب خاسئا حسيرا ورجع البصر ترديده في الشيء المبصر وكرتين معناه مرتين والخاسئ المبعد عن شيء أراده وحرص عليه ومنه قوله تعالى اخسئوا فيها وكذلك البصر يحرص على رؤية فطور أو تفاوت فلا يجد ذلك فينقلب خاسئا والحسير العيي الكال
وقوله تعالى بمصابيح يعني النجوم قال الفخر ومعنى السماء الدنيا أي القريبة من الناس وليس في هذه الآية ما يدل على أن الكواكب مركوزة في السماء الدنيا وذلك لأن السماوات إذا كانت شفافة فالكواكب سواء كانت في السماء الدنيا أو كانت في سماوات أخرى فوقها فهي لا بد أن تظهر في السماء وتلوح فيها فعلى كلا التقديرين فالسماء الدنيا مزينة بها انتهى
وقوله وجعلناها معناه وجعلنا منها ويوجب هذا التأويل في الآية أن الكواكب الثابتة والبروج وكل ما يهتدى به في البر والبحر ليست براجمة

وهذا نص في حديث السير قال الثعلبي رجوما للشياطين يرجمون بها إذا استرقوا السمع فلا تخطئهم فمنهم من يقتل ومنهم من يبخل انتهى
وقوله تعالى وللذين كفروا بربهم عذاب جهنم قال ع تضمنت الآية أن عذاب جهنم للكفار المخلدين وقد جاء في الأثر أنه يمر على جهنم زمان تخفق أبوابها قد أخلتها الشفاعة والذي يقال في هذا أن جهنم اسم تختص به الطبقة العليا من النار ثم قد تسمى الطبقات كلها باسم بعضها فالتي في الأثر هي الطبقة العليا لأنها مقر العصاة من المؤمنين والتي في هذه الآية هي جهنم بأسرها أي جميع الطبقات والشهيق أقبح ما يكون من صوت الحمار فاشتعال النار وغليانها يصوت مثل ذلك
وقوله تكاد تميز أي يزايل بعضها بعضا لشدة الاضطراب ومن الغيظ معناه على الكفرة بالله والفوج الفريق من الناس وظاهر الآية أنه لا يلقى في جهنم أحد إلا سئل على جهة التوبيخ
وقوله سبحانه إن أنتم إلا في ضلال كبير يحتمل أن يكون من قول الملائكة ويحتمل أن يكون من تمام كلام الكفار للنذر قال الفخر وقوله تعالى عنهم لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير قيل إنما جمعوا بين السمع والعقل لأن مدار التكليف على أدلة السمع والعقل انتهى
وقوله سبحانه الذين يخشون ربهم بالغيب يحتمل معنيين أحدهما بالغيب الذي أخبروا به من النشر والحشر والجنة والنار فآمنوا بذلك وخشوا ربهم فيه ونحا إلى هذا قتادة والمعنى الثاني أنهم يخشون ربهم إذا غابوا عن أعين الناس أي في خلواتهم في صلاتهم وعباداتهم
وقوله تعالى وأسروا قولكم الآية خطاب لجميع الخلق وذلولا بمعنى مذلولة ومناكبها قال مجاهد هي الطرق والفجاج وقال البخاري مناكبها جوانبها قال الغزالي رحمه الله جعل الله سبحانه الأرض ذلولا لعباده لا ليستقروا في مناكبها بل ليتخذوها منزلا فيتزودون منها محترزين من مصائدها ومعاطبها ويتحققون أن العمر يسير بهم سير السفينة براكبها فالناس في

هذا العالم سفر وأول منازلهم المهد وآخرها اللحد والوطن هو الجنة أو النار والعمر مسافة السفر فسنوه مراحله وشهوره فراسخه وأيامه أمياله وأنفاسه خطواته وطاعته بضاعته وأوقاته رؤوس أمواله وشهواته وأغراضه قطاع طريقه وربحه الفوز بلقاء الله عز و جل في دار السلام مع الملك الكبير والنعيم المقيم وخسرانه البعد من الله عز و جل مع الأنكال والأغلال والعذاب الأليم في دركات الجحيم فالغافل عن نفس واحد من أنفاسه حتى ينقضي في غير طاعة تقربه إلى الله تعالى زلفى متعرض في يوم التغابن لغبينة وحسرة مالها منتهى ولهذا الخطر العظيم والخطب الهائل شمر الموفقون عن ساق الجد ودعوا بالكلية ملاذ النفس واغتنموا بقايا العمر فعمروها بالطاعات بحسب تكرر الأوقات انتهى قال الشيخ أبو مدين رحمه الله عمرك نفس واحد فاحرص من أن يكون لك لا عليك انتهى والله الموفق بفضله والنشور الحياة بعد الموت وتمور معناه تذهب وتجيء كما يذهب التراب الموار في الريح والحاصب البرد وما جرى مجراه والنكير مصدر بمعنى الإنكار والنذير كذلك ومنه قول حسان بن ثابت
... فأنذر مثلها نصحا قريشا ... من الرحمن إن قبلت نذيري ...
ثم أحال سبحانه على العبرة في أمر الطير وما أحكم من خلفتها وذلك بين عجز الأصنام والأوثان عنه وصافات جمع صافة وهي التي تبسط جناحها وتصفه وقبض الجناح ضمه إلى الجنب وهاتان حالتان للطائر يستريح من إحداهما إلى الأخرى
وقوله سبحانه أمن هذا الذي يرزقكم إن أمسك رزقه هذا أيضا توقيف على أمر لا مدخل للأصنام فيه
وقوله سبحانه أفمن يمشي مكبا على وجهه قال ابن عباس والضحاك ومجاهد نزلت مثلا للمؤمنين والكافرين على العموم وقال قتادة نزلت مخبرة عن حال القيامة وأن الكفار يمشون على وجوههم والمؤمنين يمشون على استقامة كما جاء في الحديث ويقال أكب الرجل إذا در

وجهه إلى الأرض وكبه غيره قال عليه السلام وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم فهذا الفعل على خلاف القاعدة المعلومة لأن أفعل هنا لا يتعدى وفعل يتعدى ونظيره قشعت الريح السحاب فانقشع وقال ص مكبا حال وهو من اكب غير متعد وكب متعد قال تعالى فكبت وجوههم في النار والهمزة فيه للدخول في الشيء أو للصيرورة ومطاوع كب انكب تقول كببته فانكب قال بعض الناس ولا شيء من بناء أفعل مطاوعا انتهى وأهدى في هذه الآية أفعل تفضيل من الهدى
وقوله تعالى ويقولون متى هذا الوعد يريدون أمر القيامة والعذاب المتوعد به ثم أمر سبحانه نبيه عليه السلام أن يخبرهم بأن علم القيامة والوعد الصدق مما تفرد الله سبحانه بعلمه
وقوله سبحانه فلما رأوه الضمير للعذاب الذي تضمنه الوعد وهذه حكاية حال تأتي والمعنى فإذا رأوه
وزلفة معناه قريبا قال الحسن عيانا
وسيئت وجوه الذين كفروا معناه ظهر فيها السوء
وتدعون معناه تتداعون أمره بينكم وقال الحسن تدعون أنه لا جنة ولا نار وروي في تأويل قوله تعالى قل أرأيتم إن أهلكني الله ومن معي الآية أنهم كانوا يدعون على محمد ص - وأصحابه بالهلاك فقال الله تعالى لنبيه قل لهم أرأيتم إن أهلكني الله ومن معي أو رحمنا فمن يجيركم من العذاب الذي يوجبه كفركم ثم وقفهم سبحانه على مياههم التي يعيشون منها إن غارت أي ذهبت في الأرض من يجيئهم بماء كثير كاف ص والغور مصدر بمعنى الغائر انتهى والمعين فعيل من معن الماء إذا كثر وقال ابن عباس معين عذب

تفسير

سورة القلم

وهي مكية بلا خلاف
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله عز و جل ن والقلم وما يسطرون ن حرف مقطع في قول الجمهور فيدخله من الاختلاف ما يدخل أوائل السور ويختص هذا الموضع من الأقوال بأن قال مجاهد وابن عباس ن اسم الحوت الأعظم الذي عليه الأرضون السبع فيما يروي وقال ابن عباس أيضا وغيره ن اسم الدواة فمن قال بأنه اسم الحوت جعل القلم القلم الذي خلقه الله وأمره بكتب الكائنات وجعل الضمير في يسطرون للملائكة ومن قال بأن ن اسم للدواة جعل القلم هذا القلم المتعارف بأيدي الناس نصا على ذلك ابن عباس وجعل الضمير في يسطرون للناس فجاء القسم على هذا بمجموع أمر الكتاب الذي هو قوام للعلوم والمعارف وأمور الدنيا والآخرة فإن القلم أخو اللسان وعضد الإنسان ومطية الفطنة ونعمة من الله عامة وروى معاوية بن قرة أن النبي ص - قال ن لوح من نور وقال ابن عباس أيضا وغيره ن هو حرف من حروف الرحمن وقالوا إنه تقطع في القرآن الروحم ون ويسطرون معناه يكتبون سطورا فإن أراد الملائكة فهو كتب الأعمال وما يؤمرون به وإن أراد بني آدم فهي الكتب المنزلة والعلوم وما جرى مجراها قال ابن العربي في أحكامه روى الوليد بن مسلم عن مالك عن سمي مولى أبي بكر عن أبي صالح عن أبي هريرة قال سمعت رسول الله ص - يقول أول ما خلق الله القلم ثم خلق النون وهي الدواة وذلك قوله ن والقلم ثم قال له اكتب قال وما أكتب قال ما كان وما هو كائن إلى يوم

القيامة قال ثم ختم العمل فلم ينطق ولا ينطق إلى يوم القيامة ثم خلق العقل فقال الجبار ما خلقت خلقا أعجب إلي منك وعزتي لأكلمنك فيمن أجبت ولا نقصنك فيمن أبغضت قال ثم قال رسول الله ص - أكمل الناس عقلا أطوعهم لله وأعملهم بطاعته انتهى ت وهذا الحديث هو الذي يعول عليه في تفسير الآية لصحته والله سبحانه أعلم
وقوله تعالى ما أنت بنعمة ربك بمجنون وهو جواب القسم وما هنا عاملة لها اسم وخبر وكذلك هي متى دخلت الباء في الخبر وقوله بنعمة ربك اعتراض كما تقول لإنسان أنت بحمد لله فاضل وسبب الآية هو ما كان من قريش في رميهم النبي ص - بالجنون فنفى الله تعالى ذلك عنه وأخبره بأن له الأجر وأنه على الخلق العظيم تشريفا له ومدحا واختلف في معنى ممنون فقال أكثر المفسرين هو الواهن المنقطع يقال حبل منين أي ضعيف وقال آخرون معناه غير ممنون عليك أي لا يكدره من به وفي الصحيح سئلت عائشة رضي الله عنها عن خلق رسول الله ص - فقالت كان خلقه القرآن وقال الجنيد سمي خلقه عظيما إذ لم تكن له همة سوى الله تعالى عاشر الخلق بخلقه وزايلهم بقلبه فكان ظاهره مع الخلق وباطنه مع الحق وفي وصية بعض الحكماء عليك بالخلق مع الخلق وبالصدق مع الحق وحسن الخلق خير كله وقال عليه السلام إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة قائم الليل صائم النهار وجاء في حسن الخلق آثار كثيرة منعنا من جلبها خشية الإطالة وقد روى الترمذي عن أبي هريرة قال سئل رسول الله ص - ما يدخل الناس الجنة فقال تقوى الله وحسن الخلق وسئل عن أكثر ما يدخل الناس النار فقال الفم والفرج قال أبو عيسى هذا حديث صحيح غريب انتهى وروى الترمذي عن أبي الدرداء أن النبي ص - قال ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة

من خلق حسن وإن الله ليبغض الفاحش البذي قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح انتهى قال أبو عمر في التمهيد قال الله عز و جل لنبيه ص - وإنك لعلى خلق عظيم قال المفسرون كان خلقه ما قال الله سبحانه خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين انتهى
وقوله تعالى فستبصر أي أنت وأمتك ويبصرون أي هم بأيكم المفتون قال الأخفش والعامل في الجملة المستفهم عنها الأبصار وأما الباء فقال أبو عبيدة معمة وقتادة هي زائدة والمعنى أيكم المفتون قال الثعلبي المفتون المجنون الذي فتنه الشيطان انتهى
وقوله تعالى فلا تطع المكذبين يعني قريشا وذلك أنهم قالوا في بعض الأوقات للنبي ص - لو عبدت آلهتنا وعظمتها لعبدنا إلهك وعظمنا وودوا أن يداهنهم النبي ص - ويميل إلى ما قالوا فيميلوا هم أيضا إلى قوله ودينه والإدهان الملاينة فيما لا يحل والمداراة الملاينة فيما يحل
وقوله فيدهنون معطوف وليس بجواب لأنه لو كان لنصب والحلاف المردد لحلفه الذي قد كثر منه والمهين الضعيف الرأي والعقل قاله مجاهد وقال ابن عباس المهين الكذاب والهماز الذي يقع في الناس بلسانه قال منذر بن سعيد وبعينه وإشارته والنميم مصدر كالنميمة وهو نقل ما يسمع مما يسوء ويحرش النفوس قال أبو عمر بن عبد البر في كتابه المسمى ببهجة المجالس قال النبي ص - من كف عن أعراض المسلمين لسانه أقاله الله يوم القيامة عثرته وقال عليه السلام شراركم أيها الناس المشاؤون بالنميمة المفرقون بين الأحبة الباغون لأهل البر العثرات انتهى وروى حذيفة أن النبي ص - قال لا يدخل الجنة قتات وهو النمام وذهب كثير من المفسرين إلى أن هذه الأوصاف هي أجناس لم يرد بها رجل بعينه وقالت طائفة بل نزلت في معين واختلفوا فيه فقال بعضهم هو الوليد بن المغيرة وقيل هو الأخنس بن شريق ويؤيد ذلك أنه كانت له زنمة في

حلقه كزنمة الشاة وأيضا فكان من ثقيف ملصقا في قريش وقيل هو أبو جهل وقيل هو الأسود بن عبد يغوث قال ع وظاهر اللفظ عموم من اتصف بهذه الصفات والمخاطبة بهذا المعنى مستمرة باقي الزمان لا سيما لولاة الأمور
وقوله تعالى مناع للخير قال كثير من المفسرين الخير هنا المال فوصفه بالشح وقال آخرون بل هو على عمومه في الأموال والأعمال الصالحات والمعتدى المتجاوز لحدود الأشياء والإثم فعيل من الإثم والعتل القوي البنية الغليظ الأعضاء القاسي القلب البعيد الفهم الأكول الشروب الذي هو بالليل جيفة وبالنهار حمار وكل ما عبر به المفسرون عنه من خلال النقص فعن هذه التي ذكرت تصدر وقد ذكر النقاش أن النبي ص - فسر العتل بنحو هذا وهذه الصفات كثيرة التلازم والزنيم في كلام العرب الملصق في القوم وليس منهم ومنه قول حسان
... وأنت زنيم نيط في آل هاشم ... كما نيط خلف الراكب القدح الفرد ...
فقال كثير من المفسرين هو الأخنس بن شريق وقال ابن عباس أراد بالزنيم أن له زنمة في عنقه وكان الأخنس بهذه الصفة وقيل الزنيم المريب القبيح الأفعال
وقوله سنسمه على الخرطوم معناه على الأنف قال ابن عباس هو الضرب بالسيف في وجهه على أنفه وقد حل ذلك به يوم بدر وقيل ذلك الوسم هو في الآخرة وقال قتادة وغيره معناه سنفعل به في الدنيا من الذم له والمقت والاشتهار بالشر ما يبقى فيه ولا يخفى به فيكون ذلك كالوسم على الأنف
وقوله سبحانه إنا بلوناهم يريد قريشا أي امتحناهم وأصحاب الجنة فيما ذكر كانوا إخوة وكان لأبيهم جنة وحرث يغتله فكان يمسك منه قوته ويتصدق على المساكين بباقية وقيل بل كان يحمل المساكين معه في وقت حصاده وجذه فيجديهم منه فمات الشيخ فقال ولده نحن جماعة وفعل أبينا كان خطأ فلنذهب إلى جنتنا ولا يدخلنها علينا مسكين ولا نعطى منها شيئا قال

فبيتوا أمرهم وعزمهم فبعث الله عليهم طائفا من نار أو غير ذلك فاحترقت فقيل فأصبحت سوداء وقيل بيضاء كالزرع اليابس المحصود فلما أصبحوا إلى جنتهم لم يروها فحسبوا أنهم قد أخطئوا الطريق ثم تبينوها فعلموا أن الله أصابهم فيها فتابوا حينئذ وكانوا مؤمنين أهل كتاب فشبه الله قريشا بهم في أنه امتحنهم بالمصائب في دنياهم لعدم اتباعهم للنبي ص - ثم التوبة معرضة لمن بقي منهم
وقوله تعالى ليصرمنها أي ليجذنها ومصبحين معناه داخلين في الصباح
وقوله تعالى ولا يستثنون أي لا ينثبنون عن رأي منع المساكين وقال مجاهد معناه ولا يقولون إن شاء الله والصريم قال جماعة أراد به الليل من حيث اسودت جنتهم وقال ابن عباس الصريم الرماد الأسود بلغة خزيمة وقولهم إن كنتم صارمين يحتمل أن يكون من صرام النخل ويحتمل أن يريد إن كنتم أهل عزم وإقدام على رأيكم من قولك سيف صارم ويتخافتون معناه يتكلمون كلاما خفيا وكان هذا التخافت خوفا من أن يشعر بهم المساكين وكان لفظهم الذي يتخافتون به أن لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين
وقوله على حرد يحتمل أن يريد على منع من قولهم حاردت الإبل إذا قلت ألبانها فمنعتها وحاردت السنة إذا كانت شهباء لا غلة لها ويحتمل أن يريد بالحرد الغضب يقال حرد الرجل حردا إذا غضب قال البخاري قال قتادة على حرد أي على جد في أنفسهم انتهى
وقوله تعالى قادرين يحتمل أن يكون من القدرة أي قادرون في زعمهم ويحتمل أن يكون من التقدير الذي هو تضييق كأنهم قد قدروا على المساكين أي ضيقوا عليهم فلما رأوها أي محترقة قالوا إنا لضالون طريق جنتنا فلما تحققوها علموا أنها قد أصيبت فقالوا بل نحن محرومون أي قد حرمنا غلتها وبركتها فقال لهم اعدلهم قولا وعقلا وخلقا وهو الأوسط ألم أقل لكم لولا تسبحون قيل هي عبارة عن تعظيم الله والعمل بطاعته سبحانه فبادر القوم عند

ذلك وتابوا وسبحوا واعترفوا بظلمهم في اعتقادهم منع الفقراء ولام بعضهم بعضا واعترفوا بأنهم طغوا أي تعدوا ما يلزم من مواساة المساكين ثم انصرفوا إلى رجاء الله سبحانه وانتظار الفضل من لدنه في أن يبدلهم بسبب توبتهم وإنابتهم خيرا من تلك الجنة قال الثعلبي قال ابن مسعود بلغني أن القوم لما أخلصوا وعلم الله صدقهم أبدلهم الله عز و جل بها جنة يقال لها الحيوان فيها عنب يحمل البغل العنقود منها وعن أبي خالد اليماني أنه رأى تلك الجنة ورأى كل عنقود منها كالرجل الأسود القائم انتهى وقدرة الله أعظم فلا يستغرب هذا إن صح سنده
وقوله سبحانه كذلك العذاب أي كفعلنا بأهل الجنة نفعل بمن تعدى حدودنا
ولعذاب الآخرة أكبر أي أعظم مما أصابهم إن لم يتوبوا في الدنيا ثم أخبر تعالى بأن للمتقين عند ربهم جنات النعيم فروي أنه لما نزلت هذه الآية قالت قريش إن كان ثم جنات نعيم فلنا فيها أكبر الحظ فنزلت أفنجعل المسلمين كالمجرمين الآية توبيخا لهم
أم لكم كتاب منزل من عند الله تدرسون فيه أن لكم ما تختارون من النعيم فإن معمولة لتدرسون وكسرت الهمزة من أن لدخول اللام في الخبر وهي في معنى أن بفتح الألف وقرئ شاذان لكم بالفتح وقرأ الأعرج آن لكم فيه على الاستفهام ثم خاطب تعالى الكفار بقوله أم لكم أيمان علينا بالغة كأنه يقول هل أقسمنا لكم قسما فهو عهد لكم بأنا ننعمكم في يوم القيامة وما بعده وقرأ الأعرج آن لكم لما تحكمون على الاستفهام أيضا
سلهم أيهم بذلك زعيم أي ضامن ت قال الهروي وقوله أيمان علينا بالغة أي موكدة انتهى
وقوله تعالى فليأتوا بشركائهم قيل هو استدعاء وتوقيف في الدنيا أي ليحضروهم حتى يرى هل هم بحال من يضر وينفع أم لا وقيل هو استدعاء وتوقيف على أن يأتوا بهم يوم القيامة يوم يكشف عن ساق وقرأ ابن عباس تكشف بضم التاء على معنى تكشف القيامة والشدة الحال

الحاضرة وقرأ ابن عباس أيضا تكشف بفتح التاء على أن القيامة هي الكاشفة وهذه القراءة مفسرة لقراءة الجماعة فما ورد في الحديث والآية من كشف الساق فهو عبارة عن شدة الهول
وقوله جلت عظمته ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون وفي الحديث الصحيح فيخرون لله سجدا أجمعون ولا يبقى أحد كان يسجد في الدنيا رياء ولا سمعة ولا نفاقا إلا صار ظهره طبقا واحدا كلما أراد أن يسجد خر على قفاه الحديث وفي الحديث فيسجد كل مؤمن وترجع أصلاب المنافقين والكفار كصياصي البقر عظما واحدا فلا يستطيعون سجود الحديث
وقوله تعالى وقد كانوا يدعون إلى السجود يريد في دار الدنيا وهم سالمون مما نال عظام ظهورهم من الاتصال والعتو
وقوله سبحاه فذرني ومن يكذب بهذا الحديث الآية وعيد وتهديد والحديث المشار إليه هو القرآن وباقي الآية بين مما ذكر في غير هذا الموضع ثم أمر الله تعالى نبيه بالصبر لحكمه وأن يمضي لما أمر به من التبليغ واحتمال الأذى والمشقة ونهى عن الضجر والعجلة التي وقع فيها يونس ص - ثم اقتضب القصة وذكر ما وقع في آخرها من ندائه من بطن الحوت وهو مكظوم أي وهو كاظم لحزنه وندمه وقال الثعلبي ونحوه في البخاري وهو مكظوم أي مملوء أي مملوء غما وكربا انتهى وهو أقرب إلى المعنى وقال النقاش المكظوم الذي أخذ بكظمه وهي مجاري القلب وقرأ ابن مسعود وغيره لولا أن تداركته نعمة والنعمة التي تداركته هي الصفح والاجتباء الذي سبق له عند الله عز و جل لنبذ بالعراء أي لطرح بالعراء وهو الفضاء الذي لا يوارى فيه جبل ولا شجر وقد نبذ يونس عليه السلام بالعراء ولكن غير مذموم وجاء في الحديث عن أسماء بنت عميس قالت علمني رسول الله ص - كلمات أقولهن عند الكرب أو في الكرب الله الله ربي لا أشرك به شيئا رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه وأخرجه الطبراني في كتاب الدعاء

انتهى من السلاح ثم قال تعالى لنبيه وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم المعنى يكادون من الغيظ والمداواة يزلقونه فيذهبون قدمه من مكانها ويسقطونه قال عياض وقد روي عن ابن عباس أنه قال كل ما في القرآن كاد فهو ما لا يكون قال تعالى يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار ولم يذهبها وأكاد أخفيها ولم يفعل انتهى ذكره إثر قوله تعالى وإن كادوا ليفتنونك وقرأ الجمهور ليزلقونك بضم الياء من أزلق ونافع بفتحها من زلقت الرجل وفي هذا المعنى قول الشاعر
... يتقارضون إذا التقوا في مجلس ... نظرا يزل مواطىء الأقدام ...
وذهب قوم من المفسرين على أن المعنى يأخذونك بالعين وقال الحسن دواء من أصابته العين إن يقرأ هذه الآية والذكر في الآية القرآن
تفسير

سورة الحاقة

وهي مكية بإجماع
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله عز و جل الحاقة ما الحاقة المراد بالحاقة القيامة وهي اسم فاعل من حق الشيء يحق لأنها حقت لكل عامل عمله قال ابن عباس وغيره سميت القيامة حاقة أنها تهدي حقائق الأشياء والحاقة مبتدأ وما مبتدأ ثان والحاقة الثانية خبر ما والجملة خبر الأولى وهذا كما تقول زيد ما زيد على معنى التعظيم له وإبهام التعظيم أيضا ليتخيل السامع أقصى جهده
وقوله وما أدراك ما الحاقة مبالغة في هذا المعنى أي إن فيها ما لم تدره من أهوالها وتفاصيل صفاتها ثم ذكر تعالى تكذيب ثمود وعاد بهذا الأمر الذي هو حق مشيرا إلى أن من كذب بذلك ينزل به

ما نزل بأولئك والقارعة من أسماء القيامة أيضا لأنها تقرع القلوب بصدمتها
وقوله سبحانه فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية قال قتادة معناه بالصيحة التي خرجت عن حد كل صيحة وقيل المعنى بسبب الفيئة الطاغية وقيل بسبب الفعلة الطاغية وقال ابن زيد ما معناه الطاغية مصدر كالعاقبة فكأنه قال بطغيانهم وقال أبو عبيدة ويقوي هذا قوله تعالى كذبت ثمود بطغوها وأولى الأقوال وأصوبها الأول وباقي الآية تقدم تفسير نظيره وما في ذلك من القصص والعاتية معناه الشديدة المخالفة فكانت الريح قد عتت على خزانها بخلافها وعلى قوم عاد بشدتها وروي عن علي وابن عباس أنهما قالا لم ينزل من السماء قطرة ماء قط إلا بمكيال على يد ملك ولا هبت ريح إلا كذلك إلا ما كان من طوفان نوح وريح عاد فإن الله أذن لهما في الخروج دون إذن الخزان وحسوما قال ابن عباس وغيره معناه كاملة تباعا لم يتخللها غير ذلك وقال ابن زيد حسوما جمع حاسم ومعناه أن تلك الأيام قطعتهم بالإهلاك ومنهم حسم العلل ومنه الحسام والضمير في قوله فيها صرعى يحتمل عوده على الليالي والأيام ويحتمل عوده على ديارهم وقيل على الريح ص ومن قبله النحويان وعاصم في رواية بكسر القاف وفتح الباء أي أجناده وأهل طاعته وقرأ الباقون قبله ظرف زمان انتهى
وقوله بالخاطئة صفة لمحذوف أي بالفعلة الخاطئة والرابية النامية التي قد عظمت جدا ومنه ربا المال ومنه اهتزت وربت ثم عدد تعالى على الناس نعمة في قوله إنا لما طغا الماء يعني في وقت الطوفان الذي كان على قوم نوح والجارية سفينة نوح قاله منذر بن سعيد والضمير في لنجعلها عائد على الجارية أو على الفعلة
وقوله تعالى وتعيها أذن واعية عبارة عن الرجل الفهم المنور القلب الذي يسمع القرآن فيتلقاه بفهم وتدبر قال أبو عمران الجوني واعية عقلت عن الله تعالى وقال الثعلبي المعنى لتحفظها كل أذن فتكون عظة لمن يأتي بعد تقول وعيت العلم إذا حفظته

انتهى ثم ذكر تعالى بأمر القيامة وقرأ الجمهور وحملت بتخفيف الميم بمعنى حملتها الريح أو القدرة ودكتا معناه سوي جميعها وانشقاق السماء هو تفطرها وتميز بعضها من بعض وذلك هو الوهي الذي ينالها كما يقال في الجدرات البالية المتشققة واهية والملك اسم الجنس يريد به الملائكة وقال جمهور من المفسرين الضمير في أرجائها عائد على السماء أي الملائكة على نواحيها والرجا الجانب من البير أو الحائط ونحوه وقال الضحاك وابن جبير وغيرهما الضمير في أرجائها عائد على الأرض وإن كان لم يتقدم لها ذكر قريب لأن القصة واللفظ يقتضي إفهام ذلك وفسروا هذه الآية بما روي من أن الله تعالى يأمر ملائكة سماء الدنيا فيقفون صفا على حافات الأرض ثم يأمر ملائكة السماء الثانية فيصفون خلفهم ثم كذلك ملائكة كل سماء فكلما ند أحد من الجن أو الإنس وجد الأرض قد أحيط بها قالوا فهذا تفسير هذه الآية وهو أيضا معنى قوله وجاء ربك والملك صفا صفا وهو تفسير يوم التناد يوم تولون مدبرين على قراءة من شدد الدال وهو تفسير قوله يا معشر الجن والإنس الآية واختلف الناس في الثمانية الحاملين للعرش فقال ابن عباس هي ثمانية صفوف من الملائكة لا يعلم أحد عدتهم وقال ابن زيد هم ثمانية أملاك على هيئة الوعول وقال جماعة من المفسرين هم على هيئة الناس أرجلهم تحت الأرض السابعة ورؤوسهم وكواهلهم فوق السماء السابعة قال الغزالي في الدرة الفاخرة هم ثمانية أملاك قدم الملك منهم مسيرة عشرين ألف سنة انتهى والضمير في قوله فوقهم قيل هو للملائكة الحملة وقيل للعالم كله
وقوله تعالى يومئذ تعرضون خطاب لجميع العالم وفي الحديث الصحيح يعرض الناس ثلاث عرضات فأما عرضتان فجدال ومعاذير وأما الثالثة فعندها تتطاير الصحف في الأيدي فأخذ بيمينه وأخذ بشماله قال الغزالي يجب على مسلم البدار إلى محاسبة نفسه كما قال عمر رضي الله عنه

حاسبوا انفسكم قبل ان تحاسبوا وزنوها قبل ان توزنوا وانما حسابه لنفسه ان يتوب من كل معصية قبل الموت توبة نصوحا ويتدارك ما فرط فيه من تقصير في فرائض الله عز و جل ويرد المظالم حبة حبة ويستحل كل من تعرض له بلسانه ويده وسوء ظنه بقلبه ويطيب قلوبهم حتى يموت ولم يبق عليه فريضة ولا مظلمة فهذا يدخل الجنة بغير حساب ان شاء الله تعالى انتهى من ءاخر الاحياء ونقل القرطبي في تذكرته هذه الالفاظ بعينها
وقوله هاؤم اقرءوا كتابيه معناه تعالوا وقوله اقرءوا كتابيه هو استبشار وسرور ص هاؤم ها بمعنى خذ قال الكساءي والعرب تقول هاء يا رجل وللاثنين رجلين او امرأتين هاؤما وللرجال هاؤم وللمرأة هاء بهمزة مكسورة من غير ياء وللنساء هاؤن وزعم القتبي ان الهمزة بدل من الكاف وهو ضعيف الا ان يعنى انها تحل محلها في لغة من قال هاك وهاك وهاكما وهاكم وهاكن فذلك ممكن لا انه بدل صناعي لان الكاف لا تبدل من الهمزة ولا الهمزة منها انتهى
وقوله انى ظننت انى ملاق حسابيه عبارة عن ايمانه بالبعث وغيره وظننت هنا واقعة موقع تيقنت وهي في متيقن لم يقع بعد ولا خرج الى الحس وهذا هو باب الظن الذي يوقع موقع اليقين وراضية بمعنى مرضية والقطوف جمع قطف وهو ما يجتنى من الثمار ويقطف ودنوها هوانها تأتي طوع التمنى فيأكلها القائم والقاعد والمضطجع بفيه من شجرتها وبما اسلفتم معناه بما قدمتم من الاعمال الصالحة والايام الخالية هي ايام الدنيا لانها في الآخرة قد خلت وذهبت وقال وكيع وغيره المراد بما اسلفتم من الصوم وعموم الآية في كل الاعمال اولى واحسن ت ويدل على ذلك الآية الاخرى كلوا واشربوا هنيئا بما كنتم تعملون قال ابن المبارك في رقائقه اخبرنا مالك بن مغول انه بلغه ان عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال حاسبوا انفسكم قبل ان تحاسبوا فانه اهون او ابسر لحسابكم وزنوا انفسكم قبل

ان توزنوا وتجهزوا للعرض الاكبر يومئذ تعرضون لا تخفي منكم خافية قال ابن المبارك اخبرنا معمر عن يحيى بن المختار عن الحسن قال ان المومن قوام على نفسه يحاسب نفسه لله وانما خف الحساب يوم القيامة على قوم حاسبوا انفسهم في الدنيا وانما شق الحساب يوم القيامة على قوم اخذوا هذا الامر عن غير محاسبة انتهى والذين يوتون كتبهم بشمائلهم هم المخلدون في النار اهل الكفر فيتمنون ان لو كانوا معدومين
وقوله يا ليتها كانت القاضة اشارة الى مونة الدنيا أي ليتها لم يكن بعدها رجوع ص ما اغنى ما نافية او استفهامية انتهى والسلطان في الآية الحجة وقيل انه ينطق بذلك ملوك الدنيا والظاهر ان سلطان كل احد حاله في الدنيا من عدد وعدد ومنه قوله ص - لا يومن الرجل الرجل في سلطانه ولا يجلس على تكرمته الا باذنه
وقوله سبحانه خذوه فغلوه الآية المعنى يقول الله تعالى او الملك بامره للزبانية خذوه واجعلوا في عنقه غلا قال ابن جريح نزلت في ابي جهل
وقوله تعالى فاسلكوه معناه ادخلوه وروي ان هذه السلسلة تدخل في فم الكافر وتخرج من دبره فهي في الحقيقة التي تسلك فيه لكن الكلام جرى مجرى ادخلت القلنسوة في رأسي وروي ان هذه السلسلة تلوى حول الكافر حتى تعمه وتضغطه فالكلام على هذا على وجهه وهو المسلوك
وقوله تعالى ولا يحض على طعام المسكين خصت هذه الخلة بالذكر لانها من اضر الخلال بالبشر اذا كثرت في قوم هلك مساكينهم ت ونقل الفخر عن بعض الناس أنه قال في قوله تعالى ولا يحض على طعام المسكين دليلان قويان على عظم الجرم في حرمان المساكين احدهما عطفه على الكفر وجعله قرينا له والثانى ذكر الحض دون الفعل ليعلم انه اذا كان تارك الحض بهذه المنزلة فكيف بمن ترك الفعل قال الفخر ودلت الآية على ان الكفار يعاقبون على ترك الصلاة والزكاة وهو المراد من قولنا انهم مخاطبون بفروع

الشريعة وعن ابي الدرداء انه كان يحض امرأته على تكثير المرق لاجل المساكين ويقول خلعنا نصف السلسلة بالايمان افلا نخلع النصف الثاني انتهى
وقوله فليس له اليوم ها هنا حميم أي صديق لطيف المودة قاله الجمهور وقيل الحميم الماء السخن فكانه تعالى اخبر ان الكافر ليس له ماء ولا شيء مائع ولا طعام الا من غسلين وهو ما يجري من الجراح اذا غسلت وقال ابن عباس الغسلين هو صديد أهل النار وقال قوم الغسلين شيء يجري من ضريع النار ص - الا من غسلين ابو البقاء النون في غسلين زائدة لانه غسالة اهل النار انتهى والخاطىء الذي يفعل ضد الصواب
وقوله تعالى فلا اقسم قيل لا زائدة وقيل لا رد لما تقدم من اقوال الكفار والبدأة اقسم
وقوله بما تصبرون وما لا تبصرون قال قتادة اراد الله تعالى ان يعم بهذا القسم جميع مخلوقاته والرسول الكريم قيل هو جبريل وقيل نبينا محمد ص -
وقوله تعالى وما هو بقول شاعر نفي سبحانه ان يكون القرءان من قول شاعر كما زعمت قريش وقليلا نصب بفعل مضمر يدل عليه تؤمنون وما يحتمل ان تكون نافية فينتفي ايمانهم البتة ويحتمل ان تكون مصدرية فيتصف ايمانهم بالقلة ويكون ايمانا لغويا لانهم قد صدقوا باشياء يسيرة لا تغنى عنهم شيأ ثم اخبر سبحانه ان محمد عليه السلام لو تقول عليه لعاقبه بما ذكر ص الاقاويل جمع اقوال واقوال جمع قول فهو جمع الجمع انتهى
وقوله سبحانه لاخذنا منه باليمين قال ابن عباس المعنى لاخذنا منه بالقوة اي لنلنا منه عقابه بقوة منا وقيل معناه لاخذنا بيده اليمنى على جهة الهوان كما يقال لمن يسجن او يقام لعقوبة خذوا بيده او بيمينه والوتين نياط القلب قاله ابن عباس وهو عرق غليظ تصادفه شفرة الناحر فمعنى الآية لا ذهبنا حياته معجلا والحاجز المانع والضمير في قوله وانه لتذكرة عائد على القرءان وقيل على النبي ص - ص وانه لحسرة ضمير انه

