حمل مصاحف


فهرس القرآن الكريم الكريمmp3 القرآن الكريم مكتوب

9مصاحف
/ / / /  / / /

شكرا للفريق المجتهد

شكرا لبلوجر وفريقه المحترمين- Thanks to blogger and his respected team

الأربعاء، 23 نوفمبر 2022

ج3.وج4. .كتاب الجواهر الحسان في تفسير القرآن عبد الرحمن بن محمد بن مخلوف الثعالبي

 

  ج3. ج4.كتاب الجواهر الحسان في تفسير القرآن عبد الرحمن بن محمد بن مخلوف الثعالبي

== جهنم قال ع ووجوه المضارة كثيرة من ذلك أن يقر بحق ليس عليه أو يوصي بأكثر من ثلثه أو لوارثه قال ص غير مضار منصوب على الحال أي غير مضار ورثته انتهى قلت وتقدير أبي حيان ورثته ياباه فصاحة الفاظ الآية إذ مقتضاها العموم فلو قال غير مضار ورثة أو غيرهم لكان احسن لكن الغالب مضارة الورثة فلهذا قدرهم وقوله تعالى تلك حدود الله الآية تلك إشارة إلى القسمة المتقدمة في المواريث وباقي الآية بين وقوله تعالى واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم الآية الفاحشة في هذا الموضع الزنا وقوله من نسائكم إضافة في معناها الإسلام وجعل الله الشهادة على الزنا خاصة لا تتم إلا بأربعة شهداء تغليظا على المدعى وسترا على العباد قلت ومن هذا المعنى اشتراط رؤية كذا في كذا كالمرود في المكحلة قال ع وكانت أول عقوبة الزناة الإمساك في البيوت ثم نسخ ذلك بالأذى الذي بعده ثم نسخ ذلك بآية النور وبالرجم في الثيب قاله عبادة بن الصامت وغيره وعن عمران بن حصين أنه قال كنا عند النبي صلى الله عليه و سلم فنزل عليه الوحي ثم أقلع عنه ووجهه محمر فقال قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام والثيب بالثيب جلد مائة والرجم خرجه مسلم وهو خبر آحاد ثم ورد في الخبر المتواتر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم رجم ولم يجلد فمن قال أن السنة المتواترة تنسخ القرآن جعل رجم الرسول دون جلد ناسخا لجلد الثيب وهذا الذي عليه الأمة أن السنة المتواترة تنسخ القرآن إذ هما جميعا وحي من الله سبحانه ويوجبان جميعا العلم والعمل ويتجه عندي في هذه النازلة بعينها أن يقال أن الناسخ لحكم الجلد هو القرآن المتفق على رفع لفظه وبقاء حكمه في قوله تعالى الشيخ والشيخة فارجموهما البتة وهذا نص في الرجم وقد

قرره عمر على المنبر بمحضر الصحابة والحديث بكماله في مسلم والسنة هي المبينة ولفظ البخاري أو يجعل الله لهن سبيلا الرجم للثيب والجلد للبكر انتهى وقوله تعالى واللذان يأتيانها منكم الآية قال مجاهد وغيره الآية الأولى في النساء عموما وهذه في الرجال فعقوبة النساء الحبس وعقوبة الرجال الأذى وهذا قول يقتضيه اللفظ ويستوفي نص الكلام أصناف الزناة عامة ويؤيده من جهة اللفظ قوله في الأولى من نسائكم وقوله في الثانية منكم وأجمع العلماء على أن هاتين الآيتين منسوختان كما تقدم وقوله تعالى إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة الآية قال ص التوبة مبتدأ على حذف مضاف أي قبول التوبة انتهى قال ع إنما حاصرة وهو مقصد المتكلم بها أبدا فقد تصادف من المعنى ما يقتضي العقل فيه الحصر كقوله تعالى إنما الله إله واحد وقد لا تصادف ذلك كقوله إنما الشجاع عنترة وهي في هذه الآية حاصرة إذ ليست التوبة إلا لهذا الصنف المذكور وتصح التوبة وإن نقضها التائب في ثاني حال بمعاودة الذنب فإن التوبة الأولى طاعة قد إنقضت وصحت وهو محتاج بعد مواقعة الذنب إلى توبة أخرى مستأنفة وتصح أيضا التوبة من ذنب مع الإقامة على غيره من غير نوعه خلافا للمعتزلة في قولهم لا يكون تائبا من أقام على ذنب وقوله تعالى على الله أي على فضل الله ورحمته لعباده وهذا نحو قوله صلى الله عليه و سلم ما حق العباد على الله إنما معناه ما حقهم على فضله ورحمته والعقيدة أنه لا يجب على الله تعالى شيء عقلا والسوء في هذه الآية يعم الكفر والمعاصي وقوله تعالى بجهالة معناه بسفاهة وقلة تحصيل أدى إلى المعصية وليس المعنى أن تكون الجهالة بأن ذلك الفعل معصية لأن المتعمد للذنوب كان يخرج من التوبة وهذا فاسد إجماعا وما ذكرته في الجهالة قاله أصحاب النبي صلى الله

عليه وسلم ذكر ذلك عنهم أبو العالية وقال قتادة اجتمع أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم على أن كل معصية فهي بجهالة عمدا كانت أو جهلا وقال به ابن عباس ومجاهد والسدي وروي عن مجاهد والضحاك أنهما قالا الجهالة هنا العمد وقال عكرمة أمور الدنيا كلها جهالة قال ع يريد الخاصة بها الخارجة عن طاعة الله سبحانه وهذا المعنى عندي جار مع قوله تعالى إنما الحياة الدنيا لعب ولهو واختلف المتأولون في قوله تعالى من قريب فقال ابن عباس والسدي معنى ذلك قبل المرض والموت وقال الجمهور معنى ذلك قبل المعاينة للملائكة والسوق وأن يغلب المرء على نفسه وروى أبو قلابة أن الله تعالى لما خلق آدم فرآه إبليس أجوف ثم جرى له ما جرى ولعن وانظر قال وعزتك لابرحت من قلبه ما دام فيه الروح فقال الله تعالى وعزتي لا أحجب عنه التوبة ما دام فيه الروح قال ع فابن عباس رضي الله عنه ذكر أحسن أوقات التوبة والجمهور حدوا آخر وقتها وروى بشير بن كعب والحسن أن النبي صلى الله عليه و سلم قال إن الله تعال يقبل توبة العبد ما لم يغرغر ويغلب على عقله قال ع لأن الرجاء فيه باق ويصح منه الندم والعزم على الترك وقوله تعالى من قريب إنما معناه من قريب إلى وقت الذنب ومدة الحياة كلها قريب والمبادرة في الصحة أفضل قلت بل المبادرة واجبة وقوله تعالى وكان الله عليما أي بمن يتوب وييسره هو سبحانه للتوبة حكيما فيما ينفذه من ذلك وفي تأخير من يؤخر حتى يهلك ثم نفى بقوله تعالى وليست التوبة الآية أن يدخل في حكم التائبين من حضره موته وصار في حيز اليأس كما كان فرعون حين صار في غمرة الماء والغرق فلم ينفعه ما أظهره من الإيمان وبهذا قال ابن عباس وجماعة المفسرين قال ع والعقيدة عندي في هذه الآيات

أن من تاب من قريب فله حكم التائب فيغلب الظن عليه أنه ينعم ولا يعذب هذا مذهب أبي المعالي وغيره وقال غيرهم بل هو مغفور له قطعا لأخبار الله تعالى بذلك وأبو المعالي يجعل تلك الأخبار ظواهر مشروطة بالمشيئة ومن لم يتب حتى حضره الموت فليس في حكم التائبين فإن كان كافرا فهو يخلد وإن كان مؤمنا فهو عاص في المشيئة لكن يغلب الخوف عليه ويقوى الظن في تعذيبه ويقطع من جهة السمع أن من هذه الصنيفة من يغفر الله تعالى له تفضلا منه لا يعذبه وأعلم الله تعالى أيضا أن الذين يموتون وهم كفار فلا مستعتب لهم ولا توبة في الآخرة وقوله تعالى اولئك اعتدنا لهم عذابا أليما إن كانت الإشارة الى الذين يموتون وهم كفار فقط فالعذاب عذاب خلود مؤبد وان كانت الاشارة إليهم وإلى من ينفذ عليه الوعيد ممن لا يتوب إلا مع حضور الموت فهو في جهة هؤلاء عذاب لا خلود معه واعتدنا معناه يسرناه وأحضرناه قوله تعالى يا أيها الذين ءامنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها الآية قال ابن عباس كانوا في الجاهلية إذا مات الرجل كان اولياؤه أحق بامرأته من أهلها إن شاءوا تزوجها أحدهم وإن شاءوا زوجوها من غيرهم وإن شاؤا منعوها الزواج فنزلت الآية في ذلك وقال بعض المتأولين معنى الآية لا يحل لكم عضل النساء اللواتي أنتم أولياء لهن وإمساكهن دون تزويج حتى يمتن فتورث أموالهن قال ع فعلى هذا القول فالموروث مالها لا هي وروي نحو هذا عن ابن عباس وقوله تعالى ولا تعضلوهن الآية قال ابن عباس وغيره هي أيضا في أولئك الأولياء الذين كانوا يرثون المرأة لأنهم كانوا يتزوجونها إذا كانت جميلة ويمسكونها حتى تموت إذا كانت دميمة وقال نحوه الحسن وعكرمةو قال ابن عباس أيضا هي في الأزواج في الرجل يمسك المرأة ويسيء عشرتها حتى تفتدي منه فذلك لا يحل له وقال مثله قتادة وهو

اقوى الأقوال ودليل ذلك قوله إلا أن يأتين بفاحشة وإذا أتت بفاحشة فليس للولي حبسها حتى يذهب بمالها إجماعا من الأمة وإنما ذلك للزوج على ما سنبينه الآن إن شاء الله وكذلك قوله عاشروهن إلى آخر الآية يظهر منه تقوية ما ذكرته واختلف في معنى الفاحشة هنا فقال الحسن بن أبي الحسن هو الزنا قال ابو قلابة إذا زنت امرأة الرجل فلا بأس أن يضارها ويشق عليها حتى تفتدي منه وقال السدي إذا فعلن ذلك فخذوا مهورهن قلت وحديث المتلاعنين يضعف هذا القول لقوله صلى الله عليه و سلم فذاك بما أستحللت من فرجها الحديث وقال ابن عباس وغيره الفاحشة في هذه الآية البغض والنشوز فإذا نشزت حل له أن يأخذ مالها قال ع وهو مذهب مالك وقال قوم الفاحشة البذاء باللسان وسوء العشرة قولا وفعلا وهذا في معنى النشوز قال ع والزنا أصعب على الزوج من النشوز والأذى وكل ذلك فاحشة تحل أخذ المال وقوله تعالى وعاشروهن بالمعروف أمر يعم الأزواج والأولياء ولكن المتلبس في الأغلب بهذا الأمر الأزواج والعشرة المخالطة والممازجة وقوله تعالى فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا قال السدي الخير الكثير في المرأة الولد وقال نحوه ابن عباس قال ع ومن فصاحة القرآن العموم الذي في لفظة شيء لأنه يطرد هذا النظر في كل ما يكرهه المرء مما يجمل الصبر عليه ويحسن إذ عاقبه الصبر إلى خير إذا أريد به وجه الله وقوله تعالى وإن أردتم اسبتدال زوج مكان زوج الآية لما مضى في الآية المتقدمة حكم الفراق الذي سببه المرأة وأن للزوج أخذ المال منها عقب ذلك بذكر الفراق الذي سببه الزوج والمنع من أخذ مالها مع ذلك وقال بعض الناس يؤخذ من الآية جواز المغالات بالمهور وقال قوم لا تعطى الآية ذلك لأن التمثيل إنما جاء على جهة المبالغة والبهتان

مصدر في موضع الحال وومعناه مبهتا ثم وعظ تعالى عباده وأفضى معناه باشر وقال مجاهد وغيره الإفضاء في هذه الآية الجماع قال ابن عباس ولكن الله كريم يكنى واختلف في المراد بالميثاق الغليظ فقال الحسن وغيره هو قوله تعالى فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان وقال مجاهد وابن زيد الميثاق الغليظ عقدة النكاح وقول الرجل نكحت وملكت النكاح ونحوه فهذه التي بها تستحل الفروج وقال عكرمة والربيع الميثاق الغليظ يفسره قول النبي صلى الله عليه و سلم استوصوا بالنساء خيرا فإنهن عوان عندكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله قوله تعالى ولا تنكحوا ما نكح ءاباؤكم من النساء إلا ما قد سلف سبب الاية ما اعتادته بعض قبائل العرب أن يخلف ابن الرجل على امرأة أبيه وقد كان في العرب من تزوج ابنته وهو حاجب بن زرارة واختلف في مقتضى ألفاظ الآية فقالت فرقة قوله ما نكح يريد النساء أي لا تنكحوا النساء اللواتي نكح آباؤكم وقوله إلا ما قد سلف معناه ولكن ما قد سلف فدعوه وقال بعضهم المعنى لكن ما قد سلف فهو معفو عنكم لمن كان واقعه فكأنه قال ولا تفعلوا حاشا ما قد سلف وقالت فرقة معناه لا تنكحوا كما نكح آباؤكم من عقودهم الفاسدة إلا ما قد سلف منكم من تلك العقود الفاسدة فمباح لكم الإقامة عليه في الإسلام إذا كان مما يقرر الإسلام عليه وقيل إلا ما قد سلف فهو معفو عنكم وقال ابن زيد معنى الآية النهي عن أن يطأ الرجل امرأة وطئها الأب إلا ما سلف من الآباء في الجاهلية من الزنا بالنساء لا على وجه المناكحة فذلك جائز لكم لأن ذلك الزنا كان فاحشة والمقت البغض والإحتقار بسبب رذيلة يفعلها الممقوت وساء سبيلا أي بئس الطريق والمنهج لمن يسلكه إذ عاقبته إلى عذاب الله قال ص ساء للمبالغة في الذم كبيس وسبيلا تفسيره والمخصوص بالذم

محذوف أي سبيل هذا النكاح كقوله تعالى بيس الشراب أي ذلك الماء انتهى وقوله سبحانه حرمت عليكم أمهاتكم الآية حكم حرم الله به سبعا من النسب وستا من بين رضاع وصهر والحقت السنة المتواترة سابعة وهي الجمع بين المرأة وعمتها ومضى عليه الإجماع وروي عن ابن عباس أنه قال حرم من النسب سبع ومن لاصهر سبع وتلا هذه الآية وقال عمرو بن سالم مثل ذلك وجعل السابعة قوله تعالى والمحصنات وقوله تعالى 6وأمهات نسائكم أي سواء دخل بالبنت أو لم يدخل فبالعقد علىا لبنت حرمت الأم هذا الذي عليه الجمهور وقوله تعالى وربائبكم اللاتي في حجوركم ذكر الأغلب من هذه الأمور إذ هذه حالة الربيبة في الأكثر وهي محرمة وإن لم تكن في الحجر ويقال حجر بكسر الحاء وفتحها وهو مقدم ثوب الإنسان وما بين يديه منه ثم استعملت اللفظة في الحفظ والستر وقوله اللاتي دخلتم بهن قال ابن عباس وغيره الدخول هنا الجماع وجمهور العلماء يقولون أن جميع أنواع التلذذ بالأم يحرم الإبنة كما يحرمها الجماع والحلائل جمع حليلة لأنها تحل مع الزوج حيث حل فهي فعيلة بمعنى فاعلة وذهب الزجاج وقوم إلى أنها من لفظة الحلال فهي حليلة بمعنى محللة وقوله تعالى الذين من أصلابكم يخرج من كانت العرب تتبناه ممن ليس للصلب وحرمت حليلة الابن من الرضاع وإن لم يكن للصلب بالإجماع المستند إلى قوله صلى الله عليه و سلم يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب وقوله تعالى وإن تجمعوا بين الأختين لفظ يعم الجمع بنكاح وبملك يمين وأجمعت الأمة على منع جمعهما بنكاح ولا خلاف في جواز جمعهما بالملك ومذهب مالك أن له أن يطأ أيتهما شاء والكف عن الأخرى موكول إلى أمانته فإن أراد وطء الأخرى فيلزمه أن يحرم فرج الأولى بعتق أو كتابة أو غير ذلك وثبت عن النبي صلى الله عليه و سلم

أنه نهى أن يجمع بين المرأة وعمتها وبين المرأة وخالتها وأجمعت الأمة على ذلك وقوله تعالى إلا ما قد سلف استثناء منقطع معناه لكن ما قد سلف من ذلك ووقع وأزاله الإسلام فإن الله تعالى يغفره والإسلام يجبه وقوله تعالى والمحصنات عطفا على المحرمات قيل والتحصن التمنع ومنه الحصن وحصنت المرأة امنتنعت بوجه من وجوه الإمتناع وأحصنت نفسها وأحصنها غيرها والإحصان تستعمله العرب في أربعة أشياء وعلى ذلك تصرفت اللفظة في كتاب الله عز و جل فتستعمله في الزواج لأن ملك الزوج منعة وحفظ وتستعمله في الحرية لأن الإماء كان عرفهن في الجاهلية الزنا والحرة بخلاف ذلك ألا ترى إلى قول هند وهل تزنى الحرة وتستعمله في الإسلام لأنه حافظ وتستعمله في العفة لأنها إذا ارتبط بها إنسان وظهرت على شخص ما وتخلق بها فهي منعة وحفظ وحيث ما وقعت اللفظة في القرآن فلا تجدها تخرج عن هذه المعاني لكنها قد تقوى فيها بعض هذه المعاني دون بعض كما سيأتي بيانه في أماكنه إن شاء الله فقوله سبحانه في هذه الآية والمحصنات قال فيه ابن عباس وغيره هن ذوات الأزواج محرمات إلا ما ملكت اليمين بالسبي وروي عن ابن شهاب أنه سئل عن هذه الآية والمحصنات من النساء فقال نرى أنه حرم في هذه الآية ذوات الأزواج والعفائف من حرائر ومملوكات ولم يحل شيء من ذلك إلا بنكاح أو شراء أو تملك وهذا قول حسن عمم الفظ الإحصان ولفظ ملك اليمين وذلك راجع إلى أن الله حرم الزنا قال عبيدة السلماني وغيره قوله سبحانه كتاب الله عليكم إشارة إلى ما ثبت من القرآن من قوله سبحانه مثنى وثلاث ورباع وفي هذا بعد وإلا ظهر أن وقوله كتاب الله عليكم إنما هو إشارة إلى التحريم الحاجز بين الناس وبين ما كانت الجاهلية تفعله قال الفخر وكتاب الله عليكم مصدر من غير

لفظ الفعل قال الزجاج ويجوز أن يكون منصوبا على جهة الأمر ويكون عليكم خبرا له فيكون المعنى الزموا كتاب الله انتهى وفي التمهيد لأبي عمر بن عبد البر كتاب الله عليكم أي حكمه فيكم وقضاؤه عليكم انتهى وقوله سبحانه وأحل لكم ما وراء ذلكم قال عطاء وغيره المعنى وأحل لكم ما وراء من حرم قلت أي على ما علم تفصيله من الشريعة قال ع وإن تبتغوا باموالكم لفظ يجمع التزوج والشراء ومحصنين معناه متعففين أي تحصنون أنفسكم بذلك غير مسافحين أي غير زناة والسفاح الزنا وقوله سبحانه فما استمتعتم به منهن فأتوهن أجورهن قال ابن عباس وغيره المعنى فإذا استمتعتم بالزوجة ووقع الوطء ولو مرة فقد وجب إعطاء الأجر وهو المهر كله وقال ابن عباس أيضا وغيره إن الآية نزلت في نكاح المتعة قال ابن المسيب ثم نسخت قال ع وقد كانت المتعة في صدر الإسلام ثم نهى عنها النبي صلى الله عليه و سلم وقوله تعالى ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به أي من حط أو تأخير بعد استقرار الفريضة ومن قال بأن الآية المتقدمة في المتعة قال الإشارة بهذه إلى أن ما ترضيا عليه من زيادة في مدة المتعة وزيادة في الأجر جائز وقوله تعالى ومن لم يستطع منكم طولا الآية قال ابن عباس وغيره الطول هنا السعة في المال وقاله مالك في المدونة فعلى هذا التأويل لا يصح للحر أن يتزوج الأمة إلا باجتماع شرطين عدم السعة في المال وخوف العنت وهذا هو نص مالك في المدونة قال مالك في المدونة وليست الحرة تحته بطول أن خشي العنت وقال في كتاب محمد ما يقتضي أن الحرة بمثابة الطول قال الشيخ أبو الحسن اللخمي وهو ظاهر القرآن ونحوه عن ابن حبيب وقال أبو حنيفة وجود الحرة تحته لا يجوز معه نكاح الأمة وقال الطبري وتقول طال الرجل طولا بفتح الطاء إذا تفضل ووجد واتسع وطولا بضمها في ضد القصر والمحصنات في هذا الموضع الحرائر والفتاة وإن

كانت في اللغة واقعة على الشابة اية كانت فعرفها في الإماء وفتى كذلك والمؤمنات في هذا الموضع صفة مشترطة عند مالك وجمهور أصحابه فلا يجوز نكاح أمة كافرة عندهم قلت والعلة في منع نكاح الأمة ما يؤول إليه الحال من استرقاق الولد وقوله تعالى والله أعلم بإيمانكم بعضكم من بعض معناه والله أعلم ببواطن الأمور ولكم ظواهرها فإذا كانت الفتاة ظاهرها الإيمان فنكاحها صحيح وفي اللفظ أيضا تنبيه على أنه ربما كان إيمان أمة أفضل من إيمان بعض الحرائر فلا تعجبوا بمعى الحرية والمقصد بهذا الكلام أن الناس سواء بنو الحرائر وبنو الإماء أكرمهم عند الله اتقاهم وفي هذا توطئة لنفوس العرب التي كانت تستهجن ولد الأمة وقوله تعالى فانكحوهن بإذن أهلهن معناه بولاية أربابهن المالكين وأتوهن أجورهن أي مهورهن بالمعروف معناه بالشرع والسنة ومحصنات الظاهر أنه بمعنى عفيفات قال ص محصنات منصوب على الحال والظاهر أن العامل وأتوهن ويجوز أن يكون العامل فانكحوهن محصنات أي عفائف انتهى والمسافحات الزواني المتبذلات اللواتي هن سوق للزنا ومتخذات الأخدان هن المستترات اللواتي يصحبن واحد واحد ويزنين خفية وهذا كانا نوعين في زنا الجاهلية قاله ابن عباس وغيره وقوله تعالى فإذا أحصن الآية أي تزوجن قال الزهري وغيره فالمتزوجة محدودة بالقرآن والمسلمة غير المتزوجة محدودة بالحديث وفي مسلم والبخاري أنه قيل يا رسول الله الأمة إذا زنت ولم تحصن فأوجب عليها الحد والفاحشة هنا الزنا قال ص وجواب إذا فإن اتين وجوابه وانتهى والمحصنات في هذه الآية الحرائر إذ هي الصفة المشروطة في الحد الكامل والرجم لا يتنصف فلم يرد في الآية بإجماع والعنت في اللغة المشقة قال ابن عباس وغيره والمقصد به هنا الزنا وقوله تعالى وإن تصبروا خير لكم يعني عن نكاح

الإماء قاله ابن عباس وغيره وهذا ندب إلى الترك وعلته ما يؤدي إليه نكاح الإماء من استرقاق الولد ومهنتهن وقوله تعالى يريد الله ليبين لكم ويهديكم الآية التقدير عند سيبويه يريد الله لأن يبين لكم ويهديكم بمعنى يرشدكم والسنن الطرق ووجوه الأمور وانحاؤها واللذين من قبلنا هم المؤمنون من كل شريعة وقوله سبحانه والله يريد أن يتوب عليكم الآية مقصد هذه الآية الإخبار عن إرادة الذين يتبعون الشهوات فقدمت إرادة الله تعالى توطئة مظهره لفساد إرادة متبعى الشهوات واختلف المتأولون في تعيين متبعي الشهوات فقال مجاهد هم الزناة وقال السدي هم اليهود والنصارى وقالت فرقة هم اليهود خاصة لأنهم أرادوا أن يتبعهم المسلمون في نكاح الأخوات من الأب وقال ابن زيد ذلك على العموم في هؤلاء وفي كل متبع شهوة ورجحة الطبري وقوله تعالى يريد الله أن يخفف عنكم الآية أي لما علمنا ضعفكم عن الصبر عن النساء خففنا عنكم بإباحة الإماء قاله مجاهد وغيره وهو ظاهر مقصود الآية ثم بعد هذا المقصد تخرج الآية مخرج التفضل لأنها تتناول كل ما خففه الله سبحانه عن عباده وجعله الدين يسرا ويقع الإخبار عن ضعف الإنسان عاما حسبما هو في نفسه ضعيف يستميله هواه في الأغلب وقوله تعالى يا أيها الذين ءامنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل الا أن تكون تجارة الآية الاستثناء منقطع المعنى لكن إن كانت تجارة فكلوها واخرج البخاري عن النبي صلى الله عليه و سلم قال من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله انتهى وقوله تعالى ولا تقتلوا انفسكم إن الله بكم رحيما أجمع المتأولون على أن المقصود بهذه الآية النهي عن أن يقتل بعض الناس بعضا ثم لفظها يتناول أن يقتل الرجل نفسه بقصد منه للقتل أو بأن يحملها على غرر ربما مات منه فهذا كله يتناوله النهي وقد احتج

عمرو بن العاص بهذه الآية حين امتنع من الأغتسال بالماء البارد خوفا على نفسه منه فقرر رسول الله صلى الله عليه و سلم احتجاجه وقوله تعالى ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما الآية اختلف في المشار إليه بذلك فقال عطاء ذلك عائد على القتل لأنه أقرب مذكور وقالت فرقة ذلك عائد على أكل المال بالباطل وقتل النفس وقالت فرقة ذلك عائد على كل ما نهي عنه من أول السورة وقال الطبري ذلك عائد على ما نهي عنه من آخر وعيد وذلك قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها لأن كل ما نهي عنه قبله إلى أول السورة قرن به وعيد قال ابن العربي في أحكامه والقول الأول أصح وما عداه محتمل انتهى والعدوان تجاوز الحد قال ص عدوانا وظلما مصدران في موضع الحال أي متعدين وظالمين أبو البقاء أو مفعول من أجله انتهى واختلف العلماء في الكبائر فقال ابن عباس وغيره الكبائر كل ما ورد عليه وعيد بنار أو عذاب أو لعنة أو ما أشبه ذلك وقال ابن عباس ايضا كل ما نهي الله عنه فهو كبير وعلى هذا القول أئمة الكلام القاضي وأبو المعالي وغيرهما قالوا وإنما قيل صغيرة بالإضافة إلى أكبر منها وإلا فهي في نفسها كبيرة من حيث المعصى بالجميع واحد واختلف العلماء في هذه المسألة فجماعة من الفقهاء والمحدثين يرون أن بإجتناب الكبائر تكفر الصغائر قطعا وأما الأصوليون فقالوا محمل ذلك على غلبة الظن وقوة الرجاء لا على القطع ومحمل الكبائر عند الأصوليين في هذه الآية أجناس الكفر والآية التي قيدت الحكم فترد إليها هذه المطلقات كلها قوله تعالى ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء وكريما يقتضي كرم الفضيلة ونفي العيوب كما تقول ثوب كريم وهذه آية رجاء وروى أبو حاتم البستي في المسند الصحيح له عن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه و سلم جلس

على المنبر ثم قال والذي نفسي بيده ثلاث مرات ثم سكت فأكب كل رجل منا يبكي حزينا ليمين رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم قال ما من عبد يؤدي الصلوات الخمس ويصوم رمضان ويجتنب الكبائر السبع إلا فتحت له ثمانية أبواب من الجنة يوم القيامة حتى أنها لتصفق ثم تلا إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم الآية انتهى من التذكرة للقرطبي ونحوه ما رواه مسلم عن أبي هريرة قال قال النبي صلى الله عليه و سلم الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر قال القطربي وعلى هذا جماعة أهل التأويل وجماعة الفقهاء وهو الصحيح أن الصغائر تكفر باجتناب الكبائر قطعا بوعد الله الصدق وقوله الحق سبحانه وأما الكبائر فلا تكفرها إلا التوبة منها انتهى قلت وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال اجتنبوا السبع الموبقات قيل يا رسول الله وما هن قال الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات انتهى وقوله تعالى ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم علىبعض الآية سبب الآية أن النساء قلن ليتنا استوينا مع الرجال في الميراث وشاركناهم في الغزو وروي أن أم سلمة قالت ذلك أو نحوه وقال الرجال ليت لنا في الآخرة حظا زائدا على النساء كما لنا عليهن في الدنيا فنزلت الآية قال ع لأن في تمنيهم هذا تحكما على الشريعة وتطرقا إلىالدفع في صدر حكم الله تعالى فهذا نهي عن كل تمن بخلاف حكم شرعي وأما التمني في الأعمال الصالحة فذلك هو الحسن وقد قال صلى الله عليه و سلم وددت أن اقتل في سبيل الله ثم أحيا ثم أقتل ثم أحيا الحديث وفي غير موضع ولقوله تعالى واسألوا الله من

فضله قال القشيري سمعت الشيخ أبا علي يقول من علامات المعرفه أن لا تسأل حوائجك قلت أو كثرت إلا من الله تعالى مثل موسى اشتقاق إلى الرؤية فقال رب أرني أنظر إليك واحتاج مرة إلى رغيف فقال رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير انتهى من التجبير وقوله تعالى للرجال نصيب الآية قالت فرقة معناه من الأجر والحسنات فكأنه قيل للناس لا تتمنوا في أمر مخالف لما حكم الله به لأختيار ترونه أنتم فإن الله تعالى قد جعل لكل أحد نصيبا من الأجر والفضل بحسب اكتسابه فيما شرع له وهذا قول حسن وفي تعليقه سبحانه النصيب بالإكتساب حض على العمل وتنبيه على كسب الخير وقوله سبحانه وسألوا الله من فضله قال ابن جبير وغيره هذا في فضل العبادات والدين لا في فضل الدنيا وقال الجمهور ذلك على العموم وهو الذي يقتضيه اللفظ فقوله وسألوا الله يقتضي مفعولا ثانيا تقديره وأسالوا الله الجنة او كثيرا من فضله وقوله تعالى ولكل جعلنا موالي الآية أي ولكل أحد قال ابن عباس وغيره الموالي هنا العصبة والورثة والمعنى ولكل أحد جعلنا موالي يرثون مما ترك الوالدان والأقربون وقوله تعالى واللذين رفع بالابتداء والخبر في قوله فآتوهم نصيبا واختلف من المراد بالذين فقال الحسن وابن عباس وابن جبير وغيرهم هم الأحلاف فإن العرب كانت تتوارث بالحلف ثم نسخت بآيات الأنفال وأولوا الأرحام بعضهم اولى ببعض وقال ابن عباس أيضا هم الذين كان رسول الله صلى الله عليه و سلم آخى بينهم كانوا يتوارثون بهذه الآية حتى نسخ ذلك بما تقدم وقال ابن المسيب هم الذين كانوا يتبنون قال ع ولفظة المعاقدة والإيمان ترجح أن المراد الأحلاف وقوله الرجال قوامون بناء مبالغة وهو من القيام على الشيء والاستبداد بالنظر فيه وحفظه فقيام الرجال على النساء هو على هذا

الحد وتعليل ذلك بالفضيلة والنفقة يقتضي أن للرجال عليهن استيلاء قال ابن عباس الرجال أمراء على النساء قال ابن العربي في أحكامه وللرجال عليهن درجة لفضل القوامية فعليه أن يبذل المهر والنفقة وحسن العشرة ويحجبها ويأمرها بطاعة الله تعالى وينهي إليها شعائر الإسلام من صلاة وصيام وما وجب على المسلمين وعليها الحفظ لماله والإحسان إلى أهله والالتزام لأمره في الحجبة وغيرها إلا بإذنه وقبول قوله في الطاعات انتهى وما مصدرية في الموضعين والصلاح في قوله فالصالحات هو الصلاح في الدين وقانتات معناه مطيعات لأزواجهن أو لله في أزواجهن حافظات للغيب معناه لكل ما غاب عن علم زوجها مما استرعيته وروى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال خير النساء امرأة إذا نظرت إليها سرتك وإذا أمرتها أطاعتك وإذا غبت عنها حفظتك في مالك ونفسها ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه و سلم هذه الآية وقوله بما حفظ الله ما مصدرية تقديره بحفظ الله ويصح أن تكون بمعنى الذي ويكون العائد في حفظ ضمير نصب أي بالذي حفظه الله ويكون المعنى أما حفظ الله ورعايته التي لا يتم أمر دونها وأما أوامره ونواهيه للنساء فكأنها حفظه بمعنى أن النساء يحفظن بازاء ذلك وبقدره وقوله تعالى واللاتي تخافون نشوزهن الآية النشوز أن تتعوج المرأة ويرتفع خلقها وتستعلى على زوجها واهجروهن في المضاجع قال ابن عباس يضاجعها ويوليها ظهره ولا يجامعها وقال مجاهد جنبوا مضاجعتهن وقال ابن جبير هي هجرة الكلام أي لا تكلموهن واعرضوا عنهن فيقدر حذف تقديره وأهجروهن في سبب المضاجع حتى يراجعنها م قوله في المضاجع ذكر أبو البقاء فيه وجهين الأول أن في على بابها من الظرفية أي اهجروهن في مواضع الإضطجاع أي أتركوا

مضاجعتهن دون ترك مكالمتهن الثاني أنها بمعنى السبب أي اهجروهن بسبب المضاجع كما تقول في هذه الجناية عقوبة انتهى وكونها للظرفية اظهر والله اعلم والضرب في هذه الآية هو ضرب الادب غير المبرح وهو الذي لا يكسر عظما ولا يشين جارحة وقال النبي صلى الله عليه و سلم اضربوا النساء إذا عصينكم في معروف ضربا غير مبرح قال عطاء قلت لابن عباس ما الضرب غير المبرح قال بالشراك ونحوه قال ابن العربي في احكامه قوله عز و جل واضربوهن ثبت عن النبي ص - أنه قال ايها الناس ان لكم على نسائكم حقا لكم عليهن ان لا يوطئن فرشكم احدا تكرهونه وعليهن الا يأتين بفاحشة مبينة فإن فعلن فإن الله قد اذن لكم ان تهجروهن في المضاجع وتضربوهن ضربا غير مبرح فإن انتهين فلهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف وفي هذا دليل على ان الناشز لا نفقة لها ولا كسوة وأن الفاحشة هي البذاء ليس الزنا كما قال العلماء ففسر النبي صلى الله عليه و سلم الضرب وبين أنه لا يكون مبرحا أي لا يظهر له أثر على البدن انتهى قال ع وهذه العظة والهجر والضرب مراتب أن وقعت الطاعة عند احداها لم يتعد إلى سائرها وتبغوا معناه تطلبوا وسبيلا أي إلى الاذى وهو التعنيت والتعسف بقول أو فعل وهذا نهي عن ظلمهن وحسن هنا الاتصاف بالعلو والكبر أي قدره سبحانه فوق كل قدر ويده بالقدرة فوق كل يد فلا يستعلى احد بالظلم على امرأته فالله تعالى بالمرصاد وينظر إلى هذا حديث أبي مسعود قال كنت أضرب غلامي فسمعت قائلا يقول اعلم أبا مسعود أعلم أبا مسعود فصرفت وجهي فإذا رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول أعلم أبا مسعود أن الله اقدر عليك منك على هذا العبد الحديث وقوله تعالى وأن خفتم شقاق بينهما فابعثوا الآية اختلف من المأمور بالبعثة فقيل الحكام وقيل المخاطب الزوجان

واليهما تقديم الحكمين وهذا في مذهب مالك والأول لربيعة وغيره ولا يبعث الحكمان إلا مع شدة الخوف والشقاق ومذهب مالك وجمهور العلماء أن الحكمين ينظران في كل شيء ويحملان على الظالم ويمضيان ما رأياه من بقاء أو فراق وهو قول علي بن أبي طالب في المدونه وغيرها وقوله أن يريدا اصلاحا قال مجاهد وغيره المراد الحكمان أي إذا نصحا وقصدا الخير بورك في وساطتهما وقالت فرقة المراد الزوجان والأول اظهر وكذلك الضمير في بينهما يحتمل الأمرين والأظهر أنه للزوجين والاتصاف بعليم خبير يناسب ما ذكر من ارادة الاصلاح وقوله تعالى واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين احسانا العبادة التذلل بالطاعة واحسانا مصدر والعامل فيه فعل تقديره واحسنوا بالوالدين احسانا وبذى القربى هو القريب النسب من قبل الأب والأم قال ابن عباس وغيره والجار ذو القربى هو القريب النسب والجار الجنب هو الجار الأجنبي وقالت فرقة الجار ذو القربى هو الجار القريب المسكن منك والجار الجنب هو البعيد المسكن منك والمجاورة مراتب بعضها ألصق من بعض ادناها الزوجة قال ابن عباس وغيره الصاحب بالجنب هو الرفيق في السفر وقال علي بن أبي طالب وابن مسعود وابن أبي ليلى وغيرهم هو الزوجة وقال ابن زيد هو الرجل يعتريك ويلم بك لتنفعه واسند الطبري أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان معه رجل من اصحابه وهما على راحلتين فدخل رسول الله صلى الله عليه و سلم غيضة فقطع قضيبين احدهما معوج وخرج فاعطى صاحبه القويم وحبس هو المعوج فقال له الرجل كنت يا رسول الله احق بهذا فقال له يا فلان ان كل صاحب يصحب الآخر فانه مسؤل عن صحابته ولو ساعة من نهار قلت واسند الحافظ محمد بن طاهر المقدسي عن النبي صلى الله عليه و سلم قال خير الاصحاب عند

الله خيرهم لصاحبه وخير الجيران عند الله خيرهم لجاره انتهى من صفوة التصوف وفي الحديث الصحيح عن ابن عمر قال قال النبي صلى الله عليه و سلم ما زال جبريل يوصينى بالجار حتى ظننت انه سيورثه اخرجه البخاري واخرجه ايضا من طريق عائشة رضي الله عنها انتهى وابن السبيل المسافر وسمي ابنه للزومه له وما ملكت ايمانكم هم العبيد الارقاء قال ابن العربي في احكامه وقد أمر الله سبحانه بالرفق بهم والاحسان اليهم وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال اخوانكم ملككم الله رقابهم فاطعموهم مما تأكلون واكسوهم مما تلبسون ولا تكلفوهم من العمل ما لا يطيقون فان كلفتموهم فاعينوهم انتهى ونفى سبحانه محبته عن من صفته الخيلاء والفخر وذلك ضرب من التوعد يقال خال الرجل يخول خولا إذا تكبر واعجب بنفسه وخص سبحانه هاتين الصفتين هنا إذ مقتضاهما العجب والزهو وذلك هوالحامل على الاخلال بالاصناف الذين تقدم أمر الله بالاحسان اليهم وقوله تعالى الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل الآية قالت فرقة الذين في موضع نصب بدل من من في قوله من كان مختالا ومعناه على هذا يبخلون بأموالهم ويأمرون الناس يعنى اخوانهم ومن هو مظنة طاعتهم بالبخل بالاموال أن تنفق في شيء من وجوه الاحسان إلى من ذكر ويكتمون ما أتاهم الله من فضله يعنى من الرزق والمال فالآية اذن في المؤمنين أي وأما الكافرون فأعد لهم عذابا مهينا وروي أن الآية نزلت في احبار اليهود بالمدينة إذ كتموا أمر النبي صلى الله عليه و سلم وبخلوا به والتوعد بالعذاب المهين لهم واعتدنا معناه يسرنا واحضرنا والعتيد الحاضر والمهين الذي يقترن به خزي وذل وهو انكى واشد على المعذب وقوله تعالى والذين ينفقون اموالهم رئاء الناس الآية الذين في موضع رفع على القطع والخبر محذوف وتقديره بعد اليوم الآخر معذبون والصحيح الذي عليه

الجمهور أن هذه الآية في المنافقين والقرين فعيل بمعنى فاعل من المقارنة وهي الملازمة والاصطحاب والانسان كله يقارنه الشيطان لكن الموفق عاص له وقوله تعالى وما ذا عليهم لو آمنوا بالله واليوم الآخر الآية التقدير واي شيء عليهم لو آمنوا وفي هذا الكلام تفجع ما عليهم واستدعاء جميل يقتضى حيطة واشفاقا وكان الله بهم عليما اخبار يتضمن وعيدا وينبه على سوء تواطئهم أي لا ينفعهم كتم مع علم الله بهم وقوله تعالى أن الله لا يظلم مثقال ذرة الآية مثقال مفعال من الثقل والذرة الصغيرة الحمراء من النمل وروي عن ابن عباس انه قال الذرة راس النملة وقرأ ابن عباس مثقال نملة قال قتادة عن نفسه ورواه عن بعض العلماء لان تفضل حسناتى على سيئاتي بمثقال ذرة احب الي من الدنيا جميعا وقوله سبحانه وان تك حسنة التقدير وان تك زنة الذرة وفي صحيح مسلم وغيره من حديث أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه و سلم قال ثم يضرب الجسر على جهنم وتحل الشفاعة ويقولون اللهم سلم سلم وفيه فيمر المؤمنون كطرف العين وكالبرق وكالريح وكالطير وكاجاويد الخيل والركاب فناج مسلم ومخدوش مرسل ومكدوس في نار جهنم حتى إذا 0خلص المؤمنون من النار فو الذي نفسى بيده ما من احد منكم باشد مناشدة لله في استيفاء الحق من المؤمنين لله يوم القيامة لاخوانهم الذين في النار يقولون ربنا كانوا يصومون معنا ويصلون ويحجون فيقال لهم اخرجوا من عرفتم فتحرم صورهم على النار فيخرجون خلقا كثيرا قد اخذت النار إلى نصف ساقيه وإلى ركبتيه ثم يقولون ربنا ما بقي فيها احد ممن امرتنا به فيقول ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال دينار من خير فاخرجوه فيخرجون خلقا كثيرا ثم يقولون ربنا لم نذر فيها احد ممن امرتنا به ثم يقول ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال نصف دينار من خير فاخرجوه فيخروجون خلقا كثيرا ثم

يقولون ربنا لم نذر فيها احدا ممن امرتنا ثم يقول ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذره من خير فاخرجوه فيخرجون خلقا كثيرا ثم يقولون ربنا لم نذر فيها خيرا وكان أبو سعيد الخدري يقول ان لم تصدقونى في هذا الحديث فاقرؤا إن شئتم أن الله لا يظلم مثقال ذرة وأن تك حسنة يضاعفها ويوت من لدنه اجرا عظيما فيقول الله عز و جل شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون ولم يبق إلا ارحم الراحمين فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قوما لم يعملوا خيرا قط الحديث انتهى ولفظ البخاري فما انتم باشد لى مناشدة في الحق قد تبين لكم من المؤمنين يومئذ للجبار إذا رأوا أنهم قد نجوا في اخوانهم الحديث وقرأ نافع وابن كثير حسنة بالرفع على تمام كان التقدير وأن توجد حسنة ويضاعفها جواب الشرط وقرأ ابن كثير يضعفها وهو بناء تكثير يقتضى اكثر من مرتين إلى اقصى ما تريد من العدد قال بعض المتأولين هذه الآية خص بها المهاجرون لان الله تعالى اعلم في كتابه ان الحسنة لكل مؤمن مضاعفة عشر مرار وأعلم في هذه الآية انها مضاعفة مرارا كثيرة حسبما روى أبو هريرة من أنها تضاعف الفي الف مرة وروى غيره الف الف مرة وقال بعضهم بل وعد بذلك جميع المؤمنين قال ع والآية تعم المؤمنين والكافرين فأما المؤمنون فيجازون في الآخرةى على مثاقيل الذر فما زاد وأما الكافرون فما يفعلونه من خير فانه تقع عليه المكافأة بنعم الدنيا ويأتون يوم القيامة ولا حسنة لهم قلت وقد ذكرنا في هذا المختصر من احاديث الرجاء واحاديث الشفاعة جملة صالحة لا توجد مجتمعة في غيره على نحو ما هي فيه عسى الله ان ينفع به الناظر فيه ومن أعظم احاديث الرجاء ما ذكره عياض في الشفا قال ومن حديث أنس سمعت النبي صلى الله عليه و سلم يقول لا شفعن يوم القيامة لا كثر مما في الأرض من شجر وحجر وهذا الحديث

اخرجه النساءي ولفظه انى لا شفع يوم القيامة لا كثر مما على الأرض من شجر وحجر الحديث انتهى من الكوكب الدري ومن لدنه معناه من عنده والأجر العظيم الجنة قال ابن مسعود وغيره وإذا من الله سبحانه بتفضله على عبده بلغ الغاية اللهم من علينا بخير الدارين بفضلك وقوله جلت قدرته فيكف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا الآية لما تقدم في التي قبلها الإعلام بتحقيق الأحكام يوم القيامة حسن بعد ذلك التنبيه على الحالة التي يحضر ذلك فيها ويجاء فيها بالشهداء على الأمم ومعنى الآية ان الله سبحانه يأتي بالأنبياء شهداء على أممهم بالتصديق والتكذيب ومعنى الأمة في هذه الآية جميع من بعث إليه من آمن منهم ومن كفر وكذلك قال المتأولون أن الاشارة بهؤلاء إلى كفار قريش وغيرهم روي أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان إذا قرأ هذه الآية فاضت عيناه وكذلك ذرفت عيناه عليه السلام حين قرأها عليه ابن مسعود حسبما هو مذكور في الحديث الصحيح وفي صحيح البخاري عن عقبة بن عامر قال صلى رسول الله صلى الله عليه و سلم على قتلى أحد صلاته على الميت بعد ثمان سنين كالمودع للأحياء والأموات ثم طلع المنبر فقال أني بين أيديكم فرط وأنا عليكم شهيد وإن موعدكم الحوض وأني لا نظر إليه من مقامي هذا وأني لست أخشى عليكم أن تشكروا ولكني أخشى عليكم الدنيا أن تنافسوها قال فكانت آخر نظرة نظرتها إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم انتهى وقوله تعالى لو تسوى قالت فرقة معناه تنشق الأرض فيحصلون فيها ثم تتسوى هي في نفسها عليهم وبهم وقالت فرقة معناه لو تستوي هي معهم في أن يكونوا ترابا كالبهائم وقوله تعالى ولا يكتمون الله حديثا معناه عند طائفة أن الكفار لما يرونه من الهول وشدة المخاوف يودون لو تسوى بهم الأرض فلا

ينالهم ذلك الخوف ثم استأنف الكلام فأخبرأنهم لايكتمون الله حديثا لنطق جوارحهم بذلك كله حين يقول بعضهم والله ربنا ما كنا مشركين فيقول الله سبحانه كذبتم ثم تنطق جوارحهم فلا تكتم حديثا وهذا قول ابن عباس وقالت طائفة الكلام كله متصل وودهم أن لا يكتموا الله حديثا إنما هو ندم على كذبهم حين قالوا والله ربنا ما كنام مشركين والرسول في هذه الآية الجنس شرف بالذكر وهو مفرد دل على الجمع وقوله تعالى يا أيها الذين ءامنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون الآية نزلت قبل تحريم الخمر وجمهور المفسرين على ان المراد سكر الخمر إلا الضحاك فإنه قال المراد سكر النوم وهذا قول ضعيف والمراد بالصلاة هنا الصلاة المعروفة وقالت طائفة الصلاة هنا المراد بها موضع الصلاة والصلاة معا قال ابن العربي في الأحكام وروي في سبب نزول هذه الآية عن علي رضي الله عنه أنه قال صنع لنا عبد الرحمن بن عوف طعاما فدعانا وسقانا من الخمر يعني وذلك قبل تحريمها قال فأخذت الخمر منا حضرت الصلاة فقدموني فقرأت قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون ونحن نعبد ما تعبدون قال فأنزل الله تعالى يا أيها الذين ءامنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون الآية أخرجه الترمذي وصححه انتهى وقوله ولا جنبا إلا عابري سبيل قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه وغيره عابر السبيل المسافر وقال ابن مسعود وغيره عبار السبيل هنا الخاطر في المسجد وعابر السبيل هو من العبور أي الخطور والجواز والمريض المذكور في الآية هو الحضري وأصل الغائط ما انخفض من الأرض ثم كثر استعماله في قضاء الحاجة واللمس في اللغة لفظ يقع للمس الذي هو الجماع وللمس الذي هو جس اليد والقبلة ونحوه واختلف في موقعها هنا فمالك رحمه الله يقول اللفظة هنا تقتضي الوجهين فالملامس بالجماع

يتيمم والملامس باليد يتيمم ومعنى قوله سبحانه فتيمموا اقصدوا والصعيد في اللغة وجه الأرض قاله الخليل وغيره واختلف الفقهاء فيه من أجل تقييد الآية أياه بالطيب فقالت طائفة يتيمم بوجه الأرض ترابا كان أو رملا أو حجارة أو معدنا أو سبخة وجعلت الطيب بمعنى الطاهر وهذا هو مذهب مالك وقال طائفة منهم الطيب بمعنى المنبت كما قال تعالى والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه فالصعيد عندهم هو التراب وهذه الطائفة لا تجيز التيمم بغيره فمكان الإجماع أن يتيمم في تراب منبت طاهر غير منقول ولا مغصوب وترتيب القرآن الوجه قبل اليدين وبه قال الجمهور وفي المدونة أن التيمم ضربتان وجمهور العلماء أنه ينتهي في مسح اليدين إلى المرافق وقوله سبحانه ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يشترون الضلالة الآية ألم تر من رؤية القلب وهي علم بالشيء والمراد باللذين اليهود قاله قتادة وغيره ثم اللفظ يتناول معهم النصارى وقال ابن عباس نزلت في رفاعة بن زيد بن التابوت اليهودي والكتاب التوراة والإنجيل ويشترون عبارة عن إيثارهم الكفر وتركهم الإيمان وقالت فرقة أراد اللذين كانوا يعطون أموالهم للأحبار على إقامة شرعهم فهو شراء حقيقة ويريدون أن تضلوا السبيل معناه أن تكفروا وقوله سبحانه والله أعلم بأعدائكم خبر في ضمنه التحذير منهم وكفى بالله وليا أي اكتفوا بالله وليا وقوله سبحانه من الذين هادوا قال بعض المتأولين من راجعة على الذين الأولى وقالت فرقة من متعلقة بنصيرا والمعنى ينصركم من الذين هادوا فعلى هذين التأويلين لا يوقف في قوله نصيرا وقالت فرقة هي ابتداء كلام وفيه إضمار تقديره قوم يحرفون وهذا مذهب أبي علي وعلى هذا التأويل يوقف في نصيرا وقول سيبويه أصوب لأن إضمار الموصول ثقيل وإضمار الموصوف أسهل وتحريفهم للكلام على وجهين أما بتغيير اللفظ وقد

فعلوا ذلك في الأقل وأما بتغيير التأويل وقد فعلوا ذلك في الأكثر وإليه ذهب الطبري وهذا كله في التوراة على قول الجمهور وقالت طائفة هو كلم القرآن وقال مكي هو كلام النبي صلى الله عليه و سلم فالتحريف على هذا في التأويل وقوله تعالى عنهم سمعنا وعصينا عبارة عن عتوهم في كفرهم وطغيانهم فيه وغير مسمع يتخرج فيه معنيان أحدهما غير مأمور وغير صاغر كأنهم قالوا غير أن تسمع مأمورا بذلك والآخر على جهة الدعاء أي لا سمعت كما تقول إمض غير مصيب ونحو ذلك فكانت اليهود إذا خاطبت النبي صلى الله عليه و سلم بغير مسمع أرادت في الباطن الدعاء عليه وأرت ظارهرا أنها تريد تعظيمه قال ابن عباس وغيره نحوه وكذلك كانوا يريدون منه في أنفسهم معنى الرعونة وحكى مكي معنى رعاية الماشية ويظهرون منه معنى المراعاة فهذا معنى لي اللسان وقال الحسن ومجاهد غير مسمع أي غير مقبول منك وليا أصله لويا وطعنا في الدين أي توهينا له وإظهارا للاستخفاف به قال ع وهذا اللي باللسان إلى خلاف ما في القلب موجود حتى الآن في بني إسرائيل ويحفظ منه في عصرنا أمثله إلا أنه لايليق ذكرها بهذا الكتاب وقوله تعالى ولو أنهم الآية المعنى ولو أنهم ءامنوا وسمعوا وأطاعوا واقوم معناه أعدل وأصوب وقليلا نعت أما لإيمان وإما لنفر أو قوم والمعنى مختلف وقوله تعالى يا أيها الذين اوتوا الكتاب ءامنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم الآية هذا خطاب لليهود والنصارى ولما معكم معناه من شرع وملة لا لما معهم من مبدل ومغير والطامس الداثر المغير الاعلام قالت طائفة طمس الوجوه هنا هو خلو الحواس منها وزوال الخلقة وقال ابن عباس وغيره طمس الوجوه أن تزال العينان خاصة منها وترد العينان في القفا فيكون ذلك ردا على الأدبار ويمشي القهقري وقال مالك رحمه الله كان اول إسلام كعب الأحبار أنه مر برجل من الليل وهو

يقرأ هذه الآية يا أيها الذين أوتوا الكتاب ءامنوا الآية فوضع كفيه على وجهه ورجع القهقري إلى بيته فأسلم مكانه وقال والله لقد خفت أن لا أبلغ بيتي حتى يطمس وجهي وأصحاب السبت هم الذين اعتدوا في السبت في الصيد حسبما تقدم قال قتادة وغيره وأمر الله في هذه الآية واحد الأمور دال على جنسها لا واحد الأوامر فهي عبارة عن المخلوقات كالعذاب واللعنة هنا أو ما اقتضاه كل موضع مما يختص به وقوله تعالى إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء الآية هي الحاكمة ببيان ما تعارض من آيات الوعد والعويد وتلخيص الكلام فيها أن يقال الناس أربعة أصناف كافر مات على كفره فهذا مخلد في النار بإجماع ومؤمن محسن لم يذنب قط ومات على ذلك فهذا في الجنة محتوم عليه حسب الخبر من الله تعالى بإجماع وتائب مات على توبته فهو عند أهل السنة وجمهور فقهاء الأمة لاحق بالمؤمن المحسن إلا أن قانون المتكلمين أنه في المشيئة ومذنب مات قبل توبته فهذا هو موضع الخلاف فقالت المرجئة هو في الجنة بإيمانه ولا تضره سيئاته وجعلوا آيات الوعيد كلها في الكفار وآيات الوعد عامة في المؤمنين تقيهم وعاصيهم وقالت المعتزلة إذا كان صاحب كبيرة فهو في النار ولا بد وقالت الخوارج إذا كان صاحب كبيرة أو صغيرة فهو في النار مخلد ولا إيمان له لأنهم يرون كل الذنوب كبائر وجعلوا آيات الوعد كلها في المؤمن الذي لم يعص قط والمؤمن التائب وقال أهل السنة هو في المشيئة وهذه الآية هي الحاكمة وهي النص في موضع النزاع وذلك أن قوله تعالى إن الله لا يغفر أن يشرك به فصل مجمع عليه وقوله ويغفر ما دون ذلك فصل قاطع للمعتزلة راد على قولهم ردا لا محيد لهم عنه ولو وقفنا في هذا الموضع من الكلام لصح قول المرجئة فجاء قوله لمن

يشاء ردا عليهم مبينا أن غفران ما دون الشرك إنما هو لقوم دون قوم بخلاف ما زعموه من أنه مغفور لكل مؤمن ولما حتم سبحانه على أنه لا يغفر الشرك ذكر قبح موقعه وقدره في الذنوب والفرية أشد مراتب الكذب قبحا وهو الاختلاق وقوله تعالى ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم بل الله يزكي من يشاء الآية لا خلاف بين المتأولين إن المراد بالآية اليهود وإنما اختلفوا في المعنى الذي به زكوا أنفسهم فقال الحسن وقتادة ذلك قولهم نحن ابناء الله واحباؤه وقولهم لن يدخل الجنة إلا من كان هودا إلى غير ذلك من غرورهم قال ع فتقتضي هذه الآية الغض من المزكي لنفسه بلسانه والإعلام بأن الزاكي المزكي من حسنت أفعاله وزكاه الله عز و جل قال ابن عباس وغيره الفتيل الخيط الذي في شق نواة التمرة وذلك راجع إلى الكناية عن تحقير الشيء وتصغيره وإن الله لا يظلمه ولا شيء دونه في الصغر فكيف بما فوقه وقوله تعالى أنظر كيف يفترون على الله الكذب الآية يبين أن تزكيتهم أنفسهم كانت بالباطل والكذب ويقوى أن التزكية كانت بقولهم نحن أبناء الله وأحباؤه إن الإفتراء أعظم في هذه المقالة وكيف يصح أن تكون في موضع رفع بالابتداء والخبر في قوله يفترون وكفى به إثما مبينا خبر في ضمنه تعجب وتعجيب من أمرهم قال ص وكفى به عائد على الإفتراء وقيل على الذكب انتهى وقوله تعالى ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت الآية اجمع المتأولون ان المراد بها طائفة من اليهود والقصص تبين ذلك ومجموع ما ذكره المفسرون فى تفسير الجبت والطاغوت يقتضي أنه كل ما عبد وأطيع من دون الله تعالى وقوله تعالى ويقولون للذين كفروا الاية سببها أن قريشا قالت لكعب بن الأشرف حين ورد مكة أنت سيدنا وسيد قومك إنا قوم ننحر الكوماء

ونقري الضيف ونصل الرحم ونسقي الحجيج ونعبد آلهتنا التي وجدنا عليها آباءنا وهذا محمد قد قطع الرحم فمن أهدى نحن أو هو فقال كعب أنتم أهدى منه وأقوم دينا فنزلت هذه الآية قاله ابن عباس فالضمير في يقولون عائد على كعب وعلى الجماعة التي معه من اليهود المحرضين على قتال النبي صلى الله عليه و سلم والذين كفروا في هذه الآية هم كفار قريش والإشارة بهؤلاء اليهم والذين آمنوا هم النبي صلى الله عليه و سلم وأمته وقالت فرقة بل المراد حيي ابن أخطب واتباعه وهم المقصود من أول الآيات قال ص للذين اللام للتبليغ متعلقة بيقولون انتهى وقوله تعالى أم لهم نصيب من الملك الآية عرف أم أن تعطف بعد إستفهام متقدم كقولك أقام زيد أم عمرو فإذا وردت ولم يتقدمها استفهام كما هي هنا فمذهب سيبويه أنها مضمنة معنى الإضراب عن الكلام الأول والقطع منه وهي متضمنة مع ذلك معنى الاستفهام فهي بمعنى بل مع همزة استفهام كقول العرب إنها لإبل أم شاء التقدير عند سيبويه أنها لإبل بل أهي شاء وكذلك هذا الموضع بل ألهم نصيب من الملك فإذا عرفت هذا فالمعنى على الأرجح الذي هو مذهب سيبويه والحذاق أن هذا إستفهام على معنى الإنكار أي ألهم ملك فإذن لو كان لبخلوا به والنقير هي النكتة التي في ظهر النواة من التمر هذا قول الجمهور وهذا كناية عن الغاية في الحقارة والقلة وتكتب إذا بالنون وبالألف فالنون هو الأصل كعن ومن وجاز كتبها بالألف لصحة الوقوف عليها فأشبهت نون التنوين ولا يصح الوقوف على عن ومن وقوله تعالى أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله الآية أم هذه على بابها من العطف بعد الاستفهام وقال ص أم يحسدون أم أيضا منقطعة تتقدر ببل والهمزة انتهى قلت والظاهر ما قاله ع واختلف في

المراد بالناس هنا فقال ابن عباس وغيره هو النبي صلى الله عليه و سلم والفضل النبوءة فقط والمعنى فلم يخصونه بالحسد ولا يحسدون آل إبراهيم في جميع ما آتيناهم من هذا وغيره من الملك وقال قتادة الناس هنا العرب حسدتها بنو إسرائيل في أن كان النبي صلى الله عليه و سلم منها والفضل على هذا التأويل هو محمد صلى الله عليه و سلم قال أبو عمر بن عبد البر وقد ذم الله قوما على حسدهم فقال أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله ثم حدث بسنده عن عمرو ابن ميمون قال لما رفع الله موسى نجيا رأى رجلا متعلقا بالعرش فقال يا رب من هذا فقال هذا عبد من عبادي صالح إن شئت أخبرتك بعمله فقال يا رب أخبرني فقال كان لا يحسد الناس على ما آتاهم الله من فضله ثم حدث أبو عمر بسنده عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم أن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب وذكر عبد الرزاق عن معمر عن إسماعيل بن أمية قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ثلاث لا يسلم منهن أحد الطيرة والظن والحسد قيل فما المخرج منهن يا رسول الله قال إذا تطيرت فلا ترجع وإذا ظننت فلا تحقق وإذا حسدت فلا تبغ انتهى من التمهيد وقوله تعالى فمنهم من آمن به اختلف في الضمير من به فقال الجمهور هو عائد على القرآن الذي في قوله تعالى ءامنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم من قبل أن نطمس وجوها فأعلم الله سبحانه أن منهم من آمن كما أمر فلذلك ارتفع الوعيد بالطمس ولم يقع وصد قوم ثبت الوعيد عليهم في الآخرة بقوله سحبانه وكفى بجهنم سعيرا وقيل هو عائد على إبراهيم عليه السلام وقيل هو عائد على الفضل الذي آتاه الله النبي عليى السلام والعرب على ما تقدم وقوله تعالى إن الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم نارا الآية لما تقدم في الآية وصف المردة من بني إسرائيل وذكر أفعالهم وذنوبهم