يعود على التكذيب المفهوم من مكذبين انتهى وقال الفخر الضمير في قوله وانه لحسرة فيه وجهان احدهما انه يعود على القرءان اي هو على الكافرين حسرة اما يوم القيامة اذا راوا ثواب المصدقين به أو في الدنيا اذا رأوا دولة المؤمنين والثاني قال مقاتل وان تكذيبهم بالقرءان لحسرة عليهم يدل عليه قوله ان منكم مكذبين انتهى ثم امر تعالى نبيه بالتسبيح باسمه العظيم ولما نزلت قال رسول الله ص - اجعلوها في ركوعكم
تفسير رسول سال وسائل وهي مكية بلا خلاف
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله عز و جل سال سائل بعذاب قرأ جمهور السبعة سأل بهمزة محققة قالوا والمعنى دعا داع والاشارة الى من قال من قريش اللهم ان كان هذا هو الحق من عندك فامطر علينا حجارة من السماء الآية وقولهم عجل لنا قطنا ونحو ذلك وقال بعضهم المعنى بحث باحث واستفهم مستفهم قالوا والاشارة الى قول قريش متى هذا الوعد وما جرى مجراه قاله الحسن وقتادة والباء على هذا التأويل في قوله بعذاب بمعنى عن وقرأ نافع وابن عامر سال سائل ساكنة الالف واختلف القراء بها فقال بعضهم هي سأل المهموزة الا ان الهمزة سهلت وقال بعضهم هي لغة من يقول سلت اسال ويتساولان وهي لغة مشهوة وقال بعضهم في الآية هي من سال يسيل اذا جرى وليست من معنى السؤال قال زيد بن

ثابت وغيره في جهنم واد يسمى سائلا والاخبار هنا عنه وقرأ ابن عباس سال سيل بسكون الياء وسؤال الكفار عن العذاب حسب قراءة الجماعة انما كان على انه كذب فوصفه الله تعالى بانه واقع وعيدا لهم
وقوله للكافرين قال بعض النحاة اللام بمعنى على روري انه كذلك في مصحف ابي على الكافرين والمعارج في اللغة الدرج في الاجرام وهي هنا مستعارة في الرتب والفضائل والصفات الحميدة قاله ابن عباس وقتادة وقال الحسن هي المراقي في السماء قال عياض في مشارق الانوار قوله ص - فعرج بي الى السماء اي ارتقي بي والمعراج الدرج وقيل سلم تعرج فيه الارواح وقيل هو احسن شيء لا تتمالك النفس اذا رأته ان تخرج واليه يشخص بصر الميت من حسنه وقيل هو الذي تصعد فيه الاعمال وقيل قوله ذي المعارج معارج الملائكة وقيل ذي الفواضل انتهى
وقوله تعالى تعرج الملائكة معناه تصعد والروح عند الجمهور هو جبريل عليه السلام وقال مجاهد الروح ملائكة حفظة للملائكة الحافظين لبني ادم لا تراهم الملائكة كما لا نرى نحن الملائكة وقال بعض المفسرين هو اسم جنس لأرواح الحيوان
وقوله سبحانه في يوم كان مقداره خمسين الف سنة قال ابن عباس وغيره هو يوم القيامة ثم اختلفوا فقال بعضهم قدره في الطول قدر خمسين الف سنة وقال بعضهم بل قدرة في الشدة والاول هو الظاهر وهو ظاهر قوله ص - ما من رجل لا يؤدي زكاة ماله الا جعل له صفائح من نار يوم القيامة تكوى بها جبهته وظهره وجنباه في يوم كان مقداره خمسين الف سنة قال ابو سعيدالخدري قيل يا رسول الله ما اطول يوما مقداره خمسون الف سنة فقال والذي نفسي بيده انه ليخف على المومن حتى يكون اخف عليه من صلاة مكتوبة قال ابن المبارك اخبرنا معمر عن قتادة عن زرارة بن او في عن ابي هريرة قال يقصر يؤمئذ على المؤمن حتى

يكون كوقت الصلاة انتهى قال ع وقد ورد في يوم القيامة انه كالف سنة وهذا يشبه ان يكون في طوائف دون طوائف ت قال عبد الحق في العاقبة له اعلم رحمك الله ان يوم القيامة ليس طوله كما عهدت من طول الايام
بل هو آلالف من الأعوام
يتصرف فيه هذا الأنام
على الوجوه والأقدام
حتى ينفذ فيهم ما كتب لهم وعليهم من الاحكام
وليس يكون خلاصه دفعة واحدة ولا فراغهم في مرة واحدة بل يتخلصون ويفرغون شيأ بعد شيء لكن طول ذلك اليوم خمسون الف سنة فيفرغون بفراغ اليوم ويفرغ اليوم بفراغهم فمن الناس من يطول مقامه وحبسه الى ءاخر اليوم ومنهم من يكون انفصاله في ذلك اليوم في مقدار يوم من ايام الدنيا او في ساعة من ساعاته أو في اقل من ذلك ويكون رايحا في ظل كسبه وعرش ربه ومنهم من يومر به الى الجنة بغير حساب ولا عذاب كما ان منهم من يومر به الى النار في اول الامر من غير وقوف ولا انتظار او بعد يسير من ذلك انتهى
وقوله سبحانه فاصبر صبرا جميلا امر للنبي ص - بالصبر على اذي قومه والصبر الجميل الذي لا يلحقه عيب ولا تشك ولا قلة رضي ولا غير ذلك والامر بالصبر الجميل محكم في كل حالة اعنى لا نسخ فيه وقيل ان الآية نزلت قبل الامر بالقتال فهي منسوخة ت ولو قيل هذا خطاب لجنس الانسان في شأن هول ذلك اليوم ما بعد
وقوله تعالى انهم يرونه بعيدا يعنى يوم القيامة والمهل عكر الزيت قاله ابن عباس وغيره فهي لسوادها وانكدار انوارها تشبه ذلك والمهل ايضا ما اذيب من فضة ونحوها قاله ابن مسعود وغيره والعهن الصوف وقيل هو الصوف المصبوغ اي لون كان والحميم في هذا الموضع القريب والولي والمعنى ولا يسئله نصرة ولا منفعة ولا يجدها عنده وقال قتادة المعنى ولا يسئله عن حاله لانها ظاهرة قد بصر كل احد حالة الجميع وشغل بنفسه قال الفخر قوله

تعالى يبصرونهم تقول بصرنى زيد كذا وبصرنى بكذا فاذا بنيت الفعل للمفعول وحذفت الجار قلت بصرت زيدا وهكذا معنى يبصرونهم وكأنه لما قال ولا يسئل حميم حميما قيل لعله لا يبصره فقال يبصرونهم ولكن لاشتغالهم بأنفسهم لا يتمكنون من تساؤهم انتهى وقرأ ابن كثير بخلاف عنه ولا يسئل على بناء الفعل للمفعول فالمعنى ولا يسئل احضاره لأن كل مجرم له سيما يعرف بها كما ان كل مؤمن له سيما خير والصاحبة هنا الزوجة والفصيلة هنا قرابة الرجل
وقوله تعالى كلا انها لظى رد لما ودوه اي ليس الامر كذلك ولظى طبقة من طبقات جهنم والشوي جلد الانسان وقيل جلد الرأس
تدعوا من ادبر وتولى يريد الكفار قال ابن عباس وغيره تدعوهم بأسمائهم واسماء ءابائهم وجمع اي جمع المال وأوعى جعله في الاوعية اي جمعوه من غير حل ومنعوه من حقوق الله وكان عبد الله بن عكيم لا يربط كيسه ويقول سمعت الله تعالى يقول وجمع فأوعى
وقوله تعالى ان الانسان عموم لاسم الجنس لكن الاشارة هنا الى الكفار والهلع فزع واضطراب يعترى الانسان عند المخاوف وعند المطامع
وقوله تعالى اذا مسه الآية مفسر للهلع
وقوله تعالى الا المصلين اي الا المؤمنين الذين امر الآخرة عليهم اوكد من امر الدنيا والمعنى ان هذا المعنى فيهم يقل لانهم يجاهدونه بالتقوى
وقوله الذين هم على صلاتهم دائمون اي مواضبون وقد قال عليه السلام احب العمل الى الله ما دام عليه صاحبه ت وقد تقدم في سورة قد افلح ما جاء في الخشوع قال الغزالي فينبغي لك ان تفهم ما تقرأه في صلاتك ولا تغفل في قراءتك عن امره سبحانه ونهيه ووعده ووعيده ومواعظه واخبار انبيائه وذكر منته واحسانه فلكل واحد حق فالرجاء حق الوعد والخوف حق الوعيد والعزم حق الامر والنهي والاتعاظ حق الموعظة والشكر حق ذكر المنة والاعتبار حق ذكر اخبار الانبياء قال الغزالي

 

 

ج10. كتاب : الجواهر الحسان في تفسير القرآن عبد الرحمن بن محمد بن مخلوف الثعالبي

وتكون هذه المعاني بحسب درجات الفهم ويكون الفهم بحسب وفور العلم وصفاء القلب ودرجات ذلك لا تنحصر فهذا حق القراءة وهو حق الاذكار والتسبيحات أيضا ثم يراعى الهيئة في القراءة فيرتل ولا يسرد فان ذلك ايسر للتأمل ويفرق بين نغمانه في ءايات الرحمة وءايات العذاب والوعد والوعيد والتحميد والتعظيم انتهى من الاحياء وروى ابن المبارك في رقائقه قال اخبرنا ابن لهيعة عن يزيد بن ابي حبيب ان ابا الخير حدثه قال سألنا عقبة بن عامر الجهني عن قوله عز و جل الذين هم على صلاتهم دائمون اهم الذين يصلون ابدا قال لا ولكنه الذي إذا صلى لم يلتفت عن يمينه ولا عن شماله ولا خلفه انتهى
وقوله سبحانه والذين في اموالهم حق معلوم قال ابن عباس وغيره هذه الآية في الحقوق التي في المال سوى الزكاة وهي ما ندبت اليه الشريعة من المواساة وهذا هو الاصح في هذه الآية لان السورة مكية وفرض الزكاة وبيانها انما كان بالمدينة وباقي الآية تقدم تفسير نظيره
وقوله سبحانه والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون جمع الامانة من حيث انها متنوعة في الاموال والاسرار وفيما بين العبد وربه فيما امره به ونهاه عنه والعهد كل ما تقلده الانسان من قول او فعل او مودة اذا كانت هذه الاشياء على منهاج الشريعة فهو عهد ينبغي رعيه وحفظه
وقوله سبحانه والذين هم بشهادتهم قائمون معناه في قول جماعة من المفسرين انهم يحفظون ما يشهدون فيه ويتقنونه ويقومون بمعانيه حتى لا يكون لهم فيه تقصير وهذا هو وصف من يمتثل قول النبي ص - على مثل الشمس فاشهد وقال ءاخرون معناه الذين اذا كانت عندهم شهادة ورأوا حقا بدرس او حرمة لله تنتهك قاموا لله بشهادتهم
وقوله تعالى فمال الذين كفروا قبلك مهطعين الآية نزلت بسبب ان النبي ص - كان يصلى عند الكعبة احيانا ويقرأ القرءان فكان كثير من الكفار يقومون من

مجالسهم مسرعين اليه يستمعون قراءته ويقول بعضهم لبعض شاعر وكاهن ومفتر وغير ذلك وقبلك معناه فيما يليك والمهطع الذي يمشى مسرعا الى شيء قد اقبل ببصره عليه وعزين جمع عزة والعزة الجمع اليسير كأنهم كانوا ثلاثة ثلاثة واربعة اربعة وفي حديث ابي هريرة قال خرج النبي ص - على اصحابه وهم حلق متفرقون فقال ما لي اراكم عزين
وقوله تعالى أيطمع كل امرئ منهم ان يدخل جنة نعيم نزلت لان بعض الكفار قال ان كانت ثم آخرة وجنة فنحن اهلها لان الله تعالى لم ينعم علينا في الدنيا بالمال والبنين وغير ذلك الا لرضاه عنا
وقوله تعالى كلا رد لقولهم وطمعهم اي ليس الامر كذلك ثم اخبر تعالى عن خلقهم من نطفة قذرة واحال في العبارة على علم الناس أي فمن خلق من ذلك فليس بنفس خلقه يعطي الجنة بل بالايمان والاعمال الصالحة وروى ابن المبارك في رقائقه قال اخبرنا مالك بن مغول قال سمعت ابا ربيعة يحدث عن الحسن قال قال رسول الله ص - كلكم يحب ان يدخل الجنة قالوا نعم جعلنا الله فداءك قال فاقصروا من الامل وثبتوا آجالكم بين ابصاركم واستحيوا من الله حق الحياء قالوا يا رسول الله كلنا نستحي من الله قال ليس كذلك الحياء ولكن الحياء من الله ان لا تنسوا المقابر والبلى ولا تنسوا الجوف وما وعى ولا تنسوا الرأس وما حوى ومن يشتهى كرامة الآخرة يدع زينة الدنيا هنالك استحيى العبد من الله هنالك اصاب ولاية الله انتهى وقد روينا اكثر هذا الحديث من طريق ابي عيسى الترمذي وباقي الآية تقدم تفسير نظيره والاجداث القبور والنصب ما نصب للانسان فهو يقصده مسرعا اليه من علم او بناء وقال ابو العالية الى نصب يوفضون معناه الى غايات يستبقون ويوفضون معناه يسرعون وخاشعة اي ذليلة منكسرة

تفسير

سورة نوح

عليه السلام وهي مكية بإجماع
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله سبحانه انا ارسلنا نوحا الى قومه ان انذر قومك من قبل ان يأتيهم عذاب اليم هذا العذاب الذي توعدوا به الاظهر انه عذاب الدنيا ويحتمل ان يكون عذاب الآخرة
وقوله من ذنوبكم قال قوم من زائدة وهذا نحو كوفي واما الخليل وسيبويه فلا يجوز عندهم زيادة من في الموجب وقال قوم هي للتبعيض قال ع وهذا القول عندي ابين الاقوال هنا وذلك انه لو قال يغفر لكم ذنوبكم لعم هذا اللفظ ما تقدم من الذنوب وما تأخر عن ايمانهم والاسلام انما يجب ما قبله
وقوله سبحانه ويؤخركم الى اجل مسمى كان نوحا عليه السلام قال لهم ءامنوا يبين لنا انكم ممن قضي له بالايمان والتأخير وان بقيتم على كفركم فسيبين انكم ممن قضي عليه بالكفر والمعاجلة ثم تبين هذا المعنى ولاح بقوله تعالى ان اجل الله اذا اذا جاء لا يؤخر وجواب لو مقدر يقتضيه المعنى كأنه قال فما كان احزمكم او اسرعكم الى التوبة لو كنتم تعلمون
وقوله تعالى قال رب اني دعوت قومى ليلا ونهارا الآية هذه المقالة قالها نوح عليه السلام بعد طول عمره ويأسه من قومه
واستغشوا ثيابهم معناه جعلوها اغشية على رءوسهم
وقوله يرسل السماء الآية روي ان قوم نوح كانوا قد اصابتهم قحوط وازمة فلذلك بدأهم في وعده بأمر المطر ومدرارا من الدر وروى ابن عباس عن النبي ص - انه قال من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق

مخرجا ومن كل هم فرجا ورزقه من حيث لا يحتسب رواه ابو داود واللفظ له والنساءي وابن ماجه ولفظ النساءي من اكثر من الاستغفار انتهى من السلاح
وقوله ما لكم لا ترجون لله وقارا قال أبو عبيدة وغيره ترجون معناه تخافون قالوا والوقار بمعنى العظمة فكان الكلام على هذا التأويل وعيد وتخويف وقال بعض العلماء ترجون على بابها وكأنه قال ما لكم لا تجعلون رجاءكم لله ووقارا يكون على هذا التأويل منهم كانه يقول تؤدة منكم وتمكنا في النظر
وقوله وقد خلقكم اطوارا قال ابن عباس وغيره هي اشارة الى التدريج الذي للانسان في بطن امه وقال جماعة هي اشارة الى العبرة في اختلاف خلق الوان الناس وخلقهم ومللهم والاطور الاحوال المختلفة
وقوله سبحانه وجعل القمر فيهن نورا الآية قال عبد الله بن عمرو بن العاصى وابن عباس ان الشمس والقمر اقفاؤهما الى الأرض واقبال نورهما وارتفاعه في السماء وهذا الذي يقتضيه لفظ السراج
وانبتكم من الأرض استعارة من حيث خلق ءادم عليه السلام من الأرض
ونباتا مصدر جاء على غير الصدر التقدير فنبتم نباتا والاعادة فيها بالدفن والأخراج هو بالبعث وظاهر الآية ان الأرض بسيطة غير كرية واعتقاد احد الامرين غير قادح في الشرع بنفسه اللهم الا ان يترتب على القول بالكرية نظر فاسد واما اعتقاد كونها بسيطة فهو ظاهر كتاب الله تعالى وهو الذي لا يلحق عنه فساد البتة واستدل ابن مجاهد على صحة ذلك بماء البحر المحيط بالمعمور فقال لو كانت الأرض كرية لما استقر الماء عليها والسبل الطرق والفجاج الواسعة وقول نوح واتبعوا من لم يزده ماله الآية المعنى اتبعوا اشرافهم وغواتهم وخسارا معناه خسرانا وكبارا بناء مبالغة نحو حسان وقرئى شاذا كبارا بكسر الكاف قال ابن الانباري جمع كبير
وودا وما عطف عليه اسماء اصنام وروى البخاري وغيره عن ابن عباس انها كانت اسماء رجال صالحين من قوم نوح فلما هلكوا

اوحى الشيطان الى قومهم ان انصبوا الى مجالسهم التي كانوا يجلسون انصابا وسموها بأسمائهم ففعلوا فلم تعبد حتى اذا هلك اولائك وتنسخ العلم عبدت قال ابن عباس ثم صارت هذه الاوثان التي في قوم نوح في العرب بعد انتهى
وقوله وقد اضلوا كثيرا هو اخبار نوح عن الاشراف ثم دعا الله عليهم ان لا يزيدهم الا ضلالا وقال الحسن اراد بقوله وقد اضلوا الاصنام المذكورة
وقوله تعالى مما خطيئاتهم اغرقوا ابتداء اخبار من الله تعالى لمحمد عليه السلام وما في قوله مما زائدة فكانه قال من خطيئاتهم وهي لابتداء الغاية ص مما خطيئاتهم من للسبب ع لابتداء الغاية وما زائدة للتوكيد انتهى فادخلوا نارا يعنى جهنم وقول نوح رب لاتذر على الأرض من الكافرين ديارا قال قتادة وغيره لم يدع نوح بهذه الدعوة الا من بعد ان اوحي اليه انه لن يؤمن من قومك الا من قد آمن وديارا اصله ديوار من الدوران اي من يجيء ويذهب
وقوله رب اغفر لي ولوالدي قال ابن عباس لم يكفر لنوح اب ما بينه وبين ءادم عليه السلام وقرأ أبي بن كعب ولابوي وبيته المسجد فيما قاله ابن عباس وجمهور المفسرين وقال ابن عباس ايضا بيته شريعته ودينه استعار لها بيتاكما يقال قبة الاسلام وفسطاط الدين وقيل اراد سفينته
وقوله وللمؤمنين والمؤمنات تعميم بالدعاء لمؤمني كل امة وقال بعض العلماء ان الذي استجاب لنوح عليه السلام فأغرق بدعوته اهل الارض الكفار لجدير ان يستجيب له فيرحم بدعوته المؤمنين والتبار الهلاك

تفسير

سورة الجن

وهي مكية باجماع
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله عز و جل قل اوحي الي انه استمع نفر من الجن هؤلاء النفر من الجن هم الذين صادفوا النبي ص - يقرأ ببطن نخلة في صلاة الصبح وقد تقدم قصصهم في سورة الأحقاف وقول الجن انا سمعنا الآيات هو خطاب منهم لقومهم
وقرءانا عجبا معناه ذا عجب لان العجب مصدر يقع من سامع القرءان لبراعته وفصاحته ومضمناته
وقوله وإنه تعالى جد ربنا قال الجمهور معناه عظمة ربنا وروي عن انس انه قال كان الرجل اذا قرأ البقرة وءال عمران جد في اعيننا اي عظم وعن الحسن جد ربنا غناه وقال مجاهد ذكره وقال بعضهم جلاله ومن فتح الالف من قوله وانه تعالى اختلفوا في تأويل ذلك فقال بعضهم هو عطف على أنه استمع فيجيء على هذا قوله تعالى وانه تعالى مما امر ان يقول النبي انه اوحي اليه وليس هو من كلام الجن وفي هذا قلق وقال بعضهم بل هو عطف على الضمير في به كأنه يقول فآمنا به وبأنه تعالى وهذا القول ابين في المعنى لكن فيه من جهة النحو العطف على الضمير المخفوض دون اعادة الخافض وذلك لا يحسن ت بل هو حسن اذ قد اتى في النظم والنثر الصحيح مثبتا وقرأ عكرمة تعالى جد ربنا بفتح الجيم وضم الدال وتنوينه ورفع الرب كانه يقول تعالى عظيم هو ربنا فربنا بدل والجد العظيم في اللغة وقرأ ابو الدرداء تعالى ذكر ربنا وروي عنه تعالى جلال ربنا
وقوله تعالى وانه كان يقول سفيهنا لا خلاف ان هذا من قول الجن والسفيه المذكور قال جمهور

من المفسرين هو ابليس لعنه الله وقال آخرون هو اسم جنس لكل سفيه منهم ولا محالة ان ابليس صدر في السفاهة وهذا القول احسن والشطط التعدى وتجاوز الحد بقول او فعل ص شططا ابو البقاء نعت لمصدر محذوف اي قولا شططا انتهى ثم قال اولائك النفر وانا ظننا قبل ايماننا ان لن تقول الانس والجن على الله كذبا في جهة الالوهية وما يتعلق بذلك
وقوله تعالى وأنه كان رجال من الانس يعوذون برجال من الجن الآية من القراء من كسر الهمزة من انه ومنهم من فتحها والكسر اوجه والمعنى في الآية ما كانت العرب تفعله في اسفارها من ان الرجل اذا اراد المبيت بواد صاح بأعلى صوته يا عزيز هذا الوادى اني اعوذ بك من السفهاء الذين في طاعتك ويعتقد بذلك ان الجني يحميه ويمنعه قال قتادة فكانت الجن تحتقر بني آدم وتزدريهم لما ترى من جهلهم فكانوا يزيدونهم مخافة ويتعرضون للتخيل لهم ويغوونهم في ارادتهم فهذا هو الرهق الذي زادته الجن بني ءادم وقال مجاهد وغيره بنو ءادم هم الذين زادوا الجن رهقا وهي الجراءة والطغيان وقد فسر قوم الرهق بالإثم
وقوله وانهم ظنوا يريد به بني اءدم
وقوله كما ظننتم مخاطبة لقومهم من الجن وقولهم ان لن يبعث الله احدا يحتمل معنيين احدهما بعث الحشر من القبور والآخر بعث ءادمي رسولا وذكر المهدوي تأويلا ثالثا ان المعنى وان الجن ظنوا كما ظننتم ايها الانس فهي مخاطبة من الله تعالى قال الثعلبي وقيل ان قوله وانه كان رجال من الانس الآية ابتداء اخبار من الله تعالى ليس هو من كلام الجن انتهى فهو وفاق لما ذكره المهدوي وقولهم وانا لمسنا السماء قال جمهور المتأولين معناه التمسنا والشهب كواكب الرجم والحرس يحتمل ان يريد الرمي بالشهب وكرر المعنى بلفظ مختلف ويحتمل ان يريد الملائكة ومقاعد جمع مقعد وقد تقدم بيان ذلك في سورة الحجر وقولهم فمن يستمع الآن الآية قطع على ان كل من استمع الآن احرقه شهاب

فليس هنا بعد سمع انما الاحراق عند الاستماع وهذا يقتضي ان الرجم كان في الجاهلية ولكنه بمستأصل فلما جاء الاسلام اشتد الامر حتى لم يكن فيه ولا يسير سماحة ورصدا نعت لشهاب ووصفه بالمصدر وقولهم وانا لا ندرى اشر أريد بمن في الارض الآية معناه لا ندري أيؤمن الناس بهذا النبي فيرشدوا ام يكفرون به فينزل بهم الشر وعبارة الثعلبي وانا لا ندري اشر اريد بمن في الارض حين حرست السماء ومنعنا السمع ام اراد بهم ربهم رشدا انتهى
وقولهم وانا منا الصالحون الى آخر قولهم ومنا القاسطون هو من قول الجن وقولهم ومنا دون ذلك اي غير صالحين ص دون ذلك قيل بمعنى غير ذلك وقيل دون ذلك في الصلاح فدون في موضع الصفة لمحذوف أي ومنا قوم دون ذلك انتهى والطرائق السير المختلفة والقدد كذلك هي الأشياء المختلفة كأنه قدقد بعضها من بعض وفصل قال ابن عباس وغيره طرائق قددا أهواء مختلفة وقولهم وإنا ظننا أي تيقنا فالظن هنا بمعنى العلم ان لن نعجز الله في الارض الآية وهذا اخبار منهم عن حالهم بعد ايمانهم بما سمعوا من نبينا محمد ص - والهدى يريدون به القرءان والبخس النقص والرهق تحميل ما لا يطاق وما يثقل قال ابن عباس البخس نقص الحسنات والرهق الزيادة في السيئات
وقوله تعالى فمن اسلم فأولئك تحروا رشدا الوجه فيه ان يكون مخاطبة من الله تعالى لنبيه محمد عليه السلام ويؤيده ما بعده من الآيات وتحروا معناه طلبوا باجتهادهم
وقوله سبحانه وان لو استقاموا على الطريقة الآية قال ابن عباس وقتادة ومجاهد وابن جبير الضمير في قوله استقاموا عائد على القاسطين والمعنى لو استقاموا على طريقة الاسلام والحق لأنعمنا عليهم وهذا المعنى نحو قوله تعالى ولو ان اهل الكتاب آمنوا واتقوا الآية الى قوله لاكلوا من فوقهم ومن تحت ارجلهم والقاسط الظالم والماء الغدق هو الماء الكثير

ولنفتنهم معناه لنختبرهم قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه حيث يكون الماء فثم المال وحيث المال فثم الفتنة ونزع بهذه الآية وقال الحسن وجماعة من التابعين كانت الصحابة رضي الله عنهم سامعين مطيعين فلما فتحت كنوز كسرى وقيصر على الناس ثارت الفتن ونسلكه ندخله وصعدا معناه شاقا وقال ابن عباس وابو سعيد الخدري صعدا جبل في النار وان المساجد لله قيل اراد البيوت التي للعبادة والصلاة في كل ملة وقال الحسن اراد بها كل موضع يسجد فيه اذ الأرض كلها جعلت مسجدا لهذه الامة وروي ان هذه الآية نزلت بسبب تغلب قريش على الكعبة حينئذ فقيل للنبي ص - المواضع كلها لله فاعبده حيث كنت قال ع والمساجد المخصوصة بينة التمكن في كونها لله تعالى فيصلح ان تفرد للعبادة وكل ما هو خالص لله تعالى وان لا يتحدث بها في امور الدنيا ولا يجعل فيها لغير الله نصيب
وقوله تعالى وانه لما قام عبد الله يحتمل ان يكون خطابا من الله تعالى ويحتمل ان يكون اخبارا عن الجن وعبد الله هو محمد ص - والضمير في كادوا يحتمل ان يكون لكفار قريش وغيرهم في اجتماعهم على رد امره ص - وقيل الضمير للجن والمعنى انهم كادوا يتقصفون عليه لاستماع القرءان وقال ابن جبير معنى الآية انها قول الجن لقومهم يحكون لهم والعبد محمد عليه السلام والضمير في كادوا لأصحابه الذين يطيعون له ويقتدون به في الصلاة فهم عليه لبد واللبد الجماعات شبهت بالشيء المتلبد وقال البخاري قال ابن عباس لبدا اعوانا انتهى ويدعوه معناه يعبد وقيل عبد الله في الآية المراد به نوح وقرأ جمهور السبعة قال انما ادعوا ربي وقرأ حمزة وعاصم وابو عمرو بخلاف عنه قل ثم امر الله تعالى محمدا عليه السلام بالتبري من القدرة وانه لا يملك لاحد ضرا ولا نفعا والملتحد الملجأ الذي يمال إليه ومنه الالحاد وهو الميل
وقوله الا بلاغا قال قتادة التقدير لا املك

الا بلاغا اليكم فاما الايمان او الكفر فلا املكه وقال الحسن ما معناه انه استثناء منقطع والمعنى لن يجيرني من الله احد الا بلاغا فإنى ان بلغت رحمنى بذلك اي بسبب ذلك
وقوله تعالى ومن يعص الله يريد بالكفر بدليل تأبيد الخلود
وقوله تعالى قل ان ادرى أقريب ما توعدون يعنى عذابهم الذي وعدوا به الامد المدة والغاية
وقوله تعالى الا من ارتضى من رسول معناه فانه يظهره على ما شاء مما هو قليل من كثير ثم يبث تعالى حول ذلك الملك الرسول حفظة رصدا لأبليس وحزبه من الجن والانس
وقوله تعالى ليعلم ان قد ابلغوا الآية قال ابن جبير ليعلم محمد ان الملائكة الحفظة الرصد النازلين بين يدي جبريل وخلفه قد ابلغوا رسالات ربهم وقال مجاهد معناه ليعلم من كذب او اشرك ان الرسل قد بلغت وقيل المعنى ليعلم الله تعالى رسله مبلغة خارجة الى الوجود لان علمه بكل شيء قد تقدم والضمير في احاطوا وأحصى لله سبحانه لا غير
تفسير

سورة المزمل

وهي مكية في قول الجمهور
الا قوله ان ربك يعلم الى آخر السورة فمدني وقال جماعة هي مكية كلها
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله عز و جل يا ايها المزمل نداء للنبي ص - قال السهيلي المزمل اسم مشتق من حالته التي كان عليها عليه السلام حين الخطاب وكذلك المدثر وفي خطابه بهذا الاسم فائدتان احداهما الملاطفة فان العرب اذا قصدت

ملاطفة المخاطب وترك معاتبته سموه باسم مشتق من حالته كقوله عليه السلام لعلي حين غاضب فاطمة قم ابا تراب اشعارا له انه غير عاتب عليه وملاطفة له والفائدة الثانية التنبيه لكل متزمل راقد ليله لينتبه الى قيام الليل وذكر الله فيه لان الاسم المشتق من الفعل يشترك فيه مع المخاطب كل من عمل بذلك العمل واتصف بتلك الصفة انتهى والتزمل الالتفاف في الثياب قال جمهور المفسرين وهو في البخاري وغيره ان النبي ص - لما جاءه الملك في غار حراء وحاوره بما حاوره به رجع رسول الله ص - الى خديجة فقال زملونى زملونى فنزلت يا ايها المدثر وعلى هذا نزلت يا ايها المزمل
وقوله تعالى قم الليل الا قليلا قال جمهور العلماء هو امر ندب وقيل كان فرضا وقت نزول الآية وقال بعضهم كان فرضا على النبي ص - خاصة وبقي كذلك حتى توفي وقيل غير هذا
وقوله تعالى نصفه يحتمل ان يكون بدلا من قوله قليلا ص الا قليلا استثناء من الليل ونصفه قيل بدل من الليل وعلى هذا يكون استثناء الا قليلا منه اي قم نصف الليل الا قليلا منه والضمير في قوله او انقص منه او زد عليه عائد على النصف وقيل نصفه بدل من قوله الا قليلا قال ابو البقاء وهو اشبه بظاهر الآية انتهى قال ع وكيف ما تقلب المعنى فإنه امر بقيام نصف الليل او اكثر شيئا او اقل شيئا فالأكثر عند العلماء لا يريد على الثلثين والاقل لا ينحط عن الثلث ويقوى هذا حديث ابن عباس في مبيته في بيت ميمونة قال فلما انتصف الليل او قبله بقليل او بعده بقليل قام رسول الله ص - قال ع ويلزم على هذا البدل الذي ذكرناه ان يكون نصف الليل قد وقع عليه الوصف بقليل وقد يحتمل عندى قوله الا قليلا ان يكون استثناء من القيام فنجعل الليل اسم جنس ثم قال الا قليلا اي الا الليالي التي تخل بقيامها لعذر وهذا النظر يحسن مع القول بالندب جدا

قال ص وهذا النظر خلاف ظاهر الآية انتهى والضمير في منه وعليه عائدان على النصف
وقوله سبحانه ورتل معناه في اللغة تمهل وفرق بين الحروف لتبين والمقصد ان يجد الفكر فسحة للنظر وفهم المعاني وبذلك يرق القلب ويفيض عليه النور والرحمة قال ابن كيسان المراد تفهمه تاليا له وروي في صحيح الحديث ان قراءة رسول الله ص - كانت بينة مترسلة لو شاء احد ان يعد الحروف لعدها قال الغزالي في الاحياء واعلم ان الترتيل والتؤدة اقرب الى التوفير والاحترام واشد تأثيرا في القلب من الهدرمة والاستعجال والمقصود من القراءة التفكير والترتيل معين عليه وللناس عادات مختلفة في الختم واولى ما يرجع اليه في التقديرات قول النبي ص - وقد قال عليه السلام من قرأ القرءان في اقل من ثلاث لم يفقهه وذلك لان الزيادة عليها تمنع الترتيل المطلوب وقد كره جماعة الختم في يوم وليلة والتفصيل في مقدار القراءة انه ان كان التالي من العباد السالكين طريق العمل فلا ينبغي له ان ينقص من ختمتين في الاسبوع وان كان من السالكين بأعمال القلب وضروب الفكر او من المشغولين بنشر العلم فلا بأس ان يقتصر في الاسبوع على ختمة وان كان نافذ الفكر في معاني القراءن فقد يكتفي في الشهر بمرة لحاجته الى كثرة الترديد والتأمل انتهى وروى ابن المبارك في رقائقه قال حدثنا اسماعيل عن ابي المتوكل الناجى ان النبي ص - قام ذات ليلة بآية من القرآن يكررها على نفسه انتهى
وقوله تعالى انا سنلقى عليك قولا ثقيلا يعنى القرآن واختلف لم سماه ثقيلا فقال جماعة من المفسرين لما كان يحل برسول الله ص - من ثقل الجسم حتى انه كان اذا اوحي اليه وهو على ناقته بركت به وحتى كادت فخذه ان ترض فخذ زيد ابن ثابت رضي الله عنه وقيل لثقله على الكفار والمنافقين بإعجازه ووعده

ووعيده ونحو ذلك وقال حذاق العلماء معناه ثقيل المعانى من الامر بالطاعات والتكاليف الشرعية من الجهاد ومزاولة الاعمال الصالحات دائما قال الحسن ان الهذ خفيف ولكن العمل ثقيل ت والصواب عندي ان يقال اما ثقله باعتبار النبي ص - فهو ما كان يجده عليه السلام من الثقل المحسوس وأما ثقله باعتبار سائر الأمة فهو ما ذكر من ثقل المعاني وقد زجر مالك سائلا سأله عن مسئلة وقال يا ابا عبد الله انها مسئلة خفيفة فغضب مالك وقال ليس في العلم خفيف اما سمعت قول الله تعالى انا سنلقى عليك قولا ثقيلا فالعلم كله ثقيل انتهى من المدارك لعياض
وقوله سبحانه ان ناشئة الليل قال ابن جبير وغيره هي لفظة حبشية نشأ الرجل اذا قام من الليل فناشئة على هذا جمع ناشئ اي قائم واشد وطأ معناه ثبوتا واستقلالا بالقيام وقرأ ابو عمرو وابن عامر وجماعة كابن عباس وابن الزبير وغيرهم وطاء بكسر الواو ممدودا على وزن فعال على معنى المواطأة والموافقة وهو ان يواطئ قلبه لسانه والمواطأة هي الموافقة فهذه مواطأة صحيحة لخلو البال من اشغال النهار وبهذا المعنى فسر اللفظ مجاهد وغيره قال الثعلبي واختار هذه القراءة ابو عبيد وقال جماعة ناشئة الليل ساعاته كلها لانها تنشأ شيأ بعد شيء وقيل في تفسير ناشئة الليل غير هذا وقرأ انس بن مالك واصوب قيلا فقيل له انما هو اقوم فقال اقوم واصوب واحد
وقوله تعالى ان لك في النهار سبحا طويلا اي تصرفا وترددا في امورك ومنه السباحة في الماء وتبتل معناه انقطع اليه انقطاعا هذا لفظ ابن عطاء على ما نقله الثعلبي انتهى واما ع فقال معناه انقطع من كل شيء الا منه وافزع اليه قال زيد بن اسلم التبتل رفض الدنيا ومنه بتل الحبل وتبتيلا مصدر على غير الصدر قال ابو حيان وحسنه كونه فاصلة انتهى قال ابن العربي في احكامه فالتبتل المأمور به في الآية الانقطاع الى الله تعالى باخلاص العبادة وهو اختيار