جاءت هذه الآية بالوعيد النص لهم بلفظ جلي عام لهم ولغيرهم ممن فعل فعلهم من الكفرة واختلف في معنى تبديل الجلود فقالت فرقة تبدل عليهم جلود اغيار إذ نفوسهم هي المعذبة والجلود لا تألم في ذاتها وقالت فرقة تبديل الجلود هو إعادة ذلك الجلد بعينه الذي كان في الدنيا إنما سماه تبديلا لأن أوصافه تتغير قال الحسن بن أبي الحسن تبدل عليهم في اليوم سبعين ألف مرة عافانا الله من عذابه برحمته ولما ذكر سبحانه وعيد الكفار عقب بوعد المؤمنين بالجنة على الإيمان والأعمال الصالحة وظليلا معناه عند بعضهم يقي الحر والبرد ويصح ان يريد أنه ظل لا يستحيل ولا يتنقل وصح وصفه بظليل لامتداده فقد قال صلى الله عليه و سلم ان في الجنة شجرة يسير الراكب الجواد المضمر في ظلها مائة سنة ما يقطعها ورأيت لبعضهم ما نصه وذكر الطبري في كتابه قال لما خلق الله عز و جل الجنة قال لها امتدي فقالت يا رب كم وإلى كم فقال لها امتدي مائة ألف سنة فامتدت ثم قال لها امتدي فقالت يا رب كم وإلى كم فقال امتدي مائة ألف سنة فامتدت ثم قال لها امتدي فقالت يا رب كم وإلى كم فقال لها امتدي مقدار رحمتي فامتدت فهي تمتد ابد الآبدين فليس للجنة طرف كما أنه ليس لرحمة الله طرف انتهى فهذا لا يعلم إلا من جهة السمع فهو مما اطلع عليه الطبري وهو إمام حافظ محدث ثقة قاله الخطيب أحمد بن علي بن ثابت وقوله تعالى إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها الآية قال ابن جريج وغيره الآية خطاب للنبي صلى الله عليه و سلم في أمر مفتاح الكعبة حين أخذه من عثمان بن طلحة ومن ابن عمه شيبة فطلبه العباس بن عبد المطلب ليضيف السدانة إلى السقاية دخل البني صلى الله عليه و سلم الكعبة وكسر ما كان فيها من الأوثان وأخرج مقام إبراهيم ونزل عليه جبريل بهذه الآية قال عمر بن الخطاب

فخرج النبي صلى الله عليه و سلم وهو يقرأ هذه الآية وما كنت سمعتها قبل منه فدعا عثمان وشيبة فقال لهما خذاها خالدة تالدة لا ينزعها منكم إلا ظالم ثم الآية بعد تتناول الولاة فيما لديهم من الأمانات في قسمة الأموال ورد الظلمات وعدل الحكومات وتتناول من دونهم من الناس في حفظ الودائع والتحرز في الشهادات وغير ذلك كالرجل يحكم في نازلة ما ونحوه والصلاة والزكاة والصيام وسائر العبادات أمانات لله تعالى قال ابن العربي في أحكامه هذه الآية في أداء الآمانة والحكم بين الناس عامة في الولاة والخلق لأن كل مسلم عالم بل كل مسلم حاكم ووال قال النبي صلى الله عليه و سلم المقسطون يوم القيامة على منابر من نور عن يمين الرحمن وكلتا يديه يمين وهم الذين يعدلون في أنفسهم وأهليهم وما ولوا وقال صلى الله عليه و سلم كلكم راع وكلكم مسؤل عن رعيته فالرجل راع في أهل بيته وهو مسؤل عنهم والعبد راع في مال سيده وهو مسؤول عنه وكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته فهذه الأحاديث الصحيحة تدل على ما قلناه انتهى ونعما أصله نعم ما سكنت الميم الأولى وادغمت في الثانية وحركت العين لإلتقاء الساكنين وخصت بالكسر اتباعا للنون وما المردوفة على نعم إنما هي مهيئة لاتصال الفعل بها ومع أنها موطئة فهي بمعنى الذي وقوله تعالى يا أيها الذين ءامنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول الآية لما تقدم إلى الولاة في الآية المتقدمة تقدم في هذه إلى الرعية فأمر بطاعته عز و جل وهي امتثال أوامره ونواهيه وطاعة رسوله وطاعة الأمراء على قول الجمهور وهو قول ابن عباس وغيره فالأمر على هذا التأويل هو ضد النهي ومنه لفظة الأمير وقال جابر وجماعة أولوا الأمر أهل القرآن والعلم قال عطاء طاعة الرسول هي اتباع سنته يعني بعد موته ولفظ ابن العربي في أحكامه قال قوله تعالى وأولي الأمر منكم فيها قولان الأول قال ميمون بن مهران

هم أصحاب السرايا وروى في ذلك حديثا وهو اختيار البخاري وروي عن ابن عباس أنها نزلت في عبد الله بن حذافة إذ بعثه النبي صلى الله عليه و سلم في سرية والثاني هم العلماء وبه قال أكثر التابعين واختاره مالك والطبري والصحيح عندي أنهم الأمراء والعلماء أم الأمراء فلأن الأمر منهم والحكم إليهم وأما العلماء فلأن سؤالهم متعين على الخلق وجوابهم لازم وامتثال فتواهم واجب ويدخل فيه تأمر الزو على الزوجة لأنه حاكم عليها انتهى وقوله تعالى فإن تنازعتم في شيء الآية معنى التنازع أن كل واحد ينتزع حجة الآخر ويذهبها والرد إلى الله هو النظر في كتابه العزيز والرد إلى الرسول هو سؤاله صلى الله عليه و سلم في حياته والنظر في سنته بعد وفاته هذا قول مجاهد وغيره وهو الصحيح وقوله سبحانه إن كنتم تؤمنون بالله الآية فيه بعض وعيد وتأويلا معناه مآلا في قول جماعة وقال قتادة وغيره المعنى أحسن عاقبة وقالت فرقة المعنى أن الله ورسوله أحسن نظرا وتأولا منكم إذا انفردتم بتأولكم وقوله تعالى ألم تر إلىالذين يزعمون أنهم ءامنوا بما أنزل إليك الآية تقول العرب زعم فلان كذا في الأمر الذي يضعف فيه التحقيق وغاية درجة الزعم إذا قوي أن يكون مظنونا وإذا قال سيبويه زعم الخليل فإنما يستعملها فيما انفرد الخليل به وكان اقوى رتب زعم ان تبقى معها عهدة الخبر على المخبر قال عامر الشعبي نزلت الآية في منافق اسمه بشر خاصم رجلا من اليهود فدعاه اليهودي إلى المسلمين لعلمه أنكم لا يرتشو وكان المنافق يدعو اليهودي إلى اليهود لعلمه أنهم يرتشون فاتفقا بعد ذلك على أن أتيا كاهنا كان بالمدينة فرضياه فنزلت هذه الآية فيهما وفي صنفيهما فالذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل على محمد عليه السلام هم المنافقون والذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل من قبله هم اليهود وكل قد أمر في كتابه بالكفر بالطاغوت والطاغوت

هنا الكاهن المذكور فهذا تأنيب للصنفين وقال ابن عباس الطاغوت هنا هو كعب ابن الأشرف وهو الذي تراضيا به وقيل غير هذا وقوله رأيت هي رؤية عين لمن صد من المنافقين مجاهرة وتصريحا وهي رؤية قلب لمن صد منهم مكرا وتخابثا ومسارقة حتى لا يعلم ذلك منه إلا بالقرائن الصادرة عنه وقوله تعالى فكيف إذا أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم قالت فرقة هي في المنافقين الذين احتكموا حسبما تقدم فالمعنى فكيف بهم إذا عاقبهم الله بهذه الذنوب بنقمة منه ثم حلفوا إن أرادنا بالاحتكام إلى الطاغوت إلا توفيق الحكم وتقريبه وقوله تعالى اولائك الذين يعلم الله ما في قلوبهم تكذيب لهم وتوعد أي فهو سبحانه مجازيهم فأعرض عنهم وعظهم بالتخويف من عذاب الله وغيره من المواعظ وقوله سبحانه وقل لهم في أنفسهم قال ص أي قل لهم خاليا بهم لأن النصح إذا كان في السر كان أنجح أو قل لهم في حال أنفسهم النجسة المنطوية على النفاق قولا يبلغ منهم الزجر عن العود إلى ما فعلوا انتهى واختلف في القول البليغ فقيل هو الزجر والردع والكف بالبلاغة من القول وقيل هو التوعد بالقتل إن استداموا حالة النفاق قاله الحسن وهذا أبلغ ما يكون في نفوسهم والبلاغة مأخوذة من بلوغ المراد بالقول وقوله تعالى وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله تنبيه على جلالة الرسل أي فأنت يا محمد منهم تجب طاعتك وتتعين إجابة الدعوة إليك وبإذن الله معناه بأمر الله وظلموا أنفسهم أي بالمعصية والنفاق وعن العتبي قال كنت جالسا عند قبر النبي صلى الله عليه و سلم فجاء أعرابي فقال السلام عليك يا رسول الله سمعت الله تعالى يقول ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما وقد جئتك مستعفيا من ذنوبي مستغفرا إلى ربي ثم انشأ يقول

يا خير من دفنت بالقاع اعظمه ... فطاب من طيبهن القاع والأكم ...
... نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه ... فيه العفاف وفيه الجود والكرم ...
قال ثم انصرف فحملتني عيناي فرأيت النبي صلى الله عليه و سلم في النوم فقال لي يا عتبي إلحق الأعرابي فبشره أن الله تعالى قد غفر له انتهى من حلية النووي وسنن الصالحين للباجي وفيه مستغفرا من ذنوبي مستشفعا بك إلى ربي وقوله تعالى فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم الآية قال الطبري قوله فلا رد على ما تقدم تقديره فليس الأمر كما يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك ثم استأنف القسم وقال غيره إنما قدم لا على القسم اهتماما بالنهي وإظهارا لقوته قال ابن عطاء الله في التنوير وفي قوله سبحانه فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم دلالة على أن الإيمان الحقيقي لا يحصل إلا لمن حكم الله ورسوله على نفسه قولا وفعلا وأخذا وتركا وحبا وبغضا فتبين لك من هذا أنه لا تحصل لك حقيقة الإيمان بالله إلا بأمرين الامتثال لأمره والاستسلام لقهره سبحانه انتهى وشجر معناه اختلط والتف من أمورهم وهو من الشجر شبه بالتفاف الأغصان والحرج الضيق والتكلف والمشقة قال مجاهد حرجا شكا وقوله تسليما مصدر مؤكد منبىء عن التحقيق في التسليم لأن العرب إنما تردف الفعل بالمصدر إذا أرادت أن الفعل وقع حقيقة كما قال تعالى وكلم الله موسى تكليما قال مجاهد وغيره المراد بهذه الآية من تقدم ذكره ممن أراد التحاكم إلى الطاغوت وفيهم نزلت ورجح الطبري هذا لأنه أشبه بنسق الآية وقالت طائفة نزلت فى رجل خاصم الزبير بن العوام فى السقي بماء الحرة كما هو مذكور فى البخاري وغيره وان الزبير قال فما احسب ان هذه الآية نزلت إلا في ذلك وكتبنا معناه فرضنا أن أقتلوا أنفسكم معناه يقتل بعضكم بعضا وقد تقدم نظيره في البقرة

وسبب الاية على ما حكى أن اليهود قالوا لما لم يرض المنافق بحكم النبي صلى الله عليه و سلم ما رأينا أسخف من هؤلاء يؤمنون بمحمد ثم لا يرضون بحكمه ونحن قد أمرنا بقتل أنفسنا ففعلنا وبلغ القتل فينا سبعين ألفا فقال ثابت بن قيس لو كتب ذلك علينا لفعلناه فنزلت الآية معلمة بحال أولئك المنافقين وانه لو كتب ذلك على الأمة لم يفعلوه وما كان يفعله إلا قليل مؤمنون محققون كثابت قلت وفي العتبية عن مالك عن أبي بكر رضي الله عنه نحو مقالة ثابت بن قيس قال ابن رشد ولا شك أن أبا بكر من القليل الذي استثنى الله تعالى في الآية فلا احد أحق بهذه الصفة منه انتهى قال ص إلا قليل الجمهور بالرفع علىالبدل من واو فعلوه عند البصريين انتهى ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به أي لو أن هؤلاء المنافقين اتعظوا وأنابوا لكان خيرا لهم وتثبيتا معناه يقينا وتصديقا ونحو هذا أي يثبتهم الله ثم ذكر تعالى ما كان يمن به عليهم من تفضله بالأجر ووصفه إياه بالعظيم مقتض ما لا يحصيه بشر من النعيم المقيم والصراط المستقيم الإيمان المؤدي إلى الجنة والمقصود تعديد ما كان ينعم به عليهم سبحانه وقوله جلت عظمته ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم الآية لما ذكر الله سبحانه الأمر الذي لو فعلوه لأنعم عليهم ذكر بعد ذلك ثواب من يفعله وهذه الاية تفسر قوله تعالى اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم وقالت طائفة إنما نزلت هذه الاية لما قال عبد الله بن زيد الأنصاري الذي أري الأذان يا رسول الله إذا مت ومتنا كنت في عليين فلا نراك ولا نجتمع بك وذكر حزنه على ذلك فنزلت هذه الآية قال ع ومعنى أنهم معهم في دار واحدة ومتنعم واحد وكل من فيها قد رزق الرضى بحاله وذهب عنه أن يعتقد أنه مفصول وإن كنا نحن قد علمنا من

الشريعة أن أهل الجنة تختلف مراتبهم على قدر أعمالهم وعلى قدر فضل الله على من يشاء والصديق فعيل من الصدق وقيل من الصدقة وروي عن النبي صلى الله عليه و سلم الصديقون المتصدقون ولفظ الشهداء في هذه الآية يعم أنواع الشهداء قال ص وحسن اولائك رفيقا فيه معنى التعجب كأنه قال وما أحسن أولئك رفيقا وقد قدمنا في كلام ابن الحاج ما يدل على أن التعجب لازم لفعل المستعمل للمدح والذم على كل حال سواء استعملت استعمال نعم أو لا انتهى وقوله تعالى ذلك الفضل من الله الإشارة بذلك إلى كون المطيعين مع المنعم عليهم وقوله تعالى يا أيها الذين ءامنوا خذوا حذركم الآية هذا خطاب المخلصين من أمة نبينا محمد صلى الله عليه و سلم وأمر لهم بجاهد الكفار والخروج في سبيل الله وحماية الإسلام وخذوا حذركم أي احزموا واستعدوا بأنواع الاستعداد وانفروا معناه اخرجوا وثبات معناه جماعات متفرقات وهي السرايا والثبة حكي أنها فوق العشرة وجميعا معناه الجيش الكثير مع النبي صلى الله عليه و سلم هكذا قال ابن عباس وغيره وقوله تعالى وإن منكم إيجاب والخطاب لجماعةالمؤمنين والمراد بمن المنافقون وعبر عنهم بمنكم إذ هم في الظاهر في عداد المؤمنين واللام الداخلة على من لام التأكيد والداخلة على يبطئن لام القسم عند الجمهور وتقديره وإن منكم لمن والله ليبطئن ويبطئن معناه يبطيء غيره أي يثبطه ويحمله على التخلف عن مغازي رسول الله صلى الله عليه و سلم ومصيبة يعني من قتال واستشهاد وإنما هي مصيبة بحسب اعتقاد المنافقين ونظرهم الفاسد وإنما الشهادة في الحقيقة نعمة من الله سبحانه لحسن مئالها وشهيدا معناه مشاهدا وقوله تعالى ولئن أصابكم فضل من الله أي ظفرتم وغنمتم ندم المنافق وقال يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزا عظيما متمنيا شيئا قد

كان عاهد أن يفعله ثم غدر في عهده وقوله تعالى كأن لم يكن بينكم وبينه مودة التفاتة بليغة واعتراض بين القائل والمقول بلفظ يظهر زيادة في قبح فعلهم وقال الزجاج قوله كأن لم يكن بينكم وبينه مودة مؤخر وإنما موضعه فإن أصابكم مصيبة قال ع وهذا ضعيف لأنه يفسد فصاحة الكلام قال ص وقوله فأفوز بالنصب هو جواب التمني انتهى وقوله تعالى فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة الآية هذا أمر من الله سبحانه للمؤمنين بالجهاد ويشرون هنا معناه يبيعون ثم وصف سبحانه ثواب المقاتلين والأجر العظيم الجنة وقوله تعالى وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله الآية ما استفهام والمستضعفين عطف على اسم الله عز و جل أي وفي سبيل المستضعفين لاستنقاذهم ويعني بالمستضعفين من كان بمكة تحت إذلال كفرة قريش وفيهم كان صلى الله عليه و سلم يقول اللهم أنج المستضعفين من المؤمنين والولدان عبارة عن الصبيان والقرية هنا مكة بإجماع والآية تتناول المؤمنين والأسرى في حواضر الشرك إلى يوم القيامة قال ابن العربي في أحكامه قال علماؤنا رحمهم الله أوجب الله تعالى في هذه الآية القتال لاستنقاذ الأسرى من يد العدو وقد روى الأئمة أن النبي صلى الله عليه و سلم قال أطعموا الجائع وعودوا المريض وفكوا العاني ينعي الأسير قال مالك رحمه الله على الناس أن يفكوا الأسرى بجميع أموالهم وكذلك قالوا عليهم أن يواسوهم انتهى وقوله تعالى الذين ءامنوا يقاتلون في سبيل الله الآية هذه الآية تقتضي تقوية قلوب المؤمنين وتحريضهم وقرينة ذكر الشيطان بعد تدل على أن المراد بالطاغوت هنا الشيطان وإعلامه تعالى بضعف كيد الشيطان فيه تقوية لقلوب المؤمنين وتجرئة لهم على مقارعة الكيد الضعيف فإن العزم والحزم الذي يكون على حقائق الإيمان يكسره ويهده

وقوله تعالى ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا ايديكم وأقيموا الصلوة الآية اختلف المتأولون فيمن المراد بقوله الذين قيل لهم فقال ابن عباس وغيره كان جماعة من المؤمنين قد انفوا من الذل بمكة قبل الهجرة وسألوا رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يبيح لهم مقاتلة المشركين فامرهم عن الله تعالى بكف الايدى فلما كتب عليهم القتال بالمدينة شق ذلك على بعضهم ولحقهم ما يلحق البشر من الخور والكع عن مقارعة العدو فنزلت الآية فيهم وقال ابن عباس ايضا ومجاهد انما الآية حكاية عن حال اليهود انهم فعلوا ذلك مع نبيهم في وقته فمعنى الحكاية عنهم تقبيح فعلهم ونهي المؤمنين عن فعل مثله وقيل المراد المنافقون واو تقدم شرحها في سورة البقرة في قوله تعالى او اشد قسوة لان الموضعين سواء وقولهم لم كتبت علينا القتال رد في صدر اوامر الله سبحانه وقلة استسلام له والاجل القريب يعنون به موتهم على فرشهم هكذا قال المفسرون قال ع وهذا يحسن إذا كانت الآية في اليهود أو في المنافقين وأما إذا كانت في طائفة من الصحابة فانما طلبوا التأخر إلى وقت ظهور الاسلام وكثرة عددهم ويحسن القول بانها في المنافقين اطراد ذكرهم فيما يأتى بعد من الآيات وقوله سبحانه قل متاع الدنيا قليل الآية المعنى قل يا محمد لهؤلاء متاع الدنيا أي الاستمتاع بالحياة فيها الذى حرصتم عليه قليل وباقى الآية بين وهذا اخبار منه سبحانه يتضمن تحقير الدنيا قلت ولما علم الله في الدنيا من الآفات حمى منها اولياءه ففي الترمذي عن قتادة بن النعمان عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال إذا احب الله عبدا حماه الدنيا كما يظل احدكم يحمى سقيمه الماء قال أبو عيسى وفي الباب عن صهيب وأم المنذر وهذا حديث حسن وفي الترمذي عن ابن مسعود قال نام النبي صلى الله عليه و سلم على حصير فقام وقد اثر في جنبه فقلنا

يا رسول الله لو اتخذنا لك فراشا فقال مالى وما للدنيا ما أنا في الدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها وفي الباب عن ابن عمر وابن عباس قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح انتهى وقوله سبحانه في بروج الاكثر والاصح الذى عليه الجمهور أنه اراد بالبروج الحصون التي في الأرض المبنية لانها غاية البشر في التحصن والمنعة فمثل الله لهم بها قال قتادة المعنى في قصور محصنة وقاله ابن جريج والجمهور وبرج معناه ظهر ومنه تبرج المرأة ومشيدة قال الزجاج وغيره معناه مرفوعة مطولة ومنه اشاد الرجل ذكر الرجل إذا رفعه وقالت طائفة مشيدة معناه محسنة باللشيد وهو الجص وروى النساءي عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه و سلم قال اكثروا ذكر هادم اللذات يقنى الموت وخرجه ابن ماجه والترمذي وخرجه أبو نعيم الحافظ بإسناده من حديث مالك بن انس عن يحي بن سعيد عن ابن المسيب عن عمر بن الخطاب عن النبي صلى الله عليه و سلم بمثله وروى ابن ماجة بسنده عن ابن عمر انه قال كنت جالسا مع النبي صلى الله عليه و سلم فجاء رجل من الانصار فسلم على النبي صلى الله عليه و سلم فقال يا رسول الله أي المؤمنين افضل قال احسنهم خلقا قال فأي المؤمنين اكيس قال اكثرهم للموت ذكرا واحسنهم لما بعده استعدادا اولائك الاكياس واخرجه مالك ايضا انتهى من التذكرة وقوله تعالى وإن تصبهم حسنة الآية الضمير في تصبهم عائد على الذين قيل لهم كفوا ايديكم وهذا يدل على انهم المنافقون لان المؤمنين لا تليق بهم هذه المقالة ولان اليهود لم يكونوا للنبي صلى الله عليه و سلم تحت امر فتصيبهم بسببه اسواء والمعنى أن تصب هؤلاء المنافقين حسنة من غنيمة أو غير ذلك رأوا أن ذلك بالاتفاق من صنع الله لا ببركة اتباعك والايمان بك وان

تصبهم سيئة أي هزيمة أو شدة جوع أو غير ذلك قالوا هذه بسببك وقوله قل كل من عند الله إعلام من الله سبحانه أن الخير والشر والحسنة والسيئة خلق له ومن عنده لا رب غيره ولا خالق ولا مخترع سواه والمعنى قل يا محمد لهؤلاء ثم وبخهم سبحانه بالاستفهام عن علة جهلهم وقلة فهفهم وتحصيلهم لما يخبرون به من الحقائق والفقه في اللغة الفهم وفي الشرع الفهم في أمور الدين ثم غلب عليه الإستعمال في علم المسائل الأحكامية وقوله تعالى ما أصابك من حسنة فمن الله الآية خطاب للنبي صلى الله عليه و سلم وغيره داخل في المعنى ومعنى الآية عند ابن عباس وغيره على القطع واستيناف الأخبار من الله عز و جل بأن الحسنة منه ومن فضله وبأن السيئة من الإنسان بإذنابه وهي من الله تعالى بخلقه واختراعه لا خالق سواه سبحانه لا شريك له وفي مصحف ابن مسعود فمن نفسك وأنا قضيتها عليك وقرأ بها ابن عباس وفي وراية وأنا قدرتها عليك ويعضد هذا التأويل أحاديث عن النبي صلى الله عليه و سلم معناه أن ما يصيب ابن آدم من المصائب فإنما هو عقوبة ذنوبه قال أبو جعفر أحمد بن نصر الداودي قوله تعالى وما أصابك من سيئة فمن نفسك خطاب للنبي صلى الله عليه و سلم والمراد غيره انتهى وفي قوله سبحانه وأرسلناك للناس رسولا ثم تلاه بقوله وكفى بالله شهيدا توعد للكفار وتهديد تقتضيه قوة الكلام لأن المعنى شهيدا على من كذبه وقوله تعالى من يطع الرسول فقد أطاع الله فالمعنى أن الرسول عليه السلام إنما يأمر وينهي بيانا وتبليغا عن الله وتولى معناه أعرض وحفيظا يحتمل معنيين أي لتحفظهم حتى لا يقعوا في الكفر والمعاصي ونحوه أو لتحفظ مساويهم وتحسبها عليهم وهذه الآية تقتضي الإعراض عن من تولى والترك له وهي قبل نزول القتال وإنما كانت توطئة ورفقا من الله

عز و جل حتى يستحكم أمر الإسلام وقوله تعالى ويقولون طاعة الآية نزلت في المنافقين باتفاق المفسرين المعنى يقولون لك يا محمد أمرنا طاعة فإذا خرجوا من عندك اجتمعوا ليلا وقالوا غير ما أظهروا لك وبيت معناه فعل ليلا وهو مأخوذ من بات أو من البيت لأنه ملتزم بالليل وقوله تقول يحتمل أن يكون معناه تقول أنت ويحتمل تقول هي لك والأمر بالإعراض إنما هو عند معاقبتهم ومجازاتهم وأما استمرار عظتهم ودعوتهم فلازم ثم أمر سبحانه بالتوكل عليه والتمسك بعروته الوثقى ثقة بإنجاز وعده في النصر والوكيل القائم بالأمور المصلح لما يخاف من فسادها وقوله تعالى أفلا يتدبرون القرآن الآية المعنى أفلا يتدبر هؤلاء المنافقون كلام الله تعالى فتظهر لهم براهينه وتلوح لهم أدلته قلت اعلم رحمك الله تعالى أن تدبر القرآن كفيل لصاحبه بكل خير وأما الهدرمة والعجلة فتأثيرها في القلب ضعيف قال النووي رحمه الله وقد كره جماعة من المتقدمين الختم في يوم وليلة ويدل عليه ما رويناه بالأسانيد الصحيحة في سنن أبي داود والترمذي والنسائي وغيرها عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لا يفقه من قرأ القرآن في اقل من ثلاث انتهى قال ع والتدبر هو النظر في أعقاب الأمور وتأويلات الأشياء هذا كله يقتضيه قوله سبحانه أفلا يتدبرون القرآن وهذا أمر بالنظر والاستدلال ثم عرف تعالى بموقع الحجة أي لو كان من كلام البشر لدخله ما في البشر من القصور وظهر فيه التناقض والتنافي الذي لا يمكن جمعه إذ ذلك موجود في كلام البشر والقرآن منزه عنه إذ هو كلام المحيط بكل شيء سبحانه قال ع فإن عرضت لأحد شبهة وظن اختلافا في شيء من كتاب الله فالواجب أن يتهم نظره ويسأل من هو أعلم منه وقوله تعالى وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف الآية

قال جمهور المفسرين أن الآية في المنافقين حسبما تقدم والمعنى أن المنافقين كانوا يتشوفون إلى سماع ما يسيء النبي صلى الله عليه و سلم فإذا طرأت لهم شبهة أمن للمسلمين أو فتح عليهم حقروها وصغروا شأنها وأذاعوا ذلك التحقير والتصغير وإذا طرأت لهم شبهة خوف للمسلمين أو مصيبة عظموها وأذاعوا ذلك وأذاعوا به معناه أفشوه وهو فعل يتعدى بحرف الجر وبنفسه أحيانا وقالت فرقة الاية نزلت في المنافقين وفيمن ضعف جلده وقلت تجربته من المؤمنين وفي الصحيح من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه جاء وقوم في المسجد يقولون طلق رسول الله صلى الله عليه و سلم نساءه ثم قال فقلت يا رسول الله أطلقت نساءك فقال لا قال عمر فقمت على باب المسجد فقلت ألا إن رسول الله صلى الله عليه و سلم لم يطلق نساءه فأنزل الله تعالى هذه الآية وإذ جاءهم أمر من الأمن أو الخوف الآية قال وأنا الذي استنبطته وقوله تعالى ولو ردوه إلى الرسول الآية المعنى لو أمسكوا عن الخوض واستقصوا الأمر من قبل الرسول وأولي الأمر وهم الأمراء والعلماء لعلمه طلابه من أولي الأمر والبحثة عنه وهم مستنبطوه كما يستنبط الماء وهو استخراجه من الأرض وقوله سبحانه ولولا فضل الله عليكم ورحمته الآية خطاب لجميع المؤمنين باتفاق من المتأولين وقوله إلا قليلا هو مستنثى في قول جماعة من قوله لا تبعتم الشيطان إلا قليلا وقال ابن عباس وابن زيد ذلك مستثنى من قوله اذاعوا به إلا قليلا ورجحه الطبري وقال قتادة هو مستثنى من قوله يستنبطونه إلا قليلا ت قال الداودي قال أبو عبيدة وإنما كره العلماء أن يجعلوا الاستثناء من قوله لاتبعتم الشيطان إلا قليلا لأنه لا وجه له فإنه لولا فضل الله ورحمته لاتبعوا الشيطان كلهم انتهى وهو حسن وأما قوله لا وجه له ففيه نظر فقد وجهه العلماء بما لا نطيل بذكره وقوله تعالى فقاتل

في سبيل الله الاية هذا أمر في ظاهر اللفظ للنبي صلى الله عليه و سلم وحده لكن لم نجد قط في خبر أن القتال فرض على النبي صلى الله عليه و سلم دون الأمة مدة ما والمعنى والله أعلم أنه خطاب للنبي صلى الله عليه و سلم في اللفظ وهو مثال ما يقال لكل واحد في خاصة نفسه أي أنت يا محمد ولك واحد من أمتك القول له فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك ولهذا ينبغي لكل مؤمن أن يستشعر أن يجاهد ولو وحده ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه و سلم والله لأقاتلنكم حتى تنفرد سالفتي وقول أبي بكر رضي الله عنه وقت الردة ولول خالفتني يميني لجاهدتها بشمالي وعسى إذا وردت من الله تعالى فقال عكرمة وغيره هي واجبة بفضل الله ووعده الجميل قلت أي واقع ما وعد به سبحانه والتنكيل الأخذ بأنواع العذاب وقوله سبحانه من يشفع شفاعة حسنة الآية قال مجاهد وغيره هي في شفاعات الناس بينهم في حوائجهم فمن يشفع لينفع فله نصيب ومن يشفع ليضر فله كفل والكفل النصيب ويستعمل في الخير وفي الشر وفي كتاب الله تعالى يؤتكم كفلين من رحمته وروى أبو داود عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال من شفع لأحد شفاعة فأهدى له هدية عليها فقبلها قد أتى بابا عظيما من أبواب الربا انتهى ومقيتا معناه قديرا ومنه قول الزبير بن عبد المطلب ... وذي ضغن كففت النفس عنه ... وكنت على إساءته مقيتا ...
أي قديرا وقيل ميتا معناه شهيدا وقيل حفيظا وذهب مقاتل إلى أنه الذي يقوت كل حيوان قال الداودي قال الكلبي المقيت هوالمقدر بلغة قريش انتهى وقوله سبحانه وإذا حييتم بتحية الآية قالت فرقة معنى الآية تخيير الراد فإذا قال البادىء السلام عليك فللراد أن يقول وعليك السلام فقط وهذا هو

الرد وله أن يقول وعليك السلام ورحمة الله وهذا هو التحية بأحسن وروي عن ابن عمر وغيره انتهاء السلام إلى البركة وقالت فرقة المعنىإذا حييتم بتحية فإن نقص المسلم من النهاية فحيوا بأحسن منهاوإن انتهى فردوها كذلك قال عطاء والآية في المؤمنين خاصة ومن سلم من غيرهم فيقال له عليك كما في الحديث وفي أبي داود والترمذي أن النبي صلى الله عليه و سلم قال أولى الناس بالله من بدأ بالسلام انتهى واكثر أهل العلم على أن الابتداء بالسلام سنة مؤكدة ورده فريضة لأنه حق من الحقوق قاله الحسن وغيره قال النووي وروينا في كتاب ابن السني عن أنس عن النبي صلى الله عليه و سلم قال ما من عبدين متحابين في الله عز و جل يستقبل أحدهما صاحبه فيصافحه فيصلينان على النبي صلى الله عليه و سلم إلا لم يتفرقا حتى تغفر ذنوبهما ما تقدم منها وما تأخر وروينا فيه عن أنس أيضا قال ما أخذ رسول الله صلى الله عليه و سلم بيد رجل ففارقه حتى قال اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار وروينا فيه عن البراء بن عازب قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم أن المسلمين إذا التقيا فتصافحا وتكاشرا بود ونصيحة تناثرت خطاياهما بينهما وفي رواية إذا التقى المسلمان فتصافحا وحمدا الله تعالى واستغفرا غفر الله عز و جل لهما انتهى حسيبا معناه حفيظا وهو فعيل من الحساب وقوله سبحانه الله لا إله إلا هو ليجمعنكم الآية لما تقدم الإنذار والتحذير الذي تضمنه قوله تعالى إن الله كان على كل شيء حسيبا تلاه الإعلام بصفة الربوبية وحال الوحدانية والإعلام بالحشر والبعث من القبور للثواب والعقاب إعلاما بقسم تقديره وحقه وعظمته ليجمعنكم والجمع بمعنى الحشر وقوله سبحانه ومن أصدق من الله حديثا المعنى لا أحد أصدق من الله تعالى وقوله تعالى فما لكم في

المنافقين فئتين الآية واختلف في هؤلاء المنافقين فقال ابن عباس هم قوم كانوا بمكة أظهروا الإيمان لأصحاب النبي صلى الله عليه و سلم في كتب بعثوا بها إلى المدينة ثم خرجوا مسافرين إلى الشام واعطتهم قريش بضاعات وقالوا لهم أنتم لا تخافون أصحاب محمد لأنكم تخدعونهم بإظهار الإيمان فاتصل خبرهم بالمدينة فاختلف المؤمنون فيهم فقالت فرقة نخرج إليهم فإنهم منافقون وقالت فرقة بل هم مؤمنون لا سبيل لنا إليهم فنزلت الآية وعن مجاهد نحوه قال ع ويعضده ما في آخر الآية من قوله تعالى حتى يهاجروا وقال زيد بن ثابت نزلت في عبد الله بن أبي وأصحابه المنافقين الذين رجعوا عن النبي صلى الله عليه و سلم يوم أحد وهم في صحيح البخاري مسندا قال ابن العربي في أحكامه وهذا القول هو اختيار البخاري والترمذي انتهى قال ع وعلى هذا فقوله سبحانه حتى يهاجروا المراد هجر ما نهى الله عنه كما قال عليه السلام والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه وفئتين معناه فرقتين واركسهم معناه أرجعهم في كفرهم وضلالهم والركس الرجيع ومنه قوله صلى الله عليه و سلم في الروثة أنها ركس وحكى النضر بن شميل والكسائي ركس وأركس بمعنى واحد أي أرجعهم ومن قال من المتأولين أهلكهم أو أضلمهم فإنما هو بالمعنى وباقي الآية بين قال ص اركسهم أي ردهم في الكفر وقال ابن العربي في أحكامه أخبر الله تعالى أنه رد المنافقين إلى الكفر وهو الإركاس وهو عبارة عن الرجوع إلى الحالة المكروهة كما قال في الروثة أنها ركس أي رجعت إلى حالة مكروهة فنهى الله سبحانه الصحابة ان يتعلقوا فيهم بظاهر الإيمان إذ كان باطنهم الكفر وأمرهم بقتلهم حيث وجدوهم انتهى وقوله تعالى إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق الآية قال ص إلا الذين يصلون استثناء متصل من

مفعول فخذوهم واقتلوهم انتهى قال ع هذه الآية من آيات الموادعة في أول الإسلام ثم نسخت بما في سورة براءة فالآية تقتضي أن من وصل من المشركين الذين لا عهد بينهم وبين النبي صلى الله عليه و سلم إلى هؤلاء أهل العهد فدخل في عدادهم وفعل فعلهم من الموادعة فلا سبيل عليه وقوله تعالى أو جاءوكم عطف على يصلون ويحتمل أن يكون على قوله بينكم وبينهم ميثاق والمعنى في العطفين مختلف وهذا أيضا حكم قبل أن يستحكم أمر الإسلام فكان المشرك إذا اعتزل القتال وجاء إلى دار الإسلام مسالما كارها لقتال قومه مع المسلمين ولقتال المسلمين مع قومه لا سبيل عليه وهذه نسخت أيضا بما في براءة ومعنى حصرت ضاقت وحرجت ومنه الحصر في القول وهو ضيق الكلام على المتكلم وحصرت في موضع نصب على الحال والسلام في قوله لسلطهم جواب لو والمعنى ولو شاء الله لسلط هؤلاء الذين هم بهذه الصفة من المسالمة والمتاركة عليكم فإن اعتزلوكم أي إذا وقع هذا فلم يقاتلوكم فلا سبيل لكم عليهم وهذا كله والذي في سورة الممتحنة لا ينهاكم الله الآية منسوخ قاله قتادة وغيره والسلم هاهنا الصلح وقوله تعالى ستجدون ءاخرين يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم الآية لما وصف الله سبحانه المحققين في المتاركة والقاء السلم نبه على طائفة مخادعة كانوا يريدون الإقامة في مواضعهم مع أهليهم يقولون لهم نحن معكم وعلى دينكم ويقولون أيضا للمسلمين نحن معكم وعلى دينكم خبثة منهم وخديعة وقوله إلى الفتنة معناه إلى الاختبار حكي أنهم كانوا يرجعون إلى قومهم فيقال لأحدهم قل ربي الخنفساء ربي العود ربي العقرب ونحوه فيقولها ومعنى أركسوا أي رجعوا رجع ضلالة أي أهلكوا في الاختبار بما واقعوه من الكفر وهذه الآية حض على قتل هؤلاء المخادعين إذا لم يرجعوا عن حالهم وثقفتموهم مأخوذ من الثقاف أي

ظفرتم بهم مغلوبين متمكنا منهم والسلطان الحجة قال عكرمة حيثما وقع السلطان في كتاب الله عز و جل فهو الحجة وقوله تعالى وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ الآية قال جمهور المفسرين معنى الآية وما كان في إذن الله وفي أمره للمؤمن أن يقتل مؤمنا بوجه ثم استثنى استثناء منقطعا ليس من الأول وهو الذي تكون فيه إلا بمعنى لكن والتقدير لكن الخطأ قد يقع ويتجه في معنى الآية وجه آخر وهو أن تقدر كان بمعنى استقر ووجد كانه قال وما وجد ولا تقرر ولا ساغ لمؤمن ان يقتل مؤمنا إلا خطأ إذ هو مغلوب فيه فيجيء الاستثناء على هذا متصلا وتتضمن الاية على هذا اعظام العمد وبشاعة شأنه وقوله تعالى وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ الآية حقيقة الخطأ أن لا يقصده بالقتل ووجوه الخطأ كثيرة لا تحصى يربطها عدم القصد قال ابن عباس وغيره الرقبة المؤمنة هي الكبيرة التي قد صلت وعقلت الإيمان وقالت جماعة منهم مالك بن أنس يجزىء كل من يحكم له بحكم الإسلام في الصلاة عليه إن مات قال مالك ومن صلى وصام أحب إلي ولا يجزىء ذو العيب الكثير كأقطع اليدين أو الرجلين أو الأعمى إجماعا فيما علمت ومسلمة معناه مؤداة مدفوعة وهي على العاقلة فيما جاوز ثلث الدية وإلا أن يصدقوا يريد أولياء القتيل وقوله فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن الآية أي وإن كان هذا المقتول خطأ مؤمنا قد آمن وبقي في قومه وهم كفرة عدو لكم فلا دية فيه وإنما كفارته تحرير الرقبة قاله ابن عباس وغيره وسقطت الدية عندهم لوجهين أحدهما أن أولياء المقتول كفار فلا يصح دفع الدية إليهم والآخر قلة حرمة هذا المقتول فلا دية فيه واحتجوا بقوله تعالى والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا وقالت فرقة بل الوجه في سقوط الدية أن الأولياء

كفار فقط وسواء قتل بين أظهر المسلمين أو بين قومه الكفار لأنه لا يصح دفعها إلى الكفار قال ع وقائل المقالة الاولى يقول أن قتل المؤمن في بلد المسلمين وقومه حرب ففيه الدية لبيت المال والكفارة وقوله تعالى وان كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق الآية قال ابن عباس وغيره المقتول من اهل العهد خطأ لانبالى كان مؤمنا او كافرا على عهد قومه فيه الدية والتحرير وقوله فمن لم يجد فصيام شهرين الآية أي فمن لم يجد الرقبة ولا اتسع ماله لشرائها فيجزيه صيام شهرين متتابعة الايام لا يتخللها فطر وتوبة نصب على المصدر ومعناه رجوعا بكم إلى التيسير والتسهيل وقوله تعالى ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم الآية المتعمد في لغة العرب القاصد إلى الشيء والجمهور إن المتعمد كان من قتل كان القتل بحديدة أو غيرها وهذا هو الصحيح ورأى الشافعي وغير أن القتل بغير الحديد المشحوذ هو شبه العمد ورأوا فيه تغليظ الدية ومالك لا يرى شبه العمد ولا يقول به وإنما القتل عنده ما ذكره الله تعالى عمد أو خطأ لا غير وقوله تعالى فجزاؤه جهنم تقديره عند أهل السنة فجزاؤه ان جازاه بذلك أي هو أهل لذلك ومستحقه لعظيم ذنبه قال ع ومن اقيم عليه الحد وقتل قودا فهو غير متبع في الآخرة والوعيد غير نافذ عليه اجماعا وللحديث الصحيح عن عبادة بن الصامت أنه من عوقب في الدنيا فهو كفارة له ومعنى الخلود هنا مدة طويلة أن جازاه الله ويدل على ذلك سقوط لفظ التأبيد قال ع والجمهور على قبول توبته وروي عن بعض العلماء انهم كانوا يقصدون الإغلاظ والتخويف احيانا فيطلقون أن لا تقبل توبته منهم ابن شهاب وابن عباس فكان ابن شهاب إذا سأله من يفهم منه أنه قد قتل قال له توبتك مقبولة وإذا سأله من لم يفعل قال لا توبة للقاتل وعن ابن عباس

نحوه قال الداودي وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه و سلم قال والله للدنيا وما فيها اهون على الله من قتل نفس بغير حق ومن اعان على قتل مسلم بشطر كلمة لقي الله يوم يلقاه مكتوب على جبهته آيس من رحمة الله وعن معاوية أنه سمع النبي صلى الله عليه و سلم يقول كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا من قتل مؤمنا متعمدا أو مات كافرا وعن أبي هريرة أنه سئل عن قاتل المؤمن هل له من توبة فقال لا والله الذى لا اله إلا هو لا يدخل الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط قال ولو أن أهل السموات والأرض اشركوا في دم مؤمن إلا كبهم الله جميعا في النار انتهى وقوله تعالى يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا الآية تقول ضربت في الأرض إذا سرت لتجارة أو غزو أو غيره مقترنة بفى وضربت الأرض دون في إذا قصدت قضاء الحاجة وقال ص ضربتم أي سافرتم قال ع وسبب هذه الآية أن سرية من سرايا رسول الله صلى الله عليه و سلم لقيت رجلا له جمل ومتيع وقيل غنيمة فسلم على القوم وقال لا اله إلا الله محمد رسول الله فحمل عليه احدهم فقتله واختلف في تعيين القاتل والمقتول في هذه النازلة والذى عليه الأكثر وهو في سير ابن إسحاق وفي مصنف أبي داود وغيرهما أن القاتل محلم بن جثامة والمقتول عامر بن الأضبط ولا خلاف أن الذى لفظته الأرض حين مات هو محلم بن جثامة وقرأ جمهور السبعة فتبينوا وقرأ نافع وغيره السلم ومعناه الاستسلام أي القى بيده واستسلم لكم واظهر دعوتكم وقرأ باقى السبعة السلام بالالف يريد سلام ذلك المقتول على السرية لأن سلامه بتحية الاسلام مؤذن بطاعته وانقيادة وفي بعض طرق عاصم السلم بكسر السين المشددة وسكون

اللام وهو الصلح والمعنى المراد بهذه الثلاثة متقارب وقرئ لست مؤمنا بفتج الميم أي لسنا نؤمنك وقوله تعالى فعند الله مغانم كثيرة عدة منه سبحانه بما يأتي به من فضله من الحلال دون ارتكاب محظور أي فلا تتهافتوا واختلف في قوله كذلك كنتم من قبل فقال ابن جبير معناه كذلك كنتم مستخفين من قومكم بإسلامكم فمن الله عليكم باعزاز دينكم واظهار شريعتكم فهم الآن كذلك كل واحد منهم خائف من قومه متربص ان يصل اليكم فلم يصلح اذا وصل ان تقتلوه حتى تتبينوا امره وقال ابن زيد المعنى كذلك كنتم كفرة فمن الله عليكم بان اسلمتم فلا تنكروا ان يكون هو كافرا ثم يسلم لحيه ثم وكد تبارك وتعالى الوصية بالتبين واعلم انه خبير بما يعمله العباد وذلك منه خبر يتضمن تحذيرا منه سبحانه أي فاحفظوا انفسكم وجنبوا الزلل الموبق لكم وقوله تعالى لا يستوى القاعدون من المؤمنين غير اولى الضرر الآية في قوله تعالى لا يستوى ابهام على السامع وهو ابلغ من تحديد المنزلة التى بين المجاهد والقاعد فالمتأمل يمشى مع فكرته ولا يزال يتخيل الدرجات بينهما والقاعدون عبارة عن المتخلفين قلت وخرج ابو بكر بن الخطيب بسيده عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ان في الجنة شجرة تخرج من اعلاها الحلل ومن اسفلها خيل بلق من ذهب مسرجة ملجمة بالدر والياقوت لا تروث ولا تبول ذوات اجنحة فيجلس عليها أولياء الله فتطير بهم حيث شاءوا فيقول الذين اسفل منهم يا اهل الجنة ناصفونا يا رب ما بلغ هؤلاء هذه الكرامة فيقول الله تعالى إنهم كانوا يصومون وكنتم تفطرون وكانوا يقومون بالليل وكنتم تنامون وكانوا ينفقون وكنتم تبخلون وكانوا يجاهدون العدو وكنتم تجبنون انتهى وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة غير بالرفع صفة للقاعدون وقرأ نافع وغيره

غير بالنصب استثناء من القاعدين وروي من غير ما طريق أن الآية نزلت لا يستوى القاعدون من المؤمنين والمجاهدون فجاء ابن أم مكتوم حين سمعها فقال يا رسول الله هل من رخصة فإنى ضرير البصر فنزلت عند ذلك غير أولى الضرر قال الفلتان بن عاصم رضي الله عنه كنا قعودا عند النبي صلى الله عليه و سلم فانزل عليه وكان إذا اوحي اليه دام بصره مفتوحة عيناه وفرغ سمعه وبصره لما يأتيه من الله وكنا نعرف ذلك في وجهه قال فلما فرغ قال للكاتب اكتب لا يستوى القاعدون من المؤمنين والمجاهدون إلى أخر الآية قال فقام الأعمى فقال يا رسول الله ما ذنبنا قال فأنزل الله على رسوله فقلنا للاعمى أنه ينزل عليه قال فخاف أن ينزل فيه شيء فبقي قائما مكانه يقول اتوب إلى رسول الله حتى فرغ رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال للكاتب اكتب غير أولى الضرر وأهل الضرر هم اهل الاعذار إذ قد اضرت بهم حتى منعتهم الجهاد قاله ابن عباس وغيره وقوله تعالى بأموالهم وانفسهم هي الغاية في كمال الجهاد قال ابن جريج الفضل بدرجة هو على القاعدين من اهل العذر قال ع لانهم مع المؤمنين بنياتهم كما هو مذكور في الحديث الصحيح قال ابن جريج والتفضيل بالاجر العظيم والدرجات هو على القاعدين من غير عذر والحسنى الجنة التي وعدها الله المؤمنين وكذلك قال السدي وغيره وقال ابن محيريز الدرجات هي درجات في الجنة سبعون ما بين الدرجتين حضر الجواد المضمر سبعين سنة قلت وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال أن في الجنة مائة درجة اعدها الله للمجاهدين في سبيل الله ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض فاذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فأنه اوسط الجنة واعلى الجنة وفوفه عرش الرحمن ومنه تفجر انهار الجنة انتهى

وقال ابن زيد الدرجات في الآية هي السبع المذكورة في براءة في قوله تعالى ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب الآية قال ع ودرجات الجهاد لو حصرت أكثر من هذه لكن يجمعها بذل النفس والاعتمال بالبدن والمال في أن تكون كلمة الله هي العليا ولا شك أن بحسب مراتب الأعمال ودرجاتها تكون مراتب الجنة ودرجاتها فالاقوال كلها متقاربة وباقى الآية وعد كريم وتانيس وقوله تعالى أن الذين توفاهم الملائكة ظالمى انفسهم قالوا فيم كنتم الآية المراد بهذه الآية إلى قوله مصيرا جماعة من أهل مكة كانوا قد اسلموا فلما هاجر النبي صلى الله عليه و سلم اقاموا مع قومهم وفتن منهم جماعة فافتتنوا فلما كان أمر بدر خرج منهم قوم مع الكفار فقتلوا ببدر فنزلت الآية فيهم قال ع والذى يجرى مع الاصول أن من مات من هؤلاء مرتدا فهو كافر ومأواه جهنم على جهةالخلود المؤبد وهذا هو ظاهر أمر هؤلاء وأن فرضنا فيهم من مات مؤمنا واكره على الخروج أو مات بمكة فإنما هو عاص في ترك الهجرة مأواه جهنم على جهة العصيان دون خلود وقوله تعالى توفاهم يحتمل أن يكون فعلا ماضيا ويحتمل أن يكون مستقبلا على معنى تتوفاهم فحذفت احدى التائين وتكون في العبارة إشارة إلى ما يأتي من هذا المعنى في المستقبل بعد نزول الآية وظالمى أنفسهم نصب على الحال أي ظالميها بترك الهجرة وتوفاهم الملائكة معناه تقبض أرواحهم قال الزجاج وحذفت النون من ظالمين تخفيفا كقوله بالغى الكعبة وقول الملائكة فيم كنتم تقرير وتوبيخ وقول هؤلاء كنا مستضعفين في الأرض اعتذار غير صحيح إذ كانوا يستطيعون الحيل ويهتدون السبل ثم وقفتهم الملائكة على ذنبهم بقولهم ألم تكن أرض الله واسعة والأرض الأولى هي أرض مكة خاصة وأرض الله هي الأرض بالاطلاق والمراد فتها جروا فيها

إلى مواضع الامن وهذه المقاولة إنما هي بعد توفي الملائكة لارواح هؤلاء وهي دالة على أنهم ماتوا مسلمين وإلا فلو ماتوا كافرين لم يقل لهم شيء من هذا ثم استثنى سبحانه من كان استضعافه حقيقة من زمنى الرجال وضعفة النساء والولدان قال ابن عباس كنت أنا وأمي من المستضعفين والحيلة لفظ عام لأنواع أسباب التخلص والسبيل سبيل المدينة فيما قاله مجاهد وغيره والصواب انه عام فى جميع السبل ثم رجى الله تعالى هؤلاء بالعفو عنهم والمراغم المتحول والمذهب قاله ابن عباس وغيره وقال مجاهد المراغم المتزحزح عما يكره وقال ابن زيد المراغم المهاجر وقال السدي المراغم المبتغى للمعيشة قال ع وهذا كله تفسير بالمعنى وأما الخاص باللفظة فإن المراغم هو موضع المراغمة فلو هاجر احد من هؤلاء المحبوسين بمكة لارغم انوف قريش بحصوله في منعة منهم فتلك المنعة هي موضع المراغمة قال ابن عباس وغيره السعة هنا هي السعة في الرزق وقال مالك السعة سعة البلاد قال ع وهذا هو المشبه للفصاحة أن يريد سعة الأرض وبذلك تكون السعة في الرزق واتساع الصدر وغير ذلك من وجوه الفرج وهذا المعنى ظاهر من قوله تعالى الم تكن أرض الله واسعة قال مالك بن أنس رحمه الله الآية تعطي أن كل مسلم ينبغى له أن يخرج من البلاد التي تغير فيها السنن ويعمل فيها بغير الحق وقوله تعالى ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت الآية حكم هذه الآية باق في الجهاد والمشي إلى الصلاة والحج ونحوه قلت وفي الباب حديث عن أبي أمامة وسياتي عند قوله تعالى فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على انفسكم قال ع والآية نزلت بسبب رجل من كنانة وقيل من خزاعة أسمه ضمرة في قول الأكثر لما سمع قول الله تعالى الذين لا يستطيعون حيلة

ولا يهتدون سبيلا قال اني لذو مال وعبيد وكان مريضا فقال أخرجوني إلى المدينة فأخرج في سرير فأدركه الموت بالتنعيم فنزلت الآية بسببه قال ع ومن هذه الآية رأى بعض العلماء أن من مات من المسلمين وقد خرج غازيا فله سهمه من الغنيمة قاسوا ذلك على الاجر ووقع عبارة عن الثبوت وكذلك هي وجب لان الوقوع والوجوب نزول في الاجرام بقوة فشبه لازم المعاني بذلك وباقي الآية بين وقوله تعالى وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة الآية ضربتم معناه سافرتم قال مالك والشافعي وأحمد بن حنبل وابن راهويه تقصر الصلاة في أربعة برد وهي ثمانية وأربعون ميلا وحجتهم احاديث رويت في ذلك عن ابن عمر وابن عباس وقال الحسن والزهري تقصر في مسيرة يومين وروي هذا أيضا عن مالك وروي عنه تقصر في مسافة يوم وليلة وهذه الاقوال الثلاثة تتقارب في المعنى والجمهور على جواز القصر في السفر المباح وقال عطاء لا تقصر إلا في سفر طاعة وسبيل خير والجمهور أنه لا قصر في سفر معصية والجمهور أنه لا يقصر المسافر حتى يخرج من بيوت القرية وحينئذ هو ضارب في الأرض وهو قول مالك وجماعة المذهب وإلى ذلك في الرجوع وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه و سلم صلى الظهر بالمدينة أربعا والعصر بذى الحليفة ركعتين وليس بينهما ثلث يوم ويظهر من قوله تعالى فليس عليكم جناح أن تقصروا أن القصر مباح أو مخير فيه وقد روى ابن وهب عن مالك ان المسافر مخير فيه وقاله الأبهري وعليه حذاق المذهب وقال مالك في المبسوط القصر سنة وهذا هو الذي عليه جمهور المذهب وعليه جواب المدونة بالإعادة في الوقت لمن اتم في سفره وقال ابن سحنون وغيره القصر فرض وقوله تعالى إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا

الآية وفي حديث يعلى بن أمية قال قلت لعمر بن الخطاب أن الله تعالى يقول ان خفتم وقد أمن الناس فقال عجبت مما عجبت منه فسألت رسول الله صلى الله عليه و سلم عن ذلك فقال صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته ويفتنكم معناه يمتحنكم بالحمل عليكم واشغال نفوسكم وذلك أن النبي صلى الله عليه و سلم لما صلى الظهر بأصحابه قال المشركون لقد أمكنكم محمد وأصحابه من ظهورهم هلا شددتم عليهم فقال قائل منهم أن لهم أخرى في أثرها فأنزل الله تعالى بين الصلاتين إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا إلى أخر صلاة الخوف وقوله تعالى وإذا كنت فيهم فاقمت لهم الصلاة الآية قال جمهور الأمه الآية خطاب للنبي صلى الله عليه و سلم وهو يتناول الأمراء بعده إلى يوم القيامة وكذلك جمهور العلماء على أن صلاة الخوف تصلى في الحضر إذا نزل الخوف قال الطبري فاقمت لهم معناه حدودها وهيئتها وقوله تعالى فلتقم طائفة منهم معك أمر بالانقسام أي وسائرهم وجاه العدو ومعظم الروايات والأحاديث على أن صلاة الخوف إنما نزلت الرخصة فيها في غزوة ذات الرقاع واختلف من المأمور بأخذ الأسلحة هنا فقيل الطائفة المصلية وقيل بل الحارسة قال ع ولفظ الآية يتناول الكل ولكن سلاح المصلين ما خف قلت ومن المعلوم أنه إذا كانت الطائفة المصلية هي المأمورة بأخذ السلاح فالحارسة من باب احرى واختلفت الآثار في هيئة صلاة النبي صلى الله عليه و سلم بأصحابه صلاة الخوف وبحسب ذلك اختلف الفقهاء فروى يزيد بن رومان عن صالح بن خوات عن سهل بن ابى حثمة انه ص - صلاة الخوف يوم ذات الرقاع فصفت طائفة معه وطائفة وجاه العدو وجاءت الطائفة الأخرى فصلى بهم الركعة التي بقيت من صلاته ثم ثبت جالسا واتموا لا نفسهم ثم سلم

بهم وروى القاسم بن محمد عن صالح بن خوات عن سهل هذا الحديث بعينه إلا انه روى أن النبي صلى الله عليه و سلم حين صلى بالطائفة الاخيرة ركعة سلم ثم قضت بعد سلامه وبحديث القاسم بن محمد أخذ مالك واليه رجع بعد أن كان اولا يميل إلى رواية يزيد بن رومان وروى عبد الرزاق عن مجاهد قال لم يصل النبي صلى الله عليه و سلم صلاة الخوف إلا مرتين مرة بذات الرقاع من أرض بنى سليم ومرة بعسفان والمشركون بضجنان بينهم وبين القبلة قا لع وظاهر اختلاف الروايات عن النبي صلى الله عليه و سلم يقتضي أنه صلى صلاة الخوف في غير هذين الموطنين وقد ذكر ابن عباس أنه كان في غزوة ذى قرد صلاة خوف وقوله تعالى فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم الآية المعنى فإذا سجدوا معك الركعة الأولى فلينصرفوا هذا على بعض الهيآت المروية وقيل المعنى فإذا سجدوا ركعة القضاء وهذا على رواية ابن أبي حثمة والضمير في قوله فليكونوا يحتمل أن يكون للذين سجدوا ويحتمل أن يكون للطائفة القائمة اولا بازاء العدو ويجيء الكلام وصاة في حال الحذر والحرب وقوله تعالى ود الذين كفروا لو تغفلون الآية أخبار عن معتقد القوم وتحذير من الغفلة ليلا ينال العدو أمله وأسلحة جمع سلاح وفي قوله تعالى ميلة واحدة مبالغة أي مستأصلة لا يحتاج معها إلى ثانية وقوله تعالى ولا جناح عليكم الآية ترخيص قال ابن عباس نزلت بسبب عبد الرحمن بن عوف كان مريضا فوضع سلاحه فعنفه بعض الناس قال ع كأنهم تلقوا الأمر بأخذ السلاح على الوجوب فرخص الله تعالى في هاتين الحالتين وينقاس عليهما كل عذر ثم قوى سبحانه نفوس المؤمنين بقوله إن الله أعد للكافرين عذابا مهينا وقوله تعالى فإذا قضيتم الصلاة فاذكروا الله قياما وقعودا الآية

ذهب جمهور العلماء إلى أن هذا الذكر المأمور به إنما هو أثر صلاة الخوف على حد ما أمروا عند قضاء المناسك بذكر الله فهو ذكر باللسان والطمانينة في الآية سكون النفوس من الخوف وقال بعض المتأولين المعنى فإذا رجعتم من سفركم إلى الحضر فاقيموها تامة أربعا وقوله تعالى كتابا موقوتا معناه منجما في أوقات هذا ظاهر اللفظ وروي عن ابن عباس ان المعنى فرضا مفروضا فهما لفظان بمعنى واحد كرر مبالغة وقوله تعالى ولا تهنوا في ابتغاء القوم أي لا تلينوا وتضعفوا يقال حبل واهن أي ضعيف ومنه وهن العظم وأبتغاء القوم طلبهم وهذا تشجيع لنفوس المؤمنين وتحقير لأمر الكفرة ثم تأكد التشجيع بقوله وترجون من الله ما لا يرجون وهذا برهان بين ينبغى بحسبه ان تقوى نفوس المؤمنين وباقى الآية بين وقوله تعالى أنا أنزلنا اليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله الآية في هذا الآية تشريف للنبي صلى الله عليه و سلم وتفويض اليه وتقويم أيضا على الجادة في الحكم وتأنيب ما على قبول ما رفع اليه في أمر بنى ابيرق بسرعة وقوله تعالى بما أراك الله معناه على قوانين الشرع أما بوحي ونص أو نظر جار على سنن الوحي وقد تضمن الله تعالى لانبيائه العصمة وقوله تعالى ولا تكن للخائنين خصيما قال الهروي خصيما أي مخاصما ولا دافعا انتهى قال ع سببها باتفاق من المتأولين أمر بنى ابيرق وكانوا أخوة بشر وبشير ومبشر وطعيمة وكان بشير رجلا منافقا يهجو اصحاب النبي صلى الله عليه و سلم وينحل الشعر لغيره فكان المسلمون يقولون والله ما هو إلا شعر الخبيث فقال شعرا يتنصل فيه فمنه قوله ... افي كل ما قال الرجال قصيدة ... نحلت وقالوا ابن الأبيرق قالها ...
قال قتادة بن النعمان وكان بنو ابيرق أهل فاقة فابتاع عمى رفاعة بن زيد

حملا من درمك الشام فجعله في مشربه له وفي المشربة درعان له وسيفان فعدي على المشربة من الليل فلما أصبح أتاني عمى رفاعة فقال يا أبن أخي اتعلم أنه قد عدي علينا في ليلتنا هذه فنقبت مشربتنا وذهب بطعامنا وسلاحنا قال فتحسنا في الدار وسألنا فقيل لنا قد رأينا بني ابيرق استوقدوا نارا في هذه الليلة ولا نراه إلا على بعض طعامكم قال وقد كان بنو ابيرق قالوا ونحن نسأل والله ما نرى صاحبكم إلا لبيد بن سهل رجل منا له صلاح واسلام فسمع ذلك لبيد فأخترط سيفه ثم اتى بنى ابيرق فقال والله ليخالطنكم هذا السيف أو لتبينن هذه السرقة فقالوا اليك عنا أيها الرجل فو الله ما أنت بصاحبها فسألنا في الدار حتى لم نشك أنهم اصحابها فقال لي عمى يا ابن أخي لو أتيت رسول الله صلى الله عليه و سلم فأخبرته بهذه القصة فأتيته صلى الله عليه و سلم فقصصتها عليه فقال انظر في ذلك فلما سمع بذلك بنو ابيرق أتوا رجلا منهم يقال له أسير بن عروة فكلموه في ذلك واجتمع اليه ناس من أهل الدار فأتوا رسول الله ص - فقالوا يا رسول الله إن قتادة بن النعمان وعمه رفاعة عمدا إلى أهل بيت منا أهل إسلام وصلاح يرميانهم بالسرقة على غير بينة قال قتادة فأتيت رسول الله صلى الله عليه و سلم فكلمته فقال عمدت إلى أهل بيت ذكر منهم إسلام وصلاح فرميتهم بالسرقة من غير بينة قال فرجعت وقد وددت أن أخرج عن بعض مالي ولم أكلمه فأتيت عمي فقال ما صنعت فأخبرته بما قال رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال الله المستعان فلم نلبث أن نزل القرءان أنا أنزلنا اليك الكتاب بالحق الآيات قال فالخائنون بنو ابيرق والبريء المرمى لبيد بن سهل والطائفة التي همت أسير وأصحابه قال ع قال قتادة وغير واحد هذه القصة ونحوها إنما كان صاحبها طعمة بن ابيرق ويقال فيه طعيمة قال

ع وطعمة بن ابيرق صرح بعد ذلك بالارتداد وهرب إلى مكة فروي أنه نقب حائط بيت ليسرقه فأنهدم الحائط عليه فقتله ويروى أنه أتبع قوما من العرب فسرقهم فقتلوه وقوله تعالى واستغفر الله ذهب الطبري إلى أن المعنى استغفر من ذنبك في خصامك للناس قال ع وهذا ليس بذنب لان النبي صلى الله عليه و سلم إنما دافع عن الظاهر وهو يعتقد براءتهم والمعنى واستغفر للمؤمنين من أمتك والمتخاصمين بالباطل لا أن تكون ذا جدال عنهم وعن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من جلس في مجلس فكثر فيه لغطه فقال قبل أن يقوم من مجلسه ذلك سبحانك اللهم وبحمدك لا اله إلا أنت استغفرك وأتوب اليك إلا غفر له ما كان في مجلسه ذلك رواه أبو داود والترمذي والنساءي والحاكم وابن حبان في صحيحيهما وقال الترمذي واللفظ له حديث حسن صحيح غريب ورواه النساءي والحاكم أيضا من طرق عن عائشة وغيرها انتهى من السلاح وقوله تعالى ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم لفظ عام يندرج تحته أصحاب النازلة ويتقرر به توبيخهم وفي قوله تعالى أن الله لا يحب من كان خوانا أثيما رفق وأبقاء فإن الخوان هو الذى تتكرر منه الخيانة كطعيمة بن الابيرق والاثيم هو الذى يقصدها فيخرج من هذا التشديد الساقط مرة واحدة ونحو ذلك واختيان الانفس هو بما يعود عليها من الاثم والعقوبة في الدنيا والآخرة وقوله تعالى يستخفون من الله الآية الضمير في يستخفون للصنف المرتكب للمعاصي ويندرج في طي هذا العموم أهل الخيانة في النازلة المذكورة وأهل التعصب لهم والتدبير في خدع النبي صلى الله عليه و سلم والتلبيس عليه ويحتمل أن يكون الضمير لأهل هذه النازلة ويدخل في معنى هذا التوبيخ كل

من يفعل نحو فعلهم قال صاحب الكلم الفارقية والحكم الحقيقية النفوس المرتكبة للمحارم المحتقبة للمآثم والمظالم شبيهة بالأراقم تملأ أفواهها سما وتقصد من تقذفه عليه عدوانا وظلما تجمع في ظمائرها سموم شرورها وضررها وتحتال لالقائها على الفافلين عن مكائدها وخدعها انتهى ومعنى وهو معهم بالاحاطة والعلم والقدرة ويبيتون يدبرون ليلا ويحتمل أن تكون اللفظة مأخوذة من البيت أي يستترون في تدبيرهم بالجدرات وقوله تعالى هانتم هؤلاء خطاب للقوم الذين يتعصبون لأهل الريب والمعاصي ويندرج في طي هذا العموم أهل النازلة وهو الاظهر عندى بحكم التأكيد بهؤلاء وهي إشارة إلى حاضرين ومن مصابيح البغوي عن أبي داود عن النبي صلى الله عليه و سلم قال من حالت شفاعته دون حد من حدود الله فقد ضاد الله ومن خاصم في باطل وهو يعلمه لم يزل في سخط الله حتى ينزع قال في مؤمن ما ليس فيه اسكنه الله ردغة الخبال حتى يخرج مما قال ويروى من اعان على خصومة لا يدري احق أم باطل فهو في سخط الله حتى ينزع انتهى وقوله تعالى فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة الآية وعيد محض ولما تمكن هذا الوعيد وقضت العقول بأن لا مجادل لله سبحانه ولا وكيل يقوم بأمر العصاة عنده عقب ذلك بهذا الرجاء العظيم والمهل المنفسح فقال ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه الآية وباقي الآية بين وقوله تعالى ومن يكسب خطيئة أو إثما ذهب بعض الناس إلى انهما لفظان بمعنى كرر لا ختلاف اللفظ وقال الطبري إنما فرق بين الخطيئة والاثم لان الخطيئة تكون عن عمد وعن غير عمد والاثم لا يكون إلا عن عمد وهذه الاية لفظها عام ويندرج تحت ذلك العموم أهل النازلة المذكورة وبريء النازله بريء وقوله فقد احتمل بهتانا تشبيه إذ

الذنوب ثقل ووزر فهي كالمحمولات وبهتانا معناه كذبا ثم وقف الله تعالى نبيه على مقدار عصمته له وإنها بفضل منه سبحانه ورحمة وقوله تعالى لهمت معناه لجعلته همها وشغلها حتى تنفذه وهذا يدل على أن الالفاظ عامة في غير أهل النازلة وإلا فاهل التعصب لبنى ابيرق قد وقع همهم وثبت ثم أخبرتعالى أنهم لا يضلون إلا انفسهم وما يضرونك من شيء قلت ثم ذكر سبحانه ما انعم به على نبيه من انزال الكتاب والحكمة وتعليمه ما لم يكن يعلم قال ابن العربي في رحلته اعلم ان علوم القرءان ثلاثة اقسام توحيد وتذكير واحكام وعلم التذكير هو معظم القرءان فإنه مشتمل على الوعد والوعيد والخوف والرجاء والقرب وما يرتبط بها ويدعو اليها ويكون عنها وذلك معنى تتسع ابوابه وتمتد اطنابه انتهى وباقي الآية وعد كريم لنبيه عليه السلام وتقرير نعمه لديه سبحانه لا إله غيره وقوله تعالى لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو اصلاح بين الناس الآية الضمير في نجواهم عائد على الناس أجمع وجاءت هذه الآيات عامة التناول وفي عمومها يندرج أصحاب النازلة وهذا من الفصاحة والايجاز المضمن الماضي والغابر في عبارة واحدة قال النووي وروينا في كتابي الترمذي وابن ماجه عن أم حبيبة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه و سلم قال كل كلام ابن أدم عليه لا له إلا أمرا بمعروف أو نهيا عن منكر أو ذكرا لله تعالى انتهى والنجوى المسارة وقد تسمى بها الجماعة كما يقال قوم عدل وليست النجوى بمقصورة على الهمس في الاذن والمعروف لفظ يعم الصدقة والاصلاح وغيرهما ولكن خصا بالذكر اهتماما إذ هما عظيما الغناء في مصالح العباد ثم وعد تعالى بالاجر العظيم على فعل هذه الخيرات بنية وقصد لرضى الله تعالى وقوله تعالى ومن يشاقق الرسول الآية لفظ عام نزل بسبب طعمة بن ابيرق لانه ارتد وسار إلى مكة فاندرج

الانحاء عليه في طي هذا العموم المتناول لمن اتصف بهذه الصفات إلى يوم القيامة وقوله نوله ما تولى وعيد بأن يترك مع فاسد اختياره في تودد الطاغوت ثم اوجب تعالى أنه لا يغفر أن يشرك به وقد مضى تفسير مثل هذه الآية وقوله تعالى أن يدعون من دونه إلا إناثا وأن يدعون إلا شيطانا مريدا الآية الضمير في يدعون عائد على من ذكر في قوله ومن يشاقق الرسول وأن نافية بمعنى ما ويدعون عبارة مغنية موجزة في معنى يعبدون ويتخذون ءالهة قلت وفي البخاري إلا إناثا يعنى الموات حجرا ومدرا وما أشبهه انتهى وفي مصحف عائشة إلا أوثانا ونحوه عن ابن عباس والمراد بالشيطان هنا ابليس قاله الجمهور وهو الصواب لأن سائر المقالة به تليق ومريدا معناه متمردا عاتيا صليبا في غوايته واصل اللعن الإبعاد والمفروض معناه في هذا الموضع المنحاز وهو مأخوذ من الفرض وهو الحز في العود وغيره قال ع ويحتمل ان يريد واجبا أن اتخذه وبعث النار هو نصيب ابليس وقوله ولأ ضلنهم الآية معنى اضلنهم اصرفهم عن طريق الهدى ولأمنينهم لأسولن لهم وامانيه لا تنحصر في نوع واحد والبتك القطع وقوله ولآمرنهم فليغيرن خلق الله اختلف المتأولون في معنى تغيير خلق الله وملاك تفسير هذه الآية أن كل تغيير ضار فهو داخل في الآية وكل تغيير نافع فهو مباح وفي مختصر الطبري فليغيرن خلق الله قال ابن عباس خلق الله دين الله وعن إبراهيم ومجاهد والحسن وقتادة والضحاك والسدي وابن زيد مثله وفسر ابن زيد لا تبديل لخلق الله أي لدين الله واختار الطبري هذا القول واستدل له بقوله تعالى ذلك الدين القيم وأجاز أن يدخل في الآية كل ما نهى الله عنه من معاصيه والترك لطاعته انتهى وهو حسن قال ع واللامات كلها للقسم قال ص ولأضلنهم مفعوله محذوف أي عن الهدى وكذا ولا ولأمنينهم أي

الباطل وكذا ولآمرنهم أي بالبتك فليبتكن وكذا ولآمرنهم أي بالتغيير فلغيرن كل ما اوجده الله للطاعة فيستعينون به في المعصية انتهى ولما ذكر الله سبحانه عتو الشيطان وما توعد به من بث مكره حذر تبارك وتعالى عباده بأن شرط لمن يتخذه وليا جزاء الخسران وقوله تعالى يعدهم ويمنيهم أي يعدهم باباطيله من المال والجاه وأن لا بعث ولا عقاب ونحو ذلك لكل احد ما يليق بحاله ويمنيهم كذلك ثم ابتدأ سبحانه الخبر عن حقيقة ذلك بقوله وما يعدهم الشيطان إلا غرورا ثم اخبر سبحانه بمصير المتخذين الشيطان وليا وتوعدهم بأن مأواهم جهنم لا يدافعونها بحيلة ولا يتروغون ومحيصا من حاص إذ راغ ونفر ومنه قول الشاعر ... ولم ندر أن حصنا من الموت حيصة ... كم العمر باق والمدى متطاول ...
ومنه الحديث فحاصوا حيصة حمر الوحش ولما ذكر سبحانه ما تقدم من الوعيد واقتضى ذلك التحذير عقب ذلك عز و جل بالترغيب في ذكره حالة المؤمنين واعلم بصحة وعده ثم قرر ذلك بالتوقيف عليه في قوله ومن اصدق من الله قيلا والقيل والقول واحد ونصبه على التمييز وقوله تعالى ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب الآية الاماني جمع امنية وهي ما يتشهاه المرء ويطمع نفسه فيه قال ابن عباس وغيره الخطاب لأمة النبي صلى الله عليه و سلم وفي مختصر الطبري عن مسروق وغيره قال احتج المسلمون وأهل الكتاب فقال المسلمون نحن اهدى وقال اهل الكتاب نحن اهدى فأنزل الله هذه الآية وعن مجاهد قالت العرب لن نبعث ولن نعذب وقالت اليهود والنصارى لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة قال الطبري وقول مجاهد اولى بالصواب وذلك أن المسلمين لم يجر لامانيهم ذكر

فيما مضى من الآي وإنما جرى ذكر أماني نصيب الشيطان انتهى وعليه عول ص في سبب نزول الآية أعني على تأويل مجاهد وقوله تعالى من يعمل سوءا يجز به قال جمهور الناس لفظ الآية عام فالكافر والمؤمن مجازى فإما مجازات الكافر فالنار وأما مجازات المؤمن فبنكبات الدنيا فمن بقي له سوأ إلى الآخرة فهو في المشيئة يغفر الله لمن يشاء ويجازي من يشاء وقوله تعالى ومن يعمل من الصالحات دخلت من للتبعيض إذ الصالحات على الكمال مما لا يطيقه البشر ففي هذا رفق بالعباد لكن في هذا البعض الفرائض وما أمكن من المندوب إليه ثم قيد الأمر بالإيمان إذ لا ينفع عمل دونه والنقير النكتة التي في ظهر النواة ومنه تنبت وعن ابن عباس ما تنقره بإصبعك ثم أخبر تعالى إخبارا موقفا على أنه لا احسن دينا ممن أسلم وجهه لله أي أخلص مقصده وتوجهه وأحسن في أعماله واتبع الحنيفية ملة إبراهيم إمام العالم وقدوة الأديان ثم ذكر سبحانه تشريفه لنبيه إبراهيم عليه السلام باتخاذه خليلا وسماه خليلا إذ كان خلوصه وعبادته واجتهاده على الغاية التي يجرى إليها المحب المبالغ وذهب قوم إلى أنه سمي خليلا من الخلة بفتح الخاء أي لأنه أنزل خلته وفاقته بالله تعالى وكذلك شرف الله نبينا محمد صلى الله عليه و سلم بالخلة كما هو مصرح به في الحديث الصحيح وقوله تعالى ولله ما في السموات وما في الأرض الآية ذكر سبحانه سعة ملكه وإحاطته بكل شيء عقب ذكر الدين وتبيين الجادة منه ترغيبا في طاعته والانقطاع إليه سبحانه وقوله تعالى ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم الآية معنى قوله يفتيكم فيهن أي يبين لكم حكم ما سألتم عنه قال ع تحتمل ما أن تكون في موضع رفع عطفا على اسم الله عز و جل أي ويفتيكم ما يتلي عليكم في الكتاب يعني القرآن

والإشارة بهذا إلى ما تقدم من الآية في أمر النساء وهو قوله تعالى في صدر السورة وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء الآية قالت عائشة نزلت هذه الآية أولا ثم سأل ناس بعدها رسول الله صلى الله عليه و سلم عن أمر النساء فنزلت ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن الآية وقوله تعالى فى يتامى النساء اللاتي لا تؤتونهن ما كتب لهن معناه النهي عما كانت العرب تفعله من ضم اليتيمة الجميلة بدون ما تستحقه من المهر ومن عضل الدميمة الغنية حتى تموت فيرثها العاضل والذي كتب الله لهن هو توفية ما تستحقه من مهر وقوله تعالى وترغبون أن تنكحوهن أي إن كانت الجارية غنية جميلة فالرغبة في نكاحها وإن كانت بالعكس فالرغبة عن نكاحها وقوله تعالى والمستضعفين من الولدان عطف على يتامى النساء والذي يتلى في المستضعفين من الولدان هو قوله تعالى يوصيكم الله في أولادكم الآية وذلك أن العرب كانت لا تورث الصبية ولا الصبي الصغير ففرض الله تعالى لكل واحد حقه وقوله تعالى وأن تقوموا لليتامى بالقسط عطف أيضا على ما تقدم والذي تلي في هذا المعنى هو قوله تعالى ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم الآية إلى غير ذلك مما ذكر في مال اليتيم والقسط العدل وباقي الآية بين وقوله تعالى وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا الآية هذه الآية حكم من الله تعالى في أمر المرأة التي تكون ذات سن ونحو ذلك مما يرغب زوجها عنها فيعرض عليها الفرقة أو الصبر على الأثرة فتريد هي بقاء العصمة فهذه التي أباح الله بينهما الصلح ورفع الجناح فيه واختلف في سبب نزول الآية فقال ابن عباس وجماعة نزلت في النبي عليه السلام وسودة بنت زمعة وفي المصنفات أن سودة لما كبرت وهبت يومها لعائشة وقال ابن المسيب وغيره نزلت بسبب

رافع بن خديج وامرأته خولة وقال مجاهد نزلت بسبب أبي السنابل وامرأته ولفظ ابن العربي في أحكامه قوله تعالى وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا الآية قالت عائشة رضي الله تعالى عنها هي المرأة تكون عند الرجل ليس بمستكثر منها يريد أن يفارقها فتقول له أجعلك من شأني في حل فنزلت الآية قال الفقيه أبو بكر بن العربي فرضوان الله على الصديقة المطهرة لقد وفت بما حملها ربها من العهد في قوله تعالى واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة انتهى وقوله تعالى والصلح خير لفظ عام مطلق يقتضي أن الصلح الحقيقي الذي تسكن إليه النفوس ويزول به الخلاف خير علىالإطلاق ويندرج تحت هذا العموم أن صلح الزوجين على ما ذكرنا خير من الفرقة وقوله تعالى وأحضرت الأنفس الشح معذرة عن عبيده تعالى أي لا بد للإنسان بحكم خلقته وجبلته من أن يشح على إرادته حتى يحمل صاحبه على بعض ما يكره وخصص المفسرون هذه اللفظة هنا فقال ابن جبير هو شح المرأة بالنفقة من زوجها وبقسمه لها أيامها وقال ابن زيد الشح هنا منه ومنها قال ع وهذا حسن والشح الضبط على المعتقدات وفي الهمم والأموال ونحو ذلك فما أفرط منه ففيه بعض المذمة وهو الذي قال تعالى فيه ومن يوق شح نفسه وما صار إلى حيز منع الحقوق الشرعية أو التي تقتضيها المروءة فهو البخل وهي رذيلة لكنها قد تكون في المؤمن ومنه الحديث قيل يا رسول الله أيكون المؤمن بخيلا قال نعم وأما الشح ففي كل أحد وينبغي أن لا يفرط إلى على الدين ويدلك على أن الشح في كل أحد قوله تعالى وأحضرت الأنفس الشح وقوله ومن يوق شح نفسه فقد أثبت أن لكل نفس شحا وقول النبي عليه السلام وان تصدق وأنت صحيح شحيح وهذا لم يرد به واحدا

بعينه وليس يجمل أن يقال هنا أن تصدق وأنت صحيح بخيل وقوله تعالى وإن تحسنوا ندب إلى الإحسان في تحسين العشرة والصبر على خلق الزوجة وتتقوا معناه تتقوا الله في وصيته بهن إذ هن عوان عندكم وقوله تعالى ولن تستطيعوا أن تعدلوا الآية معناه العدل التام على الإطلاق والمستوى في الأفعال والأقوال والمحبة والجماع وغير ذلك وكان صلى الله عليه و سلم يقسم بين نسائه ثم يقول اللهم هذا فعلي فيما أملك فلا تؤاخذني بما تملك ولا أملك فوصف الله سبحانه حالة البشر أنهم بحكم الخلفة لا يملكون ميل قلوبهم إلى بعض الأزواج دون بعض ثم نهى سبحانه عن الميل كل الميل وهو أن يفعل فعلا يقصده من التفضيل وهو يقدر أن لا يفعله فهذا هو كل الميل وإن كان في أمر حقير وقوله سبحانه فتذروها كالمعلقة أي لا هي أيم ولا ذات زوج وجاء في التي قبل وإن تحسنوا وفي هذه وإن تصلحوا لأن الأولى في مندوب إليه وفي هذه في لازم إذ يلزمه العدل فيما يملك وقوله تعالى وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته الآية أي إن شح كل واحد من الزوجين فلم يتصالحا لكنهما تفرقا بطلاق فإن الله تعالى يغني كل واحد منهما عن صاحبه بفضله ولطائف صنعه في المال والشعرة والسعة وجود المرادات والتمكن منها والواسع معناه الذي عنده خزائن كل شيء وقوله سبحانه ولله ما في السموات وما في الأرض تنبيه على موضع الرجاء لهذين المفترقين ثم جاء بعد ذلك قوله وإن تكفروا فإن لله ما في السموات وما في الأرض تنبيها على استغنائه عن العباد ومقدمة للخبر بكونه غنيا حميدا ثم جاء بعد ذلك قوله ولله ما في السموات وما في الأرض وكفى بالله وكيلا مقدمة للوعيد فهذه وجوه تكرار هذا الخبر الواحد ثلاث مرات متقاربة ت وفي تمشيته هذه عندي نظر والأحسن

بقاء الكلام على نسقه فقوله رحمه الله تنبيه على موضع الرجاء لهذين المفترقين حسن وإنما الذي فيه قلق ما بعده من توجيهه وقوله تعالى ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم الآية لفظ عام لكل من أوتي كتابا فإن وصيته سبحانه لعباده لم تزل منذ أوجدهم ت قال الأستاذ أبو بكر الطرطوشي في سراج الملوك ولما ضرب ابن ملجم عليا رضي الله عنه أدخل منزله فاعترته غشية ثم أفاق فدعا أولاده الحسن والحسين ومحمدا فقال أوصيكم بتقوى الله في الغيب والشهادة وكلمة الحق في الرضا والغضب والقصد في الغنى والفقر والعدل على الصديق والعدو والعمل في النشاط والكسل والرضا عن الله في الشدة والرخاء يا بني ما شر بعده الجنة بشر ولا خير بعده النار بخير وكل نعيم دون الجنة حقير وكل بلاء دون النار عافية من أبصر عيب نفسه شغل عن عيب غيره ومن رضي بقسم الله لم يحزن على ما فاته ومن سل سيف بغي قتل به ومن حفر لأخيه بيرا وقع فيها ومن هتك حجاب أخيه كشف عورات بنيه ومن نسي خطيئته استعظم خطيئة غيره ومن استغنى بعقله زل ومن تكبر على الناس ذل ومن أعجب برأيه ضل ومن جالس العلماء وقر ومن خالط الأنذال احتقر ومن دخل مداخل السوء اتهم ومن مزح استخف به ومن أكثر من شيء عرف به ومن كثر كلامه كثر خطأه ومن كثر خطأه قل حياؤه ومن قل حياؤه قل ورعه ومن قل ورعه مات قلبه ومن مات قلبه دخل النار يا بني الأدب خير ميراث وحسن الخلق خير قرين يا بني العافية عشرة أجزاء تسعة منها في الصمت إلا عن ذكر الله وواحد في ترك مجالسة السفهاء يا بني زينة الفقر الصبر وزينة الغنى الشكر يا بني لا شرف أعز من الإسلام ولا كرم أعز من التقوى يا بني الحرص مفتاح البغي ومطية النصب طوبى

لمن أخلص لله عمله وعلمه وحبه وبغضه وأخذه وتركه وكلامه وصمته وقوله وفعله انتهى والوكيل القائم بالأمور المنفذ فيها ما رآه وقوله أيها الناس مخاطبة للحاضرين من العرب وتوقيف للسامعين لتحضر أذهانهم وقوله بآخرين يريد من نوعكم وتحتمل الآية أن تكون وعيد لجميع بني آدم ويكون الآخرون من غير نوعهم كالملائكة وقول الطبري هذا الوعيد والتوبيخ للشافعين والمخاصمين في قصة بني أبيرق بعيد واللفظ إنما يظهر حسن رصفه بعمومه وانسحابه على العالم جملة أو العالم الحاضر وقوله تعالى من كان يريد ثواب الدنيا فعند الله ثواب الدنيا والآخرة الآية أي من كان لا مراد له إلا في ثواب الدنيا لا يعتقد أن ثم سواه فليس كما ظن بل عند الله سبحانه ثواب الدارين فمن قصد الآخرة أعطاه الله من ثواب الدنيا وأعطاه قصده ومن قصد الدنيا فقط أعطاه من الدنيا ما قدر له وكان له في الآخرة العذاب والله تعالى سميع للأقوال بصير بالأعمال والنيات وفي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال إنما الأعمال بالنيات وإنما لامرىء ما نوى الحديث قال النووي بلغنا عن ابن عباس أنه قال إنما يحفظ الرجل على قدر نيته وقال غيره إنما يعطى الناس على قدر نياتهم انتهى ثم خاطب سبحانه المؤمنين بقوله كونوا قوامين بالقسط وهو العدل ومعنى شهداء لله أي لذاته ولوجهه ولمرضاته سبحانه وقوله ولو على أنفسكم متعلق بشهداء هذا هو الظاهر الذي فسر عليه الناس وإن هذه الشهادة المذكورة هي في الحقوق ويحتمل ان يكون المعنى شهداء لله بالوحدانية ويتعلق قوله ولو على أنفسكم بقوامين بالقسط والتأويل الأول أبين وشهادة المرء على نفسه هو إقراره بالحقائق قال ص وقوله تعالى إن يكن غنيا أو فقيرا ضمير يكن عائد إلى المشهود عليه والضمير في بهما عائد على جنسي الغني والفقير

انتهى قال ع وقوله أولى بهما أي هو انظر لهما وروى الطبري أن هذه الآية هي بسبب نازلة بني أبيرق وقيام من قام فيها بغير القسط وقوله تعالى فلا تتبعوا الهوى نهي بين واتباع الهوى مرد مهلك وقوله تعالى إن تعدلوا يحتمل أن يكون معناه مخافة أن تعدلوا ويكون العدل هنا بمعنى العدول عن الحق ويحتمل أن يكون معناه محبة أن تعدلوا ويكون العدل بمعنى القسط وقوله تعالى وإن تلووا أو تعرضوا الآية قال ابن عباس هي في الخصمين يجلسان بين يدي القاضي فيكون لي القاضي وإعراضه لأحدهما على الآخر وقال ابن زيد وغيره هي في الشهود يلوى الشهادة بلسانه أو يعرض عن أدائها قال ع ولفظ الآية يعم القضاء والشهادة والتوسط بين الناس وكل إنسان مأخوذ بأن يعدل والخصوم مطلوبون بعدل ما في القضاة فتأمله وقد تقدم تفسير إلى وباقي الآية وعيد وقوله تعالى يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله الآية اختلف من المخاطب بهذه الآية فقيل الخطاب للمؤمنين ومضمن هذا الأمر الثبوت والدوام وقالت فرقة الخطاب لأهل الكتابين ورجحه الطبري وقيل الخطاب للمنافقين أي يا أيها الذين آمنوا في الظاهر ليكن إيمانكم حقيقة وقوله سبحانه ومن يكفر بالله إلى آخر الآية وعيد وخبر مضمنه تحذير المؤمنين من حالة الكفر وقوله تعالى إن الذين ءامنوا ثم كفروا الآية قال مجاهد وابن زيد الآية في المنافقين فإن منهم من كان يؤمن ثم يكفر ثم يؤمن ثم يكفر ثم ازداد كفرا بأن تم على نفاقه حتى مات قال ع وهذا هو التأويل الراجح وتأمل قوله تعالى لم يكن الله ليغفر لهم فإنها عبارة تقتضي أن هؤلاء محتوم عليهم من أول أمرهم ولذلك ترددوا وليست هذه العبارة مثل أن يقول لا يغفر الله لهم بل هي أشد فتأمل الفرق بين العبارتين فإنه من

دقيق غرائب الفصاحة التي في كتاب الله سبحانه وقوله تعالى بشر المنافقين بأن لهم عذابا أليما الآية في هذه الآية دليل على ما على ان التي قبلها إنما هي في المنافقين ثم نص سبحانه من صفات المنافقين على أشدها ضررا وهي موالاتهم الكافرين وإطراحهم المؤمنين وبنه على فساد ذلك ليدعه من عسى أن يقع في نوع منه من المؤمنين غفلة أو جهالة أو مسامحة ثم وقفهم سبحانه على جهة التوبيخ فقال أيبتغون عندهم العزة والاستكثار أي ليس الأمر كذلك فإن العزة لله جميعا يؤتيها من يشاء وقد وعد بها المؤمنين وجعل العاقبة للمتقين والعزة أصلها الشدة والقوة ومنه وعزني في الخطاب أي غلبني بشدته وقوله سبحانه وقد نزل عليكم في الكتاب الآية مخاطبة لجميع من أظهر الإيمان من محقق ومنافق لأنه إذا أظهر الإيمان فقد لزمه امتثال أوامر كتاب الله تعالى والإشارة بهذه الآية إلى قوله تعالى وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره إلى نحو هذا من الآيات والكتاب في هذا الموضع القرآن وفي الآية دليل قوي على وجوب تجنب أهل البدع والمعاصي وأن لا يجالسوا وقد قيل ... عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه ... فكل فرين بالمقارن مقتد ...
وهذه المماثلة ليست في جميع الصفات ثم توعد سبحانه المنافقين والكافرين بجمعهم في جهنم فتأكد بذلك النهي عن مجالستهم وخلطتهم وقوله تعالى الذين يتربصون بكم الآية هذه صفة المنافقين ويتربصون بكم معناه ينتظرون دور الدوائر عليكم فإن كان فتح للمؤمنين ادعوا فيه النصيب بحكم ما يظهرونه من الإيمان وإن كان للكافرين نيل من المؤمنين ادعوا فيه النصيب بحكم ما يبطنونه من موالاة الكفار وهذا حال المنافقين ونستحوذ معناه نغلب على أمركم ونحوطكم

ومنه استحوذ عليهم الشيطان معناه غلب على أمرهم ثم سلى سبحانه المؤمنين وأنسهم بما وعدهم به في قوله فالله يحكم بينكم يوم القيامة أي وبينهم وينصفكم من جميعهم وبقوله تعالى ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا أي يوم القيامة قاله علي رضي الله عنه وعليه جميع أهل التأويل والسبيل هنا الحجة والغلبة قلت إلا ابن العربي لم يرتض هذا التأويل قال وإنما معنى الآية أحد ثلاثة وجوه الأول لن يجعل الله للكافرين علىالمؤمني سبيلا يمحو به دولة المؤمنين ويستبيح بيضتهم الثاني لن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا إلا أن يتواصوا بالباطل ولا يتناهوا عن المنكر ويتباعدوا عن التوبة فيكون تسليط العدو من قبلهم وهذا نفيس جدا الثالث لن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا بالشرع فإن وجد ذلك فبخلاف الشرع ونزع بهذا علماؤنا بالاحتجاج على أن الكافر لا يملك العبد المسلم انتهى ومخادعة المنافقين هي لأولياء الله ففي الكلام حذف مضاف إذ لا يقصد أحد من البشر مخادعة الله سبحانه وقوله تعالى وهو خادعهم عبارة عن عقوبتهم سماها باسم الذنب وقال ابن جريج والحسن والسدي وغيرهم من المفسرين إن هذا الخدع هو أن الله تعالى يعطي لهذه الأمة يوم القيامة نورا لكل إنسان مؤمن أو منافق فيفرح المنافقون ويظنون أنهم قد نجوا فإذا جاءوا إلى الصراط طفىء نور كل منافق ونهض المؤمنون فذلك قول المنافقين انظرونا نقتبس من نوركم فذلك هو الخدع الذي يجري على المنافقين ثم ذكر سبحانه كسلهم في الصلاة وتلك حال كل من يعمل كارها غير معتقد فيه الصواب بل تقية أو مصانعة قال ابن العربي في أحكامه قوله تعالى ولا يذكرون الله إلا قليلا روى الأئمة مالك وغيره عن أنس أن النبي صلى الله عليه و سلم قال تلك صلاة المنافقين تلك صلاة المنافقين

تلك صلاة المنافقين يجلس أحدهم حتى إذا اصفرت الشمس وكانت بين قرني الشيطان قام ينقر أربعا لا يذكر الله فيها إلا قليلا قال ابن العربي وقد بين تعالى صلاة المؤمنين بقوله قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون ومن خشع خضع واستمر ولم ينقر صلاته ولم يستعجل انتهى ومذبذبين معناه مضطرين لا يثبتون على حال والتذبذب الاضطراب فهؤلاء المنافقون مترددون بين الكفار والمؤمنين لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء كما قال صلى الله عليه و سلم مثل المنافقين كمثل الشاة العايرة بين الغنمين والإشارة بذلك إلى حالتي الكفر والإيمان وقوله تعالى يا أيها الذين ءامنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين الآية خطابه سبحانه للمؤمنين يدخل فيه بحكم الظاهر المنافقون المظهرون للإيمان ففي اللفظ رفق بهم وهم المراد بقوله سبحانه أترديون أن تجعلوا لله عليكم سلطانا مبينا لأن هذا التوقيف إنما هو لمن ألم يشيء من الفعل المؤدي إلى هذه الحال والمؤمنون المخلصون ما ألموا قط بشيء من ذلك ويقوى هذا المنزع قوله تعالى من دون المؤمنين اي والمؤمنون العارفون المخلصون غيب عن هذه الموالاة وهذا لا يقال للمؤمنين المخلصين بل المعنى يا أيها الذين أظهروا الإيمان والتزموا لوازمه والسلطان الحجة ثم أخبر تعالى عن المنافقين أنهم في الدرك الأسفل من نار جهنم وذلك لأنهم أسرى غوائل من الكفار واشد تمكنا من أذى المسلمين قلت وأيضا لأنهم شاهدوا من معجزات النبي صلى الله عليه و سلم وما جعل الله على يديه من الخوارق ما لم يشاهد غيرهم من الكفار فكانت الحجة عليهم أعظم وكان كفرهم محض عناد وروي عن أبي هريرة وابن مسعود وغيرهما أنهم قالوا المنافقون في الدرك الأسفل من النار في توابيت من النار تقفل عليهم ثم استثنى عز و جل التائبين من المنافقين ومن شروط التائب أن

يصلح في قوله وفعله ويعتصم بالله أي يجعله منعته وملجأه ويخلص دينه لله تعالى وإلا فليس بتائب وقوله فأولئك مع المؤمنين أي في رحمة الله سبحانه وفي منازل الجنة ثم وعد سبحانه المؤمنين الأجر العظيم وهو التخليد في الجنة وقال ص فأولئك خبره مضمر والتقدير فأولئك مؤمنون مع المؤمنين قاله أبو البقاء انتهى ثم قال سبحانه للمنافقين ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم الآية أي ايى منفعة له سبحانه في ذلك أو حاجة قال أبو عبد الله اللخمي زعم الطبري أن قوله تعالى ما يفعل الله بعذابكم خطاب للمنافقين ولا يكاد يقوم له على ذلك دليل يقطع به وليس في ذكر المنافقين قبله ما يقتضي أن يحمل عليهم خاصة مع احتمال الآية للعموم فقطعه بأن الآية في المنافقين حكم لا يقوم به دليل انتهى وهو حسن إذ حمل الآية على العموم أحسن والعجب من ع كيف تبع الطبري في هذا التخصيص ويظهر والله اعلم أنهما عولا في تخصيص الآية على قوله تعالى وآمنتم وهو محتمل أن يحمل في حق المنافقين على ظاهره وفي حق المؤمنين على معنى دمتم على إيمانكم والله أعلم والشكر على الحقيقة لا يكون إلا مقترنا بالإيمان لكنه ذكر الإيمان تأكيدا وتنبيها على جلالة موقعه ثم وعد سبحانه بقوله وكان الله شاكرا عليما أي يتقبل أقل شيء من العمل وينميه فذلك شكر منه سبحانه لعباده والشكور من البهائم الذي يأكل قليلا ويظهر به بدنه والعرب تقول في مثل أشكر من بروقة لأنها يقال تخضر وتتنضر بظل السحاب دون مطر وفي قوله عليما تحذير وندب إلى الإخلاص وقوله تعالى لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم الاية قراءة الجمهور بضم الظاء وقرىء شاذا بفتحها واختلف على قراءة الجمهور فقالت فرقة المعنى لا يحب الله أن يجهر أحد بالسوء من القول إلا من

ظلم فلا يكره له الجهر به ثم اختلفت هذه الفرقة في كيفية الجهر بالسوء وما هو المباح منه فقال ابن عباس وغيره لا بأس لمن ظلم أن ينتصر ممن ظلمه بمثل ظلمه ويجهر له بالسوء من القول أي بما يوازي الظلامة وقال مجاهد وغيره نزلت في الضيف المحول رحله فإنه رخص له أن يجهر بالسوء من القول للذي لم يكرمه يريد بقدر الظلم والظلامة وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة قال قال النبي صلى الله عليه و سلم من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذي جاره ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت انتهى وسميع عليم صفتان لائقتان بالجهر بالسوء وبالظلم أيضا فإنه يعلمه ويجازي عليه ولما ذكر سبحانه عذر المظلوم في أن يجهر بالسوء لظالمه اتبع ذلك عرض إبداء الخير وإخفائه والعفو عن السوء ثم وعد عليه سبحانه بقوله فإن الله كان عفوا قديرا وعدا خفيا تقتضيه البلاغة ورغب سبحانه في العفو إذ ذكر أنها صفته مع القدرة على الانتقام قال ع ففي هذه الألفاظ اليسيرة معان كثيرة لمن تأملها قال الداودي وعن ابن عمر أنه قال لا يحب الله سبحانه أن يدعو أحد علىأحد إلا أن يظلم فقد رخص له في ذلك انتهى وقوله تعالى إن الذين يكفرون بالله ورسله إلى آخر الآية نزل في اليهود والنصارى وقد تقدم بيان هذه المعاني وقوله تعالى والذين ءامنوا بالله ورسله الآية لما ذكر سبحانه أن المفرقين بين الرسل هم الكافرون حقا عقب ذلك بذكر المؤمنين بالله ورسله جميعا وهم المؤمنون بمحمد صلى الله عليه و سلم ليصرح بوعد هؤلاء كما صرح بوعيد أولئك فبين الفرق بين المنزلتين وقوله تعالى يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء الآية قال قتادة سألت اليهود النبي صلى الله عليه و سلم أن يأتيهم بكتاب من عند الله خاص

لليهود يأمرهم فيه بالإيمان بمحمد صلى الله عليه و سلم ونحوه عن ابن جريج وزاد إلى فلان وإلى فلان إنك رسول الله ثم قال سبحانه على جهة التسلية لنبيه صلى الله عليه و سلم فقد سألوا موسى أكبر من ذلك وفي الكلام محذوف يدل عليه المذكور تقديره فلا تبال يا محمد من سؤالهم وتشططهم فإنها عادتهم وجمهور المتأولين على أن جهرة معمول لأمرنا أي حتى نراه جهارا أي عيانا وأهل السنة معتقدون أن هؤلاء لم يسألوا محالا عقلا لكنه محال من جهة الشرع إذ قد أخبر تعالى على ألسنة أنبيائه أنه لا يرى سبحانه في هذه الدنيا والرؤية في الآخرة ثابتة عن النبي صلى الله عليه و سلم بالخبر المتواتر وهي جائزة عقلا من غير تحديد ولا تكييف ولا تحيز كما هو تعالى معلوم لا كالمعلومات كذلك هو مرئي لا كالمرءيات سبحانه هذه حجة أهل السنة وقولهم وقد تقدم قصص القوم في البقرة وظلمهم هو تعنتهم وسؤالهم ما ليس لهم أن يسألوه وقوله تعالى ثم اتخذوا العجل ثم للترتيب في الأخبار لا في نفس الأمر التقدير ثم قد كان من أمرهم أن اتخذوا العجل وذلك أن اتخاذ العجل كان عند أمر المضي في المناجاة ولم يكن الذين صعقوا ممن اتخذ العجل لكن الذين اتخذوه كانوا قد جاءتهم البينات وقوله سبحانه فعفونا عن ذلك يعني بما امتحنهم به من القتل لأنفسهم ثم وقع العفو عن الباقين منهم وقوله سبحانه فبما نقضهم ما زائدة مؤكدة التقدير فبنقضهم فالآية مخبرة عن أشياء واقعوها هي ضد ما أمروا به وحذف جواب هذا الكلام بليغ مبهم متروك مع ذهن السامع تقديره لعناهم ونحوه ثم قال سبحانه وبكفرهم أي بعيسى وقولهم على مريم بهتانا هو رميهم إياها بالزنا بعد رؤيتهم الآية في كلام عيسى في المهد وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم الآية هذه الآية والتي قبلها عدد الله تعالى فيها أقوال بني إسرائيل وأفعالهم على

اختلاف الأزمان وتعاقب القرون فاجتمع من ذلك توبيخ خلفهم المعاصرين لنبينا محمد صلى الله عليه و سلم فهذه الطائفة التي قالت إنا قتلنا المسيح غير الذين نقضوا الميثاق في الطور وغير الذين اتخذوا العجل وقول بني إسرائيل إنما هو إلى قوله عيسى ابن مريم وقوله تعالى رسول الله إنما هو إخبار من الله تعالى بصفة لعيسى وهي الرسالة على جهة إظهار ذنب هؤلاء المقرين بالقتل ولزمهم الذنب وهم لم يقتلوا عيسى لأنهم صلبوا ذلك الشخص على أنه عيسى وعلى أن عيسى كذاب ليس برسول الله فلزمهم الذنب من حيث اعتقدوا أن قتلهم وقع في عيسى قال ص وعيسى بدل أو عطف بيان من المسيح ورسول الله كذلك ويجوز أن يكون صفة لعيسى وأن يكون نصبا على إضمار أعني قلت وهذا الأخير أحسنها من جهة المعنى انتهى ثم أخبر سبحانه أن بني إسرائيل ما قتلوا عيسى وما صلبوه ولكن شبه لهم واختلفت الرواة في هذه القصة والذي لا يشك فيه أن عيسى عليه السلام كان يسيح في الأرض ويدعو إلى الله وكانت بنو إسرائيل تطلبه وملكهم في ذلك الزمان يجعل عليه الجعائل وكان عيسى قد انضوى إليه الحواريون يسيرون معه حيث سار فلما كان في بعض الأوقات شعر بأمر عيسى فروي أن رجلا من اليهود جعل له جعل فما زال ينقر عنه حتى دل على مكانه فلما أحس عيسى وأصحابه بتلاحق الطالبين بهم دخلوا بيتا بمرأى من بني إسرائيل فروي أنهم عدوهم ثلاثة عشر وروي ثمانية عشر وحصروا ليلا فروي أن عيسى فرق الحواريين عن نفسه تلك الليلة ووجههم إلى الآفاق وبقي هو ورجل معه فرفع عيسى والقي شبهه على الرجل فصلب ذلك الرجل وروي أن الشبه القي على اليهودي الذي دل عليه فصلب وروي أن عيسى عليه السلام لما أحيط بهم قال لأصحابه ايكم يلقى

عليه شبهى فيقتل ويخلص هؤلاء وهو رفيقي في الجنة فقال سرجس أنا فالقي عليه شبه عيسى وروي أن شبه عيسى ألقي على الجماعة كلها فلما أخرجهم بنو إسرائيل نقصوا واحدا من العدة فأخذوا واحدا ممن عليه الشبه حسب هذه الروايات التي ذكرناها فصلبوه وروي أن الملك والمتناولين لم يخف عليهم أمر رفع عيسى لما رأوه من نقصان العدة واختلاط الأمر وقوله تعالى وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه الآية يعني اختلاف المحاولين لأخذه لأنهم حين فقدوا واحدا من العدد وتحدث برفع عيسى اضطربوا واختلفوا لكن أجمعوا على صلب واحد من غير ثقة ولا يقين أنه هو وقوله تعالى وما قتلوه يقينا قال ابن عباس وجماعة المعنى وما صح ظنهم عندهم ولا تحققوه يقينا فالضمير في قتلوه عندهم عائد على الظن كما تقول ما قتلت هذا الأمر علما قلت وعبارة السدي وما قتلوا أمره يقينا أن الرجل هو عيسى انتهى من مختصر الطبري وقال قوم الضمير عائد على عيسى أخبر سبحانه أنهم ما قتلوه في الحقيقة جملة واحدة لا يقينا ولا شكا لكن لما حصلت في ذلك الدعوى صار قتله عندهم مشكوكا فيه وقال قوم من أهل اللسان الكلام تام في قوله وما قتلوه ويقينا مصدر مؤكد للنفي في قوله وما قتلوه المعنى نخبركم يقينا أو نقص عليكم يقينا أو أيقنوا بذلك يقينا وقال ص بعد كلام والظاهر أن الضمير في قتلوه عائد إلى عيسى لتتحد الضمائر ويقينا منصوب في موضع الحال من فاعل قتلوه أي مستيقنين أنه عيسى أو نعت لمصدر محذوف أي قتلا يقينا انتهى وقوله تعالى بل رفعه الله إليه يعني إلى سمائه وكرامته وعيسى عليه السلام في السماء على ما تضمنه حديث الإسراء في ذكر ابني الخالة عيسى ويحيى ذكره البخاري في حديث المعراج وذكره غيره وهو هنالك مقيم حتى ينزله الله تعالى لقتل الدجال وليملأ الأرض عدلا ويحيى

فيها أربعين سنة ثم يموت كما يموت البشر وقوله تعالى وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته اختلف في معنى الآية فقال ابن عباس وغيره الضمير في موته راجع إلى عيسى والمعنى أنه لا يبقى من أهل الكتاب أحد إذا نزل عيسى إلى الأرض إلا يؤمن بعيسى كما يؤمن سائر البشر وترجع الأديان كلها واحدا يعني يرجعون على دين نبينا محمد صلى الله عليه و سلم إذ عيسى واحد من أمته وعلى شريعته وائمتنا منا كما ورد في الحديث الصحيح وقال مجاهد وابن عباس أيضا وغيرهما الضمير في به لعيسى وفي موته للكتابي لكن عند المعاينة للموت فهو إيمان لا ينفعه وقال عكرمة الضمير في به لنبينا محمد صلى الله عليه و سلم وقبل موته للكتابي قال وليس يخرج يهودي ولا نصراني من الدنيا حتى يؤمن بمحمد صلى الله عليه و سلم ولو غرق أو سقط عليه جدار فإنه يؤمن في ذلك الوقت وفي مصحف أبي بن كعب قبل موتهم ففي هذه القراءة تقوية لعود الضمير على الكتابي قال ص وإن من أهل الكتاب الآية إن هنا نافية والمخبر عنه محذوف قامت صفته مقامه أي وما أحد من أهل الكتاب كما حذف في قوله تعالى وإن منكم إلا واردها وقوله تعالى وما منا إلا له مقام معلوم أي وما أحد منا وما أحد منكم قال الشيخ أبو حيان ليؤمنن به جواب قسم محذوف والقسم وجوابه هو الخبر وكذلك أيضا إلا له مقام وإلا واردها هما الخبر قال الزجاج وحذف أحد مطلوب في كل نفي يدخله الاستثناء نحو ما قام إلا زيد أي ما قام أحد إلا زيد انتهى وقوله تعالى فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم الآية فبظلم معطوف على قوله سبحانه فبما نقضهم والطيبات هنا هي الشحوم وبعض الذبائح والطير والحوت وغير ذلك وقرأ ابن عباس طيبات كانت أحلت لهم وبصدهم عن سبيل الله كثيرا يحتمل

أن يريد صدهم في ذاتهم ويحتمل أن يريد صدهم غيرهم وأخذهم الربوا هو الدرهم بالدرهمين إلى أجل ونحو ذلك مما هو مفسدة وقد نهوا عنه ثم استثنى سبحانه الراسخين في العلم منهم كعبد الله بن سلام ومخيريق ومن جرى مجراهم واختلف الناس في قوله سبحانه والمقيمين وكيف خالف إعرابها إعراب ما تقدم وما تأخر فقال بعض نحاة البصرة والكوفة إنما هذا من قطع النعوت إذا كثرت على النصب باعني والرفع بعد ذلك بهم وقال قوم والمقيمين عطف على ما في قوله وما أنزل من قبلك والمعنى ويؤمنون بالمقيمين الصلاة وهم الملائكة أو من تقدم من الأنبياء وقال قوم والمقيمين عطف على الضمير في منهم وقال آخرون بل على الكاف في قوله من قبلك وزاد ص والمقيمين منصوب على المدح قال وقرأ جماعة والمقيمون انتهى وقوله تعالى انا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيئين من بعده الآية سبب نزولها قول بعض أحبار يهود ما أنزل الله على بشر من شيء فأنزل الله سبحانه الآية تكذيبا لهم قال ع إسماعيل هو الذبيح في قول المحققين والوحي إلقاء المعنى في خفاء وعرفه في الأنبياء بوساطة جبريل عليه السلام وكلم الله سبحانه موسى بكلام دون تكييف ولا تحديد ولا حرف ولا صوت والذي عليه الراسخون في العلم إن الكلام هو المعنى القائم في النفس ويخلق الله لموسى إدراكا من جهة السمع يتحصل به الكلام وكما أن الله تعالى موجود لا كالموجودات معلوم لا كالمعلومات فكذلك كلامه لا كالكلام وقوله سبحانه رسلا مبشرين ومنذرين الآية رسلا بدل من الأول وأراد سبحانه أن يقطع بالرسل احتجاج من يقول لو بعث إلى رسول لآمنت والله سبحانه عزيز لا يغالبه شيء ولا حجة لأحد عليه حكيم في أفعاله فقطع الحجة بالرسل حكمة منه سبحانه وقوله تعالى لكن الله يشهد بما أنزل إليك الآية

سببها قول اليهود ما أنزل الله على بشر من شيء وقال ص لكن استدراك ولا يبتدأ بها فيتعين تقدير جملة قبلها يبينها سبب النزول وهو أنه لما نزل انا أوحينا إليك قالوا ما نشهد لك بهذا فنزل لكن الله يشهد انتهى وقوله تعالى أنزله بعلمه هذه الآية من أقوى متعلقات أهل السنة في إثبات علم الله عز و جل خلافا للمعتزلة في أنهم يقولون عالم بلا علم والمعنى عند أهل السنة انزله وهو يعلم إنزاله ونزوله وقوله سبحانه والملائكة يشهدون يشهدون تقوية لأمر نبينا محمد صلى الله عليه و سلم ورد على اليهود وقوله تعالى وكفى بالله شهيدا تقديره وكفى الله شهيدا لكنه دخلت الباء لتدل على أن المراد اكتفوا بالله وباقي الآية بين وقوله تعالى يا أيها الناس قد جاءكم الرسول بالحق من ربكم الآية خطاب لجميع الناس وهي دعاء إلى الشرع ولو كانت في أمر من أوامر الأحكام ونحو هذا لكانت يا أيها الذين أمنوا والرسول في الآية نبينا محمد صلى الله عليه و سلم ثم قال سبحانه وإن تكفروا فإن لله ما في السموات والأرض وهذا خبر بالاستغناء وإن ضرر الكفر إنما هو نازل بهم ثم خاطب سبحانه أهل الكتاب من النصارى وهو أن يدعوا الغلو وهو تجاوز الحد وقوله في دينكم معناه في دين الله الذي انتم مطلوبون به بأن توحدوا الله ولا تقولوا على الله إلا الحق وليست الإشارة إلى دينهم المضلل وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال من قال أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمد عبده ورسوله وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه وأن الجنة حق والنار حق أدخله الله الجنة على ما كان من عمل رواه مسلم والبخاري والنسائي وفي مسلم أدخله الله من أي أبواب الجنة الثمانية شاء انتهى وقوله تعالى فآمنوا بالله ورسله أي الذين من جملتهم عيسى

ومحمد عليهما السلام وقوله تعالى إنما الله إله واحد إنما في هذه الآية حاصرة وسبحانه معناه تنزيها له وتعظيما والاستنكاف اباية بأنفة قال ع وقوله سبحانه ولا الملائكة المقربون زيادة في الحجة وتقريب من الأذهان أي وهؤلاء الذين هم في أعلى درجات المخلوقين لا يستنكفون عن ذلك فكيف بسواهم وفي هذه الآية دليل على تفضيل الملائكة على الأنبياء وقوله سبحانه فسيحشرهم عبارة وعيد قال ع وهذا الاستنكاف إنما يكون من الكفار عن اتباع الأنبياء وما جرى مجراه وقوله تعالى يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم الآية إشارة إلى نبينا محمد صلى الله عليه و سلم والبرهان الحجة النيرة الواضحة التي تعطي اليقين التام والنور المبين يعني القرآن لأن فيه بيان كل شيء وفي صحيح مسلم عن زيد بن أرقم قال قام رسول الله صلى الله عليه و سلم يوما فينا خطيبا فحمد الله تعالى وأثنى عليه وعظ وذكر ثم قال أما بعد ألا أيها الناس فإنما أنا بشر مثلكم يوشك أن يأتيني رسول ربي فأجيب وأنا تارك فيكم ثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا فحث على كتاب الله ورغب فيه ثم قال وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله ثلاثا في أهل بيتي الحديث وفي رواية كتاب الله فيه الهدى والنور من استمسك به وأخذ به كان على الهدى ومن اخطأه ضل وفي رواية ألا وأني تارك فيكم ثقلين أحدهما كتاب الله وهو حبل الله من أتبعه كان على الهدى ومن تركه كان على ضلالة انتهى وقوله سبحانه فأما الذين ءامنوا بالله واعتصموا به أي اعتصموا بالله ويحتمل اعتصموا بالقرآن كما قال عليه السلام القرآن حبل الله المتين من تمسك به عصم والرحمة والفضل الجنة ونعيمها ويهديهم معناه إلى الفضل وهذه هداية طريق الجنان كما قال تعالى سيهديهم ويصلح

بالهم الآية لأن هداية الإرشاد قد تقدمت وتحصلت حين ءامنوا بالله واعتصموا بكتابه فيهديهم هنا بمعنى يعرفهم وباقي الآية بين وقوله تعالى يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة فقد تقدم القول في تفسير الكلالة في صدر السورة وكان أمر الكلالة عند عمر بن الخطاب رضي الله عنه مشكلا والله أعلم ما الذي أشكل عليه منها قوله النبي صلى الله عليه و سلم له تكفيك منها آية الصيف التي نزلت في آخر سورة النساء بيان فيه كفاية قال كثير من الصحابة هذه الآية هي من آخر ما نزل وقوله سبحانه يبين الله لكم أن تضلوا التقدير ليلا تضلوا والله بكل شيء عليم سبحانه وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما

سورة المائدة

بسم الله الرحمن الرحيم
هذه السورة مدنية بإجماع
قوله تعالى يا أيها الذين أمنوا أوفوا بالعقود الآية عامة في الوفاء بالعقود وهي الربوط في القول كان ذلك في تعاهد على بر أو في عقدة نكاح أو بيع أو غيره فمعنى الآية أمر جميع المؤمنين بالوفاء على عقد جار على رسم الشريعة وفسر بعض الناس لفظ العقود بالعهود وقال ابن شهاب قرأت كتاب رسول الله صلى الله عليه و سلم الذي كتب عمرو بن حزم حين بعثه إلى نجران وفي صدره هذا بيان من الله ورسوله يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود فكتب الآيات إلى قوله أن الله سريع الحساب قال ع وأصوب ما يقال في هذه الآية أن تعمم الفاظها بغاية ما تتناول فيعمم لفظ المؤمنين في مؤمنى أهل الكتاب وفي كل مظهر للإيمان

وأن لم يبطنه وفي المؤمنين حقيقة ويعمم لفظ العقود في كل ربط بقول موافق للحق والشرع وقوله تعالى أحلت لكم بهيمة الأنعام اختلف في معنى بهيمة الأنعام فقال قتادة وغيره هي الأنعام فقال قتادة وغيره هي الأنعام كلها ع وكأنه قال أحلت لكم الأنعام وقال الطبري قال قوم بهيمة الأنعام وحشها وهذا قول حسن وذلك أن الأنعام هي الثمانية الأزواج وانضاف اليها من سائر الحيوان ما يقال له أنعام بمجموعه معها والبهيمة في كلام العرب ما ابهم من جهة نقص النطق والفهم وقوله إلا ما يتلى عليكم استثناء ما تلي في قوله تعالى حرمت عليكم الميتة الآية وما في موضع نصب على أصل الاستثناء وقوله سبحانه غير محلى الصيد نصب غير على الحال من الكاف والميم في قوله أحلت لكم وهو استثناء بعد استثناء قال ص وهذا هو قول الجمهور واعترض بأنه يلزم منه تقييد الحلية بحالة كونهم غير محلين الصيد وهم حرم والحلية ثابتة مطلقة قال ص والجواب عندي عن هذا أن المفهوم هنا متروك لدليل خارجي وكثير في القرءان وغيره من المفهومات المتروكة لمعارض ثم ذكر ما نقله أبو حيان من الوجوه التي لم يرتضها م وما فيها من التكلف ثم قال ولا شك أن ما ذكره الجمهور من أن غير حال وأن لزم عنه الترك بالمفهوم فهو أولى من تخريج تنبو عنه الفهوم انتهى وقوله سبحانه أن الله يحكم ما يريد تقوية لهذه الأحكام الشرعية المخالفة لمعهود أحكام الجاهلية أي فأنت أيها السامع لنسخ تلك التي عهدت تنبه فإن الله الذي هو مالك الكل يحكم ما يريد لا معقب لحكمه سبحانه قال ع وهذه الآية مما تلوح فصاحتها وكثرة معانيها على قلة الفاظها لكل ذي بصر بالكلام ولمن عنده ادنى أبصار وقد حكى النقاش أن أصحاب الكندي قالوا للكندي أيها الحكيم اعمل لنا مثل هذا القرءان فقال نعم اعمل لكم مثل بعضه فأحتجب أياما كثيرة ثم خرج فقال والله ما أقدر عليه

ولا يطيق هذا أحد أني فتحت المصحف فخرجت سورة المائدة فنظرت فإذا هو قد أمر بالوفاء ونهى عن النكث وحلل تحليلا عاما ثم استثنى استثناء بعد استثناء ثم أخبر عن قدرته وحكمته في سطرين ولا يستطيع أحد أن يأتي بهذا إلا في أجلاد وقوله سبحانه يا أيها الذين أمنوا لا تحلوا شعائر الله خطاب للمؤمنين حقا أن لا يتعدوا حدود الله في أمر من الأمور قال عطاء بن أبي رباح شعائر الله جميع ما أمر به سبحانه أو نهى عنه وهذا قول راجح فالشعائر جمع شعيرة أي قد اشعر الله أنها حده وطاعته فهي بمعنى معالم الله وقوله تعالى ولا الشهر الحرام أي لا تحلوه بقتال ولا غارة والأظهر أن الشهر الحرام أريد به رجب ليشتد أمره وهو شهر كان تحريمه مختصا بقريش وكانت تعظمه ويحتمل أنه أريد به الجنس في جميع الأشهر الحرم وقوله سبحانه ولا الهدي أي لا يستحل ولا يغار عليه ثم ذكر المقلد منه تأكيدا ومبالغة في التنبيه على الحرمة في التقليد هذا معنى كلام ابن عباس وقال الجمهور الهدي عام في أنواع ما يهدى قربة والقلائد ما كان الناس يتقلدونه من لحاء السمر وغيره امنة لهم وقال ص ولا القلائد أي ولا ذوات القلائد وقيل بل المراد القلائد نفسها مبالغة في النهي عن التعرض للهدي انتهى وقوله تعالى ولا ءامين البيت الحرام أي قاصدينه من الكفار المعنى لا تحلوهم فتغيرون عليهم وهذا منسوخ بآية السيف بقوله تعالى فاقتلوا المشركين حيث وجتموهم فكل ما في هذه الآية مما يتصور في مسلم حاج فهو محكم وكل ما كان منها في الكفار فهو منسوخ وقوله سبحانه يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا قال فيه جمهور المفسرين معناه يبتغون الفضل من الأرباح في التجارة ويبتغون مع ذلك رضوانه في ظنهم وطمعهم وهذه الآية نزلت عام الفتح وفيها استيلاف من الله سبحانه للعرب ولطف بهم

لتنبسط النفوس بتداخل الناس ويردون الموسم فيسمعون القرآن ويدخل الإيمان في قلوبهم وتقوم عليهم الحجة كالذي كان ثم نسخ الله ذلك كله بعد عام في سنة تسع إذ حج أبو بكر رضي الله عنه ونودي في الناس بسورة براءة وقوله تعالى وإذا حللتم فاصطادوا مجيء إباحة الصيد عقب التشديد فيه حسن في فصاحة القول وقوله سبحانه فاصطادوا أمر ومعناه الإباحة بإجماع وقوله تعالى ولا يجرمنكم معناه لا يكسبنكم وجرم الرجل معناه كسب وقال ابن عباس معناه لا يحملنكم والمعنى متقارب والتفسير الذي يخص اللفظة هو معنى الكسب وقوله تعالى شنئان قوم الشنئان هو البغض فأما من قرا شنئان بفتح النون فالأظهر فيه أنه مصدر كأنه قال لا يكسبنكم بغض قوم من أجل أن صدوكم عدوانا عليهم وظلما لهم وهذه الآية نزلت عام الفتح سنة ثمان حين أراد المسلمون أن يستطيلوا علىقريش والفافها المتظاهرين على صد رسول الله صلى الله عليه و سلم وأصحابه عام الحديبية وذلك سنة ست من الهجرة فحصلت بذلك بغضة في قلوب المؤمنين وحيكة للكفار فنهي المؤمنون عن مكافأتهم وإذ لله فيهم إرادة خير وفي علمه أن منهم من يؤمن كالذي كان وقرأ أبو عمرو وابن كثير إن صدوكم ومعناه إن وقع مثل ذلك في المستقبل وقراءة الجمهور أمكن ثم أمر سبحانه الجميع بالتعاون على البر والتقوى قال قوم هما لفظان بمعنى وفي هذا تسامح والعرف في دلالة هذين أن البر يتناول الواجب والمندوب والتقوى رعاية الواجب فإن جعل أحدهما بدل الآخر فبتجوز قلت قال أحمد بن نصر الداودي قال ابن عباس البر ما أمرت به والتقوى ما نهيت عنه انتهى وقد ذكرنا في غير هذا الموضع أن لفظ التقوى يطلق على معان وقد بيناها في آخر سورة النور وفي الحديث الصحيح والله في عون العبد ما كان العبد