البخاري والتبتل المنهي عنه في الحديث هو سلوك مسلك النصاري في ترك النكاح والترهب في الصوامع انتهى والوكيل القائم بالامر الذي توكل اليه الاشياء
وقوله واهجرهم هجرا جميلا منسوخ بأية السيف
وقوله سبحانه وذرنى والمكذبين اولى النعمة الآية وعيد بين والمعنى لا تشغل بهم فكرك وكلهم الي والنعمة غضارة العيش وكثرة المال والمشار اليهم كفار قريش اصحاب القليب ببدر ولدينا بمنزلة عندنا والانكال جمع نكال وهو القيد من الحديد ويروى انها قيود سود من النار والطعام ذو الغصة شجرة الزقوم قاله مجاهد وغيره وقال ابن عباس شوك من نار يعترض في حلوقهم وكل مطعوم هنالك فهو ذو غصة وروي ان النبي ص - قرأ هذه الآية فصعق والرجفان والاهتزاز والاضطراب من فزع وهول والمهيل اللين الرخو الذي يذهب بالريح وقال البخاري كثيبا مهيلا رملا سائلا انتهى
وقوله تعالى انا ارسلنا اليكم الآية خطاب للعالم لكن المواجهون قريش وشاهدا عليكم نحو قوله وجئنا بك على هؤلاء شهيدا والوبيل الشديد الردى
وقوله تعالى فكيف تتقون معناه كيف تجعلون وقاية لأنفسكم ويوما مفعول بتتقون وقيل هو مفعول بكفرتم ويكون كفرتم بمعنى جحدتم فتتقون على هذا من التقوى اي تتقون عذاب الله ويجوز ان يكون يوما ظرفا والمعنى تتقون عقاب الله يوما وعبارة الثعلبي فكيف تتقون ان كفرتم اي كيف تتحصنون من عذاب يوم يشيب فيه الطفل لهوله ان كفرتم ثم ذكر نحو ما تقدم انتهى وحكى ص عن بعض الناس جواز ان يكون يوما ظرفا اي فكيف لكم بالتقوى في يوم القيامة ان كفرتم في الدنيا ت وهذا هو مراد ع قال ابو حيان وشيبا مفعول ثان ليجعل وهو جمع اشيب انتهى
وقوله تعالى السماء منفطر به اي ذات انفطار والانفطار التصدع والانشقاق والضمير في به قال منذر وغيره عائد على اليوم

وكذا قال ص ان ضمير به يعود على اليوم والباء سببية او ظرفية انتهى وفي صحيح مسلم من رواية عبد الله بن عمرو وذكر ص - بعث النار من كل الف تسعمائة وتسعة وتسعون الى النار وواحد الى الجنة قال فذلك يوم يجعل الولدان شيبا وذلك يوم يكشف عن ساق الحديث انتهى وقيل عائد على الله اي منفطر بأمره وقدراته والضمير في قوله وعده الظاهر انه يعود على الله تعالى
وقوله تعالى ان هذه تذكرة الآية الاشارة بهذه تحتمل الى ما ذكر من الانكال والجحيم والاخد الوبيل وتحتمل ان تكون الى السورة بجملتها وتحتمل ان تكون الى ءايات القرآن بجملتها
وقوله سبحانه فمن شاء اتخذ الى ربه سبيلا ليس معناه اباحة الامر وضده بل الكلام يتضمن الوعد والوعيد والسبيل هنا سبيل الخير والطاعة
وقوله سبحانه ان ربك يعلم انك تقوم الآية المعنى ان الله تعالى يعلم انك تقوم أنت وغيرك من امتك قياما مختلفا مرة يكثر ومرة يقل ومرة ادنى من الثلثين ومرة ادنى من النصف ومرة ادنى من الثلث وذلك لعدم تحصيل البشر لمقادير الزمان مع عذر النوم وتقدير الزمان حقيقة انما هو لله تعالى واما البشر فلا يحصى ذلك فتاب الله عليهم اي رجع بهم من الثقل الى الخفة وامرهم بقراءة ما تيسر ونحو هذا تعطى عبارة الفراء ومنذر فإنهما قالا تحصوه تحفظوه وهذا التأويل هو على قراءة الخفض عطفا على الثلثين وهي قراءة ابي عمرو ونافع وابن عامر واما من قرأ ونصفه وثلثه بالنصب عطفا على ادنى وهي قراءة باقي السبعة فالمعنى عندهم ان الله تعالى قد علم انهم يقدرون الزمان على نحو ما امر به تعالى في قوله نصفه او انقص منه قليلا او زد عليه فلم يبق الا قوله ان لن تحصوه فمعناه لن يطيقوا قيامه لكثرته وشدته فخفف الله عنهم فضلا منه لا لعلة جهلهم بالتقدير واحصاء الاوقات ونحو هذا تعطى عبارة الحسن وابن جبير فانهما قالا تحصوه تطيقوه

وعبارة الثعلبي ومن قرأ بالنصب فالمعنى وتقوم نصفه وثلثه قال الفراء وهو الاشبه بالصواب لانه قال اقل من الثلثين ثم ذكر تفسير القلة لا تفسير اقل من القلة انتهى ولو عبر الفراء بالأرجح لكان احسن ادبا وعن عبادة بن الصامت عن النبي ص - انه قال من تعار من الليل فقال لا اله الا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير الحمد لله وسبحان الله ولا اله الا الله والله اكبر ولا حول ولا قوة الا بالله ثم قال اللهم اغفر لي او دعا استجبيب له فان توضأ ثم صلى قبلت صلاته رواه الجماعة الا مسلما وتعار بتشديد الراء معناه استيقظ انتهى من السلاح
وقوله تعالى فاقرءوا ما تيسر من القرآن قال الثعلبي اي ما خف وسهل بغير مقدار من القراءة والمدة وقيل المعنى فصلوا ما تيسر فعبر بالقراءة عنها ت وهذا هو الاصح عند ابن العربي انتهى قال ع قوله فاقرءوا ما تيسر من القرآن هو امر ندب في قول الجمهور وقال جماعة هو فرض لا بد منه ولو خمسين ءاية وقال الحسن وابن سيرين قيام الليل فرض ولو قدر حلب شاة الا ان الحسن قال من قرأ مائة ءاية لم يحاجه القرءان واستحسن هذا جماعة من العلماء قال بعضهم والركعتان بعد العشاء مع الوتر داخلتان في امتثال هذا الامر ومن زاد زاده الله ثوابا ت ينبغي للعاقل المبادرة الى تحصيل الخيرات قبل هجوم صولة الممات قال الباجي في سنن الصالحين له قالت بنت الربيع بن خثيم لابيها يا ابت ما لي ارى الناس ينامون وانت لا تنام قال ان اباك يخاف البيات قال الباجي رحمه الله تعالى ولي في هذا المعنى ... قد افلح القانت في جنح الدجى ... يتلوا الكتاب العربي النيرا ... فقائما وراكعا وساجدا ... مبتهلا مستعبرا مستغفرا ... له حنين وشهيق وبكا ... يبل من ادمعه ترب الثرى

انا لسفر نبتغي نيل الهدى ... ففي السرى بغيتنا لا في الكرا ... من ينصب الليل ينل راحته ... عند الصباح يحمد القوم السرى ...
انتهى والضرب في الارض هو السفر للتجارة ابتغاء فضل الله سبحانه فذكر الله سبحانه اعذار بني آدم التي هي حائلة بينهم وبين قيام الليل ثم كرر سبحانه الامر بقراءة ما تيسر منه تاكيدا والصلاة والزكاة هنا هما المفروضتان فمن قال ان القيام من الليل غير واجب قال معنى الآية خذوا من هذا النفل بما تيسر وحافظوا على فرائضكم ومن قال ان شيأ من القيام واجب قال قد قرنه الله بالفرائض لانه فرض واقراض الله تعالى هو اسلاف العمل الصالح عنده وقرأ جمهور الناس هو خيرا على ان يكون هو فصلا قال بعض العلماء الاستغفار بعد الصلاة مستنبط من هذه الآية ومن قوله تعالى كانوا قليلا من الليل ما يهجعون وبالاسحار هم يستغفرون قال ع وعهدت ابي رحمه الله يستغفر الله اثر كل مكتوبة ثلاثا بعقب السلام ويأثر في ذلك حديثا فكان هذا الاستغفار من التقصير وتقلب الفكر اثناء الصلاة وكان السلف الصالح يصلون الى طلوع الفجر ثم يجلسون للاستغفار ت وما ذكره ع رحمه الله عن ابيه رواه مسلم وابو داود والترمذي والنساءي وابن ماجه عن ثوبان قال كان رسول الله ص - اذا انصرف من صلاته استغفر ثلاثا وقال اللهم انت السلام ومنك السلام تباركت ذا الجلال والاكرام قال الوليد فقلت للاوزاعي كيف الاستغفار قال تقول استغفر الله استغفر الله استغفر الله وفي رواية لمسلم من حديث عائشة يا ذا الجلال والاكرام انتهى من سلاح المؤمن

تفسير

سورة المدثر

وهي مكية باجماع
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله عز و جل يا ايها المدثر قم فانذر الآية اختلف في اول ما نزل من القرءان فقال الجمهور هو اقرأ باسم ربك وهذا هو الاصح وقال جابر وجماعة هو يا ايها المدثر ص والتدثر لبس الدثار وهو الثوب الذي فوق الشعار والشعار الثوب الذي يلى الجسد ومنه قوله عليه السلام الانصار شعار والناس دثار انتهى
وقوله تعالى قم فانذر بعثة عامة الى جميع الخلق
وربك فكبر اي فعظم وثيابك فطهر قال ابن زيد وجماعة هو امر بتطهير الثياب حقيقة وذهب الشافعي وغيره من هذه الآية الى وجوب غسل النجاسات من الثياب وقال الجمهور هذه الالفاظ استعارة في تنقية الافعال والنفس والعرض وهذا كما تقول فلان طاهر الثوب ويقال للفاجر دنس الثوب قال ابن العربي في احكامه والذي يقول انها الثياب المجازية اكثر كثيرا ما تستعمله العرب قال ابو كبشة ... ثياب بنى عوف طهارى نقية ... وأوجههم عند المشاهد غران ...
يعنى بطهارو ثيابهم سلامتهم من الدناءات وقال غيلان بن سلمة التقفي ... فاني بحمد الله لا ثوب فاجر ... لبست ولا من غدرة اتقنع ...
وليس يمتنع ان تحمل الآية على عموم المراد فيها بالحقيقة والمجاز على ما بيناه في اصول الفقه واذا حملناها على الثياب المعلومة فهي تتناول معنيين احدهما تقصير الاذيال فإنها اذا ارسلت تدنست وتقصير الذيل انقى لثوبه واتقى لربه والمعنى الثانى غسلها من النجاسة فهو ظاهر منها صحيح فيها انتهى قال الشيخ ابو

الحسن الشاذلي رضي الله عنه رأيت النبي ص - في المنام فقال يا علي طهر ثيابك من الدنس تحظ بمدد الله في كل نفس فقلت وما ثيابي يا رسول الله فقال ان الله كساك حلة المعرفة ثم حلة المحبة ثم حلة التوحيد ثم حلة الايمان ثم حلة الاسلام فمن عرف الله صغر لديه كل شيء ومن احب الله هان عليه كل شيء ومن وحد الله لم يشرك به شيأ ومن آمن بالله وامن من كل شيء ومن اسلم لله قل ما يعصيه وان عصاه اعتذر اليه واذا اعتذر اليه قبل عذره قال ففهمت حينئذ معنى قوله عز و جل وثيابك فطهر انتهى من التنوير لا بن عطاء الله
والرجز يعنى الاصنام والأوثان وقال ابن عباس الرجز السخط يعنى اهجر ما يؤدي اليه ويوجبه واختلف في معنى قوله تعالى ولا تمنن تستكثر فقال ابن عباس وجماعة معناه لا تعط عطاء لتعطى اكثر منه فكأنه من قولهم من اذا اعطى قال الضحاك وهذا خاص بالنبي ص - ومباح لامته لكن لا اجر لهم فيه وقال الحسن بن ابي الحسن معناه ولا تمنن على الله بجدك تستكثر اعمالك ويقع لك بها اعجاب قال ع وهذا من المن الذي هو تعديد اليد وذكرها وقال مجاهد معناه ولا تضعف تستكثر ما حملناك من اعباء الرسالة وتستكثر من الخير وهذا من قولهم حبل منين اي ضعيف
ولربك فاصبر اي لوجه ربك وطلب رضاه فاصبر على اذى الكفار وعلى العبادة وعن الشهوات وعلى تكاليف النبوة قال ابن زيد وعلى حرب الاحمر والاسود ولقد حمل امرا عظيما ص - والناقور الذي ينفخ فيه وهو الصور قاله ابن عباس وعكرمة وهو فاعول من النقر قال ابو حباب القصاب أمنا زرارة بن اوفى فلما بلغ فإذا نقر في الناقور خر ميتا قال الفجر قوله تعالى فذلك يومئذ يوم عسير اي على الكافرين لانهم يناقشون غير يسير اي بل كثير شديد فاما المؤمنون فانه عليهم يسير لانهم لا يناقشون قال ابن عباس ولما قال تعالى على الكافرين غير

يسير دل على انه يسير على المؤمنين وهذا هو دليل الخطاب ويحتمل ان يكون انما وصفه تعالى بالعسر لانه في نفسه كذلك للجميع من المؤمنين والكافرين الا انه يكون هول الكفار فيه اكثر واشد وعلى هذا القول يحسن الوقف على قوله يوم عسير انتهى
وقوله تعالى ذرنى ومن خلقت وحيدا الآية لا خلاف بين المفسرين ان هذه الآية نزلت في الوليد بن المغيرة المخزومي فروي انه كان يلقب الوحيد اي لانه لا نظيرا له في ماله وشرفه في بيته فذكر الوحيد في جملة النعم التي اعطي وان لم يثبت هذا فقوله تعالى خلقت وحيدا معناه منفردا قليلا ذليلا والمال الممدود قال مجاهد وابن جبير هو الف دينار وقال سفيان بلغني انه اربعة ءالالف وقاله قتادة وقيل عشرة ءالالف دينار قال ع وهذا مد في العدد وقال عمر بن الخطاب المال الممدود الزيع المستغل مشاهرة
وبنين شهودا اي حضورا قيل عشرة وقيل ثلاثة عشر قال الثعلبي اسلم منهم ثلاثة خالد بن الوليد وهشام وعمارة قالوا فما زال الوليد بعد نزول هذه الآية في نقصان من ماله وولده حتى هلك انتهى
ومهدت له تمهيدا قال سفيان المعنى بسطت له العيش بسطا
وقوله تعالى كلا ردع وزجر له على امنيته وأرهقه معناه اكلفه بمشقة وعسر وصعود عقبة في نار جهنم روى ذلك ابو سعيد الخدري عن النبي ص - كلما وضع عليها شيء من الانسان ذاب ثم يعود والصعود في اللغة العقبة الشاقة
وقوله تعالى مخبرا عن الوليد انه فكر وقدر الاية روى جمهور من المفسرين ان الوليد سمع من القرءان ما اعجبه ومدحه ثم سمع كذلك مرارا حتى كاد ان يقارب الاسلام وقال والله لقد سمعت من محمد كلاما ما هو من كلام الانس ولا هو من كلام الجن ان له لحلاوة وان عليه لطلاوة وان اعلاه لمثمر وان اسفله لمغدق وانه يعلو وما يعلى فقالت قريش صبأ الوليد والله لتصبأن قريش فقال ابو جهل انا اكفيكموه فحاجه

ابو جهل وجماعة حتى غضب الوليد وقال تزعمون أن محمدا مجنون فهل رأيتموه يخنق قط قالوا لا قال تزعمون انه شاعر فهل رأيتموه ينطق بشعر قط قالوا لا قال تزعمون أنه كاهن فعل رأيتموه يتكهن قط قالوا لا قال تزعمون انه كذاب فهل جربتم عليه شيئا من الكذب قط قالوا لا وكانوا يسمونه قبل النبوة الامين لصدقه فقالت قريش ما عندك فيه فتفكر في نفسه فقال ما ارى فيه شيأ مما ذكرتموه فقالوا هو ساحر فقال اما هذا فيشبه والفاظ الرواة هنا متقاربة المعانى من رواية الزهري وغيره
وقوله تعالى فقتل كيف قدر قال الثعلبي وغيره قتل معناه لكن انتهى
وبسر اي قطب ما بين عينيه واربد وجهه ثم ادبر عن الهدى بعد ان أقبل إليه وقال أن هذا الاسحر يؤثر أي يروى أي يرويه محمد عن غيره
وسقر هي الدرك السادس من النار لا تبقى على من القي فيها ولا تذر غاية من العذاب الا وصلته اليه
وقوله تعالى لواحة للبشر قال ابن عباس وجمهور الناس معناه مغيرة للبشرات ومحرقة للجلود مسودة لها فالبشر جمع بشرة وقال الحسن وابن كيسان لواحة بناء مبالغة من لاح يلوح اذا ظهر فالمعنى انها تظهر للناس وهم البشر من مسيرة خمسمائة عام وذلك لعظمها وهولها وزفيرها
وقوله تعالى عليها تسعة عشر لا خلاف بين العلماء انهم خزنة جهنم المحيطون بامرها الذين اليهم جماع امر زبانيتها وروي ان قريشا لما سمعت هذا كثر لغطهم فيه وقالوا ولو كان هذا حقا فان هذا العدد قليل وقال ابو جهل هؤلاء تسعة عشرة وانتم الدهم اي الشجعان افيعجز عشرة منا عن رجل منهم الى غير هذا من اقوالهم السخيفة
وقوله تعالى وما جعلنا اصحاب النار الا ملائكة تبيين لفساد اقوال قريش اي انا جعلناهم خلقا لا قبل لاحد من الناس بهم وجعلنا عدتهم هذا القدر فتنة للكفار ليقع منهم من التعاطى والطمع في المبالغة ما وقع وليستيقن اهل الكتاب التوارة والانجيل ان هذا القرءان من

عند الله اذ هم يجدون هذه العدة في كتبهم المنزلة قال هذا المعنى ابن عباس وغيره وبورود الحقائق من عند الله عز و جل يزداد كل ذي ايمان ايمانا ويزول الريب عن المصدقين من اهل الكتاب ومن المؤمنين
وقوله سبحانه وليقول الذين في قلوبهم مرض الآية نوع من الفتنة لهذا الصنف المنافق او الكافر اي حاروا ولم يهتدوا لمقصد الحق فجعل بعضهم يستفهم بعضا عن مراد الله بهذا المثل استبعادا ان يكون هذا من عند الله قال الحسين بن الفضل السورة مكية ولم يكن بمكة نفاق وانما المرض في هذه الآية الاضطراب وضعف الايمان ثم قال تعالى وما يعلم جنود ربك الا هو اعلاما بان الامر فوق ما يتوهم وان الخبر انما هو عن بعض القدرة لا عن كلها ت صوابه ان يقول عن بعض المقدورات لا عن كلها وهذا هو مراده الا تراه قال في قوله تعالى ولا يحيطون بشيء من علمه قال يعنى بشيء من معلوماته لان علمه تعالى لا يتجزأ فافهم راشدا والسموات كلها عامرة بانواع من الملائكة كلهم في عبادة متصلة وخشوع دائم لا فترة في شيء من ذلك ولا دقيقة واحدة قال مجاهد والضمير في قوله وما هي للنار المذكورة اي يذكر بها البشر فيخافونها فيطيعون الله وقال بعضهم قوله وما هي يراد بها الحال والمخاطبة والنذارة وأقسم تعالى بالقمر وما بعده تنبيها على النظر في ذلك والفكر المؤدي الى تعظيمه تعالى وتحصيل معرفته تعالى مالك الكل وقوام الوجود ونور السموات والارض لا اله الا هو العزيز القهار وادبر الليل معناه ولى واسفر الصبح اضاء وانتشر ضوءه قال ابن زيد وغيره الضمير في قوله انها لإحدى الكبر لجهنم ويحتمل ان يكون الضمير للنذارة وامر الآخرة فهو للحال والقصة ص والكبر جمع كبرى وفي ع جمع كبيرة ولعله وهم من الناسخ انتهى
وقوله سبحانه نذيرا للبشر هو محمد ص -
وقوله سبحانه

لمن شاء منكم ان يتقدم او يتأخر قال الحسن هو وعيد نحو قوله فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ثم قوى سبحانه هذا المعنى بقوله كل نفس بما كسبت رهينة اذ لزم بهذا القول ان المقصر مرتهن بسوء عمله وقال الضحاك المعنى كل نفس حقت عليها كلمة العذاب ولا يرتهن تعالى احدا من اهل الجنة ان شاء الله
وقوله تعالى الا اصحاب اليمين استثناء ظاهره الانفصال تقديره لكن اصحاب اليمين في جنات ص في جنات اي هم في جنات فيكون خبر مبتدا محذوف م واعربه ابو البقاء حالا من الضمير في يتساءلون انتهى قال ابن عباس اصحاب اليمين هنا الملائكة وقال الضحاك هم الذين سبقت لهم من الله الحسنى وقال الحسن وابن كيسان هم المسلمون المخلصون ليسوا بمرتهنين ت واسند ابو عمر بن عبد البر عن علي بن ابي طالب في قوله تعالى كل نفس بما كسبت رهينة الا اصحاب اليمين قال اصحاب اليمين اطفال المسلمين انتهى من التمهيد
وقولهم ما سلككم اي ما ادخلكم فيحتمل ان يكون من قول اصحاب اليمين الآدميين او من قول الملائكة
وقوله تعالى قالوا يعنى الكفار لم نك من المصلين الآية وفي نفي الصلاة يدخل الايمان بالله والمعرفة به والخشوع له ولم نك نطعم المسكين يشمل الصدقة فرضا كانت او نفلا والخوض مع الخائضين عرفه في الباطل والتكذيب بيوم الدين كفر صراح حتى اتانا اليقين يعنى الموت قاله المفسرون قال ع وعندي ان اليقين صحة ما كانوا يكذبون به من الرجوع الى الله والدار الآخرة وقد تقدم ذكر احاديث الشفاعة قال الفخر واحتج اصحابنا بهذه الآية على ان الكفار يعذبون بترك فروع الشريعة والاستقصاء فيه قد ذكرناه في المحصول انتهى
وقوله تعالى في صفة الكفار المعرضين كأنهم حمر مستنفرة اثبات لجهلهم لان الحمر من جاهل الحيوان جدا وفي حرف ابن مسعود حمر نافرة قال ابن عباس وابو هريرة وجمهور من اللغويين

القسورة الاسد وقيل غير هذا بل يريد كل امرئي منهم اي من هؤلاء ان يؤتى صحفا منشرة اي يريد كل انسان منهم ان ينزل عليه كتاب من الله ومنشرة اي منشورة غير مطوية
وقوله كلا رد على ارادتهم اي ليس الامر كذلك ثم قال بل لا يخافون الآخرة المعنى هذه هي العلة والسبب في اعراضهم فكان جهلهم بالآخرة سبب امتناعهم من الهدى حتى هلكوا ثم اعاد تعالى الرد والزجر بقوله كلا واخبر ان هذا القول والبيان وهذه المحاورة بجملتها تذكرة فمن شاء ووفقه الله لذلك ذكر معاده فعمل له ثم اخبر سبحانه ان ذكر الانسان معاده وجريه الى فلاحه انما هو كله بمشيئة الله تعالى وليس يكون شيء الا بها وقرأ ابو عمرو وعاصم وابن كثير يذكرون بالياء من تحت
وقوله سبحانه هو اهل التقوى وأهل المغفرة خبر جزم معناه أن الله عز و جل أهل بصفاته العلى ونعمه التي لا تحصى لان يتقي ويطاع امره ويحذر عصيانه وانه بفضله وكرمه اهل ان يغفر لعباده اذا اتقوه روى ابن ماجه عن انس ان النبي ص - قرأ هذه الآية هو اهل التقوى واهل المغفرة فقال قال الله تعالى انا اهل ان اتقى فلا يجعل معى اله آخر فمن اتقاني فلم يجعل معى الها آخر فانا اهل ان اغفر له واخرجه ابو عيسى الترمذي بمعناه وقال حديث حسن انتهى
تفسير سورة القيامة وهي مكية باجماع
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله عز و جل لا اقسم بيوم القيامة ولا اقسم بالنفس اللوامة هذه قراءة الجمهور

وقرأ ابن كثير لا قسم بيوم القيامة ولا قسم فقيل على قراءة الجمهور لا زائدة وقال الفراء لا نفى لكلام الكفار وزجر لهم ورد عليهم وجمهور المتأولين على ان الله تعالى اقسم بيوم القيامة وبالنفس اللوامة اقسم سبحانه بيوم القيامة تنبيها منه على عظمه وهوله قال الحسن النفس اللوامة هي اللوامة لصاحبها في ترك الطاعة ونحو ذلك فهي على هذا ممدوحة ولذلك اقسم الله بها وقال ابن عباس وقتادة اللوامة هي الفاجرة اللوامة لصاحبها على ما فاته من سعي الدنيا واعراضها وعلى هذا التأويل يحسن نفي القسم بها والنفس في الآية اسم جنس قال ع وكل نفس متوسطة ليست بالمطمئنة ولا بالامارة بالسوء فانها لوامة في الطرفين مرة تلوم على ترك الطاعة ومرة تلوم على فوت ما تشتهى فاذا اطمأنت خلصت وصفت قال الثعلبي وجواب القسم محذوف تقديره لتبعثن دل عليه قوله ايحسب الانسان الن نجمع عظامه اي للاحياء والبعث والانسان هنا الكافر المكذب بالبعث انتهى والبنان الاصابع ونسوي بنانه معناه نتقنها سوية قاله القتبي وهذا كله عند البعث وقال ابن عباس وجمهور المفسرين المعنى بل نحن قادرون ان نسوى بنانه اي نجعل اصابع يديه ورجليه شيأ واحدا كخف البعير او كحافر لحمار لا يمكنه ان يعمل بها شيأ ففي هذا توعد ما والقول الاول اجرى مع رصف الكلام
بل يريد الانسان ليفجر امامه معناه ان الانسان انما يريد شهواته ومعاصيه ليمضي فيها ابدا راكبا رأسه ومطيعا امله ومسوفا توبته قال البخاري ليفجر امامه يقول سوف اتوب سوف اعمل انتهى قال الفخر قوله ليفجر امامه فيه قولان الاول ليدوم على فجورة فيما يستقبله من الزمان لا ينزع عنه فعن ابن جبير يقدم الذنب ويؤخر التوبة يقول سوف اتوب سوف اتوب حتى ياتيه الموت على شر احواله واسوإ اعماله القول الثاني يفجر امامه اي يكذب بما امامه من البعث والحساب لان من كذب حقا كان مفاجرا والدليل

على هذا القول قوله تعالى يسئل ايان يوم القيامة اي متى يكون ذلك تكذيبا له انتهى وسؤال الكفار ايان هو على معنى التكذيب والهزء وايان بمعنى متى وقرأ نافع وعاصم بخلاف برق البصر بفتح الراء بمعنى لمع وصار له بريق وحار عند الموت وقرأ ابو عمرو وغيره بكسرها بمعنى شخص والمعنى متقارب قال مجاهد هذا عند الموت وقال الحسن هذا في يوم القيامة قال ابو عبيدة وجماعة من اللغويين الخسوف والكسوف بمعنى واحد وقال ابن ابي اويس الكسوف ذهاب بعض الضوء والخسوف ذهاب جميعه وروى عروة وسفيان ان النبي ص - قال لا تقولوا كسفت الشمس ولكن قولوا خسفت وقرأ ابن مسعود وجمع بين الشمس والقمر واختلف في معنى الجمع بينهما فقال عطاء يجمعان فيقذفان في النار وقيل في البحر فيصيرا نار الله العظمى وقيل يجمع الضوءان فيذهب بهما قال الثعلبي وقال علي وابن عباس يجعلان في نور الحجب انتهى
يقول الانسان يومئذ أين المفر اي اين الفرار كلا لا وزر اي لا ملجأ والمستقر موضع الاستقرار
وقوله تعالى ينبؤ الانسان يومئذ بما قدم واخر اي يعلم بكل ما فعل ويجده محصلا وقال ابن عباس وابن مسعود بما قدم في حياته وما اخر من سنة بعد مماته
وقوله تعالى بل الانسان على نفسه بصيرة قال ابن عباس وغيره اي للانسان على نفسه من نفسه بصيرة رقباء يشهدون عليه وهم جوارحه وحفظته ويحتمل ان يكون المعنى بل الانسان على نفسه شاهد ودليله قوله تعالى كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا قال الثعلبي قال ابان بن ثعلب البصيرة والبينة والشاهد بمعنى انتهى ونحوه للهروي قال ع والمعنى على هذا التأويل الثاني ان في الانسان وفي عقله وفطرته حجة وشاهدا مبصرا على نفسه
ولو القي معاذيره اي ولو اعتذر عن قبيح افعاله فهو يعلمها قال الجمهور المعاذير هما جمع معذرة وقال الضحاك والسدي هي الستور بلغة اليمن يقولون

للستر المعذار
وقوله تعالى لا تحرك به لسانك الآية قال كثير من المفسرين وهو في صحيح البخاري عن ابن عباس قال كان النبي ص - يعالج من التنزيل شدة وكان مما يحرك شفتيه مخافة ان يذهب عنه ما يوحي اليه فنزلت الآية بسبب ذلك واعلمه تعالى انه يجمعه له في صدره
وقوله وقرءانه يحتمل ان يريد وقراءته اي تقرأه انت يا محمد
وقوله فإذا قراناه أي قرأه الملك الرسول عنا فاتبع قرآنه قال البخاري قال ابن عباس فاتبع اي اعمل به وقال البخاري ايضا قوله انا علينا جمعه وقرءانه اي تاليف بعضه الى بعض فاذا قرأناه فاتبع قرءانه اي ما جمع فيه فاعمل بما امرك وانته عما نهاك انتهى
وقوله تعالى ثم ان علينا بيانه قال قتادة وجماعة معناه ان نبينه لك وقال البخاري ان نبينه على لسانك
وقوله تعالى كلا بل تحبون العاجلة اي الدنيا وشهواتها قال الغزالي في الاحياء اعلم ان رأس الخطايا المهلكة هو حب الدنيا ورأس اسباب النجاة هو التجافي بالقلب عن دار الغرور وقال رحمه الله اعلم انه لا وصول الى سعادة لقاء الله سبحانه في الآخرة الا بتحصيل محبته والانس به في الدنيا ولا تحصل المحبة الا بالمعرفة ولا تحصل المعرفة الا بدوام الفكر ولا يحصل الانس الا بالمحبة ودوام الذكر ولا تتيسر المواظبة على الذكر والفكر الا بانقلاع حب الدنيا من القلب ولا ينقلع ذلك الا بترك لذات الدنيا وشهواتها ولا يمكن ترك المشتهيات الا بقمع الشهوات ولا تنقمع الشهوات بشيء كما تنقمع بنار الخوف المحرقة للشهوات انتهى وقرأ ابن كثير وغيره يحبون ويذرون بالياء على ذكر الغائب ولما ذكر سبحانه الآخرة اخبر بشيء من حال اهلها فقال وجوه يومئذ ناضره اي ناعمة والنضرة النعمة وجمال البشرة قال الحسن وحق لها ان تنضر وهي تنظر الى خالقها
وقوله تعالى الى ربها ناظرة حمل جميع اهل السنة هذه الآية على انها متضمنة رؤية المؤمنين لله عز و جل بلا تكييف ولا تحديد كما

هو معلوم موجود لا يشبه الموجودات كذلك هو سبحانه مرءي لا يشبه المرءيات في شيء فانه ليس كمثله شيء لا اله الا هو وقد تقدم استيعاب الكلام على هذه المسئلة وما في ذلك من صحيح الاحاديث والباسرة العابسة المغمومة النفوس والبسور اشد العبوس وانما ذكر تعالى الوجوه لانه فيها يظهر ما في النفس من سرور او غم والمراد اصحاب الوجوه والفاقرة المصيبة التي تكسر فقار الظهر وقال ابو عبيدة هي من فقرت البعير اذا وسمت انفه بالنار
وقوله تعالى كلا اذا بلغت زجر وتذكير ايضا بموطن من مواطن الهول وهي حالة الموت الذي لا محيد عنه وبلغت يريد النفس والتراقي جمع ترقوة وهي عظام اعلى الصدر ولكل احد ترقوتان لكن جمع من حيث ان النفس المرادة اسم جنس والتراقي هي موارية للحلاقيم فالامر كله كناية عن حال الحشرجة ونزع الموت يسره الله علينا بمنه وجعله لنا راحة من كل شر واختلف في معنى قوله تعالى وقيل من راق فقال ابن عباس وجماعة معناه من يرقي ويطب ويشفي ونحو هذا مما يتمناه اهل المريض وقال ابن عباس ايضا وسليمان التيمي ومقاتل هذا القول للملائكة والمعنى من يرقي بروحه اي يصعد بها الى السماء املائكة الرحمة ام ملائكة العذاب
وظن انه الفراق اي ايقن وهذا يقين فيما لم يقع بعد ولذلك استعملت فيه لفظة الظن
وقوله تعالى والتفت الساق بالساق قال ابن المسيب والحسن هي حقيقة والمراد ساقا الميت عند تكفينه اي لفهما الكفن وقيل هو التفافهما من شدة المرض وقيل غير هذا
وقوله تعالى فلا صدق ولا صلى الآية قال جمهور المتأولين هذه الآية كلها انما نزلت في ابي جهل قال ع ثم كادت هذه الآية ان تصرح به في قوله يتمطي فانها كانت مشيته وقوله فلا صدق ولا صلى تقديره فلم يصدق ولم يصل فلا في الآية نفي لا عاطفة ص قوله فلا صدق فيه دليل على ان لا تدخل على الماضي فتنفيه كقول الراجز

ان تغفر اللهم تغفر حبما ... واي عبد لك لا الما ...
انتهى وصدق معناه برسالة الله ودينه وذهب قوم الى انه من الصدقة والاول اصوب ويتمطى معناه يمشي المطيطاء وهي مشية بتبختر وهي مأخوذة من المطا وهو الظهر لانه يتثنى فيها زاد ص وقيل اصله يتمطط اي بتمدد في مشيه ومد منكبيه انتهى
وقوله اولى لك وعيد
فاولى وعيد ثان وكرر ذلك تاكيدا ومعنى اولى لك الازدجار والانتهار والعرب تستعمل هذه الكلمة زجرا ومنه فاولى لهم طاعة ويروى ان النبي ص - لبب ابا جهل يوما في الطحاء وقال له ان الله يقول لك اولى لك فاولى فنزل القرءان على نحوها وفي شعر الخنساء ... هممت بنفسي كل الهموم ... فاولى لنفسي اولى لها ...
وقوله تعالى ايحسب توبيخ وسدى معناه مهملا لا يومر ولا ينهى ثم قرر تعالى احوال ابن ءادم في بدايته التي اذا تأملت ام ينكر معها جواز البعث من القبور عاقل والعلقة القطعة من الدم
فخلق فسوى اي فخلق الله منه بشرا مركبا من اشياء مختلفة فسواه شخصا مستقلا والزوجين النوعين ثم وقف تعالى توقيف توبيخ بقوله أليس ذلك بقادر على ان يحيى الموتى روي ان النبي ص - كان اذا قرأ هذه الآية قال بلى وروي انه كان يقول سبحانك اللهم وبحمدك بلى انظر سنن ابى داود

تفسير سورة الانسان قيل مكية وقيل مدنية
وقال الحسن وعكرمة منها ءاية مكية وقي قوله تعالى ولا تطع منهم ءاثما او كفورا والباقي ومدني
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى هل اتى على الانسان الآية هل في كلام العرب قد تجيء بمعنى قد حكاه سيبويه لكنها لا تخلو من تقرير وبابها المشهور الاستفهام المحض والتقرير احيانا قال ابن عباس هل بمعنى قد والانسان يراد به ءادم وقال اكثر المتأولين هل تقرير والانسان اسم جنس اي اذا تأمل كل انسان نفسه علم بانه قد مر حين من الدهر عظيم لم يكن فيه شيأ مذكورا وهذا هو القوي ان الانسان اسم جنس وان الآية جعلت عبرة لكل احد من الناس ليعلم ان الخالق له قادر على اعادته ص لم يكن شيأ مذكورا في موضع حال من الانسان او في موضع صفة لحين والعائد عليه محذوف اي لم يكن فيه انتهى
وقوله تعالى انا خلقنا الانسان الآية الانسان هنا اسم جنس بلا خلاف وامشاج معناه اخلاط قيل هو امشاج ماء الرجل بماء المرأة ونقل الفخر ان الامشاج لفظ مفرد وليس بجمع بدليل انه وقع صفة للمفرد وهو قوله نطفة انتهى نبتليه اي نختبره بالايجاد والكون في الدنيا وهو حال من الضمير في خلقنا كانه قال مختبرين له بذلك
وقوله تعالى فجعلناه سميعا بصيرا عطف جملة نعم على جملة نعم وقيل المعنى فلنبلتيه جعلناه سميعا بصيرا وهديناه يحتمل ان يكون بمعنى ارشدناه ويحتمل ان يكون بمعنى