في عون أخيه قال ابن الفاكهاني عند شرحه لهذا الحديث وقد روينا في بعض الأحاديث من سعى في حاجة أخيه المسلم قضيت له أو لم تقض غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وكتب له براءتان براءة من النار وبراءة من النفاق انتهى من شرح الأربعين حديثا ثم نهى تعالى عن التعاون على الإثم والعدوان ثم أمر بالتقوى وتوعد توعدا مجملا قال النووي وعن وابصة بن معبد أنه أتى النبي صلى الله عليه و سلم فقال جئت تسأل عن البر والإثم قال نعم فقال استفت قلبك البر ما اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب والإثم ما حاك في النفس وتردد في الصدر وإن أفتاك الناس وأفتوك حديث حسن رويناه في مسند أحمد يعني أبن حنبل والدارمي وغيرهما وفي صحيح مسلم عن النواس ابن سمعان عن النبي صلى الله عليه و سلم قال البر حسن الخلق والإثم ماحاك في نفسك وكرهت أن يطلع عليه الناس انتهى وقوله تعالى حرمت عليكم الميتة والدم الآية تعديد لما يتلى على الأمة مما استثني من بهيمة الأنعام والدم معناه المسفوح ولحم الخنزير مقتض لشحمه بإجماع وما أهل لغير الله به قد تقدم والمنخنقة معناه التي تموت خنقا والموقوذة التي ترمى أو تضرب بعصا وشبهها والمتردية هي التي تتردى من علو إلى سفل تموت والنطيحة فعيله بمعنى مفعولة وما أكل السبع يريد كل ما افترسه ذو ناب وأظفار من الحيوان وكانت العرب تأكل هذه المذكورات ولم تعتقد ميتة إلا ما مات بالوجع ونحو ذلك واختلف العلماء في قوله تعالى إلا ما ذكيتم فقال ابن عباس وجمهور العلماء الاستثناء من هذه المذكورات فما أدرك منها يطرف بعين أو يحرك ذنبا وبالجملة ما يتحقق أنه لم تفض نفسه بل له حياة فإنه يذكى على سنة الذكاة ويؤكل وما فاضت نفسه فهو الميتة وقال مالك مرة بهذا القول وقال أيضا وهو المشهور عنه وعن

أصحابه من أهل المدينة أن قوله تعالى إلا ما ذكيتم معناه من هذه المذكورات في وقت تصح فيه ذكاتها وهو ما لم تنفذ مقاتلها ويتحقق أنها لا تعيش ومتى صارت في هذا الحد فهي في حكم الميتة فالاستثناء عند مالك متصل كقول الجمهور لكنه يخالف في الحال التي يصح فيها ذكاة هذه المذكورات واحتج لمالك بأن هذه المذكورات لو كانت لا تحرم إلا بموتها لكان ذكر الميتة أولا يغنى عنها ومن حجة المخالف أن قال إنما ذكرت بسبب أن العرب كانت تعتقد أن هذه الحوادث كالذكاة فلو لم يذكر لها غير الميتة لظنت أنها ميتة الوجع حسبما كانت عليه والذكاة في كلام العرب الذبح وقوله سبحانه وما ذبح على النصب عطف على المحرمات المذكورة والنصب حجارة تنصب يذبحون عليها قال ابن جريج وليست النصب بأصنام فإن الصنم يصور وينقش وهذه حجارة تنصب وكانت العرب تعبدها قال ابن زيد ما ذبح على النصب وما أهل لغير الله به شيء واحد قال ع ما ذبح على النصب جزء مما أهل به لغير الله لكن خص بالذكر بعد جنسه لشهرة أمره وقوله سبحانه وأن تستقسموا بالأزلام حرم سبحانه طلب القسم وهو النصيب أو القسم بفتح القاف وهو المصدر بالأزلام وهي سهام قال صاحب سلاح المؤمن والاستقسام هو الضرب بها لإخراج ما قسم لهم وتمييزه بزعمهم انتهى وأزلام العرب على أنواع منها الثلاثة التي كان يتخذها كل إنسان لنفسه على أحدها أفعل وعلى الآخرة لا تفعل وثالث مهمل لا شيء عليه فيجعلها في خريطة معه فإذا أراد فعل شيء أدخل يده وهي متشابهة فأخرج أحدها وائتمر له وانتهى بحسب ما يخرج له وإن خرج القدح الذي لا شيء فيه أعاد الضرب وقوله سبحانه ذلكم فسق إشارة إلى الاستقسام بالأزلام وقوله تعالى

اليوم يئس الذين كفروا من دينكم معناه عند ابن عباس وغيره من أن ترجعوا إلى دينهم وظاهر أمر النبي صلى الله عليه و سلم وأمر أصحابه وظهور الدين يقتضي أن يأس الكفار عن الرجوع إلى دينهم قد كان وقع منذ زمان وإنما هذا اليأس عندي من اضمحلال أمر الإسلام وفساد جمعه لأن هذا أمر كان يترجاه من بقي من الكفار ألا ترى إلى قول أخي صفوان بن أمية في يوم هوازن حين انكشف المسلمون وظنها هزيمة إلا بطل السحر اليوم إلى غير هذا من الأمثلة وهذه الآية في قول الجمهور عمر بن الخطاب وغيره نزلت في عشية يوم عرفة يوم الجمعة وفي ذلك اليوم امحى أمر الشرك من مشاعر الحج ولم يحضر من المشركين الموسم بشر فيحتمل قوله تعالى اليوم أن تكون إشارة إلى اليوم بعينه ويحتمل أن تكون إشارة إلى الزمن والوقت أي هذا الاوان يئس الكفار من دينكم وقوله الذين كفروا يعم سائر الكفار من العرب وغيرهم وهذا يقوي أن اليأس إنما هو من انحلال أمر الإسلام وأمر سبحانه بخشيتها التي هي رأس كل عبادة كما قال صلى الله عليه و سلم ومفتاح كل خير وقوله تعالى اليوم أكملت لكم دينكم تحتمل الإشارة باليوم ما قد ذكرناه حكى الطبري أن النبي عليه السلام لم يعش بعد نزول هذه الآية إلا إحدى وثمانين ليلة والظاهر أنه عاش صلى الله عليه و سلم أكثر بأيام يسيرة قلت وفي سماع ابن القاسم قال مالك بلغني أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال في اليوم الذي توفي فيه وقف على بابه فقال إني لا أحل إلا ما أحل الله في كتابه ولا أحرم إلا ما حرم الله في كتابه يا فاطمة بنت رسول الله ويا صفية عمة رسول الله أعملا لما عند الله فإني لا أغني عنكما من الله شيئا قال ابن رشد هذا حديث يدل على صحته قول الله عز و جل ما فرطنا في الكتاب من شيء وقال تعالى تبيانا لكل شيء فالمعنى في ذلك أن الله عز و جل نص على بعض الأحكام وأجمل القول في

بعضها وأحال على الأدلة في سائرها بقوله ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم فبين النبي صلى الله عليه و سلم ما أجمله الله في كتابه كما أمره حيث يقول لتبين للناس ما نزل إليهم فما أحل صلى الله عليه و سلم أو حرم ولم يوجد في القرآن نصا فهو مما بين من مجمل القرآن أو علمه بما نصب من الأدلة فيه فهذا معنى الحديث والله أعلم فما ينطق صلى الله عليه و سلم عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى انتهى من البيان والتحصيل وفي الصحيح أن عمر بن الخطاب قال له يهودي آية في كتابكم تقرءونها لو علينا نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيدا فقال له عمر أي آية هي فقال اليوم أكملت لكم دينكم فقال له عمر قد علمنا ذلك اليوم نزلت على رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو واقف بعرفة يوم الجمعة قال ع ففي ذلك اليوم عيدان للإسلام إلى يوم القيامة وإتمام النعمة هو في ظهور الإسلام ونور العقائد وكمال الدين وسعة الأحوال وغير ذلك مما اشتملت عليه هذه الملة الحنيفية إلى دخول الجنة والخلود في رحمة الله سبحانه جعلنا الله ممن شملته هذه النعمة وقوله سبحانه ورضيت لكم الإسلام دينا يحتمل الرضى في هذا الموضع أن يكون بمعنى الإرادة ويحتمل أن يكون صفة فعل عبارة عن إظهار الله إياه لأن الرضى من الصفات المترددة بين صفات الذات وصفات الأفعال والله تعالى قد أراد لنا الإسلام ورضيه لنا وثم أشياء يريد الله وقوعها ولا يرضاها وقوله سبحانه فمن اضطر في مخمصة يعني من دعته ضرورة إلى أكل الميتة وسائر تلك المحرمات وسئل صلى الله عليه و سلم متى تحل الميتة للناس فقال إذا لم يصطبحوا ولم يغتبقوا ولم يحتفئوا بقلا والمخمصة المجاعة التي تخمص فيها البطون أي تضمر وقوله سبحانه غر متجانف لإثم هو بمعنى غير باغ ولا عاد وقد تقدم تفسيره قال ص متجانف أي

مائل منحرف انتهى وقد تقدم في البقرة وقوله تعالى يسألونك ماذا أحل لهم سبب نزولها أن النبي صلى الله عليه و سلم لما أمر بقتل الكلاب سأله عاصم ابن عدي وغيره ماذا يحل لنا من هذه الكلاب قال ع وظاهر الآية أن سائلا سأل عما يحل للناس من المطاعم لأن قوله تعالى قل أحل لكم من الطيبات ليس بجواب عما يحل للناس اتخاذه من الكلاب إلا أن يكون من باب إجابة السائل بأكثر مما سأل عنه وهو موجود كثيرا من النبي صلى الله عليه و سلم والطيب الحلال وقوله سبحانه وما علمتم أي وصيد ما علمتم قال الضحاك وغيره وما علمتم من الجوارح مكلبين هي الكلاب خاصة قال العراقي في مكلبين أصحاب اكلب لها معلمين انتهى وأعلى مراتب التعليم أن يشلى الحيوان فينشلي ويدعى فيجيب ويزجر بعد ظفره بالصيد فينزجر وجوارح جمع جارح أي كاسب يقال جرح فلان واجترح إذا اكتسب ومنه قوله تعالى ويعلم ما جرحتم بالنهار أي ما كسبتم من حسنة وسيئة قال ع وقرا جمهور الناس وما علمتم بفتح العين واللام وقرأ ابن عباس ومحمد بن الحنفية علمتم بضم العين وكسر اللام أي من أمر الجوارح والصيد بها وقرأ جمهور الناس مكلبين بفتح الكاف وشد اللام والمكلب معلم الكلاب ومضريها ويقال لمن يعلم غير كلب مكلب لأنه يرد ذلك الحيوان كالكلب وقوله سبحانه تعلمونهن مما علمكم الله أي تعلمونهن الحيلة في الاصطياد والتأتي لتحصيل الحيوان وهذا جزء مما علمه الله الإنسان فمن للتبعيض وقوله تعالى فكلوا مما امسكن عليكم ويحتمل مما امسكن فلم يأكلن منه شيئا ويحتمل مما أمسكن وإن أكلن منه وبحسب هذا الاحتمال اختلف العلماء في جواز أكل الصيد إذا أكل منه الجارح وقوله سبحانه واذكروا اسم الله عليه أمر بالتسمية عند الإرسال وذهب مالك وجمهور العلماء أن التسمية واجبة

مع الذكر ساقطة مع النسيان فمن تركها عامدا فقد أفسد الذبيحة والصيد ومن تركها ناسيا سمي عند الأكل وكانت الذبيحة جائزة وفقه الصيد والذبح في معنى التسمية واحد ثم أمر سبحانه بالتقوى على الجملة والإشارة إلى ما تضمنته هذه الآيات من الأوامر والنواهي وفي قوله إن الله سريع الحساب وعيد وتحذير وقوله سبحانه اليوم أحل لكم الطيبات إشارة إلى الزمن والأوان والخطاب للمؤمنين وقوله سبحانه وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم الطعام في هذه الآية الذبائح كذا قال أهل التفسير واختلفوا في لفظة طعام فقال الجمهور هي الذبيحة كلها وقالت جماعة إنما أحل لنا طعامهم من الذبيحة أي الحلال لهم منها لا مالا يحل لهم كالطريف والشحوم المحضة واختلف في لفظة أوتوا الكتاب فقالت طائفة إنما أحل لنا ذبائح الصرحاء منهم لا من كان دخيلا في هذين الدينين وقال جمهور الأمة ابن عباس والحسن ومالك وغيرهم أن ذبيحة كل نصراني حلال كان من بني تغلب أو غيرهم وكذلك اليهود وتأولوا قول الله تعالى ومن يتولهم منكم فإنه منهم وقوله سبحانه وطعامكم حل لهم أي ذبائحكم فهذه رخصة للمسلمين لا لأهل الكتاب لما كان الأمر يقتضي أن شيئا قد تشرعنا فيه بالتذكية ينبغي لنا أن نحميه منهم رخص الله تعالى لنا في ذلك دفعا للمشقة بحسب التجاوز وقوله سبحانه والمحصنات عطف على الطعام المحلل ذهب جماعة منهم مالك إلى أن المحصنات في هذه الآية الحرائر فمنعوا نكاح الأمة الكتابية وذهب جماعة إلى انهن العفائف فأجازوا نكاح الأمة الكتابية والأجور في الآية المهور وانتزع بعض العلماء من لفظ ءاتيتموهن أنه لا ينبغي أن يدخل زوج بزوجته إلا بعد أن يبذل من المهر ما يستحلها به ومحصنين معناه متزوجين على السنة وقوله

سبحانه ومن يكفر بالإيمان أي بالأمور التي يجب الإيمان بها وباقي الآية بين وقوله تعالى يا أيها الذين ءامنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم الآية قال ابن العربي في أحكامه لا خلاف بين العلماء أن هذه الآية مدنية كما أنه لا خلاف أن الوضوء كان معقولا قبل نزولها غير متلو ولذلك قال علماؤنا أن الوضوء كان بمكة سنة ومعناه كان مفعولا بالسنة وقوله إذا قمتم معناه إذا أردتم القيام إلى الصلاة انتهى قال زيد بن أسلم والسدي معنى الآية إذا قمتم من المضاجع يعني النوم والقصد بهذا التأويل أن يعم الأحداث بالذكر وفي الآية على هذا التأويل تقديم وتأخير تقديره يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة من النوم أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء يعنى الملامسة الصغرى فاغسلوا وهنا تمت أحكام الحدث الأصغر ثم قال وإن كنتم جنبا فاطهروا فهذا حكم نوع أخر ثم قال للنوعين جميعا وإن كنتم مرضى أو على سفر فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا وقال بهذا التأويل محمد بن مسلمة من أصحاب مالك وغيره وقال جمهور أهل العلم معنى الآية إذا قمتم إلى الصلاة محدثين وليس في الآية على هذا تقديم ولا تأخير بل ترتب في الآية حكم واجد الماء إلى قوله فاطهروا ودخلت الملامسة الصغرى في قولنا محدثين ثم ذكر بعد ذلك بقوله وإن كنتم مرضى إلى أخر الآية حكم عادم الماء من النوعين جميعا وكانت الملامسة هي الجماع وقال ص إذا قمتم أي إذا اردتم وعبر بالقيام عن إرادته لأنه مسبب عنها انتهى ومن احسن الأحاديث واصحها في فضل الطهارة والصلاة ما رواه مالك في الموطأ عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال إلا أخبركم بما يمحوا الله به الخطايا ويرفع به الدرجات إسباغ الوضوء عند المكاره وكثرة الخطى إلى المساجد

وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط فذلكم الرباط فذلكم الرباط قال أبو عمر في التمهيد هذا الحديث من أحسن ما روي عن النبي صلى الله عليه و سلم في فضائل الأعمال قال صاحب كتاب العين الرباط ملازمة الثغور قال والرباط مواظبة الصلاة أيضا انتهى والغسل في اللغة إيجاد الماء في المغسول مع امرار شيء عليه كاليد والوجه ما واجه الناظر وقابله والناس كلهم على أن داخل العينين لا يلزم غسله إلا ما روي عن ابن عمر أنه كان ينضح الماء في عينيه واليد لغة تقع على العضو من المنكب إلى أطراف الأصابع وحد الله سبحانه موضع الغسل منه بقوله إلى المرافق واختلف العلماء هل تدخل المرافق في الغسل أم لا وتحرير العبارة في هذا المعنى أن يقال إذا كان ما بعد إلى ليس مما قبلها فالحد أول المذكور بعدها وإذا كان ما بعدها من جملة ما قبلها فالاحتياط يعطي أن الحد أخر المذكور بعدها ولذلك يترجح دخول المرفقين في الغسل والروايتان عن مالك قال ابن العربي في أحكامه وقد روى الدار قطني وغيره عن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه و سلم لما توضأ أدار الماء على مرفقيه انتهى واختلف في رد اليدين في مسح الرأس هل هو فرض أو سنة بعد الإجماع على أن المسحة الأولى فرض فالجمهور على أنه سنة وقيل هو فرض والإجماع على استحسان مسح الرأس باليدين جميعا وعلى الأجزاء بواحدة واختلف فيمن مسح بإصبع واحد والمشهور الأجزاء ويترجح عدم الأجزاء لأنه خروج عن سنة المسح وكأنه لعب إلا أن يكون ذلك عن ضرر مرض ونحوه فينبغي أن لا يختلف في الأجزاء والباء في قوله تعالى برءوسكم مؤكدة زائدة عند من يرى عموم الرأس والمعنى عنده وامسحوا رءوسكم وهي للإلصاق المحض عند من يرى أجزاء بعض الرأس كان المعنى أوجدوا مسحا برؤوسكم فمن مسح ولو شعرة فقد فعل ذلك

ت قال ابن العربي في أحكامه وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه و سلم في صفة مسح الرأس أنه أقبل بيده وأدبر بدأ بمقدم رأسه ثم ذهب بهما إلى قفاه ثم ردهما إلى المكان الذي بدأ منه وفي البخاري فأدبر بهما وأقبل وهما صحيحان متوافقان وهي مسألة من أصول الفقه في تسمية الفعل بابتدائه أو بغايته انتهى وقرا حمزة وغيره وأرجلكم بالخفض وقرأ نافع وغيره بالنصب والعامل اغسلوا ومن قرأ بالخفض جعل العامل أقرب العاملين وجمهور الأمة من الصحابة والتابعين على أن الفرض في الرجلين الغسل وأن المسح لا يجزىء وفي الصحيح ويل للأعقاب من النار إذ رأى صلى الله عليه و سلم أعقابهم تلوح قال ابن العربي في القبس ومن قرأ وأرجلكم بالخفض فإنه أراد المسح على الخفين وهو أحد التأويلات في الآية انتهى وهذا هو الذي صححه في أحكامه والكلام في قوله إلى الكعبين كما تقدم في قوله إلى المرافق وفي صحيح مسلم وغيره عن عقبة بن عامر عن النبي صلى الله عليه و سلم قال ما من مسلم يتوضأ فيحسن وضوءه ثم يقوم فيصلي ركعتين مقبلا عليهما بقلبه ووجهه إلا وجبت له الجنة فقلت ما أجود هذه فقال عمر التي قبلها أجود قال ما منكم من أحد يتوضأ فيسبغ الوضوء ثم يقول أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له واشهد أن محمدا عبده ورسوله إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء وأخرجه الترمذي من حديث أبي ادريس الخولاني عن عمر زاد في آخره اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين انتهى مختصرا واختلف اللغويون في الكعبين والجمهور على أنهما العظمان الناتئان في جنبتي الرجل وألفاظ الآية تقتضي الموالاة بين الأعضاء قال مالك هو فرض مع الذكر ساقط مع النسيان وروى الدارقطني في سننه من

توضأ فذكر اسم الله على وضوءه كان طهورا لجسده ومن توضأ ولم يذكر اسم الله على وضوءه كان طهورا لأعضائه انتهى من الكوكب الدري وكذلك تتضمن ألفاظ الآية الترتيب واطهروا أمر لواجد الماء عند الجمهور وقال عمر بن الخطاب وغيره لا يتيمم الجنب البتة بل يدع الصلاة حتى يجد الماء وقوله سبحانه ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج الآية الإرادة صفة ذات وجاء الفعل مستقبلا مراعاة للحوادث التي تظهر عن الإرادة والحرج الضيق والحرجة الشجر الملتف المتضايق ويجرى مع معنى هذه الآية قول النبي صلى الله عليه و سلم دين الله يسر وقوله عليه السلام بعثت بالحنيفية السمحة وجاء لفظ الآية على العموم والشيء المذكور بقرب هوأمر التيمم والرخصة فيه وزوال الحرج في تحمل الماء ابدا ولذلك قال أسيد ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر وقوله سبحانه ولكن يريد ليظهركم الآية إعلام بما لا يوازي بشكر من عظيم تفضله تبارك وتعالى ولعلكم ترج في حق البشر وفي الحديث الصحيح عن أبي مالك الأشعري قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم الطهور شطر الإيمان والحمد لله تملأ الميزان وسبحان الله والحمد لله تملئان أو تملأ ما بين السماوات والأرض والصلاة نور والصدقة برهان والصبر ضياء والقرآن حجة لك أو عليك كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها رواه مسلم والترمذي وفي رواية له التسبيح نصف الميزان والحمد لله تملأه والتكبير يملأ ما بين السماء والأرض والصوم نصف الصبر وزاد في رواية أخرى ولا إله إلا الله ليس لها دون الله حجاب حتى تخلص إليه انتهى وقوله تعالى واذكروا نعمة الله عليكم وميثاقه الآية خطاب للمؤمنين ونعمة الله اسم جنس يجمع الإسلام وحسن الحال وحسن المئال والميثاق هو ما وقع للنبي صلى الله عليه و سلم في بيعة العقبة

وبيعة الرضوان وكل موطن قال الناس فيه سمعنا وأطعنا هذا قول ابن عباس وجماعة من المفسرين وقال مجاهد المراد الميثاق المأخوذ على النسم حين استخرجوا من ظهر آدم عليه السلام والأول أرجح واليق بنمط الكلام وباقي الآية بين متكرر قال أبو عمر بن عبد البر في كتابه بهجة المجالس روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال من وعده الله على عمل ثوابا فهو منجز له ما وعده ومن أوعده على عمل عقابا فإن شاء عذبه وإن شاء غفر له وعن ابن عباس مثله انتهى وقوله تعالى يا أيها الذين ءامنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم الآية خطاب للنبي صلى الله عليه و سلم وأمته والجمهور أن سبب هذه الآية أن النبي صلى الله عليه و سلم لما استعان بيهود في دية الرجلين اللذين قتلهما عمرو بن أمية الضمري وصاحبه قالوا نعم يا أبا القاسم انزل حتى نصنع لك طعاما وننظر في معونتنك فنزل رسول الله صلى الله عليه و سلم في ظل جدار وكان معه أبو بكر وعمر وعلي فتآمرت يهود في قتله وقالوا من رجل يظهر على الحائط فيصب عليه حجرا يشدخه فجاء جبريل فأخبر النبي صلى الله عليه و سلم الخبر فقام صلى الله عليه و سلم من المكان وتوجه إلى المدينة ونزلت الآية في ذلك ويترجح هذا القول بما يأتي بعد من الآيات في وصف غدر يهود ونقضهم المواثيق وقوله سبحانه ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم أثني عشر نقيبا هذه الآية المتضمنة للخبر عن نقضهم مواثيق الله تعالى تقوى أن الآية المتقدمة في كف الأيدي إنما كانت في أمر بني النضير والإجماع على أن النقيب كبير القوم القائم بأمورهم قال قتادة وغيره هؤلاء النقباء قوم كبار من كل سبط تكفل بكل واحد سبطه بأن يؤمنوا ويلتزموا التقوى قال ع ونحو هذا كانت النقباء ليلة بيعة العقبة مع النبي صلى الله

عليه وسلم والضمير في معكم لبني إسرائيل أي معكم بنصري وحياطتي وتأييدى واللام في قوله لئن هي المؤذنة بمجيء القسم ولام القسم هي قوله لأكفرن والدليل على أن هذه اللام إنما هي مؤذنة أنها قد يستغنى عنها أحيانا ويتم الكلام دونها ولو كانت لام قسم لم يترتب ذلك وإقامة الصلاة توفيه شروطها والزكاة هنا شيء من المال كان مفروضا عليهم فيما قال بعض المفسرين وعزرتموهم معناه وقرتموهم وعظمتموهم ونصرتموهم وقرأ عاصم الجحدري وغررتموهم خفيفة الزاي حيث وقع وقرأ في سورة الفتح وتعزروه بفتح التاء وسكون العين وضم الزاي وسواء السبيل وسطه وسائر ما في الآية بين والله المستعان وقوله تعالى فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية الآية أي فبنقضهم والقسوة غلظ القلب ونبوه عن الرقة والموعظة وصلابته حتى لا ينفعل لخير وقوله تعالى ونسوا حظا مما ذكروا به نص على سوء فعلهم بأنفسهم أي قد كان لهم حظ عظيم فيما ذكروا به فنسوه وتركوه ثم أخبر تعالى نبيه عليه السلام أنه لا يزال في مستأنف الزمان يطلع على خائنة منهم وغائلة وأمور فاسدة قالت فرقة خائنة مصدر والمعنى على خيانة وقال آخرون معناه على فرقة خائنة فهي اسم فاعل صفة لمؤنث وقوله تعالى فأعف عنهم واصفح منسوخ بما في براءة وباقي الآية بين وقوله تعالى ومن الذين قالوا انا نصارى من متعلقة بأخذنا التقدير وأخذنا من الذين قالوا انا نصارى ميثاقهم ويحتمل أن تكون معطوفة على خائنة منهم والأول أرجح وعلق قولهم نصارى بقولهم ودعواهم من حيث هو اسم شرعي يقتضي نصر دين الله وسموا به أنفسهم دون استحقاق وقوله سبحانه فأغرينا بينهم العداوة أي اثبتناها بينهم والصقناها والإغراء مأخوذ من الغراء الذي يلصق به وقال البخاري الإغراء التسليط انتهى والضمير في بينهم

يحتمل أن يعود على اليهود والنصارى لأن العداوة بينهم موجودة مستمرة ويحتمل أن يعود على النصارى فقط لأنها أمة متقاتلة بينها الفتن إلى يوم القيامة ثم توعدهم بعذاب الآخرة إذ صنعهم كفر يوجب الخلود في النار واعلم رحمك الله أنه قد جاءت آثار صحيحة في ذم الشحناء والتباغض والهجران لغير موجب شرعي ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال تفتح أبواب الجنة يوم الإثنين ويوم الخميس فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئا إلا رجلا كانت بينه وبين أخيه شحناء فيقال انظروا هذين حتى يصطلحا انظروا هذين حتى يصطلحا وفي رواية تعرض الأعمال في كل خميس واثنين فيغفر الله في ذلك اليوم لكل امرىء لا يشرك بالله شيئا الحديث انتهى وروى ابن المبارك في رقائقه بسنده عن النبي صلى الله عليه و سلم قال لا يحل لامرىء مسلم أن يهاجر مسلما فوق ثلاث ليال فإنهما ناكبان عن الحق ما داما على صرامهما فأولهما فيأ يكون سبقه بالفيء كفارة له وإن سلم عليه فلم يقبل ورد عليه سلامه ردت عليه الملائكة وردت على الآخر الشياطين وإذا ماتا على صرامهما لم يدخلا الجنة أراه قال ابدا انتهى وسنده جيد ونصه قال ابن المبارك أخبرنا شعبة عن يزيد الرشك عن معاذة العدوية قالت سمعت هشام بن عامر يقول سمعت النبي صلى الله عليه و سلم فذكر الحديث وقوله لم يدخلا الجنة ليس على ظاهره أي لم يدخلا الجنة أبدا حتى يقتص لبعضهم من بعض أو يقع العفو أو تحل الشفاعة حسبما هو معلوم في صحيح الآثار وقوله سبحانه يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب الآية أهل الكتاب لفظ يعم اليهود والنصارى ولكن نوازل الإخفاء كالرجم وغيره إنما حفظت لليهود لأنهم كانوا مجاوري رسول الله صلى الله عليه و سلم في مهاجره وفي إعلامه صلى الله

عليه وسلم بخفي ما في كتبهم وهو أمي لا يكتب ولا يصحب القراء دليل على صحة نبوءته لو الهمهم الله للخير ويعفوا عن كثير أي لم يفضحهم فيه إبقاء عليهم والضمير في يعفوا للنبي صلى الله عليه و سلم وقوله تعالى قد جاءكم من الله نور هو محمد صلى الله عليه و سلم وكتاب مبين هو القرآن ويحتمل أن يريد موسى عليه السلام والتوراة أي لو اتبعتموها حق الأتباع والأول هو ظاهر الآية وهو أظهر وسبل السلام أي طرق السلامة والنجاة ويحتمل أن يكون السلام هنا اسما من أسماء الله عز و جل فالمعنى طرق الله والظلمات الكفر والنور الإيمان وباقي الآية بين متكرر وقوله سبحانه قل فمن يملك أي لا مالك ولا راد لإرادة الله تعالى في المسيح ولا في غيره وقوله سبحانه يخلق ما يشاء إشارة إلى خلقه المسيح في رحم مريم من غير والد بل اختراعا كآدم عليه السلام وقوله تعالى والله على كل شيء قدير عموم معناه الخصوص فيما عدا الذات والصفات والمحالات وقوله سبحانه وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه الآية البنوة في قولهم هذا بنوة الحنان والرأفة لأنهم ذكروا أن الله سبحانه أوحى إلى إسرائيل أن أول أولادك بكرى فضلوا بذلك وقالوا نحن أبناء الله وأحباؤه ولو صح ما رووا لكان معناه بكرا في التشريف أو النبوءة ونحوه وكانت هذه المقالة منهم عند ما دعاهم النبي عليه السلام إلى الإيمان به وخوفهم العذاب فقالوا نحن لا نخاف ما تقول لأنا أبناء الله وأحباؤه ذكر ذلك ابن عباس وقد كانوا قالوا للنبي صلى الله عليه و سلم في غير ما موطن نحن ندخل النار فنقيم فيها أربعين يوما فرد الله عليهم قولهم فقال لنبيه عليه السلام قل فلم يعذبكم بذنوبكم أي لو كانت منزلتكم منه فوق منازل البشر لما عذبكم وأنتم قد أقررتم أنه يعذبكم ثم ترك الكلام الأول واضرب عنه غير مفسد له ودخل في غيره فقال بل أنتم بشر

كسائر الناس والخلق أكرمهم عند الله اتقاهم يهدي من يشاء للإيمان فيغفر له ويورط من يشاء في الكفر فيعذبه وله ملك السماوات والأرض وما بينهما فله بحق الملك أن يفعل ما يشاء ولا معقب لحكمه وإليه مصير العباد بالحشر والمعاد وقوله تعالى يا أهل الكتاب يعني اليهود والنصارى قد جاءكم رسولنا محمد عليه السلام وقوله على فترة من الرسل أي على انقطاع من مجيئهم مدة ما والفترة سكون بعد حركة في الإجرام ويستعار ذلك للمعاني وقد قال عليه السلام لكل عمل شرة ولكل شرة فترة وفي الصحيح أن الفترة التي كانت بين نبينا محمد صلى الله عليه و سلم وبين عيسى ستمائة سنة وهذه الآية نزلت بسبب قول اليهود ما انزل الله على بشر بعد موسى من شيء قاله ابن عباس وقوله ان تقولوا معناه حذارا أن تقولوا يوم القيامة ما جاءنا من بشير ولا نذير فقد جاءكم بشير نذير وقامت الحجة عليكم والله على كل شيء قدير فهو الهادي والمضل لا رب غيره وقوله سبحانه وإذ قال موسى لقومه يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء الآية المعنى واذكر لهم يا محمد على جهة إعلامهم بغيب كتبهم ليتحققوا نبوءتك ثم عدد عيون تلك النعم فقال إذ جعل فيكم أنبياء أي حاطة ومنقذون من النار وشرف في الدنيا والآخرة وجعلكم ملوكا أي فيكم ملوك لأن الملك شرف في الدنيا وحاطة في نوائبها وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين قال مجاهد هو المن والسلوى والحجر والغمام وقال غيره كثرة الأنبياء وعلى هذا القول فالعالمون على العموم وعلى القول بأن المؤتى هو آيات موسى فالعالمون عالم زمانهم لن ما أوتي النبي صلى الله عليه و سلم من آيات الله أكثر من ذلك والمقدسة معناه المطهرة قال ابن عباس هي الطور وما حوله وقال قتادة هي الشام قال الطبري ولا يختلف أنها بين الفرات وعريش مصر

قال ع وتظاهرت الروايات أن دمشق هي قاعدة الجبارين ثم حذرهم موسى الارتداد على الأدبار وذلك هو الرجوع القهقري والخاسر الذي قد نقص حظه ثم ذكر عز و جل أنهم تعنتوا ونكصوا فقالوا إن فيها قوما جبارين والجبار من الجبر كأنه لقدرته وغشمه وبطشه يجبر الناس على إرادته والنخلة الجبارة العالية التي لا تنال بيد وكان من خبر الجبارين أنهم كانوا أهل قوة فلما بعث موسى الاثني عشر نقيبا مطلعين من امر الجبارين واحوالهم رأوا لهم قوة وبطشا وتخيلوا أن لا طاقة لهم بهم فتعاقدوا بينهم على أن يخفوا ذلك من بني إسرائيل وأن يعلموا به موسى ليرى فيه أمر ربه لما أنصرفوا إلى بني إسرائيل خان منهم عشرة فعرفوا قراباتهم ومن وثقوا به ففشا الخبر حتى أعوج أمر بني إسرائيل وقالوا أذهب أنت وربك فقاتلا ولم يف من النقباء إلا يوشع بن نون وكالب بن يوفتا ويقال فيه كالوث بثاء مثلثة وقوله تعالى قال رجلان من الذين يخافون أي يخافون الله سبحانه قال أكثر المفسرين الرجلان يوشع بن نون وهو ابن أخت موسى وكالب بن يوفتا أنعم الله عليهما بالإيمان الصحيح وربط الجأش والثبوت وقولهم فاذهب أنت وربك فقاتلا الآية عبارة تقتضي كفرا وقيل المعنى فاذهب أنت وربك يعينك وأن الكلام معصية لا كفر وذكر ابن إسحاق وغيره أن النبي صلى الله عليه و سلم كلم الناس يوم بدر وقال لهم أشيروا علي أيها الناس فقال له المقداد بن الأسود يا رسول الله لسنا نقول كما قالت بنو إسرائيل اذهب أنت وربك فقاتلا انا هاهنا قاعدون ولكن نقول اذهب أنت وربك فقاتلا انا معكما مقاتلون ثم تكلم سعد بن معاذ بنحو هذا المعنى ولما سمع موسى عليه السلام قولهم ورأى عصيانهم تبرأ إلى الله منهم قوال داعيا عليهم رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي يعني هارون

وقوله فافرق بيننا دعاء حرج والمعنى فافرق بيننا وبينهم حتى لا نشقى بفسقهم قال فإنها محرمة عليهم أي قال الله وحرم الله تعالى على بني إسرائيل دخول تلك المدينة أربعين سنة يتيهون في الأرض أي في أرض تلك النازلة وهو فحص التيه وهو على ما يحكى طول ثلاثين ميلا في عرض ستة فراسخ ويروى أنه لم يدخل المدينة أحد من ذلك الجيل إلا يوشع وكالوث وروي أن يوشع نبىء بعد كمال الأربعين سنة وخرج بيني إسرائيل من التيه وقاتل الجبارين وفتح المدينة وفي تلك الحرب وقفت له الشمس ساعة حتى استمر هزم الجبارين والتيه الذهاب في الأرض إلى غير مقصد معلوم وقوله تعالى فلا تأس على القوم الفاسقين معناه فلا تحزن والخطاب بهذه الآية لموسى عليه السلام قال ابن عباس ندم موسى على دعائه على قومه وحزن عليهم فقال الله له فلا تاس على القوم الفاسقين وقوله تعالى واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق إذ قربا قربانا الآية أتل معناه أسرد واسمعهم إياه وهذه من علوم الكتب الأول فهي من دلائل نبوءة نبينا محمد صلى الله عليه و سلم إذ هي من غامض كتب بني إسرائيل قال الفخر وفي الآية قولان أحدهما أتل على الناس والثاني أتل على أهل الكتاب انتهى وابني آدم هما لصلبه وهما هابيل وقابيل روت جماعة من المفسرين منهم ابن مسعود أن سبب هذا التقريب أن حواء كانت تلد في كل بطن ذكرا وأنثى وكان الذكر يتزوج أنثى البطن الآخر ولا تحل له أخته توءمته فولدت مع قابيل أختا جميلة ومع هابيل أختا ليست كذلك فلما أراد آدم أن يزوجها من هابيل قال قابيل أنا أحق بأختي فأمره آدم فلم يأتمر فاتفقوا على التقريب فتقبل قربان هابيل ووجب أن يأخذ أخت قابيل فحينئذ قال لأقتلنك وقول هابيل إنما يتقبل الله من المتقين كلام

قبله محذوف تقديره ولم تقتلني وليس لي ذنب في قبول الله قرباني وإنما يتقبل الله من المتقين وإجماع أهل السنة في معنى هذه الألفاظ أنها اتقاء الشرك فمن اتقاه وهو موحد فأعماله التي تصدق فيها نيته مقبولة وأما المتقي للشرك وللمعاصي فله الدرجة العليا من القبول والحتم بالرحمة علم ذلك بأخبار الله تعالى لا إن ذلك يجب على الله تعالى عقلا قلت قول ع في معنى هذه الألفاظ يعني حيث وقعت في الشرع وأما في هذه الآية فليس باتقاء شرك على ما سيأتي وقول هابيل ما أنا بباسط يدي إليك الآية قال عبد الله بن عمر وجمهور الناس كان هابيل أشد قوة من قابيل ولكنه تحرج وهذا هو الأظهر قال ع ومن هنا يقوى أن قابيل إنما هو عاص لا كافر لأنه لو كان كافرا لم يكن للتحرج هنا وجه وتبوء معناه تمضي متحملا وقوله بإثمي وإثمك قيل معناه بإثم قتلي وسائر آثامك وقيل المعنى بإثمى الذي يختص بي فيما فرط لي وهذا تأويل يعضده قول النبي صلى الله عليه و سلم يؤتى بالظالم والمظلوم يوم القيامة فيؤخذ من حسنات الظالم فتزاد في حسنات المظلوم حتى ينتصف فإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات المظلوم فتطرح عليه وقوله وذلك جزاء الظالمين يحتمل أن يكون من قول هابيل لأخيه ويحتمل أن يكون إخبارا من الله تعالى لمحمد عليه السلام قال الفخر وقوله تعالى فطوعت له نفسه قتل أخيه قال المفسرون معناه سهلت له نفسه قتل أخيه انتهى وقوله سبحانه فأصبح من الخاسرين أصبح عبارة عن جميع أوقاته وهذا مهيع كلام العرب ومنه أصبحت لا أحمل السلاح البيت وقول سعد فأصبحت بنو أسد تعزرني إلى غير ذلك من استعمال العرب ومن خسران قابيل ما صح وثبت عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال ما قتلت نفس ظلما إلا كان علي ابن آدم الأول كفل منها وذلك لأنه

أول من سن القتل وقوله تعالى فبعث الله غرابا الآية قيل أصبح في ثاني يوم قتله يطلب اخفاء أمر قتله فلم يدر ما يصنع به فبعث الله غرابا حيا إلى غراب ميت فجعل يبحث في الأرض ويلقي التراب على الغراب الميت وظاهر الآية أن هابيل هو أول ميت من بني آدم ولذلك جهل سنة المواراة وكذلك حكى الطبري عن ابن إسحاق عن بعض أهل العلم بما في الكتب الأول والسوءة العورة ويحتمل أن يراد الحالة التي تسوء الناظر ثم أن قابيل وارى أخاه وندم على ما كان منه من معصية في قتله حيث لا ينفعه الندم واختلف العلماء في قابيل هل هو من الكفار أو من العصاة والظاهر أنه من العصاة قال الفخر ولم ينتفع قابيل بندمه لأن ندمه كان لأسباب منها سخط أبويه واخوته وعدم انتفاعه بقتله ونحو ذلك ولما كان ندمه لهذه الأسباب لا لأجل الخوف من الله تعالى فلا جرم لم ينفعه هذا الندم وقوله تعالى من أجل ذلك هو إشارة إلى ما تضمنته هذه القصة من أنواع المفاسد الحاصلة بسبب القتل الحرام لا أنه إشارة إلى قصة قابيل وهابيل انتهى وقوله سبحانه من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل الآية جمهور الناس على أن قوله من أجل ذلك متعلق بقوله كتبنا أي من أجل هذه النازلة ومن جراها كتبنا وقال قوم بل هو متعلق بقوله من النادمين أي ندم من أجل ما وقع والوقف على هذا على ذلك والناس على أن الوقف من النادمين ويقال فعلمت ذلك من أجلك بفتح الهمزة ومن أجلك بكسرها وقوله سبحانه بغير نفس أي بغير أن تقتل نفس نفسا والفساد في الأرض يجمع الزنا والارتداد والحرابة وقوله سبحانه فكأنما قتل الناس جميعا روي عن ابن عباس أنه قال المعنى من قتل نفسا واحدة وانتهك حرمتها فهو مثل من قتل الناس جميعا ومن ترك قتل نفس واحدة وصان حرمتها مخافتي

واستحياها فهو كمن أحيا الناس جميعا قال الحسن وابن زيد ومن أحياها أي عفا عن من وجب له قتله بعد القدرة وقيل غير هذا ثم أخبر تعالى عن بني إسرائيل أنهم جاءتهم الرسل بالبينات في هذا وفي سواه ثم أن كثيرا منهم بعد ذلك في كل عصر يسرفون ويتجاوزون الحدود وقوله سبحانه إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله الآية روى أنس بن مالك وغيره أن الآية نزلت في قوم من عكل وعرينة قدموا على النبي صلى الله عليه و سلم فاسلموا ثم انهم مرضوا واستوخموا المدينة فامرهم النبي ص - أن يكونوا في لقاح الصدقة وقال اشربوا من ألبانها وأبوالها فخرجوا فيها فلما صحوا قتلوا الراعي واستاقوا الإبل فبلغ النبي صلى الله عليه و سلم خبرهم فبعث الطلب في آثارهم فأخذوا قال جميع الرواة فقطع رسول الله صلى الله عليه و سلم أيديهم وأرجلهم من خلاف وسمر أعينهم ويروى وسمل وتركهم في جانب الحرة يستسقون فلا يسقون فقيل أن هذه الآية ناسخة لفعله صلى الله عليه و سلم بالعرنيين ووقف الأمر على هذه الحدود وقال جماعة أنها غير ناسخة لذلك الفعل لأن العرنيين مرتدون لا سيما وفي بعض الطرق أنهم سملوا أعين الرعاء وقالوا هذه الآية هي في المحارب المؤمن قال مالك المحارب عندنا من حمل على الناس السلاح في مصر أو برية فكابرهم عن أنفسهم وأموالهم دون نائرة ولا دخل ولا عداوة وبهذا القول قال جماعة من أهل العلم قالوا والإمام مخير فيه بأن يعاقبه بما رأى من هذه العقوبات فأما قتل المحارب فبالسيف ضربة للعنق وأما صلبه فبعد القتل عند جماعة وقال جماعة بل يصلب حيا ويقتل بالطعن على الخشبة وروي هذا عن مالك وهو الأظهر من الآية وهو الأنكى في النكال وأما القطع فاليد اليمنى من الرسغ والرجل الشمال من المفصل وقوله سبحانه أو ينفوا من

الأرض الظاهر أن الأرض في هذه الآية هي أرض النازلة وقد جنب الناس قديما الأرض التي أصابوا فيها الذنوب ومنه حديث الذي ناء بصدره نحو الأرض المقدسة وينبغي للإمام إن كان هذا المحارب المنفي مخوف الجانب يظن به أن يعود إلى حرابه وافساد أن يسجنه في البلد الذي يغرب إليه وإن كان غير مخوف الجانب ترك مسرحا وهذا هو صريح مذهب مالك وقوله تعالى ذلك لهم خزي في الدنيا الآية إشارة إلى هذه الحدود التي توقع بهم فيحتمل الخزي لمن عوقب وعذاب الآخرة لمن سلم في الدنيا وبالجملة فهم في المشيئة وقوله سبحانه إلا الذين تابوا الآية استثنى عز و جل التائب قبل أن يقدر عليه وأخبر سبحانه بسقوط حقوقه عنه بقوله فأعلموا أن الله غفور رحيم والعلماء على أن الآية في المؤمنين ويؤخذ المحارب بحقوق الناس وإن تاب هذا هو الصحيح وقوله تعالى يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة الآية هذه الآية وعظ من الله تعالى بعقب ذكر العقوبات النازلة بالمحاربين وهذا من أبلغ الوعظ لأنه يرد على النفوس وهي خائفة وجلة وابتغوا معناه اطلبوا والوسيلة القربة وأما الوسيلة المطلوبة لنبينا محمد صلى الله عليه و سلم فهي أيضا من هذا لأن الدعاء له بالوسيلة والفضيلة إنما هو أن يؤتاهما في الدنيا ويتصف بهما ويكون ثمرة ذلك في الآخرة التشفيع في المقام المحمود قلت وفي كلامه هذا مالا يخفى وقد فسر النبي صلى الله عليه و سلم الوسيلة التي كان يرجوها من ربه وأنها درجة في الجنة لا ينبغي أن تكون إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا هو الحديث وخص سبحانه الجهاد بالذكر وإن كان داخلا في معنى الوسيلة تشريفا له إذ هو قاعدة الإسلام وقوله تعالى يريدون أن يخرجوا من النار إخبار بأنهم يتمنون هذا وقال الحسن بن أبي الحسن إذا فارت بهم النار

قربوا من حاشيتها فحينئذ يريدون الخروج ويطمعون به وتأول هو وغيره الآية على هذا قلت ويؤيده ما خرجه البخاري في رؤية النبي صلى الله عليه و سلم حيث أتاه ءاتيان فأخذا بيده وفيه فأقبل الرجل الذي في النهر فإذا أراد أن يخرج رمى الرجل بحجر في فيه وفيه أيضا فانطلقنا إلى ثقب مثل التنور أعلاه ضيق وأسفله وساع تتوقد تحته نار فإذا اقترب ارتفعوا فإذا خمدت رجعوا فيها وفيها رجال نساء عراة فقلت ما هذا فقالا أنطلق الحديث وأخبر سبحانه عن هؤلاء الكفار أنهم ليسوا بخارجين من النار بل عذابهم فيها مقيم مؤبد وقوله سبحانه والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما الآية قلت المسروق مال أو غيره فشرط المال أن يكون نصابا بعد خروجه مملوكا لغير السارق ملكا محترما تاما لا شبهة له فيه محرزا مخرجا منه إلى ما ليس بحرز له استسرارا فالنصاب ربع دينار أو ثلاثة دراهم أو ما يساوي ثلاثة دراهم وقوله أيديهما يعني أيمان النوعين والنكال العذاب والنكل القيد وقوله سبحانه فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه الآية جمهور العلماء على أن توبة السارق لا تسقط عنه القطع وقال الشافعي إذا تاب السارق قبل أن يتلبس الحكام بأخذه فتوبته تدفع عنه حكم القطع قياسا على توبة المحارب وقوله سبحانه ألم تعلم أن الله له ملك السموات والأرض يعذب من يشاء ويغفر لمن يشاء أي فلا معقب لحكمه سبحانه ولا معترض عليه يفعل ما يشاء لا إله إلا هو وقوله تعالى يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر الآية تسلية لنبيه عليه السلام وتقوية لنفسه بسبب ما كان يلقى من طوائف المنافقين واليهود والمعنى قد وعدناك النصر والظهور عليهم فلا يحزنك ما يقع منهم ومعنى المسارعة في الكفر البدار إلى نصره والسعي في كيد الإسلام وإطفاء نوره قال مجاهد وغيره قوله تعالى من الذين قالوا ءامنا

بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم يراد به المنافقون وقوله سماعون للكذب سماعون لقوم آخرين يراد به اليهود ويحتمل أن يراد به اليهود مع المنافقين لأن جميعهم يسمع الكذب بعضهم من بعض ويقبلونه ولذلك جاءت عبارة سماعهم في صيغة المبالغة إذ المراد أنهم يقبلون ويستزيدون من ذلك وقوله سبحانه سماعون لقوم آخرين يحتمل أن يريد يسمعون منهم وذكر الطبري عن جابر أن المراد بالقوم الآخرين يهود فدك وقيل يهود خبير ويحتمل أن يكون معنى سماعون لقوم آخرين بمعنى جواسيس مسترقين الكلام لينقلوه لقوم آخرين وهذا مما يمكن أن يتصف به المنافقون ويهود المدينة قلت وهذا هو الذي نص عليه ابن إسحاق في السير قال ع وقيل لسفيان بن عيينة هل جرى للجاسوس ذكر في كتاب الله عز و جل فقال نعم وتلا هذه الآية سماعون لقوم آخرين وقوله سبحانه يحرفون الكلم من بعد مواضعه هذه صفة اليهود في معنى ما حرفوه من التوراة وفيما يحرفونه من الأقوال عند كذبهم من بعد مواضعه أي من بعد أن وضع مواضعه وقصدت به وجوهه القويمة يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه روي أن يهود فدك قالوا ليهود المدينة استفتوا محمدا فإن أفتاكم بما نحن عليه من الجلد والتجبية فخذوه وإن أفتاكم بالرجم فاحذروا الرجم قاله الشعبي وغيره وقيل غير هذا من وقائعهم فالإشارة بهذا إلى التحميم والجلد في الزنا على قول ثم قال تعالى لنبيه عليه السلام على جهة قطع الرجاء منهم ومن يرد الله فتنته أي محنته بالكفر فلن تملك له من الله شيئا ثم أخبر تعالى عنهم أنهم الذين سبق لهم في علمه أن لا يطهر قلوبهم وأن يكونوا مدنسين بالكفر لهم في الدنيا خزي بالذلة والمسكنة التي ضربت عليهم في أقطار الأرض وفي كل أمة قال ص سماعون أي هم سماعون ومثله أكالون انتهى وقوله سبحانه أكالون للسحت فعالون

بناء مبالغة أي يتكرر أكلهم ويكثر والسحت كل ما لا يحل كسبه من المال وقوله تعالى فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم تخيير للنبي صلى الله عليه و سلم ولحكام أمته بعده وقال ابن عباس وغيره هذا التخيير منسوخ بقوله سبحانه وإن أحكم بينهم بما أنزل الله وقال كثير من العلماء هي محكمة وهذا هو الأظهر إن شاء الله وفقه هذه الآية أن الأمة مجمعة فيما علمت على أن حاكم المسلمين يحكم بين أهل الذمة في تظالمهم وأما نوازل الأحكام التي لا تظالم فيها فالحاكم مخير وإذا رضي به الخصمان فلا بد من رضي أساقفتهم أو أحبارهم قاله ابن القاسم في العتبية قلت وعبارة الداودي قال مالك ولا يحكم بينهم إذا اختار الحكم إلا في المظالم فيحكم بينهم بما أنزل الله ولا يحكم فيهم في الزنا إلا أن يعلنوه فيعاقبون بسبب إعلانه ثم يردون إلى أساقفتهم قال مالك وإنما رجم النبي صلى الله عليه و سلم اليهوديين قبل أن تكون لهم ذمة انتهى وقال ابن العربي في أحكامه إنما أنفذ النبي صلى الله عليه و سلم الحكم بينهم ليحقق تحريفهم وتبديلهم وكذبهم وكتمهم ما في التوراة ومنه صفته صلى الله عليه و سلم فيها والرجم على زناتهم وعنه أخبر الله تعالى بقوله يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب ويعفوا عن كثير فيكون ذلك من آياته الباهرة وحججه البينة وبراهينه القاطعة الدامغة للأمة المخزية اليهودية انتهى وقوله تعالى وإن تعرض عنهم فلن يضروك شيئا أمن الله سبحانه نبيه من ضررهم إذا أعرض عنهم وحقر في ذلك شأنهم وإن حكمت أي اخترت الحكم في نازلة ما فأحكم بينهم بالقسط أي بالعدل ثم قال سبحانه وكيف يحكمونك المعنى وكيف يحكمونك بنية صادقة وهم قد خالفوا حكم التوراة التي يصدقون بها وتولوا عن حكم الله فيها فأنت الذي لا يؤمنون بك أحرى بأن يخالفوا

حكمك وهذا بين أنهم لا يحكمونه عليه السلام إلا رغبة في ميله إلى أهوائهم وقوله سبحانه من بعد ذلك أي من بعد كون حكم الله في التوراة في الرجم وما أشبهه وقوله تعالى وما اولئك بالمؤمنين يعني بالتوراة وبموسى وقوله سبحانه انا أنزلنا التوراة فيها هدى أي إرشاد في المعتقد والشرائع والنور ما يستضاء به من أوامرها ونواهيها والنبيئون الذين اسلموا هم من بعث من لدن موسى ابن عمران إلى مدة نبينا محمد عليه السلام وأسلموا معناه أخلصوا وجوههم ومقاصدهم لله سبحانه وقوله للذين هادوا متعلق بيحكم أي يحكمون بمقتضى التوراة لبني إسرائيل وعليهم والربانيون عطف على النبيئين أي ويحكم بها الربانيون وهم العلماء وقد تقدم تفسير الرباني والأحبار أيضا العلماء وأحدهم حبر بكسر الحاء وفتحها وكثر استعمال الفتح فرقا بينه وبين الحبر الذي يكتب به وإنما اللفظ عام في كل حبر مستقيم فيما مضى من الزمان قبل مبعث نبينا محمد عليه السلام وقوله سبحانه بما استحفظوا أي بسبب استحفاظ الله تعالى إياهم أمر التوراة وأخذه العهد عليهم في العمل والقول بها وعرفهم ما فيها فصاروا شهداء عليه وهؤلاءضيعوا لما استحفظوا حتى تبدلت التوراة والقرآن بخلاف هذا لقوله تعالى وانا له لحافظون وقوله تعالى فلا تخشوا الناس واخشون حكاية لما قيل لعلماء بني إسرائيل وقوله ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا نهي عن جميع المكاسب الخبيثة بالعلم والتحيل للدنيا بالدين وهذا المعنى بعينه يتناول علماء هذه الأمة وحكامها ويحتمل أن يكون قوله فلا تخشوا الناس إلى آخر الآية خطابا لأمة نبينا محمد عليه السلام وأختلف العلماء في المراد بقوله ومن لم يحكم بما أنزل الله فاولئك هم الكافرون فقالت جماعة المراد اليهود بالكافرين والظالمين والفاسقين وروي في هذا حديث عن النبي صلى الله عليه و سلم من طريق البراء بن عازب قال

الفخر وتمسكت الخوارج بهذه الآية في التكفير بالذنب وأجيب بأن الآية نزلت في اليهود فتكون مختصة بهم قال الفخر وهذا ضعيف لأن الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب قلت وهذه مسألة خلاف في العام الوارد على سبب هل يبقى على عمومه أو يقصر على سببه انتهى وقالت جماعة عظيمة من أهل العلم الآية متناولة كل من لم يحكم بما أنزل الله ولكنها في أمراء هذه الأمة كفر معصية لا يخرجهم عن الإيمان وهذا تأويل حسن وقيل لحذيفة بن اليمان أنزلت هذه الآية في بني إسرائيل فقال نعم الأخوة لكم بنو إسرائيل إن كانت لكم كل حلوة ولهم كل مرة لتسلكن طريقهم قذ الشراك وقوله تعالى وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس الآية أي وكتبنا على بني إسرائيل فى التوراة ومعنى هذه الآية الخبر بان الله تعالى كتب فرضا على بني اسرائيل أنه من قتل نفسا فيجب في ذلك أخذ نفسه ثم هذه الأعضاء المذكورة كذلك ثم استمر هذا الحكم في هذه الأمة بما علم من شرع النبي صلى الله عليه و سلم قال ابن عباس ورخص الله لهذه الأمة ووسع لها بالدية ولم يجعل لنبي إسرائيل دية فيما نزل على موسى والجمهور أن النفس بالنفس عموم يراد به الخصوص في المتماثلين كما ورد في الحديث عن النبي صلى الله عليه و سلم لا يقتل مسلم بكافر وكذلك قوله سبحانه والجروح قصاص عموم يراد به الخصوص فيما لا يخاف منها على النفس وكتب الفقه محل استيعاب الكلام على هذه المعاني قال ص والجروح قصاص أي ذات قصاص انتهى وقوله سبحانه فمن تصدق به فهو كفارة له المعنى أن من تصدق بجرحه أو دم وليه وعفا فإن ذلك العفو كفارة لذنوبه يعظم الله أجره بذلك قاله ابن عمر وغيره وفي معناه حديث مروي عن النبي صلى الله عليه و سلم قلت وهو قوله صلى الله عليه و سلم ما من رجل يصاب

بشيء في جسده فتصدق به إلا رفعه الله به درجة وحط عنه به خطيئة رواه الترمذي انتهى وقيل المعنى فذلك العفو كفارة للجارح عن ذلك الذنب كما أن القصاص كفارة فكذلك العفو كفارة وأما أجر العافي فعلى الله تعالى قاله ابن عباس وغيره وقيل المعنى إذا جنى جان فجهل وخفي أمره فتصدق هذا الجاني بأن اعترف بذلك ومكن من نفسه فذلك الفعل كفارة لذنبه وقوله سبحانه وقفينا على ءاثارهم بعيسى ابن مريم الآية الضمير في آثارهم للنبيين وقوله وهدى وموعظة للمتقين خص المتقون بالذكر لأنهم المقصود به في علم الله وإن كان الجميع يدعى إلى توحيد الله ويوعظ ولكن ذلك على غير المتقين عمى وحيرة وقرأ حمزة وحده وليحكم بكسر اللام وفتح الميم على لام كي ونصب الفعل بها والمعنى وآتيناه الإنجيل ليتضمن الهدى والنور والتصديق وليحكم أهله بما أنزل الله فيه وقرأ باقي السبعة وليحكم بسكون لام الأمر وجزم الفعل ومعنى أمره لهم بالحكم أي هكذا يجب عليهم قلت وإذ من لازم حكمهم بما أنزل الله فيه اتباعهم لنبينا محمد عليه السلام والإيمان به كما يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل قال الفخر قيل المراد وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه من الدلائل الدالة على نبوة محمد صلى الله عليه و سلم قيل والمراد بالفاسقين من لم يمتثل من النصارى انتهى وحسن عقب ذلك التوقيف على وعيد من خالف ما أنزل الله وقوله سبحانه ومهيمنا أي جعل الله القرآن مهيمنا على الكتب يشهد بما فيها من الحقائق وعلى ما نسبه المحرفون إليها فيصحح الحقائق ويبطل التحريف وهذا هو معنى مهيمنا أي شاهد ومصدق ومؤتمن وأمين حسب اختلاف عبارة المفسرين في اللفظة وقال المبرد مهيمن أصله مؤتمن بني من أمين أبدلت همزته هاء كما قالوا ارقت الماء وهرقته واستحسنه الزجاج وقوله

سبحانه فأحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق المعنى عند الجمهور أن اخترت أن تحكم فأحكم بينهم بما أنزل الله وليست هذه الآية بناسخة لقوله أو اعرض عنهم ثم حذر الله تعالى نبيه عليه السلام من اتباع أهوائهم وقوله تعالى لكل جعلنا منكم شرعه ومنهاجا أي لكل أمة قاله الجمهور وهذا عندهم في الأحكام وأما في المعتقدات فالدين واحد لجميع العالم ويحتمل أن يكون المراد الأنبياء لا سيما وقد تقدم ذكرهم وذكر ما أنزل عليهم وتجيء الآية مع هذا الاحتمال تنبيها لنبينا محمد عليه السلام أي فأحفظ شرعتك ومنهاجك ليلا تستزلك اليهود أو غيرهم في شيء منه وأكثر المتأولين على أن الشرعة والمنهاج بمعنى واحد وهي الطريق وقال ابن عباس وغيره شرعة ومنهاجا سبيلا وسنة ثم أخبر سبحانه أنه لو شاء لجعل الناس أمة واحدة ولكنه لم يشأ لأنه أراد اختبارهم وابتلاءهم فيما آتاهم من الكتب والشرائع كذا قال جريج وغيره ثم أمر سبحانه باستباق الخيرات في امتثال الأوامر وختم سبحانه بالموعظة والتذكير بالمعاد فقال إلى الله مرجعكم جميعا والمعنى فالبدار البدار وقوله سبحانه فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون معناه في الثواب والعقاب فتخبرون به إخبار إيقاع وهذه الآية بارعة الفصاحة جمعت المعاني الكثيرة في الألفاظ اليسيرة وكل كتاب الله كذلك إلا انا بقصور أفهامنا يبين لنا في بعض أكثر مما يبين لنا في بعض وقوله تعالى وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم الآية الهوى مقصور يجمع على أهواء والهواء ممدود يجمع على اهوية ثم حذر تعالى نبيه عليه السلام من اليهود أن يفتنوه بأن يصرفوه عن شيء مما أنزل الله عليه من الأحكام لأنهم كانوا يريدون أن يخدعوا النبي صلى الله عليه و سلم فقالوا له مرارا أحكم لنا في نازلة كذا بكذا ونتبعك على دينك وقوله سبحانه فإن تولوا قبله محذوف تقديره

فإن حكموك واستقاموا فنعما ذلك وإن تولوا فأعلم الآية وخصص سبحانه إصابتهم ببعض الذنوب دون كلها لأن هذا الوعيد إنما هو في الدنيا وذنوبهم نوعان نوع يخصهم ونوع يتعدى إلى النبي صلى الله عليه و سلم والمؤمنين وبه توعدهم الله في الدنيا وإنما يعذبون بالكل في الآخرة وقال الفخر وجوزوا ببعض الذنوب في الدنيا لأن مجازاتهم بالبعض كاف في إهلاكهم وتدميرهم انتهى وقوله سبحانه فأعلم الآية وعد للنبي صلى الله عليه و سلم وقد أنجزه بقصة بني قينقاع وقصة قريظة والنصير وإجلاء عمر أهل خيبر وفدك وغيرهم وقوله تعالى وان كثيرا من الناس لفاسقون اشارة اليهم ويندرج فى عموم الآية غيرهم وقوله تعالى افحكم الجاهلية يبغون إشارة إلى الكهان الذين كانوا يأخذون الحلوان ويحكمون بحسب الشهوات ومن أحسن من الله حكما أي لا أحد أحسن منه حكما تبارك وتعالى وقوله سبحانه يا أيها الذين ءامنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء نهى الله سبحانه المؤمنين بهذه الآية عن اتخاذ اليهود والنصارى أولياء في النصرة والخلطة المؤدية إلى الامتزاج والمعاضدة وحكم هذه الآية باق وكل من أكثر مخالطة هذين الصنفين فله حظه من هذا المقت الذي تضمنه قوله تعالى فإنه منهم وسبب نزول هذه الآية أنه لما انقضت بدر وشجر أمر بني قينقاع أراد النبي صلى الله عليه و سلم قتلهم فقام دونهم عبد الله ابن أبي ابن سلول مخاصما وقال يا محمد أحسن في موالي فإني امرؤ أخاف الدوائر فقال النبي صلى الله عليه و سلم قد وهبتهم لك ونزلت الآية في ذلك وقوله عز و جل بعضهم أولياء بعض جملة مقطوعة من النهي وقوله تعالى ومن يتولهم منكم فإنه منهم انحاء على عبد الله بن أبي وعلى كل من أتصف بهذه الصفة وقوله سبحانه فترى الذين المعنى فترى يا محمد الذين في قلوبهم

مرض إشارة إلى عبد الله بن أبي ومن تبعه من المنافقين على مذهبه في حماية بني قينقاع وقوله تعالى يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة لفظ محفوظ عن عبد الله بن أبي ومن تبعه من المنافقين ودائرة معناه نازلة من الزمان وإنما كان ابن أبي يظهر أنه يستبقيهم لنصرة النبي عليه السلام وأنه الرأي وكان يبطن خلاف ذلك وقوله سبحانه فعسى الله أن يأتي بالفتح وهو ظهور نبيه عليه السلام وعلو كلمته وتمكينه من بني قينقاع وقريظة والنضير وفتح مكة أو أمر من عنده يهلك به أعداء الشرع وهو أيضا فتح لا يقع فيه للبشر سبب وقرأ ابن الزبير فيصبح الفساق على ما أسروا في أنفسهم نادمين وقوله تعالى يقول الذين ءامنوا أهولاء الذين اقسموا بالله جهد إيمانهم قرأ نافع وغيره يقول بغير واو وقرأ حمزة وغيره ويقول وقرأ أبو عمر وحده ويقول بالواو ونصب الام فذهب كثير من المفسرين إلى أن هذا القول من المؤمنين إنما هو إذا جاء الفتح وحصلت ندامة المنافقين وفضحهم الله تعالى فحينئذ يقول المؤمنون اهؤلاء الذين اقسموا الآية وتحتمل الآية وتحتمل الآية ان تكون حكاية لقول المؤمنين في وقت قول الذين في قلوبهم مرض نخشى أن تصيبنا دائرة إذ فهم منهم إن تمسكهم باليهود إنما هو أرصاد لله ولرسوله فمقتهم النبي عليه السلام والمؤمنون وترك لهم النبي عليه السلام بني قينقاع رغبة في المصلحة والألفة وأما قراءة أبي عمرو ويقول بالنصب فلا يتجه معها أن يكون قول المؤمنين إلا عند الفتح وظهور ندامة المنافقين وفضيحتهم وقوله تعالى جهد إيمانهم نصب جهد على المصدر المؤكد والمعنى اهؤلاء هم المقسمون باجتهاد منهم في الإيمان إنهم لمعكم قد ظهر الآن منهم من موالاة اليهود وخذل الشريعة ما يكذب إيمانهم وقوله حبطت أعمالهم يحتمل أن يكون إخبارا من الله سبحانه ويحتمل أن يكون من قول المؤمنين ويحتمل أن يكون قوله

حبطت دعاء أي بطلت أعمالهم وقوله سبحانه يا أيها الذين ءامنوا من يرتدد منكم عن دينه الآية خطاب للمؤمنين إلى يوم القيامة ومعنى الآية إن الله عز و جل وعد هذه الأمة أن من أرتد منها فإنه يجيء سبحانه بقوم ينصرون الدين ويغنون عن المرتدين قال الفخر وقدم الله تعالى محبته لهم على محبتهم له إذ لولا حبه لهم لما وفقهم أن صاروا محبين له انتهى وفي كتاب القصد إلى الله سبحانه للمحاسبي قلت للشيخ فهل يلحق المحبين لله عز و جل خوف قال نعم الخوف لازم لهم كما لزمهم الإيمان لا يزول إلا بزواله وهذا هو خوف عذاب التقصير في بدايتهم حتى إذا صاروا إلى خوف الفوت صاروا إلى الخوف الذي يكون في أعلى حال فكان الخوف الأول يطرقهم خطرات وصار خوف الفوت وطنات قلت فما الحالة التي تكشف عن قلوبهم شديد الخوف والحزن قال الرجاء بحسن الظن لمعرفتهم بسعة فضل الله عز و جل وأملهم منه أن يظفروا بمرادهم إذا وردوا عليه ولولا حسن ظنهم بربهم لتقطعت أنفسهم حسرات وماتوا كمدا قلت أي شيء أكثر شغلهم وما الغالب على قلوبهم في جميع أحوالهم قال كثرة الذكر لمحبوبهم على طريق الدوام والاستقامة لا يملون ولا يفترون وقد أجمع الحكماء أن من أحب شيئا أكثر من ذكره ثم قال قال ذو النون ما اولع أحد بذكر الله إلا أفاد منه حب الله تعالى انتهى وفي الآية انحاء على المنافقين وعلى من ارتد في مدة النبي صلى الله عليه و سلم قال الفخر وهذه الآية إخبار بغيب وقد وقع الخبر على وفقه فيكون معجزا وقد ارتدت العرب وغيرهم أيام أبي بكر فنصر الله الدين وأتى بخير منهم انتهى وقوله سبحانه أذلة على المؤمنين معناه متذللين من قبل أنفسهم غير متكبرين وهذا كقوله عز و جل أشداء على الكفار رحماء بينهم وكقوله عليه السلام المؤمن هين لين وفي قراءة

ابن مسعود أذلة على المؤمنين غلظاء على الكافرين وقوله تعالى ولا يخافون لومة لائم إشارة إلى الرد على المنافقين في أنهم يعتذرون بممالاة الأحلاف والمعارف من الكفار ويراعون أمرهم قلت وخرج أبو بكر بن الخطيب بسنده على أبي ذر قال أوصاني النبي صلى الله عليه و سلم بسبع أوصاني أن أنظر إلى من هو دوني ولا أنظر إلى من هو فوقي يعني في شأن الدنيا وأوصاني بحب المساكين والدنو منهم وأوصاني أن أقول الحق وإن كان مرا وأوصاني أن أصل رحمي وإن أدبرت وأوصاني أن لا أخاف في الله لومة لائم وأوصاني أن لا اسأل الناس شيئا وأوصاني أن استكثر من لا حول ولا قوة إلا بالله انتهى وقوله سبحانه ذلك فضل الله الإشارة بذلك إلى كون القوم يحبون الله عز و جل ويحبهم وواسع معناه ذو سعة فيما يملك ويعطي وينعم به سبحانه وقوله تعالى إنما وليكم الله ورسوله الآية إنما في هذه الآية حاصرة وقرأ ابن مسعود إنما مولاكم الله والزكاة هنا لفظ عام للزكاة المفروضة والتطوع بالصدقة ولكل أفعال البر إذ هي منمية للحسنات مطهرة للمرء من دنس السيئات ثم وصفهم سبحانه بتكثير الركوع وخص بالذكر لكونه من أعظم أركان الصلاة وهي هيئة تواضع فعبر به عن جميع الصلاة كما قال سبحانه والركع السجود هذا هو الصحيح وهو تأويل الجمهور ولكن انفق مع ذلك أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أعطى خاتمه وهو راكع قال السدي وإن اتفق ذلك لعلي فالآية عامة في جميع المؤمنين ثم أخبر تعالى إن من يتولى الله ورسوله والمؤمنين فإنه غالب كل من ناواه وجاءت العبارة عامة في أن حزب الله هم الغالبون ثم نهى سبحانه المؤمنين عن اتخاذ الذين اتخذوا ديننا هزؤا ولعبا وقد ثبت استهزاء الكفار في قوله سبحانه انا كفيناك المستهزءين وثبت استهزاء أهل الكتاب في لفظ هذه

الآية وثبت استهزاء المنافقين في قولهم لشياطينهم إنا معكم إنما نحن مستهزءون ثم أمر سبحانه بتقواه ونبه النفوس بقوله إن كنتم مؤمنين وقوله سبحانه وإذا ناديتهم إلى الصلاة اتخذوها هزؤا ولعبا الآية انحاء على اليهود وتبيين لسوء فعلهم وقوله وإن أكثركم فاسقون معنى المحاورة هل تنقمون منا إلا مجموع هذه الحال من انا مؤمنون وأنتم فاسقون كما تقول لمن تخاصمه هل تنقم مني إلا أن صدقت انا وكذبت أنت وقال بعض المتأولين وإن أكثركم معطوف على ما كأنه قال إلا أن آمنا بالله ويكتبه وبأن أكثركم فاسقون وهذا مستقيم المعنى وقال أكثركم من حيث أن فيهم من آمن كابن سلام وغيره وقوله سبحانه قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة يعني مرجعا عند الله يوم القيامة ومنه وإذ جعلنا البيت مثابة للناس ومشى المفسرون في هذه الآية على أن الذين أمر عليه السلام أن يقول لهم هل أنبئكم هم اليهود والكفار المتخذون ديننا هزؤا ولعبا قال ذلك الطبري وتوبع عليه ولم يسند في ذلك إلى متقدم شيئا والآية تحتمل أن يكون القول للمؤمنين أي قل يا محمد للمؤمنين هل أنبئكم بشر من حال هؤلاء الفاسقين في وقت المرجع إلى الله أولائك أسلافهم الذين لعنهم الله وغضب عليهم وقوله سبحانه وجعل هي بمعنى صير وقد تقدم قصص مسخهم قردة في البقرة وعبد الطاغوت تقديره ومن عبد الطاغوت وقرأ حمزة وحده وعبد الطاغوت بفتح العين وضم الباء وكسر التاء من الطاغوت وذلك أن عبد لفظ مبالغة كقدس قال الفخر قيل الطاغوت هنا العجل وقيل الطاغوت أحبارهم وكل من أطاع أحدا في معصية الله فقد عبده انتهى ومكانا يحتمل أن يريد في الآخرة فالمكان على وجهه أي المحل إذ محلهم جنهم ويحتمل أن يريد في الدنيا فهي استعارة للمكانة والحالة وقوله سبحانه وإذا جاءوكم يعني اليهود وخاصة المنافقين منهم قاله ابن عباس

وغيره وقوله والله أعلم بما كانوا يكتمون أي من الكفر والرؤية هنا تحتمل أن تكون قلبية وأن تكون بصرية وفي الإثم أي موجبات الإثم واللام في لبيس لام قسم وقوله تعالى لولا ينهاهم الربانيون والأحبار تحضيض في ضمنه توبيخ لهم قال الفخر والمعنى هلا ينهاهم انتهى قال الطبري كان العلماء يقولون ما في القرآن آية هي أشد توبيخا للعلماء من هذه الآية ولا أخوف عليهم منها وقال الضحاك بن مزاحم ما في القرآن آية أخوف عندي منها انا لا ننهى وقال نحو هذا ابن عباس وقوله سبحانه عن قولهم الإثم ظاهره أن الإثم هنا يراد به الكفر ويحتمل ان يراد سائر أقوالهم المنكرة في النبي صلى الله عليه و سلم والمؤمنين وقرأ ابن عباس بيس ما كانوا يصنعون بغير لام قسم وقوله سبحانه وتعالى وقالت اليهود يد الله إلى قوله لا يحب المفسدين هذه الآية تعديد كبيرة في أقوالهم وكفرهم أي فمن يقول هذه العظيمة فلا يستنكر نفاقه وسعيه في رد أمر الله تعالى قال ابن عباس وجماعة معنى قولهم التبخيل وذلك أنهم لحقتهم سنة وجهد فقالوا هذه المقالة يعنون بها أن الله بخل عليهم بالرزق والتوسعه تعالى الله عن قولهم وهذا المعنى يشبه ما في قوله تعالى ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك فإن المراد لا تبخل ومنه قول النبي صلى الله عليه و سلم مثل البخيل والمتصدق الحديث وذكر الطبري والنقاش أن هذه الآية نزلت في فنحاص اليهودي وإنه قالها وقوله سبحانه غلت أيديهم خبر يحتمل في الدنيا ويحتمل في الآخرة فإن كان خبرا عن الدنيا فالمعنى غلت أيديهم عن الخير والإنفاق في وجوه البر ونحوه وإذا كان خبرا عن الآخرة فالمعنى غلت في النار قلت ويحتمل الأمرين معا وقوله تعالى بل يداه مبسوطتان العقيدة في هذا المعنى نفي التشبيه عن الله سبحانه وأنه ليس بجسم ولا له جارحة ولا يشبه لا يكيف ولا يتحيز ولا تحله الحوادث تعالى عما يقول

المبطلون علوا كبيرا قال ابن عباس في هذه الآية يداه نعمتاه ثم اختلفت عبارة الناس في تعيين النعمتين فقيل نعمة الدنيا ونعمة الآخرة وقيل النعمة الظاهرة والنعمة الباطنة والظاهر أن قوله سبحانه بل يداه مبسوطتان عبارة عن إنعامه على الجملة وعبر عنها باليدين جريا على طريقة العرب في قولهم فلان ينفق بكلتا يديه ومنه قول الأعشى ... يداك يدا مجد فكف مفيدة ... وكف إذا ما ضن بالمال تنفق ...
ويؤيد أن اليدين هنا بمعنى الأنعام قرينة الإنفاق ثم قال تعالى لنبيه عليه السلام وليزيدن كثيرا منهم يعني اليهود ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا ثم قال سبحانه والقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة العداوة أخص من البغضاء لأن كل عدو فهو يبغض وقد يبغض من ليس بعدو والبغضاء قد لا تتجاوز النفوس وقد ألقى الله سبحانه الأمرين على بني إسرائيل قال الفخر وقد أوقع الله بين فرقهم الخصومة الشديدة وانتهى أمرهم إلى أن يكفر بعضهم بعضا وفي قوله والقينا بينهم العداوة الآية قولان أحدهما أن المراد ما بين اليهود والنصارى من العداوة لانه جرى ذكرهم فى قوله لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء وهذا قول الحسن ومجاهد والثاني ما وقع من العداوة بين فرق اليهود فإن بعضهم جبرية وبعضهم قدرية وبعضهم موحدة وبعضهم مشبهة وكذلك بين فرق النصارى كالملكانية والنسطورية واليعقوبية انتهى وقوله سبحانه كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله استعارة بليغة قال مجاهد معنى الآية كلما اوقدوا نار الحرب النبي ص - اطفأها الله فالآية بشارة لنبينا محمد عليه السلام وللمؤمنين وباقي الآية بين وقوله تعالى ولو أن أهل الكتاب ءامنوا الآية هذه الآية تحتمل أن يراد بها معاصرو النبي صلى الله عليه و سلم وتحتمل أن يراد بها الأسلاف والمعاصرون

وقوله سبحانه ولو أنهم أقاموا التوراة أي أظهروا أحكامها فهي كإقامة السوق وإقامة الصلاة وقوله سبحانه والإنجيل يقتضي دخول النصارى في لفظ أهل الكتاب في هذه الآية قلت وقال مكي معنى أقاموا التوراة والإنجيل أي عملوا بما فيهما وأقروا بصفة النبي صلى الله عليه و سلم وبنبوءته انتهى من الهداية وقوله وما أنزل إليهم من ربهم معناه من وحي وسنن على ألسنة الأنبياء عليهم السلام واختلف في معنى من فوقهم ومن تحت أرجلهم فقال ابن عباس وغيره المعنى لأعطتهم السماء مطرها والأرض نباتها بفضل الله تعالى وقال الطبري وغيره إن الكلام استعارة ومبالغة في التوسعة كما يقال فلان قد عمه الخير من قرنه إلى قدمه وقوله سبحانه منهم أمة مقتصدة معناه معتدلة والقصد والاقتصاد الاعتدال والرفق والتوسط الحسن في الأقوال والأفعال قال ابن زيد وهؤلاء هم أهل طاعة الله من أهل الكتاب قال ع وهذا هو الراجح وقوله سبحانه يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك الآية هذه الآية أمر من الله تعالى لنبيه عليه السلام بالتبليغ على الاستيفاء والكمال لأنه قد كان بلغ صلى الله عليه و سلم وإنما أمر في هذه الآية بأن لا يتوقف عن شيء مخافة أحد وذلك أن رسالته عليه السلام تضمنت الطعن على أنواع الكفرة وبيان فساد حالهم فكان يلقى منهم صلى الله عليه و سلم عنتا وربما خافهم أحيانا قبل نزول هذه الآية فقال الله تعالى له بلغ ما أنزل إليك من ربك أي كاملا والله يعصمك من الناس قالت عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها من زعم أن محمدا كتم شيئا من الوحي فقد أعظم الفرية والله تعالى يقول يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك الآية وقال عبد الله ابن شقيق كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يعتقبه أصحابه يحرسونه فلما نزلت والله يعصمك من الناس خرج فقال يا أيها الناس الحقوا بملاحقكم فإن الله

قد عصمنى قلت وخرج الترمذي هذا الحديث أيضا من طريق عائشة وكما وجب عليه التبليغ عليه السلام وجب على علماء أمته وقد قال عليه السلام بلغوا عني ولو آية وعن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول نضر الله امرءا سمع منا حديثا فحفظه حتى يبلغه فرب حامل فقه إلى من ليس بفقيه جاهل فقه إلى من هو أفقه منه رواه أبو داود واللفظ له والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه وقال الترمذي هذا حديث حسن ورواه من حديث ابن مسعود وقال حسن صحيح انتهى من السلاح وقال محمد بن كعب القرظي نزلت هذه الآية بسبب الإعرابي الذي اخترط سيف النبي صلى الله عليه و سلم ليقتله به قال ابن العربي قوله تعالى والله يعصمك من الناس معناه يجعل بينك وبينهم حجابا يمنع من وصل مكروههم إليك كعصام القربة الذي يمنع سيلان الماء منها ولعلمائنا في الآية تأويلات أصحها أن العصمة عامة في كل مكروه وأن الآية نزلت بعد أن شج وجهه وكسرت رباعيته صلى الله عليه و سلم وقيل أنه أراد من القتل خاصة والأول أصح وقد كان صلى الله عليه و سلم أوتي بعض هذه العصمة بمكة في قوله تعالى إنا كفيناك المستهزءين ثم كملت له العصمة بالمدينة فعصم من الناس كلهم انتهى من كتابه في تفسير أفعال الله الواقعة في القرآن ثم أمر تعالى نبيه عليه السلام أن يقول لأهل الكتاب الحاضرين معه لستم على شيء أي على شيء مستقيم حتى تقيموا التوراة والإنجيل وفي إقامتهما الإيمان بنبينا محمد عليه السلام قلت وهذه الآية عندي من أخوف آية في القرآن كما أشار إلى ذلك سفيان فتأملها حق التأمل وقوله سبحانه وما أنزل إليكم من ربكم الآية يعني به القرآن وقوله تعالى إن الذين ءامنوا والذين هادوا والصابون والنصارى من آمن بالله واليوم الآخر

وعمل صالحا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا لفظ عام لكل مؤمن من ملة نبينا محمد صلى الله عليه و سلم ومن غيرها من الملل فكان ألفاظ الآية حصر بها الناس كلهم وبينت الطوائف على اختلافها وهذا هو تأويل الجمهور وقد مضى الكلام في سورة البقرة فراجعه هناك وقرأ الجمهور والصابون وقرىء خارج السبعة والصابين وهي بينة الإعراب وأما على قراءة الجمهور فأختلف في إعرابها ومذهب سيبويه والخليل ونحاة البصرة أنه من المقدم الذي معناه التأخير كأنه قال إن الذين ءامنوا والذين هادوا من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون والصابون والنصارى كذلك قال ص ووجه ثان أن خبر ان محذوف أي إن الذين آمنوا لهم أجرهم وخبر الصابين من آمن وما بعده قال ابن عصفور وهو حسن جدا إذ ليس فيه أكثر من حذف خبر ان للفهم وهو جائز في فصيح الكلام انتهى قلت قال ابن مالك وهو أسهل من التقديم والتأخير وقيل أن الصابين في موضع نصب ولكنه جاء على لغة بلحارث الذين يجمعون التثنية بالألف على كل حال والجمع بالواو على كل حال قاله أبو البقاء وقيل غير هذا وقوله سبحانه وحسبوا ألا تكون فتنة المعنى في هذه الآية وظن هؤلاء الكفرة بالله والعصاة من بني إسرائيل أن لا يكون من الله ابتلاء لهم وأخذ في الدنيا فلجوا في شهواتهم وعموا فيها إذ لم يبصروا الحق وهذا كقوله صلى الله عليه و سلم حبك الشيء يعمى ويصم وقوله سبحانه ثم تاب الله عليهم قالت جماعة من المفسرين هذه التوبة هي ردهم إلى بيت المقدس بعد الإخراج الأول ورد ملكهم وحالهم ثم عموا وصموا بعد ذلك حتى أخرجوا الخرجة الثانية ولم ينجبروا أبدا ومعنى تاب الله عليهم أي رجع بهم إلى الطاعة والحق ومن فصاحة القرآن استناد هذا الفعل الشريف إلى الله تعالى واستناد

العمى والصمم اللذين هما عبارة عن الضلال إليهم ثم أخبر تعالى أخبارا مؤكدا بلام القسم عن كفر القائلين إن الله هو المسيح ابن مريم وهذا قول اليعقوبية من النصارى ثم أخبر تعالى عن قول المسيح لهم فقال وقال المسيح يا بني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم الآية فضلوا هم وكفروا بسبب ما رأوا على يديه من الآيات وقوله تعالى وما للظالمين من أنصار يحتمل أن يكون من قول عيسى عليه السلام لبني إسرائيل ويحتمل أن يكون إخبارا من الله سبحانه لنبيه محمد عليه السلام وقوله تعالى لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة وما من إله إلا إله واحد الآية إخبار مؤكد كالذي قبله عن هذه الطائفة الناطقة بالتثليث وهم فرق منهم النسطورية وغيرهم ولا معنى لذكر أقوالهم في كتب التفسير وقوله سبحانه ثالث ثلاثة لا يجوز فيه إلا الإضافة وخفض ثلاثة لأن المعنى أحد ثلاثة فإن قلت زيد ثالث اثنين أو رابع ثلاثة جاز لك أن تضيف كما تقدم وجاز أن لا تضيف وتنصب ثلاثة على معنى زيد يربع ثلاثة وقوله سبحانه وما من إله إلا إله واحد الآية خبر صادع بالحق وهو سبحانه الخالق المبدع المتصف بالصفات العلي سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا ثم توعدهم إن لم ينتهوا عما يقولون ثم رفق جل وعلا بهم بتحضيضه إياهم على التوبة وطلب المغفرة ثم وصف نفسه سبحانه بالغفران والرحمة استجلابا للتائبين وتأنيسا لهم ليكونوا على ثقة من الانتفاع بتوبتهم قال ص ليمسن اللام فيه جواب قسم محذوف قبل أداة الشرط انتهى وقوله تعالى وأمة صديقة بناء مبالغة من الصدق ويحتمل من التصديق وبه سمى أبو بكر الصديق رضي الله عنه وهذه الصفة لمريم تدفع قول من قال أنها نبية وقوله سبحانه كانا يأكلان الطعام تنبيه على نقص البشرية وعلى حال من الاحتياج إلى الغذاء تنتفي معها الألوهية ويؤفكون معناه

يصرفون ومنه قوله عز و جل يؤفك عنه من أفك والأرض المأفوكة التي صرفت عن أن ينالها المطر والمطر في الحقيقة هو المصروف ولكن قيل أرض مأفوكة لما كانت مافوكا عنها وقوله تعالى قل أتعبدون من دون الله مالا يملك لكم ضرا ولا نفعا والله هو السميع العليم الآية الضر بفتح الضاد المصدر وبضمها الاسم وهو عدم الخير والسميع لأقوالهم والعليم بنياتهم والغلو تجاوز الحد من غلا السهم إذا تجاوز الغرض المقصود وتلك المسافة هي غلوته وهذه المخاطبة هي للنصارى الذين غلوا في عيسى والقوم الذين نهى النصارى عن اتباع أهوائهم هم بنو إسرائيل ووصف تعالى اليهود بأنهم ضلوا قديما وأضلوا كثيرا من اتباعهم ثم أكد الأمر بتكرار قوله تعالى وضلوا عن سواء السبيل وقوله تعالى لعن الذين كفروا من بني إسرائيل الآية قال ابن عباس رضي الله عنه لعنوا بكل لسان لعنوا في التوراة وفي الزبور والإنجيل والفرقان وقوله سبحانه كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه الآية ذم الله سبحانه هذه الفرقة الملعونة بانهم كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه أي أنهم كانوا يتجاهرون بالمعاصي وأن نهي منهم ناه لم يمتنع عن مواصلة العاصي ومواكلته وخلطته وروى ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم أن الرجل من بني إسرائيل كان إذا رأى أخاه على ذنب نهاه عنه تعذيرا فإذا كان من الغد لم يمنعه ما رأى منه أن يكون أكيله أو خليطه فلما رأى الله تعالى ذلك منهم ضرب بقلوب بعضهم على بعض ولعنهم على لسان نبيهم داود وعيسى قال ابن مسعود وكان رسول الله صلى الله عليه و سلم متكأ فجلس وقال لا والله حتى تأخذوا على يد الظالم فتأطروه على الحق اطرا والإجماع على أن النهي عن المنكر واجب لمن أطاقه ونهى بمعروف أي برفق وقول معروف وأمن الضرر عليه وعلى المؤمنين فإن تعذر على أحد النهي لشيء من

هذه الوجوه ففرض عليه الإنكار بقلبه وأن لا يخالط ذا المنكر وقال حذاق أهل العلم ليس من شروط الناهي أن يكون سليما من المعصية بل ينهى العصاة بعضهم بعضا وقوله سبحانه لبيس ما كانوا يفعلون اللام لا م قسم وروى أبو داود عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم أفضل الجهاد كلمة حق أو قال كلمة عدل عند سلطان جائر أو أمير جائر انتهى وقوله تعالى لنبيه محمد عليه السلام ترى كثيرا يحتمل أن تكون رؤية عين فلا يريد إلا معاصريه ويحتمل أن تكون رؤية قلب وعلى هذا فيحتمل أن يريد المعاصرين له ويحتمل أن يريد أسلافهم والذين كفروا عبدة الأوثان وقوله سبحانه لبيس ما قدمت لهم أنفسهم الآية أي قدمته للآخرة واجترحته ثم فسر ذلك قوله تعالى إن سخط الله عليهم فإن سخط في موضع رفع بدل من ما ويحتمل أن يكون التقدير هو إن سخط الله عليهم وقوله تعالى والنبيء إن كان المراد الأسلاف فالنبي داود وعيسى وإن كان المراد معاصري نبينا محمد صلى الله عليه و سلم فالمراد بالنبي هو صلى الله عليه و سلم وذهب بعض المفسرين إلى أن قوله سبحانه ترى كثيرا منهم كلام منقطع من ذكر بني إسرائيل وأنه يعني به المنافقين ونحوه لمجاهد وقوله تعالى لتجدن أشد الناس عداوة للذين ءامنوا اليهود والذين أشركوا الآية اللام في قوله لتجدن لام ابتداء وقال الزجاج هي لام قسم وهذا خبر مطلق منسحب على الزمان كله وهكذا هو الأمر حتى الآن وذلك أن اليهود مرنوا على تكذيب الأنبياء وقتلهم ومردوا على استشعار اللعنة وضرب الذلة المسكنة فهم قد لجت عداوتهم وكثر حسدهم فهم أشد الناس عداوة للمؤمنين وكذلك المشركون عبدة الأوثان والنيران وأما النصارى فإنهم يعظمون من أهل الإسلام من استشعروا

منه صحة دين ويستهينون من فهموا منه الفسق فهم إن حاربوا فإنما حربهم أنفة لا أن شرعهم يأخذهم بذلك وإذا سالموا فسلمهم صاف واليهود لعنهم الله ليسوا على شيء من هذه الخلال بل شأنهم الخبث واللي بالألسنة المكر والغدر ولم يصف الله تعالى النصارى بأنهم أهل ود وإنما وصفهم بأنهم أقرب من اليهود والمشركين وفي قوله سبحانه الذين قالوا إنا نصارى إشارة إلى معاصري نبينا محمد صلى الله عليه و سلم من النصارى بأنهم ليسوا على حقيقة النصارنية وإنما هو قول منهم وزعم وقوله تعالى ذلك بأن منهم قسيسين وهبانا الآية معناه ذلك بأن منهم أهل خشية وانقطاع إلى الله تعالى وعبادة وإن لم يكونوا على هدى فهم يميلون إلى أهل العبادة والخشية وليس عند اليهود ولا كان قط أهل ديارات وصوامع وانقطاع عن الدنيا بل هم معظمون لها متطاولون في البنيان وأمور الدنيا حتى كأنهم لا يؤمنون بالآخرة فلذلك لا يرى فيهم زاهد قال الفخر القس والقسيس اسم رئيس النصارى والجمع قسيسون وقال قطرب القس والقسيس العالم بلغة الروم وهذا مما وقع الوفاق فيه بين اللغتين انتهى ووصف الله سبحانه النصارى بأنهم لا يستكبرون وهذا موجود فيهم حتى الآن واليهودي متى وجد عزا طغى وتكبر ثم مدحهم سبحانه فقال وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع الآية قال النووي ينبغي للقارىء أن يكون شأنه الخشوع والتدبر والخضوع فهذا هو المقصود المطلوب وبه تنشرح الصدور وتستنير القلوب ودلائله أكثر من أن تحصر وأشهر من أن تذكر وقد بات جماعة من السلف يتلوا الواحد منهم آية واحدة ليلة كاملة أو معظم ليلة يتدبرها وصعق جماعات منهم عند سماع القرآن وقراءته ومات جماعات منهم ويستحب البكاء والتباكي لمن لا يقدر على البكاء فإن البكاء عند القراءة صفة

العارفين وشعار عباد الله الصالحين قال الله عز و جل ويخرون للاذقان يبكون ويزيدهم خشوعا وقد وردت آثار كثيرة في ذلك انتهى من الحلية للنووي وذكر ابن عباس وابن جبير ومجاهد أن هذه الآية نزلت بسبب وفد بعثهم النجاشي إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم ليروه ويعرفوا حاله فقرأ النبي صلى الله عليه و سلم القرآن فبكوا وآمنوا ورجعوا إلى النجاشي فآمن ولم يزل مؤمنا حتى مات فصلى عليه النبي صلى الله عليه و سلم وروي أن نعش النجاشي كشف للنبي عليه السلام فكان يراه من موضعه بالمدينة وجاء الخبر بعد مدة أن النجاشي دفن في اليوم الذي صلى فيه النبي صلى الله عليه و سلم عليه قال أبو صالح كانوا سبعة وستين رجلا وقال ابن جبير كانوا سبعين عليهم ثياب الصوف وكلهم صاحب صومعة اختارهم النجاشي وصدر الآية في قرب المودة عام فيهم ولا يتوجه أن يكون صدر الآية خاصا فيمن آمن وإنما وقع التخصيص من قوله تعالى وإذا سمعوا وجاء الضمير عاما إذ قد تحمد الجماعة بفعل واحد منهم وفي هذا استدعاء للنصارى ولطف من الله بهم ليؤمنوا قال ص مما عرفوا من الحق من الأولى لابتداء الغاية قال أبو البقاء ومعناها من أجل الذي عرفوا ومن الثانية لبيان ما الموصولة انتهى قال العراقي تفيض أي تسيل منها العبرة وفي الحديث اقرءوا القرآن وأبكوا فإن لم تبكوا فتباكوا خرجه البزار انتهى من الكوكب الدري وفيه عن البزار ايضا ان النبي ص - قال من خرج من عينيه مثل جناح ذباب دموعا من خشية الله لم يدخل النار حتى يعود اللبن في ضرعه انتهى وقولهم مع الشاهدين يعني نبينا محمدا صلى الله عليه و سلم وأمته قاله ابن عباس وغيره وقال الطبري لو قال قائل معنى ذلك مع الشاهدين بتوحيدك من جميع العالم لكان صوابا وهو كلام صحيح

وكأن ابن عباس خصص أمة محمد لقول الله سبحانه وكذلك جعلناكم أمة وسطا الآية وقولهم وما لنالا نؤمن بالله وما جاءنا من الحق توقيف لأنفسهم أو محاجة لمن عارضهم من الكفار والقوم الصالحون محمد صلى الله عليه و سلم وأصحابه قاله ابن زيد وغيره من المفسرين ثم ذكر تعالى ما أثابهم به من النعيم على إيمانهم وإحسانهم ثم ذكر سبحانه حال الكافرين المكذبين وإنهم قرناء الجحيم وقوله تعالى يا أيها الذين ءامنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم الآية قال ابن عباس وغيره نزلت بسبب جماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم بلغت منهم المواعظ وخوف الله تعالى إلى أن حرم بعضهم النساء وبعضهم النوم بالليل والطيب وهم بعضهم بالاختصاء فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه و سلم فقال أما أنا فأقوم وأنام وأصوم وأفطر وآتي النساء وأنال الطيب فمن رغب عن سنتي فليس مني قال الطبري كان فيما يتلى من رغب عن سنتك فليس من أمتك وقد ضل عن سواء السبيل والطيبات في هذه الآية المستلذات بدليل إضافتها إلى ما أحل الله وبقرينة ما ذكر من سبب الآية وقوله سبحانه ولا تعتدوا قال عكرمة وغيره معناه في تحريم ما أحل الله وقال الحسن بن أبي الحسن المعنى و لا تعتدوا فتحلوا ما حرم الله فالنهيان على هذا تضمنا الطرفين كأنه قال لا تشددوا فتحرموا حلالا ولا تترخصوا فتحلوا حراما قلت وروي مالك في الموطأ عن أبي النضر قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لما مات عثمان بن مظعون ومر بجنازته ذهبت ولم تلتبس منها بشيء قال أبو عمر في التمهيد هذا الحديث في الموطأ مقطوع وقد رويناه متصلا مسندا من وجه صالح حسن ثم اسند أبوعمر عن عائشة قالت لما مات عثمان بن مظعون كشف النبي صلى الله عليه و سلم الثوب عن وجهه وقبل بين عينيه وبكى

بكاء طويلا فلما رفع على السرير قال طوبى لك يا عثمان لم تلبسك الدنيا ولم تلبسها قال أبو عمر كان عثمان بن مظعون أحد الفضلاء العباد الزاهدين في الدنيا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم المتبتلين منهم وقد كان هو وعلي بن أبي طالب هما أن يترهبا ويتركا النساء ويقبلا على العبادة ويحرما طيبات الطعام على أنفسهما فنزلت يا أيها الذين ءامنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم الآية ونقل هذا معمر وغيره عن قتادة انتهى وقوله سبحانه ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الإيمان معناه شددتم وعقد اليمين كعقد الحبل والعهد قال الحطيئة ... قوم إذا عقدوا عقدا لجارهم ... شدوا العناج وشدوا فوقه الكربا ...
قال الفخر وأما وجه المناسبة بين هذه الآية والتي قبلها فهو ما تقدم من أن قوما من الصحابة رضي الله عنهم حرموا على أنفسهم المطاعم والملاذ وحلفوا على ذلك فلما نهاهم الله تعالى عن ذلك قالوا يا رسول الله فكيف نصنع بأيماننا فأنزل الله تعالى هذه الآية انتهى وقوله سبحانه فكفارته إطعام عشرة مساكين أي إشباعهم مرة واحدة وحكم هؤلاء أن لا يتكرر واحد منهم في كفارة يمين واحدة واختلف في معنى قوله سبحانه من أوسط فرأى مالك وجماعة معه هذا التوسط في القدر ورأى ذلك جماعة في الصنف والوجه أن يعم بلفظ الوسط القدر والصنف فرأى مالك أن يطعم المسكين بالمدينة مدا بمد النبي صلى الله عليه و سلم وذلك رطل وثلث وهذا لضيق المعيشة بالمدينة ورأى في غيرها أن يتوسع ورأى من يقول أن التوسط إنما هو في الصنف أن يكون الرجل المكفر يتجنب أدنى ما يأكل الناس في البلد وينحط عن الأعلى ويكفر بالوسط من ذلك ومذهب المدونة أن يراعي المكفر عيش البلد وتأويل العلماء في الحانث

في اليمين بالله أنه مخير في الإطعام أو الكسوة أو العتق والعلماء على أن العتق أفضل ذلك ثم الكسوة ثم الإطعام بدأ الله تعالى عباده بالأيسر فالأيسر قال الفخر وبدأ سبحانه بالإطعام لأنه أعم وجودا والمقصود منه التنبيه على أنه سبحانه يراعي التخفيف والتسهيل في التكاليف وثانيها أن الإطعام أفضل قلت وهذا هو مشهور مذهب مالك انتهى ويجزىء عند مالك من الكسوة في الكفارة ما يجزىء في الصلاة وقوله سبحانه أو تحرير رقبة أي مؤمنة قاله مالك وجماعة لأن هذا المطلق راجع إلى المقيد في عتق الرقبة في قتل الخطأ وقوله سبحانه فمن لم يجد معناه لم يجد في ملكه أحد هذه الثلاثة المذكورة واختلف العلماء في حد هذا العادم ومتى يصح له الصيام فقال الشافعي ومالك وجماعة من العلماء إذا كان المكفر لا يملك إلا قوته وقوت عياله يومه وليلته فله أن يصوم فإن كان عنده زائد على ذلك ما يطعم عشرة مساكين لزمه الإطعام قال الطبري وقال آخرون جائز لمن لم يكن له فضل على راس ماله الذي يتصرف به في معايشه أن يصوم وقرأ أبي بن كعب وابن مسعود ثلاثة أيام متتابعات وقال بذلك جماعة وقال مالك وغيره أن تابع فحسن وإن فرق أجزأ وقوله إذا حلفتم معناه وأردتم الحنث أو وقعتم فيه وقوله تعالى يا أيها الذين ءامنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس الآية قال ع وفي معنى الأزلام الزجر بالطير وأخذ الفال في الكتب ونحوه مما يصنعه الناس وأخبر سبحانه أن هذه الأشياء رجس قال ابن عباس في هذه الآية رجس سخط وقال ابن زيد الرجس الشر قال ع الرجس كل مكروه ذميم وقد يقال للعذاب والرجز العذاب لا غير والركس العذرة لا غير والرجس يقال للأمرين وقوله سبحانه فاجتنبوه أمر باجتنابه فحرمت الخمر بظاهر القرآن

ونص الأحاديث وإجماع الأمة وأمر الخمر إنما كان بتدريج ونوازل كثيرة كقصة حمزة حين جب الاسنمة وقوله وهل أنتم إلا عبيد أبي ثم أعلم سبحانه عباده أن الشيطان إنما يريد أن تقع العداوة بسبب الخمر وما يعترى عليها بين المؤمنين وبسبب الميسر إذ كانوا يتقامرون على الأموال حتى ربما بقي المقمور فقيرا فتحدث من ذلك ضغائن وعداوات فإن لم يصل الأمر إلى حد العداوة كانت بغضاء ولا تحسن عاقبة قوم متباغضين ولذلك قال صلى الله عليه و سلم ولا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا وباجتماع النفوس والكلمة يحمى الدين ويجاهد العدو والبغضاء تنقض عرى الدين وتهدم عماد الحماية وكذلك أيضا يريد الشيطان أن يصد المؤمنين عن ذكر الله وعن الصلاة ويشغلهم عنها بإتباع الشهوات والخمر والميسر والقمار كله من أعظم الآفات في ذلك وفي قوله سبحانه فهل أنتم منتهون وعيد زائد على معنى انتهوا وقوله سبحانه ليس على الذين ءامنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا الآية قال ابن عباس وغيره لما نزل تحريم الخمر قال قوم من الصحابة يا رسول الله كيف بمن مات منا وهو يشربها ويأكل الميسر ونحو هذا من القول فنزلت هذه الآية وهذا نظير سؤالهم عن من مات على القبلة الأولى والجناح الإثم والحرج والتكرار في قوله سبحانه اتقوا يقتضي في كل واحدة زيادة على التي قبلها وفي ذلك مبالغة في هذه الصفات لهم وليست الآية وقفا على من عمل الصالحات كلها واتقى كل التقوى بل هي لكل مؤمن وإن كان عاصيا أحيانا إذا كان قد عمل من هذه الخصال الممدوحة ما استحق به أن يوصف بأنه مؤمن عامل للصالحات متق في غالب أمره محسن فليس على هذا الصنف جناح فيما طعم مما لم يحرم عليه وطعموا معناه ذاقوا فصاعدا في رتب الأكل والشرب وقد

يستعار للنوم وغيره وحقيقته في حاسة الذوق وقوله سبحانه يا أيها الذين ءامنوا ليبلونكم الله بشيء من الصيد أي ليختبرنكم يرى طاعتكم من معصيتكم وقوله بشيء يقتضي تبعيضا ومن يحتمل أن تكون للتبعيض ويحتمل أن تكون لبيان الجنس كقوله تعالى فاجتنبوا الرجس من الأوثان وقوله تعالى ليعلم الله من يخافه بالغيب معناه ليستمر علمه تعالى عليه وهو موجود إذ قد علم تعالى ذلك في الأزل وبالغيب قال الطبري معناه في الدنيا حيث لا يرى العبد ربه فهو غائب عنه والظاهر أن المعنى بالغيب من الناس أي في الخلوة ممن خاف الله انتهى قلت وقول الطبري أظهر ثم توعد تعالى من اعتدى بعد النهي بالعذاب الأليم وهو عذاب الآخرة وقوله سبحانه يا أيها الذين ءامنوا لا تقتلوا الصيد وانتم حرم الآية الصيد مصدر عومل معاملة الاسماء فاوقع على الحيوان المصيد ولفظ الصيد هنا عام ومعناه الخصوص فيما عدا ما استثنى وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه و سلم خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم الغراب والحدأة والفارة والعقرب والكلب العقور وأجمع الناس على إباحة قتل الحية وبسط هذا في كتب الفقه وحرم جمع حرام وهو الذي يدخل في الحرم أو في الإحرام واختلف في قوله متعمدا فقال مجاهد وغيره معناه متعمدا لقتله ناسيا لاحرامه فهذا يكفر وأما أن كان ذاكرا لاحرامه فهو أعظم من أن يكفر وقد حل ولا رخصة له وقال جماعة من أهل العلم منهم ابن عباس ومالك والزهري وغيرهم المتعمد القاصد للقتل الذاكر لاحرامه فهو يكفر وكذلك الناسي والقاتل خطأ يكفران وقرأ نافع وغيره فجزاء مثل بإضافة الجزاء إلى مثل وقرأ حمزة وغيره فجزاء بالرفع مثل بالرفع أيضا واختلف في هذه المماثلة كيف تكون فذهب الجمهور إلى أن الحكمين ينظران إلى مثل الحيوان المقتول في الخلقة وعظم المرأى فيجعلان ذلك من

النعم جزاءه وذهب الشعبي وغيره إلى أن المماثلة إنما هي في القيمة يقوم الصيد المقتول ثم يشتري بقيمته ند من النعم ورد الطبري وغيره هذا القول والنعم لفظ يقع على الإبل والبقر والغنم إذا اجتمعت هذه الأصناف فإن انفرد كل صنف لم يقل نعم إلا للإبل وحدها وقصر القرآن هذه النازلة على حكمين عدلين عالمين بحكم النازلة وبالتقدير فيها وعلى هذا جمهور الناس قال ابن وهب في العتبية من السنة أن يخير الحكمان من أصاب الصيد كما خيره الله تعالى في أن يخرج هديا بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما فإن اختار الهدي حكما عليه بما يريانه نظيرا لماأصاب ما بينهما وبين أن يكون عدل ذلك شاة لأنها أدنى الهدي فما لم يبلغ شاة حكما فيه بالطعام ثم خير في أن يطعمه أو يصوم مكان كل مد يوما وكذلك قال مالك في المدونة إذا أراد المصيب أن يطعم أو يصوم فإن كان لما أصاب نظير من النعم فإنه يقوم صيده طعاما لا دراهم قال وإن قوماه دراهم واشترى بها طعام لرجوت أن يكون واسعا والأول أصوب فإن شاء أطعمه وإلا صام مكان كل مد يوما وإن زاد ذلك على شهرين أو ثلاثة وقال يحيى بن عمر من أصحابنا إنما يقال كم من رجل يشبع من هذا الصيد فيعرف العدد ثم يقال كم من الطعام يشبع هذا العدد فإن شاء أخرج ذلك الطعام وإن شاء صام عدد إمداده وهذا قول حسن احتاط فيه لأنه قد تكون قيمة الصيد من الطعام قليلة فبهذا النظر يكثر الإطعام وقوله تعالى هديا بالغ الكعبة ذكرت الكعبة لأنها أم الحرم والحرم كله منحر لهذا الهدي ولا بد أن يجمع في هذا الهدي بين الحل والحرم حتى يكون بالغ الكعبة فالهدي لا ينحر إلا في الحرم واختلف في الطعام فقال جماعة الإطعام والصوم حيث شاء المكفر من البلاد وقال عطاء بن أبي رباح وغيره الهدي والإطعام بمكة والصوم

حيث شئت وقوله سبحانه ليذوق وبال أمره الذوق هنا مستعار والوبال سوء العاقبة والمرعى الوبيل هو الذي يتأذى به بعد أكله وعبر بأمره عن جميع حاله من قتل وتكفير وحكم عليه ومضى ماله أو تعبه بالصوم واختلف في معنى قوله سبحانه عفا الله عما سلف الآية فقال عطاء بن أبي رباح وجماعة معناه عفا الله عما سلف في جاهليتكم من قتلكم الصيد في الحرمة ومن عاد الآن في الإسلام فإن كان مستحلا فينتقم الله منه في الآخرة ويكفر في ظاهر الحكم وإن كان عاصيا فالنقمة هي في الزام الكفارة فقط قالوا وكلما عاد المحرم فهو يكفر قال ع ويخاف المتورعون أن تبقى النقمة مع التكفير وهذا هو قول الفقهاء مالك ونظرائه وأصحابه رحمهم الله وقال ابن عباس وغيره أما المتعمد فإنه يكفر أول مرة وعفا الله عن ذنبه فإن اجترأ وعاد ثانيا فلا يحكم عليه ويقال له ينتقم الله منك كما قال الله تعالى وقوله سبحانه والله عزيز ذو انتقام تنبيه على صفتين تقتضيان خوف من له بصيرة ومن خاف ازدجر ومن هذا المعنى قول النبي صلى الله عليه و سلم من خاف أدلج ومن أدلج بلغ المنزل قلت والصيد للهو مكروه وروى أبو داود في سننه عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال من سكن البادية جفا ومن اتبع الصيد غفل ومن أتى السلطان افتتن انتهى وقوله تعالى أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم الآية البحر الماء الكثير ملحا كان أو عذبا وكل نهر كبير بحر وطعامه هو كل ما قذف به وما طفا عليه قاله جماعة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم وهو مذهب مالك ومتاعا نصب على المصدر والمعنى متعكم به متاعا تنتفعون به وتأتدمون ولكم يريد حاضري البحر ومدنه وللسيارة المسافرين واختلف في مقتضى قوله سبحانه وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما فتلقاه بعضهم على العموم من

جميع جهاته فقالوا أن المحرم لا يحل له أن يصيد ولا أن يأمر من يصيد ولا أن يأكل صيدا صيد من أجله ولا من غير أجله وأن لحم الصيد بأي وجه كان حرام على المحرم وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه لا يرى بأسا للمحرم أن يأكل ما صاده حلال لنفسه أو لحلال مثله وقال بمثل قول عمر عثمان بن عفان والزبير ابن العوام وهو الصحيح لأن النبي صلى الله عليه و سلم أكل من الحمار الذي صاده أبو قتادة وهو حلال والنبي عليه السلام محرم ثم ذكر سبحانه بأمر الحشر والقيامة مبالغة في التحذير ولما بان في هذه الآيات تعظيم الحرم والحرمة بالاحرام من أجل الكعبة وإنها بيت الله تعالى وعنصر هذه الفضائل ذكر سبحانه في قوله جعل الله الكعبة البيت تنبيها سنه في الناس وهداهم إليه وحمل عليه الجاهلية الجهلاء من التزامهم أن العكبة قوام والهدي قوام والقلائد قوام أي أمر يقوم للناس بالتأمين ووضع الحرب أوزارها وأعلم تعالى أن التزام الناس لذلك هو مما شرعه وارتضاه وجعل في هذه الآية بمعنى صير والكعبة بيت مكة وسمي كعبة لتربيعه قال أهل اللغة كل بيت مربع فهو مكعب وكعبة وذهب بعض المتأولين إلى أن معنى قوله تعالى قياما للناس أي موضع وجوب قيام بالمناسك والتعبدات وضبط النفوس في الشهر الحرام ومع الهدي والقلائد قال مكي معنى قياما للناس أي جعلها بمنزلة الرئيس الذي يقوم به أمر اتباعه فهي تحجزهم عن ظلم بعضهم بعضا وكذلك الهدي والقلائد جعل ذلك أيضا قياما للناس فكان الرجل إذا دخل الحرم أمن من عدوه وإذا ساق الهدي كذلك لم يعرض له وكان الرجل إذا أراد الحج تقلد بقلادة من شعر وإذا رجع تقلد بقلادة من لحاء شجر الحرم فلا يعرض له ولا يؤذى حتى يصل إلى أهله قال ابن زيد كان الناس كلهم فيهم ملوك تدفع بعضهم عن بعض ولم يكن في العرب ملوك

تدفع عن بعضهم ظلم بعض فجعل الله لهم البيت الحرام قياما يدفع بعضهم عن بعض انتهى من الهداية والشهر هنا اسم جنس والمراد الأشهر الثلاثة بإجماع من العرب وشهر مصر وهو رجب وأما الهدي فكان أمانا لمن يسوقه لأنه يعلم أنه في عبادة لم يأت لحرب وأما القلائد فكذلك كان الرجل إذا خرج يريد الحج تقلد من لحاء السمر أو غيره شيئا فكان ذلك أمانا له وكذلك إذا انصرفوا تقلدوا من شجر الحرم وقوله ذلك إشارة إلى أن جعل الله هذه الأمور قياما وقوله سبحانه بكل شيء عليم عام عموما تاما في الجزئيات ودقائق الموجودات والقول بغير هذا إلحاد في الدين وكفر وقوله سبحانه ما على الرسول إلا البلاغ الآية إخبار للمؤمنين مضمنه الوعيد أن انحرفوا ولم يمتثلوا ما بلغ الرسول إليهم والله يعلم ما تبدون وما تكتمون قلت قال الشيخ أبو مدين رضي الله عنه الحق تعالى مطلع على السرائر والظواهر في كل نفس وحال فايما قلت رآه مؤثرا له حفظه من الطوارق والمحن ومضلات الفتن وقال رحمه الله ما عرف الحق من لم يؤثره وما أطاعه من لم يشكره انتهى وقوله تعالى قل لا يستوي الخبيث والطيب الآية لفظ عام في جميع الأمور فيتصور في المكاسب وعدد الناس والمعارف من العلوم ونحوها فالخبيث من هذا كله لا يفلح ولا ينجب ولا تحسن له عاقبة والطيب وإن قل نافع جميل العاقبة وينظر إلى هذه الآية قوله تعالى والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدا والخبث هو الفساد الباطن في الأشياء حتى يظن بها الصلاح وهي بخلاف ذلك وقوله سبحانه فاتقوا الله يا أولي الألباب تنبيه على لزوم الطيب في المعتقد والعلم وخص أولوا الألباب بالذكر لأنهم المتقدمون في ميز هذه الأمور والذين لا ينبغي لهم إهمالها مع ألبابهم وإدراكهم وقوله تعالى يا أيها الذين ءامنوا لا تسألوا عن

أشياء أن تبد لكم تسؤكم الآية اختلف الرواة في سببها والظاهر من الروايات أن رسول الله صلى الله عليه و سلم الحت عليه الأعراب والجهال بأنواع من السؤالات حسبما هو معلوم في الروايات فزجرهم الله تعالى عن ذلك بهذه الآية وأشياء أسم لجمع شيء قال ابن عباس معنى الآية لا تسألوا عن أشياء في ضمن الأنباء عنها مساءة لكم أما بتكليف شرعي يلزمكم وأما بخبر يسوءكم ولكن إذا نزل القرءان بشيء وابتدأكم ربكم بأمر فحينئذ أن سألتم عن تفصيله وبيانه بين لكم وابدي ويحتمل قوله وأن تسألوا عنها حين ينزل القرءان تبد لكم أن يكون في معنى الوعيد كأنه قال لا تسألوا وأن سألتم لقيتم غب ذلك وصعوبته قال النووي وعن أبي ثعلبة الخشني قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم أن الله عز و جل فرض فرائض فلا تضيعوها وحد حدودا فلا تعتدوها وحرم أشياء فلا تنتهكوها وسكت عن أشياء رحمة بكم لا عن نسيان فلا تبحثوا عنها رويناه في سنن الدارقطني انتهى وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال دعوني ما تركتكم إنما هلك من كان قبلكم بسؤالهم واختلافهم على أنبيائهم فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم انتهى وعفا الله عنها معناه تركها ولم يعرف بها قد سألها قوم من قبلكم الآية قال الطبري كقوم صالح في سؤالهم الناقة وكبنى إسراءيل في سؤالهم المائدة أي وكطلب الأمم قديما التعمق في الدين من أنبيائها ثم لم تف بما كلفت وقوله سبحانه ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام الآية أي لم يجعل سبحانه شيئا من ذلك ولا سنه لعباده المعنى ولكن الكفار فعلوا ذلك كعمرو بن لحي وغيره من رؤسائهم يفترون على الله الكذب بقولهم هذه قربة إلى الله وأكثرهم يعنى الأتباع لا يعقلون بل يتبعون هذه

الأمور تقليدا وجعل في هذه الآية لا يتجه أن تكون بمعنى خلق ولا بمعنى صير وإنما هي بمعنى ماسن ولا شرع قال ص ما جعل ذهب ابن عطية والزمخشري إلى انها بمعنى شرع قال ابن عطية ولا تكون بمعنى خلق لأن الله تعالى خلق هذه الأشياء كلها ولا بمعنى صير لعدم المفعول الثاني قال أبو حيان ولم يذكر النحويون لها هذا وقد جاء حذف أحد مفعولي ظن وأخواتها قليلا فتحمل هذه على حذف المفعول الثاني أي ما صير الله بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حاميا مشروعا وهو اولى من اثبات معنى لم يسمع فيها وذكر أبو البقاء أنها هنا بمعنى سمى انتهى قلت وحاصل كلام أبي حيان أنه شهادة على نفي وعلى تقدير صحته فيحمل كلام ابن عطية على أنه تفسير معنى لا تفسير اعراب وبحيرة فعيلة بمعنى مفعولة وبحر شق كانوا إذا نتجت الناقة عشرة بطون شقوا أذنها بنصفين طولا فهي مبحورة وتركت ترعى وترد الماء ولا ينتفع بشيء منها ويحرم لحمها إذا ماتت على النساء ويحلل للرجال وذلك كله ضلال والسائبة هي الناقة تسيب للآلهة والناقة أيضا إذا تابعت ثنتي عشرة اناثا ليس فيهن ذكر سيبت وكانت السوائب أيضا في العرب كالقربة عند المرض يبرأ منه والقدوم من السفر وإذا نزل بأحدهم أمر يشكر الله تعالى عليه تقرب بأن يسيب ناقة فلا ينتفع منها بلبن ولا ظهر ولا غيره يرون ذلك كعتق بني ادم ذكره السدي وغيره وكانت العرب تعتقد أن من عرض لهذه النوق فأخذها أو انتفع منها بشيء فانه تلحقه عقوبة من الله والوصيلة قال اكثر الناس أن الوصيلة في الغنم قالوا إذا ولدت الشاة ثلاثة بطون أو خمسة فإن كان اخرها جديا ذبحوه لبيت الآلهة وأن كان عنافا استحيوها وان كان جدي وعناق استحيوهما وقالوا هذه العناق وصلت أخاها فمنعته من أن يذبح

وعلى أن الوصيلة في الغنم جاءت الروايات عن اكثر الناس وروي عن ابن المسيب أن الوصيلة من الإبل وأما الحامي فإنه الفحل من الإبل إذا ضرب في الإبل عشر سنين وقيل إذا ولد من صلبه عشر وقيل إذا ولد من ولد ولده قالوا حمى ظهره فسيبوه لا يركب ولا يسخر في شيء وعبارة الفخر وقيل الحامي الفحل إذا ركب ولد ولده انتهى قلت والذي في البخاري والحام فحل الإبل يضرب الضراب المعدود وإذا قضى ضرابه ودعوه للطواغيت وأعفوه من الحمل فلم يحمل شيء عليه وسموه الحامي انتهى وقوله سبحانه وإذا قيل لهم يعني لهؤلاء الكفار المستنين بهذه الأشياء تعالوا إلى ما أنزل الله يعني القرءان الذي فيه التحريم الصحيح قالوا حسبنا معناه كفانا وقوله تعالى يا أيها الذين ءامنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم الآية قال أبو ثعلبة الخشني سألت رسول الله صلى الله عليه و سلم عن هذه الآية فقال ائتمروا بالمعروف وانهوا عن المنكر فإذا رأيت دنيا مؤثرة وشحا مطاعا وإعجاب كل ذي رأي برأيه فعليك بخويصة نفسك وذر عوامهم فإن وراءكم أياما أجر العامل فيها كأجر خمسين منكم وهذا هو التأويل الذي لا نظر لاحد معه لأنه مستوف للصلاح صادر عن النبي عليه السلام وجملة ما عليه أهل العلم في هذا أن الأمر بالمعروف متعين متى رجي القبول أو رجي رد الظالم ولو بعنف ما لم يخف الآمر ضررا يلحقه في خاصته أو فتنة يدخلها على المسلمين أما بشق عصا وأما بضرر يلحق طائفة من الناس فإذا خيف هذا فعليكم أنفسكم محكم واجب أن يوقف عنده وقوله سبحانه إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم تعملون هذا تذكير بالحشر وما بعده وذلك مسل عن أمور الدنيا مكروهها ومحبوبها روي عن بعض الصالحين أنه قال ما من يوم إلا ويجيء الشيطان فيقول ما تأكل وما

تلبس وأين تسكن فأقول له آكل الموت والبس الكفن واسكن القبر قال ع فمن فكر في مرجعه إلى الله سبحانه فهذا حاله قلت وخرج البغوي في المسند المنتخب عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال يا أيها الناس أنكم تعملون أعمالا تعزب عنكم إلى يوم القيامة وتوشك العوازب أن تؤب إلى أهلها فمسرور بها ومكظوم انتهى من الكوكب الدري والله المستعان وقوله تعالى يا أيها الذين ءامنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان الآية إلى قوله يوم يجمع الله الرسل قال مكي هذه الآيات عند أهل المعاني من اشكل ما في القرءان اعرابا ومعنى وحكما قال ع وهذا كلام من لم يقع له الثلج في تفسيرها وذلك بين من كتابه وبالله نستعين لا نعلم خلافا أن سبب هذه الآية أن تميما الداري وعدي بن بداء وكانا نصرانيين سافرا إلى المدينة يريدان الشام لتجارتهما وقدم المدينة أيضا ابن أبي مارية مولى عمرو بن العاصي يريد الشام تاجرا قال الفخر وكان مسلما فخرجوا رفاقة فمرض ابن أبي مارية في الطريق وأوصى إلى تميم وعدي أن يؤديا رحله إلى اوليائه من بني سهم وروى ابن عباس عن تميم الداري أنه قال برى الناس من هذه الآية غيري وغير عدي بن بداء وذكر القصة إلا أنه قال وكان معه جام فضة يريد به الملك فأخذته أنا وعدي فبعناه بألف وقسمنا ثمنه فلما أسلمت بعد قدوم رسول الله صلى الله عليه و سلم المدينة تأثمت من ذلك فأتيت أهله فأخبرتهم الخبر وأديت خمسمائة فوثبوا إلى عدي فأتوا به رسول الله صلى الله عليه و سلم وحلف عمرو بن العاصي ورجل اخر معه ونزعت من عدي خمسمائة قال ع واختلفت الفاظ هذه القصة وما ذكرته هو عمود الأمر ولم تصح لعدي صحبة فيما علمت ولا ثبت إسلامه وقد صنفه في الصحابة بعض

المتأخرين ولا وجه عندى لذكره في الصحابة وأما معنى الآية من أولها إلى اخرها فهو أن الله سبحانه أخبر المؤمنين أن حكمه في الشهادة على الموصى إذا حضره الموت أن تكون شهادة عدلين فإن كان في سفر وهو الضرب في الأرض ولم يكن معه من المؤمنين أحد فليشهد شاهدين ممن حضره من أهل الكفر فإذا قدما وأديا الشهادة على وصيته حلفا بعد الصلاة انهما ما كذبا ولا بدلا وأن ما شهدنا به حق ما كتمنا فيه شهادة الله وحكم بشهادتهما فإن عثر بعد ذلك على انهما كذبا أو خانا أو نحو هذا مما هو اثم حلف رجلان من أولياء الموصى في السفر وغرم الشاهدان ما ظهر عليهما هذا معنى الآية على مذهب أبي موسى الاشعري وابن عباس وسعيد بن المسيب ويحيى بن يعمر وابن جبير وأبي مجلز وإبراهيم وشريح وعبيدة السلماني وابن سيرين ومجاهد وغيرهم قالوا ومعنى قوله منكم أي من المؤمنين ومعنى من غيركم أي من الكافرين قال بعضهم وذلك أن الآية نزلت ولا مؤمن إلا بالمدينة وكانوا يسافرون في التجارة مع أنواع الكفرة واختلفت هذه الجماعة المذكورة فمذهب أبي موسى الاشعري وغيره ان الآية محكمة ومذهب جماعة جماعه منهم أنها منسوخة بقوله وأشهدوا ذوي عدل منكم وبما عليه إجماع جمهور الناس إن شهادة الكفار لا تجوز قال ع ولنرجع الآن إلى الاعراب ولنقصد القول المفيد لأن الناس خلطوا في تفسير هذه الآية تخليطا شديدا وذكر ذلك والرد عليه يطول وفي تبيين الحق الذي تتلقاه الأذهان بالقبول مقنع والله المستعان فقوله تعالى شهادة بينكم هي الشهادة التي تحفظ لتؤدي ورفعها بالابتداء والخبر في قوله اثنان وقوله تعالى إذا حضر أحدكم الموت معناه إذا قارب الحضور والعامل في إذا المصدر الذي هو شهادة وهذا على أن تجعل إذا بمنزلة حين لا تحتاج إلى جواب ولك أن