اريناه وليس الهدى في هذه الآية بمعنى خلق الهدى والايمان وعبارة الثعلبي هديناه السبيل بينا له وعرفناه طريق الهدى والضلال والخير والشر كقوله وهديناه النجدين انتهى
وقوله تعالى إما شاكرا واما كفورا حالان وقسمتهما اما والابرار جمع بار قال الحسن هم الذين لا يؤذون الذر ولا يرضون الشر قال قتادة نعم قوم يمزج لهم بالكافور ويختم له بالمسك قال الفراء يقال ان في الجنة عينا تسمى كافورا
وقوله تعالى عينا قيل هو بدل من قوله كافورا وقيل هو مفعول بقوله يشربون اي ماء هذه العين من كأس عطرة كالكافور وقيل نصب عينا على المدح او باضمار اعني
قوله تعالى يشرب بها بمنزلة يشربها فالباء زائدة قال الثعلبي قال الواسطي لما اختلفت احوالهم في الدنيا اختلفت اشربتهم في الآخرة انتهى قال ص وقيل الباء في بها للاصلاق والاختلاط اي يشرب بها عباد الله الخمر كما تقول شربت الماء بالعسل انتهى
وقوله تعالى يفجرونها معناه يفتقونها ويقودونها حيث شاءوا من منازلهم وقصورهم فهي تجري عند كل احد منهم ورد بهذا الاثر وقيل عين في دار النبي ص - تفجر الى دور الأنبياء والمؤمنين قال ع وهذا قول حسن ثم وصف تعالى حال الابرار فقال يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا اي ممتدا متصلا شائعا
وقوله تعالى على حبه يحتمل ان يعود الضمير على الطعام وهو قول ابن عباس ويحتمل ان يعود على الله تعالى قاله ابو سليمان الداراني
وقوله واسيرا قال الحسن ما كان اسراهم الا مشركين لان في كل ذي كبد رطبة اجرا ت وفي العتبية سئل مالك عن الاسير في هذه الآية امسلم هو أم مشرك فقال بل مشرك وكان ببدر اساري فانزلت فيهم هذه الآية قال ابن رشد والاظهر حمل الآية في كل اسير مسلما كان او كافرا انتهى يعنى وان كان سبب نزولها ما ذكر فهي عامة في كل اسير الى يوم القيامة وقال ابو سعيد الخدري قال النبي

ص - مسكينا قال فقيرا ويتيما وقال لا اب له واسيرا قال المملوك والمسجون واسند القشيري في رسالته عن مالك عن نافع عن ابن عمر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال قال رسول الله ص - لكل شيء مفتاح ومفتاح الجنة حب المساكين والفقراء الصبر هم جلساء الله يوم القيامة انتهى وروى الترمذي عن انس ان النبي ص - قال اللهم احينى مسكينا وامتنى مسكينا واحشرني في زمرة المساكين يوم القيامة فقالت عائشة لم يا رسول الله قال انهم يدخلون الجنة قبل اغنيائهم باربعين خريفا يا عائشة لا تردى المسكين ولو بشق تمرة يا عائشة احيي المساكين وقربيهم فان الله يقربك يوم القيامة قال ابو عيسى هذا حديث غريب انتهى
وقوله انما نطعمكم الآية قال مجاهد وابن جبير ما تكلموا به ولكنه علمه الله من قلوبهم فاثنى عليهم ليرغب في ذلك راغب ووصف اليوم بعبوس تجوز والقمطرير هو في معنى العبوس والاربداد تقول اقمطر الرجل اذا جمع ما بين عينيه غضبا وقال ابن عباس يعبس الكافر يومئذ حتى يسيل ما بين عينيه كالقطران وعبر ابن عباس عن القمطرير بالطويل وعبر عنه غيره بالشديد وذلك كله قريب في المعنى والنضرة جمال البشرة وذلك لا يكون الا مع فرح النفس وقرة العين
وقوله بما صبروا عام في الصبر عن الشهوات وعلى الطاعات والشدائد وفي هذا يدخل كل ما خصص المفسرون من صوم وفقر ونحوه
وقوله سبحانه لا يرون فيها شمسا الآية عبارة عن اعتدال هوائها وذهاب ضرري الحر والقر والزمهرير اشد البرد والقطوف جمع قطف وهو العنقود من النخل والعنب ونحوه والقوارير الزجاج
وقوله تعالى من فضة يقتضي انها من زجاج ومن فضة وذلك متمكن لكونه من زجاج في شفوفه ومن فضة في جوهره وكذلك فضة الجنة شفافة قال القرطبي في تذكرته وذلك ان لكل قوم من تراب ارضهم قواريرا وان تراب الجنة فضة

فهي قوارير من فضة قاله ابن عباس انتهى
وقوله تعالى قدروها تقديرا اي على قدرريهم قاله مجاهد او على قدر الاكف قاله الربيع وضمير قدروها يعود اما على الملائكة او على الطائفين او على المنعمين
وقوله سبحانه عينا فيها تسمى سلسبيلا عينا بدل من كأس او من عين على القول الثانى وسلسبيلا قيل هو اسم بمعنى السلس المنقاد الجرية وقال مجاهد حديدة الجرية وقال ءاخرون سلسبيلا صفة لقوله عينا وتسمى بمعنى توصف وتشهر وكونه مصروفا مما يؤكد كونه صفة للعين لا اسما
وقوله تعالى حسبتهم لؤلؤا منثورا قال الامام الفخر وفي كيفية التشبيه وجوه احدها انهم شبهوا في حسنهم وصفاء الوانهم وانبثاثهم في مجالسهم ومنازلهم في انواع الخدمة باللؤلؤ المنثور ولو كانوا صفا لشبهوا باللؤلؤ المنظوم الا ترى انه تعالى قال ويطوف عليهم ولدان فاذا كانوا يطوفون كانوا متناثرين الثاني ان هذا من التشبيه العجيب لان اللؤلؤ اذا كان متفرقا يكون احسن في المنظر لوقوع شعاع بعضه على بعض الثالث انهم شبهوا باللؤلؤ الرطب اذا نثر من صدفه لانه احسن واجمل انتهى
وقوله تعالى واذا رأيت ثم قال الفراء التقدير واذا رأيت ما ثم رأيت نعيما فحذفت ما وكررت الرؤية مبالغة وملكا كبيرا وهو ان ادناهم منزلة ينظر في ملكه مسيرة الف عام يرى اقصاه كما يرى ادناه وخرجه الترمذي وفي الترمذي ايضا من رواية ابي سعيد قال قال رسول الله ص - ادنى اهل الجنة الذي له ثمانون الف خادم واثنتان وسبعون زوجة وتنصب له قبة من لؤلؤ وزبرجد وياقوت كما بين الجابية الى صنعاء انتهى وقال سفيان الملك الكبير هو استيذان الملائكة وتسليمهم عليهم وتعظيمهم لهم قال الثعلبي قال محمد بن علي الترمذي يعنى ملك التكوين اذا ارادوا شيأ كان انتهى ت وجميع ما ذكر داخل في الملك الكبير وقرأ نافع وحمزة عاليهم وقرأ الباقون عاليهم بالنصب والمعنى فوقهم قال الثعلبي وتفسير ابن عباس قال اما رأيت الرجل

عليه ثياب يعلوها افضل منها انتهى وقرأ حمزة والكساءي خضر واستبرق بالخفض فيهما وباقي الآية بين
وقوله سبحانه انا نحن نزلنا عليك القرءان الآية تثبيت للنبي ص - وتقوية لنفسه على اذى قريش والآثم هنا هو الكفور واللفظ ايضا يقتضي نهي الامام عن طاعة ءاثم من العصاة او كفور بالله ثم امره تعالى بذكر ربه دأبا بكرة واصيلا ومن الليل بالسجود والتسبيح الذي هو الصلاة ويحتمل ان يريد قول سبحان الله قال ابن زيد وغيره كان هذا فرضا ثم نسخ وقال ءاخرون هو محكم على وجه الندب وقال ابن العربي في احكامه اما قوله تعالى وسبحه ليلا طويلا فانه عبارة عن قيام الليل وقد كان النبي ص - يفعله كما تقدم وقد يحتمل ان يكون هذا خطابا للنبي ص - والمراد الجميع ثم نسخ عنا وبقي عليه ص - والاول اظهر انتهى
وقوله ان هؤلاء يعنى كفار قريش يحبون العاجلة يعنى الدنيا واعلم ان حب الدنيا رأس كل خطيئة وفي الحديث عن النبي ص - ازهد في الدنيا يحبك الله وازهد فيما عند الناس يحبك الناس رواه ابن ماجه وغيره باسانيد حسنة قال ابن الفاكهاني قال القاضي ابو الوليد ابن رشد واما الباعث على الزهد فخمسة اشياء احدها انها فانية شاغلة للقلوب عن التفكر في امر الله تعالى والثاني انها تنقص عند الله درجات من ركن اليها والثالث ان تركها قربة من الله تعالى وعلو مرتبة عنده في درجات الآخرة والرابع طول الحبس والوقوف في القيامة للحساب والسؤال عن شكر النعيم والخامس رضوان الله تعالى والامن سخطه وهو اكبرها قال الله عز و جل ورضوان من الله اكبر قال ابن الفاكهاني ولو لم يكن في الزهد في الدنيا الا هذه الخصلة التي هي رضوان الله تعالى لكان ذلك كافيا فنعوذ بالله من ايثار الدنيا على ذلك وقد قيل من سمي باسم الزهد فقد سمي بألف اسم ممدوح هذا مع

ما للزاهدين من راحة القلب والبدن في الدنيا والآخرة فالزهاد هم الملوك في الحقيقة وهم العقلاء لايثارهم الباقي على الفاني وقد قال الشافعية لو اوصي لاعقل الناس صرف الى الزهاد انتهى من شرح الاربعين حديثا ولفظ ابي الحسن الماوردي وقد قيل العاقل من عقل عن الله امره ونهيه حتى قال اصحاب الشافعي فيمن اوصى بثلث ماله لاعقل الناس انه يكون مصروفا للزهاد لانهم انقادوا للعقل ولم يغتروا بالأمل انتهى والأسر الخلقة واتساق الاعضاء والمفاصل وعبارة البخاري اسرهم شدة الخلق وكل شيء شددته من قتب او غبيط فهو ما سور والغبيط شيء يركبه النساء شبه المحفة انتهى قال ع ومن اللفظة الاسار وهو القيد الذي يشد به الاسير ثم توعدهم سبحانه بالتبديل وفي الوعيد بالتبديل احتجاج على منكري البعث اي من هذه قدرته في الايجاد والتبديل فكيف تتعذر عليه الاعادة وقال الثعلبي بدلنا امثالهم تبديلا قال ابن عباس يقول اهلكناهم وجئنا باطوع لله منهم انتهى
وقوله تعالى ان هذه تذكرة القول فيها كالتي في سورة المزمل
وقوله سبحانه فمن شاء اتخذ الى ربه سبيلا كلام واضح لا يفتقر الى تفسير جعلنا الله ممن اهتدى بانواره وعمت عليه بركته في افعاله واقواله قال الباجي قال بعض اهل داود الطاءي قلت له يوما انك قد عرفت فأوصنى قال فدمعت عيناه ثم قال يا اخي انما الليل والنهار مراحل يرحلها الناس مرحلة مرحلة حتى تنتهي بهم الى ءاخر سفرهم فان استطعت ان تقدم من اول مرحلة زادا لما بين يدبك فافعل فان انقطاع السفر قريب والامر اعجل من ذلك فتزود لسفرك واقض ما انت قاض من امرك فكان بالامر قد بغتك ثم قام وتركنى انتهى من سنن الصالحين
وقوله تعالى وما تشاءون الا ان يشاء الله نفي لقدرتهم على الاختراع وايجاد المعاني في نفوسهم ولا يرد هذا وجود ما لهم من الاكتساب وقرأ عبد الله وما تشاءون الا ما شاء الله
وقوله تعالى عليما

حكيما معناه يعلم ما ينبغي ان ييسر عبده اليه وفي ذلك حكمة لا يعلمها إلا هو سبحانه
تفسير سورة والمرسلات وهي مكية في قول الجمهور
وقيل فيها من المدني قوله تعالى واذا قيل لهم اركعوالا يركعون قال ابن مسعود نزلت هذه السورة ونحن مع النبي ص - بحراء الحديث
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى والمرسلات عرفا يعنى الرياح يتبع بعضها بعضا قاله ابن عباس وابن مسعود ومجاهد وقتادة وقيل المرسلات الملائكة وقيل جماعات الانبياء وعرفا معناه افضالا من الله تعالى ويحتمل ان يريد بقوله عرفا اي متتابعة ويحتمل ان يريد بالامر المعروف ويحتمل ان يكون عرفا بمعنى والمرسلات الرياح التي يعرفها الناس ويعهدونها ثم عقب بذكر الصنف الضار منها وهي العاصفات الشديدة القاصفة للشجر وغيره واختلف في قوله والناشرات فقال ابن مسعود والحسن ومجاهد وقتادة هي الرياح تنشر رحمة الله ومطره وقيل الملائكة وقيل غير هذا والفارقات قال ابن عباس وغيره هي الملائكة تفرق بين الحق والباطل والحلال والحرام وقيل هي ءايات القرءان واما الملقيات ذكرا فهي في قول الجمهور الملائكة وقال ءاخرون هي الرسل والذكر الكتب المنزلة والشرائع ومضمناتها والمعنى ان الذكر يلقى باعذار وانذار
وقوله تعالى انما توعدون لواقع

هو الجواب الذي وقع عليه القسم والاشارة الى البعث واحوال القيامة والطمس محو الاثر فطمس النجوم ذهاب ضوءها وفرج السماء هو بانفطارها وانشقاقها
واذا الرسل اقتت اي جمعت لميقات يوم معلوم وقرأ ابو عمرو وحده وقتت والواو هي الأصل لانها من الوقت والهمزة بدل قال الفراء كل واو انضمت وكانت ضمتها لازمة جاز ان تبدل منها همزة انتهى
وقوله تعالى لايى يوم اجلت تعجيب وتوقيف على عظم ذلك اليوم وهوله ثم فسر ذلك بقوله ليوم الفصل يعنى بين الخلق في منازعتهم وحسابهم ومنازلهم من جنة او نار ومن هذه الآية انتزع القضاة الآجال في الحكومات ليقع فصل القضاء عند تمامها ثم عظم تعالى يوم الفصل بقوله وما ادراك ما يوم الفصل على نحو قوله وما ادراك ما الحاقة وغير ذلك ثم اثبت الويل للمكذبين والويل هو الحرب والحزن على نوائب تحدث بالمرء ويروى انه واد في جهنم
وقوله عز و جل الم نهلك الاولين ثم نتبعهم الآخرين الآية قرأ الجمهور نتبعهم بضم العين على استيناف الخبر وروي عن ابي عمرو نتبعهم بجزم العين عطفا على نهلك وهي قراءة الاعرج فمن قرأ الاولى جعل الاولين الامم التي تقدمت قريشا باجمعها ثم اخبر انه يتبع الآخرين من قريش وغيرهم سنن اولائك اذا كفروا وسلكوا سبيلهم ومن قرأ الثانية جعل الاولين قوم نوح وابراهيم ومن كان معهم والآخرين قوم فرعون وكل من تأخر وقرب من مدة النبي ص - ثم قال كذلك نفعل بالمجرمين اي في المستقبل فيدخل هنا قريش وغيرها واما تكرار قوله تعالى ويل يومئذ للمكذبين في هذه السورة فقيل ذلك لمعنى التأكيد فقط وقيل بل في كل ءاية منها ما يقتضى التصديق فجاء الوعيد على التكذيب بذلك الذي في الآية والماء المهين معناه الضعيف والقرار المكين الرحم وبطن المرأة والقدر المعلوم هو وقت الولادة ومعناه معلوم عند الله وقرأ نافع والكساءي فقدرنا

بتشديد الدال والباقون بتخفيفها وهما بمعنى من القدرة والقدر ومن التقدير والتوقيت ت وفي كلام ع تلفيف وقال غيره فقدرنا بالتشديد من التقدير وبالتخفيف من القدرة وهو حسن
وقوله القادرون يرجح قراءة الجماعة الا ان ابن مسعود روى عن النبي ص - انه فسر القادرون بالمقدرين والكفات الستر والوعاء الجامع للشيء باجماع تقول كفت الرجل شعره اذا جمعه بخرقة والارض تكفت الاحياء على ظهرها وتكفت الاموات في بطنها وخرج الشعبي الى جنازة فنظر الى الجبانة فقال هذه كفات الموتى ثم نظر الى البيوت فقال وهذه كفات الاحياء قال ع ولما كان القبر كفاتا كالبيت قطع من سرق منه والرواسى الجبال والشوامخ المرتفعة والفرات الصافي العذب والضمير في قوله انطلقوا هو للمكذبين الذين لهم الويل ثم بين المنطلق اليه قال عطاء الظل الذي له ثلاث شعب وهو دخان جهنم وقال ابن عباس هذه المخاطبة تقال يومئذ لعبدة الصليب اذا اتبع كل احد ما كان يعبد فيكون المؤمنون في ظل الله ولا ظل الا ظله ويقال لعبدة الصليب انطلقوا الى ظل معبودكم وهو الصليب له ثلاث شعب ثم نفى تعالى عنه محاسن الظل والضمير في انها لجهنم ترمى بشرر كالقصر اي مثل القصور من البنيان قاله ابن عباس وجماعة من المفسرين وقال ابن عباس ايضا القصر خشب كنا في الجاهلية ندخره للشتاء وقرأ ابن عباس كالقصر بفتح الصاد جمع قصرة وهي اعناق النخل والابل وقال ابن عباس جذور النخل واختلف في الجمالات فقال جمهور من المفسرين هي جمع جمال كرجال ورجالات وقال ءاخرون اراد بالصفر السود وقال جمهور الناس بل الصفر الفاقعة لانها اشبه بلون الشرر وقال ابن عباس الجمالات حبال السفن وهي الحبال العظام اذا جمعت مستديرة بعضها الى بعض وقرأ ابن عباس جمالة بضم الجيم من الجملة لا من الجمل ثم خاطب تعالى نبيه عليه السلام بقوله هذا

يوم لا ينطقون الآية وهذا في موطن خاص اذ يوم القيامة هو مواطن
وقوله تعالى هذا يوم الفصل جمعناكم مخاطبة للكفار يومئذ ثم وقفهم بقوله فإن كان لكم كيد فكيدون اي ان كان لكم حيلة او مكيدة تنجيكم فافعلوها ثم ذكر سبحانه حالة المتقين وما اعدلهم والظلال في الجنة عبارة عن تكاثف الاشجار وجودة المبانى والا فلا شمس توذي هناك حتى يكون ظل يجير من حرها
وقوله تعالى كلوا وتمتعوا استيناف خطاب لقريش على معنى قل لهم يا محمد وهذه صيغة امر معناها التهديد والوعيد ومن جعل هذه الآية مدنية قال هي في المنافقين
وقوله تعالى واذا قيل لهم اركعوا لا يركعون قال قتادة والجمهور هذه حال كفار قريش في الدنيا يدعوهم النبي ص - فلا يجيبون وذكر الركوع عبارة عن جميع الصلاة وقيل هي حكاية حال المنافقين في الآخرة يوم يدعون الى السجود فلا يستطعيون على ما تقدم قاله ابن عباس وغيره
وقوله تعالى فباي حديث بعده يؤمنون يؤيد ان الآية كلها في قريش والمراد بالحديث هنا القرءان وروي عن يعقوب انه قرأ تؤمنون بالتاء من فوق على المواجهة ورويت عن ابن عامر
تفسير سورة عم يتساءلون وهي مكية باجماع
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله عز و جل عم يتساءلون اصل عم عن ما ادغمت النون في الميم لاشتراكها في الغنة فبقي عما في الخبر وفي الاستفهام ثم حذفوا الالف في الاستفهام فرقا بينه وبين الخبر

ثم من العرب من يخفف الميم فيقول عم وهذا الاستفهام بعم استفهام توقيف وتعجيب والنبأ العظيم قال ابن عباس وقتادة هو الشرع الذي جاء به محمد ص - وقال مجاهد هو القرءان خاصة وقال قتادة ايضا هو البعث من القبور والضمير في يتساءلون لكفار قريش ومن نحا نحوهم واكثر النحاة ان قوله عن النبأ العظيم متعلق يتساءلون وقال الزجاج الكلام تام في قوله عم يتساءلون ثم كان مقتضى القول ان يجيب مجيب فيقول يتساءلون عن النبأ العظيم وله امثلة في القرءان اقتضاها ايجاز القرءان وبلاغته واختلافهم هو شك بعض وتكذيب بعض وقولهم سحر وكهانة الى غير ذلك من باطلهم
وقوله تعالى كلا سيعلمون رد على الكفار في تكذيبهم ووعيد لهم في المستقبل وكرر عليهم الزجر والوعيد تاكيدا والمعنى سيعلمون عاقبة تكذيبهم ثم وقفهم تعالى ودلهم على ءاياته وغرائب مخلوقاته وقدرته التي توجب للناظر فيها الاقرار بالبعث والايمان بالله تعالى ت وفي ضمن ذلك تعديد نعمه سبحانه التي يجب شكرها والمهاد الفراش الممهد وشبه الجبال بالاوتاد لانها تمنع الارض ان تميد بهم
وخلقناكم ازواجا اي انواعا والسبات السكون وسبت الرجل معناه استراح وروينا في سنن ابي داود عن معاذ بن جبل عن النبي ص - قال ما من مسلم يبيت على ذكر الله طاهرا فيتعار من الليل فيسال الله تعالى خيرا من امور الدنيا والآخرة الا اعطاه الله اياه وروى ابو داود عن بعض ءال ام سلمة قال كان فراش النبي ص - نحوا مما يوضع الانسان في قبره وكان المسجد عند رأسه انتهى ولباسا مصدر وكان الليل كذلك من حيث يغشى الاشخاص فهي تلبسه وتتدرعه والنهار معاشا على حذف مضاف او على النسب والسبع الشداد السموات والسراج الشمس والوهاج الحار المضطرم الاتقاد المتعالى اللهب قال ابن عباس وغيره المعصرات السحائب القاطرة وهو

ماخوذ من العصر لان السحاب ينعصر فيخرج منه الماء وهذا قول الجمهور والثجاج السريع الاندفاع كما يندفع الدم من عروق الذبيحة ومنه قوله ص - وقد قيل له ما افضل الحج فقال العج والثج اراد التضرع الى الله تعالى بالدعاء الجهير وذبح الهدي والفافا اي ملتفة الاغصان والاوراق ويوم الفصل هو يوم القيامة والافواج الجماعات يتلو بعضها بعضا وفتحت السماء بتشديد التاء قراءة نافع وابي عمرو وابن كثير وابن عامر والباقون دون تشديد
وقوله تعالى فكانت ابوابا قيل معناه تتشقق حتى يكون فيها فتوح كالابواب في الجدرات وقيل انها تتقطع السماء قطعا صغارا حتى تكون كألواح الابواب والقول الاول احسن وقد قال بعض اهل العلم تنفتح في السماء ابواب للملائكة من حيث ينزلون ويصعدون
وقوله تعالى فكانت سرابا عبارة عن تلاشيها بعد كونها هباء منبثا ومرصادا موضع الرصد وقيل مرصادا بمعنى راصد والاحقاب جمع حقب وهي المدة الطويلة من الدهر غير محدودة وقال ابن عباس وابن عمر الحقب ثمانون سنة وقال ابو امامة عن النبي ص - انه ثلاثون الف سنة وقد اكثر الناس في هذا واللازم ان الله تعالى اخبر عن الكفار انهم يلبثون احقابا كلما مر حقب جاء غيره الى غير نهاية نجانا الله من سخطه قال الحسن ليس للاحقاب عدة الا الخلود في النار
وقوله سبحانه لا يذوقون فيها بردا الآية قال الجمهور البرد في الآية مس الهواء البارد اي لا يمسهم منه ما يستلذ وقال ابو عبيدة وغيره البرد في الآية النوم والعرب تسميه بذلك لانه يبرد سورة العطش وقال ابن عباس البرد الشراب البارد المستلذ وقال قتادة وجماعة الغساق هو ما يسيل من اجسام اهل النار من صديد ونحوه
وقوله تعالى وفاقا معناه لاعمالهم وكفرهم ولا يرجون قال ابو عبيدة وغيره معناه لا يخافون وقال غيره الرجاء هنا على بابه وكذابا مصدر لغة فصيحة

يمانية وعن ابن عمر قال ما نزلت في اهل النار ءاية اشد من قوله تعالى فذوقوا فلن نزيدكم الا عذابا ورواه ابو هريرة عن النبي ص - والحدائق هي البساتين عليها حلق وحظائر وجدرات البخاري وكواعب اي نواهد انتهى والدهاق المترعة فيما قال الجمهور وقيل الصافية وقال مجاهد متتابعة وعبارة البخاري وقال ابن عباس دهاقا ممتلئة انتهى وكذابا مصدر وهو الكذب
وقوله عطاء حسابا اي كافيا قاله الجمهور من قولهم احسبنى هذا الامر اي كفانى ومنه حسبي الله وقال مجاهد حسابا معناه بتقسيط فالحساب على هذا بموازنة اعمال القوم اذ منهم المكثر من الاعمال والمقل ولكل بحسب عمله
وقوله تعالى لا يملكون الضمير للكفار اي لا يملكون من افضاله واجماله سبحانه ان يخاطبوه بمعذرة ولا غيرها وهذا ايضا في موطن خاص
وقوله تعالى يوم يقوم الروح اختلف في الروح المذكور هنا فقال الشعبي والضحاك هو جبريل عليه السلام وقال ابن مسعود هو ملك عظيم اكبر الملائكة خلقة يسمى الروح وقال ابن زيد هو القرءان وقال مجاهد الروح خلق على صورة بني ءادم يأكلون ويشربون وقال ابن عباس عن النبي ص - الروح خلق غير الملائكة هم حفظة للملائكة كما الملائكة حفظة لنا وقيل الروح اسم جنس لأرواح بني ءادم والمعنى يوم تقوم الارواح في اجسادها اثر البعث ويكون الجميع من الانس والملائكة صفا ولا يتكلم احد منهم هيبة وفزعا الا من اذن له الرحمن من ملك او نبي وكان اهلا ان يقول صوابا في ذلك الموطن وقال البخاري صوابا حقا في الدنيا وعمل به انتهى وفي قوله فمن شاء اتخذ الى ربه مأبا وعد ووعيد وتحريض والعذاب القريب هو عذاب الآخرة اذ كل آت قريب وقال ابو هريرة وعبد الله بن عمر ان الله تعالى يحضر البهائم يوم القيامة فيقتص لبعضها من بعض ثم يقول لها بعد ذلك كونى ترابا فيعود جميعها ترابا فعند ذلك يقول الكافر ياليتنى كنت ترابا ت

واعلم حمك الله انى لم اقف على حديث صحيح في عودها ترابا وقد نقل الشيخ ابو العباس القسطلاني عن الشيخ ابى الحكم بن ابي الرجال انكار هذا القول وقال ما نفث روح الحياة في شيء ففني بعد وجوده قد نقل الفخر هنا عن قوم بقاءها وان هذه الحيوانات اذا انتهت مدة اعراضها جعل الله كل ما كان منها حسن الصورة ثوابا لاهل الجنة وما كان قبيح الصورة عقابا لاهل النار انتهى والمعول عليه في هذا النقل فان صح فيه شيء عن النبي ص - وجب اعتقاده وصير اليه والا فلا مدخل للعقل هنا والله اعلم
تفسير سورة والنازعات وهي مكية باجماع
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله عز و جل والنازعات غرقا قال ابن عباس وابن مسعود النازعات الملائكة تنزع نفوس بنى ءادم وغرقا على هذا القول اما ان يكون مصدرا بمعنى الاغراق والمبالغة في الفعل واما ان يكون كما قال علي وابن عباس تغرق نفوس الكفرة في نار جهنم وقيل غير هذا واختلف في الناشطات فقال ابن عباس ومجاهد هي الملائكة تنشط النفوس عند الموت اي تحلها كحل العقال وتنشط بامر الله الى حيث شاء وقال ابن عباس ايضا الناشطات النفوس المؤمنة تنشط عند الموت للخروج ت زاد الثعلبي عنه وذلك انه ليس مؤمن يحضره الموت الا عرضت عليه الجنة قبل ان يموت فيرى فيها اشباها من اهله وازواجه من الحور العين فهم يدعونه اليها فنفسه اليهم نشيطة ان تخرج فتاتيهم انتهى وقيل غير هذا واختلف في السابحات هنا فقيل هي النجوم وقيل هي الملائكة لانها

تتصرف في الآفاق بامر الله وقيل هي الخيل وقيل هي السفن وقيل هي الحيتان ودواب البحر والله اعلم واختلف في السابقات فقيل هي الملائكة وقيل الرياح وقيل الخيل وقيل النجوم وقيل المنايا تسبق الآمال واما المدبرات فهي الملائكة قولا واحدا فيما علمت تدبر الامور التي سخرها الله لها وصرفها فيها كالرياح والسحاب وغير ذلك والراجفة النفخة الاولى والرادفة النفخة الاخيرة وقال ابن زيد الراجفة الموت والرادفة الساعة وفي جامع الترمذي عن ابي بن كعب قال كان رسول الله ص - اذا ذهب ثلثا الليل قام فقال يا ايها الناس اذكروا الله اذكروا الله جاءت الراجفة تتبعها الرادفة جاء الموت بما فيه جاء الموت بما فيه الحديث قال ابو عيسى هذا حديث حسن انتهى وقد اتى به ع هنا وقال اذا ذهب ربع الليل والصواب ما تقدم ثم اخبر تعالى عن قلوب تجف في ذلك اليوم اي ترتعد خوفا وفرقا من العذاب واختلف في جواب القسم اين هو فقال الزجاج والفراء هو محذوف دل عليه الظاهر تقديره لتبعثن ونحوه وقال ءاخرون هو موجود في جملة قوله تعالى يوم ترجف الراجفة تتبعها الرادفة قلوب يومئذ واجفة كانه قال لتجفن قلوب قوم يوم كذا
وقوله تعالى يقولون أئنا لمردودون في الحافرة حكاية حالهم في الدنيا والمعنى هم الذين يقولون والحافرة قال مجاهد والخليل هي الارض حافرة بمعنى محفورة والمراد القبور والمعنى ائنا لمردودون احياء في قبورنا وقيل غير هذا ونخرة معناه بالية وقرأ حمزة ناخرة بألف والناخرة المصوتة بالريح المجوفة وحكي عن ابي عبيدة وغيره ان الناخرة والنخرة بمعنى واحد وقولهم تلك اذا كرة خاسرة اي اذ هي الى النار لتكذيبهم بالبعث وقال الحسن خاسرة معناه عندهم كاذبة اي ليست بكائنة ثم اخبر تعالى عن حال القيامة فقال انما هي زجرة واحدة اي نفخة في الصور فاذا هم بالساهرة وهي ارض المحشر
وقوله هل لك الى ان تزكى استدعاء

حسن والتزكى التطهر من النقائص والتلبس بالفضائل ثم فسر له موسى التزكى الذي دعاه اليه بقوله واهديك الى ربك فتخشى والعلم تابع للهدى والخشية تابعة للعلم انما يخشى الله من عباده العلماء والآية الكبرى العصا واليد قاله مجاهد وغيره وادبر كناية عن اعراضه وقيل حقيقة قام موليا عن مجالسة موسى فحشر اي جمع اهل مملكته وقول فرعون انا ربكم الاعلى نهاية في السخافة والمخرقة قال ابن زيد نكال الآخرة اي الدار الآخرة والاولى يعني الدنيا اخذه الله بعذاب جهنم وبالغرق وقيل غير هذا ثم وقفهم سبحانه مخاطبة منه تعالى للعالم والمقصد الكفار فقال ءانتم اشد خلقا الآية والسمك الارتفاع الثعلبي والمعنى أأنتم ايها المنكرون للبعث اشد خلقا ام السماء اشد خلقا ثم بين كيف خلقها اي فالذي قدر على خلقها قادر على احيائكم بعد الموت نظيره او ليس الذي خلق السموات والارض الآية انتهى واغطش معناه اظلم
وقوله تعالى والارض بعد ذلك دحاها متوجه على ان الله خلق الارض ولم يدحها ثم استوى الى السماء وهي دخان فخلقها وبناهم ثم دحا الارض بعد ذلك ودحوها بسطها وباقي الآية بين والطامة الكبري هي يوم القيامة قاله ابن عباس وغيره
فأما من طغى اي تجاوز الحد وءاثر الحياة الدنيا على الآخرة لتكذيبه بالآخرة ومقام ربه هو يوم القيامة وانما المراد مقامه بين يديه والهوى هو شهوات النفس وما جرى مجراها المذمومة
وقوله تعالى يسئلونك عن الساعة يعنى قريشا قال البخاري عن غيره ايان مرساها متى منتهاها ومرسى السفينة حيث تنتهى انتهى ثم قال تعالى لنبيه على جهة التوقيف فيم انت من ذكراها اي من ذكر تحديدها ووقتها اي لست من ذلك في شيء انما انت منذر وباقي الآية بين قال الفخر قوله تعالى كانهم يوم يرونها لم يلبثوا الا عشية او ضحاها تفسير هذه الآية هو كما ذكر في قوله كانهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا الا ساعة من نهار

والمعنى ان ما انكروه سيرونه حتى كانهم كانوا ابدا فيه وكانهم لم يلبثوا في الدنيا الا ساعة من نهار يريد لم يلبثوا الا عيشة او ضحى يومها انتهى
تفسير سورة عبس وهي مكية باجماع
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى عبس وتولى ان جاءه الاعمى سببها ان النبي ص - كان يدعو بعض صناديد قريش ويقرأ عليه القرءان ويقول له هل ترى بما اقول بأسا فكان ذلك الرجل يقول لا والدمى يعنى الاصنام اذ جاء ابن ام مكتوم فقال يا رسول الله استدننى وعلمنى مما علمك الله فكان في ذلك كله قطع لحديث النبي ص - مع الرجل فلما شغب عليه ابن ام مكتوم عبس ص - واعرض عنه فنزلت الآية قال سفيان الثوري فكان بعد ذلك اذا رأى ابن ام مكتوم قال مرحبا بمن عاتبنى فيه ربي عز و جل وبسط له رداءه واستخلفه على المدنية مرتين ت والكافر المشار اليه في الآية هو الوليد بن المغيرة قاله ابن اسحاق انتهى ثم اكد تعالى عتب نبيه بقوله اما من استغنى اي بماله فأنت له تصدى اي تتعرض
وقوله وهو يخشى اي يخشى الله فانت عنه تلهى اي تشتغل تقول لهيت عن الشيء الهى اذا اشتغلت عنه وليس من اللهو وهذه الآية السبب فيها هذا ثم هي بعد تتناول من شاركهم في هذه الاوصاف فحملة الشرع والعلم مخاطبون بتقريب الضعيف من اهل الخير وتقديمه على الشريف العارى من الخير مثل ما خوطب به النبي ص - في