تجعل إذا في هذه الآية المحتاجة إلى الجواب لكن استغنى عن جوابها بما تقدم في قوله شهادة بينكم إذ المعنى إذا حضر أحدكم الموت فينبغي أن يشهد وقوله حين الوصية ظرف زمان والعامل فيه حضر وإن شئت جعلته بدلا من إذا وقوله ذوا عدل صفة لقوله اثنان ومنكم صفة أيضا بعد صفة وقوله من غيركم صفه لاخران وقوله تحبسونها صفة لاخران ايضا واعترض بين الموصوف والصفة بقوله أن أنتم إلى الموت وأفاد الاعتراض أن العدول إلى آخرين من غير الملة إنما يكون مع ضرورة السفر وحلول الموت فيه واستغني عن جواب أن لما تقدم من قوله أو آخران من غيركم وقال جمهور من العلماء الصلاة هنا صلاة العصر وقال ابن عباس إنما هي صلاة الذميين وأما العصر فلا حرمة لها عندهما والفاء في قوله فيقسمان عاطفة جملة على جملة لأن المعنى تم في قوله من بعد الصلاة وقوله إن ارتبتم شرط لا يتجه تحليف الشاهدين إلا به والضمير في قول الحالفين لا نشتري به عائد على القسم أو على اسم الله وقوله لا نشتري جواب يقتضيه قوله فيقسمان بالله لأن أقسم ونحوه يتلقى بما تتلقى به الإيمان وقوله ثمنا أي ذا ثمن وخص ذو القربى بالذكر لأن العرب أميل الناس إلى قراباتهم واستسهالهم في جنب نفعهم ما لا يستسهل وقوله ولا نكتم شهادة الله أضاف الشهادة إليه تعالى من حيث هو الآمر بإقامتها الناهي عن كتمانها وروي عن الشعبي وغيره شهادة بالتنوين الله بقطع الألف دون مد وخفض الهاء وقال أيضا يقف على الهاء من شهادة بالسكون ثم يقطع الألف المكتوبة من غير مد كما تقدم وروي عنه كان يقرأ آلله بمد ألف الاستفهام في الوجهين اعني بسكون الهاء من شهادة وتحريكها منونة منصوبة ورويت هذه التي هي تنوين شهادة ومد ألف

الاستفهام بعد عن علي بن أبي طالب قال أبو الفتح إنما تسكن هاء شهادة في الوقف عليها وقوله سبحانه فإن عثر استعارة لما يوقع على علمه بعد خفائه واستحقا إثما معناه استوجباه من الله وكانا أهلا له لأنهما ظلما وخانا وقوله تعالى فآخران أي إذا عثر على خيانتهما فألاوليان باليمين وإقامة القضية آخران من القوم الذين هم ولاة الميت واستحق عليهم حظهم أو نصيبهم أو مالهم أو ما شئت من هذه التقديرات وقرأ نافع وغيره استحق مضمومة التاء والاوليان على تثنية الأولى وروي عن ابن كثير استحق بفتح التاء وكذلك روي حفص عن عاصم وفي قوله استحق استعارة لأنه لا وجه لهذا الاستحقاق إلا الغلبة على الحال بحكم انفراد هذا الميت وعدمه لقرابته أو لأهل دينه فاستحق هنا كما تقول لظالم يظلمك هذا قد استحق علي مالي أو منزلي بظلمه فتشبهه بالمستحق حقيقة إذ تصور تصوره وتملك تملكه هكذا هي استحق في الآية على كل حال وأن أسندت إلى النصيب ونحوه وقرأ حمزة وعاصم في رواية أبي بكر أستحق بضم التاء الأولين على جمع أول ومعناها من القوم الذين استحق عليهم أمرهم إذ غلبوا عليه ثم وصفهم بأنهم أولون أي في الذكر في هذه الآية وذلك في قوله اثنان ذوا عدل منكم ثم بعد ذلك قال أو آخران من غيركم وقوله فيقسمان يعني الآخرين اللذين يقومان مقام شاهدي الزور وقولهما لشهادتنا أي لما أخبرنا نحن به وذكرناه من نص القصة أحق مما ذكراه أولا وحرفاه وما اعتدينا في قولنا هذا وقولهما انا إذا لمن الظالمين تبر في صيغة الاستعظام والاستقباح للظلم وقوله تعالى ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها أو يخافوا أن ترد إيمان بعد إيمانهم الآية الإشارة بذلك هي إلى جميع ما حد قبل من حبس الشاهدين من بعد الصلاة لليمين

ثم أن عثر على جورهما ردت اليمين وغرما فذلك كله اقرب إلى اعتدال هذا الصنف فيما عسى أن ينزل من النوازل لأنهم يخافون الفضيحة ورد اليمين هذا قول ابن عباس وجمع الضمير في يأتوا أو يخافوا إذ المراد صنف ونوع من الناس والمعنى ذلك الحكم كله اقرب إلى أن يأتوا واقرب إلى أن يخافوا وباقي الآية بين قوله تعالى يوم يجمع الله الرسل ذهب قوم إلى أن العامل في ما تقدم من قوله تعالى لا يهدى وذلك ضعيف ورصف الآية وبراعتها إنما هو أن يكون هذا الكلام مستأنفا والعامل مقدر أما أذكر أو تذكروا أو احذروا ونحو هذا مما حسن اختصاره لعلم السامع به والإشارة بهذا اليوم إلى يوم القيامة وخص الرسل بالذكر لإنهم قادة الخلق وهم المكلمون أولا وما ذا اجبتم معناه ما ذا أجابتكم الأمم وهذا السؤال للرسل إنما هو لتقوم الحجة على الأمم واختلف الناس في معنى قولهم عليهم السلام لا علم لنا قال الطبري ذهلوا عن الجواب لهول المطلع وقاله الحسن وعن مجاهد أنه قال يفزعون فيقولون لا علم لنا وضعف بعض الناس هذا المنزع بقوله تعالى لا يحزنهم الفزع الأكبر وقال ابن عباس معنى الآية لا علم لنا إلا ما علمتنا أنت أعلم به منا وقول ابن عباس حسن وهو أصوب هذه المناحي لأنه يتخرج على التسليم لله تعالى ورد الأمر اليه إذ هو العالم بجميع ذلك على التفصيل والكمال فرأوا التسليم والخضوع لعلمه المحيط سبحانه قال مكي قال ابن عباس المعنى لا علم لنا إلا علم أنت أعلم به منا وهو اختيار الطبري وقيل لما كان السؤال عاما يقتضي بعمومه سؤالهم عن سر الأمم وعلانيتها ردوا الأمر إليه إذ ليس عندهم إلا علم الظاهر قال مكي وهذا القول أحب الأقوال إلي قال ومعنى مسألة الله الرسل عما أجيبوا إنما هو لمعنى التوبيخ لمن أرسلوا إليه كما قال تعالى وإذا الموءودة سئلت

انتهى من الهداية وقوله تعالى إذ قال الله يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك الآية قال هنا بمعنى يقول لان ظاهر هذا القول أنه في القيامة تقدمة لقوله سبحانه ءأنت قلت للناس وقوله سبحانه وإذ تخرج الموتى أي من قبورهم وكف بني إسراءيل عنه عليه السلام هو رفعه حين أحاطوا به في البيت مع الحواريين وكذلك منعه منهم قبل ذلك إلى تلك النازلة الأخيرة فهناك ظهر عظم الكف وقوله سبحانه وإذ أوحيت إلى الحواريين هو من جملة تعديد النعم على عيسى عليه السلام وأوحيت في هذا الموضع أما أن يكون ومي الهام او وحي أمر وبالجملة فهو القاء معنى في خفاء أوصله سبحانه إلى نفوسهم كيف شاء والرسول في هذه الآية عيسى وقول الحواريين وأشهد يحتمل أن يكون مخاطبة منهم لله سبحانه ويحتمل أن يكون لعيسى وقوله سبحانه إذ قال الحواريون الآية اعتراض اثناء وصف حال قول الله لعيسى يوم القيامة مضمن الاعتراض أخبار نبينا محمد صلى الله عليه و سلم وأمته بنازلة الحواريين في المائدة إذ هي مثال نافع لكل أمة مع نبيها تقتدي بمحاسنه وتزدجر عما ينفر منه من طلب الآيات ونحوه وقرأ الجمهور هل يستطيع ربك بالياء ورفع الباء من ربك والمعنى هل يفعل ربك هذا وهل تقع منه إجابة إليه ولم يكن منهم هذا شك في قدرة الله سبحانه إذ هم اعرف بالله من أن يشكوا في قدرته وقرأ الكساءي هل تستطيع ربك بالتاء ونصب الباء من ربك والمعنى هل تستطيع سؤال ربك وادغم اللام في التاء أعنى الكساءي وقال قوم قال الحواريون هذه المقالة في صدر الأمر قبل علمهم بأنه يبرىء الاكمه والأبرص ويحي الموتى ويظهر من قوله عليه السلام اتقوا الله إن كنتم مؤمنين إنكار لقولهم واقتراحهم الآيات والتعرض لسخط الله بها وقلة طمأنينتهم إلى ما قد ظهر ولما خاطبهم عليه السلام بهذه المخاطبة صرحوا

بمقاصدهم التي حملتهم على طلب المائدة فقالوا نريد أن نأكل منها فنشرف في العالم وتطمئن قلوبنا أي تسكن فكرنا في أمرك بالمعاينة لأمر نازل من السماء بأعيننا ونعلم علم الضرورة والمشاهدة أن قد صدقتنا فلا تعرضنا الشبه التي تعرض في علم الاستدلال وهذا يؤيد أن مقالتهم كانت في مبدأ أمرهم ثم استمروا على إيمانهم وصبروا وهلك من كفر وقولهم ونكون عليها من الشاهدين أي من الشاهدين بهذه النازلة الناقلين لها إلى غيرنا الداعين إلى هذا الشرع بسببها وروي أن الذي نحا بهم هذا المنحى من الاقتراح هو أن عيسى قال لهم مرة هل لكم في صيام ثلاثين يوما لله سبحانه ثم إن سألتموه حاجة قضاها فلما صاموها قالوا يا معلم الخير أن حق من عمل عملا أن يطعم فهل يستطيع ربك فأرادوا أن تكون المائدة عيد ذلك الصوم وقوله سبحانه قال عيسى ابن مريم اللهم ربنا انزل علينا مائدة من السماء الآية أي أجابهم عيسى عليه السلام إلى ما سألوا فيروى أنه لبس جبة شعر ورداء شعر وقام يصلي ويبكي والعيد المجتمع وقوله لأولنا وآخرنا روي عن ابن عباس أن المعنى يكون مجتمعا لجميعنا أولنا وآخرنا قال فأكل من المائدة حين وضعت أول الناس كما أكل آخرهم وآية منك أي وعلامة على صدقي فأجاب الله تعالى دعوة عيسى عليه السلام وقال إني منزلها عليكم ثم شرط عليهم سبحانه شرطه المتعارف في الأمم أنه من كفر بعد آية الاقتراح عذب اشد عذاب والجمهور أن المائدة نزلت كما أخبر الله سبحانه واختلفوا في كيفية ذلك فقال أبو عبد الرحمن السلمي نزلت المائدة خبزا وسمكا وقال عطية المائدة سمكة فيها طعم كل طعام وقال ابن عباس نزل خوان عليه خبز وسمك يأكلون منه اين ما نزلوا إذا شاءوا وقال عمار بن ياسر سألوا عيسى مائدة يكون عليها طعام لا ينفد فقيل لهم إنها مقيمة لكم ما لم تخبؤا أو تخونوا فإن فعلتم عذبتم قال

فما مضى يوم حتى خبئوا وخانوا يعني بني اسراءيل فمسخوا قردة وخنازير وقال ميسرة كانت المائدة إذا وضعت لبني اسراءيل اختلفت عليهم الأيدي بكل طعام إلا اللحم وأكثر الناس في قصص المائدة مما رأيت اختصاره لعدم سنده وقوله سبحانه وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم ءأنت قلت للناس اتخذوني وأمي الهين من دون الله الآية اختلف المفسرون في وقت وقوع هذا القول فقال السدي وغيره لما رفع الله عيسى إلى السماء قالت النصارى ما قالت وزعموا أن عيسى أمرهم بذلك فسأله تعالى عن قولهم فقال سبحانك الآية ويجيء على هذا قوله وإن تغفر لهم أي في التوبة من الكفر لأن هذا قاله وهم أحياء في الدنيا وقال ابن عباس وجمهور الناس هذا القول من الله إنما هو يوم القيامة يقوله الله له على رؤس الخلائق فيرى الكفار تبريه منهم ويعلمون أن ما كانوا فيه باطل فقال على هذا التأويل بمعنى يقول ونزل الماضي موضع المستقبل لدلالته على كون الأمر وثبوته وقوله آخرا وإن تغفر لهم معناه إن عذبت العالم كله فبحقك فهم عبادك تصنع بحق الملك ما شئت لا اعتراض عليك وإن غفرت وسبق ذلك في علمك فلانك أهل لذلك لا معقب لحكمك ولا منازع لك فيقول عيسى هذا على جهة التسليم والتعزي عنهم مع علمه بأنهم كفرة قد حتم عليهم العذاب وهذا القول عندي أرجح ويتقوى بما يأتي بعد وهو قوله سبحانه هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم وقوله سبحانك أي تنزيها لك عن ان يقال هذا وينطق به ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق أي ما يكون لبشر محدث أن يدعي الالوهية ثم قال إن كنت قلته فقد علمته لأنك أحطت بكل شيء علما وأحصيت كل شيء عددا فوفق الله عيسى لهذه الحجة البالغة وقوله تعلم ما في نفسي خص النفس بالذكر لأنها مظنة الكتم والانطواء

على المعلومات والمعنى أن الله سبحانه يعلم ما في نفس عيسى ويعلم كل أمره مما عسى أن لا يكون في نفسه وقوله ولا أعلم ما في نفسك معناه ولا أعلم ما عندك من المعلومات وما أحطت به وذكر النفس هنا مقابلة لفظية في اللسان العربي يقتضيها إلإيجاز وهذا ينظر من طرف خفي إلى قوله تعالى ومكروا ومكر الله والله يستهزئ بهم فتسمية العقوبة باسم الذنب إنما قاد إليها طلب المقابلة اللفظية إذ هي من فصيح الكلام وبارع العبارة ثم أقر عيسى عليه السلام لله تعالى بأنه سبحانه علام الغيوب أي ولا علم لي أنا بغيب وقوله فلما توفيتنى أي قبضتني بالرفع والتصيير في السماء والرقيب الحافظ المراعي وقوله فإنك أنت العزيز أي في قدرتك الحكيم في أفعالك والمعنى إن يكن لك في الناس معذبون فهم عبادك وإن يكن مغفور لهم فعزتك وحكمتك تقتضي هذا كله قال الله هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم فدخل تحت هذه العبارة كل مؤمن بالله سبحانه وكل ما كان أتقى فهو أدخل في العبارة وجاءت هذه العبارة مشيرة إلى عيسى عليه السلام في حاله وصدقه فيحصل له بذلك في الموقف شرف عظيم وإن كان اللفظ يعمه وسواه ثم ذكر تعالى ما أعده لهم برحمته وطوله جعلنا الله منهم بمنه وسعة جوده لا رب غيره ولا مرجو في الدارين سواه وباقي الآية بين جعل الله ما كتبناه من هذه الأحرف نورا يسعى بين أيدينا بمنه والحمد لله كما هو أهله وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وسلم
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الأنعام قيل كلها مكية إلا ءايات يسيرة
قال ابن عباس نزلت سورة الأنعام وحولها سبعون الف ملك لهم زجل يجأرون

بالتسبيح قلت وعن جابر بن عبد الله قال لما نزلت

سورة الأنعام

سبح رسول الله صلى الله عليه و سلم وقال لقد شيع هذه السورة من الملائكة ما سد الأفق رواه الحاكم في المستدرك على الصحيحين وقال صحيح على شرط مسلم انتهى من السلاح وقوله تعالى الحمد لله الذي خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور قال علي بن عبد الرحمن اليفرني في شرحه للبرهانية قال الإمام الفخر لفظ الحمد معرفا لا يقال إلا في حق الله عز و جل لأنه يدل على التعظيم ولا يجوز أن يقال الحمد لزيد قاله سيبويه وذكر ابن العربي في القانون عن أنس أن النبي صلى الله عليه و سلم قال ما من شيء أحب إلى الله من الحمد وأبلغ الحمد الحمد لله على كل حال قال ابن العربي وفي بعض الآثار ما من نعمة عظمت إلا والحمد لله أعظم منها انتهى قال ع وجعل هاهنا بمعنى خلق ولا يجوز غير ذلك قال قتادة والسدي وجمهور من المفسرين الظلمات الليل والنور النهار وقالت فرقة الظلمات الكفر والنور الايمان قال ع وهذا على جهة التشبيه صحيح وعلى ما يفهمه عباد الأوثان غير جيد لأنه إخراج لفظ بين في اللغة عن ظاهره الحقيقي إلى باطن لغير ضرورة وهذا هو طريق اللغز الذي برئ القرآن منه والنور أيضا هنا للجنس وقوله تعالى ثم دالة على قبح فعل الذين كفروا لان المعنى أن خلقه السموات والأرض وغيرها الموجبة لحمده وتوحيده قد تقرر وءاياته قد سطعت وإنعامه بذلك على العباد قد تبين فكان الواجب عليهم إخلاص التوحيد له ثم هم بعد هذا كله بربهم يعدلون أي يسوون ويمثلون وعدل الشيء قرينه ومثيله والذين كفروا في هذا الموضع كل من عبد شيئا سوى الله إلا أن السابق من حال النبي صلى الله عليه و سلم أن الإشارة إلى عبدة الأوثان من العرب لمجاورتهم له ولفظ الآية أيضا يشير إلى المانوية العابدين للنور

القائلين أن الخير من فعل النور والشر من فعل الظلام وقوله تعالى هو الذي خلقكم من طين فالمعنى خلق آدم من طين وقوله سبحانه ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده اختلف في هذين الاجلين فقال الحسن بن أبي الحسن وغيره أجلا أجل الإنسان من لدن ولادته إلى موته الأجل المسمى عنده من وقت موته إلى حشره ووصفه بمسمى عنده لأنه استأثر سبحانه بعلم وقت القيامة وقال ابن عباس أجلا الدنيا وأجل مسمى الآخرة وقيل غير هذا وتمترون معناه تشكون وقوله سبحانه وهو الله في السموات وفي الأرض يعلم سركم وجهركم قاعدة الكلام في هذه الآية أن حلول الله في الأماكن مستحيل تعالى أن يحويه مكان كما تقدس أن يحده زمان بل كان قبل أن خلق المكان والزمان وهو الآن على ما عليه كان وإذا تقرر هذا فقالت فرقة من العلماء تأويل ذلك على تقدير صفة محذوفة من اللفظ ثابتة في المعنى كأنه قال وهو الله المعبود في السموات وفي الأرض وعبر بعضهم بأن قدر وهو الله المدبر للأمر في السموات والأرض وقال الزجاج في متعلقة بما تضمنه اسم الله من المعاني كما يقال أمير المؤمنين الخليفة في المشرق والمغرب قال ع وهذا عندي أفضل الأقوال وأكثرها إحرازا لفصاحة اللفظ وجزالة المعنى وإيضاحه أنه أراد أن يدل على خلقه وآثار قدرته واحاطته واستيلائه ونحو هذه الصفات فجمع هذه كلها في قوله وهو الله أي الذي له هذه كلها في السموات وفي الأرض كأنه قال وهو الله الخالق الرازق المحي المحيط في السموات وفي الأرض كما تقول زيد السلطان في المشرق والمغرب والشام والعراق فلو قصدت ذات زيد لقلت محالا وإذا كان مقصد قولك الآمر الناهي الناقض المبرم الذي يعزل ويولي في المشرق والمغرب فأقمت السلطان مقام هذه كان فصيحا صحيحا فكذلك في الآية أقام لفظة الله مقام تلك الصفات المذكورة وقالت

فرقة وهو الله ابتداء وخبر تم الكلام عنده ثم استأنف وتعلق قوله في السموات بمفعول يعلم كأنه قال وهو الله يعلم سركم وجهركم في السموات وفي الأرض وقوله تعالى يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون خبر في ضمنه تحذير وزجر وتكسبون لفظ عام لجميع الاعتقادات والأقوال والأفعال وقوله سبحانه وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين تضمنت هذه الآية مذمة هؤلاء الذين يعدلون بالله سواه بأنهم يعرضون عن كل آية وكذبوا بالحق وهو محمد عليه السلام وما جاء به قال ص من آية من آيات ربهم من الأولى زائدة للاستغراق وما بعدها فاعل بقوله تأتيهم ومن الثانية للتبعيض انتهى وقوله تعالى فسوف يأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزءون هذا وعيد لهم شديد وهذه العقوبات التي توعدوا بها تعم عقوبات الدنيا كبدر وغيرها وعقوبات الآخرة وقوله سبحانه ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن مكناهم في الأرض ما لم نمكن لكم هذا حض على العبرة والرؤية هنا رؤية القلب والقرن الأمة المقترنة في مدة من الزمن واختلف في مدة القرن كم هي فالأكثر على أنها مائة سنة وقيل غير هذا وقيل القرن الزمن نفسه وهو على حذف مضاف تقديره من أهل قرن قال عياض في الإكمال واختلف في لفظ القرن وذكر الحربي فيه الاختلاف من عشر سنين إلى مائة وعشرين ثم قال يعننى الحربي وليس منه شيء واضح وأرى القرن كل أمة هلكت فلم يبق منها أحد انتهى والضمير في مكناهم عائد على القرن والمخاطبة في لكم هي للمؤمنين ولجميع المعاصرين لهم من سائر الناس والسماء هنا المطر ومدرارا بناء تكثير ومعناه يدر عليهم بحسب المنفعة وقوله سبحانه وأنشأنا من بعدهم قرنا آخرين أنشأنا اخترعنا وخلقنا ويظهر من الآية أن القرن إنما هو وفاة الأشياخ ثم ولادة الأطفال وقوله تعالى ولو نزلنا

عليك كتابا في قرطاس الآية لما أخبر عنهم سبحانه بأنهم كذبوا بكل ما جاءهم من آية اتبع ذلك بإخبار فيه مبالغة والمعنى ولو نزلنا بمرأى منهم عليك كتابا أي كلاما مكتوبا في قرطاس أي في صحيفة فلمسوه بأيديهم يريد أنهم بالغوا في ميزه وتقليبه ليرتفع كل ارتياب لعاندوا فيه وتابعوا كفرهم وقالوا هذا سحر مبين وقوله سبحانه وقالوا لولا أنزل عليه ملك أي يصدق محمدا في نبوءته ثم رد الله عليهم بقوله ولو أنزلنا ملكا لقضي الأمر قال ابن عباس وغيره في الكلام حذف تقديره ولو انزلنا ملكا فكذبوه لقضي الأمر بعذابهم ولم ينظروا حسبما سلف في كل أمة اقترحت بآية وكذبت بعد أن أظهرت إليها وقالت فرقة لقضي الأمر أي لماتوا من هول رؤية الملك في صورته ويؤيد هذا التأويل ما بعده من قوله ولو جعلنا ه ملكا لجعلناه رجلا فإن أهل التأويل مجمعون أن ذلك لإنهم لم يكونوا يطيقون رؤية الملك في صورته فإذ قد تقعد أنهم لا يطيقون رؤية الملك في صورته فالأولى في قوله لقضي الأمر أي لماتوا لهول رؤيته ثم لا ينظرون أي لا يؤخرون ومما يؤيد هذا المعنى الحديث الوارد عن الرجلين اللذين صعدا على الجبل يوم بدر ليريا ما يكون في حرب النبي صلى الله عليه و سلم للمشركين فسمعا حس الملائكة وقائلا يقول في السحاب اقدم حيزوم فانكشف قناع قلب أحدهما فمات لهول ذلك فكيف برؤية ملك في خلقته وللبسنا أي لفعلنا لهم في ذلك فعلا ملبسا يطرق لهم إلى أن يلبسوا به وذلك لا يحسن قلت وفي البخاري وللبسنا عليهم ما يلبسون لشبهنا وقوله سبحانه ولقد استهزئ برسل من قبلك الآية تسلية للنبي صلى الله عليه و سلم بالأسوة في الرسل وتقوية لنفسه على محاجة المشركين وإخبار يتضمن وعيد مكذبيه والمستهزءين به وحاق معناه نزل وأحاط وهي مخصوصة في الشر يقال

حاق يحيق حيقا وقوله سبحانه قل سيروا في الأرض حض على الاعتبار بآثار من مضى ممن فعل مثل فعلهم وقوله سبحانه قل لمن ما في السموات والأرض قل لله قال بعض أهل التأويل تقدير الكلام قل لمن ما في السموات والأرض فإذا تحيروا فلم يجيبوا قل لله والصحيح من التأويل أن الله عز و جل أمر نبيه عليه السلام أن يقطعهم بهذه الحجة والبرهان القطعي الذي لا مدافعة فيه عندهم ولا عند أحد ليتقعد هذا المعتقد الذي بينه وبينهم ثم يتركب احتجاجه عليه فكأن النبي صلى الله عليه و سلم قال لهم يا أيها الكافرون العادلون بربهم لمن ما في السموات والأرض ثم سبقهم فقال لله أي لا مدافعة في هذا عندكم ولا عند أحد تم ابتدأ يخبر عن الله تعالى كتب على نفسه الرحمة معناه قضاها وانفذها وفي هذا المعنى أحاديث صحيحة ففي صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه و سلم جعل الله الرحمة مائة جزء فأمسك عنده تسعة وتسعين وانزل في الأرض جزءا واحدا فمن ذلك الجزء يتراحم الخلائق حتى ترفع الدابة حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه ولمسلم في طريق آخر كل رحمة منها طباق ما بين السماء والأرض فإذا كان يوم القيامة أكملها بهذه الرحمة وخرج مسلم والبخاري وغيرهما عنه صلى الله عليه و سلم قال لما خلق الله الخلق كتب في كتاب فهو عنده فوق العرش إن رحمتي تغلب غضبي وفي طريق سبقت غضبي إلى غير ذلك من الأحاديث انتهى قال ع فما أشقى من لم تسعه هذه الرحمات تغمدنا الله بفضل منه ويتضمن هذا الإخبار عن الله سبحانه بأنه كتب الرحمة تأنيس الكفار ونفي يأسهم من رحمة الله إذا أنابوا واللام في قوله ليجمعنكم لام قسم والكلام مستأنف وهذا اظهر الأقوال وأصحها وقوله سبحانه الذين خسروا أنفسهم فهم لا يؤمنون الذين رفع بالابتداء وخبره فهم لا يؤمنون

وقوله تعالى وله ما سكن في الليل والنهار الآية وله عطف على قوله لله وسكن هي من السكنى ونحوه أي ما ثبت وتقرر قاله السدي وغيره وقالت فرقة هو من السكون وهو ضعيف وقوله تعالى قل أغير الله اتخذ وليا فاطر السموات والأرض الآية قال الطبري وغيره أمر عليه السلام أن يقول هذه المقالة للكفرة الذين دعوه إلى عبادة أوثانهم فتجيء الآية على هذا جوابا لكلامهم قال ع وهذا يحتاج إلى سند والفصيح أنه لما قرر معهم أن الله تعالى له ما في السموات والأرض وله ما سكن في الليل والنهار أمر أن يقول لهم على جهة التوبيخ والتوقيف أغير الله الذي هذه أفعاله أتخذ وليا بمعنى أن هذا خطأ بين ممن يفعله والولي لفظ عام لمعبود وغير ذلك ثم أخذ في صفات الله تعالى فقال فاطر بخفض الراء نعت لله عز و جل قال ص فاطر الجهور بالجر ووجهه ابن عطية وغيره على أنه نعت لله وأبو البقاء على أنه بدل وكأنه رأى الفصل بين البدل و المبدل اسهل لان البدل في المشهور على نية تكرار العامل انتهى وفطر معناه ابتدع وخلق وانشأ وفطر أيضا في اللغة شق ومنه هل ترى من فطور أي من شقوق ويطعم ولا يطعم المقصود به يرزق ولا يرزق وقوله قل إني أمرت إلى عظيم قال المفسرون المعنى أول من أسلم من هذه الأمة وبهذه الشريعة ولفظة عصيت عامة في أنواع المعاصي ولكنها هاهنا إنما تشير إلى الشرك المنهي عنه واليوم العظيم هو يوم القيامة وقرأ نافع وغيره من يصرف عنه مسندا إلى المفعول وهو الضمير العائد على العذاب وقرأ حمزة وغيره من يصرف بإسناد الفعل إلى الضمير العائد إلى ربي ويعمل في ضمير العذاب المذكور لكنه محذوف وقوله وذلك إشارة إلى صرف العذاب وحصول الرحمة والفوز النجاة وقوله تعالى وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو يمسسك معناه يصبك وينلك

والضر بضم الضاد سوء الحال في الجسم وغيره وبفتحها ضد النفع ومعنى الآية الأخبار أن الأشياء كلها بيد الله إن ضر فلا كاشف لضره غيره وإن أصاب بخير فكذلك أيضا وعن ابن عباس قال كنت خلف النبي صلى الله عليه و سلم يوما فقال يا غلام إني أعلمك كلمات احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك وإذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف رويناه في الترمذي وقال حديث حسن صحيح وفي رواية غير الترمذي زيادة احفظ الله تجده أمامك تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة واعلم أن ما اخطأك لم يكن ليصيبك وما أصابك لم يكن ليخطئك وفي آخره واعلم أن النصر مع الصبر وأن الفرج مع الكرب وأن مع العسر يسرا قال النووي هذا حديث عظيم الموقع انتهى من الحلية وقرأت فرقة وأوحى إلي هذا القرآن على بناء الفعل للفاعل ونصب القرآن وفي أوحى ضمير يعود على الله تعالى وقوله لأنذركم به ومن بلغ معناه على قول الجمهور بلاغ القرآن أي لأنذركم وأنذر من بلغه ففي بلغ ضمير محذوف لأنه في صلة من فحذف لطول الكلام وقالت فرقة ومن بلغ الحلم وروي في معنى التأويل الأول أحاديث وظاهر الآية أنها في عبدة الأصنام وذكر الطبري أنه قد ورد من وجه لم تثبت صحته أنها في قوم من اليهود قالوا يا محمد ما تعلم مع الله إلها غيره فقال لهم لا اله إلا الله وبذلك أمرت فنزلت الآية والله أعلم وأمر الله سبحانه نبيه عليه السلام أن يعلن بالتبرى من شهادة الكفرة والإعلان بالتوحيد لله عز و جل والتبري من إشراكهم قال الغزالي في الأحياء وينبغي للتالي أن يقدر أنه المقصود بكل خطاب

في القرآن فإن سمع أمرا أو نهيا قدر أنه المنهي والمأمور وكذا إن سمع وعدا أو وعيدا وكذا ما يقف عليه من القصص فالمقصود به الاعتبار قال تعالى وكل نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك وقال تعالى هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين وقال وأوحي إلي هذا القرآن لإنذركم به ومن بلغ قال محمد ابن كعب القرظي من بلغه القرآن فكأنما كلمه الله عز و جل انتهى وقوله سبحانه الذين ءاتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم قال قتادة وغيره يعرفون محمدا عليه السلام وقوله الذين خسروا أنفسهم الآية روي أن كل عبد له منزل في الجنة ومنزل في النار فالمؤمنون ينزلون منازل أهل الكفر في الجنة والكافرون ينزلون منازل أهل الجنة في النار فهنا هي الخسارة البينة والربح للآخرين وباقي الآية بين وقوله سبحانه ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للذين أشركوا أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون المعنى واذكر يوم نحشرهم وقوله تعالى ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين الفتنة في كلام العرب لفظة مشتركة تقال بمعنى حب الشيء والإعجاب به وتقال بمعنى الاختبار ومن قال إن أصل الفتنة الاختبار من فتنت الذهب في النار ثم يستعار بعد ذلك في غير ذلك فقد اخطأ لان الاسم لا يحكم عليه بمعنى الاستعارة حتى يقطع عليه باستحالة حقيقته في الموضع الذي استعير له كقول ذي الرمة ولف الثريا في ملاءته الفجر ونحوه والفتنة لا يستحيل أن تكون حقيقة في كل موضع قيلت عليه وباقي الآية مضى تفسيره عند قوله سبحانه ولا يكتمون الله حديثا فأنظره هناك قال ع وعبر قتادة عن الفتنة هنا بأن قال معذرتهم وقال الضحاك كلامهم وقيل غير هذا مما هو في ضمن ما ذكرناه وقوله سبحانه انظر كيف كذبوا على أنفسهم هذا خطاب للنبي صلى

الله عليه وسلم والنظر نظر القلب وقال كذبوا في أمر لم يقع إذ هي حكاية عن يوم القيامة فلا أشكال في استعمال الماضي فيها موضع المستقبل ويفيدنا استعمال الماضي تحقيقا في الفعل وإثباتا له وهذا مهيع في اللغة وضل عنهم معناه ذهب افتراؤهم في الدنيا وكذبهم على الله وقوله سبحانه ومنهم من يستمع إليك وجعلنا على قلوبهم اكنة جمع كنان وهو الغطاء أن يفقهوه أي يفهموه والوقر الثقل وقوله سبحانه وأن يروا كل آية لا يؤمنوا بها الرؤية هنا رؤية العين يريد كانشقاق القمر وشبهه وقولهم إن هذا إلا أساطير الأولين إشارة إلى القرآن والأساطير جمع إسطار كأقوال وأقاويل واسطار جمع سطر أو سطر وقيل أساطير جمع اسطارة وهي الترهات وقيل جمع أسطورة كأعجوبة وأضحوكة وقيل هو اسم جمع لا واحد له من لفظه كعباديد وشماطيط والمعنى أخبار الأولين وقصصهم وأحاديثهم التي تسطر وتحكى ولا تحقق كالتواريخ وإنما شبهها الكفار بأحاديث النضر بن الحارث وعبد الله بن أبي أمية عن رستم ونحوه ومجادلة الكفار كانت مرادتهم نور الله بأقوالهم المبطلة وهم ينهون عنه قال قتادة وغيره المعنى ينهون عن القرآن وقال ابن عباس وغيره ينهون عن النبي صلى الله عليه و سلم والمعنى ينهون غيرهم ويبعدون هم بأنفسهم والنأي البعد قال ص وإن يهلكون إن نافية بمعنى ما وأنفسهم مفعول بيهلكون انتهى وما يشعرون معناه ما يعلمون علم حس ونفي الشعور مذمة بالغة إذ البهائم تشعر وتحس فإذا قلت فلان لا يشعر فقد نفيت عنه العلم النفي العام الذي يقتضي أنه لا يعلم ولا المحسوسات وقوله جلت عظمته ولو ترى إذ وقفوا على النار الآية المخاطبة فيه للنبي صلى الله عليه و سلم وجواب لو محذوف تقديره في آخر الآية لرأيت هولا عظيما ونحوه ووقفوا معناه حسوا ويحتمل

قوله وقفوا على النار بمعنى دخلوها قاله الطبري ويحتمل أن يكون أشرفوا عليها وعاينوها وقولهم يا ليتنا نرد معناه إلى الدنيا وقوله سبحانه بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل الآية يتضمن أنهم كانوا يخفون أمورا في الدنيا فظهرت لهم يوم القيامة أو ظهر وبال ذلك وعاقبته فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه وقيل أن الكفار كانوا إذا وعظهم النبي صلى الله عليه و سلم خافوا وأخفوا ذلك الخوف ليلا يشعر بهم أتباعهم فظهر لهم ذلك يوم القيامة ويصح أن يكون مقصد الآية الأخبار عن هول ما لقوه فعبر عن ذلك بأنهم ظهرت لهم مستوراتهم في الدنيا من معاص وغيرها فكيف الظن بما كانوا يعلنونه من كفر ونحوه وينظر إلى هذا التأويل قوله تعالى في تعظيم شأن يوم القيامة يوم تبلى السرائر وقوله سبحانه ولو ردوا لعادوا إخبار عن أمر لا يكون كيف كان يوجد وهذا النوع مما استأثر الله تعالى بعلمه فإن أعلم بشيء منه علم وإلا لم يتكلم فيه قال الفخر قال الواحدي هذه الآية من الأدلة الظاهرة على فساد قول المعتزلة لأن الله تعالى حكى عن هؤلاء أنهم لو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وما ذلك إلا للقضاء السابق فيهم انتهى وقوله تعالى وقالوا إن هي إلا حياتنا الدنيا وما نحن بمبعوثين هذا على تأويل الجمهور ابتداء كلام وإخبار عنهم بهذه المقالة وإن نافية ومعنى الآية عنهم التكذيب بالحشر والعودة إلى الله وقوله سبحانه أليس هذا بالحق الإشارة بهذا إلى البعث الذي كذبوا به في الدنيا وقولهم بلى وربنا إيمان ولكنه حين لا ينفع وقوله فذوقوا استعارة بليغة والمعنى باشروه مباشرة الذائق وبغتة معناه فجأة تقول بغتنى الأمر أي فجأني ومنه قول الشاعر ... ولكنهم بانوا ولم أخش بغتة ... وافظع شيء حين يفجأك البغت ...
ونصبها على المصدر في موضع الحال وقولهم يا حسرتنا على ما فرطنا فيها نداء

الحسرة على تعظيم الأمر وتشنيعه وفرطنا معناه قصرنا والضمير في قوله فيها عائد على الساعة أي في التقدمة لها قاله الحسن ويحتمل أن يعود الضمير على الدنيا إذ المعنى يقتضيها وتجيء الظرفيه أمكن قلت قال عبد الحق في العاقبة لا يعرف مقدار الحياة إلا الموتى لأنهم قد ظهرت لهم الأمور وانكشفت لهم الحقائق وتبدت لهم المنازل وعلموا مقدار الأعمال الصالحة ولما استبان لهم ذلك وعلموا مقدار ما ضيعوا وقيمة ما فيه فرطوا ندموا وأسفوا وودوا أنهم إلى الدنيا رجعوا فالذي عمل صالحا ود أن لو رجع إلى الدنيا ليزداد من عمله الصالح ويكثر من تجره الرابح والمقصر يود أنه لو رد ليستدرك ما فيه فرط وقد قال عليه السلام ما من أحد يموت إلا ندم قالوا وما ندامته يا رسول الله قال إن كان محسنا ندم أن لا يكون ازداد وإن كان مسيأ ندم أن لا يكون نزع خرجه الترمذي انتهى وقوله تعالى وهم يحملون الواو واو الحال والأوزار جمع وزر بكسر الواو وهو الثقل من الذنوب والوزر هنا تجوز وتشبيه بثقل الأحمال ومن قال أنه من الوزر وهو الجبل الذي يلجأ إليه فهو قول غير بين وقال الطبري وغيره هذا على جهة الحقيقة ورووا في ذلك خبرا أن المؤمن يلقاه عمله في أحسن صورة وافوحها فيسلم عليه ويقول طال ما ركبتك في الدنيا وأجهدتك فاركبني اليوم قال فيحمله تمثال العمل وان الكافر يلقاه عمله في أقبح صورة وانتنها فيشتمه ويقول أنا عملك الخبيث طال ما ركبتني في الدنيا بشهواتك فانا اركبك اليوم قال فيحمل تمثال عمله الخبيث واو زاره على ظهره قلت والأحاديث الصحيحة في معنى ما ذكره الطبري كثيرة كأحاديث مانعى الزكاة وغيرها قال مكي وروى المقبري عن أبي هريرة في حديث يرفعه قال إذا كان يوم القيامة بعث الله مع كل امرئ مؤمن عمله وبعث مع الكافر عمله فلا يرى المؤمن شيأ يروعه ولا

شيأ يفزعه ويخافه إلا قال له عمله أبشر بالذي يسرك فإنك لست بالذي يراد بهذا ولا يرى الكافر شيأ يفزعه ويروعه ويخافه إلا قال له عمله أبشر يا عدو الله بالذي يسوءك فوالله أنك لأنت الذي تراد بهذا انتهى وقوله سبحانه وما الحيوة الدنيا إلا لعب ولهو الآية هذا ابتداء خبر عن حال الدنيا والمعنى أنها إذ كانت فانية لا طائل لها أشبهت اللعب واللهو الذي لا طائل له إذا تقضى وهذه الآية تتضمن الرد على قولهم إن هي إلا حياتنا الدنيا وهو المقصود بها قال عبد الحق في العاقبة إعلم رحمك الله أن حب الدنيا هو سبب طول الأمل والأكباب عليها يمنع من الفكرة في الخروج عنها والجهل بغوائلها يحمل على الإرادة لها والازدياد منها لان من أحب شيأ أحب الكون معه والازدياد منه ومن كان مشغوفا بالدنيا محبا لها قد خدعته بزخرفها وأمالته برونقها كيف يحب مفارقتها أو يحب مزايلتها هذا أمر لم تجر العادة به ولا حدثنا عنه بل نجد من كان على هذه الصفة أعمى عن طريق الخير أصم عن داعي الرشد أفن الرأي سيئ النظر ضعيف الإيمان لم تترك له الدنيا ما يسمع به ولا ما يرى إنما دينه وشغله وحديثه دنياه لها ينظر ولها يسمع قد ملأت عينه وقلبه ثم قال وأعلم أن أهل القبور إنما يندمون على ما يتركون ويفرحون بما يقدمون فما عليه أهل القبور يندمون أهل الدنيا عليه يقتتلون انتهى وقوله سبحانه قد نعلم الآية نعلم إذا كانت من الله تعالى تتضمن استمرار العلم وقدمه فهي تم الماضي والحال والاستقبال قلت ونحو هذا لأبى حيان قال وعبر هنا بالمضارع لأن المراد الاتصاف بالعلم واستمراره ولم يلحظ فيه الزمان كقولهم فلان يعطى ويمنع انتهى وقرأ نافع وحده ليحزنك من أحزن وقرأ الباقون ليحزنك من حزنت الرجل وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وعاصم وحمزة لا يكذبونك بتشديد الذال وفتح الكاف

وقرأها ابن عباس وردها على قارئي قرأ عليه يكذبونك بضم الياء وقال أنهم كانوا يسمونه الأمين وقرأ نافع والكساءي بسكون الكاف وتخفيف الذال وهما قراءتان مشهورتان صحيحتان وهما بمعنى واحد فمعنى لا يكذبونك أي لا يعتقدون كذبك وأنهم يعلمون صدقك ولكنهم يجحدون عنادا وظلما وهذا تأويل قتادة والسدي وغيرهما وحكي عن طائفة من الكفار أنها كانت تقول إنا لنعلم أن محمدا صادق ولكن إذا ءامنا به فضلنا بنو هاشم بالنبوءة فنحن لا نؤمن به أبدا رويت هذه المقالة عن أبي جهل ومن جرى مجراه وأسند الطبري أن جبريل وجد النبي صلى الله عليه و سلم حزينا فسأله فقال كذبني هؤلاء فقال إنهم لا يكذبونك بل يعلمون أنك صادق ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون وجحد العناد جائز الوقوع بمقتضى النظر وظواهر القرآن تعطيه ويجحدون حقيقته في كلام العرب الإنكار بعد معرفة وهو ضد الإقرار وقوله سبحانه ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا الآية قال ابن جريج والضحاك عزى الله بهذه الآية نبيه عليه السلام ثم قوى سبحانه رجاء نبيه فيما وعده من النصر بقوله ولا مبدل لكلمات الله أي لا راد لأمره وكلماته السابقة بما يكون فكأن المعنى فاصبر كما صبروا وانتظر ما يأتي وثق بهذا الإخبار فإنه لا مبدل له وقوله تعالى وان كان كبر عليك اعراضهم الآية فيها الزام الجنحة للنبي صلى الله عليه و سلم وتقسيم الأحوال عليه حتى يبين أن لا وجه إلا الصبر والمعنى إن كنت تعظم تكذيبهم وكفرهم على نفسك وتلتزم الحزن فإن كنت تقدر على دخول سرب في أعماق الأرض أو على ارتقاء سلم في السماء فافعل أي ولست بقادر على شيء من هذا ولا بد لك من التزام الصبر واحتمال المشقة ولو شاء الله لجمعهم على الهدى فلا تكونن من الجاهلين في أن تأسف وتحزن على أمر أراده الله وأمضاه

وروى الدارقظي في سننه عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال إذا أصاب أحدكم هم أو حزن فليقل سبع مرات الله الله ربى لا أشرك به شيأ انتهى من الكوكب الدري وتأتيهم بآية أي بعلامة وقال مكي والمهدوي الخطاب بقوله فلا تكونن من الجاهلين للنبي صلى الله عليه و سلم والمراد أمته وهذا ضعيف لا يقتضيه اللفظ قلت وما قاله ع فيه عندي نظر لأن هذا شأن التأويل إخراج اللفظ عن ظاهره لموجب على أن أبا محمد مكيا رحمه الله نقل هذا القول عن غيره نقلا ولفظه فلا تكونن من الجاهلين أي ممن لا يعلم أن الله لو شاء لجمع على الهدى جميع خلقه وقيل معنى الخطاب لأمة النبي صلى الله عليه و سلم والمعنى فلا تكونوا من الجاهلين ومثله في القرآن كثير انتهى من الهداية وقوله سبحانه إنما يستجيب الذين يسمعون هذا من النمط المتقدم في التسلية أي لا تحفل بمن أعرض فإنما يستجيب لداعي الإيمان الذين يفهمون الآيات ويتلقون البراهين بالقبول فعبر عن ذلك كله بيسمعون إذ هو طريق العلم وهذه لفظة تستعملها الصوفية رضي الله عنهم إذا بلغت الموعظة من أحد مبلغا شافيا قالوا سمع ثم قال تعالى والموتى يريد الكفار أي هم بمثابة الموتى فعبر عنهم بضد ما عبر عن المؤمنين وبالصفة التي تشبه حالهم في العمى عن نور الله والصمم عن وعي كلماته قاله مجاهد والحسن وقتادة ويبعثهم الله يحتمل معنيين قال الحسن معناه يبعثهم بأن يؤمنوا حين يوفقهم وقراءة الحسن ثم إليه ترجعون بالتاء من فوق فتناسبت الآية وقال مجاهد وقتادة والموتى يريد الكفار يبعثهم الله أي يحشرهم يوم القيامة ثم إليه أي إلى سطوته وعقابه يرجعون وقوله سبحانه وقالوا لولا نزل عليه آية من ربه لولا تحضيض بمعنى هلا ومعنى الآية هلا نزل على محمد بيان واضح كملك يشهد له أو كنز

أو غير ذلك من تشططهم المحفوظ في هذا ثم أمر عليه السلام بالرد عليهم بأن الله عز و جل قادر على ذلك ولكن أكثرهم لا يعلمون أنها لو نزلت ولم يؤمنوا لعوجلوا بالعذاب ويحتمل ولكن أكثرهم لا يعلمون أنه سبحانه إنما جعل الإنذار في ءايات معرضة للنظر والتأمل ليهتدي قوم ويضل آخرون وقوله سبحانه وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم المعنى في هذه الآية التنبيه على ءايات الله الموجودة في أنواع مخلوقاته المنصوبة لمن فكر واعتبر كالدواب والطير ويدخل في هذين جميع الحيوان وهي أمم أي جماعات مماثلة للناس في الخلق والرزق والحياة والموت والحشر ويحتمل أن يريد بالمماثلة في كونها أمما لا غير إلا أن الفائدة في هذه الآية بأن تكون المماثلة في أوصاف غير كونها أمما قال الطبري وغيره والمماثلة في أنها يهتبل بأعمالها وتحاسب ويقتص لبعضها من بعض على ما روي في الأحاديث أي فإذا كان هذا يفعل بالبهائم فأنتم أحرى إذ أنتم مكلفون عقلاء وروي أبو ذر أنه انتطحت عنزان بحضرة النبي صلى الله عليه و سلم فقال أتعلمون فيما انتطحتا قلنا لا قال فإن الله يعلم وسيقضى بينهما وقال مكي المماثلة في أنها تعرف الله وتعبده وقوله بجناحيه تأكيد وبيان وإزالة للاستعارة المتعاهدة في هذه اللفظة إذ يقال طائر السعد والنحس وقال تعالى الزمناه طائره في عنقه ويقال طار لفلان طائر كذا أي سهمه في المقسمات فقوله تعالى بجناحيه إخراج للطائر عن هذا كله وقوله سبحانه ما فرطنا في الكتاب من شيء التفريط التقصير في الشيء مع القدرة على ترك التقصير قال أبو حيان أصل فرطنا أن يتعدى بفى ثم يضمن معنى أغفلنا فيتعدى إلى مفعول به وهو هنا كذلك فيكون من شيء في موضع المفعول به انتهى والكتاب القرآن وهو الذي يقتضيه نظام المعنى في هذه الآيات وقيل اللوح المحفوظ ومن شيء

على هذا القول عام في جميع الأشياء وعلى القول بأنه القرآن خاص ويحشرون قالت فرقة من العلماء حشر البهائم بعثها واحتجوا بالأحاديث المضمنة أن الله تعالى يقتص للجماء من القرناء ومن قال إنما هي كناية عن العدل وليست بحقيقة فهو قول مردود ينحو إلى القول بالرموز ونحوها وقوله سبحانه والذين كذبوا بأياتنا صم وبكم الآية كأنه قال وما من دابة ولا طائر ولا شيء إلا وفيه ءاية منصوبة دالة على وحدانية الله تعالى ولكن الذين كذبوا بآياتنا صم وبكم لا يتلقون ذلك ولا يقبلونه وظاهر الآية أنها تعم كل مكذب وقال النقاش نزلت في بنى عبد الدار قال ع ثم تنسحب على سواهم وقوله في الظلمات ينوب عن عمي وفي الظلمات أهول عبارة وأفصح وأوقع في النفس قال أبو حيان في الظلمات خبر مبتدأ محذوف أي هم في الظلمات أو صفة لبكم أي كائنون في الظلمات أو حال من الضمير المقدر في الخبر أي صالون في الظلمات انتهى وقوله سبحانه قل ارأيتكم ابتداء احتجاج على الكفار الجاعلين لله شركاء والمعنى ارأيتم إذا خفتم عذاب الله أو خفتم هلاكا أو خفتم الساعة أتدعون أصنامكم وتلجؤن إليها في كشف ذلك أن كنتم صادقين في قولكم أنها ءالهة بل إنما تدعون الله الخالق الرازق فيكشف ما خفتموه أن شاء وتنسون أصنامكم أي تتركونهم فعبر عن الترك بأعظم وجوهه الذي هو مع الترك ذهول وإغفال فكيف يجعل إلاها من هذه حاله في الشدائد والأزمات وقوله سبحانه ولقد ارسلنا إلى امم من قبلك فأخذناهم في الكلام حذف تقديره فكذبوا فأخذناهم أي تابعناهم بالبأساء الآية والبأساء المصائب في الأموال والضراء في الأبدان هذا قول الأكثر وقيل قد يوضع كل واحد بدل الآخر والتضرع التذلل والاستكانة ومعنى الآية توعد الكفار وضرب المثل لهم ولولا تحضيض وهي التي تلي الفعل بمعنى

هلا وهذا على جهة المعاتبة لمذنب غائب وإظهار سوء فعله مع تحسر ما عليه قلت أي مع تحسر ما باعتبار حالة البشر وقوله سبحانه فلما نسوا ما ذكروا به الآية عبر عن الترك بالنسيان وفتحنا عليهم أبواب كل شيء أي من النعم الدنيوية بعد الذي أصابهم من البأساء والضراء وفرحوا معناه بطروا وأعجبوا وظنوا أن ذلك لا يبيد وأنه دال على رضي الله عنهم وهو استدراج من الله تعالى وقد روي عن بعض العلماء رحم الله عبدا تدبر هذه الآية حتى إذا فرحوا بما اوتوا أخذناهم بغتة وروي عقبة بن عامر أن النبي صلى الله عليه و سلم قال إذا رأيت الله تعالى يعطى العباد ما يشاءون على معاصيهم فذلك استدراج ثم تلا فلما نسوا ما ذكروا به الآية كلها وأخذناهم في هذا الموضع معناه استأصلناهم بغتة أي فجأة والمبلس الحزين الباهت اليائس من الخير الذي لا يحير جوابا لشدة ما نزل به من سوء الحال وقوله تعالى فتقطع دابر القوم الآية الدابر آخر القوم الذي يأتي من خلفهم وهذه كناية عن استيصال شافتهم ومحو آثارهم كأنهم وردوا العذاب حتى ورد أخرهم الذي دبرهم وحسن الحمد عقب هذه الآية لجمال الأفعال المتقدمة في أن أرسل سبحانه الرسل ولطف في الأخذ بالبأساء والضراء ليتضرع إليه فيرحم وينعم وقطع في آخر الأمر دابر ظلمة وذلك حسن في نفسه ونعمة على المؤمنين فحسن الحمد عقب هذه الأفعال وبحمده سبحانه ينبغي أن يختم كل فعل وكل مقال إذ هو المحمود على كل لا رب غيره ولا خير إلا خيره وقوله تعالى قل ارأيتم ان اخذ الله سمعكم وابصاركم الآية أخذ معناه اذهب والضمير في به عائد على المأخوذ ويصدفون معناه يعرضون وينفرون ومنه قول الشاعر ... إذا ذكرن حديثا قلن أحسنه ... وهن عن كل سوء يتقى صدف ...
وقوله تعالى قل ارأيتكم أن اتاكم عذاب الله بغتة الآية وعيد وتهديد قال

ع ارأيتم عند سيبويه تتنزل منزلة اخبروني ولذلك لا تحتاج إلى مفعولين وقوله بغتة معناه لم يتقدم عندكم منه علم وجهرة معناه تبدو لكم مخايلة ومبادية ثم يتوالى حتى ينزل قال الحسن بن أبي الحسن بغتة ليلا وجهرة نهارا وقال مجاهد بغتة فجاءة ءامنين وجهرة وهم ينظرون قال أبو حيان هل يهلك هل حرف استفهام معناه هنا النفي أي ما يهلك ولذلك دخلت الا على ما بعدها انتهى وقوله سبحانه وما نرسل المرسلين إلا مبشرين أي إلا ليبشروا بانعامنا ورحمتنا من آمن ومنذرين بعذابنا وعقابنا من كذب وكفر قال أبو حيان مبشرين ومنذرين حال فيها معنى العلية أي أرسلناهم للتبشير والإنذار انتهى ثم وعد سبحانه من سلك طريق البشارة فآمن وأصلح في امتثال الطاعة وأوعد الآخرين وقوله تعالى قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم اني ملك الآية هذا من الرد على القائلين لولا نزل عليه آية والطالبين أن ينزل ملك أو تكون له جنة أو كنز ونحو هذا والمعنى إنما أنا بشر وإنما اتبع ما يوحى إلي وهو القرآن وسائر ما يأتيه من الله سبحانه أي وفي ذلك عبر وآيات لمن تأمل وقوله سبحانه قل هل يستوي الأعمى والبصير أي هل يستوي المؤمن المفكر في الآيات مع الكافر المعرض عن النظر أفلا تتفكرون وجاء الأمر بالفكرة في عبارة العرض والتحضيض وقوله تعالى وانذر به أي وأنذر بالقرآن الذين هم مظنة الإيمان وأهل للإنتفاع والضمير في به عائد على ما يوحى وقوله سبحانه ليس لهم من دونه ولي ولا شفيع أخبار من الله سبحانه عن صفة الحال يوم الحشر قال الفخر قوله لعلهم يتقون قال ابن عباس معناه وأنذرهم لكي يخافوا في الدنيا وينتهوا عن الكفر والمعاصي انتهى وقوله سبحانه ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي المراد

بالذين ضعفة المؤمنين في ذلك الوقت في أمور الدنيا كبلال وصهيب وعمار وخباب وصبيح وذي الشمالين والمقداد ونحوهم وسبب الآية أن بعض أشراف الكفار قالوا للنبي صلى الله عليه و سلم نحن لشرفنا وأقدارنا لا يمكننا أن نختلط بهؤلاء فلو طردتهم لاتبعناك ورد في ذلك حديث عن أبن مسعود وظاهر الأمر أنهم أرادوا بذلك الخديعة فنزلت الآية ويدعون ربهم بالغداة والعشي قال الحسن بن أبي الحسن المراد به صلاة مكة التي كانت مرتين في اليوم بكرة وعشيا وقيل قوله بالغداة والعشي عبارة من استمرار الفعل وأن الزمان معمور به والمراد على هذا التأويل قيل الصلوات الخمس قاله ابن عباس وغيره وقيل الدعاء وذكر الله واللفظة على وجهها وقيل القرآن وتعلمه قال أبو جعفر وقيل العبادة قاله الضحاك وقوله تعالى يريدون وجهه قلت قال الغزالي في الجواهر النية والعمل بهما تمام العبادة فالنية أحد جزئي العبادة لكنها خير الجزءين ومعنى النية إرادة وجه الله سبحانه بالعمل قال الله تعالى ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ومعنى اخلاصها تصفية الباعث عن الشوائب ثم قال الغزالي وإذا عرفت فضل النية وأنها تحل حدقة المقصود فاجتهد أن تستكثر من النية في جميع أعمالك حتى تنوي بعمل واحد نيات كثيرة ولو صدقت رغبتك لهديت لطريق رشدك انتهى وقوله سبحانه ما عليك من حسابهم من شيء قال الحسن والجمهور أي من حساب عملهم والمعنى أنك لم تكلف شيئا غير دعائهم وقوله فتطردهم هو جواب النفي في قوله ما عليك وقوله فتكون جواب النهي في قوله ولا تطرد وفتنا بعضهم ببعض أي ابتلينا وليقولوا معناه ليصير بحكم القدر أمرهم إلى أن يقولوا على جهة الإستخفاف والهزء أهؤلاء من الله عليهم من بيننا فاللام

في ليقولوا لام الصيرورة وقوله سبحانه أليس الله بأعلم بالشاكرين أي يا أيها المستخفون ليس الأمر أمر استخفاف فالله أعلم بمن يشكر نعمه وقوله سبحانه وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم الآية قال جمهور المفسرين هؤلاء هم الذين نهي الله عن طردهم وشفع ذلك بأن امر سبحانه أن يسلم النبي عليه السلام عليهم ويؤنسهم قال خباب بن الأرت لما نزلت وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا الآية فكنا نأتي النبي صلى الله عليه و سلم فيقول لنا سلام عليكم ونقعد معه فإذا أراد أن يقوم قام وتركنا فأنزل الله تعالى وأصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم الآية فكان يقعد معنا فإذا بلغ الوقت الذي يقوم فيه قمنا وتركناه حتى يقوم وسلام عليكم ابتداء والتقدير سلام ثابت أو واجب عليكم والمعنى أمنة لكم من عذاب الله في الدنيا والآخرة ولفظه ولفظ الخبر وهو في معنى الدعاء قال الفخر قوله تعالى كتب ربكم على نفسه الرحمة النفس هاهنا بمعنى الذات والحقيقة لا بمعنى الجسم والله تعالى مقدس عنه انتهى قلت قال ابن العربي في كتاب تفسير الأفعال الواقعة في القرآن قوله تعالى كتب ربكم على نفسه الرحمة قال علماؤنا كتب معناه أوجب وعندي أنه كتب حقيقة قال النبي صلى الله عليه و سلم إن الله خلق القلم فقال له أكتب فكتب ما يكون إلى يوم القيامة انتهى وقرأ عاصم وابن عامر أنه بفتح الهمزة في الأولى والثانية فإنه الأولى بدل من الرحمة وأنه الثانية خبر ابتداء مضمر تقديره فأمره أنه غفور رحيم هذا مذهب سيبويه وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة والكساءي أنه بكسر الهمزة في الأولى والثانية وقرأ نافع بفتح الأولى وكسر الثانية والجهالة في هذا الموضع تعم التي تضاد العلم والتي تشبه بها وذلك ان المتعمد لفعل الشيء الذي قد نهي عنه تسمى معصيته تلك جهالة قال مجاهد من

الجهالة ان لا يعلم حلالا من حرام ومن جهالته أن يركب الأمر قلت أي يتعمده ومن الجهالة التي لا تضاد العلم قوله صلى الله عليه و سلم في استعاذته أو أجهل أو يجهل علي ومنها قول الشاعر ... ألا لا يجهلن أحد علينا ... فنجهل فوق جهل الجاهلينا ...
قال الفخر قال الحسن كل من عمل معصية فهو جاهل فقيل المعنى أنه جاهل بمقدار ما فاته من الثواب وما استحقه من العقاب قلت وأيضا فهو جاهل بقدر من عصاه انتهى والإشارة بقوله تعالى وكذلك نفصل الآيات إلى ما تقدم من النهي عن طرد المؤمنين وبيان فساد منزع العارضين لذلك وتفصيل الآيات تبيينها وشرحها وإظهارها قلت ومما يناسب هذا المحل ذكر شيء مما ورد في فصل المصافحة وقد اسند أبو عمر في التمهيد عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه وعلقمة أنهما قالا من تمام التحية المصافحة وروى مالك في الموطأ عن عطاء الخرساني قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم تصافحوا يذهب الغل وتهادوا تحابوا وتذهب الشحناء قال أبوعمر في التمهيد هذا الحديث يتصل من وجوه شتى حسان كلها ثم اسند أبو عمر من طريق أبي داود وغيره عن البراء قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان إلا غفر لهما قبل أن يتفرقا ثم أسند أبو عمر عن البراء بن عازب قال لقيت رسول الله صلى الله عليه و سلم فأخذ بيدي فقلت يا رسول الله إن كنت لاحسب أن المصافحة للعجم فقال نحن أحق بالمصافحة منهم ما من مسلمين يلتقيان فيأخذ أحدهما بيد صاحبه مودة بينهما ونصيحة إلا القيت ذنوبهما بينهما وأسند أبو عمر عن عمر بن الخطاب قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا التقى المسلمان فتصافحا انزل الله عليهما مائة رحمة تسعون منها للذي بدأ

بالمصافحة وعشرة للذي صوفح وكان أحبهما إلى الله أحسنهما بشرا بصاحبه انتهى وقد ذكرنا طرفا من آداب المصافحة في غير هذا الموضع فقف عليه واعمل به ترشد فإن العلم إنما يراد للعمل وبالله التوفيق وخص سبيل المجرمين بالذكر لأنهم الذين آثروا ما تقدم من الأقوال وهو أهم في هذا الموضع لأنها آيات رد عليهم وأيضا فتبيين سبيلهم يتضمن بيان سبيل المؤمنين وتأول ابن زيد أن قوله المجرمين معني به الآمرون بطرد الضعفة وقوله سبحانه قل إني نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله قل لا أتبع أهواءكم الآية أمر الله سحبانه نبيه عليه السلام أن يجاهرهم بالتبرى مما هم فيه وتدعون معناه تعبدون ويحتمل أن يريد تدعون في أموركم وذلك من معنى العبادة واعتقادهم الأصنام آلهة وقوله تعالى قل إني على بينة من ربي المعنى قل إني على أمر بين وكذبتم به الضمير في به عائد على بين أو على الرب وقيل على القرآن وهو جلي وقال بعض المفسرين الضمير في به الثاني عائد على ما والمراد بها الآيات المقترحة على ما قال بعض المفسرين وقيل المراد به العذاب وهو يترجح من وجهين أحدهما من جهة المعنى وذلك أن قوله وكذبتم به يتضمن أنكم واقعتم ما تستوجبون به العذاب إلا أنه ليس عندي والآخر من جهة لفظ الاستعجال الذي لم يأت في القرآن إلا للعذاب وأما اقتراحهم للآيات فلم يكن باستعجال وقوله أن الحكم إلا لله أي القضاء والإنفاذ ويقتص الحق أي يخبر به والمعنى يقص القصص الحق وقرأ حمزة والكسائي وغيرهما يقتضي الحق أي ينفذه وقوله سبحانه قل لو أن عندي ما تستعجلون به لقضي الأمر بيني وبينكم المعنى لو كان عندي الآيات المقترحة أو العذاب على التأويل الآخر لقضي الأمر أي لوقع الأنفصال وتم النزاع لظهور الآية المقترحة أو لنزول

العذاب بحسب التأويلين وقيل المعنى لقامت القيامة وقوله والله أعلم بالظالمين يتضمن الوعيد والتهديد وقوله تعالى وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو مفاتح جمع مفتح وهذه استعارة عبارة عن التوصل إلى الغيوب كما يتوصل في الشاهد بالمفتاح إلى المغيب ولو كان جمع مفتاح لقال مفاتيح ويظهر أيضا أن مفاتح جمع مفتح بفتح الميم أي مواضع تفتح عن المغيبات ويؤيد هذا قول السدي وغيره مفاتح الغيب خزائن الغيب فأما مفتح بالكسر فهو بمعنى مفتاح قال الزهراوي ومفتح أفصح وقال ابن عباس وغيره الإشارة بمفاتح الغيب هي إلى الخمسة في آخر لقمان إن الله عنده علم الساعة الآية قلت وفي صحيح البخاري عن سالم بن عبد الله عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال مفاتح الغيب خمس لا يعلمهن إلا الله إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير انتهى وقوله سبحانه من ورقة أي من ورق النبات ولا حبة في ظلمات الأرض يريد في أشد حال التغيب وحكى بعض الناس عن جعفر بن محمد قولا أن الورقة يراد بها القسط من أولاد بني آدم والحبة يراد بها الذي ليس بسقط والرطب يراد به الحي واليابس يراد به الميت وهذا قول جار على طريقة الرموز ولا يصح عن جعفر بن محمد ولا ينبغي أن يلتفت إليه وقوله تعالى إلا في كتاب مبين قيل يعني كتابا على الحقيقة ووجه الفائدة فيه امتحان ما يكتبه الحفظة وذلك أنه روي أن الحفظة يرفعون ما كتبوه ويعارضونه بهذا الكتاب المشار إليه ليتحققوا صحة ما كتبوه وقيل المراد بقوله إلا في كتاب علم الله عز و جل المحيط بكل شيء قال الفخر وهذا هو الأصوب ويجوز أن يقال ذكر تعالى ما ذكر من الورقة والحبة تنبيها للمكلفين على أمر

الحساب انتهى قال مكي قال عبد الله بن الحارث ما في الأرض شجر ولا مغرز إبرة إلا عليها ملك موكل يأتي الله بعلمها بيبسها إذا يبست ورطوبتها إذا رطبت وقيل المعنى في كتابها أنه لتعظيم الأمر ومعناه أعملوا أن هذا الذي ليس فيه ثواب ولا عقاب مكتوب فكيف ما فيه ثواب أو عقاب انتهى من الهداية وقوله سبحانه هو الذي يتوفاكم بالليل يعني به النوم ويعلم ما جرحتم أي ما كسبتم بالنهار ويحتمل أن يكون جرحتم هنا من الجرح كأن الذنب جرح في الدين والعرب تقول جرح اللسان كجرح اليد ويبعثكم يريد به الإيقاظ والضمير في فيه عائد على النهار قاله مجاهد وغيره يحتمل أن يعود الضمير على التوفي أي يوقظكم في التوفي أي في خلاله وتضاعيفه قاله عبد الله بن كثير وليقضي أجل مسمى المراد به آجال بني آدم ثم إليه مرجعكم يريد بالبعث والنشور ثم ينبئكم أي يعلمكم إعلام توقيف ومحاسبة ففي هذه الآية إيضاح الآيات المنصوبة للنظر وفيها ضرب مثال للبعث من القبور لان هذا أيضا اماته وبعث على نحو ما وقوله سبحانه وهو القاهر فوق عباده القاهر أن أخذ صفة فعل أي مظهر القهر بالصواعق والرياح والعذاب فيصح أن تجعل فوق ظرفية للجهة لأن هذه الأشياء إنما تعاهدها العبادة من فوقهم وأن أخذ القاهر صفة ذات بمعنى القدرة والإستيلاء ففوق لا يجوز أن تكون للجهة وإنما هي لعلو القدر والشأن على حد ما تقول الياقوت فوق الحديد والاحرار فوق العبيد ويرسل عليكم معناه يبثهم فيكم وحفظة جمع حافظ والمراد بذلك الملائكة الموكلون بكتب الأعمال وروي أنهم الملائكة الذين قال فيهم النبي صلى الله عليه و سلم يتعاقب فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار وقاله السدي وقتادة وقال بعض المفسرين حفظة يحفظون الإنسان من كل شيء حتى يأتي أجله والأول أظهر وقرأ حمزة وحده توفاه

وقوله تعالى رسلنا يريد به على ما ذكر ابن عباس وجميع أهل التأويل ملائكة مقترنين بملك الموت يعاونونه ويأتمرون له ثم ردوا أي العباد إلى الله مولاهم وقوله الحق نعت لمولاهم ومعناه الذي ليس بباطل ولا مجاز إلا له الحكم كلام مضمنه التنبيه وهز النفوس وهو أسرع الحاسبين قيل لعلي رضي الله عنه كيف يحاسب الله العباد في يوم واحد قال كما يرزقهم في الدنيا في يوم واحد وقوله تعالى قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر تدعونه تضرعا وخفية الآية هذا تماد في توبيخ العادلين بالله الأوثان وتركهم عبادة الرحمن الذي ينجي من الهلكات ويلجأ إليه في الشدائد ودفع الملمات وظلمات البر والبحر يريد بها شدائدهما فهو لفظ عام يستغرق ما كان من الشدائد بظلمة حقيقية وما كان بغير ظلمة والعرب تقول عام أسود ويوم مظلم ويوم ذو كواكب يريدون به الشدة قال قتادة وغيره المعنى من كرب البر والبحر وتدعونه في موضع الحال والتضرع صفة بادية على الإنسان وخفية معناه الاختفاء وقرأ عاصم في رواية أبي بكر وخفية بكسر الخاء وقرأ الأعمش وخيفة من الخوف وقوله سبحانه قل الله ينجيكم منها الآية سبق في المجادلة إلى الجواب إذ لا محيد عنه ومن كل كرب لفظ عام أيضا ليتضح العموم الذي في الظمات ثم انتم أي ثم بعد معرفتكم بهذا كله وتحققكم له أنتم تشركون وقوله تعالى قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم الآية هذا إخبار يتضمن الوعيد والأظهر من نسق الآيات أن هذا الخطاب للكفار الذين تقدم ذكرهم وهو مذهب الطبري وقال ابي بن كعب وجماعة هو للمؤمنين وهم المراد وهذا الاختلاف إنما هو بحسب ما يظهر من أن الآية تتناول معانيها المشركين والمؤمنين وفي البخاري وغيره من حديث جابر وغيره أن النبي صلى الله عليه و سلم لما نزلت الآية قل

هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم قال أعوذ بوجهك فلما نزلت أو من تحت أرجلكم قال أعوذ بوجهك فلما نزلت أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض قال هذا أهون أو أيسر فاحتج بهذا الحديث من قال أنها نزلت في المؤمنين قال الطبري وغيره ممتنع أن يكون النبي صلى الله عليه و سلم تعوذ لأمته من هذه الأشياء التي توعد بها الكفار وهون الثالثة لأنها بالمعنى هي التي دعا فيها فمنع حسب حديث الموطأ وغيره ومن فوقكم أو من تحت أرجلكم لفظ عام للمنطبقين على الإنسان وقال السدي عن أبي مالك من فوقكم الرجم أو من تحت أرجلكم الخسف وقاله سعيد بن جبير ومجاهد وقوله سبحانه أو يلبسكم شيعا معناه يخلطكم فرقا والبأس القتل وما أشبهه من المكاره وفي قوله تعالى أنظر كيف نصرف الآيات استرجاع لهم وإن كان لفظها لفظ تعجب للنبي صلى الله عليه و سلم فمضمنها أن هذه الآيات والدلائل إنما هي لاستصرافهم عن طريق غيهم والفقه الفهم وقوله تعالى وكذب به قومك وهو الحق الضمير في به عائد على القرآن الذي فيه جاء تصريف الآيات قاله السدي وهذا هو الظاهر ويحتمل أن يعود الضمير على الوعيد الذي تضمنته الآية ونحا إليه الطبري وقوله قل لست عليكم بوكيل معناه لست بمدفوع إلى أخذكم بالإيمان والهدى وهذا كان قبل نزول آيات الجهاد والأمر بالقتال ثم نسخ وقوله سبحانه لكل نبإ مستقر أي غاية يعرف عندها صدقه من كذبه وسوف تعلمون تهديد محض ووعيد وقوله تعالى وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فاعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره هذا خطاب للنبي صلى الله عليه و سلم والمؤمنون داخلون في الخطاب معه هذا هو الصحيح لأن علة النهي وهي سماع الخوض في آيات الله تشملهم وإياه فأمر النبي صلى الله عليه و سلم هو

====================*=

ج2. الثعالي

كتاب : الجواهر الحسان في تفسير القرآن
المؤلف : عبد الرحمن بن محمد بن مخلوف الثعالبي

والمؤمنون أن ينابذوا الكفار بالقيام عنهم إذا استهزءوا وخاضوا ليتأدبوا بذلك ويدعوا الخوض والاستهزاء قلت ويدل على دخول المؤمنين مع النبي صلى الله عليه و سلم في الخطاب قوله تعالى وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم ءايات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره انتهى والخوض أصله في الماء ثم يستعمل بعد في غمرات الأشياء التي هي مجاهل تشبيها بغمرات الماء وأما ينسينك أما شرط وتلزمها النون الثقيلة في الأغلب وقرأ ابن عامر وحده ينسينك بتشديد السين وفتح النون والمعنى واحد إلا أن التشديد أكثر مبالغة والذكرى والذكر واحد في المعنى ووصفهم بالظالمين متمكن لأنهم وضعوا الشيء في غير موضعه وأعرض في هذه الآية بمعنى المفارقة على حقيقة الأعراض وأكمل وجوهه ويدل على ذلك فلا تقعد وقوله سبحانه وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء روي أنه لما نزلت فلا تقعدوا معهم قال المؤمنون إذا كنا لا نقرب المشركين ولا نسمع أقوالهم فلا يمكننا طواف ولا قضاء عبادة في الحرم فنزلت لذلك وما على الذين يتقون الآية قال ع فالإباحة في هذا هي في القدر الذي يحتاج إليه من التصرف بين المشركين في عبادة ونحوها وقيل أن هذه الآية الأخيرة ليست إباحة بوجه وإنما معناها لا تقعدوا معهم ولا تقربوهم حتى تسمعوا استهزاءهم وخوضهم وليس نهيكم عن القعود لأن عليكم شيأ من حسابهم وإنما هو ذكرى لكم ويحتمل المعنى ولكن ذكرى لعلهم إذا جانبتموهم يتقون بالإمساك عن الاستهزاء ويحتمل المعنى ولكن ذكروهم ذكرى وينبغي للمؤمن أن يمتثل حكم هذه الآية مع الملحدين وأهل الجدل والخوض فيه وحكى الطبري عن أبي جعفر أنه قال لا تجالسوا أهل الخصومات فإنهم الذين يخوضون في آيات الله وفي الحديث عنه صلى الله عليه و سلم انا زعيم ببيت في ربض

الجنة لمن ترك المراء وان كان محقا وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحا وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه خرجه أبو داود انتهى من الكوكب الدري وقد ذكرنا هذا الحديث من غير طريق أبي دواد بلفظ أوضح من هذا وقوله سبحانه وذر الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا هذا أمر بالمتاركة وكان ذلك بحسب قلة المسلمين يومئذ قال قتادة ثم نسخ ذلك وما جرى مجراه بالقتال وقال مجاهد الآية إنما هي للتهديد والوعيد فهي كقوله تعالى ذرني ومن خلقت وحيدا وليس فيها نسخ لأنها متضمنة خبرا وهو التهديد وغرتهم الحياة الدنيا أي خدعتهم من الغرور وهو الأطماع بما لا يتحصل فاغتروا بنعم الله وإمهاله وطمعهم ذلك فيما لم يتحصل من رحمته وأعلم أن أعقل العقلاء مؤمن مقبل على آخرته قد جعل الموت نصب عينيه ولم يغتر بزخارف الدنيا كما اغتر بها الحمقى بل جعل همه واحدا هم المعاد وما هو صائر إليه وقد روى البزار في مسنده عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال من جعل الهموم هما واحدا هم المعاد كفاه الله هم الدنيا ومن تشعبت به الهموم هموم الدنيا لم يبال الله تعالى في أي اوديتها هلك انتهى من الكوكب الدري وقوله سبحانه وذكر به أي بالقرآن وقيل الضمير في به عائد على الدين وأن تبسل في موضع المفعول له أي ليلا تبسل ومعناه تسلم قاله الحسن وعكرمة وقال قتادة تحبس وترهن وقال ابن عباس تفضح وقال ابن زيد تجزي وهذه كلها متقاربة المعنى ومنه قول الشنفري ... هنالك لا ارجو حياة تسرني ... سمير الليالي مبسلا بالجرائر ...
وباقي الآية بين وأن تعدل كل عدل أي وإن تعطي كل فدية وإن عظمت فتجعلها عدلا لها لا يقبل منها وقال أبو عبيدة وأن تعدل هو من العدل المضاد للجور ورده

الطبري بالإجماع على أن توبة الكافر مقبولة قال ع ولا يلزم هذا الرد لأن الأمر إنما هو يوم القيامة ولا تقبل فيه توبة ولا عمل قلت وأجلي من هذا أن يحمل كلام أبي عبيدة على معنى أنه لا يقبل منها عدلها لاختلال شرطه وهو الإيمان وابسلوا معناه اسلموا بما اجترحوه من الكفر والحميم الماء الحار ومنه الحمام والحمة وقوله سبحانه قل اندعوا من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا المعنى قل في احتجاجك انطيع رأيكم في أن ندعو من دون الله والدعاء يعم العبادة وغيرها لأن من جعل شيئا موضع دعائه فإياه يعبد وعليه يتوكل وما لا ينفعنا ولا يضرنا يعني الأصنام ونرد على اعقابنا تشبيه بمشي القهقري وهي المشية الدنية فاستعمل المثل بها فيمن رجع من خير إلى شر وقوله سبحانه كالذي استهوته الشياطين في الكلام حذف تقديره ردا كرد الذي واستهوته بمعنى استدعت هواه وأمالته وهدانا بمعنى أرشدنا فسياق هذا المثل كأنه قال أيصلح ان نكون بعد الهدى نعبد الأصنام فيكون ذلك منا ارتدادا على العقب فنكون كرجل على طريق واضح فاستهوته عنه الشياطين فخرج عنه إلى دعوتهم فبقي حائرا وقوله له أصحاب يريد له أصحاب على الطريق الذي خرج منه فيشبه بالأصحاب على هذا المؤمنون الذين يدعون من ارتد إلى الرجوع إلى الهدى وهذا تأويل مجاهد وابن عباس وايتنا من الإتيان بمعنى المجيء وقول من قال إن المراد بالذي في هذه الآية عبد الرحمن بن أبي بكر وبالأصحاب أبواه قول ضعيف يرده قول عائشة في الصحيح ما نزل فينا من القرآن شيء إلا براءتي قلت تريد وقصة الغار إذ يقول لصاحبه وقوله ولا يأتل اولوا الفضل منكم إذ نزلت في شأن ابي بكر وشأن مسطح قال ع حدثني أبي رضي الله عنه قال سمعت الفقيه الإمام ابا عبد الله المعروف بالنحوي المجاور بمكة يقول من نازع أحدا من الملحدين فإنما ينبغي

أن يرد عليه بالقرآن والحديث فيكون كمن يدعو إلى الهدى بقوله ايتنا ومن ينازعهم بالجدل ويحلق عليهم به فكأنه بعد من الطريق الواضح أكثر ليرد هذا الزائغ فهو يخاف عليه أن يضل قال ع وهذا انتزاع حسن جدا وباقي الآية بين وقوله سبحانه وهو الذي خلق السموات والأرض بالحق أي لم يخلقها باطلا لغير معنى بل لمعان مفيدة وحقائق بينة وقوله سبحانه ويوم يقول يوم نصب على الظرف وتقدير الكلام واذكر الخلق والإعادة يوم وتحتمل الآية مع هذا أن يكون معناها واذكر الإعادة يوم يقول الله للأجساد كوني معادة وقوله تعالى يوم ينفخ في الصور الجمهور أن الصور هو القرن الذي قال فيه النبي صلى الله عليه و سلم أنه ينفخ فيه للصعق ثم للبعث وباقي الآية بين وقوله تعالى وإذ قال إبراهيم لأبيه ءازر أتتخذ أصناما آلهة إني أراك وقومك في ضلال مبين قال الطبري نبه الله نبينا محمد صلى الله عليه و سلم على الاقتداء بإبراهيم في محاجته قومه إذ كانوا أهل أصنام وكان قوم النبي صلى الله عليه و سلم أهل أصنام وقوله أصناما آلهة مفعولان وذكر أن آزر أبا إبراهيم عليه السلام كان نجارا مسحنا ومهندسا وكان نمرود يتعلق بالهندسة والنجوم فحظي عنده آزر لذلك وكان على خطة عمل الأصنام تعمل بأمره وتدبيره ويطبع هو في الصنم بختم معلوم عنده وحينئذ يعبد ذلك الصنم فلما نشأ إبراهيم ابنه على الصفة التي تأتي بعد كان أبوه يكلفه ببيعها فكان إبراهيم ينادي عليها من يشتري ما يضره ولا ينفعه ويستخف بها ويجعلها في الماء منكوسة ويقول لها أشربي فلما اشتهر أمره بذلك وأخذ في الدعاء إلى الله عز و جل قال لأبيه هذه المقالة وأراك في هذا الموضع يشترك فيها القلب والبصر ومبين بمعنى ظاهر واضح وقوله سبحانه وكذلك نرى إبراهيم

ملكوت السموات والأرض الآية المتقدمة تقضي بهداية إبراهيم عليه السلام والإشارة هنا بذلك هي إلى تلك الهداية أي وكما هديناه إلى الدعاء إلى الله وإنكار الكفر أريناه ملكوت ونرى لفظها الأستقبال ومعناها المضي وهذه الرؤية قيل هي رؤية البصر وروي في ذلك أن الله عز و جل فرج لإبراهيم عليه السلام السماوات والأرض حتى رأى ببصره الملكوت الأعلى والملكوت الأسفل وهذا هو قول مجاهد قال تفرجت له السماوات والأرضون فرأى مكانه في الجنة وبه قال سعيد بن جبير وسلمان الفارسي وقيل هي رؤية بصر في ظاهر الملكوت وقع له معها من الاعتبار ورؤية القلب ما لم يقع لأحد من أهل زمنه الذين بعث إليهم قاله ابن عباس وغيره وقيل هي رؤية قلب رأى بها ملكوت السماوات والأرض بفكرته ونظره وملكوت بناء مبالغة وهو بمعنى الملك والعرب تقول لفلان ملكوت اليمن أي ملكه واللام في ليكون متعلقة بفعل مؤخر تقديره وليكون من الموقنين أريناه والموقن العالم بالشيء علما لا يمكن أن يطرأ له فيه شك وروي عن ابن عباس في تفسير وليكون من الموقنين قاد جلى له الأمور سرها وعلانيتها فلم يخف عليه شيء من أعمال الخلائق فلما جعل يلعن أصحاب الذنوب قال الله له إنك لا تستطيع هذا فرده لا يرى أعمالهم وقوله سبحانه فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربي الآية جن الليل ستر وغطى بظلامه ذهب ابن عباس وناس كثيرون إلى أن هذه القصة وقعت في حال صباه وقبل البلوغ والتكليف ويحتمل أن تكون وقعت له بعد بلوغه وكونه مكلفا وحكى الطبري هذا عن فرقة وقالت أنه استفهم قومه على جهة التوقيف والتوبيخ أي هذا ربي وحكي أن النمرود جبار ذلك الزمان رأى له منجموه أن مولودا يولد في سنة كذا في عمله يكون خراب الملك على يديه فجعل يتتبع الحبالى

ويوكل بهن حراسا فمن وضعت انثى تركت ومن وضعت ذكرا حمل إلى الملك فذبحه وان أم إبراهيم حملت وكانت شابة قوية فسترت حملها فلما قربت ولادتها بعثت أبا إبراهيم إلى سفر وتحيلت لمضيه إليه ثم خرجت هي إلى غار فولدت فيه إبراهيم وتركته في الغار وكانت تتفقده فوجدته يتغذى بأن يمص اصابعه فيخرج له منها عسل وسمن ونحو هذا وحكي بل كان يغذيه ملك وحكي بل كانت امه تأتيه بألبان النساء التي ذبح ابناؤهن والله أعلم أي ذلك كان فشب إبراهيم أضعاف ما يشب غيره والملك في خلال ذلك يحس بولادته ويشدد في طلبه فمكث في الغار عشرة أعوام وقيل خمس عشرة سنة وأنه نظر أول ما عقل من الغار فرأى الكواكب وجرت قصة الآية والله أعلم فإن قلنا بأنه وقعت له القصة في الغار في حال الصبوة وعدم التكليف على ما ذهب إليه بعض المفسرين ويحتمله للفظ فذلك ينقسم على وجهين إما أن يجعل قوله هذا ربي تصميما واعتقادا وهذا باطل لأن التصميم على الكفر لم يقع من الأنبياء صلوات الله عليهم وأما أن نجعله تعريضا للنظر والاستدلال كأنه قال أهذا المنير البهي ربي ان عضدت ذلك الدلائل وان قلنا ان القصة وقعت له في حال كبره وهو مكلف فلا يجوز أن يقول هذا مصمما ولا معرضا للنظر لأنها رتبة جهل أو شك وهو عليه السلام منزه معصوم من ذلك كله فلم يبق إلا أن يقولها على جهة التقرير لقومه والتوبيخ لهم وإقامة الحجة عليهم في عبادة الأصنام كأنه قال أهذا المنير ربي وهو يريد على زعمكم كما قال تعالى اين شركاءي أي على زعمكم ثم عرض إبراهيم عليهم من حركة الكوكب وأفوله أمارة الحدوث وأنه لا يصلح أن يكون ربا ثم في آخر أعظم منه وأحرى كذلك ثم في الشمس كذلك فكأنه يقول فإذا بان في هذه المنيرات الرفيعة أنها لا تصلح للربوبية فأصنامكم

التي هي خشب وحجارة أحرى أن يبين ذلك فيها ويعضد عندي هذا التأويل قوله إني بريء مما تشكرون قلت وإلى ترجيح هذا أشار عياض في الشفا قال وذهب معظم الحذاق من العلماء والمفسرين إلى أن إبراهيم إنما قال ذلك مبكتا لقومه مستدلا عليهم قال ع ومثل لهم بهذه الأمور لأنهم كانوا أصحاب علم نجوم ونظر في الأفلاك وهذا الأمر كله إنما وقع في ليلة واحدة رأى الكوكب وهو الزهرة في قول قتادة وقال السدي هو المشتري جانحا إلى الغروب فلما أفل بزغ القمر وهو أول طلوعه فسرى الليل أجمع فلما بزغت الشمس زال ضوء القمر قبلها لإتنشار الصباح وخفي نوره ودنا أيضا من مغربه فسمي ذلك افولا لقربه من الأفوال التام على تجوز في التسمية وهذا الترتيب يستقيم في الليلة الخامسة عشر من الشهر إلى ليلة عشرين وليس يترتب في ليلة واحدة في واحد أهل التفسير إلا في هذه الليالي وبذلك يصح التجوز في افول القمر وافل في كلام العرب معناه غاب وقيل معناه ذهب وهذا خلاف في العبارة فقط والبزوغ في هذه الأنوار أول الطلوع وما في كون هذا الترتيب في ليلة من التجوز في أفول القمر لأن أفوله لو قدرناه مغيبه لكان ذلك عبد بزوغ الشمس وجميع ما قلناه يعطيه الاعتبار ويهدني يرشدني وهذا اللفظ يؤيد قول من قال أن القصة في حال الصغر والقوم الضالون هنا عبدة المخلوقات كالأصنام وغيرها ولما افلت الشمس لم ببق شيء يمثل لهم به فظهرت حجته وقوي بذلك على منابذتهم والتبري من أشراكهم وقوله إني بريء مما تشركون يؤيد قول من قال ان القصة في حال الكبر والتكليف ووجهت وجهي أي اقبلت بقصدي وعبادتي وتوحيدي وإيماني للذي فطر السموات والأرض أي اخترعها وحنيفا أي مستقيما والحنف الميل فكانه مال عن كل جهة إلى القوام وقوله تعالى وحاجة قومه قال

اتحاجوني في الله أي اتراجعوني في الحجة في توحيد الله وقد هدان أي قد أرشدني إلى معرفته وتوحيده ولا أخاف ما تشركون به الضمير في به يعود علىالله والمعنى ولا أخاف الأصنام التي تشركونها بالله في الربوبية ويحتمل أن يعود على ما والتقدير ما تشركون بسببه وقوله إلا أن يشاء ربي شيئا استثناء ليس من الأول وشيئا منصوب بيشاء ولما كانت قوة الكلام انه لا يخاف ضررا استثنى مشيئة ربه تعالى في أن يريده بضر وعلما نصب علىالتمييز وهو مصدر بمعنى الفاعل كما تقول العرب تصبب زيد عرقا المعنى تصبب عرق زيد فكذلك المعنى هنا وسع علم ربي كل شيء أفلا تتذكرون توقيف وتنبيه وإظهار لموضع التقصير منهم وقوله وكيف أخاف ما اشركتم الآية إلى تعلمون هي كلها من قول إبراهيم عليه السلام لقومه وهي حجته القاطعة لهم والمعنى وكيف أخاف أصناما لا خطب لها إذ نبذتها ولا تخافون انتم الله عزوجل وقد اشركتم به في الربوبية ما لم ينزل به عليكم سلطانا والسلطان الحجة ثم استفهم على جهة التقرير فأي الفريقين مني ومنكم أحق بالأمن قال أبوحيان وكيف استفهام معناه التعجب والإنكار انتهى وقوله سبحانه الذين ءامنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم الآية قال ابن إسحاق وابن يد وغيرهما هذا قول من الله عز و جل ابتداء حكم فصل عام لوقت محاجة إبراهيم وغيره ولكل مؤمن تقدم أو تأخر قال ع هذا هو البين الفصيح الذي يرتبط به معنى الآية ويحسن رصفها وهو خبر من الله عز و جل ويلبسوا معناه يخلطوا والظلم في هذا الموضع الشرك تظاهرت بذلك الأحاديث الصحيحة وفي قراءة مجاهد ولم يلبسوا إيمانهم بشرك وهم مهتدون أي راشدون وقوله تعالى وتلك حجتنا ءاتيناها إبراهيم على قومه تلك إشارة إلى هذه الحجة المتقدمة وقوله سبحانه نرفع درجات

من نشاء الدرجات أصلها في الأجسام ثم تستعمل في المراتب والمنازل المعنوية وقوله سبحانه ووهبنا له إسحاق ويعقوب الآية ووهبنا عطف على آتينا وإسحاق ابنه من سارة ويعقوب هو ابن أسحاق وقوله ومن ذريته المعنى وهدينا من ذريته والضمير في ذريته قال الزجاج جائز أن يعود على إبراهيم ويعترض هذا بذكر لوط عليه السلام إذ ليس هو من ذرية إبراهيم بل هو ابن أخيه وقيل ابن اخته ويتخرج ذلك عند من يرى الخال أبا وقيل يعود الضمير على نوح هذا هو الجيد ونصب داود يحتمل أن يكون بوهبنا ويحتمل أن يكون بهدينا وكذلك نجزي المحسنين وعد من الله عز و جل لمن أحسن في عبادته وترغيب في الإحسان وفي هذه الآية ان عيسى عليه السلام من ذرية نوح أو إبراهيم بحسب الأختلاف في عود الضمير من ذريته وهوابن ابنة وبهذا يستدل في الأحباس على أن ولد البنت من الذرية ويونس هو ابن متى وكلا فضلنا على العالمين معناه عالمي زمانهم وقوله سبحانه ومن آبائهم وذرياتهم المعنى وهدينا من آبائهم وذرياتهم وأخوانهم جماعات فمن للتبعيض والمراد من آمن منهم نبيا كان أو غير نبي واجتبيناهم أي تخيرناهم وهديناهم أي ارشدناهم الى الايمان والفور برضى الله عز و جل والذرية الابناء ويطلق علي جميع البشر ذرية لأنهم ابناء وقوله تعالى ذلك هدى الله الآية ذلك إشارة إلى النعمة في قوله واجتبيناهم وأولئك إشارة إلى من تقدم ذكره والكتاب يراد به الصحف والتوراة والإنجيل والزبور وقوله سبحانه فإن يكفر بها هؤلاء إشارة إلى كفار قريش وإلى كل كافر في ذلك العصر قاله ابن عباس وغيره وقوله فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين هم مؤمنو أهل المدينة قاله ابن عباس وغيره والآية على هذا التأويل وأن كان القصد بنزولها هذين الصنفين فهي تعم الكفرة والمؤمنين

إلى يوم القيامة وقال الحسن وغيره المراد بالقوم من تقدم ذكره من الأنبياء والمؤمنين وقال أبو رجاء المراد الملائكة قلت ويحتمل أن يكون المراد الجميع وقوله سبحانه اولائك الذين هدى الله فبهداهم اقتده الظاهر في الإشارة بأولائك إلى المذكورين قبل من الأنبياء ومن معهم من المؤمنين المهديين ومعنى الأقتداء اتباع الأثر في القول والفعل والسيرة وإنما يصح اقتداؤه صلى الله عليه و سلم بجمعيهم في العقود والإيمان والتوحيد الذي ليس بينهم فيه اختلاف وأما أعمال الشرائع فمختلفة وقد قال عز و جل لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا وأعلم أن النبي صلى الله عليه و سلم هو وغيره مخاطب بشرع من قبله في العقود والإيمان والتوحيد لأنا نجد شرعنا بنبىء أن الكفار الذين كانوا قبل النبي صلى الله عليه و سلم كابويه وغيرهما في النار ولا يدخل الله تعالى أحدا النار إلا بترك ما كلف وذلك في قوله سبحانه وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا وغير ذلك وقاعدة المتكلمين أن العقل لا يوجب ولا يكلف وإنما يوجب الشرع فالوجه في هذا أن يقال أن آدم عليه السلام فمن بعده دعا إلى توحيد الله عز و جل دعاء عاما واستمر ذلك على العالم فواجب على الآدمي أن يبحث عن الشرع الآمر بتوحيد الله تعالى وينظر في الأدلة المنصوبة على ذلك بحسب إيجاب الشرع النظر فيها ويؤمن ولا يعبد غير الله فمن فرضناه لم يجد سبيلا إلى العلم بشرع آمر بتوحيد الله وهو مع ذلك لم يكفر ولا عبد صنما بل تخلى فأولائك أهل الفترات الذين أطلق عليهم أهل العلم أنهم في الجنة وهم بمنزلة الأطفال والمجانين ومن قصر في النظر والبحث فعبد صنما أو غيره وكفر فهو تارك للواجب عليه مستوجب للعقاب بالنار فالنبي صلى الله عليه و سلم قبل مبعثه ومن كان معه من الناس وقبله مخاطبون على ألسنة الأنبياء قبل التوحيد وغير مخاطبين بفروع شرائعهم إذ

هي مختلفة وإذ لم يدعهم إليها نبي قال الفخر واحتج العلماء بهذه الاية على أن محمد صلى الله عليه و سلم أفضل من جميع الأنبياء عليهم السلام وتقريره انا بينا أن خصال الكمال وصفات الشرف كانت مفرقة فيهم ثم أنه تعالى لما ذكر الكل أمر محمد صلى الله عليه و سلم أن يجمع من خصال الطاعة والعبودية والأخلاق الحميدة كل الصفات التي كانت مفرقة فيهم بأجمعهم ولما أمره الله تعالى بذلك امتنع أن يقال أنه قصر في تحصيلها فثبت أنه حصلها ومتى كان الأمر كذلك ثبت أنه أجتمع فيه من خصال الخير ما كان فيهم مفرقا بأسرهم ومتى كان الأمر كذلك وجب أن يقال أنه أفضلهم بكليتهم والله أعلم انتهى وقرا حمزة والكسائي فبهداهم اقتدى بحذف الهاء في الوصل واثباتها في الوقف وهذا هو القياس شبيهة بألف الوصل في انها تقطع في الأبتداء وتسقط في الوصل وقوله سبحانه قل لا اسألكم عليه أجرا أي قل لهؤلاء الكفرة المعاندين لا أسألكم على دعائي إياكم بالقرآن إلى عبادة الله تعالى أجرة إن هو إلا موعظة وذكرى ودعاء لجميع العالمين وقوله سبحانه وما قدروا الله حق قدره الآية قال ابن عباس هذه الآية نزلت في بني إسرائيل قال النقاش وهي آية مدنية وقيل المراد رجل مخصوص منهم يقال له مالك بن الضيف قاله ابن جبير وقيل فنحاص قاله السدي وقدروا هو من توفية القدر والمنزلة وتعليله بقولهم ما أنزل الله يقضي بأنهم جهلوا ولم يعرفوا الله حق معرفته إذ أحالوا عليه بعثة الرسل قال الفخر قال ابن عباس ما قدروا الله حق قدره أي ما عظموا الله حق تعظيمه وقال الأخفش ما عرفوه حق معرفته وقال أبو العالية ما وصفوه حق قدرته وعظمته وهذه المعانى كلها صحيحة انتهى وروي أن مالك بن الضيف كان سمينا فجاء يخاصم النبي صلى الله عليه و سلم بزعمه فقال له رسول الله صلى الله عليه

وسلم انشدك الله الست تقرأ فيما أنزل على موسى أن الله يبغض الحبر السمين فغضب وقال والله ما أنزل الله على بشر من شيء قال الفخر وهذه الآية تدل على أن النكرة في سياق النفي تعم ولو لم تفد العموم لما كان قوله تعالى قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا إبطالا لقولهم ونقضا عليهم انتهى وقوله تعالى قل من أنزل الكتاب يعنى التوراة وقراطيس جمع قرطاس أي بطائق وأوراقا وتوبيخهم بالابداء والاخفاء هو على إخفائهم أمر محمد صلى الله عليه و سلم وجميع ما عليهم فيه حجة وقوله سبحانه وعلمتم ما لم تعلموا أنتم ولا ءاباؤكم يحتمل وجهين احدهما أن يقصد به الإمتنان عليهم وعلى ءابائهم والوجه الثاني أن يكون المقصود ذمهم أي وعلمتم أنتم وءاباؤكم ما لم تعلموه فما انتفعتم به لاعراضكم وضلالكم ثم أمره سبحانه بالمبادرة إلى موضع الحجة أي قل الله هو الذي أنزل الكتاب على موسى ثم أمره سبحانه بترك من كفر وأعرض وهذه آية منسوخة بآية القتال أن تؤولت موادعة ويحتمل أن لا يدخلها نسخ إذا جعلت تتضمن تهديدا ووعيدا مجردا من موادعة وقوله سبحانه وهذا كتاب انزلناه مبارك هذا إشارة إلى القرآن وقوله مصدق الذي بين يديه يعنى التوراة والإنجيل لان ما تقدم فهو بين يدي ما تأخر وأم القرى مكة ثم ابتدأ تبارك وتعالى بمدح قوم وصفهم وأخبر عنهم انهم يؤمنون بالآخرة والبعث والنشور ويؤمنون بالقرآن ويصدقون بحقيقته ثم قوى عز و جل مدحهم بأنهم يحافظون على صلاتهم التي هي قاعدة العبادات وأم الطاعات وإذا أنضافت الصلاة إلى ضمير لم تكتب إلا بالالف ولا تكتب في المصحف بواو إلا إذا لم تضف إلا ضمير وقد جاءت وأثار صحيحة في ثواب من حافظ على صلاته وفي فضل المشي إليها ففي سنن أبي داود عن بريدة عن النبي

صلى الله عليه و سلم قال بشر المشاءين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة وروي أبو داود أيضا بسنده عن سعيد بن المسيب قال حضر رجلا من الأنصار الموت فقال إني محدثكم حديثا ما أحدثكموه إلا أحتسابا سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول إذا توضأ أحدكم فاحسن الوضوء ثم خرج إلى الصلاة لم يرفع قدمه اليمنى إلا كتب الله له حسنة ولم يضع قدمه اليسرى إلا حط الله عنه سيئة فليقرب أو ليبعد فإن أتى المسجد فصلى في جماعة غفر له فإن أتى المسجد وقد صلوا بعضا وبقي بعض صلى ما أدرك وأتم ما بقي كان كذلك فإن أتى المسجد وقد صلوا بعضا وبقي بعض صلى ما أدرك وأتم ما بقي صلى ما ادرك واتم ما بقي كان كذلك فإن اتى المسجد وقد صلوا فأتم الصلاة كان كذلك وأخرج أبو داود عن أبي هريرة قال قال رسول الله ص - من توضأ فأحسن وضوءه ثم راح فوجد الناس قد صلوا أعطاه الله عز و جل مثل أجر من صلاها أو حضرها لا ينقص ذلك من أجورهم انتهى وقوله سبحانه ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو قال أوحي الي ولم يوح إليه شيء ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله هذه الفاظ عامة فكل من واقع شيئا مما يدخل تحت هذه الألفاظ فهو داخل في الظلم الذي قد عظمه الله تعالى وقال قتادة وغيره المراد بهذه الآيات مسيلمة والأسود العنسي وقال عكرمة أولها في مسيلمة والآخر في عبد الله بن أبي سرح وقيل نزلت في النضر بن الحارث وبالجملة فالآية تتناول من تعرض شيئا من معانيها إلى يوم القيامة كطليحة الأسدي والمختار بن أبي عبيد وسواهما وقوله تعالى ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت الآية جواب لو محذوف تقديره لرأيت عجبا أو هولا ونحو هذا وحذف هذا الجواب ابلغ في نفس السامع والظالمون لفظ عام في أنواع الظلم الذي هو كفر والغمرات جمع غمرة وهي المصيبة المذهلة وهي مشبهة بغمرة الماء والملائكة يريد ملائكة قبض الروح

وباسطوا أيديهم كناية عن مدها بالمكروه وهذا المكروه هو لا محالة أوائل العذاب وإماراته قال ابن عباس يضربون وجوههم وأدبارهم وقوله أخرجوا أنفسكم حكاية لما تقوله الملائكة والتقدير يقولون لهم أخرجوا أنفسكم وذلك على جهة الإهانة وإدخال الرعب عليهم ويحتمل أخرجوا أنفسكم من هذه المصائب والمحن إن كان ما زعمتموه حقا في الدنيا وفي ذلك توبيخ وتوقيف على سالف فعلهم القبيح قلت والتأويل الأول هو الصحيح وقد أسند أبو عمر في التمهيد عن ابن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثم ذكر سنده عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال الميت تحضره الملائكة فإذا كان الرجل الصالح قالت أخرجي أيتها النفس الطيبة كانت في الجسد الطيب أخرجى حميدة وأبشرى بروح وريحان ورب غير غضبان قال فلا تزال يقال لها ذلك حتى تخرج ثم يعرج بها إلى السماء فيفتح لها فيقال من هذا فيقولون فلان فيقال مرحبا بالنفس الطيبة كانت في الجسد الطيب أدخلي حميدة وأبشرى بروح وريحان ورب غير غضبان فلا تزال يقال لها ذلك حتى ينتهى بها إلى السماء يعني السابعة وإذا كان الرجل السوء وحضرته الملائكة عند موته قالت أخرجى أيتها النفس الخبيثة كانت في الجسد الخبيث أخرجي ذميمة وأبشرى بحميم وغساق وآخر من شكله أزواج فلا تزال يقال لها ذلك حتى تخرج وذكر الحديث انتهى والهون الهوان وقوله تعالى بما كنتم تقولون على الله غير الحق الآية لفظ عام لانواع الكفر ولكنه يظهر منه الأنحاء على من قرب ذكره وقوله سبحانه ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة الآية هذه حكاية عما يقال لهم بعد قبض أرواحهم وأعلم أيها الأخ أن هذه الآية الكريمة ونحوها من الآي وأن كان مساقها في الكفار فللمؤمن الموقن فيها معتبر ومزدجر وقد قيل أن

القبر بحر الندامات وقد روى أبن المبارك في رقائقه بسنده عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ما من أحد يموت إلا ندم قالوا وما ندامته يا رسول الله قال إن كان محسنا ندم أن لا يكون ازداد وان كان مسيئا ندم الا يكون نزع انتهى وكما خلقناكم أول مرة تشبيها بالانفراد الأول في وقت الخلقة وخولناكم معناه أعطيناكم ووراء ظهوركم إشارة إلى الدنيا لأنهم يتركون ذلك موجودا وقوله سبحانه وما نرى معكم شفعاءكم توقيف على الخطا في عبادة الأصنام واعتقادهم أنها تشفع وتقرب إلى الله زلفى قال أبو حيان وما نرى لفظه لفظ المستقبل وهو حكاية حال انتهى وقرأ نافع والكساءي بينكم بالنصب على أنه ظرف والتقدير لقد تقطع الاتصال والارتباط بينكم ونحو هذا وهذا وجه واضح وعليه فسره الناس مجاهد وغيره وقرأ باقي السبعه بينكم بالرفع وقرأ ابن مسعود وغيره لقد تقطع ما بينكم وضل معناه تلف وذهب وما كنتم تزعمون يريد دعواهم أنها تشفع وأنها تشارك الله في الألوهية تعالى الله عن قولهم وقوله سبحانه ان الله فالق الحب والنوى هذا ابتداء تنبيه على العبرة والنظر ويتصل المعنى بما قلبله لأن المقصد أن الله فالق الحب والنوى لا هذه الأصنام قال قتادة وغيره هذه إشارة إلى فعل الله سبحانه في أن يشق جميع الحب عن جميع النبات الذي يكون منه ويشق النوى عن جميع الأشجار الكائنة منه وقوله يخرج الحي من الميت الآية قال ابن عباس وغيره الاشارة الى اخراج الانسان الحي من النطفة الميته وإخراج النطفة المتية من الإنسان الحي وكذلك سائر الحيوان من الطير وغيره وهذا القول أرجح ما قيل هنا وقوله سبحانه ذلكم الله ابتداء وخبر متضمن التنبيه فإنى تؤفكون أي تصرفون وتصدون وفالق الأصباح أي شاقه ومظهره والفلق الصبح

وحسبانا جمع حساب أي يجريان بحساب هذا قول ابن عباس وغيره وقال مجاهد في صحيح البخاري المراد بحسبان كحسبان الرحى وهوالدولاب والعود الذي عليه دورانه وقوله سبحانه وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر الآية هذه المخاطبة تعم المؤمنين والكافرين والحجة بها على الكافرين قائمة والعبرة بها للمؤمنين متمكنة وقوله سبحانه وهوالذي أنشأكم من نفس واحدة يريد آدم عليه السلام فمستقر ومستودع اختلف المتأولون في معنى هذا الأستقرار والاستيداع فقال الجمهور مستقر في الحرم ومستودع في ظهور الآباء حتى يقضي الله بخروجهم قال ابن عون مشيت إلى منزل إبراهيم النخعي وهو مريض فقالوا قد توفي فأخبرني بعضهم أن عبد الرحمن أبن الأسود سأله عن مستقر ومستودع فقال مستقر في الرحم ومستودع في الصلب وقال ابن عباس المستقر الأرض والمستودع عندالرحمن وقال ابن جبير المستودع في الصلب والمستقر في الآخرة قال الفخر والمنقول عن ابن عباس في أكثر الروايات أن المستقر هو الأرحام والمستودع الأصلاب ثم قرأ ونقر في الأرحام ما نشاء ومما يدل على قوة هذا القول ان النطفة لا تبقى في صلب الأب زمانا طويلا والجنين في رحم الأم يبقى زمانا طويلا ولما كان المكث في الرحم أكثر مما في صلب الأب كان حمل الاستقرار على المكث في الرحم أولى انتهى قال ع والذي يقتضيه النظر أن ابن آدم هو مستودع في ظهر أبيه وليس بمستقر فيه استقرارا مطلقا لأنه ينتقل لا محالة ثم ينتقل إلى الرحم ثم ينتقل إلى الدنيا ثم ينتقل إلى القبر ثم ينتقل إلى المحشر ثم ينتقل إلى الجنة أو النار فيستقر في أحدهما استقرارا مطلقا وليس فيها مستودع لأنه لا نقلة له بعد وهو في كل رتبة متوسطة بين هذين الطرفين مستقر بالإضافة إلى

التي قبلها ومستودع بالإضافة إلى التي بعدها لأن لفظ الوديعة يقتضي فيها نقلة ولا بد وقوله تعالى وهوالذي أنزل من السماء ماء فأخرجنا به نبات كل شيء السماء في هذا الموضع السحاب وكل ما اظلك فهو سماء وقوله نبات كل شيء قيل معناه مما ينبت وقال الطبري المراد بكل شيء كل ما ينمو من جميع الحيوان والنبات والمعادن وغير ذلك لأن ذلك كله يتغدى وينمو بنزول الماء من السماء والضمير في منه يعود على النبات وفي الثاني يعود على الخضر وخضرا بمعنى أخضر ومنه قوله عليه السلام الدنيا خضرة حلوة بمعنى خضراء وكأن خضرا إنما يأتي ابدا لمعنى النضارة وليس للون فيه مدخل وأخضر إنما تمكنه في اللون وهو في النضارة تجوز وحبا متراكبا يعم جيمع السنابل وما شاكلها كالصنوبر والرمان وغير ذلك وقوله ومن النخل تقديره ونخرج من النخل الطلع أول ما يخرج من النخل في أكمامه وقنوان جمع قنو وهوالعذق بكسر العين وهي الكباسة والعرجون عوده الذي فيه ينتظم التمر ودانية معناه قريبة من التناول قاله ابن عباس وغيره وقرأ الجمهور وجنات بالنصب عطفا على قوله نبات وروي عن عاصم وجنات بالرفع على تقدير ولكم جنات أو نحو هذا والزيتون والرمان بالنصب إجماعا عطفا على قوله حبا ومتشابها وغير متشابه قال قتادة معناه يتشابه في الورق ويتباين في الثمر وقال الطبري جائز أن يتشابه في الثمر ويتباين في الطعم ويحتمل أن يريد يتشابه في الطعم ويتباين في المنظر وهذه الأحوال موجودة بالاعتبار في أنواع الثمرات وقوله سبحانه انظروا هونظر بصر تتركب عليه فكرة قلب والثمر في اللغة جنى الشجر وما يطلع وأن سمي الشجر ثمارا فبتجوز وقرأ جمهور الناس وينعه بفتح الياء وهومصدر ينع يينع إذا نضج وبالنضج فسره ابن عباس وقد يستعمل ينع بمعنى استقل وأخضر ناضرا

قال الفخر وقدم سبحانه الزرع لأنه غذاء والثمار فواكه وإنما قدم النخل على الفواكه لأن التمر يجري مجرى الغذاء بالنسبة إلى العرب انتهى وقوله سبحانه وجعلوا لله شركاء الجن جعلوا بمعنى صيروا والجن مفعول وشركاء مفعول ثان قال ص وجعلوا لله شركاء الجن جعلوا بمعنى صيروا والجمهور على نصب الجن فقال ابن عطية وغيره هو مفعول أول لجعلوا وشركاء الثاني وجوزوا فيه أن يكون بدلا من شركاء ولله في موضع المفعول الثاني وشركاء الأول ورده أبو حيان بأن البدل حينئذ لا يصح ان يحل محل المبدل منه إذ لو قلت وجعلوا لله الجن لم يصح وشرط البدل أن يكون على نية تكرار العامل على الأشهر أو معمولا للعامل في المبدل منه على قول وهذا لا يصح كما ذكرنا قلت وفيه نظرا انتهى قلت وما قاله الشيخ أبو حيان عندي ظاهر وفي نظر الصفاقسي نظر وهذه الآية مشيرة إلى العادلين بالله تعالى والقائلين أن الجن تعلم الغيب العابدين للجن وكانت طوائف من العرب تفعل ذلك وتستجير بجن الوادي في اسفارها ونحو هذا وأما الذين خرقوا البنين فاليهود في ذكر عزيز والنصارى في ذكرالمسيح وأما ذاكرو البنات فالعرب الذين قالوا الملائكة بنات الله تعالى الله عن قولهم فكان الضمير في جعلوا وخرقوا لجميع الكفار إذ فعل بعضهم هذا وبعضهم هذا وبنحو هذا فسر السدي وابن زيد وقرأ الجمهور وخلقهم بفتح اللام على معنى وهو خلقهم وفي مصحف ابن مسعود وهو خلقهم والضمير في خلقهم يحتمل العودة على الجاعلين ويحتملها على المجعولين وقرأ السبعة سوى نافع وخرقوا بتخفيف الراء بمعنى اختلقوا وافتروا وقرأ نافع وخرقوا بتشديد الراء على المبالغة وقوله بغير علم نص على قبح تقحم المجهلة وافتراء الباطل على عمى وسبحانه معناه تنزه عن وصفهم الفاسد المستحيل عليه تبارك وتعالى وبديع بمعنى مبدع وأني بمعنى كيف

واين فهي استفهام في معنى التوقيف والتقرير وهذه الآية رد على الكفار بقياس الغائب على الشاهد وقوله سبحانه وخلق كل شيء لفظ عام لكل ما يجوز أن يدخل تحته ولا يجوز أن تدخل تحته صفات الله تعالى وكلامه فليس هو عموما مخصصا على ما ذهب إليه قوم لأن العموم المخصص هو أن يتناول العموم شيئا ثم يخرجه التخصيص وهذا لم يتناول قط هذه التي ذكرناها وإنما هذا بمنزلة قول الإنسان قتلت كل فارس وافحمت كل خصم فلم يدخل القائل قط في هذا العموم الظاهر من لفظه وأما قوله وهو بكل شيء عليم فهو عموم على الإطلاق لأنه سبحانه يعلم كل شيء لا رب غيره وباقي الآية بين وقوله سبحانه لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار أجمع أهل السنة على أن الله عز و جل يرى يوم القيامة يراه المؤمنون والوجه أن يبين جواز ذلك عقلا ثم يستند إلى ورود السمع بوقوع ذلك الجائز واختصار تبيين ذلك ان يعتبر بعلمنا بالله عز و جل فمن حيث جاز أن نعلمه لا في مكان ولا متحيزا ولا مقابلا ولم يتعلق علمنا بأكثر من الوجود جاز أن نراه غير مقابل ولا مجاذي ولا مكيفا ولا محددا وكان الإمام أبوعبد الله النحوي يقول مسألة العلم حلقت لحى المعتزلة ثم ورد الشرع بذلك كقوله عز و جل وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة وتعدية النظر بإلى إنما هو في كلام العرب لمعنى الرؤية لا لمعنى الانتظار على ما ذهب إليه المعتزلة ومنه قول النبي صلى الله عليه و سلم فيما صح عنه وتواتر وكثر نقله أنكم ترون ربكم يوم القيامة كا ترون القمر ليلة البدر ونحوه من الأحاديث الصحيحة على اختلاف ألفاظها واستمحل المعتزلة الرؤية بآراء مجردةوتمسكوا بقوله تعالى لا تدركه الأبصار وانفصال اهل السنة عن تمسكهم بأن الآية مخصوصة في الدنيا ورؤية الآخرة ثابتة بأخبارها وأيضا فانا نفرق بين معنى الإدراك ومعنى الرؤية ونقول أنه عز

وجل تراه الأبصار ولا تدركه ودلك أن الادراك يتضمن الإحاطة بالشيء والوصول إلى أعماقه وحوزه من جميع جهاته وذلك كله محال في اوصاف الله عز و جل والرؤية لا تفتقر إلى أن يحيط الرأي بالمرئي ويبلغ غايته وعلى هذا التأويل يترتب العكس في قوله وهو يدرك الأبصار ويحسن معناه ونحو هذا روي عن ابن عباس وقتادة وعطية العوفي انهم فرقوا بين الرؤية والإدراك واللطيف المتلطف في خلقه واختراعه والبصائر جمع بصيرة فكأنه قال قد جاءكم في القرءان والآيات طرائق أبصار الحق والبصيرة للقلب مستعارة من أبصار العين والبصيرة أيضا هي المعتقد وقوله سبحانه فمن أبصر ومن عمي عبارة مستعارة فيمن اهتدى ومن ضل وقوله وما انا عليكم بحفيظ كان في أول الأمر وقبل ظهور الإسلام ثم بعد ذلك كان صلى الله عليه و سلم حفيظا على العالم آخذا لهم بالإسلام أو السيف وقوله سبحانه وكذلك نصرف الآيات أي نرددها ونوضحها وقرأ الجمهور وليقولوا درست بكسر اللام على أنها لام كي وهي على هذا لام الصيرورة أي لما صار أمرهم إلى ذلك وقرأ نافع وغيره درست أي يا محمد درست في الكتب القديمة ما تجيئنا به وقرأ ابن كثير وغيره دارست أي دارست غيرك وناظرته وقرأ ابن عامر درست بإسناد الفعل إلى الآيات كأنهم اشاروا إلى أنها ترددت على أسماعهم حتى بليت في نفوسهم وأمحت واللام في قوله ليقولوا وفي قوله ولنبينه متعلقان بفعل متأخر تقديره صرفناها وذهب بعض الكوفيين إلى أن لا مضمرة بعد أن المقدرة في قوله وليقولوا فتقدير الكلام عندهم ولأن لا يقولوا درست كما اضمروها في قوله يبين الله لكم أن تضلوا قال ع وهذا قلق ولا يجيز البصريون إضمار لا في موضع من المواضع قلت ولكنه حسن جدا من جهة المعنى إذ لا يعلمون أنه درس أو دارس أحدا صلى الله عليه و سلم فتأمله وقوله سبحانه

اتبع ما أوحي إليك من ربك لا إله إلا هو الآية فيها موادعة وهي منسوخة وقوله تعالى ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله الآية مخاطبة للمؤمنين والنبي صلى الله عليه و سلم قال ابن عباس سببها أن كفار قريش قالوا لأبي طالب إما أن ينتهي محمد وأصحابه عن سب آلهتنا والغض منها وإما أن نسب الهه ونهجوه فنزلت الآية وحكمها على كل حال باق في الأمة فلا يحل لمسلم أن يتعرض إلى ما يؤدي إلى سب الإسلام أو النبي صلى الله عليه و سلم أو الله عز و جل وعبر عن الأصنام بالذين وهي لا تعقل وذلك على معتقد الكفرة فيها وفي هذه الآية ضرب من الموادعة وعدوا مصدر من الإعتداء وبغير علم بيان لمعنى الإعتداء وقوله تعالى كذلك زينا لكل أمة عملهم إشارة إلى ما زين لهؤلاء من التمسك بأصنامهم وتزيين الله عمل الأمم هو ما يخلقه سبحانه في النفوس من المحبة للخير والشر وتزيين الشيطان هو ما يقذفه في النفوس من الوسوسة وخطرات السوء وقوله ثم إلى ربهم مرجعهم الآية تتضمن وعدا جميلا للمحسنين ووعيدا ثقيلا للمسيئين وقوله سبحانه واقسموا بالله جهد ايمانهم لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها اللام في قوله لئن لام توطئة للقسم وأما المتلقية للقسم فهي قوله ليؤمنن بها وآية يريد علامة وحكي أن الكفار لما نزلت ان نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت اعناقهم لها خاضعين أقسموا حينئذ انها ان نزلت آمنوا فنزلت هذه الآية وحكي أنهم اقترحوا أن يعود الصفا ذهبا وأقسموا على ذلك فقام النبي صلى الله عليه و سلم يدعو في ذلك فجاءه جبريل فقال له ان شئت أصبح ذهبا فإن لم يؤمنوا هلكوا عن آخرهم معاجلة كما فعل بالأمم المقترحة إن شئت اخروا حتى يتوب تائبهم فقال عليه الصلاة و السلام بل حتى يتوب تائبهم ونزلت الآية قال ابن العربي قوله جهد ايمانهم يعني غاية

ايمانهم التي بلغها علمهم وانتهت إليها قدرتهم انتهى من الأحكام ثم قال تعالى قل لهم يا محمد على جهة الرد والتخطئة إنما الآيات عند الله وليست عندي فتقترح علي ثم قال وما يشعركم قال مجاهد وابن زيد المخاطب بهذا الكفار وقال الفراء وغيره المخاطب بهذا المؤمنون وما يشعركم معناه وما يعلمكم وما يدريكم وقرأ ابن كثير وغيره أنها بكسر الألف على القطع واستيناف الأخبار قرأ تؤمنون بالتاء وهي قراءة ابن عامر وحمزة استقامت له المخاطبة أولا وآخرا للكفار ومن قرأ بالياء وهي قراءة نافع وغيره فيحتمل أن يخاطب أولا وآخرا المؤمنين ويحتمل أن يخاطب بقوله وما يشعركم الكفار ثم يستأنف الأخبار عنهم للمؤمنين وقرا نافع وغيره أنها بفتح الألف فقيل أن لا زائدة في قوله لا يؤمنون كما زيدت في قوله تعالى وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون ودعا إلى التزام هذا حفظ المعنى لأنها لو لم تكن زائدة لعاد الكلام عذرا للكفار وفسد المراد بالآية وضعف الزجاج وغيره زيادة لا ومنهم من جعل أنها بمعنى لعلها وحكاه سيبويه عن الخيل وهذا التأويل لا يحتاج معه إلى تقدير زيادة لا وحكى الكسائي أنه كذلك في مصحف أبي وما أدراكم لعلها إذا جاءت ورجح أو علي أن تكون لا زائدة وبسط شواهده في ذلك وقوله سبحانه ونقلب افئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة ونذرهم في طغيانهم يعمهون فالمعنى على ما قالت فرقة ونقلب أفئدتهم وأبصارهم في النار وفي لهبها في الآخرة لما لم يؤمنوا في الدنيا ثم استأنف على هذا ونذرهم في الدنيا في طغيانهم يعمهون وقالت فرقة إنما المراد بالتقليب التحويل عن الحق والهدى والترك في الضلالة والكفر ومعنى الآية أن هؤلاء الذين اقسموا أنهم يؤمنون إن جاءت آية نحن نقلب افئدتهم وأبصارهم أن لو جاءت فلا يؤمنون بها كما لم يؤمنوا

أول مرة بما دعوا إليه من عبادة الله تعالى فأخبر الله عز و جل على هذا التأويل بصورة فعله بهم وقالت فرقة قوله كما في هذه الآية إنما هي بمعنى المجازاة أي لما لم يؤمنوا أول مرة نجازيهم بأن نقلب افئدتهم عن الهدى ونطبع على قلوبهم فكأنه قال ونحن نقلب افئدتهم وأبصارهم جزاء لما لم يؤمنوا أول مرة بما دعوا إليه من الشرع والضمير في به يحتمل أن يعود على الله عز و جل أو على القرآن أو على النبي صلى الله عليه و سلم ونذرهم معناه نتركهم والطغيان التخبط في الشر والإفراط فيما يتناوله المرء ويعمهون معناه يترددون في حيرتهم وقوله سبحانه ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى الآية أخبر سبحانه أنه لو أتي بجميع ما اقترحوه من انزال ملائكة واحياء سلفهم حسبما اقترحه بعضهم أن يحشر قصي وغيره فيخبر بصدق محمد عليه السلام أويحشر عليهم كل شيء قبلا ما آمنوا إلا بالمشيئة واللطف الذي يخلقه ويخترعه سبحانه في نفس من يشاء لا رب غيره وقرأ نافع وغيره قبلا ومعناه مواجهة ومعاينة قاله ابن عباس وغيره ونصبه على الحال وقال المبرد معناه ناحية كما تقول لي قبل فلان دين قال ع فنصبه على هذا هو على الظرف وقرأ حمزة وغيره قبلا بضم القاف والباء واختلف في معناه فقال بعضهم هو بمعنى قبل بكسر القاف أي مواجهة كما تقول قبل ودبر وقال الزجاج والفراء هو جمع قبيل وهو الكفيل أي وحشرنا عليهم كل شيء كفلاء بصدق محمد صلى الله عليه و سلم وقال مجاهد وغيره هو جمع قبيل أي صنفا صنفا ونوعا نوعا والنصب في هذا كله على الحال ولكن أكثرهم يجهلون أي يجهلون في اعتقادهم أن الآية تقتضي إيمانهم ولا بد فيقتضي اللفظ أن الأقل لا يجهل فكان فيهم من يعتقد أن الآية لو جاءت لم يؤمن إلا من شاء الله منه ذلك قلت وقال مكي ولكن أكثرهم يجهلون أي في