هذه السورة قال عياض وليس في قوله تعالى عبس وتولى الآية ما يقتضي اثبات ذنب للنبي ص - او انه خالف امر ربه سبحانه وانما في الآية الاعلام بحال الرجلين وتوهين امر الكافر والاشارة الى الاعراض عنه انتهى قال السهيلي وانظر كيف نزلت الآية بلفظ الاخبار عن الغائب فقال عبس وتولى ولم يقل عبست وتوليت وهذا يشبه حال العاتب المعرض ثم اقبل عليه بمواجهة الخطاب فقال وما يدريك لعله يزكى الآية علما منه سبحانه انه لم يقصد بالاعراض عن ابن ام مكتوم الا الرغبة في الخير ودخول ذلك المشرك في الاسلام اذ كان مثله يسلم باسلامه بشر كثير فكلم نبيه حين ابتدأ الكلام بما يشبه كلام المعرض عنه العاتب له ثم واجهه بالخطاب تانيسا له عليه السلام انتهى ثم قال تعالى كلا يا محمد ليس الامر كما فعلت ان هذه السورة او القراءة او المعاتبة تذكرة وعبارة الثعلبي ان هذه السورة وقيل هذه الموعظة وقال مقاتل ءايات القرءان تذكرة اي موعظة وتبصرة للخلق فمن شاء ذكره اي اتعظ بأي القرءان وبما وعظتك وادبتك في هذه السورة انتهى ص ذكره ذكر الضمير لان التذكرة هي الذكر انتهى
وقوله تعالى في صحف متعلق بقوله انها تذكرة وهذا يؤيد ان التذكرة يراد بها جميع القرءان والصحف هنا قيل انه اللوح المحفوظ وقيل صحف الانبياء المنزلة قال ابن عباس السفرة هم الملائكة لانهم كتبة يقال سفرت اي كتبت ومنه السفر وقال ابن عباس ايضا الملائكة سفرة لانهم يسفرون بين الله وبين انبيائه وفي البخاري سفرة الملائكة واحدهم سافر سفرت اصلحت بينهم وجعلت الملائكة اذا نزلت بوحي الله عز و جل وتاديته كالسفير الذي يصلح بين القوم انتهى قال ع ومن اللفظة قول الشاعر ... وما ادع السفارة بين قومى ... وما اسعى بغش ان مشيت ...
والصحف على هذا صحف عند الملائكة او اللوح
وقوله تعالى قتل الانسان

ما اكفره دعاء على اسم الجنس وهو عموم يراد به الانسان الكافر ومعنى قتل اي هو اهل ان يدعى عليه بهذا وقال مجاهد قتل معناه لعن وهذا تحكم ت ليس بتحكم وقد تقدم نحوه عن غير واحد
وقوله تعالى ما اكفره يحتمل معنى التعجب ويحتمل الاستفهام توبيخا وقيل الآية نزلت في عتبة بن ابي لهب وذلك انه غاضب اباه فاتى النبي ص - فأسلم ثم ان اباه استصلحه واعطاه مالا وجهزه الى الشام فبعث عتبة الى النبي ص - وقال انى كافر برب النجم اذا هوى فدعا عليه النبي ص - وقال اللهم ابعث عليه كلبك حتى ياكله ثم ان عتبة خرج في سفرة فجاء الاسد فاكله من بين الرفقة
وقوله تعالى من اي شيء خلقه استفهام على معنى التقرير على تفاهة الشيء الذي خلق الانسان منه فقدره اي جعله بقدر وحد معلوم ثم السبيل يسره قال ابن عباس وغيره هي سبيل الخروج من بطن امه وقال الحسن ما معناه ان السبيل هي سبيل النظر المؤدى الى الايمان
وقوله فاقبره معناه امر ان يجعل له قبر وفي ذلك تكريم له ليلا يطرح كسائر الحيوان
وقوله تعالى ثم اذا شاء يريد اذا بلغ الوقت الذي قد شاءه وهو يوم القيامة وانشره معناه احياه
وقوله تعالى كلا لما يقض اي لم يقض ما امره ثم امر الله تعالى الانسان بالعبرة والنظر الى طعامه والدليل فيه وكيف يسره له بهذه الوسائط والحب جمع حبة بفتح الحاء وهو كل ما يتخذه الناس ويربونه والحبة بكسر الحاء كل ما ينبت من البزور لا يحفل به ولا هو بمتخذ والقضب قيل هي الفصفصة وهذا عندي ضعيف لان الفصفصة للبهائم وهي داخلة في الاب والذي اقول به ان القضب هنا هو كل ما يقضب لياكله ابن ءادم غضا من النبات كالبقول والهليون ونحوه فإنه من المطعوم جزء عظيم ولا ذكر له في الآية الا في هذه اللفظة والحديقة الشجر الذي قد احدق بجدار ونحوه والغلب الغلاظ الناعمة والاب

المرعى والكلا قاله ابن عباس وغيره وقد توقف في تفسيره ابو بكر وعمر رضي الله عنهما ومتاعا نصب على المصدر والمعنى تتمتعون به انتم وانعامكم فابن ءادم في السبعة المذكورة والانعام في الاب والصاخة اسم من اسماء يوم القيامة ص قال الخليل الصاخة صيحة تصخ الآذان صخا اي تصمها لشدة وقعتها انتهى
وقوله تعالى يوم يفر المرء من اخيه الآية قال جمهور الناس انما ذلك لشدة الهول كل يقول نفسي نفسي وقيل فرارهم خوفا من المطالبات لكل امرئى منهم يومئذ شأن يغنيه عن اللقاء مع غيره ثم ذكر تعالى اختلاف الوجوه من المؤمنين الواثقين برحمة الله حين بدت لهم تباشيرها ومن الكفار حين علاها قترها ومسفرة معناه نيرة باد ضوءها وسرورها والغبرة التي على الكفرة هي من العبوس كما يرى على وجه المهموم والميت والمريض شبه الغبار ص والقتر سواد كالدخان ابو عبيدة هو الغبار انتهى ثم فسر سبحانه اصحاب هذه الوجوه المغبرة بأنهم الكفرة الفجرة
تفسير

سورة التكوير

وهي مكية بإجماع
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله سبحانه اذا الشمس كورت الآية هذه كلها اوصاف يوم القيامة وتكوير الشمس هو ان تدار كما يدار كور العمامة ويذهب بها الى حيث شاء الله تعالى وعبر المفسرون عن ذلك بعبارات فمنهم من قال ذهب نورها قاله قتادة ومنهم من قال رمي بها قاله الربيع بن خثيم وغير ذلك مما هو اسماء توابع لتكويرها

وانكدار النجوم هو انقضاضها وهبوطها من مواضعها وقال ابن عباس انكدرت تغيرت من قولهم ماء كدر والعشار جمع عشراء وهي الناقة التي قد مر لحملها عشرة اشهر وهي انفس ما عند العرب وانما تعطل عند اشد الاهوال
واذا البحار سجرت قال ابي بن كعب وابن عباس وغيرهما معناه اضرمت نارا كما يسجر التنور ويحتمل ان يكون المعنى ملكت وقيدت فتكون اللفظة ماخوذة من ساجور الكلب وقرأ ابن كثير وابو عمرو وسجرت بتخفيف الجيم والباقون بتشديدها وتزويج النفوس هو تنويعها لان الازواج هي الانواع والمعنى جعل الكافر مع الكافر والمؤمن مع المؤمن وكل شكل مع شكله رواه النعمان بن بشير عن النبي ص - وقاله عمر بن الخطاب وابن عباس وقال هذا نظير قوله تعالى وكنتم ازواجا ثلاثة وفي الآية على هذا حض على خليل الخير فقد قال عليه السلام المرء مع من احب وقال فلينظر احدكم من يخالل وعبارة الثعلبي قال النعمان بن بشير قال النبي ص - واذا النفوس زوجت قال الضرباء كل رجل مع كل قوم كانوا يعملون عمله انتهى وقال مقاتل بن سليمان معناه زوجت نفوس المؤمنين بزوجاتهن من الحور وغيرهن
وقوله تعالى واذا الموءودة سئلت الموءودة اسم معناه المثقل عليها بالتراب وغيره حتى تموت وكان هذا صنيع بعض العرب ببناتهم يدفنونهن احياء وقرأ الجمهور سئلت وهذا على جهة التوبيخ للعرب الفاعلين ذلك واستدل ابن عباس بهذه الآية على ان اولاد المشركين في الجنة لان الله قد انتصر لهم ممن ظلمهم
واذا الصحف نشرت قيل هي صحف الاعمال وقيل هي الصحف التي تتطاير بالايمان والشمائل والكشط التقشير وذلك كما يكشط جلد الشاة حين تسلخ وكشط السماء هو طيها كطي السجل وسعرت معناه اضرمت نارها وازلفت الجنة معناه قربت ليدخلها المؤمنون الثعلبي قربت لاهلها حتى يرونها نظيره وازلفت الجنة للمتقين

غير بعيد علمت نفس عند ذلك ما احضرت من خير او شر وهو جواب لقوله اذا الشمس وما بعدها انتهى
وقوله تعالى فلا اقسم بالخنس لا اما زائدة واما ان تكون ردا لقول قريش في تكذيبهم نبوة نبينا محمد عليه السلام ثم اقسم تعالى بالخنس الجوار الكنس وهي في قول الجمهور الدراري السبعة الشمس والقمر وزحل وعطارد والمريخ والزهرة والمشترى وقال علي المراد الخمسة دون الشمس والقمر وذلك ان هذه الكواكب تخنس في جريها اي تتقهقر فيما ترى العين وهي جوار في السماء وهي تكنس في ابراجها اي تستتر الثعلبي وقال ابن زيد تخنس اي تتأخر عن مطالعها كل سنة وتكنس بالنهار اي تستتر فلا ترى انتهى وعسعس الليل في اللغة اذا كان غير مستحكم الا ظلام قال الخليل عسعس الليل اذا اقبل وادبر وقال الحسن وقع القسم باقباله وقال وابن عباس وغيره بل وقع بادباره وقال المبرد اقسم باقباله وادباره معا وعبارة الثعلبي قال الحسن عسعس الليل اقبل بظلامه وقال ءاخرون ادبر بظلامه ثم قال والمعنيان يرجعان الى معنى واحد وهو ابتداء الظلام في اوله وادباره في ءاخره انتهى وتنفس الصبح اتسع ضوءه والضمير في انه للقرءان والرسول الكريم في قول الجمهور هو جبريل عليه السلام وقال ءاخرون هو النبي ص - في الآية كلها والقول الاول اصح وكريم صفة تقتضى رفع المذام ومكين معناه له مكانة ورفعة وقال عياض في الشفا في قوله تعالى مطاع ثم امين اكثر المفسرين على انه نبينا محمد ص - انتهى قال ع واجمع المفسرون على ان قوله تعالى وما صاحبكم يراد به النبي ص - والضمير في رءاه لجبريل عليه السلام وهذه الرؤية التي كانت بعد امر غار حراء وقيل هي الرؤية التي رءاه عند سدرة المنتهى
وقوله تعالى وما هو على الغيب بضنين بالضاد بمعنى ببخيل تبليغ ما قيل له كما يفعل الكاهن حين يعطى حلوانه وقرأ بن كثير وابو عمرو

والكساءي بظنين بالظاء اي بمتهم ثم نفي سبحانه عن القرءان ان يكون كلام شيطان على ما قالت قريش ورجيم اي مرجوم
وقوله تعالى فأين تذهبون توقيف وتقرير والمعنى اين المذهب لأحد عن هذه الحقائق والبيان الذي فيه شفاء ان هو الاذكر اي تذكرة ت روى الترمذي عن ابن عمر قال قال النبي ص - من سره ان ينظر الى يوم القيامة كأنه رأي عين فليقرأ اذا الشمس كورت واذا السماء انفطرت واذا السماء انشقت قال ابو عيسى هذا حديث حسن انتهى
تفسير سورة الانفطار وهي مكية بإجتماع
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى اذا السماء انفطرت اي انشقت واذا الكواكب انتثرت اي تساقطت واذا البحار فجرت قيل فجر بعضها الى بعض ويحتمل ان يكون تفجرت من اعاليها ويحتمل ان يكون تفجير تفريغ من قيعانها فيذهب الله ماءها حيث شاء وبكل قيل وبعثرة القبور نبشها عن الموتى
وقوله سبحانه علمت نفس هو جواب اذا ونفس هنا اسم جنس وقال كثير من المفسرين في معنى قوله ما قدمت واخرت انها عبارة عن جميع الاعمال من طاعة او معصية
يا ايها الانسان ما غرك بربك الكريم روي ان النبي ص - قرأها فقال غره جهله فسبحان الله ما ارحمه بعباده قال الثعلبي قال اهل الاشارة انما قال بربك الكريم دون سائر اسمائه تعالى وصفاته كانه لقنه جوابه حتى يقول غرنى كرمك انتهى

وقرأ الجمهور فعدلك وكان النبي ص - اذا نظر الى الهلال قال ءامنت بالذي خلقك فسواك فعدلك وقرأ حمزة والكساءي وعاصم بتخفيف الدال والمعنى عدل اعضاءك بعضها ببعض اي وازن بينها
وقوله تعالى في اي صورة ما شاء ركبك ذهب الجمهور الى ان في متعلقة بركبك اي في صورة حسنة او قبيحة او سليمة او مشوهة ونحو هذا وما في قوله ما شاء ركبك زائدة فيها معنى التأكيد قال ابو حيان كلا ردع وزجر انتهى والدين هنا يحتمل ان يريد الشرع ويحتمل ان يريد الجزاء والحساب وباقي الآية واضح لمتأمله
وقوله تعالى يصلونها يوم الدين اي يوم الجزاء
وقوله تعالى وما هم عنها بغائبين قال جماعة معناه ما هم عنها بغائبين في البرزخ وذلك انهم يرون مقاعدهم من النار غدوة وعشية فهم لم يزالوا مشاهدين لها نسأل الله العافية في الدارين بجوده وكرمه ثم عظم تعالى قدر هول ذلك اليوم بقوله وما ادراك ما يوم الدين ثم ما ادراك ما يوم الدين الآية
تفسير

سورة المطففين

وهي مكية في قول جماعة
وقال ابن عباس وغيره هي مدنية وعنه نزل بعضها بمكة ونزل امر التطفيف بالمدنية
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى ويل للمطففين الآية المطفف الذي ينقص الناس حقوقهم والتطفيف النقصان اصله من الشيء الطفيف وهو النزر والمطفف انما ياخذ بالميزان او

بالمكيال شيأ خفيفا واكتالوا على الناس معناه قبضوا منهم وكالوهم معناه قبضوهم ويخسرون معناه ينقصون
وقوله سبحانه الا يظن بمعنى يعلم ويتحقق وقال ص الا يظن ذكر ابو البقاء ان لا هنا هي النافية دخلت عليها همزة الاستفهام وليست ألا التي للتنبيه والاستفتاح لان ما بعد الا التنبيهية مثبت وهو هنا منفي انتهى وقيام الناس لرب العالمين يومئذ يختلف الناس فيه بحسب منازلهم وروي انه يخفف عن المؤمن حتى يكون على قدر الصلاة المكتوبة وفي هذا القيام هو الجام العرق للناس كما صرح به النبي ص - في الحديث الصحيح والناس ايضا فيه مختلفون بالتخفيف والتشديد قال ابن المبارك في رقائقه اخبرنا سليمان التيمي عن ابي عثمان النهدي عن سلمان قال تدنى الشمس من الناس يوم القيامة حتى تكون من رءوسهم قاب قوس او قاب قوسين فتعطى حر عشر سنين وليس على احد يومئذ طحربة ولا ترى فيه عورة مؤمن ولا مؤمنة ولا يضر حرها يومئذ مؤمنا ولا مؤمنة واما الآخرون او قال الكفار فتطبخهم فانما تقول اجوافهم غق غق قال نعيم الطحربة الخرقة انتهى ونحو هذا للمحاسبي قال في كتاب التوهم فاذا وافي الموقف اهل السموات السبع والارضين السبع كسيت الشمس حر عشر سنين ثم ادنيت من الخلائق قاب قوس او قاب قوسين فلا ظل في ذلك اليوم الا ظل عرش رب العالمين فكم بين مستظل بظل العرش وبين واقف لحر الشمس قد أصهرته واشتد فيها كربه وقلقه فتوهم نفسك في ذلك الموقف فانك لا محالة واحد منهم انتهى اللهم عاملنا برحمتك وفضلك في الدارين فانه لا حول لنا ولا قوة الا بك
وقوله تعالى كلا ان كتاب الفجار يعنى الكفار وكتابهم يراد به الذي فيه تحصيل امرهم وافعالهم ويحتمل عندي ان يكون المعنى وعدادهم وكتاب كونهم هو في سجين اي هنالك كتبوا في الازل واختلف في سجين ما هو والجمهور ان سجينا بناء

مبالغة من السجن قال مجاهد وذلك في صخرة تحت الارض السابعة
وقوله تعالى وما ادراك ما سجين تعظيم لامر هذا السجين وتعجيب منه ويحتمل ان يكون تقرير استفهام اي هذا مما لم تكن تعلمه قبل الوحي وكتاب مرقوم على القول الاول مرتفع على خبر ان وعلى القول الثاني مرتفع على انه خبر مبتدأ محذوف تقديره هو كتاب مرقوم ويكون هذا الكلام مفسرا لسجين ما هو ومرقوم معناه مكتوب لهم بشر وباقي الآية بين ثم اوجب ان ما كسبوا من الكفر والعتو قد ران على قلوبهم اي غطى عليها فهم مع ذلك لا يبصرون رشدا يقال رانت الخمر على قلب شاربها وران الغشي على قلب المريض وكذلك الموت قال الحسن وقتادة الرين الذنب على الذنب حتى يموت القلب وروى ابو هريرة ان النبي ص - قال ان الرجل اذا اذنب نكتت نكتة سوداء في قلبه ثم كذلك حتى يتغطى فذلك الران الذي قال الله تعالى كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون قال الفخر قال ابو معاذ النحوي الرين سواد القلب من الذنوب والطبع ان يطبع على القلب وهو اشد من الرين والاقفال اشد من الطبع وهو ان يقفل على القلب انتهى والضمير في قوله تعالى انهم عن ربهم للكفار اي هم محجوبون لا يرون ربهم قال الشافعي لما حجب الله قوما بالسخط دل على ان قوما يرونه بالرضى قال المحاسبي رحمه الله في كتاب توبيخ النفس وينبغي للعبد المؤمن اذا رأي القسوة من قلبه ان يعلم انها من الرين في قلبه فيخاف ان يكون الله تعالى لما حجب قلبه عنه بالرين والقسوة ان يحجبه غدا عن النظر اليه قال تعالى كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون كلا انهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون احداهما تتلو الاخرى ليس بينهما معنى ثالث فان اعترض للمريد خاطر من الشيطان ليقتطعه عن الخوف من الله تعالى حتى تحل به هاتان العقوبتان فقال انما نزلتا في الكافرين فليقل فان الله لم يؤمن منهما كثيرا من

المؤمنين وقد حذر سبحانه المؤمنين ان يعاقبهم بما يعاقب به الكافرين فقال تعالى واتقوا النار التي اعدت للكافرين الى غير ذلك من الآيات انتهى ولما ذكر الله تعالى امر كتاب الفجار عقب ذلك بذكر كتاب ضدهم ليبين الفرق بين الصنفين واختلف في الموضع المعروف بعليين ما هو فقال ابن عباس السماء السابعة تحت العرش وروي ذلك عن النبي ص - وقال الضحاك هو سدرة المنتهى وقال ابن عباس ايضا عليون الجنة
وقوله تعالى يشهده المقربون يعنى الملائكة قاله ابن عباس وغيره وينظرون معناه الى ما عندهم من النعيم والنضرة النعمة والرونق والرحيق الخمر الصافية ومختوم يحتمل أنه يختم على كئوسه التي يشرب بها تهمما وتنظفا والظاهر انه مختوم شربه بالرائحة المسكية حسبما فسره قوله ختامه مسك قال ابن عباس وغيره خاتمة شربه مسك وقرأ الكساءي خاتمه مسك ثم حرض تعالى على الجنة بقوله وفي ذلك فليتنافس المتنافسون
وقوله تعالى ومزاجه من تسنيم المزاج الخلط قال ابن عباس وغيره تسنيم اشرف شراب في الجنة وهو اسم مذكر لماء عين في الجنة وهي عين يشرب بها المقربون صرفا ويمزج رحيق الابرار بها وهذا المعنى في صحيح البخاري وقال مجاهد ما معناه ان تسنيما مصدر من سنمت اذا علوت ومنه السنام فكأنه عين قد عليت على اهل الجنة فهي تنحدر وقاله مقاتل وجمهور المتأولين ان منزلة الابرار دون منزلة المقربين وان الابرار هم اصحاب اليمين وان المقربين هم السابقون
وقوله يشرب بها بمعنى يشربها
وقوله سبحانه ان الذين اجرموا كانوا يعنى في الدنيا يضحكون من المؤمنين روي ان هذه الآية نزلت في صناديد قريش وضعفة المؤمنين والضمير في مروا للمؤمنين ويحتمل ان يكون للكفار واما ضمير يتغامزون فهو للكفار لا يحتمل غير ذلك وفاكهين اي اصحاب فكاهة ونشاط وسرور باستخفافهم بالمؤمنين واما الضمير في رأوا وفي قالوا فقال

الطبري وغيره هو للكفار وقال بعضهم بل المعنى بالعكس وانما المعنى واذا رأى المؤمنون الكفار قالوا ان هؤلاء لضالون وما ارسل المؤمنون حافظين على الكفار وهذا كله منسوخ على هذا التأويل ت والأول اظهر
وقوله تعالى على الارائك ينظرون اي الى اعدائهم في النار قال كعب لاهل الجنة كوى ينظرون منها وقال غيره بينهم جسم عظيم شفاف يرون معه حالهم ت قال الهروي قوله تعالى على الارائك ينظرون قال احمد بن يحيى الاريكة السرير في الحجلة ولا يسمى منفردا اريكة وسمعت الازهري يقول كل ما تكئى عليه فهو اريكة انتهى هل ثوب الكفار ما كانوا يفعلون اي جزاء ما كانوا يفعلون وهل ثوب تقرير وتوقيف للنبي ص - وامته
تفسير سورة الانشقاق وهي مكية بلا خلاف
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى اذا السماء انشقت الآية هذه اوصاف يوم القيامة واذنت معناه استمعت وسمعت امر ربها ومنه قوله ص - ما اذن الله لشيء اذنه لنبي يتغنى بالقرءان وحقت قال ابن عباس معناه وحق لها ان تسمع وتطيع ويحتمل ان يريد وحق لها ان تنشق لشدة الهول وخوف الله تعالى ومد الارض هي ازالة جبالها حتى لا يبقي فيها عوج ولا امت وفي الحديث تمد مد الاديم والقت ما فيها يعنى من الموتى قاله الجمهور وخرج الختلي ابو القاسم اسحاق بن ابراهيم في كتاب الديباج له بسنده عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله

عليه السلام في قوله عز و جل اذا السماء انشقت واذنت لربها وحقت قال فقال رسول الله ص - انا اول من تنشق عنه الارض فاجلس جالسا في قبري فيفتح لي باب الى السماء بحيال رأسي حتى انظر الى العرش ثم يفتح لي باب من تحتى حتى انظر الى الارض السابعة حتى انظر الى الثرى ثم يفتح لي باب عن يمينى حتى انظر الى الجنة ومنازل اصحابي وان الارض تحركت تحتى فقلت ما لك ايتها الارض قالت ان ربى امرنى ان القي ما في جوفي وان اتخلى فاكون كما كنت اذ لا شيء في فذلك قوله الله عز و جل والقت ما فيها وتخلت واذنت لربها وحقت اي سمعت واطاعت وحق لها ان تسمع وتطيع الحديث انتهى من التذكرة وتخلت معناه خلت عما كان فيها لم تتمسك منهم بشيء
يا أيها الانسان انك كادح الآية الكادح العامل بشدة واجتهاد والمعنى انك عامل خيرا او شرا وانت لا محالة ملاقيه اي فكن على حذر من هذه الحال واعمل صالحا تجده واما الضمير في ملاقيه فقال الجمهور هو عائد على الرب تعالى وقال بعضهم هو عائد على الكدح ت وهو ظاهر الآية والمعنى ملاق جزاءه والحساب اليسير هو العرض ومن نوقش الحساب هلك كذا في الحديث الصحيح وعن عائشة هو ان يعرف ذنوبه ثم يتجاوز عنه ونحوه في الصحيح عن ابن عمر انتهى وفي الحديث عن عائشة قالت سمعت رسول الله ص - يقول في بعض صلاته اللهم حاسبنى حسابا يسيرا فلما انصرف قلت يا رسول الله ما الحساب اليسير قال ان ينظر في كتابه ويتجاوز عنه انه من نوقش الحساب يا عائشة يومئذ هلك وكل ما يصيب المؤمن يكفر الله عنه حتى الشوكة تشوكه قال صاحب السلاح رواه الحاكم في المستدرك وقال صحيح على شرط مسلم انتهى وروى ابن عمر ان النبي ص - قال من حاسب نفسه في الدنيا هون الله عليه حسابه يوم القيامة قال عزالدين بن عبدالسلام في اختصاره

لرعاية المحاسبي اجمع العلماء على وجوب محاسبة النفس فيما سلف من الاعمال وفيما يستقبل منها فالكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من اتبع نفسه هواها وتمنى على الله انتهى
وينقلب الى اهله اي الذين اعدهم الله له في الجنة واما الكافر فروي ان يده تدخل من صدره حتى تخرج من وراء ظهره فيأخذ كتابه بها
ويدعوا ثبورا معناه يصيح منتحبا واثبوراه واحزناه ونحو هذا والثبور اسم جامع للمكاره كالويل
وقوله تعالى انه كان في اهله يريد في الدنيا مسروا اي تملكه ذلك لا يدرى الا السرور باهله دون معرفة ربه
وقوله تعالى انه ظن ان لن يحور معناه ان لن يرجع الى الله مبعوثا محشورا قال ابن عباس لم اعلم ما معنى يحور حتى سمعت امرأة اعرابية تقول لبنية لها حورى اي ارجعى ص بلى ايجاب بعد النفي اي بلى ليحورن اي ليرجعن انتهى
وقوله تعالى فلا اقسم بالشفق لا زائدة وقيل لا رد على اقوال الكفار والشفق الحمرة التي تعقب غيبوبة الشمس مع البياض التابع لها في الاغلب ووسق معناه جمع وضم ومنه الوسق اي الاصوع المجموعة والليل يسق الحيوان جملة اي يجمعها ويضمها وكذلك جميع المخلوقات التي في الارض والهواء من البخار والجبال والرياح وغير ذلك واتساق القمر كماله وتمامه بدرا والمعنى امتلا من النور وقرأ نافع وابو عمرو وابن عامر لتركبن بضم الباء والمعنى لتركبن الشدائد الموت والبعث والحساب حالا بعد حال وعن تجيء بمعنى بعد كما يقال ورث المجد كابرا عن كابر وقيل غير هذا وقرأ حمزة والكساءي وابن كثير لتركبن بفتح الباء على معنى انت يا محمد فقيل المعنى حالا بعد حال من معالجة الكفار وقال ابن عباس سماء بعد سماء في الاسراء وقيل هي عدة بالنصر اي لتركبن امر العرب قبيلا بعد قبيل كما كان وفي البخاري عن ابن عباس لتركبن طبقا عن طبق حالا بعد حال هكذا قال نبيكم ص - انتهى ثم قال تعالى فمالهم لا يؤمنون

اي ما حجتهم مع هذه البراهين الساطعة ويوعون معناه يجمعون من الاعمال والتكذيب كانهم يجعلونها في اوعية تقول وعيت العلم واوعيت المتاع وممنون معناه مقطوع
تفسير سورة والسماء ذات البروج وهي مكية باجماع
بسم الله الرحمن الرحيم
الجمهور ان البروج هي المنازل التي عرفتها العرب وقد تقدم الكلام عليها واليوم الموعود هو يوم القيامة باتفاق كما جاء في الحديث وانما اختلف الناس في الشاهد والمشهود اختلافا كثيرا فقال ابن عباس الشاهد الله والمشهود يوم القيامة وقال الترمذي الشاهد الملائكة الحفظة والمشهود اي عليه الناس وقال ابو هريرة عن النبي ص - الشاهد يوم الجمعة والمشهود يوم معرفة ت ولو صح لوجب الوقوف عنده
وقوله تعالى قتل اصحاب الاخدود معناه فعل الله بهم ذلك لأنهم اهل له فهو على جهة الدعاء بحسب البشر لا ان الله يدعو على احد وقيل عن ابن عباس معناه لعن وهذا تفسير بالمعنى وقال الثعلبي قال ابن عباس كل شيء في القرءان قتل فهو لعن انتهى وقيل هو اخبار بأن النار قتلتهم قاله الربيع بن انس ص وجواب القسم محذوف اي والسماء ذات البروج لتبعثن وقال المبرد الجواب ان بطش ربك لشديد وقيل الجواب قتل واللام محذوفة اي لقتل واذا كان قتل هو الجواب فهو خبر انتهى وصاحب الاخدود مذكور في

السير وغيرها وحديثه في مسلم مطول وهو مالك دعا المؤمنين بالله الى الرجوع عن دينهم الى دينه وخد لهم في الارض اخاديد طويلة واضرم لهم نارا وجعل يطرح فيها من لم يرجع عن دينه حتى جاءت امرأة معها صبي فتقاعست فقال لها الطفل يا امه اصبري فإنك على الحق فاقتحمت النار
وقوله النار بدل من الاخدود وهو بدل اشتمال قال ع وقال الربيع بن انس وابو اسحاق وابو العالية بعث الله على اولائك المؤمنين ريحا فقبضت ارواحهم او نحو هذا وخرجت النار فاحرقت الكافرين الذين كانوا على حافتي الاخدود وعلى هذا يجيء قتل خبرا لادعاء
وقوله تعالى ان الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات الآية فتنوهم اي احرقوهم ت قال الهروي قوله تعالى فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق اي لهم عذاب لكفرهم وعذاب باحراقهم المؤمنين انتهى قال ع ومن قال ان هذه الآيات الاواخر في قريش جعل الفتنة الامتحان والتعذيب ويقوى هذا التاويل بعض التقوية قوله تعالى ثم لم يتوبوا لان هذا اللفظ في قريش اشبه منه في اولائك والبطش الاخذ بقوة
وقوله انه هو يبدئي ويعيد قال الضحاك وابن زيد معناه يبدئي الخلق بالانشاء ويعيدهم بالحشر وقال ابن عباس ما معناه ان ذلك عام في جميع الاشياء فهي عبارة على انه يفعل كل شيء اي يبدئي كل ما يبدأ ويعيد كل ما يعاد وهذان قسمان يستوفيان جميع الاشياء والجنود الجموع وفرعون وثمود في موضع خفض على البدل من الجنود ثم ترك القول بحاله واضرب عنه الى الاخبار بأن هؤلاء الكفار بمحمد وشرعه لا حجة لهم ولا برهان بل هو تكذيب مجرد سببه الحسد ثم توعدهم سبحانه بقوله والله من روائهم محيط اي عذاب الله ونقمته من ورائهم اي يأتي بعد كفرهم وعصيانهم وقرأ الجمهور في لوح محفوظ بالخفض صفة للوح وقرأ نافع محفوظ بالرفع اي محفوظ في القلوب لا يدركه الخطأ والتبديل

تفسير سورة والسماء والطارق وهي مكية بلا خلاف
بسم الله الرحمن الرحيم
اقسم الله تعالى بالسماء المعروفة في قول الجمهور وقيل السماء هنا هو المطر والطارق الذي يأتي ليلا ثم فسر تعالى هذا الطارق بانه النجم الثاقب واختلف في النجم الثاقب فقال الحسن بن ابي الحسن ما معناه انه اسم جنس لانها كلها ثاقبة اي ظاهرة الضوء يقال ثقب النجم اذا اضاء وقال ابن زيد اراد نجما مخصوصا وهو زحل وقال ابن عباس اراد الجدي وقال ابن زيد ايضا هو الثريا وجواب القسم في قوله ان كل نفس الآية وان هي المخففة من الثقيلة واللام في لما لام التاكيد الداخلة على الخبر هذا مذهب حذاق البصريين وقال الكوفيون ان بمعنى ما النافية واللام بمعنى الا فالتقدير ما كل نفس الا عليها حافظ ومعنى الآية فيما قال قتادة وغيره ان على كل نفس مكلفة حافظا يحصى اعمالها ويعدها للجزاء عليها وقال ابو امامة قال النبي ص - في تفسير هذه الآية ان لكل نفس حفظة من الله يذبون عنها كما يذب عن قصعة العسل الذباب ولو وكل المرء الى نفسه طرفة عين لاختطفته الشياطين
وقوله تعالى فلينظر الانسان مم خلق توقيف لمنكري البعث على اصل الخلقة الدال على ان البعث جائز ممكن ثم بارد اللفظ الى الجواب اقتضابا واسراعا الى اقامة الحجة فقال خلق من ماء دافق يخرج من بين الصلب والترائب قال الحسن وغيره معناه من بين صلب كل واحد من الرجل والمرأة وترائبه وقال جماعة من بين صلب

الرجل وترائب المرأة والتريبة من الانسان ما بين الترقوة الى الثدي قال ابو عبيدة معلق الحلي الى الصدر وقيل غير هذا
وقوله تعالى انه على رجعه لقادر قال ابن عباس وقتادة المعنى ان الله على رد الانسان حيا بعد موته لقادر وهذا اظهر الاقوال هنا وابينها ودافق قال كثير من المفسرين هو بمعنى مدفوق والعامل في يوم الرجع من قوله على رجعه
وتبلى السرائر معناه تختبر وتكشف بواطنها وروى ابو الدرداء عن النبي ص - ان السرائر التي يبتليها الله من العباد التوحيد والصلاة والزكاة والغسل من الجنابة قال ع وهذه معظم الامر وقال قتادة الوجه في الآية العموم في جميع السرائر ونقل ابن العربي في احكامه عن ابن مسعود ان هذه المذكورات من الصلاة والزكاة والوضوء والوديعة كلها امانة قال واشد ذلك الوديعة تمثل له اي لمن خانها على هيئتها يوم اخذها فترمى في قعر جهنم فيقال له اخرجها فيتبعها فيجعلها في عنقه فاذا اراد ان يخرج بها زلت منه فيتبعها فهو كذلك دهر الداهرين انتهى ت قال ابو عبيد الهروي قوله تعالى يوم تبلى السرائر الواحدة سريرة وهي الاعمال التي اسرها العباد انتهى والرجع المطر وماؤه وقال ابن عباس الرجع السحاب فيه المطر قال الحسن لانه يرجع بالرزق كل عام وقال غيره لانه يرجع الى الارض والصدع النبات لان الارض تتصدع عنه والضمير في انه للقرءان وفصل معناه جزم فصل الحقائق من الاباطيل والهزل اللعب الباطل ثم اخبر تعالى عن قريش انهم يكيدون في افعالهم واقوالهم بالنبي عليه السلام واكيد كيدا وهذا على مامر من تسمية العقوبة بإسم الذنب ورويدا معناه قليلا قاله قتادة وهذه حال هذه اللفظة اذا تقدمها شيء تصفه كقولك سيرا رويدا او تقدمها فعل يعمل فيها كهذه واما اذا ابتدأت بها فقلت رويدا يا فلان فهي بمعنى الامر بالتماهل ص رويدا ابو البقاء نعت لمصدر محذوف اي امهالا رويدا ورويدا تصغير رود وانشد ابو عبيدة

يمشي ولا تكلم البطحاء مشيته
كانه ثمل يمشي على رود اي على مهل ورفق انتهى
تفسير سورة سبح اسم ربك وهي مكية في قول الجمهور
بسم الله الرحمن الرحيم
سبح في هذه الآية بمعنى نزة وقدس وقل جل سبحانه عن النقائص والغير جميعا وروي ابن عباس ان النبي ص - كان اذا قرأ هذه الآية قال سبحان ربي الاعلى وكان ابن مسعود وابن عمر وابن الزبير يفعلون ذلك ولما نزلت قال النبي ص - اجعلوها في سجودكم وعن سلمة بن الاكوع قال ما سمعت النبي ص - يستفتح دعاء الا استفتحه بسبحان ربي الاعلى الوهاب رواه الحاكم في المستدرك وقال صحيح الاسناد انتهى من سلاح المؤمن
وسوى معناه عدل واتقن
وقوله فهدى عام لوجوه الهدايات في الانسان والحيوان وقال الفراء معناه هدى واضل والعموم في الآية اصوب والمرعى النبات والغثاء ما يبس وجف وتحطم من النبات وهو الذي يحمله السيل والاحوى قيل هو الاخضر الذي عليه سواد من شدة الخضرة والغضارة فتقدير الآية الذي اخرج المرعى احوى اي اسود من خضرته وغضارته فجعله غثاء عند يبسه فاحوى حال وقال ابن عباس المعنى فجعله غثاء احوى اي اسود لان الغثاء اذا قدم واصابته الامطار اسود وتعفن فصار

احوى فهذا صفة
وقوله تعالى سنقرئك فلا تنسى قال الحسن وقتادة ومالك ابن انس هذه الآية في معنى قوله تعالى لا تحرك به لسانك الاية وعده الله ان يقرئه واخبره انه لا ينسى نسيانا لا يكون بعده ذكر وقيل بل المعنى انه امره تعالى بان لا ينسى على معنى التثبيت والتأكيد وقال الجنيد معنى لاتنسى لا تترك العمل بما تضمن من امر ونهي
وقوله تعالى الا ما شاء الله قال الحسن وغيره معناه مما قضى الله بنسخه ورفع تلاوته وحكمه وقال ابن عباس الا ما شاء الله ان ينسيكه ليسن به على نحو قوله عليه السلام انى لا نسى او نسى لاسن قال ع ونسيان النبي ص - ممتنع فيما امر بتليغه اذ هو معصوم فاذا بلغه ووعي عنه فالنسيان جائز على ان يتذكر بعد ذلك او على ان يسن او على النسخ
وقوله تعالى ونيسرك لليسرى معناه نذهب بك نحو الامور المستحسنة في دنياك وءاخرتك من النصر والظفر ورفعة الرسالة وعلو المنزلة يوم القيامة والرفعة في الجنة ثم امره تعالى بالتذكير قال بعض الحذاق قوله تعالى ان نفعت الذكرى اعتراض بين الكلامين على جهة التوبيخ لقريش ثم اخبر تعالى انه سيذكر من يخشى الله والدار الآخرة وهم العلماء والمؤمنون كل بقدر ما وفق له ويتجنب الذكرى ونفعها من سبقت له الشقاوة
وتزكى معناه طهر نفسه ونماها بالخير ومن الاربعين حديثا المسندة لابي بكر محمد بن الحسين الآجري الامام المحدث قال في ءاخرها وحديث تمام الاربعين حديثا وهو حديث كبير جامع لكل خير حدثنا ابو بكر جعفر بن محمد الفريابي املاء في شهر رجب سنة سبع وتسعين ومائتين قال حدثنا ابراهيم بن هشام بن يحيى الغساني قال حدثني ابي عن جدي عن ابي ادريس الخولاني عن ابي ذر قال دخلت المسجد فاذا رسول الله ص - جالس فجلست اليه فقال يا ابا ذر للمسجد تحية وتحيته ركعتان قم فاركعهما قال فلما ركعتهما جلست اليه فقلت يا رسول الله انك

امرتنى بالصلاة فما الصلاة قال خير موضوع فاستكثر او استقلل الحديث وفيه قلت يا رسول الله كم كتابا انزل الله عز و جل قال مائة كتاب واربعة كتب انزل الله على شئت خمسين صحيفة وعلى خانوخ ثلاثين صحيفة وعلى ابراهيم عشر صحائف وانزل على موسى قبل التوراة عشر صحائف وانزل التوراة والانجيل والزبور والفرقان قال قلت يا رسول الله ما كانت صحف ابراهيم قالت كانت امثالا كلها ايها الملك المسلط المبتلى المغرور انى لم ابعثك لتجمع الدنيا بعضعا على بعض ولكني بعثتك لترد عنى دعوة المظلوم فإني لا اردها ولو من كافر وكان فيها امثال وعلى العاقل ان تكون له ساعة يناجي فيها ربه وساعة يحاسب فيها نفسه وساعة يفكر في صنع الله عز و جل اليه وساعة يخلو فيها لحاجته من المطعم والمشرب وعلى العاقل ان لا يكون ظاعنا الا لثلاث تزود لمعاد او مؤنة لمعاش او لذة في غير محرم وعلى العاقل ان يكون بصيرا بزمانه مقبلا على شانه حافظا للسانه ومن حسب كلامه من عمله قل كلامه الا فيما يعينه قال قلت يا رسول الله فما كانت صحف موسى قال كانت عبرا كلها عجبت لمن ايقن بالموت كيف يفرح وعجبت لمن ايقن بالقدر ثم هو ينصب وعجبت لمن رأى الدنيا وتقلبها باهلها ثم أطمان اليها وعجبت لمن ايقن بالحساب غدا ثم لا يعمل قال قلت يا رسول الله فهل في ايدينا شيء مما كان في ايدي ابراهيم وموسى مما أنزل الله عز و جل عليك قال نعم اقرأ يا ابا ذر قد افلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى بل تؤثرون الحيوة الدنيا الى ءاخر هذه السورة يعنى ان ذكر هذه الآيات لفى صحف ابراهيم وموسى قال قلت يا رسول الله فأوصنى قال اوصيك بتقوى الله عز و جل فإنه راس امرك قال قلت يا رسول الله زدنى قال عليك بتلاوة القراءن وذكر الله عز و جل فإنه ذكر لك في السماء ونور لك في الارض قال قلت يا رسول الله زدنى قال واياك وكثرة الضحك فإنه يميت

القلب ويذهب بنور الوجه قال قلت يا رسول الله زدنى قال عليك بالجهاد فانه رهبانية امتى قال قلت يا رسول زدنى قال عليك بالصمت الا من خير فانه مطردة للشيطان وعون لك على امر دينك انتهى
وقوله تعالى وذكر اسم ربه اي وحده وصلى له الصلوات المفروضة وغيرها وقال ابو سعيد الخدري وغيره هذه الآية نزلت في صبيحة يوم الفطر فتزكي ادى زكاة الفطر وذكر اسم ربه في طريق المصلى وصلى صلاة العيد ثم اخبر تعالى الناس انهم يوثرون الحياة الدنيا وسبب الايثار حب العاجل والجهل ببقاء الآخرة وفضلها وروينا في كتاب الترمذي عن ابن مسعود قال قال رسول الله ص - استحيوا من الله حق الحياء قال فقلنا يا رسول الله انا نستحي والحمد لله قال ليس ذلك ولكن الاستحياء من الله حق الحياء ان تحفظ الرأس وما وعى وتحفظ البطن وما حوى ولتذكر الموت والبلى ومن اراد الآخرة ترك زينة الدنيا فمن فعل ذلك فقد استحي من الله حق الحياء انتهى قال الغزالي وايثار الحياة الدنيا طبع غالب على الانسان ولذلك قال تعالى بل توثرون الحيوة الدنيا ثم بين سبحانه ان الشر قديم في الطباع وان ذلك مذكور في الكتب السالفة فقال ان هذا لفي الصحف الاولى صحف ابراهيم وموسى انتهى من الاحياء
وقوله تعالى ان هذا قال ابن زيد الاشارة بهذا الى هذين الخبرين افلاح من تزكى وايثار الناس للدنيا مع فضل الآخرة عليها وهذا هو الارجح لقرب المشار اليه وعن ابي بن كعب قال كان رسول الله ص - يقرأ في الوتر بسبح اسم ربك الاعلى وقل يا ايها الكافرون وقل هو الله احد فاذا سلم قال سبحان الملك القدوس ثلاث مرات يمد صوته في الثالثة ويرفع رواه ابو داود والنساءي وهذا لفظه ورواه الدارقطني في سننه ولفظه فاذا سلم قال سبحان الملك القدوس ثلاث مرات يمد بها صوته في الاخيرة ويقول رب الملائكة والروح انتهى من السلاح قال

النووي وروينا في سنن ابي داود والترمذي والنساءي عن علي رضي الله عنه ان النبي ص - كان يقول في ءاخر وتره اللهم اني اعوذ برضاك من سخطك واعوذ بمعافاتك من عقوبتك واعوذ بك منك لا احصى ثناء عليك انت كما اثنيت على نفسك قال الترمذي حديث حسن انتهى
تفسير سورة هل اتاك حديث الغاشية وهي مكية باجماع
بسم الله الرحمن الرحيم
قال بعض المفسرين هل بمعنى قد وقال الحذاق هي على بابها توقيف فائدته تحريك نفس السامع الى تلقى الخبر والغاشية القيامة لانها تغشى العالم كله بهولها والوجوه الخاشعة هي وجوه الكفار وخشوعها ذلها وتغييرها بالعذاب
وقوله سبحانه عاملة ناصبة قال الحسن وغيره لم تعمل لله فى الدنيا فاعملها وانصبها فى النار والنصب التعب وقال ابن عباس وغيره المعنى عاملة في الدنيا ناصبة فيها على غير هدى فلا ثمره لعملها الا النصب وخاتمته النار قالوا والآية في القسيسين وكل مجتهد في كفر وقرأ أبو بكر عن عاصم وابو عمرو تصلى بضم التاء والباقون بفتحها والآنية التي قد انتهى حرها كما قال تعالى وبين حميم آن وقال ابن زيد ءانية حاضرة والضريع قال الحسن وجماعة هو الزقوم وقال ابن عباس وغيره الضريع شبرق النار وقال النبي ص - الضريع شوك في النار ت وهذا ان صح فلا يعدل عنه وقيل غير هذا ولما ذكر تعالى وجوه اهل النار عقب ذلك

بذكر وجوه اهل الجنة ليبين الفرق وقوله تعالى لسعيها يريد لعملها في الدنيا وطاعتها والمعنى لثواب سعيها والتنعيم عليه ووصف سبحانه الجنة بالعلو وذلك يصح من جهة المسافة والمكان ومن جهة المكانة والمنزلة ايضا
لا تسمع فيها لاغية قيل المعنى كلمة لاغية وقيل جماعة لاغية او فئة لاغية واللغو سقط القول قال الفخر قوله تعالى فيها سرر مرفوعة اي عالية في الهواء وذلك لاجل ان يرى المؤمن اذا جلس عليها جميع ما اعطاه الله تعالى في الجنة من النعيم والملك قال خارجة بن مصعب بلغنا ان بعضها فوق بعض فترتفع ما شاء الله فاذا جاء ولي الله ليجلس عليها تطامنت له فاذا استوى عليها ارتفعت الى حيث شاء الله سبحانه انتهى
واكواب موضوعة اي باشربتها معدة والنمرقة الوسادة والزرابي واحدها زربية وهي كالطنافس لها خمل قاله الفراء وهي ملونات ومبثوثة معناه كثيرة متفرقة ثم وقفهم سبحانه على مواضع العبرة في مخلوقاته والابل في هذه الآية هي الجمال المعروفة هذا قول الجمهور وفي الجمل ءايات وعبر لمن تأمل وكان شريح القاضي يقول لاصحابه اخرجوا بنا الى الكناسة حتى ننظر الى الابل كيف خلقت وقال المبرد الابل هنا السحاب لان العرب قد تسميها بذلك اذ تأتي ارسالا كالابل ونصبت معناه اثتبت قائمة في الهواء وظاهر الآية ان الارض سطح لا كرة وهو الذي عليه اهل العلم وقد تقدم الكلام على هذا المعنى ثم نفي ان يكون النبي ص - مصيطرا على الناس أي قاهرا جابرا لهم مع تكبر متسلطا عليهم وقوله تعالى الا من تولى وكفر قال بعض المتأولين الاستثناء متصل والمعنى الا من تولى فانك مصيطر عليه فالآية على هذا لا نسخ فيها وقال ءاخرون الاستثناء منفصل والمعنى لست عليهم بمصيطر لكن من تولى وكفر فيعذبه الله وهي ءاية موادعة منسوخة

بالسيف وهذا هو القول الصحيح لان السورة مكية والقتال انما نزل بالمدنية ص وقرأ زيد بن اسلم الا من تولى حرف تنبيه واستفتاح انتهى وقال ابن العربي في احكامه روى الترمذي وغيره ان النبي ص - قال امرت ان اقاتل الناس حتى يقولوا لا اله الا الله فاذا قالوها عصموا في دماءهم واموالهم الا بحقها وحسابهم على الله ثم قرأ فذكر انما انت مذكر لست عليهم بمصيطر مفسرا معنى الآية وكاشفا خفاء الخفاء عنها المعنى اذا قال الناس لا اله الا الله فلست بمسلط على سرائرهم وانما عليك الظاهر وكل سرائرهم الى الله تعالى وهذا الحديث صحيح المعنى والله اعلم انتهى وايابهم مصدر من آب يئوب اذا رجع
تفسير سورة والفجر وهي مكية عند الجمهور وقيل مدنية والاول اصح واشهر
بسم الله الرحمن الرحيم
الفجر هنا عند الجمهور هو المشهور المعروف الطالع كل يوم وقال ابن عباس

وغيره الفجر الذي اقسم الله به صلاة الصبح وقيل غير هذا واختلف في الليالي العشر فقيل العشر الاول من رمضان وقيل العشر الاواخر منه وقيل عشر ذي الحجة وقيل غير هذا والله اعلم بما اراد فان صح عن النبي ص - شيء في هذا صير اليه واختلف في الشفع والوتر ما هما على اقوال كثيرة وروى عمران بن حصين عن النبي ص - انه قال هي الصلوات منها الشفع ومنها الوتر وسرى الليل هو ذهابه وانقراضه هذا قول الجمهور وقيل المعنى اذا يسرى فيه
هل في ذلك قسم لذي حجر اي هل في هذه الاقسام مقنع لذي عقل ثم وقف تعالى على مصارع الامم الخالية وعاد قبيلة بلا خلاف واختلف في ارم فقال مجاهد هي القبيلة بعينها وقال ابن اسحاق ارم هو ابو عاد كلها وقال الجمهور ارم مدينة لهم عظيمة كانت على وجه الدهر باليمن واختلف في قوله تعالى ذات العماد فمن قال ارم المدينة قال العماد اعمدة الحجارة التي بنيت بها وقيل القصور العالية والابراج يقال لها عماد ومن قال ارم قبيلة قال العماد اما اعمدة بنيانهم واما اعمدة بيوتهم التي يرحلون بها قاله جماعة والضمير في مثلها يعود اما على المدينة واما على القبيلة
وجابوا الصخر معناه خرقوه ونحتوه وكانوا في واديهم قد نحتوا بيوتهم في حجارة وفوعون هو فرعون موسى واختلف في اوتاده فقيل ابنيته العالية وقيل جنوده الذين بهم يثبت ملكه وقيل المراد اوتادا خبية عساكره وذكرت لكثرتها قاله ابن عباس وقال مجاهد كان يوتد الناس باوتاد حديد يقتلهم بذلك يضربها في ابدانهم حتى تنفذ الى الارض وقيل غير هذا والصب مستعمل في السوط وانما خص السوط بان يستعار للعذاب لانه يقتضى من التكرار والترداد ما لا يقتضيه السيف ولا غيره وقال بعض اللغويين السوط هنا مصدر من ساط يسوط اذا خلط فكانه قال خلط عذاب ص قال ابن الانباري ان ربك لبالمرصاد هو جواب القسم وقيل محذوف وقيل الجواب هل في ذلك

وهل بمعنى ان وليس بشيء انتهى والمرصاد والمرصد موضع الرصد قاله بعض اللغويين اي انه تعالى عند لسان كل قائل ومرصد لكل فاعل واذا علم العبد ان مولاه له بالمرصاد ودامت مراقبته في الفؤاد حضره الخوف والحذر لا محالة واعلموا ان الله يعلم ما في انفسكم فاحذروه قال ابو حامد في الاحياء وبحسب معرفة العبد بعيوب نفسه ومعرفته بجلال ربه وتعاليه واستغنائه وانه لا يسئل عما يفعل تكون قوة خوفه فاخوف الناس لربه اعرفهم بنفسه وبربه ولذا قال ص - انا اخوفكم لله ولذلك قال تعالى انما يخشى الله من عباده العلماء ثم اذا كملت المعرفة اورثت الخوف واحتراق القلب ثم يفيض اثر الحرقة من القلب على البدن فتنقمع الشهوات وتحترق بالخوف ويحصل في القلب الذبول والخشوع والذلة والاستكانة ويصير العبد مستوعب الهم بخوفه والنظر في خطر عاقبته فلا يتفرغ لغيره ولا يكون له شغل الا المراقبة والمحاسبة والمجاهدة والضنة بالانفاس واللحظات ومواخذة النفس في الخطرات والخطوات والكلمات ثم قال واعلم انه لا تنقمع الشهوات بشيء كما تنقمع بنار الخوف انتهى
وقوله سبحانه فاما الانسان اذا ما ابتلاه ربه الآية ذكر تعالى في هذه الآية ما كانت قريش تقوله وتستدل به على اكرام الله واهانته لعبده وجاء هذا التوبيخ في الآية لجنس الانسان اذ قد يقع بعض المؤمنين في شيء من هذا المنزع وابتلاه معناه اختبره ونعمه اي جعله ذا نعمة
وقدر بتخفيف الدال بمعنى ضيق ثم قال تعالى كلا ردا على قولهم ومعتقدهم اي ليس اكرام الله تعالى واهانته كذلك وانما ذلك ابتلاء فحق من ابتلي بالغنى ان يشكر ويطيع ومن ابتلي بالفقر ان يشكر ويصبر واما اكرام الله فهو بالتقوى واهانته فبالمعصية وطعام في هذه الآية بمعنى اطعام ثم عدد عليهم جدهم في اكل التراث لانهم كانوا كانوا لا يورثون النساء ولا صغار الاولاد وانما كان يأخذ المال من يقاتل ويحمى الحوزة واللم الجمع واللف

قال الحسن هو ان يأخذ في الميراث حظه وحظ غيره والجم الكثير الشديد ومنه قول الشاعر ... ان تغفر اللهم تغفر جما ... واي عبد لك الا الما ...
ومنه الجم من الناس ودك الارض تسويتها
وقوله تعالى وجاء ربك معناه جاء امره وقضاؤه وقال منذر بن سعيد معناه ظهوره للخلق هنالك ليس مجيء نقلة وكذلك مجيء الصاخة ومجيء الطامة والملك اسم جنس يريد به جميع الملائكة وصفا اي صفوفا حول الارض يوم القيامة على ما تقدم في غير هذا الموضع وجيء يومئذ بجهنم روي في قوله تعالى وجيء يومئذ بجهنم انها تساق الى المحشر بسبعين الف زمام يمسك كل زمام سبعون الف ملك فيخرج منها عنق فينتقي الجبابرة من الكفار في حديث طويل باختلاف الفاظ
وقوله تعالى يومئذ يتذكر الانسان معناه يتذكر عصيانه وما فاته من العمل الصالح وقال الثعلبي يومئذ يتذكر الانسان اي يتعظ ويتوب وانى له الذكرى انتهى
وقوله يا ليتنى قدمت لحياتي قال الجمهور معناه لحياتي الباقية يريد في الآخرة
فيومئذ لا يعذب عذابه احد اي لا يعذب كعذاب الله احد في الدنيا ولا يوثق كوثاقه احد ويحتمل المعنى ان الله تعالى لا يكل عذاب الكافر يومئذ الى احد وقرأ الكساءي بفتح الذال والثاء اي لا يعذب كعذاب الكافر احد من الناس ثم عقب تعالى بذكر نفوس المؤمنين وحالهم فقال يا ايتها النفس المطمئنة الآية والمطمئنة معناه الموقنة غاية اليقين الا ترى قول ابراهيم عليه السلام ولكن ليطمئن قلبي فهي درجة زائدة على الايمان واختلف في هذا النداء متى يقع فقال جماعة عند خروج روح المؤمن وروي في ذلك حديث وفي عبادى اي في عداد عبادى الصالحين وقال قوم النداء عند قيام الاجساد من القبور فقوله ارجعي الى ربك معناه بالبعث وادخلى في عبادى اي في الاجساد وقيل النداء

هو الآن للمؤمنين وقال ءاخرون هذا النداء انما هو في الموقف عند ما ينطلق بأهل النار الى النار ت ولا مانع ان يكون النداء في جميع هذه المواطن ولما تكلم ابن عطاء الله في مراعاة احوال النفس قال رب صاحب ورد عطله عن ورده او الحضور فيه مع ربه هم التدبير في المعيشة وغيرها من مصالح النفس وانواع وساوس الشيطان في التدبير لا تنحصر ومتى اعطاك الله سبحانه الفهم عنه عرفك كيف تصنع فأي عبد توفر عقله واتسع نوره نزلت عليه السكينة من ربه فسكنت نفسه عن الاضطراب ووثقت بولي الاسباب فكانت مطمئنة اي خامدة ساكنة مستسلمة لاحكام الله ثابتة لا قداره وممدودة بتاييده وانواره فاطمأنت لمولاها لعلمها بانه يراها او لم يكف بربك انه على كل شيء شهيد فاستحقت ان يقال لها يا ايتها النفس المطئنة ارجعي الى ربك راضية مرضية وفي الآية خصائص عظيمة لها منها ترفيع شأنها بتكنيتها ومدحها بالطمانينة ثناء منه سبحانه عليها بالإستسلام اليه والتوكل عليه والمطمئن المنخفض من الارض فلما انخفضت بتواضعها وانكسارها اثنى عليها مولاها ومنها قوله راضية اي عن الله في الدنيا باحكامه ومرضية في الآخرة يحوده وانعامه وفي ذلك اشارة للعبد انه لا يحصل له ان يكون مرضيا عند الله في الآخرة حتى يكون راضيا عن الله في الدنيا انتهى من التنوير
تفسير

سورة البلد

وهي مكية في قول الجمهور وقيل مدنية
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى لا اقسم بهذا البلد الكلام في لا تقدم في لا اقسم والبلد هو

مكة
وقوله تعالى وانت حل قال ابن عباس وجماعة معناه وانت حلال بهذا البلد يحل لك فيه قتل من شئت وكان هذا يوم فتح مكة وعلى هذا يتركب قول من قال السورة مدنية نزلت عام الفتح وقال ءاخرون المعنى وانت حال ساكن بهذا البلد
وقوله تعالى ووالد وما ولد قال مجاهد هو ءادم وجميع ولده وقال ابن عباس ما معناه ان الوالد والولد هنا على العموم فهي اسماء جنس يدخل فيها جميع الحيوان والقسم واقع على قوله لقد خلقنا الانسان في كبد قال الجمهور الانسان اسم جنس والكبد المشقة والمكابدة اي يكابد امر الدنيا والآخرة وروي ان سبب نزول هذه الآية رجل من قريش يقال له ابو الاشد وقيل نزلت في عمرو بن عبدود وقال مقاتل نزلت في الحارث بن عامر بن نوفل اذنب فاستفتى النبي ص - فامره بالكفارة فقال لقد اهلكت مالا في الكفارة والنفقات مذ تبعت محمدا وكان كل واحد منهم قد ادعى انه انفق مالا كثيرا على افساد امر النبي ص - او في الكفارات على ما تقدم
وقوله اهلكت مالا لبدا اي انفقت مالا كثيرا ومن قال ان المراد اسم الجنس غير معين جعل قوله ايحسب ان لم يره احد بمعنى ايظن الانسان ان ليس عليه حفظة يرون اعماله ويحصونها الى يوم الجزاء قال السهيلي وهذه الآية وان نزلت في ابي الاشد فان الالف واللام في الانسان للجنس فيشترك معه في الخطاب كل من ظن ظنه وفعل مثل فعله وعلى هذا اكثر القرءان ينزل في السبب الخاص بلفظ عام يتناول المعنى العام انتهى وخرج مسلم عن ابي برزة قال قال رسول الله ص - لا تزول قدما العبد يوم القيامة حتى يسأل عن اربع عن عمره فيما افناه وعن جسده فيما ابلاه وعن علمه ماذا عمل به وعن ماله من اين اكتسبه وفيم انفقه وخرجه ايضا الترمذي وقال فيه حديث حسن صحيح انتهى وقرأ الجمهور لبدا اي كثيرا متلبدا بعضه فوق بعض ثم عدد تعالى على

الانسان نعمه في جوارحه والنجدين قال ابن عباس والناس هما طريقا الخير والشر اي عرضنا عليه طريقهما وليست الهداية هنا بمعنى الارشاد وقال الضحاك النجدان ثديا الام وهذا مثال والنجد الطريق المرتفع
وقوله تعالى فلا اقتحم العقبة الآية قوله فلا هو عند الجمهور تحضيض بمعنى الا اقتحم والعقبة في هذه الآية على عرف الكلام العرب استعارة لهذا العمل الشاق على النفس من حيث هو بذل مال تشبيه بعقبة الجبل واقتحم معناه دخلها وجاوزها بسرعة وضغط وشدة ثم عظم تعالى امر العقبة في النفوس بقوله وما ادراك ما العقبة ثم فسر اقتحام العقبة بقوله فك رقبة الآية وهذا على قراءة من قرأ فك رقبة بالرفع على المصدر واما من قرأ فك رقبة او اطعم على الفعل ونصب الرقبة وهي قراءة ابي عمرو فليس يحتاج ان يقدر وما ادراك ما اقتحام بل يكون التعظيم للعقبة نفسها ويجيء فك بدلا من اقتحم ومبينا له وفك الرقبة هو عتقها من ربقة الاسر او الرق وفي الحديث عن النبي ص - من اعتق نسمة مؤمنة اعتق الله بكل عضو منها عضوا منه من النار والمسبغة المجاعة والساغب الجائع وذا مقربة معناه ذا قرابة لتجتمع الصدقة والصلة وذا متربة معناه مدقعا قد لصق بالتراب وهذا ينحو الى ان المسكين اشد فاقة من الفقير قال سفيان هم المطروحون على ظهر الطريق قعودا على التراب لا بيوت لهم وقال ابن عباس هو الذي يخرج من بيته ثم يقلب وجهه الى بيته مستيقنا انه ليس فيه الا التراب
وقوله تعالى ثم كان معطوف على قوله اقتحم والمعنى ثم كان وقت اقتحامه العقبة من الذين ءامنوا
وقوله تعالى وتواصوا بالصبر معناه على طاعة الله وبلائه وقضائه وعن الشهوات والمعاصي والمرحمة قال ابن عباس كل ما يؤدي الى رحمة الله تعالى وقال ءاخرون هو التراحم والتعاطف بين الناس وفي ذلك قوام الناس ولو لم يتراحموا جملة لهلكوا والميمنة فيما روي عن يمين العرش

وهو موضع الجنة ومكان المرحومين من الناس والمشأمة الجانب الاشأم وهو الايسر وفيه جهنم وهو طريق المعذبين وموصدة معناه مطبقة مغلقة
تفسير سورة والشمس وضحاها وهي مكية
بسم الله الرحمن الرحيم
اقسم الله تعالى بالشمس اما على التنبيه منها على الاعتبار المؤدي الى معرفة الله تعالى واما على تقدير ورب الشمس والضحى بالضم والقصر ارتفاع ضوء الشمس واشراقه قاله مجاهد وقال مقاتل ضحاها حرها كقوله في طه ولا تضحى والضحاء بفتح الضاد والمد ما فوق ذلك الى الزوال والقمر يتلو الشمس من اول الشهر الى نصفه في الغروب تغرب هي ثم يغرب هو ويتلوها في النصف الآخر بنحو آخر وهو ان تعرب هي فيطلع هو وقال الحسن تلاها معناه تبعها دأبا في كل وقت لانه يستضيء منها فهو يتلوها لذلك وقال الزجاج وغيره تلاها في المنزلة من الضياء والقدر لانه ليس في الكواكب شيء يتلو الشمس في هذا المعنى غير القمر
وقوله والنهار ظاهر هذه السورة والتي بعدها ان النهار من طلوع الشمس وكذلك قال الزجاج في كتاب الانواءوغيره واليوم من طلوع الفجر ولا يختلف ان نهايتهما مغيب الشمس والضمير في جلاها يحتمل ان يعود على الشمس ويحتمل ان يعود على الارض او على الظلمة وان كان لم يجر لذلك ذكر فالمعنى يقتضيه قاله الزجاج وجلى معناه كشف وضوى والفاعل بجلى على هذه التاويلات النهار ويحتمل ان يكون الفاعل الله تعالى كانه قال والنهار اذ جلى الله

الشمس فاقسم بالنهار في اكمل حالاته ويغشي معناه يغطى والضمير للشمس على تجوز في المعنى او للارض
وقوله تعالى وما بناها وكل ما بعده من نظائره في السورة يحتمل ان تكون ما فيه بمعنى الذي قاله ابو عبيدة اي ومن بناها وهو قول الحسن ومجاهد فيجيء القسم بالله تعالى ويحتمل ان تكون ما في جميع ذلك مصدرية قاله قتادة والمبرد والزجاج كانه قال والسماء وبنائها وطحا بمعنى دحا ت قال الهروي قوله تعالى والارض وما طحاها اي بسطها فاوسعها ويقال طحا به الامر اي اتسع به في المذهب انتهى والنفس التي اقسم بها سبحانه اسم جنس وتسويتها اكمال عقلها ونظرها الثعلبي فسواها اي عدل خلقها انتهى
وقوله سبحانه فالهمها فجورها وتقواها اي عرفها طرق ذلك وجعل لها قوة يصح معها اكتساب الفجور او اكتساب التقوى وجواب القسم في قوله قد افلح والتقدير لقد افلح زاد ص وحذفت اللام للطول انتهى والفاعل بزكى يحتمل ان يكون الله تعالى قاله ابن عباس وغيره ويحتمل ان يكون الانسان قاله الحسن وغيره وزكاها اي طهرها ونماها بالخيرات ودساها معناه اخفاها وحقرها وصغر قدرها بالمعاصى والبخل بما يجب واصل دسى دسس ومنه قول الشاعر ... ودسست عمرا في التراب فاصبحت ... حلائله منه ارامل ضيعا ...
ت قال الشيخ ابو عبدالرحمن السلمي ومن عيوب النفس الشفقة عليها والقيام بتعهدها وتحصيل مئاربها ومداواتها الاعراض عنها وقلة الاشتغال بها كذلك سمعت جدي يقول من كرمت عليه نفسه هان عليه دينه انتهى من تاليفه في عيوب النفس وروي ان النبي ص - كان اذا قرأ هذه الآية قال اللهم ءات نفسي تقواها وزكها انت خير من زكاها انت وليها ومولاها قال صاحب الكلم الفارقية والحكم الحقيقية النفس الزكية زينتها نزاهتها

وعافيتها عفتها وطهارتها ورعها وغناها ثقتها بمولاها وعلمها بأنه لا ينساها انتهى ولما ذكر تعالى خيبة من دسى نفسه ذكر فرقة فعلت ذلك ليعتبر بهم وينتهى عن مثل فعلهم والطغوى مصدر وقال ابن عباس الطغوى هنا العذاب كذبوا به حتى نزل بهم ويؤيده قوله تعالى فاما ثمود فاهلكوا بالطاغية وقال جمهور من المتأولين الباء سببية والمعنى كذبت ثمود نبيها بسبب طغيانها واشقاها هو قدار ابن سالف وقد تقدم قصصهم ت وناقة الله وسقياها قيل نصب بفعل مضمر تقديره احفظوا او ذروا وقال ص ناقة الله الجمهور بنصب ناقة على التحذير اي احذروا ناقة الله وهو مما يجب اضمار عامله انتهى ودمدم معناه انزل العذاب مقلقلا لهم مكررا ذلك وهي الدمدمة الثعلبي قال مؤرج الدمدمة اهلاك باستيصال انتهى وكذلك قال ابو حيان وقال الهروي قال الازهري فدمدم عليهم ربهم اي اطبق عليهم العذاب وقيل فدمدم عليهم اي غضب عليهم انتهى
وقوله تعالى فسواها اي فسوى القبيلة في الهلاك لم ينج منهم احد وقرأ نافع وابن عامر فلا يخاف عقباها والمعنى فلا درك على الله تعالى في فعله بهم وهذا قول ابن عباس والحسن ويحتمل ان يكون الفاعل بيخاف صالحا عليه السلام اي لا يخاف عقبى هذه الفعلة بهم اذ كان قد انذرهم وقرأ الباقون ولا يخاف بالواو فتحتمل الوجهين وتحتمل هذه القراءة وجها ثالثا ان يكون الفاعل بيخاف المنبعث قاله الزجاج والضحاك والسدي وغيرهم وتكون الواو واو الحال كانه قال انبعث لعقرها وهو لا يخاف عقبى فعله

تفسير سورة والليل وهي مكية في قول المجهور
بسم الله الرحمن الرحيم
اقسم تعالى بالليل اذا غشي الارض وجميع ما فيها وبالنهار اذا تجلى اي ظهر وضوى الآفاق وقال ص يغشي مفعوله محذوف فيحتمل ان يكون النهار كقوله يغشى الليل النهار او الشمس كقوله تعالى والليل اذا يغشاها وقيل الارض وما فيها انتهى
وقوله تعالى وما خلق الذكر والانثى يحتمل ان تكون ما بمعنى الذي ويحتمل ان تكون مصدرية والذكر والانثى هنا عام وقال الحسن المراد ءادم وحواء والسعي العمل فاخبر تعالى مقسما ان اعمال العباد شتى اي مفترقة جدا بعضها في رضى الله وبعضها في سخطه ثم قسم تعالى الساعين فقال فاما من اعطى واتقى الآية ويروي ان هذه الآية نزلت في ابي بكر الصديق رضي الله عنه
وقوله تعالى وصدق بالحسنى قيل هي لا اله الا الله وقيل هي الخلف الذي وعد الله به وقيل هي الجنة وقال كثير من المتأولين الحسنى الاجر والثواب مجملا والعسرى الحال السيئة في الدنيا والآخرة ومن جعل بخل في المال خاصة جعل استغنى في المال ايضا لتعظم المذمة ومن جعل بخل عاما في جميع ما ينبغي ان يبذل من قول او فعل قال استغنى عن الله ورحمته بزعمه وظاهر قوله وما يغنى عنه ماله ان الاعطاء والبخل المذكورين انما هما في المال
وقوله تعالى اذا تردى قال قتادة وغيره معناه تردى في جهنم وقال مجاهد تردى معناه هلك من الردى وخرج البخاري وغيره عن علي رضي الله عنه قال كنا مع النبي ص - في بقيع الغرقد في جنازة فقال ما منكم من احد او ما من

نفس منفوسة الا وقد كتب مكانها من الجنة والنار والا قد كتبت شقية او سعيدة فقالوا يا رسول الله افلا نتكل على كتابنا وندع العمل فمن كان منا من اهل السعادة فسيصير الى اهل السعادة ومن كان منا من اهل الشقاء فسيصير الى عمل اهل الشقاء قال اما اهل السعادة فييسرون لعمل اهل السعادة واما اهل الشقاوة فييسرون لعمل اهل الشقاوة ثم قرأ فاما من اعطى واتقى وصدق بالحسنى الى قوله للعسرى وفي رواية لما قيل له افلا نتكل على كتابنا قال لا بل اعملوا فكل ميسر لما خلق له الحديث وخرجه الترمذي ايضا انتهى قال ابن العربي في احكامه وسأل شابان رسول الله ص - فقالا العمل فيما جفت به الاقلام وجرت به المقادير ام فى شيء مستانف فقال بل فيما جفت به الاقلام وجرت به المقادير قالا ففيم العمل اذن قال اعملوا فكل ميسر لعمله الذي خلق له قالا فالآن نجد ونعمل انتهى وقال قوم معنى تردى اي باكفانه من الرداء ومنه قول الشاعر ... نصيبك مما تجمع الدهر كله ... رداء ان تلوى فيهما وحنوط ...
ثم اخبر تعالى ان عليه هدى الناس جميعا اي تعريفهم بالسبل كلها وليست هذه الهداية بالارشاد الى الايمان ولو كان ذلك لم يوجد كافر قال البخاري تلظى توهج وقال الثعلبي تتوقد وتتوهج انتهى
وقوله سبحانه لا يصلاها الا الاشقى المعنى لا يصلاها صلي خلود ومن هنا ضلت المرجئة لانها اخذت نفي الصلي مطلقا ولم يختلف اهل التاويل ان المراد بالاتقي الى ءاخر السوة ابو بكر الصديق ثم هي تتناول كل من دخل في هذه الصفات وباقي الآية بين ثم وعده تعالى بالرضى في الآخرة وهذه عدة لابي بكر رضي الله عنه

تفسير سورة والضحى وهي مكية بلا خلاف
بسم الله الرحمن الرحيم
تقدم تفسير الضحى بانه سطوع الضوء وعظمه وقال قتادة الضحى هنا النهار كله وسجى معناه سكن واستقر ليلا تاما وقيل معناه اقبل وقيل معناه ادبر والاول اصح وعليه شواهد وقال البخاري قال مجاهد اذا سجى استوى وقال غيره اظلم وسكن انتهى وقرأ الجمهور ما ودعك بشد الدال من التوديع وقرئى بالتخفيف بمعنى ما تركك وقال البخاري ما ودعك ربك بالتشديد والتخفيف ما تركك انتهى
وقلى ابغض نزلت بسبب ابطاء الوحي مدة وللآخرة يعنى الدار الآخرة خير لك من الدنيا ولسوف يعطيك ربك فترضى قيل هي ارجى ءاية في القرءان لانه ص - لا يرضى وواحد من امته في النار وروي انه عليه السلام قال لما نزلت اذن لا ارضى واحد من امتى في النار قال عياض وهذه ءاية جامعة لوجوه الكرامة وانواع السعادة في الدارين انتهى ت وفي صحيح مسلم من رواية عبدالله بن عمرو بن العاصى ان النبي ص - تلا قول الله عز و جل في ابراهيم عليه السلام رب انهن اضللن كثيرا من الناس فمن تبعنى فانه مني ومن عصاني فانك غفور رحيم وقول عيسى عليه السلام ان تعذبهم فانهم عبادك وان تغفر لهم فانك انت العزيز الحكيم فرفع يديه وقال اللهم امتى امتى وبكى فقال الله جل ثناؤه يا جبريل اذهب الى محمد فقل له انا سنرضيك في امتك ولا نسوءك انتهى مختصرا ثم وقف تعالى نبيه على المراتب التي درجه عنها بانعامه فقال الم يجدك يتيما فئاوى
وقوله تعالى ووجدك ضالا فهدى اختلف الناس في تاويله والضلال يختلف فمنه البعيد

ومنه القريب فالبعيد ضلال الكفار وهذا قد عصم الله منه نبيه فلم يعبد ص - صنما قط ولا تابع الكفار على شيء مما هم عليه من الباطل وانما ضلاله ص - هو كونه واقفا لا يميز المهيع بل يدبر وينظر وقال الترمذي وعبدالعزيز بن يحيى ضالا معناه خامل الذكر لا يعرفك الناس فهداهم اليك ربك والصواب انه ضلال من توقف لا يدرى كما قال عز و جل ما كنت تدرى ما الكتاب ولا الايمان وقال الثعلبي قال بعض المتكلمين اذا وجدت العرب شجرة مفردة في فلاة سموها ضالة فيهتدى بها الى الطريق اي فوجدتك وحيدا ليس معك نبي غيرك فهديت بك الخلق الي انتهى قال عياض قال الجنيد المعنى ووجدك متحيرا في بيان ما انزل اليك فهداك لبيانه لقوله وانزلنا اليك الذكر الآية قال عياض ولا اعلم احدا من المفسرين قال فيها ضالا عن الايمان وكذلك في قصة موسى عليه السلام قوله فعلتها اذا وانا من الضالين اي المخطئين وقال ابن عطاء ووجدك ضالا اي محبا لمعرفتي والضال المحب كما قال تعالى انك لفي ضلالك القديم اي محبتك القديمة انتهى والعائل الفقير فاغنى اي بالقناعة والصبر ثم وصاه تعالى بثلاث وصايا بازاء هذه النعم الثلاث والسائل هنا قال ابو الدرداء هو السائل عن العلم وقيل هو سائل المال وقال ابراهيم بن ادهم نعم القوم السؤال يحملنا زادنا الى الآخرة
وقوله تعالى واما بنعمة ربك فحدث قال مجاهد وغيره معناه بث القرءان وبلغ ما ارسلت به قال عياض وهذا الامر يعم الامة انتهى وقال ءاخرون بل هو عموم في جميع النعم وفي سنن ابي داود عن النبي ص - قال اعطوا الاجير حقه قبل ان يجف عرقه واعطوا السائل وان جاء على فرس قال البغوي في المصابيح هذا حديث مرسل انتهى

تفسير سورة الم نشرح وهي مكية باجماع
بسم الله الرحمن الرحيم
عدد الله تعالى على نبيه نعمه عليه في ان شرح صدره للنبوءة وهيأه لها وذهب الجمهور الى ان شرح الصدر المذكور انما هو تنويره بالحكمة وتوسيعه لتلقى ما يوحى اليه وقال ابن عباس وجماعة هذه اشارة الى شرحه بشق جبريل عنه في وقت صغره وفي وقت الاسراء اذ التشريح شق اللحم والوزر الذي وضعه الله عنه هو عند بعض المتأولين الثقل الذي كان يجده ص - في نفسه من اجل ما كانت قريش فيه من عبادة الاصنام فرفع الله عنه ذلك الثقل بنبوته وارساله وقال ابو عبيدة وغيره المعنى خففنا عنك اثقال النبوءة واعناك على الناس وقيل الوزر هنا الذنوب نظير قوله تعالى ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وقد تقدم بيانه الثعلبي وقيل معناه عصمناك من احتمال الوزر انتهى وانقض معناه جعله نقضا اي هزيلا من الثقل قال عياض ومعنى انقض اي كاد ينقضه انتهى ورفعنا لك ذكرك اي نوهنا باسمك قال ع ورفع الذكر نعمة على الرسول وكذلك هو جميل حسن للقائمين بامور الناس وخمول الاسم والذكر حسن للمنفردين للعبادة والمعنى في هذا التعديد انا قد فعلنا جميع هذا بك فلا تكترث باذى قريش فان الذي فعل بك هذه النعم سيظفرك بهم قال عياض وروى ابو سعيد الخدري ان النبي ص - قال اتاني جبريل فقال ان ربي وربك يقول اتدرى كيف رفعت ذكرك قلت الله تعالى اعلم قال اذا ذكرت ذكرت معي انتهى ثم قوى سبحانه رجاءه بقوله فان مع العسر يسرا وكرر تعالى ذلك مبالغة وذهب كثير من العلماء الى ان مع كل عسر يسرين بهذه الآية من حيث

ان العسر معرف للعهد واليسر منكر فالاول غير الثاني وقد جاء في هذا التأويل حديث عن النبي ص - انه قال لن يغلب عسر يسرين ثم امر تعالى نبيه اذا فرغ من شغل من اشغال النبوة والعبادة ان ينصب في ءاخر والنصب التعب والمعنى ان يدأب على ما امر به ولا يفتر وقال ابن عباس اذا فرغت من فرضك فانصب في التنفل عبادة لربك ونحوه عن ابن مسعود وعن مجاهد فاذا فرغت من العبادة فانصب في الدعاء
وقوله تعالى والى ربك فارغب امر بالتوكل على الله عز و جل وصرف وجوه الرغبات اليه لا الى سواه
تفسير سورة والتين وهي مكية
بسم الله الرحمن الرحيم
قال ابن عباس وغيره التين والزيتون المقسم بهما هما المعروفان وقال السهيلي اقسم تعالى بطور تينا وطور زيتا وهما جبلان عند بيت المقدس وكذلك طور سيناء ويقال ان سيناء هي الحجارة والطور عند اكثر الناس هو الجبل وقال الماوردي ليس كل جبل يقال له طور الا ان تكون فيه الاشجار والثمار والا فهو جبل فقط انتهى وطور سينين جبل بالشام والبلد الامين مكة والقسم واقع على قوله تعالى لقد خلقنا الانسان في احسن تقويم اي في احسن تقويم ينبغي له وقال بعض العلماء بالعموم اي الانسان احسن المخلوقات تقويما ولم ير قوم الحنث على من حلف بالطلاق ان زوجته احسن من الشمس محتجين بهذه الآية وحسن التقويم يشمل جميع محاسن الانسان الظاهرة والباطنة من حسن صورته

وانتصاب قامته وكمال عقله وحسن تمييزه والانسان هنا اسم جنس وتقدير الكلام في تقويم احسن تقويم لان احسن صفة لا بد ان تجري على موصوف
ثم رددناه اسفل سافلين قال قتادة وغيره معناه بالهرم وذهول العقل وهذه عبرة منصوبة وعبارة الثعلبي في احسن تقويم قيل اعتداله واستواء شبابه وهو احسن ما يكون ثم رددناه اسفل سافلين بالهرم كما قال الى ارذل العمر والسافلون الهرمى والزمنى والذين حبسهم عذرهم عن الجهاد فى عهد النبي ص - فانزل الله عذرهم واخبرهم ان لهم اجرهم الذي عملوا قبل ان تذهب عقولهم انتهى وفي البخاري عنه ص - اذا مرض العبد او سافر كتب الله له مثل ما كان يعمل مقيما صحيحا وهكذا قال في الذين حبسهم العذر انتهى قال ص الا الذين قيل منقطع بناء على ان معنى اسفل سافلين بالهرم وذهول العقل وقيل متصل بناء على ان معناه في النار على كفره انتهى قال ع وفي حديث عن انس قال قال رسول الله ص - اذا بلغ المؤمن خمسين سنة خفف الله حسابه فاذا بلغ ستين رزقه الانابة اليه فاذا بلغ سبعين احبه اهل السماء فاذا بلغ ثمانين كتبت حسناته وتجاوز الله عن سيئاته فاذا بلغ تسعين غفرت ذنوبه وشفع في اهل بيته وكان اسير الله في ارضه فاذا بلغ مائة ولم يعمل شيأ كتب له مثل ما كان يعمل في صحته ولم تكتب عليه سيئة وفي حديث ان المؤمن اذا رد الى ارذل العمر كتب له خيرا ما كان يعمل في قوته وذلك اجر غير ممنون ثم قال سبحانه الزاما للحجة وتوبيخا للكافر فما يكذبك ايها الانسان اي فما يجعلك ان تكذب بعد هذه الحجة بالدين وقال قتادة المعنى فمن يكذبك يا محمد فيما تخبر به من الجزاء والحساب وهو الدين بعد هذه العبر ويحتمل ان يريد بالدين جميع دينه وشرعه وروي عن قتادة ان النبي ص - كان اذا قرأ اليس الله باحكم الحاكمين قال بلى وانا على ذلك من

الشاهدين قال ابن العربي في احكامه روى الترمذي وغيره عن ابي هريرة ان النبي ص - قال اذا قرأ احدكم اليس الله باحكم الحاكمين فليقل بلى وانا على ذلك من الشاهدين ومن رواية عبدالله اذا قرأ احدكم او سمع اليس ذلك بقادر على ان يحيى الموتى فليقل بلى انتهى ت وهذان الحديثان وان كان قد ضعفهما ابن العربي فهما مما ينبغي ذكرهما في فضائل الاعمال والله الموفق بفضله
تفسير سورة القلم وهي مكية باجماع
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى اقرأ باسم ربك هو اول ما نزل من كتاب الله تعالى نزل صدر هذه الآية الى قولهما لم يعلم في غار حراء حسب ما ثبت في صحيح البخاري وغيره ومعنى قوله اقرأ باسم ربك اي اقرأ هذا القرءان باسم ربك اي مبتدئا باسم ربك ويحتمل ان يكون المقروء الذي امر بقراءته هو باسم ربك الذي خلق كأنه قيل له اقرأ هذا اللفظ والعلق جمع علقة وهي القطعة اليسيرة من الدم والانسان هنا اسم جنس ثم قال تعالى اقرأ وربك الاكرم على جهة التأنيس كأنه يقول امض لما امرت به وربك ليس كهذه الارباب بل هو الاكرم الذي لا يلحقه نقص ثم عدد تعالى نعمة الكتابة بالقلم على الناس وهي من اعظم النعم
وعلم الانسان ما لم يعلم قيل هو ءادم وقيل هو اسم جنس وهو الاظهر
وقوله تعالى كلا ان الانسان ليطغى الى ءاخر السورة نزلت في ابي جهل وذلك انه طغى لغناه وكثرة من يغشى ناديه فناصب رسول الله ص - ونهاه

عن الصلاة في المسجد وقال لئن رأيت محمدا يسجد عند الكعبة لاطأن عتقه فيروى ان النبي ص - رد عليه القول وانتهره وعبارة الداودي فتهدده النبي ص - فقال ابو جهل اتهددنى اما والله اني لاكثر اهل الوادى ناديا فنزلت الآية انتهى وكلا رد على ابي جهل ويتجه ان تكون بمعنى حقا والضمير في رءاه للانسان المذكور كأنه قال ان رأي نفسه غنيا وهي رؤية قبيلة ولذلك جاز ان يعمل فعل الفاعل في نفسه كما تقول وجدتنى وظننتنى ثم حقر تعالى غنى هذا الانسان وحاله بقوله ان الى ربك الرجعى اي بالحشر والبعث يوم القيامة وفي هذا الخبر وعيد للطاغين من الناس ثم صرح بذكر الناهي لمحمد عليه السلام ولا خلاف ان الناهي ابو جهل وان العبد المصلي هو محمد عليه السلام
وقوله تعالى الم يعلم بان الله يرى اكمال للتوبيخ والوعيد بحسب التوقيفات الثلاث يصلح مع كل واحد منها ت وفي قوله تعالى الم يعلم بان الله يرى ما يثير الهمم الراكدة
ويسيل العيون الجامدة
ويبعث على الحياء والمراقبة قال الغزالي اعلم ان الله مطلع على ضميرك ومشرف على ظاهرك وباطنك فتأدب ايها المسكين ظاهرا وباطنا بين يديه سبحانه واجتهد ان لا يراك حيث نهاك ولا يفقدك حيث امرك ولا تدع عنك التفكر في قرب الاجل
وحلول الموت القاطع للامل
وخروج الامر من الاختيار
وحصول الحسرة والندامة بطول الاغترار
انتهى ثم توعده تعالى ان لم ينته ليوخذن بناصيته فيجر الى جهنم ذليلا تقول العرب سفعت بيدي ناصية الفرس والرجل اذا جذبتها مذللة وقال بعض العلماء بالتفسير معناه لتحقرن من قولهم سفعته النار واكتفى بذكر الناصية لدلاتها على الوجه والرأس والناصية مقدم شعر الرأس ثم ابدل النكرة من المعرفة فى قوله ناصية كاذبة ووصفها بالكذب والخطا من حيث هي صفات لصاحبها
فليدع ناديه اي اهل مجلسه والنادى

والندي المجلس ومنه دار الندوة وقال البخاري قال مجاهد ناديه عشيرته
وقوله سندع الزبانية اي ملائكة العذاب ثم قال تعالى لنبيه عليه السلام كلا لا تطعه اي لا تلتفت الى نهيه وكلامه واسجد لربك واقترب اليه بسجودك وفي الحديث اقرب ما يكون العبد من ربه اذا سجد فاكثروا من الدعاء في السجود فقمن ان يستجاب لكم وروى ابن وهب عن جماعة من اهل العلم ان قوله واسجد خطاب للنبي ص - وان قوله واقترب خطاب لابي جهل اي ان كنت تجترئي حتى ترى كيف تهلك ت والتاويل الاول اظهر يدل عليه قوله ص - اقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد وعن ربيعة بن كعب الاسلمي قال كنت ابيت مع النبي ص - فآتيه بوضوئه وحاجته فقال لي سل فقلت اسألك مرافقتك في الجنة قال او غير ذلك قلت هو ذاك قال فاعنى على نفسك بكثرة السجود رواه الجماعة الا البخاري ولفظ الترمذي كنت ابيت عند باب النبي ص - فاعطيه وضوءه فاسمعه الهوي من الليل يقول سمع الله لمن حمده واسمعه الهوي من الليل يقول الحمد لله رب العالمين قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح وليس لربيعة في الكتب الستة سوى هذا الحديث انتهى من السلاح وروي ان ابا جهل جاء والنبي ص - يصلى فهم بان يصل اليه ويمنعه من الصلاة ثم كع وولى ناكصا على عقبيه متقيا بيديه فقيل له ما هذا فقال لقد عرض بينى وبينه خندق من نار وهول واجنحة فيروي ان النبي ص - قال لودنا منى لاخذته الملائكة عيانا ت ولما لم ينته عدو الله اخذه الله يوم بدر وامكن منه وذكر الوائلي الحافظ في كتاب الابانة له من حديث مالك ابن مغول عن نافع عن ابن عمر قال بينا انا اسير بجنبات بدر اذ خرج رجل من الارض في عنقه سلسلة يمسك طرفها اسود فقال يا عبدالله اسقنى فقال ابن

عمر لا ادرى اعرف اسمى او كما يقول الرجل يا عبدالله فقال لي الاسود لا تسقه فانه كافر ثم اجتذبه فدخل الارض قال ابن عمر فاتيت النبي ص - فاخبرته فقال او قد رأيته ذلك عدو الله ابو جهل بن هشام وهو عذابه الى يوم القيامةانتهى من التذكرة للقرطبي وقد ذكرت هذه الحكاية عن ابي عمر بن عبدالبر باتم من هذا عند قوله تعالى فلنذيقن الذين كفروا عذابا شديدا الآية
تفسير سورة انا انزلناه في ليلة القدر قال ابن عباس هي مدنية وقال قتادة هي مكية
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى انا انزلناه الضمير في انزلناه للقرءان قال الشعبي وغيره المعنى انا ابتدأنا انزال هذا القرءان اليك في ليلة القدر وقد روي ان نزول الملك في حراء كان في العشر الاواخر من رمضان فيستقيم هذا التأويل وقال ابن عباس وغيره انزله الله تعالى ليلة القدر الى سماء الدنيا جملة ثم نجمه على محمد ص - عشرين سنة وليلة القدر خصها الله تعالى بفضل عظيم وجعلها افضل من الف شهر لا ليلة قدر فيها قاله مجاهد وغيره وخصت هذه الامة بهذه الفضيلة لما رأى النبي ص - اعمار امته وتقاصرها وخشي ان لا يبلغوا من الاعمال مثل الذي بلغ غيرهم في طول العمر فاعطاه الله عز و جل ليلة القدر خير من الف شهر قال ابن العربي في احكامه وقد روى مالك هذا الحديث في المؤطا

ثبت ذلك من رواية ابن القاسم وغيره انتهى ثم فخمها سبحانه بقوله وما ادراك ما ليلة القدر قال ابن عيينة فى صحيح البخاري ما كان فى القرءان وما ادراك فقد اعلمه وما قال وما يدريك فانه لم يعلمه وذكر ابن عباس وغيره انها سميت ليلة القدر لان الله تعالى يقدر فيها الآجال والارزاق وحوادث العام كلها ويدفع ذلك الى الملائكة لتمتثله قال ع وليلة القدر مستديرة في اوتار العشر الاواخر من رمضان هذا هو الصحيح المعول عليه وهي في الاوتار بحسب الكمال والنقصان في الشهر فينبغي لمرتقبها ان يرتقبها من ليلة عشرين في كل ليلة الى ءاخر الشهر وصح عن ابي بن كعب وغيره انها ليلة سبع وعشرين ثم اخبر تعالى ان ليلة القدر خير من الف شهر وهي ثمانون سنة وثلاثة اعوام وثلث عام وفي الصحيح عن النبي ص - من قام ليلة القدر ايمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه والروح هو جبريل عليه السلام وقيل هو صنف حفظة للملائكة قال الفخر وذكروا في الروح اقوالا احدها انه ملك عظيم لو التقم السموات والارض كان ذلك له لقمة واحدة وقيل الروح طائفة من الملائكة لايراهم الملائكة الا ليلة القدر كالزهاد الذين لا نراهم الا يوم العيد وقيل خلق من خلق الله ياكلون ويشربون ويلبسون ليسوا من الملائكة ولا من الانس ولعلهم خدم اهل الجنة وقيل الروح اشرف الملائكة وقال ابن ابي نجيح الروح هم الحفظة الكرام الكاتبون والاصح ان الروح ها هنا هو جبريل وتخصيصه بالذكر لزيادة شرفه انتهى
وقوله تعالى بإذن ربهم من كل امر الثعلبي أي بكل امر قدره الله وقضاه في تلك السنة الى قابل قاله ابن عباس ثم تبتدئي فتقول سلام هي ويحتمل ان يريد من كل فتنة سلامة انتهى قال ع وعلى التأويل الاول يجيء سلام خبر ابتداء مستأنفا اي سلام هي هذه الليلة الى اول يومها ثم ذكر ما تقدم وقال الشعبي ومنصور سلام التحية اي تسلم الملائكة على المؤمنين

تفسير سورة لم يكن وهي مكية في قول الجمهور وقيل مدنية والاول اشهر
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى لم يكن الذين كفروا وفي حرف ابن مسعود لم يكن المشركون واهل الكتاب منفكين
وقوله تعالى منفكين معناه منفصلين متفرقين تقول انفك الشيء عن الشيء اذا انفصل عنه واما انفك التي هي من اخوات كان فلا مدخل لها هنا قال مجاهد وغيره لم يكونوا منفكين عن الكفر والضلال حتى جاءتهم البينة واوقع المستقبل موقع الماضي في تأتيهم والبينات محمد ص - وشرعه قال الثعلبي والمشركين يعنى من العرب وهم عبدة الاوثان انتهى وقال لاالفراء وغيره لم يكونوا منفكين عن معرفة صحة نبوة محمد ص - والتوكف لامره حتى جاءتهم البينة فتفرقوا عند ذلك ويتجه في معنى الآية قول ثالث بارع المعنى وذلك ان يكون المراد لم يكن هؤلاء القوم منفكين من امر الله ونظره لهم حتى يبعث اليهم رسولا تقوم عليهم به الحجة وتتم على من آمن به النعمة فكانه قال ما كانوا ليتركوا سدى والصحف المطهرة القرءان في صحفه قاله قتادة والضحاك وقال الحسن الصحف المطهرة في السماء فيها كتب اي احكام كتب وقيمة معناه قائمة معتدلة آخذه للناس بالعدل ثم ذم تعالى اهل الكتاب في انهم لم يتفرقوا في امر محمد ص - الا من بعد ما رأوا الآيات الواضحة وكانوا من قبل متفقين على نبوته وصفته وحنفاء جمع حنيف وهو المستقيم وذكر الزكاة مع ذكر بني اسرائيل يقوى قول من قال

السورة مدنية لان الزكاة انما فرضت بالمدينة ولان النبي ص - انما دفع الى مناقضة اهل الكتاب بالمدينة وقرأ الجمهور وذلك دين القيمة على معنى الجماعة والفرقة القيمة وقال ص قراءة الجمهور وذلك دين القيمة على تقدير الامة القيمة اي المستقيمة او الكتب القيمة وقرأ عبدالله وذلك الدين القيمة بتعريف الدين ورفع القيمة صفة والهاء فيه للمبالغة او على تأويل ان الدين بمعنى الملة انتهى والبريئة جميع الخلق لان الله تعالى برأهم اي اوجدهم بعد العدم
وقوله تعالى رضي الله عنهم قيل ذلك في الدنيا فرضاه عنهم هو ما اظهره عليهم من امارات رحمته ورضاهم عنه هو رضاهم بجميع ما قسم لهم من جميع الارزاق والاقدار قال بعض الصالحين رضي العباد عن الله رضاهم بما يرد من احكامه ورضاه عنهم ان يوفقهم للرضى عنه وقال سري السقطي اذا كنت لا ترضى عن الله فكيف تطلب منه ان يرضى عنك وقيل ذلك في الآخرة وخص تعالى بالذكر اهل الخشية لانها رأس كل بركة وهي الآمرة بالمعروف والناهية عن المنكر
تفسير سورة اذا زلزلت وهي مكية قاله ابن عباس وغيره وقال قتادة ومقاتل هي مدنية
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى اذا زلزلت الارض قد تقدم معنى الزلزلة والاثقال الموتى قاله ابن عباس وقيل اخرجت موتاها وكنوزها وقول الانسان ما لها هو على معنى

التعجب من هول ما يرى قال الجمهور الانسان هنا الكافر وقيل عام في المؤمن والكافر واخبار الارض قال ابن مسعود وغيره هي شهادتها بما عمل عليها من عمل صالح وفاسد ويؤيد هذا التأويل قوله ص - فانه لا يسمع مدى صوت المؤذن انس ولا جن ولا شيء الاشهد له يوم القيامة ت وخرج الترمذي في جامعه عن ابي هريرة قال قرأ رسول الله ص - هذه الآية يومئذ تحدث اخبارها قال اتدرون ما اخبارها قالوا الله ورسوله اعلم قال فان اخبارها ان تشهد على كل عبد وامة بما عمل على ظهرها تقول عمل علي يوم كذا كذا فهذه اخبارها قال ابو عيسى هذا حديث حسن صحيح انتهى وكذا رواه ابو بكر بن الخطيب وفيه عمل علي في يوم كذا وكذا وفي يوم كذا وكذا
وقوله تعالى بان ربك اوحى لها الباء باء السبب وقال ابن عباس وغيره المعنى اوحى اليها قال ص المشهور ان اوحى يتعدى بإلى وعدي هنا باللام مراعاة للفواصل وقال ابو البقاء لها بمعنى اليها انتهى
وقوله سبحانه يومئذ يصدر الناس اشتاتا بمعنى ينصرفون من موضع ورودهم مختلفي الاحوال قال الجمهور ورودهم بالموت وصدورهم هو القيام الى البعث والكل سائر الى العرض ليرى عمله ويقف عليه وقيل الورود هو ورود المحشر والصدر اشتاتا هو صدر قوم الى الجنة وقوم الى النار ليروا جزاء اعمالهم
وقوله جلت عظمته فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره الآية كان النبي ص - يسمى هذه الآية الجامعة الفاذة ويروى انه لما نزلت هذه السورة بكى ابو بكر وقال يا رسول الله او اسأل عن مثاقيل الذر فقال له النبي ص - يا ابا بكر ما رأيته في الدنيا مما تكره فبمثاقيل ذر الشر ويدخر لك الله مثاقيل ذر الخير الى الآخرة قال الداودي بينما عمر بن الخطاب بطريق مكة ليلا اذا ركب مقبلين من جهة فقال لبعض من معه سلهم من اين اقبلوا فقال له احدهم من الفج العميق يريد البلد العتيق

فاخبر عمر بذلك فقال اوقعوا في هذا قل لهم فما اعظم ءاية في كتاب الله واحكم ءاية في كتاب الله واعدل ءاية في كتاب الله وارجى ءاية في كتاب الله واخوف ءاية في كتاب الله فقال له قائلهم اعظم ءاية في كتاب الله ءاية الكرسي واحكم ءاية في كتاب الله ان الله يامر بالعدل والاحسان واعدل ءاية في كتاب الله فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره وارجى ءاية في كتاب الله ان الله لا يظلم مثقال ذرة وان تك حسنة يضاعفها ويوت من لدنه اجرا عظيما واخوف ءاية في كتاب الله من يعمل سواء يجز به فاخبر عمر بذلك فقال لهم عمر افيكم ابن ام عبد فقالوا نعم وهو الذي كلمك قال عمر كنيف ملئي علما آثرنا به اهل القادسية علة انفسنا قال الداودي ومعنى اعظم ءاية يريد في الثواب انتهى
تفسير سورة والعاديات وهي مكية في قول جماعة وقيل مدنية
بسم الله الرحمن الرحيم
قال ابن عباس وغيره المراد بالعاديات الخيل لانها تعدو بالفرسان وتضج باصواتها وعن ابن مسعود وعلي ان العاديات هنا الابل لانها تضبح في عذوها قال علي رضي الله عنه والقسم بالابل العاديات من عرفة ومن المزدلفة اذا دفع

الحاج وبابل غزوة بدر والضبح تصويت جهير عند العدو قال الداودي وهو الصوت الذي يسمع مع اجوافها وقت الركض انتهى
وقوله تعالى فالموريات قدحا قال علي وابن مسعود هي الابل وذلك بانها في عدوها ترجم الحصباء بالحصباء فتتطاير منها النار فذلك القدح وقال ابن عباس هي الخيل وذلك بحوافرها في الحجارة وقال ابن عباس ايضا وجماعة الكلام عام يدخل في القسم كل من يظهر بقدحه نارا ص قدحا ابو البقاء مصدر مؤكد لان الموري هو القادح انتهى فالمغيرات صبحا قال علي وابن مسعود هي الابل من مزدلفة الى منى وفي بدر وقال ابن عباس وجماعة كثيرة هي الخيل واللفظة من الغارة في سبيل الله وغير ذلك من سير الامم وعرف الغارات انها مع الصباح والنقع الغبار الساطع المثار والضمير في به ظاهره انه للصبح المذكور ويحتمل ان يكون للمكان والموضع الذي يقتضيه المعنى ومشهور اثارة النقع هو للخيل وقال علي هو هنا للابل
فوسطن به جمعا قال علي وابن مسعود هي الابل وجمعا هي المزدلفة وقال ابن عباس وجماعة هي الخيل والمراد جمع من الناس هم المغزوون والقسم واقع على قوله ان الانسان لربه لكنود وروي عن النبي ص - انه قال اتدرون ما الكنود قالوا لا يا رسول الله قال هو الكفور الذي يأكل وحده ويمنع رفده ويضرب عبده وقد يكون في المؤمنين الكفور بالنعمة فتقدير الآية ان الانسان لنعمة ربه لكنود وارض كنود لا تنبت شيأ والكنود العاصى بلغة كندة ويقال للبخيل كنود وفى البخاري عن مجاهد الكنود الكفور انتهى
وقوله تعالى وانه على ذلك لشهيد يحتمل الضمير ان يعود على الله تعالى وقاله قتادة ويحتمل ان يعود على الانسان انه شاهد على نفسه بذلك وهذا قول مجاهد وغيره
وانه لحب الخير اي وان الانسان لحب الخير والمعنى من اجل حب الخير لشديد اي بخيل بالمال ضابط له والخير هنا المال ويحتمل

ان يراد هنا الخير الدنيوي من مال وصحة وجاه عند الملوك ونحوه لان الكفار والجهال لا يعرفون غير ذلك واما الحب في خير الآخرة فممدوح مرجوله الفوز وقال الفراء معنى الآية ان الانسان لشديد الحب للخير ولما تقدم الخير قبل شديد حذف من آخره لانه قد جرى ذكره ولرءوس الآي انتهى
وقوله تعالى افلا يعلم توقيف اي افلا يعلم مئاله ومصيره فيستعدله
وحصل ما في الصدور اي ميز وابرز ما فيها ليقع الجزاء عليه ويفسر هذا قوله ص - يبعثون على نياتهم وفي قوله تعالى ان ربهم بهم يومئذ لخبير وعيد ص والعامل في يومئذ لخبير على تضمينه معنى لمجاز لانه تعالى خبير دائما انتهى
تفسير

سورة القارعة

وهي مكية بلا خلاف
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الجمهور القارعة القيامة نفسها والفراش الطير الذي يتساقط في النار ولا يزال يتقحم على المصباح وقال الفراء هو ضغير الجراد الذي ينتشر في الارض والهواء وفي البخاري كالفراش االمبثوث كغوغاء الجراد يركب بعضه بعضا كذلك الناس يومئذ يجول بعضهم في بعض انتهى والمبثوث هنا معناه المتفرق جمعه وجملته موجودة متصلة والعهن هو الصوف والنقش خلخلة الاجزاء وتفريقها عن تراصيها
وقوله تعالى فامه هاوية قال كثير من المفسرين المراد بالام نفس الهاوية وهذا كما يقال للارض ام الناس لانها تؤويهم وقال ابو صالح وغيره

المراد ام رأسه لأنهم يهوون على رءوسهم وروى المبرد ان النبي ص - قال لرجل لا ام لك فقال يا رسول الله تدعونى الى الهدى وتقول لا ام لك فقال عليه السلام انما اردت لا نار لك قال الله تعالى فامه هاوية
تفسير

سورة التكاثر

وهي مكية
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى الهاكم التكاثر اي شغلكم المباهاة والمفاخرة بكثرة المال والاولاد والعدد وهذا هجيرى ابناء الدنيا العرب وغيرهم لا يتخلص منه الا العلماء المتقون قال الفخر فالالف واللام في التكاثر ليس للاستغراق بل للمعهود السابق في الذهن وهو التكاثر في الدنيا ولذاتها وعلائقها فانه هو الذي يمنع عن طاعة الله عبوديته ولما كان ذلك مقررا في العقول ومتفقا عليه في الاديان لا جرم حسن دخول حرف التعريف عليه فالآية دالة على ان التكاثر والتفاخر بما ذكر مذموم انتهى
وقوله تعالى حتى زرتم المقابر اي حتى متم فدفنتم في المقابر وهذا خبر فيه تقريع وتوبيخ وتحسر وفي الحديث الصحيح عنه ص - يقول ابن ءادم مالى مالى وهل لك يا بن ءادم من مالك الا ما اكلت فأفنيت او لبست فابليت او تصدقت فامضيت قال ص قرأ الجمهور الهاكم على الخبر وابن عباس بالمد والكساءي في رواية بهمزتين ومعنى الاستفهام التوبيخ والتقرير انتهى قال الفخر اعلم ان اهم الامور واولاها بالرعاية ترقيق القلب وازالة حب الدنيا منه

ومشاهدة القبور تورث ذلك كما ورد به الخبر انتهى
وقوله تعالى كلا سوف تعلمون زجر ووعيد ثم كرر تاكيدا ويأخذ كل انسان من هذا الزجر والوعيد المكرر على قدر حظه من التوغل فيما يكره هذا تأويل الجمهور وقال علي كلا سوف تعملون في القبر ثم كلا سوف تعلمون في البعث قال الفخر وفي الآية تهديد عظيم للعلماء فانها دالة على انه لو حصل اليقين لتركوا التكاثر والتفاخر فهذا يقتضي ان من لا يترك التكاثر والتفاخر ان لا يكون اليقين حاصلا له فالويل للعالم الذي لا يكون عاقلا ثم الويل له انتهى
وقوله تعالى كلا لو تعلمون علم اليقين جواب لو محذوف تقديره لا ازدجرتم وبادرتم انقاذ انفسكم من الهلكة واليقين اعلى مراتب العلم ثم اخبر تعالى الناس انهم يرون الجحيم وقال ابن عباس هذا خطاب للمشركين والمعنى على هذا التأويل انها رؤية دخول وصلي وهو عين اليقين لهم وقال ءاخرون الخطاب للناس كلهم فهي كقوله تعالى وان منكم الا واردها فالمعنى ان الجميع يراها ويجوز الناجى ويتكردس فيها الكافر ص لترون ابن عامر والكساءي بضم التاء والباقون بفتحها انتهى
وقوله تعالى ثم لترونها عين اليقين تاكيد في الخبر وعين اليقين حقيقته وغايته ثم اخبر تعالى ان الناس مسؤلون يومئذ عن نعيمهم في الدنيا كيف نالوه ولم ءاثروه وتتوجه في هذا اسئلة كثيرة بحسب شخص شخص وهي منقادة لمن اعطي فهما في كتاب الله عز و جل وقد قال ص - لاصحابه والذي نفسي بيده لتسئلن عن نعيم هذا اليوم الحديث في الصحيح اذ ذبح لهم ابو الهيثم ابن التيهان شاة واطعمهم خبزا ورطبا واستعذب لهم ماء وعن ابي هريرة في حديثه في مسير النبي ص - وابي بكر وعمر الى بيت ابي الهيثم واكلهم الرطب واللحم وشربهم الماء وقوله ص - هذا هو النعيم الذي تسئلون عنه يوم القيامة وان ذلك كبر على اصحابه وان رسول الله ص

قال اذا اصبتم مثل هذا وضربتم بايدكم فقولوا بسم الله وعلى بركة الله واذا شبعتم فقولوا الحمد لله الذي اشبعنا واروانا وانعم علينا وافضل فان هذا كفاف بذاك هذا مختصر رواه الحاكم في المستدرك انتهى من سلاح المؤمن قال الداودي وعن الحسن وقتادة ثلاث لا يسئل الله عنهن ابن ءادم وما عداهن فيه الحساب والسؤال الا ما شاء الله كسوة يوارى بها سوءته وكسرة يشد بها صلبه وبيت يكنه من الحر والبرد انتهى
تفسير سورة العصر وهي مكية
بسم الله الرحمن الرحيم
قال ابن عباس العصر الدهر وقال مقاتل العصر هي صلاة العصر وهي الوسطى اقسم الله بها وقال ابي بن كعب سألت النبي ص - عن والعصر فقال اقسم ربكم باخر النهار والانسان هنا اسم جنس والخسر النقصان وسوء الحال ومن كان من المؤمنين في مدة عمرة في التواصى بالحق والصبر والعمل بحسب الوصاة فلا خسر معه وقد جمع الخير كله

تفسير

سورة الهمزة

وهي مكية
بسم الله الرحمن الرحيم
تقدم تفسير ويل والهمزة الذي يهمز الناس بلسانه اي يعيبهم ويغتابهم واللمزة قريب في المعنى من هذا وقد تقدم بيانه في قوله تعالى ولا تلمزوا انفسكم وفي قوله والذين يلمزون المطوعين وغيره قيل نزلت هذه الآية في الاخنس بن شريق وقيل في جميل بن عامر ثم هي تتناول كل من اتصف بهذه الصفات
وعدده معناه احصاه وحافظ على عدده ان لا ينتقص وقال الداودي وعدده اي استعده انتهى لينبذن ليطرحن ص نار الله خبر مبتدأ محذوف اي هي نار الله انتهى
والتي تطلع على الافئدة اي التي يبلغ احراقها والمها القلوب
وموصدة اي مطبقة مغلقة
في عمد جمع عمود وقرأ ابن مسعود موصدة بعمد ممددة وقال ابن زيد المعنى في عمد حديد مغلولين بها والكل من نار عافانا الله من ذلك

تفسير سورة الم تر كيف فعل ربك باصحاب الفيل وهي مكية باجماع
بسم الله الرحمن الرحيم
هذه السورة تنبيه على العبرة في اخذ الله تعالى لأبرهة امير الحبشة حين قصد الكعبة ليهدمها وكان صاحب فيل يركبه وقصته شهيرة في السير فيها تطويل واختصارها ان ابرهة بني في اليمن بيتا واراد ان يرد اليه حج العرب فذهب اعرابي واحدث في ذلك البيت فغضب ابرهة واحتفل في جموعه وركب الفيل وقصد مكة فلما قرب منها فرت قريش الى الجبال والشعاب من معرة الجيش ثم تهيأ ابرهة لدخول مكة وهيأ الفيل فاخذ نفيل بن حبيب بأذن الفيل وكان اسمه محمودا فقال له ابرك محمود فانك في حرم الله وارجع من حيث جئت راشدا فبرك الفيل بذي الغميس فبعثوه فابى فضربوا رأسه بالمعول وراموه بمحاجنهم فابى فوجهوه راجعا الى اليمن فقام يهرول فبعث الله عليهم طيرا جماعات جماعات سودا من البحر عند كل طائر ثلاثة احجار في منقاره ورجليه كل حجر فوق العدسة ودون الحمصة ترميهم بها فماتوا في طريقهم متفرقين وتقطع ابرهة انملة انملة حتى مات وحمى الله بيته والابابيل الجماعات تجيء شيا بعد شيء قال ابو عبيدة لا واحد له من لفظه قال الفخر وفي تضليل معناه في تضييع وابطال يقال ضلل كيده اذا جعله ضالا ضائعا ونظيره قوله تعالى وما كيد الكافرين الا في ضلال انتهى والعصف ورق الحنطة وتبنه والمعنى صاروا طحينا

ذاهبا كورق حنطة اكلته الدواب وراثته فجمع لهم المهانة والخسة والتلف قال الفخر وقيل المعنى كعصف صالح للاكل والمعنى جعلهم كتبن تاكله الدواب وهو قول عكرمة والضحاك انتهى ومن كتاب وسائل الحاجات وآداب المناجات للامام ابي حامد الغزالي رحمه الله تعالى قال وقد بلغنا عن غير واحد من الصالحين وارباب القلوب انه من قرأ في ركعتي الفجر في الاولى الفاتحة والم نشرح وفي الثانية الفاتحة والم تر قصرت يد كل عدو عنه ولم يجعل لهم اليه سبيل قال الامام ابو حامد وهذا صحيح لا شك فيه انتهى
تفسير سورة لايلاف قريش وهي مكية
بسم الله الرحمن الرحيم
قريش ولد النضر بن كنانة والتقرش التكسب والمعنى ان الله تعالى جعل قريشا يالفون رحلتين في العام واحدة في الشتاء واخرى في الصيف قال ابن عباس كانوا يرحلون في الصيف الى الطائف حيث الماء والظل ويرحلون في الشتاء الى مكة قال الخليل معنى الآية لان فعل الله بقريش هذا ومكنهم من الفهم هذه النعمة فليعبدوا رب هذا البيت
وقوله تعالى من جوع معناه ان اهل مكة قاطنون بواد غير ذي زرع عرضة للجوع والجدب لولا فضل الله عليهم

تفسير سورة ارأيت الذي وهي مكية
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله سبحانه ارأيت الذي يكذب بالدين الآية توقيف وتنبيه لتتذكر نفس السامع كل من تعرفه بهذه الصفة والدين الجزاء
ودع اليتيم دفعه بعنف اما عن اطعامه والاحسان اليه واما عن حقه وماله وهو اشد ويروى ان هذه الآية نزلت في بعض المضطربين في الاسلام بمكة لم يحققوا فيه وفتنوا فافتتنوا وربما كان يصلى بعضهم احيانا مع المسلمين مدافعة وحيرة فقال تعالى فيهم فويل للمصلين الآية ونقل الثعلبي عن ابن عباس وغيره ان الاية نزلت في العاص بن وائل انتهى وقال السهيلي قال اهل التفسير نزل اول السورة بمكة في ابي جهل وهو الذي يكذب بالدين ونزل ءاخرها بالمدينة في عبدالله بن ابي ابن سلول واصحابه وهم الذين يراءون ويمنعون الماعون انتهى قال سعد بن ابي وقاص سألت النبي ص - عن الذين هم عن صلاتهم ساهون فقال هم الذين يؤخرونها عن وقتها يريد والله اعلم تاخير ترك واهمال والى هذا نحا مجاهد وقال عطاء بن يسار الحمد لله الذي قال عن صلاتهم ولم يقل في صلاتهم
وقوله تعالى الذين هم يراءون بيان ان صلاة هؤلاء ليست لله تعالى بايمان وانما هي رياء للبشر فلا قبول لها
وقوله تعالى ويمنعون الماعون وصف لهم بقلة النفع لعباد الله وتلك شر خصلة وقال على وابن عمر الماعون الزكاة وقال ابن

مسعود وابن عباس وجماعة هو ما يتعاطاه الناس كالفاس والدلو والآنية والمقص ونحوه وسئل النبي ص - ما الشيء الذي لا يحل منعه فقال الماء والنار والملح وروته عائشة رضي الله عنها وفي بعض الطرق زيادة الابرة والخمير قال البخاري الماعون المعروف كله وقال بعض العرب الماعون الماء وقال عكرمة اعلاه الزكاة المفروضة وادناه عارية المتاع انتهى
تفسير سورة انا اعطيناك الكوثر وهي مكية
بسم الله الرحمن الرحيم
قال جماعة من الصحابة والتابعين الكوثر نهر في الجنة حافتاه قباب من لؤلؤ مجوف وطينه مسك وحصباؤه ياقوت ونحو هذا من صفاته وان اختلفت الفاظ رواته وقال ابن عباس الكوثر الخير الكثير قال ابن جبير النهر الذي في الجنة هو من الخير الذي اعطاه الله اياه ت وخرج مسلم عن انس قال بينما رسول الله ص - ذات يوم بين اظهرنا اذ اغفى اغفاءة ثم رفع رأسه متبسما فقال نزلت علي ءانفا سورة فقرأ انا اعطيناك الكوثر الى ءاخرها ثم قال اتدرون ما الكوثر قلنا الله ورسوله اعلم قال فانه نهر وعدنيه ربى عليه خير كثير هو حوض ترد عليه امتى يوم القيامة الحديث انتهى وخرج ابن ماجه من حديث ثوبان عن النبي ص - قال اول من يرد علي الحوض فقراء المهاجرين الدنس ثيابا الشعث رءوسا الذين لا ينكحون المتنعمات ولا تفتح لهم ابواب السدد قال الراوى فبكى عمر بن عبد العزيز حتى اخضل لحيته حين بلغه الحديث وقال

لا جرم انى لااغسل ثوبى الذي يلى جسدي حتى يتسخ ولا ادهن رأسي حتى يشعث وخرجه ابو عيسى الترمذي عن ثوبان عن النبي ص - بمعناه ونقل صاحب التذكرة عن انس بن مالك قال اول من يرد الحوض على النبي ص - الذابلون الناحلون السائحون الذين اذا اجنهم الليل استقبلوه بالحزن انتهى من التذكرة وروى ابو داود في سننه عن ابي حمزة عن زيد بن ارقم قال كنا مع رسول الله ص - فنزلنا منزلا فقال ما انتم جزء من مائة الف جزء ممن يرد علي الحوض قال قلت كم كنتم يومئذ قال سبعمائة او ثمانمائة انتهى
وقوله تعالى فصل لربك وانحر امر بالصلاة على العموم والنحر نحر الهدي والنسك والضحايا على قول الجمهور
وقوله تعالى ان شانئك هو الابتر رد على مقالة بعض سفهاء قريش كأبي جهل وغيره قال عكرمة وغيره مات ولد النبي ص - فقال ابو جهل بتر محمد فنزلت السورة وقال تعالى ان شانئك هو الابتر اي المقطوع المبتور من رحمة الله والشانئى المبغض قال الداودي كل شانئى لرسول الله ص - فهو ابتر ليس له يوم القيامة شفيع ولا حميم يطاع انتهى
تفسير سورة قل يا ايها الكافرون وهي مكية اجماعا
بسم الله الرحمن الرحيم
روي في سبب نزول هذه السورة عن ابن عباس وغيره ان جماعة من صناديد

قريش قالوا للنبي ص - دع ما انت فيه ونحن نمولك ونملكك علينا وان لم تفعل هذا فلتعبد ءالهتنا ونعبد الهك حتى نشترك فحيث كان الخير نلناه جميعا وروي ان هذه الجماعة المذكورة هم الوليد بن المغيرة والعاصى بن وائل وامية بن خلف وابي بن خلف وابو جهل وابناء الحجاج ونظراؤهم ممن لم يكتب له الاسلام وحتم بشقاوته فاخبرهم ص - عن امر الله عز و جل انه لا يعبد ما يعبدون وانهم غير عابدى ما يعبد ولما كان قوله لا اعبد محتملا ان يراد به الآن ويبقى المستانف منتظرا ما يكون فيه من عبادته جاء البيان بقوله ولا انا عابد ما عبدتم اي ابدا ثم جاء قوله ولا انتم عابدون ما اعبد الثانى حتما عليهم انهم لا يؤمنون به ابدا كالذي كشف الغيب ثم زاد الامر بيانا وتبريا منهم قوله لكم دينكم ولي دين وقال بعض العلماء في هذه الالفاظ مهادنة ما وهي منسوخة

تفسير سورة النصر وهي مدنية باجماع
بسم الله الرحمن الرحيم
روت عائشة ان النبي ص - لما فتح مكة واسلمت العرب جعل يكثر ان يقول سبحانك اللهم وبحمدك استغفرك واتوب اليك يتأول القرءان في هذه السورة وقال لها مرة ما اراه الا حضور اجلى وتأويله عمر والعباس بحضرة النبي ص - فصدقهما ونزع هذا المنزع ابن عباس وغيره والفتح هو فتح مكة كذا فسره ص - في صحيح مسلم والافواج الجماعة اثر الجماعة ص بحمد ربك اي متلبسا فالباء للحال انتهى
وقوله تعالى انه كان توابا بعقب واستغفره ترجية عظيمة للمستغفرين قال ابن عمر نزلت هذه السورة على النبي ص - بمنى في اوسط ايام التشريق في حجة الوداع وعاش بعدها ثمانين يوما او نحوها
تفسير سورة تبت يدا ابي لهب وهي مكية باجماع
بسم الله الرحمن الرحيم
في صحيح البخاري وغيره عن ابن عباس لما نزلت وانذر عشيرتك الاقربين ورهطك منهم المخلصين خرج رسول الله ص - حتى صعد الصفا

فهتف يا صباحاه فقالوا من هذا فاجتمعوا اليه فقال ارأيتم ان اخبرتكم ان خيلا تخرج من سفح هذا الجبل اكنتم مصدقي قالوا نعم ما جربنا عليك كذبا قال فانى نذير لكم بين يدي عذاب شديد فقال ابو لهب تبا لك ما جمعتنا الا لهذا ثم قام فنزلت تبت يدا ابي لهب الى ءاخرها وتبت معناه خسرت والتباب الخسران والدمار واسند ذلك الى اليدين من حيث ان اليد موضع الكسب والربح وضم ما يملك ثم اوجب عليه انه قد تب اي حتم ذلك عليه وفي قراءة ابن مسعود وقد تب وابو لهب هو عبدالعزى بن عبد المطلب وهو عم النبي ص - ولكن سبقت له الشقاوة قال السهيلي كناه الله بأبي لهب لما خلقه سبحانه للهب واليه مصيره الا تراه تعالى قال سيصلى نارا ذات لهب فكانت كنيته بأبي لهب تقدمت لما يصير اليه من اللهب انتهى
وقوله سبحانه ما اغنى عنه ماله يحتمل ان تكون ما نافية على معنى الخبر ويحتمل ان تكون ما استفهامية على وجه التقرير اي اين الغناء الذي لماله وكسبه وما كسب يراد به عرض الدنيا من عقار ونحوه وقيل كسبه بنوه
وقوله سبحانه سيصلى نارا ذات لهب حتم عليه بالنار واعلام بانه يتوفي على كفره نعوذ بالله من سوء القضاء ودرك الشقاء
وقوله تعالى وامرأته حمالة الحطب هي ام جميل اخت ابي سفيان بن حرب وكانت موذية للنبي ص - وللمؤمنين بلسانها وغاية قدرتها وكانت تطرح الشوك في طريق النبي ص - وطريق اصحابه ليعقرهم فلذلك سميت حمالة الحطب قاله ابن عباس وقيل هو استعارة لذنوبها قال عياض وذكر عبد بن حميد قال كانت حمالة الحطب تضع العضاه وهي جمر على طريق النبي ص - فكأنما يطأها كثيبا اهيل انتهى ص وقرئى شاذا ومر يئسنه بالتصغير والجيد هو العنق اه
وقوله تعالى في جيدها حبل من مسد قال ابن عباس وجماعة الاشارة الى الحبل حقيقة الذي

ربطت به الشوك والمسد الليف وقيل ليف المقل وفي صحيح البخاري يقال من مسد ليف المقل وهي السلسلة التي في النار انتهى وروى في الحديث ان هذه السورة لما نزلت وقرئت بلغت ام جميل فجاءت ابا بكر وهو جالس مع النبي ص - في المسجد وبيدها فهر حجر فاخذ الله ببصرها وقالت يا ابا بكر بلغني ان صاحبك هجانى ولو وجدته لضربته بهذا الفهر وانى لشاعرة وقد قلت فيه ... مذمما قلينا ... ودينه ابينا ...
فسكت ابو بكر ومضت هي فقال النبي ص - لقد حجبتنى عنها ملائكة فما رأتنى وكفانى الله شرها
تفسير سورة الاخلاص قيل مكية وقال ابن عباس مدنية
بسم الله الرحمن الرحيم
روي ان اليهود دخلوا على النبي ص - فقالوا له يا محمد صف لنا ربك وانسبه فانه وصف نفسه في التوارة ونسبها فارتعد النبي ص - من قولهم حتى خر مغشيا عليه ونزل جبريل بهذه السورة
واحد معناه واحد فرد من جميع جهات الوحدانية ليس كمثله شيء وهو ابتداء والله ابتداء ثان واحد خبره والجملة خبر الاول وقيل هو ابتداء والله خبره واحد بدل منه وقرأ عمر بن الخطاب وغيره قل هو الله الواحد الصمد والصمد في كلام العرب

السيد الذي يصمد اليه في الامور ويستقل بها وانشدوا لقد بكر الناعى بخير بنى اسد
بعمرو بن مسعود وبالسيد الصمد وبهذا تتفسر هذه الآية لان الله تعالى جلت قدرته هو موجد الموجودات واليه تصمد وبه قوامها سبحانه وتعالى
وقوله تعالى لم يلد ولم يولد رد على اشارة الكفار في النسب الذي سألوه وقال ابن عباس تفكروا في كل شيء ولا تتفكروا في ذات الله قال ع لان الافهام تقف دون ذلك حسيرة
وقوله سبحانه ولم يكن له كفؤا احد معناه ليس له ضد ولا ند ولا شبيه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير والكفؤ النظير وكفؤا خبر كان واسمها احد قال ص وحسن تاخير اسمها لوقوعه فاصلة وله متعلق بكفؤا اي لم يكن احد كفؤا له وقدم اهتماما به لاشتماله على ضمير الباري سبحانه انتهى وفي الحديث الصحيح عنه ص - ان قل هو الله احد تعدل ثلث القرءان قال ع لما فيها من التوحيد وروى ابو محمد الدارمى في مسنده قال حدثنا عبدالله بن مزيد حدثنا حيوة قال اخبرنا ابو عقيل انه سمع سعيد بن المسيب يقول ان النبي ص - قال من قرأ قل هو الله احدى عشرة مرة بني له قصر في الجنة ومن قرأها عشرين مرة بني له قصران في الجنة ومن قرأها ثلاثين مرة بنى له ثلاثة قصور في الجنة فقال عمر بن الخطاب اذن تكثر قصورنا يا رسول الله فقال رسول الله ص - اوسع من ذلك اي فضل الله اوسع من ذلك قال الدارمى ابو عقيل هو زهرة بن معبد وزعموا انه من الابدال انتهى من التذكرة

تفسير سورة المعوذة الاولى قال ابن عباس مدنية وقال قتادة مكية
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله عز و جل لاقل اعوذ برب الفلق الخطاب للنبي ص - والمراد هو وءاحاد امته قال ابن عباس وغيره الفلق الصبح وقال ابن عباس ايضا وجماعة من الصحابة الفلق جب في جهنم ورواه ابو هريرة عن النبي ص -
وقوله تعالى من شر ما خلق يعم كل موجود له شر واختلف في الغاسق فقال ابن عباس وغيره الغاسق الليل ووقب اظلم ودخل على الناس وفي الحديث الصحيح عن عائشة ان النبي ص - اشار الى القمر وقال يا عائشة تعوذي بالله من شر هذا الغاسق اذا وقب قال السهيلي وهذا أصح ما قيل لهذا الحديث الصحيح انتهى ولفظ صاحب سلاح المؤمن عن عائشة رضي الله عنها ان النبي ص - نظر الى القمر فقال يا عائشة استعيذى بالله من شر هذا فان الغاسق اذ وقب رواه الترمذي والنساءي والحاكم فى المستدرك واللفظ للترمذي وقال حسن صحيح وقال الحاكم صحيح الاسناد ووقب القمر وقوبا دخل في الظل الذي يكسفه قاله ابن سيده انتهى من السلاح
والنفاثات في العقد السواحر ويقال ان الاشارة اولا الى بنات لبيد ابن الاعصم اليهودي كن ساحرات وهن اللواتي سحرن مع ابيهن رسول الله ص - والنفث شبه النفخ دون تفل ريق وهذا النفث هو على عقد تعقد في خيوط ونحوها على اسم المسحور فيؤذى بذلك قال ع وهذا الشأن

في زماننا موجود شائع في صحراء المغرب وحدثنى ثقة انه رأى عند بعضهم خيطا احمر قد عقدت فيه عقد على فصلان فمنعت بذلك رضاع امهاتها فكان اذا حل عقدة جرى ذلك الفصيل الى امه في الحين فرضع اعاذنا الله من شر السحر والسحرة
وقوله تعالى ومن شر حاسد اذا حسد قال قتادة من شر عينه ونفسه يريد بالنفس السعي الخبيث وقال الحسين بن الفضل ذكر الله تعالى الشرور في هذه السورة ثم ختمها بالحسد ليعلم انه اخس الطبائع
تفسير سورة المعوذة الثانية قال ابن عباس وغيره هي مدنية وقال قتادة مكية
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله عز و جل قل اعوذ برب الناس ملك الناس اله الناس من شر الوسواس الخناس الوسواس اسم من اسماء الشيطان وقوله الخناس معناه الراجع على عقبه المستتر احيانا فاذا ذكر العبد الله تعالى وتعوذ تذكر فابصر كما قال تعالى ان الذين اتقوا اذا مسهم طائف الآية قال النووي قال بعض العلماء يستحب قول لا اله الا الله لمن ابتلي بالوسوسة في الوضوء والصلاة وشبههما فان الشيطان اذا سمع الذكر خنس اي تأخر وبعد ولا اله الا الله رأس الذكر ولذلك اختار السادة الجلة من صفوة هذه الامة اهل تربية السالكين وتاديب المريدين قول لا اله الا الله لاهل الخلوة وامروهم بالمداومة عليها وقالوا انفع علاج في دفع الوسوسة الاقبال على ذكر الله تعالى والاكثار منه وقال السيد الجليل احمد بن ابي

الحواري شكوت الى ابي سليمان الداراني الوسواس فقال اذا اردت ان ينقطع عنك فاي وقت احسست به فافرح فانك اذا فرحت به انقطع عنك لانه ليس شيء ابغض الى الشيطان من سرور المؤمن وان اغتممت به زادك ت وهذا مما يؤيد ما قاله بعض الائمة ان الوسواس انما يبتلى به من كمل ايمانه فان اللص لا يقصد بيتا خربا انتهى ت ورأيت في مختصر الطبري نحو هذا
وقوله تعالى من الجنة يعنى الشياطين ويظهر ان يكون قوله والناس يراد به من يوسوس بخدعة من الشر ويدعو الى الباطل فهو في ذلك كالشيطان قال احمد بن نصر الداودي وعن ابن جريح من الجنة والناس قال انهما وسواسان فوسواس من الجنة ووسواس من نفس الانسان انتهى وفي الحديث الصحيح ان النبي ص - كان اذا اوى الى فراشه كل ليلة جمع كفيه ثم نفث فيهما فقرأ قل هو الله احد وقل اعوذ برب الفلق وقل اعوذ برب الناس ثم مسح بهما ما استطاع من جسده يبدأ بهما من رأسه ووجهه وما اقبل من جسده يفعل ذلك ثلاث مرات صلى الله عليه وعلى ءاله وصحبه وسلم تسليما
يقول العبد الفقير الى الله تعالى عبدالرحمن بن محمد بن مخلوف الثعالبي لطف الله به في الدارين قد يسر الله عز و جل في اتمام تلخيص هذا المختصر
وقد اودعته بحول الله جزيلا من الدرر
قد استوعبت فيه بحمد الله مهمات ابن عطية واسقطت كثيرا من التكرار وما كان من الشواذ في غاية الوهي وزدت من غيره جواهر ونفائس لا يستغنى عنها مميزة معزوة لمحالها منقولة بالفاظها وتوخيت في جميع ذلك الصدق والصواب
والى الله ارغب في جزيل الثواب
وقد نبهت بعض تنبيه وعرفت بايام رحلتى في طلب العلم بعض تعريف عند ختمى لتفسير سورة الشورى فلينظر هناك والله المسئول ان يجعل هذا السعي منا خالصا لوجهه وعملا صالحا يقربنا الى مرضاته ومن وجد في هذا

الكتاب تصحيفا او خللا فارغب اليه ان يصلحه من الامهات المنقول منها متثبتا في ذلك لا برأيه وبديهة عقله ... فكم من عائب قولا صحيحا ... واءفته من الفهم السقيم ...
وكان الفراغ من تاليفه في الخامس عشر من ربيع الاول من عام ثلاثة وثلاثين وثمانمائة وانا ارغب الى كل اخ نظر فيه ان يخلص لى وله بدعوة صالحة وهذا الكتاب لا ينبغي ان يخلو عنه متدين ومحب لكلام ربه فانه يطلع فيه على فهم القرءان اجمع في اقرب مدة وليس الخبر كالعيان هذا مع ما خص به من تحقيق كلام الائمة المحققين رضي الله عنهم نقلته عنهم بالفاظهم متحريا للصواب
ومن الله ارتجى حسن المئاب
وصلى الله على سيدنا محمد خاتم النبيين
وعلى ءاله وصحبه اجمعين
وءاخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين
خاتمة الطبع
بسم الله الرحمن الرحيم
تبارك من بيده الملك وخلق كل شيء فقدره تقديرا
والحمد لله الذي نزل الفرقان على نبيه ليكون لكافة الناس بشيرا ونذيرا
والصلاة والسلام على من ارسله ربه داعيا اليه باذنه وسراجا منيرا
وانزل عليه ولا ياتونك بمثل الا جئناك بالحق واحسن تفسيرا
سيدنا محمد ممدن العالم
وخلاصة المصطفين من بنى ءادم
وعلى ءاله واصحابه الأماجد الاعيان
الذين بلغوا الينا القرءان العظيم الشان
وحفظوا مبانيه
وفهموا معانيه
وعملوا بمقتضى أحكامه
فنالوا رضا الله وغاية اكرامه
اما بعد فيقول العبد الفقير الى رحمة ربه العلي الكبير
محمد بن مصطفى ابن الخوجه المدرس والامام الخطيب بجامع سفير
قد اكملت تصحيح هذا

الكتاب
الذي هو ذخيرة العلماء وكنز الطلاب
بعد ان قابلته بنسخ متعدده
وعارضته على بعض الامهات المعتمدة
مستعينا بصديقنا وصهرنا الفاضل المكرم
السيد قدور بن محمد الامام الاول بالمسجد الاعظم
وايم الله انه لتفسير جليل
قد فصل مقاصد الذكر الحكيم احسن تفصيل
وحوى عباب المنقول واشتمل على لباب المعقول واتى من درر الفرائد بما يبهر العقول ومن غرر الفوائد بما تذعن له الفحول ولا غرو فمؤلفه العلامة النحرير والولي الصالح الشهير
فخر مدينة الجزائر
سليل الاماثل الاكابر
سيدي عبدالرحمن الثعالبي قدس الله روحه
واعاد علينا سره وفتوحه
ولما كان هذا التاليف كنزا مخفيا
وقد قصرت عنه يد من اضحى بنفائس الجواهر حفيا
نهض الخيران السيد احمد بن مراد وشقيقه السيد قدور لطبعه
رغبة منهما حفظهما الله تعالى في تعميم نفعه
وذلك في مطبعتهما البهيه
الموصوفة بالثعالبيه
وقد تم طبعه في اخير ذي الحجة الحرام
ختام سنة 1327 من هجرة سيد الرسل الكرام ص - وشرف ومجد وعظم
ولما لاح بدر تمامه
وفاح مسك ختامه
واطلع عليه حضرة صاحب الفضيله
والاخلاق الحميدة والاعمال الجليله
العلامة الاشهر
والاستاذ الاكبر
الشيخ السيد ابن زكرى محمد سعيد بن احمد مفتى السادة المالكيه
والمدرس في القسم العالى من المدرسة الثعالبية
كتب حرس الله كماله
وبلغه في الدارين ءاماله
ما نصه
حمدا لمن خلق الانسان من علق
وبه الاستعاذة من شر ما خلق
وصلاة وسلاما على من تحنث ليالي عديدة بغار حراء
سيدنا محمد بن عبدالله

روح الوجود وسر الكون بلا مراء
وعلى ءاله واصحابه
وعترته وانصاره واحزابه
وبعد فان الله جلت نعمته
وعمت الخلائق رحمته
قد حبا رسوله بفضيلة التنزيل
وشرف الوسيطة وزيره جبريل
فاتاه من مرسل بكتاب مجيد
لا ياتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد
كتاب الكريم
من لدن سميع عليم
بيد انه لا وصم فيه ولا عيب
واليه الرمز بقوله تعالى ذلك الكتاب لا ريب
فيه نور وهدى للمتقين
وطمس لاطلال ضلال المنافقين
قامع الجبارين بساطع برهانه
وناكس رءوس المتكبرين ببالغ سلطانه
فاستنارت امة بمشكاة نوره فاهتدت
وبقيت اخرى في ظلمات جهلها يكاد البرق يخطف ابصارها فاعتدت
كتاب حقا للتي هي اقوم
ويبشر المؤمنين بان لهم من الله فضلا كبيرا في دار النعم
كتاب مأمون سبيله
ومستعذب لدي اهل الذوق السليم سلسبيله
كتاب صفا للظمآن مورده
وصح لدي كل راو سنده
عن ثقات السلف الصالح
الى هداة الخلق من الخلف الناجح
لله در اقوام مخلصين في خدمة كتابه
يرجون رحمة ربهم ويخافون سوء عذابه
امالوا عنان العزم صوب ابراز مخدرات اسراره
واستضاءوا في دياجى المشكلات بمصابيح انواره
فكلما غشيهم موج كالظلال من بحر اعجازه
سلكوا سبيل النجاة برعي حقيقته ومجازه
فهم لنا ادلة على الهدى
وانجم مشرقة للاهتدا
ومن بين اولئك الاعلام
الهداة للانام
الرعاة للذين هم كالانعام
رحالة زمانه لرواية الحديث
كما اشتهر بذلك في القديم والحديث
امام المتقين
واستاذ المحققين
منهل المعارف واللطائف
سيدي عبدالرحمن الثعالبي ملجأ كل خائف
احسن الله الى روحه الطاهرة في غرف الجنان
كما احسن هو الى هذه الامة بالجواهر الحسان

ربى حسن به ظنى حتى اقول لحسان مدحه ليتك حسان
يا واقفا لدي الباب
ادخل بسلام الى جنات هذا الكتاب
تراها ذات بهجة ما كان لك ان تجني ثمرتها الا باكتساب
هذا الكتاب
وما ادراك ما الكتاب
كتاب يهون على النفس المصاب
ويخلصها من الشك والارتياب
وكيف لا وهو تفسير جليل
عار عن شبهات الضلال والتضليل
الا ترى اليه في كل حال
يصرح بمثل هذا المقال
رب انى اعوذ بك من همزات الشياطين
ومن نزعات فلسفة الزاعمين انهم لسماء الحكمة اساطين
فسلك فيه مسلك الصواب
فجاء ولله الحمد تبصرة وذكرى لاولى الالباب
رمى صاحبه بسهم فاصاب
واتى بالحق المبين وفصل الخطاب
الا تسمع بتفسير مرونق بحسان الجواهر
مطبوع بحرف شرقي على ورق جيد بالمطبعة الثعالبيه في الجزائر
مطبعة الشقيقين ابني مراد
بلغهما الله في الدارين حسن المراد
ولا تنس شكر المصحح
فعمله الجميل لفضله مرجح
لانه تقدم طبعا على الطبع قطعا
فكمال الطبع موقوف على الكمال وضعا
الا ترى الى الصلاة بدون الامام
تنقص درجاتها او تبطل على مذهب كل امام
نسأل الله تعالى للفاضل الامين والاستاذ ابن مصطفى
ان يجزيهما على حسن صنعهما الجزاء الاوفي
بجاه عين الرحمة سيدنا ومولانا محمد وءاله
واصحابه الاخيار وكل ناسج على منواله
الفقير الى ربه ابن زكرى محمد سعيد بن احمد الزواوي مفتى السادة المالكية بعاصمة الجزائر وفقه الله ءامين

وتلاه جناب العالم العامل والمفضال الكامل الشيخ السيد عبدالحليم بن علي ابن سمايه المدرس بالجامع الجديد واحد اساتذة المدرسة الثعالبية فقال ادام الله النفع به
الحمد لله الذي منح احبابه من كنز مواهبه بالجواهر الحسان
والبسهم من مطارف المعارف ما يخرس وصفه شقاشق اللسان
وعقد لهم على بساط المكارم منبرا
وتضوعت انفاسهم الزكية بين الورى مسكا وعنبرا
فهم ما هم
تعرفهم بسيماهم
عرف التحقيق
من ادراج كلامهم عبيق
وقول فصل
يفل غرار النصل
وجادة مستقيمة لا تلوى
وانجم ثاقبة لا تهوى
تنبع ينابيع الحكمة من صدورهم صافية من كل كدر
متسلسة بصفاء التصحيح في المنقول عن الصادق الامين من الخبر
اعرضوا عن القيل والقال
ونبذوا ظهريا كل ما ادى الى المراء والجدال
قد علموا وان لم يعلموا هم فمن يعلم
ان خير الهدي هدي سيدنا محمد ص -
الذي بلغ الرساله
وبين طرق الحق من الضلاله
وترك الجدال والمراء مع العالمين
ووقف في إقامة الحجة على الخلق على ما نطق به الكتاب المبين
ومن استضاء بالانوار النبوية فله اسوة حسنة في اتباعه
تغنيه عما يخترعه من وساوس ابتداعه
الاوان ذلك هو العقل الذيل لا يثبت عليه الا من احكم بحبل من حكمة النبوءة متسين
ولا يقف عنده الا من منحه الله بخلق من اخلاق الانبياء والمرسلين
ولذلك كان تفسير هذا الطود الشامخ
واساس العلم الراسخ
السيد الذي اخذ في مجال الحق باليمين اعلامه
والف في الفنون المتعددة وضرب في مغازيها سهامه
وتفجرت بالعلم النافع من بين اصابعه ينابيع الاقلام
وانحى بتنقيحه السنة النبوية على ما ابتدع فيها بباتر حسام
حتى شهدت بغزارة علمه فطاحل

العلماء
وحمد فضله اهل الارض ولا شك انه محمود في السماء
واعترفوا بانه قطب زمانه الذي دارت عليه امور دين المتقين
واتخذه القاصى والدانى واسطة الارشاد في السلوك الى رب العالمين
والمولى الذي لمن تشخص عظيم قدره
واضطلاعه بالخلافة النبوية في نهي الله وامره
ان كان ممن له حياء ذاب حياء
او كان ممن له شعور طارت نفسه شعاعا وانبثت هباء
سيدي عبدالرحمن بن محمد بن مخلوف الثعالبي رضي الله عنه ونفعنا ببركاته
وجعلنا ممن سلك مسالك كمل الرجال في سكناته وحركاته
تفسيرا حوى من نوابغ البيان اوضحها
ومن نقل الاقوال امتنها وارجحها
طوى كشحه عما ضعف نقله
وافرغ نصحه فيما جزل نفعه وجل فصله
انتخل التفاسير انتخالا
وروق منها ما صفا مشربه زلالا حلالا
وضرب بما يشم رائحة البدعة عرض الجدار
وشخص للقارئى اخلاق الصحابة والسلف الاخيار
اذ هم القدوة في هذه المسالك على التحقيق
وهم الذين من لم يسر على ءاثارهم فقد ضل سواء الطريق
وهل الامة المحمدية التي نسئل الله تعالى ان يجعلنا منها الا هؤلاء المتقون
الذين اثنى عليهم الرب الكريم بقوله تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطعما ومما رزقناهم ينفقون
وهل يطمع ان يعد في عدادهم
الا من سدد قوله وفعله بسدادهم
وهل حصل ما حصل هذا السيد الجليل من المكانة عند الله على ما هو حسن المعتقد
ورفع الكعب بين العباد كما هو معروف لا ينكره احد
الا باتباع الحق بين الخلق
واطراح الهوى وسلوك سبل الجد والصدق
وهي وراثة نبوية مقسومة على ذوى الارحام في الدين
ممن الزم نفسه قصر طرفه على العمل باقوال وافعال سيد المرسلين
والعلماء العاملون ورثة الانبياء
وهم الاتقياء والاصفياء والاولياء

فنسئل الله ان يجزي هذا السيد الجليل
وعن الامة المحمدية الجزاء الجزيل
وان يجعلنا ممن سمع ووعى
ولعهد الله حفظ ورعى
وان يجعل سعي اخينا السيد محمد بن مصطفى ابن الخوجة في تصحيح هذا الكتاب
ومقابلته له بسبع نسخ مع مراجعة بعض الاصول حتى تهذب من تحريف الكتاب
سعيا مشكورا
وذنب الجميع ذنبا مغفورا
انه أهل التقوى واهل المغفرة
وهو رحيم الرحمن في الدنيا والآخرة
ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم
الهادي بمحض فضله الى الصراط المستقيم
ثم قرضه بهذه القصيدة اللطيفه
ذو الشيم المرضية الشريفه
ولدنا البار الزكى
والشاب النجيب الذكي
السيد قدور بن محيى الدين
اكثر الله من انداده ءامين
وهي ... اعز مغتنم تصفو مشاربه ... يحظى به لهج بالعلم مسرور ... حقائق في الجواهر الحسان لها ... في الصدر شرح وفي عين الحجانور ... والخلق من ناهج سبلا مغبتها ... حميدة سعيه في الخير مشكور ... مأموله المجد لا لهو يثبطه ... عن المعالى ولا يثنيه تقصير ... وذاهل خابط في التيه معتسف ... وعقله بخسيس الشيء مبهور ... فما يحصل من نيل لمأربه ... الا كما نقر الماء العصافير ... فأين ذا من امام بدر همته ... بين النجوم له هدي وتنوير ... طلاع انجدة كشاف معضلة ... خضم معرفة بالعلم مسجور ... فخر الجزائر من له العلى انتسبت ... وطار صيت له في الناس مذكور ... نجل ابن مخلوف الثعالبي عابد ال ... رحمن من بهجت به الطوامير

فدونك الدر في تفسيره نضدا ... والبحر يقذفه والدر منثور ... بدت لدى فصل ءاي الله ءايته ... شمس الضحى بزغت ما دونها سور ... تكاد تنطق في الاوراق احرفه ... اذ رضعت الوضع فيها منه تدبير ... لولا الطروس لها بالرقم ما سكة ... لكان منها مع الارواح تطيير ... رقت اساليبه جمت عجائبه ... لذت اطايبه ما فيه منكور ... وما تظن بقطب يوحه سطعت ... وقلبه مخلص بالحق مقطور ... ان العصور تنافست مناقبه ... فمجده ببقاء الدهر مأثور ... وخلدت ذكر بان في الورى شرفا ... ولو مشيده في الرمس مقبور ... ان غاب تفسيره عن طرفنا زمنا ... وكاد تذهبه عنا الاعاصير ... فقد تصدى له بالنشر مجتهد ... سامى المقام طويل الباع تحرير ... ذو خبرة احكمت تصحيحه فغدا ... له من المسخ والتحريف تحرير ... وقابل الفرع بالاصول فارتجعت ... وصح ما سامه من قبل تكسير ... هو الكمال ابن مصطفى محمدنا ... مسدد الرأي ماضى العزم شمير ... حبر معارفه بحر مآثره ... غر وبالفضل في الآفاق مشهور ... دامت مساعيه في الدنيا ممدحه ... واجره عند رب العرش موفور ...
تم تدقيقه بحمد الله

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ج22.تذكرة الحفاظ/شيوخ صاحب التذكرة الجزء الاخير

شيوخ صاحب تذكرة الحفاظ ج22. 1- ولقد انتفعت وتخرجت بشيخنا الإمام العالم المحدث الحافظ الشهيد أبي الحسين علي ابن الشيخ الفقيه ببعلبك ولز...