مخالفتك وهم يعلمون أنك نبيء صادق فيما جئتهم به وروي أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يداعب أبا سفيان بعد الفتح بمخصرة في يده ويطعن بها أبا سفيان فإذا أحرقته قال نح عني مخصرتك فوالله لو أسلمت إليك هذا الأمر ما اختلف عليك فيه اثنان فقال له النبي صلى الله عليه و سلم أسألك بالذي أسلمت له قتالك إياي عن أي شيء كان فقال له أبو سفيان تظن أني كنت أقاتلك تكذيبا مني لك والله ما شككت في صدقك قط وما كنت أقاتلك إلا حسدا مني لك فالحمد لله الذي نزع ذلك من قلبي فكان النبي صلى الله عليه و سلم يشتهي ذلك منه ويتبسم انتهى من الهداية وقوله سبحانه وكذلك جعلنا لكل نبيء عدوا شياطين الانس والجن الآية تتضمن تسلية النبي صلى الله عليه و سلم وعرض القدوة عليه أي هذا الذي امتحنت به يا محمد من الأعداء قد امتحن به غيرك من الأنبياء ليبتلي الله أولى العزم منهم وشياطين الإنس والجن يريد المتمردين من النوعين ويوحى معناه يلقيه في اختفاء فهو كالمناجاة والسرار وزخرف القول محسنه ومزينه بالأباطيل قاله عكرمة ومجاهد والزخرفة أكثر ما تستعمل في الشر والباطل وغرورا مصدر ومعناه يغرون به المضللين والضمير في فعلوه عائد على اعتقادهم العداوة ويحتمل على الوحي الذي تمضنه يوحى وقوله سبحانه فذرهم وما يفترون لفظ يتضمن الأمر بالموادعة وهو منسوخ قال قتادة كل ذر في كتاب الله منسوخ بالقتال وقوله سبحانه ولتصغى معناه لتميل قال الفخر والضمير في قوله ولتصغى إليه افئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة يعود على زخرف القول وكذلك في قوله وليرضوه والإقتراف معناه الإكتساب وقال الزجاج وليقترفوا أي يختلقوا ويكذروا والأول أفصح انتهى والقراء على كسر اللام في الثلاثة الأفعال على أنها

لام كي معطوفة على غرورا وحكما أبلغ من حكام إذ هي صيغة للعدل من الحكام والحاكم جار على الفعل فقد يقال للجائر ومفصلا معناه مزال الأشكال والكتاب أولا هو القرآن وثانيا اسم جنس للتوراة والإنجيل والزبور والصحف وقوله تعالى فلا تكونن من الممترين تثبيت ومبالغة وطعن علىالممترين قلت وقد تقدم التنبيه على أنه صلى الله عليه و سلم معصوم وأن الخطاب له والمراد غيره ممن يمكن منه الشك وقوله سبحانه وتمت كلمات بك صدقا وعدلا الآية تمت في هذا الموضع بمعنى استمرت وصحت في الأزل صدقا وعدلا وليس بتمام من نقص ومثله ما وقع في كتب السيرة من قولهم وتم حمزة على إسلامه في الحديث مع أبي جهل والكملمات ماأنزل على عباده ولا مبدل لكلماته معناه في معانيها وقوله سبحانه وان تطع أكثر من في الأرض الآية المعنى فامض يا محمد لما أمرت به وبلغ ما أرسلت به فإنك أن تطع أكثر من في الأرض يضلوك قال ابن عباس الأرض هنا الدنيا وحكي أن سبب هذه الآية أن المشركين جادلوا النبي صلى الله عليه و سلم في أمر الذبائح وقالوا أتأكل ما تقتل وتترك ما قتل الله فنزلت الآية ثم وصفهم تعالى بأنهم إنما يقتدرون بظنونهم ويتبعون تخرصهم والخرص الحرز والظن وهذه الآية خبر في ضمنه وعيد للضالين ووعد للمهتدين وقوله سبحانه فكلوا مما ذكر اسم الله عليه إن كنتم بآياته مؤمنين الآية القصد بهذه الآية النهي عما ذبح للنصب وغيرها وعن الميتة وأنواعها ولا قصد في الآية إلى ما نسي المؤمن فيه التسمية أو تعمدها بالترك وقوله سبحانه وما لكم إلا تأكلوا الآية ما استفهام يتضمن التقرير وقد فصل لكم ما حرم عليكم أي فصل الحرام من الحلال وانتزعه بالبيان وما في قوله إلا ما اضطررتم إليه يريد بها من جميع ما حرم كالميتة وغيرها وهي في موضع نصب بالاستثناء والاستثناء منقطع

وقوله سبحانه وأن كثيرا يريد الكفرة المحادين المجادلين ثم توعدهم سبحانه بقوله إن ربك هو أعلم بالمعتدين وقوله جلت عظمته وذروا ظاهر الإثم وباطنه نهي عام والظاهر والباطن يستوفيان جميع المعاصي وقال قوم الظاهر الأعمال والباطن المعتقد وهذا أيضا حسن لأنه عام وروي ابن المبارك في رقائقه بسنده عن أبي إمامة قال سأل رجل النبي صلى الله عليه و سلم ما الاثم قال ما حك في صدرك فدعه وروى ابن المبارك أيضا بسنده أن رجلا قال يا رسول الله ما يحل لي مما يحرم علي فسكت رسول الله صلى الله عليه و سلم فرد عليه ثلاث مرات في كل ذلك يسكت رسول الله ثم قال أين السائل فقال أنا ذا يا رسول الله قال ما أنكر قلبك فدعه انتهى وقد ذكرنا معناه من طرق في غير هذا الموضع فاغنى من عادته ثم توعد تعالى كسبة الاثم بالمجازاة على ما اكتسبوه من ذلك والأقتراف الإكتساب وقوله سبحانه ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وانه لفسق الآية مقصد الآية النهي عن الميتة إذ هي جواب لقول المشركين تتركون ما قتل الله ومع ذلك فلفظها يعم ما تركت التسمية عليه من ذبائح الإسلام وبهذا العموم تعلق ابن عمر وابن سيرين والشعبي وغيرهم فقالوا ما تركت التسمية عليه لم يؤكل عمدا كان أو نسيانا وجمهور العلماء على أنه يوكل أن كان تركها نسيانا بخلاف العمد وقيل يؤكل سواء تركت عمدا أو نسيانا إلا أن يكون مستخفا وقوله تعالى وان الشياطين الآية قال عكرمة هم مردة الانس من مجوس فارس وذلك أنهم كانوا يوالون قريشا على عداوة النبي صلى الله عليه و سلم ليوحون إلى أوليائهم من قريش ليجادلوكم بقولهم تأكلون ما قتلتم ولا تأكلون ما قتل الله فذلك من مخاطبتهم هو الوحي والأولياء هم قريش وقال ابن زيد وعبدالله بن كثير بل الشياطين الجن واللفظة علىوجهها واولياؤهم

كفرة قريش ووحيهم بالوسوسة وعلى ألسنة الكهان ثم نهى سبحانه عن طاعتهم بلفظ يتضمن الوعيد وعرض أصعب مثال في أن يشبه المؤمن بالمشرك قال ابن العربي قوله تعالى وان الشياطين يموحون إلى أوليائهم سمى الله تعالى ما يقع في القلوب من الالهام وحيا وهذا مما يطلقه شيوخ المتصوفة وينكره جهال المتوسمين بالعلم ولم يعلموا أن الوحي على ثمانية أقسام وان اطلاقه في جميعها جائز في دين الله انتهى من أحكام القرآن وقوله سبحانه أو من كان ميتا فأحييناه لما تقدم ذكر المؤمنين وذكر الكافرين مثل سبحانه في الطائفتين بأن شبه الذين آمنوا بعد كفرهم بأموات أحيوا هذا معنى قول ابن عباس ومجاهد وغيرهما وشبه الكافرين وحيرة جهلهمم بقوم في ظلمات يترددون فيها ولا يمكنهم الخروج منها ليبين عز و جل الفرق بين الطائفتين والبون بين المنزلتين ونورا أمكن ما يعنى به الإيمان قيل ويحتمل أن يراد به النور الذي يوتاه المؤمن يوم القيامة وجعلنا في هذه الآية بمعنى صيرنا فهي تتعدى إلى مفعولين الأول مجرميها والثاني أكابر وفي الكلام على هذا تقديم وتأخير تقديره وكذلك جعلنا في كل قرية مجرميها أكابر وقدم الأهم إذ لعلة كبرهم أجرموا ويصح أن يكون المفعول الأول أكابر ومجرميها مضاف والمفعول الثاني في قوله في كل قرية وليمكروا نصب بلام الصيروروة والأكابر جمع أكبر كما الأفاضل جمع أفضل قال الفخر وإنما جعل المجرمين أكابر لأنهم لأجل رياستهم أقدر علىالغدر والمكر وركوب الباطل من غيرهم ولأن كثرة المال والجاه يحملان الإنسان على المبالغة في حفظهما وذلك الحفظ لا يتم إلا بجميع الأخلاق الذميمة كالغدر والمكر والكذب والغيبة والنميمة والايمان الكاذبة ولو لم يكن للمال والجاه سوى أن الله تعالى حكم بأنه إنما وصف بهذه الأوصاف الذميمة من كان له مال وجاه لكفى ذلك دليلا على

خساسة المال والجاه انتهى وما ذكره في المال والجاه هوالأغلب وما يشعرون أي ما يعلمون وقوله سبحانه وإذا جاءتهم ءاية أي علامة ودليل على صحة الشرع تشططوا وقالوا لن نؤمن حتى يفلق لنا البحر ويحي لنا الموتى ونحو ذلك فرد الله تعالى عليهم بقوله الله أعلم حيث يجعل رسالاته فيمن اصطفاءه وانتخبه لا فيمن كفر وجعل يتشطط علىالله سبحانه قال الفخر قال المفسرون قال الوليد بن المغيرة لو كانت النبوة حقا لكنت أولى بها قال الضحاك أراد كل واحد من هؤلاء الكفرة أن يخص بالوحي والرسالة كما أخبر عنهم سبحانه بل يريد كل امرىء منهم أن يؤتى صحفا منشرة انتهى ثم توعد سبحانه بأن هؤلاء المجرمين الأكابر في الدنيا سيصيبهم عند الله صغار وذلة وقوله سبحانه فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام الآية من شرط ويشرح جواب الشرط والآية نص في أن الله تعالى يريد هدى المؤمن وضلال الكافر وهذا عند جميع أهل السنة بالإرادة القديمة التي هي صفة ذاته تبارك وتعالى والهدى هنا هو خلق الإيمان في القلب وشرح الصدر هو تسهيل الإيمان وتحبيبه وإعداد القلب لقبوله وتحصيله والصدر عبارة عن القلب وفي يشرح ضمير يعود على اسم الله عز و جل يعضده اللفظ والمعنى ولا يحتمل غيره والقول بأنه عائد علىالمهدى قول يتركب عليه مذهب القدرية في خق الأعمال ويجب أن يعتقد ضعفه والحذر منه وروي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه لما نزلت هذه الآية قالوا يا رسول الله كيف يشرح الصدر قال إذا نزل النور في القلب انشرح له الصدر وانفس قالوا وهل لذلك علامة يا رسول الله قال نعم الإنابة إلى دار الخلود والتجافي عن دار الغرور والاستعداد للموت قبل الموت والقول في قوله ومن يرد أن يضله كالقول في قوله فمن يرد الله أن يهديه وقرأ حمزة وغيره حرجا بفتح الراء وروي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قرأها

يوما بفتح الراء فقرأها له بعض الصحابة بكسر الراء فقال أبغوني رجلا من كنانة وليكن راعيا وليكن من بني مدلح فلما جاء قال له يا فتى ما الحرجة عندكم قال الشجرة تكون بين الأشجار لا تصل إليها راعية ولا وحشية قال عمر كذلك قلب المنافق لا يصل إليه شيء من الخير وقوله سبحانه كانما يصعد في السماء أي كأن هذا الضيق الصدر متى حاول الإيمان أو فكر فيه يجد صعوبته عليه والعياذ بالله كصعوبة الصعود في السماء قاله ابن جريج وغيره وفي السماء يريد من سفل إلى علو وتحتمل الآية أن يكون التشبيه بالصاعد في عقبة كؤد كأنه يصعد بها في الهواء ويصعد معناه يعلو ويصعد معناه يتكلف من ذلك ما يشق عليه وقوله كذلك يجعل الله الرجس أي وكما كان الهدى كله من الله والضلال بإرادته تعالى ومشيئته كذلك يجعل الله الرجس قال أهل اللغة الرجس يأتي بمعنى العذاب ويأتي بمعنى النجس وقوله تعالى وهذا صراط ربك مستقيما الآية هذا إشارة إلى القرآن والشرع الذي جاء به نبينا محمد صلى الله عليه و سلم قاله ابن عباس وفصلنا معناه بينا وأوضحنا وقوله سبحانه لقوم يذكرون أي للمؤمنين والضمير في قوله لهم دار السلام عائد عليهم والسلام يتجه أن يكون اسما من أسماء الله عز و جل ويتجه أن يكون مصدر بمعنى السلامة وقوله تعالى عند ربهم يريد في الآخرة بعد الحشر ووليهم أي ولي الأنعام عليهم وبما كانوا يعملون أي بسبب ما كانوا يقدمون من الخير ويفعلون من الطاعة والبر وقوله سبحانه ويوم نحشرهم جميعا يا معشر الجن قد استكثرتم من الانس المعنى وأذكر يوم وفي الكلام حذف تقديره نقول يا معشر الجن وقوله قد استكثرتم معناه افرطتم ومن الانس يريد في اضلالهم واغوائهم قاله ابن عباس وغيره وقال الكفار من الانس وهم أولياء الجن الموبخين على جهة الاعتذار عن الجن ربنا استمتع بضعنا ببعض

أي انتفع وذلك كاستعاذتهم بالجن إذ كان العربي إذا نزل واديا ينادي يا رب الوادي إني استجير بك في هذه الليلة ثم يرى سلامته إنما هي بحفظ جني ذلك الوادي ونحو ذلك وبلوغ الأجل المؤجل هو الموت وقيل هو الحشر وقوله تعالى قال النار مثواكم الآية اخبار من الله تعالى عما يقول لهم يوم القيامة اثر كلامهم المتقدم ومثواكم أي موضع ثوابكم كمقامكم الذي هو موضع الإقامة قاله الزجاج والاستثناء في قوله إلا ما شاء الله قالت فرقة ما بمعنى من فالمراد إلا من شاء الله ممن آمن في الدنيا بعد ان كان من هؤلاء الكفرة وقال الطبري أن المستثنى هي المدة التي بين حشرهم إلى دخولهم النار وقال الطبري عن ابن عباس أنه كان يتأول في هذا الاستثناء أنه مبلغ حال هؤلاء في علم الله ثم أسند إليه أنه قال أن هذه الآية آية لا ينبغي لاحد أن يحكم على الله في خلقه لا ينزلهم جنة ولا نارا قال ع والإجماع على التخليد الأبدي في الكفار ولا يصح هذا عن ابن عباس رضي الله عنه قال ص إلا ما شاء الله قيل استثناء منقطع أي لكن ما شاء الله من العذاب الزائد على النار وقيل متصل واختلفوا في تقدره فقيل هو استثناء من الأشخاص وهم من آمن في الدنيا ورد بأنه يختلف زمان المستثنى والمستثنى منه فيكون منقطعا لا متصلا لأن من شرط المتصل اتخاذ زماني المخرج والمخرج منه انتهى وقيل غير هذا وقوله سبحانه وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا قال قتادة معناه نجعل بعضهم ولي بعض في الكفر والظلم وقال أيضا المعنى نجعل بعضهم يلي بعضا في دخول النار وقال ابن زيد معناه نسلط بعض الظالمين على بعض ونجعلهم أولياء النقمة منهم قال ع وقد حفظ هذا في استعمال الصحابة والتابعين كقول ابن الزبير إلا أن فم الذبان قتل لطيم الشيطان وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون وقوله تعالى

يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم الآية هذا الكلام داخل في القول يوم الحشر قال الفخر قال أهل اللغة المعشر كل جماعة أمرهم واحد وتحصل بينهم معاشرة ومخالطة فالمعشر المعاشر انتهى ومنكم يعنى من الانس قاله ابن جريج وغيره وقال ابن عباس من الطائفتين ولكن رسل الجن هم رسل رسل الإنس وهم النذر ويقصون من القصص وقولهم شهدنا إقرار منهم بالكفر وقوله سبحانه وغرتهم الحياة الدنيا التفاتة فصيحة تضمنت أن كفرهم كان بأذم الوجوه لهم وهو الاغترار الذي لا يواقعه عاقل ويحتمل غرتهم أن يكون بمعنى أشبعتهم وأطغتهم بحلوائها كما يقال غر الطائر فرخه وقوله سبحان وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين الجمع بين هذه الآية وبين الآيي التي تقتضي إنكار المشركين الاشراك هو إما بأنها طوائف وإما بأنها طائفة واحدة في مواطن شتى وقوله ذلك أن لم يكن أي ذلك الأمر والقرى المدن والمراد أهل القرى وبظلم يحتمل معنيين أحدهما أنه لم يكن سبحانه ليهلكهم دون نذارة فيكون ظلما لهم والله تعالى ليس بظلام للعبيد والآخران الله عز و جل لم يهلكهم بظلم واقع منهم دون أن ينذرهم وهذا هو البين القوي وذكر الطبري رحمه الله التأويلين وقوله سبحانه ولكل درجات مما عملوا الآية اخبار من الله سبحانه أن المؤمنين في الآخرة على درجات من التفاضل بحسب أعمالهم وتفضل المولى سبحانه عليهم ولكن كل راض بما أعطي غاية الرضى والمشركون أيضا علىدركات من العذاب قلت وظاهر الآية أن الجن يثابون وينالون الدرجات والدركات وقد ترجم البخاري على ذلك فقال ذكر الجن وثوابهم وعقابهم لقوله تعالى يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم الآية إلى قوله وما ربك بغافل عما يعلمون قال الداودي قال الضحاك من الجن من يدخل الجنة ويأكل ويشرب انتهى

وقوله سبحانه وربك الغني ذو الرحمة أن يشأ يذهبكم ويستخلف من بعدهم ما يشاء الآية مضمنة وعيدا وتحذيرا من بطش الله عز و جل في التعجيل بذلك وأما مع المهلة ومرور الجديدين فذلك عادته سبحانه في الخلق باذهاب خلق واستخلاف آخرين وقوله سبحانه إنما توعدون ءلات هو من الوعيد بقرينة وما أنتم بمعجزين أي وما أنتم بناجين هربا فتعجزون طالبكم ثم أمر سبحانه نبيه عليه السلام أن يتوعدهم بقوله اعملوا أي فسترون عاقبة عملكم الفاسد وصيغة افعل هنا هي بمعنى الوعيد والتهديد وعلى مكانتكم معناه على حالكم وطريقتكم وعاقبة الدار أي مآل الآخرة ويحتمل مآل الدنيا بالنصر والظهور ففي الآية إعلام بغيب وقوله وجعلوا لله مما ذرأ يعني مشركي العرب الذين تقدم الرد عليهم من أول السورة وذرأ معناه خلق وأنشأ وبث وسبب نزول هذه الآية أن العرب كانت تجعل من غلاتها وزروعها وثمارها وأنعامها جزأ تسمية لله وجزأ تسمية لأصنامها وكانت عادتها التحفي والاهتبال بنصيب الأصنام أكثر منها بنصيب الله إذ كانوا يعتقدون أن الأصنام بها فقر وليس ذلك بالله سبحانه فكانوا إذا جمعوا الزرع فهبت الريح فحملت من الذي لله إلىالذي لشركائهم أقروه وإذا حملت من الذي لشركائهم إلى الذي لله ردوه وإذا لم يصيبوا في نصيب شركائهم شيئا قالوا لا بد للآلهة من نفقة فيجعلون نصيب الله تعالى في ذلك قال هذا المعنى ابن عباس ومجاهد والسدي وغيرهم انهم كانوا يفعلون هذا ونحوه من الفعل وكذلك في الأنعام كانوا إذا أصابتهم ألسنة أكلوا نصيب الله وتحاموا نصبب شركائهم وقوله سبحانه وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم الكثير هنا يراد به من كان يئد من شركي العرب والشركاء هاهنا الشياطين الآمرون بذلك المزينون له والحاملون عليه أيضا من بني آدم ومقصد

الآية الذم للوأد والانحناء على فعلته وليردوهم معناه ليهلكوهم من الردى وليلبسوا معناه ليخلطوا وقوله سبحانه ولو شاء الله ما فعلوه يقتضي أن لا شيء إلا بمشيئة الله عز و جل وفيها رد على من قال بأن المرء يخلق أفعاله وقوله فذرهم وعيد محض وقوله سبحانه وقالوا هذه أنعام وحرت حجر لا يطعمها إلا من نشاء بزعمهم وأنعام حرمت ظهورها الآية تتضمن ما شرعوه لأنفسهم والتزموه على جهة القربة كذبا منهم على الله سبحانه وحجر معناه التحجير وهو المنع والتحريم وانعام لا يذكرون أسم الله عليها قال جماعة من المفسرين أنهم كانت لهم سنة في أنعام ما أن لا يحج عليها فكانت تركب في كل وجه إلا في الحج وقالت فرقة بل ذلك في الذبائح جعلوا لآلهتهم نصيبا منها لا يذكرون الله على ذبحها وقوله سبحانه وقالوا ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكرونا ومحرم على أزواجنا الآية كان من مذاهبهم الفاسدة في بعض الأنعام أن يحرموا ما ولدت على نسائهم ويخصصونه لذكورهم فأزواجنا يراد به جماعة النساء التي هي معدة أن تكون أزواجا قاله مجاهد وقوله وإن يكن ميتة يعني أنه كان من سنتهم أن ماخرج من الأجنة ميتا من تلك الأنعام الموقوفة فهو حلال للرجال والنساء جميعا وكذلك ما مات من الأنعام الموقوفة نفسها ثم أعقب تعالى بوعيدهم على ما وصفوا أنه من القربات وقوله سبحانه قد خسر الذ1ين قتلوا أولادهم سفها بغير علم الآية تتضمن التشنيع بسوء فعلهم والتعجيب من سوء حالهم فيما ذكر قال عكرمة وكان الوأد في ربيعة وفي مضر قال ع وكان جمهور العرب لا يفعله ثم ان فاعليه كان منهم من يفعله خوف العيلة والأفتقار وكان منهم من يفعله غيره مخافة السباء وقد ضلوا اخبار عنهم بالحيرة وما كانوا يريد في هذه الفعلة ويحتمل أن يريد وما كانوا قبل ضلالهم بهذه الفعله مهتدين ولكنهم زادوا

بهذه الفعلة ضلالا وقوله سبحانه وهو الذي أنشأ جنات معروشات وغير معروشات الآية تنبيه على مواضع الإعتبار وأنشأ معناه خلق واخترع ومعروشات قال ابن عباس ذلك في ثمر العنب منها ما عرش وسمك ومنها ما لم يعرش ومتشابها يريد في المنظر وغير متشابه في الطعم قاله ابن جريج وغيره وقوله كلوا من ثمره نص في الإباحة وقوله سبحانه وءاتوا حقه يوم حصاده قال ابن عباس وجماعة هي في الزكاة المفروضة قال ع وهذا القول معترض بأن السورة مكية وبانه لا زكاة فيما ذكر من الرمان وما في معناه وحكى الزجاج ان هذه الآية قيل فيها أنها نزلت بالمدينة وقال مجاهد وغيره بل قوله وآتوا حقه يوم حصاده ندب إلى اعطاء حقوق من المال غير الزكاة والسنة أن يعطي الرجل من زرعه عند الحصاد وعند الذرو وعند تكديسه في البيدر فإذا صفى وكال أخرج من ذلك الزكاة وقالت طائفة هذا حكم صدقات المسلمين حتى نزلت الزكاة المفروضة فنسختها قال ع والنسخ غير مترتب في هذه الآية ولا تعارض بينها وبين آية الزكاة بل تنبنى هذه على الندب وتلك على الفرض وقوله سبحانه ولا تسرفوا انه لا يحب المسرفين النهي عن الاسراف أما للناس عن التمنع عن أدائها لان ذلك اسراف من الفعل وأما للولاة عن التشطط على الناس والاذاية لهم وكل قد قيل به في تأويل الآية وقوله سبحانه ومن الأنعام حمولة وفرشا محمولة عطف على جنات معروشات التقدير وأنشأنا من الانعام حمولة والحمولة ما تحمل الأثقال من الابل والبقر عند من عادته أن يحمل عليها والفرش ما لا يحمل ثقلا كالغنم وصغار البقر والابل وهذا هو المروي عن ابن مسعود وابن عباس والحسن وغيرهم ولا مدخل في الآية لغير الأنعام وقوله كلوا مما رزقكم الله نص أباحة وأزالة ما سنه الكفرة من البحيرة والسائبة

وغير ذلك ثم تابع النهي عن تلك السنن الآفكة بقوله سبحانه ولا تتبعوا خطوات الشيطان وهي جمع خطوة أي لا تمشوا في طريقه قلت ولفظ البخاري خطوات من الخطو والمعنى ءاثاره انتهى وقوله سبحانه ثمانية أزواج اختلف في نصبها فقيل على البدل من ما في قوله كلوا مما رزقكم الله وقيل على الحال وقيل على البدل من قوله حمولة وفرشا وهذا أصوب الأقوال وأجراها مع معنى الآية والزوج الذكر والزوج الأنثى فكل واحد منهما زوج صاحبه وهي أربعة أنواع فتجيء ثمانية أزواج والضأن جمع ضائنة وضائن وقوله سبحانه قل آلذكرين حرم أم الأنثيين هذا تقسيم على الكفار حتى يتبين كذبهم على الله أي لا بد أن يكون حرم الذكرين فيلزمكم تحريم جميع الذكور أو الأنثيين فيلزمكم تحريم جميع الإناث أما اشتملت عليه أرحام الأنثيين فيلزمكم تحريم الجميع وانتم لم تلتزموا شيأ يوجبه هذا التقسيم وفي هذه السؤالات تقريع وتوبيخ ثم اتبع تقريعهم بقوله نبؤنى أي أخبرونى بعلم أي من جهة نبؤة أو كتاب من كتب الله أن كنتم صادقين وأن شرط وجوابه في نبؤنى وقوله سبحانه ومن الابل اثنين ومن البقر اثنين قل آلذكرين حرم الآية القول في هذه الآية في المعنى وترتيب التقسيم كما تقدم فكأنه قال انتم الذين تدعون أن الله حرم خصائص من هذه الأنعام لا يخلو تحريمه من أن يكون في الذكرين أو في الأنثيين أو فيما اشتملت عليه أرحام الأنثيين لكنه لم يحرم لا هذا ولا هذا ولا هذا فلم يبق إلا أنه لم يقع تحريم قال الفخر والصحيح عندي أن هذه الآية لم ترد على سبيل الاستدلال على بطلان قولهم بل هي استفهام على سبيل الانكار وحاصل الكلام أنكم لا تعترفون بنبوءة أحد من الأنبياء فكيف تثبتون هذه الأحكام المختلفة انتهى وقوله سبحانه أم كنتم شهداء إذ وصاكم الله

بهذا أستفهام على سبيل التوبيخ وشهداء جمع شهيد وباقي الآية بين وقوله تعالى قل لا أجد في ما أوحي الي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميته الآية هذه الآية نزلت بمكة ولم يكن في الشريعة في ذلك الوقت شيء محرم غير هذه الأشياء ثم نزلت سورة المائدة بالمدينة وزيد في المحرمات كالخمر وكأكل كل ذي ناب من السباع مما وردت به السنة قال ع ولفظة التحريم إذا وردت على لسان رسول الله صلى الله عليه و سلم فإنها صالحة أن تنتهي بالشيء المذكور غاية المنع والحظر وصالحة بحسب اللغة أن تقف دون الغاية في حيز الكراهية ونحوها فما اقترنت به قرينة التسليم من الصحابة المتأولين وأجمع عليه الكل منهم ولم تضطرب فيه الفاظ الأحاديث وأمضاه الناس وجب بالشرع أن يكون تحريمه قد وصل الغاية من الحظر والمنع ولحق بالخنزير والميتة وهذه صفة تحريم الخمر وما أقترنت به قرينة اضطراب الفاظ الحديث واختلف الأمة فيه مع علمهم بالاحاديث كقوله عليه السلام كل ذي ناب من السباع حرام وقد روي عنه نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم عن أكل كل ذي ناب من السباع ثم اختلفت الصحابة ومن بعدهم في تحريم ذلك فجاز لهذه الوجوه لمن ينظر أن يحمل لفظ التحريم على المنع الذي هو على الكراهية ونحوها وما اقترنت به قرينة التأويل كتحريمه عليه السلام لحوم الحمر الأنسية فتأول بعض الصحابة الحاضرين ذلك لأنها لم تخمس وتأول بعضهم أن ذلك ليلا تفنى حمولة الناس وتأول بعضهم التحريم المحض وثبت في الأمة الاختلاف في لحمها فجائز لمن ينظر من العلماء أن يحمل لفظ التحريم بحسب اجتهاده وقياسه على كراهية أو نحوها وباقي الآية بين وقوله سبحانه وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر الآية هذا خبر من الله سبحانه يتضمن تكذيب اليهود

في قولهم أن الله لم يحرم علينا شيأ وإنما حرمنا على أنفسنا ما حرمه إسرائيل على نفسه وكل ذي ظفر يراد به الابل والنعام وإلاوز ونحوه من الحيوان الذي هو غير منفرج الأصابع وله ظفر وأخبرنا سبحانه في هذه الآية بتحريم الشحوم عليهم وهي الثروب وشحم الكلى وما كان شحما خالصا خارجا عن الاستثناء الذي في الآية واختلف في تحريم ذلك على المسلمين من ذبائحهم فعن مالك كراهية شحومهم من غير تحريم وقوله تعالى إلا ما حملت ظهورهما يريد ما أختلظ باللحم في الظهر والأجنا ونحوه قال السدي وأبو صالح الأليات مما حملت ظهورهما والحوايا ما تحوى في البطن واستدار وهي المصارين والحشوة ونحوها وقال ابن عباس وغيره هي المباعر وقوله أو ما أختلط بعظم يريد في سائر الشخص وقوله سبحانه ذلك جزيناهم ببغيهم يقتضى أن هذا التحريم إنما كان عقوبة لهم على بغيهم واستعصائهم على انبيائهم وقوله سبحانه وانا لصادقون اخبار يتضمن التعريض بكذبهم في قولهم ما حرم الله علينا شيأ وقوله سبحانه فإن كذبوك أي فيما أخبرت به أن الله حرمه عليهم فقل ربكم ذو رحمة واسعة أي في امهاله إذ لم يعاجلكم بالعقوبة مع شدة جرمكم ولكن لا تغتروا بسعة رحمته فإن له بأسا لا يرد عن القوم المجرمين اما في الدنيا وأما في الأخرة وهذه الآية وما جانسها من آيات مكة مرتفع حكمها بآية القتال ثم أخبر سبحانه نبيه عليه السلام بأن المشركين سيحتجون لتصويب ما هم عليه من شركهم و تدينهم بتحريم تلك الأشياء بإمهال الله تعالى لهم وتقريره حالهم وأنه لو شاء غير ذلك لما تركهم على تلك الحال ولا حجة لهم فيما ذكروه لأنه سبحانه شاء اشراكهم واقدرهم على الأكتساب ويلزمهم على احتجاجهم أن تكون كل طريقة وكل نحلة صوابا إذ كلها لو شاء الله لم تكن وفي الكلام حذف يدل عليه تناسق الكلام كانه قال سيقول

المشركون كذا وكذا وليس في ذلك حجة لهم ولا شيء يقتضى تكذيبك ولكن كذلك كذب الذين من قبلهم بنحو هذه الشبهة من ظنهم أن ترك الله لهم دليل على رضاه بحالهم وفي قوله تعالى حتى ذاقوا بأسنا وعيد بين وقوله سبحانه قل هل عندكم من علم أي من قبل الله قل فلله الحجة البالغة يريد البالغة غاية المقصد في الأمر الذي يحتج له ثم أعلم سبحانه أنه لو شاء لهدى العالم بأسره وهلم معناها هات وهي حينئذ متعدية وقد تكون بمعنى أقبل فلا تتعدى وبعض العرب يجعلها اسم فعل كرويدك وبعضهم يجعلها فعلا ومعنى الآية قل هاتوا شهداءكم الذين يشهدون أن الله حرم ما زعمتم تحريمه فإن شهدوا أي فإن افترى لهم أو زور شهادة أو خبرا عن نبوءة ونحو ذلك فجنب انت ذلك ولا تشهد معهم قلت وهذه الآية والتي بعدها من نوع ما تقدم من أن الخطاب له صلى الله عليه و سلم والمراد غيره ممن يمكن ذلك منه وهم بربهم يعدلون أي يجعلون له اندادا يسوونهم به تعالى الله عن قولهم وقوله سبحانه قل تعالوا اتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيأ هذا أمر من الله عز و جل لنبيه عليه السلام أن يدعو جميع الخلق إلى سماع تلاوة ما حرم الله بشرع الإسلام المبعوث به إلى الأسود والحمر وما نصبت بقوله اتل وهي بمعنى الذي وأن في قوله أن لا تشركوا في موضع رفع التقدير الأمر أن أو ذاك أن وقال كعب الأحبار هذه الآية هي مفتتح التوراة بسم الله الرحمن الرحيم قل تعالوا اتل ما حرم ربكم إلى آخر الآيات وقال ابن عباس هذه الآيات هي المحكمات المذكورة ي ال عمران اجتمعت عليها شرائع الخلق ولم تنسخ قط في مله وقد قيل أنها العشر الكلمات المنزلة على موسى والاملاق الفقر وعدم المال قاله ابن عباس وغيره قال القشيري خوف الفقر قرينة الكفر وحسن الثقة بالرب سبحانه نتيجة

الإيمان انتهى من التحبير وقوله سبحانه ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن قال مجاهد التي هي أحسن التجارة فيه والأشد هنا الحزم والنظر في الأمور وحسن التصرف فيها وليس هذا بالأشد المقرون بالأربعين بل هذا يكون مع صغر السن في ناس كثير وقوله سبحانه واوفوا الكيل والميزان أمر بالاعتدال وقوله سبحانه لا نكلف نفسا إلا وسعها يقتضي أن هذه الاوأمر إنما هي فيما يقع تحت قدرة البشر من التحفظ والتحرز وقوله تعالى وإذا قلتم فاعدلوا يتضمن الشهادات والأحكام والتوسط بين الناس وغير ذلك أي ولو كان ميل الحق على قراباتكم وقوله سبحانه وأن هذا صراطى مستقيما فاتبعوه الإشارة بهذا هي إلى الشرع الذي جاء به نبينا محمد صلى الله عليه و سلم وقال الطبري الإشارة هي إلى هذه الوصايا التي تقدمت من قوله قل تعالوا وقال ابن مسعود ان الله سبحانه جعل طريقه صراطا مستقيما طرقه محمد صلى الله عليه و سلم وشرعه ونهايته الجنة وتتشعب منه طرق فمن سلك الجادة نجا ومن خرج إلى تلك الطرق افضت به إلى النار وقال أيضا خط لنا رسول الله صلى الله عليه و سلم يوما خطا فقال هذا سبيل الله ثم خط عن يمين ذلك وعن شماله خطوطا فقال هذه سبل على كل سببيل منها شيطان يدعو إليها ثم قرأ هذه الآية قال ع وهذه الآية تعم أهل الأهواء والبدع والشذوذ في الفروع وغير ذلك من أهل التعمق في الجدل والخوض في الكلام هذه كلها عرضة للزلل ومظنة لسوء المعتقد ولعلكم ترج بحسبنا ومن حيث كانت المحرمات الأول لا يقع فيها عاقل قد نظر بعقله جاءت العبارة لعلكم تعقلون والمحرمات الأخر شهوات وقد يقع فيها من العقلاء من لم يتذكر وركوب الجادة الكاملة يتضمن فعل الفضائل وتلك درجة التقوى وقوله سبحانه ثم ءاتينا موسى الكتاب تماما على الذي أحسن

ثم في هذه الآية أنما مهلتها في ترتيب القول الذي أمر به نبينا محمد صلى الله عليه و سلم كأنه قال ثم مما قضيناه أنا ءاتينا موسى الكتاب ويدعو إلى ذلك أن موسى عليه السلام متقدم بالزمان على نبينا محمد صلى الله عليه و سلم وتلاوته ما حرم الله والكتاب التوراة وتماما مصدر وقوله على الذي أحسن مختلف في معناه فقالت فرقة الذي بمعنى الذين وأحسن فعل ماض صلة الذين وكأن الكلام وآتينا موسى الكتاب تفضلا على المحسنين من أهل ملته وإتماما للنعمة عليهم وهذا تأويل مجاهد ويؤيده ما في مصحف ابن مسعود تماما على الذين أحسنوا وقالت فرقة المعنى تماما على ما أحسن هو من عبادة ربه يعني موسى عليه السلام وهذا تأويل الربيع وقتادة وقالت فرقة المعنى تماما على الذي أحسن الله فيه إلى عباده من النبوءات وسائر النعم وبلقاء ربهم أي بالبعث وقوله سبحانه وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون هذا إشارة إلى القرآن ومبارك وصف بما فيه من التوسعات وأنواع الخيرات ومعناه منمى خيره مكثر والبركة الزيادة والنمو فاتبعوه دعاء إلى الدين واتقوا أمر بالتقوى العامة في جميع الأشياء بقرينة قوله لعلكم ترحمون وأن في قوله أن تقولوا في موضع نصب والعامل فيه انزلناه والتقدير وهذا كتاب أنزلناه كراهية أن تقولوا والطائفتان اليهود والنصارى بإجماع المتأولين والدراسة القراءة والتعلم بها ومعنى الآية إزالة الحجة ومن أيدي قريش وسائر العرب ولما تقرر أن البينة قد جاءتهم والحجة قد قامت عليهم حسن بعد ذلك أن يقع التقرير بقوله سبحانه فمن أظلم ممن كذب بآيات الله وصدف عنها أي حاد عنها وزاغ وأعرض وسنجزي الذي وعيد وقوله سبحانه هل ينظرون أي ينتظرون يعني العرب المتقدم الآن ذكرهم والملائكة هنا هم ملائكة الموت الذين يصحبون عزراءيل المخصوص بقبض

الأرواح قاله مجاهد وقتادة وابن جريج وقوله تعالى أو يأتي ربك قال الطبري لموقف الحساب يوم القيامة وأسند ذلك إلى قتادة وجماعة من المتأولين وقال الزجاج أن المراد أو يأتي عذاب ربك قال ع وعلى كل تأويل فإنما هو بحذف مضاف تقديره أمر ربك أو بطش ربك أو حساب ربك وإلا فالإتيان المفهوم من اللغة مستحيل على الله تعالى ألا ترى أن الله عز و جل يقول فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا فهذا اتيان قد وقع وهو على المجاز وحذف المضاف قال الفخر والجواب المعتمد عليه هنا أن هذا حكاية مذهب الكفار واعتقادهم فلا يفتقر إلى تأويله وأجمعوا على أن المراد بهذه الآيات علامات القيامة انتهى قلت وما ذكره الفخر من أن هذا حكاية مذهب الكفار هي دعوى تفتقر إلى دليل وقوله سبحانه أو يأتي بعض آيات ربك قال مجاهد وغيره هي إشارة إلى طلوع الشمس من مغربها بدليل التي بعدها قال ع ويصح أن يريد سبحانه بقوله أو يأتي بعض آيات ربك جميع ما يقطع بوقوعه من أشراط الساعة ثم خصص سبحانه بعد ذلك بقوله يوم يأتي بعض آيات ربك الآية التي ترتفع التوبة معها وقد بينت الأحاديث الصحاح في البخاري ومسلم أنها طلوع الشمس من مغربها ومقصد الآية تهديد الكفار بأحوال لا يخلون منها وقوله أو كسبت في ايمانها خيرا يريد جميع أعمال البر وهذا الفصل هو للعصاة من المؤمنين كما أن قوله لم تكن آمنت من قبل هو للكافرين فالآية المشار إليها تقطع توبة الصنفين قال الداودي قوله تعالى أو كسبت في أيمانها خيرا يريد أن النفس المؤمنة التي ارتكبت الكبائر لا تقبل منها التوبة يومئذ وتكون في مشيئة الله تعالى كأن لم تتب وعن عائشة رضي الله عنها إذا خرجت أول الآيات طرحت الأقلام وحبست الحفظة وشهدت الأجساد على الأعمال انتهى وقوله سبحانه

قل انتظروا انا متظرون لفظ يتضمن الوعيد وقوله سبحانه ان الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء قال ابن عباس وغيره المراد بالذين اليهود والنصارى أي فرقوا دين إبراهيم ووصفهم بالشيع إذ كل طائفة منهم لها فرق واختلافات ففي الآية حض للمؤمنين على الائتلاف وترك الاختلاف وقال أبو الأحوص وأم سلمة زوج النبي صلى الله عليه و سلم الآية في أهل البدع والأهواء والفتن ومن جرى مجراهم من أمة نبينا محمد صلى الله عليه و سلم أي فرقوا دين الإسلام وقرأ حمزة والكسائي فارقوا ومعناه تركوا وقوله تعالى لست منهم في شيء أي لا تشفع لهم ولا لهم بك تعلق وهذا على الإطلاق في الكفار وعلى جهة المبالغة في العصاة وقوله سبحانه إنما أمرهم إلى الله الآية وعيد محض وقال السدي هذه آية لم يؤمر فيها بقتال فهي منسوخة بالقتال قال ع الآية خبر لا يدخله نسخ ولكنها تضمنت بالمعنى أمرا بموادعة فيشبه أن يقال ان النسخ وقع في ذلك المعنى الذي قد تقرر نسخه في آيات أخرى وقوله سبحانه من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها الآية قال ابن مسعود وغيره الحسنة هنا لا إله إلا الله السيئة الكفر قال ع وهذه هي الغاية من الطرفين وقالت فرقة ذلك لفظ عام في جميع الحسنات والسيئات وهذا هو الظاهر وتقدير الآية من جاء بالحسنة فله ثواب عشر أمثالها وقرأ يعقوب وغيره فله عشر بالتنوين أمثالها بالرفع وقوله تعالى قل انني هداني ربي إلى صراط مستقيم دينا قيما ملة إبراهيم الآية في غاية الوضوح والبيان وقيما نعت للدين ومعناه مستقيما وملة بدل من الدين وقوله سبحانه قل إن صلاتي ونسكي الآية أمر من الله عز و جل لنبيه عليه السلام ان يعلن بأن مقصده في صلاته وطاعته من ذبيجة وغيرها وتصرفه مدة حياته وحاله من اخلاص وإيمان عند مماته إنما هو لله عز و جل وارادة

وجهه وطلب رضاه وفي إعلان النبي صلى الله عليه و سلم بهذه المقالة ما يلزم المؤمنين التأسي به حتى يلتزموا في جميع أعمالهم قصد وجه الله عز و جل ويحتمل أن يريد بهذه المقالة أن صلاته ونسكه وحياته ومماته بيد الله عز و جل والله يصرفه في جميع ذلك كيف شاء سبحانه ويكون قوله وبذلك أمرت على هذا التأويل راجعا إلى قوله لا شريك له فقط أو راجعا إلى القول وعلى التأويل الأول يرجع إلى جميع ما ذكر من صلاة وغيرها وقالت فرقة النسك في هذه الآية الذبائح قال ع ويحسن تخصيص الذبيحة بالذكر في هذه الآية أنها نازلة قد تقدم ذكرها والجدل فيها في السورة وقالت فرقة النسك في هذه الاية جميع أعمال الطاعات من قولك نسك فلان فهو ناسك إذا تعبد وقرأ السبعة سوى نافع ومحياي بفتح الياء وقرأ نافع وحده ومحياي بسكون الياء قال أبو حيان وفيه جمع بين ساكنين وسوغ ذلك ما في الألف من المد القائم مقام الحركة انتهى وقوله وأنا أول المسلمين أي من هذه الأمة وقوله سبحانه قل أغير الله ابغي ربا وهو رب كل شيء الاية حكى النقاش أنه روي أن الكفار قالوا للنبي صلى الله عليه و سلم ارجع يا محمد إلى ديننا واعبد آلهتنا واترك ما أنت عليه ونحن نتكفل لك بكل تباعة تتوقعها في دنياك وآخرتك فنزلت هذه الآية وهي استفهام يقتضي التوبيخ لهم وابغي معناه أطلب فكأنه قال أفيحسن عندكم أن اطلب إلها غير الله الذي هو رب كل شيء وما ذكرتم من كفالتكم باطل ليس الأمر كما تظنون فلا تكسب كل نفس من الشر والإثم إلا عليها وحدها ولا تزر أي تحمل وازرة أي حاملة حمل أخرى وثقلها والوزر أصله الثقل ثم استعمل في الإثم تجوزا واستعارة ثم إلى ربكم مرجعكم تهديد ووعيد وقوله فينبئكم بما كنتم فيه

تختلفون أي في أمرى في قول بعضكم هو ساحر وبعضكم هو شاعر إلى غير ذلك قاله بعض المتأولين وهذا التأويل يحسن في هذا الموضع وأن كان اللفظ يعم جميع أنواع الاختلافات بين الأديان والملل والمذاهب وغير ذلك وخلائف جمع خليفة أي يخلف بعضكم بعضا لأن من أتى خليفة لمن مضى وهذا يتصور في جميع الأمم وسائر أصناف الناس ولكنه يحسن في أمة نبينا محمد صلى الله عليه و سلم أن يسمى أهلها بجملتهم خلائف للأمم وليس لهم من يخلفهم إذ هم آخر الأمم وعليهم تقوم الساعة وروي الحسن بن أبي الحسن أن النبي صلى الله عليه و سلم قال توفون سبعين أمة انتم خيرها وأكرمها على الله عز و جل ويروى انتم آخرها وأكرمها على الله وقوله ورفع بعضكم فوق بعض درجات لفظ عام في المال والقوة والجاه وجودة النفوس والأذهان وغير ذلك وكل ذلك إنما هو ليختبر الله سبحانه الخلق فيرى المحسن من المسيء ولما أخبر الله عز و جل بهذا ففسح للناس ميدان العمل وحضهم سبحانه على الاستباق إلى الخيرات توعد ووعد تخويفا منه وترجية فقال ان ربك سريع العقاب إما بأخذاته في الدنيا وإما بعقاب الآخرة وحسن أن يوصف عقاب الآخرة بسريع لما كان متحققا مضمون الاتيان والوقوع وكل آت قريب وأنه لغفور رحيم ترجية لمن أذنب وأراد التوبة وهذا في كتاب الله كثير وهو اقتران الوعيد بالوعد لطفا من الله سبحانه بعباده اللهم أجعلنا ممن شملته رحمتك وغفرانك بجودك وإحسانك ومن كلام الشيخ الولي العارف أبي الحسن الشاذلي رحمه الله قال من أراد أن لا يضره ذنب فليقل رب أعوذ بك من عذابك يوم تبعث عبادك وأعوذ بك من عاجل العذاب ومن سوء الحساب فإنك لسريع الحساب وإنك لغفور رحيم رب إني ظلمت

نفسي ظلما كثيرا فاغفر لي وتب علي لا إله إلا أنت سبحانك اني كنت من الظالمين انتهى نسأل الله أن ينفع به ناظره وأن يجعله لنا ذخرا ونورا يسعى بين أيدينا يوم لقائه والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما
انتهى هذا الجزء الأول مصححا بالمقابلة على خط مؤلفه شكر الله سعيه وقدس سره

بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الاعراف مكية كلها قاله الضحاك وغيره وقال مقاتل هي مكية الا قوله سبحانه واسئلهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر الى قوله من ظهورهم ذرياتهم فان هذه الآيات مدنية
قوله جلت عظمته المص كتاب انزل اليك فلا يكن في صدرك حرج منه لتنذر به وذكرى للمؤمنين تقدم القول في تفسير الحروف المقطعة في اوائل السور والحرج الضيق ومنه الحرجة الشجر المتلف الذي قد تضايق والحرج هاهنا يعم الشك والخوف والهم وكل ما يضيق الصدر والضمير فى منه عائد على الكتاب أي بسبب من اسبابه
وقوله سبحانه فلا يكن في صدرك حرج منه اعتراض في اثناء الكلام ولذلك قال بعض الناس ان فيه تقديما وتاخيرا
وقوله وذكرى معناه تذكرة وارشاد
وقوله سبحانه اتبعوا ما انزل اليكم من ربكم امر يعم جميع الناس ولا تتبعوا من دونه أي من دون ربكم اولياء يريد كل من عبد واتبع من دون الله وقليلا نعت لمصدر نصب بفعل مضمر وقال مكي هو منصوب بالفعل الذي بعده وما في قوله ما تذكرون مصدرية
وقوله سبحانه وكم من قرية اهلكناها فجاءها بأسنا بياتا أو هم قائلون قالت فرقة المراد وكم من اهل قرية وقالت فرقة اللفظ يتضمن هلاك القرية واهلها

وهو اعظم من العقوبة والفاء في قوله سبحانه فجاءها بأسنا لترتيب القول فقط وقيل المعنى اهلكناها بالخذلان وعدم التوفيق فجاءها بأسنا بعد ذلك وبياتا نصب على المصدر في موضع الحال وقائلون من القائلة وانما خص وقتي الدعة والسكون لان مجيء العذاب فيهما افظع واهول لما فيه من البغتة والفجأة قال ابو حيان أو للتفصيل أي جاء بعضهم بأسنا ليلا وبعضهم نهارا انتهى و
قوله عز و جل فما كان دعواهم اذ جاءهم بأسنا الا ان قالوا انا كنا ظالمين هذه الآية يتبين منها ان المراد في الآية قبلها اهل القرى والدعوى في كلام العرب تأتي لمعنيين احدهما الدعاء ومنه قوله عز و جل فما زالت تلك دعواهم والثاني الادعاء وهذه الآية تحتمل المعنيين ثم استثنى سبحانه من غير الاول كأنه قال لم يكن منهم دعاء او ادعاء إلا الاقرار والاعتراف أي هذا كان بدل الدعاء والادعاء واعترافهم وقولهم انا كنا ظالمين هو في المدة التي ما بين ظهور العذاب الى اتيانه على انفسهم وفي ذلك مهلة بحسب نوع العذاب تتسع لهذه المقالة وغيرها وروى ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال ما هلك قوم حتى يعذروا من أنفسهم
وقوله سبحانه فلنسئلن الذين أرسل اليهم ولنسئلن المرسلين الآية وعيد من الله عز و جل لجميع العالم أخبر سبحانه انه يسأل الامم اجمع عما بلغ اليهم عنه وعن جميع اعمالهم ويسأل النبيين عما بلغوا وهذا هو سؤال التقرير فان الله سبحانه قد احاط علما بكل ذلك قبل السؤال فأما الانبياء والمؤمنون فيعقبهم جوابهم رحمة وكرامة وأما الكفار ومن نفذ عليه الوعيد من العصاة فيعقبهم جوابهم عذابا وتوبيخا ت وروى ابو عمر بن عبد البر في كتاب فضل العلم بسنده عن مالك انه قال بلغني ان العلماء يسألون يوم القيامة كما تسأل الانبياء يعني عن تبليغ العلم انتهى وخرج ابو نعيم الحافظ من حديث الاعمش عن النبي صلى الله عليه و سلم ما من عبد يخطو خطوة

الا يسأل عنها ما اراد بها وقد ذكرنا حديث مسلم عن ابي برزة في غير هذا الموضع وخرج الطبراني بسنده عن ابن عمر قال سمعت النبي صلى الله عليه و سلم يقول اذا كان يوم القيامة دعا الله بعبد من عباده فيوقفه بين يديه فيسأله عن جاهه كما يسأله عن عمله انتهى وروى مالك عن يحيى بن سعيد قال بلغني ان اول ما ينظر فيه من عمل المرء الصلاة فان قبلت منه نظر فيما بقي من عمله وان لم تقبل منه لم ينظر في شيء من عمله وروى ابو داود والترمذي والنساءي وابن ماجه معنى هذا الحديث مرفوعا عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال أول ما يحاسب به الناس يوم القيامة من اعمالهم الصلاة قال يقول ربنا عز و جل للملائكة انظروا في صلاة عبدي اتمها أم نقصها فان كانت تامة كتبت له تامة وان كان انتقص منها شيء قال الله انظروا هل لعبدي من تطوع فان كان له تطوع قال اتموا لعبدي فريضته من تطوعه ثم تؤخذ الاعمال على ذلك انتهى واللفظ لابي داود وقال النساءي ثم سائر الاعمال تجري على ذلك انتهى من التذكرة
وقوله سبحانه فلنقصن عليهم بعلم أي فلنسردن عليهم اعمالهم قصة قصة بعلم أي بحقيقة ويقين وما كنا غائبين
وقوله عز و جل والوزن يومئذ الحق التقدير والوزن الحق ثابت او ظاهر يومئذ أي يوم القيامة قال جمهور الامة ان الله عز و جل اراد ان يبين لعباده ان الحاسب والنظر يوم القيامة هو في غاية التحرير ونهاية العدل بامر قد عرفوه في الدنيا وعهدته افهامهم فميزان القيامة له عمود وكفتان على هيئة موازين الدنيا جمع لفظ الموازين اذ في الميزان موزونات كثيرة فكانه اراد التنبيه عليها قال الفخر والاظهر اثبات موازين في يوم القيامة لاميزان واحد لظواهر الآيات وحمل الموازين على الموزونات او على الميزان الواحد يوجبان العدول عن ظاهر اللفظ وذلك انما يصار اليه عند تعذر حمل الكلام على ظاهره ولا مانع هاهنا منه فوجب اجراء اللفظ على

حقيقته فكما لم يمتنع إثبات ميزان له كفتان فكذلك لا يمتنع إثبات موازين بهذه الصفة وما الموجب لتركه والمصير إلى التأويل انتهى قال أبو حيان موازينه جمع باعتبار الموزونات وهذا على مذهب الجمهور في أن الميزان واحد وقال الحسن لكل واحد ميزان فالجمع إذن حقيقة انتهى والآيات هنا البراهين والأوامر والنواهي
وقوله سبحانه ولقد مكناكم في الأرض وجعلنا لكم فيها معايش الآية خطاب لجميع الناس والمعايش بكسر الياء دون همز جمع معيشة وهي لفظة تعم جميع المأكول الذي يعاش به والتحرف الذي يؤدى إليه وقليلا نصب بتشكرون
ويحتمل أن تكون ما مع الفعل بتأويل المصدر وقليلا نعت لمصدر محذوف تقديره شكرا قليلا شكركم أو شكرا قليلا تشكرون
وقوله سبحانه ولد خلقناكم ثم صورناكم الآية هذه الآية معناها التنبيه على مواضع العبرة والتعجيب من غريب الصنعة وإسداء النعمة واختلف العلماء في ترتيب هذه الآية لأن ظاهرها يقتضي أن الخلق والتصوير لبني آدم قبل القول للملائكة أن يسجدوا وقد صححت الشريعة أن الأمر لم يكن كذلك فقالت فرقة المراد بقوله سبحانه ولقد خلقناكم ثم صورناكم آدم وأن كان الخطاب لبنيه وقال مجاهد المعنى ولقد خلقناكم ثم صورناكم في صلب آدم وفي وقت استخراج ذرية آدم من ظهره امثال الذر في صورة البشر ويترتب في هذين القولين أن تكون ثم على بابها في الترتيب والمهلة وقال ابن عباس والربيع بن أنس أما خلقناكم فآدم وأما صورناكم فذريته في بطون الأمهات وقال قتادة وغيره بل ذلك كله في بطون الأمهات من خلق وتصوير وثم لترتيب الإخبار بهذه الجمل لا لترتيب الجمل في أنفسها
وقوله سبحانه فسجدوا إلا إبليس لم يكن من الساجدين قال ما منعك ألا تسجد إذا أمرتك

قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين قال فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها فاخرج إنك من الصاغرين قال أنظرني إلى يوم يبعثون قال إنك من المنظرين قال فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم تقدم الكلام على قصص الآية في سورة البقرة وما في قوله ما منعك استفهام على جهة التوبيخ والتقريع و لا في قوله ألا تسجد قيل هي زائدة والمعنى ما منعك أن تسجد وكذلك قال أبو حيان أنها زائدة كهي في قوله تعالى لئلا يعلم أهل الكتاب قال ويدل على زيادتها سقوطها في قوله تعالى ما منعك أن تسجد في ص انتهى وجواب إبليس اللعين ليس بمطابق لما سئل عنه لكن لما جاء بكلام يتضمن الجواب والحجة فكأنه قال منعني فضلي عليه إذ أنا خير منه وظن إبليس أن النار أفضل من الطين وليس كذلك بل هما في درجة واحدة من حيث أنهما جماد مخلوق ولما ظن إبليس أن صعود النار وخفتها يقتضي فضلا على سكون الطين وبلادته قاس أن ما خلق منها افضل مما خلق من الطين فأخطأ قياسه وذهب عليه أن الروح الذي نفخ في آدم ليس من الطين وقال الطبري ذهب عليه ما في النار من الطيش والخفة والاضطراب وفي الطين من الوقار والأناة والحلم والتثبت وروي عن الحسن وابن سيرين أنهما قالا أول من قاس إبليس وما عبدت الشمس والمقر إلا بالقياس وهذا القول منهما ليس هو بإنكار للقياس وإنما خرج كلامهما نهيا عما كان في زمانهما من مقاييس الخوارج وغيرهم فأرادا حمل الناس على الجادة وقوله سبحانه فاهبط منها الآية يظهر منه أنه اهبط أولا وأخرج من الجنة وصار في السماء لأن الأخبار تظاهرت أنه أغوى آدم وحواء من خارج الجنة ثم أمر اخرا بالهبوط من السماء مع آدم وحواء والحية وقوله إنك من الصاغرين حكم عليه بضد معصيته التي عصى بها وهي الكبرياء فعوقب بالحمل عليه بخلاف شهوته وامله والصغار الذل

قاله السدي ومعنى أنظرني أخرني فأعطاه الله النظرة إلى النفخة الأولى قاله أكثر الناس وهو الأصح والأشهر في الشرع وقوله فبما يريد به القسم كقوله في الآية الأخرى فبعزتك وأغويتني قال الجمهور معناه أضللتني من الغي وعلى هذا المعنى قال محمد بن كعب القرظي قاتل الله القدرية لإبليس أعلم بالله منهم يريد في أنه علم أن الله يهدي ويضل وقوله لأقعدن لهم صراطك المعنى لاعتراضن لهم في طريق شرعك وعبادتك ومنهم النجاة فلا صدنهم عنه ومنه قوله عليه السلام إن الشيطان قعد لابن آدم باطراقه نهاه عن الإسلام وقال تترك دين آبائك فعصاه فاسلم فنهاه عن الهجرة فقال تدع اهلك وبلدك فعصاه فهاجر فنهاه عن الجهاد فقال تقتل وتترك ولدك فعصاه فجاهد فله الجنة الحديث وقوله سبحانه ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين قال اخرج منها مذءوما مدحورا لمن تبعك منهم لاملأن جهنم منكم أجمعين مقصد الآية أن إبليس أخبر عن نفسه أنه يأتي اضلال بني آدم من كل جهة فعبر عن ذلك بألفاظ تقتضي الإحاطة بهم وفي اللفظ تجوز وهذا قول جماعة من المفسرين قال الفخر وقوله لأقعدن لهم صراتك المستقيم أي على صراطك اجمع النحاة على تقدير على في هذا الموضع انتهى وقوله ولا تجد أكثرهم شاكرين اخبر اللعين أن سعايته تفعل ذلك ظنا منه وتوسما في خلقة آدم حين رأى خلقته من أشياء مختلفة فعلم أنه ستكون لهم شيم تقتضي طاعته كالغل والحسد والشهوات ونحو ذلك قال ابن عباس وقتاده إلا أن إبليس لم يقل أنه يأتي بني آدم من فوقهم ولا جعل الله له سبيلا إلى أن يحول بينهم وبين رحمة الله وعفوه ومنه وما ظنه إبليس صدقه الله عز و جل ومنه قوله سبحانه ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا قريقا من المؤمنين فجعل أكثر

العالم كفرة ويبينه قوله صلى الله عليه و سلم في الصحيح يقول الله عز و جل يا آدم أخرج بعث النار فيقول يا رب وما بعث النار فيقول من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين إلى النار وواحد إلى الجنة ونحوه مما يخص أمة نبينا محمد صلى الله عليه و سلم ما أنتم في الأمم إلا كالشعرة البيضاء في الثور الأسود وشاكرين معناه مؤمنين لأن ابن آدم لا يشكر نعمة الله إلا بأن يؤمن قاله ابن عباس وغيره وقوله سبحانه أخرج منها أي من الجنة مذءوما أي معيبا مدحورا أي مقصيا مبعدا لمن تبعك بفتح اللام هي لام قسم وقال أبو حيان الظاهر إنها الموطئة للقسم ومن شرطية في موضع رفع بالابتداء وحذف جواب الشرط لدلالة جواب القسم عليه ويجوز أن تكون لام ابتداء ومن موصولة في موضع رفع بالابتداء والقسم المحذوف وجوابه وهو لاملأن في موضع خبرها انتهى وقال الفخر وقيل مذءوما أي محقورا فالمذءوم المحتقر قاله الليث وقال ابن الانباري المذءوم المذموم وقال الفراء اذأمته إذا عيبته انتهى وباقي الآية بين اللهم انا نعوذ بك من جهد البلاء وسوء القضاء ودرك الشقاء وشامتة الأعداء
جلا وعلا ويا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة فكلا من حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين إذا امر الانسان بشيء وهو متلبس به فإنما المقصد من ذلك أن يستمر على حاله ويتمادى في هيئته وقوله سبحانه لآدم اسكن وهو من هذا الباب وقد تقدم الكلام في سورة البقرة عل الشجرة وتعيينها وقوله سبحانه هذه قال م الأصل هذى والهاء بدل من الياء ولذلك كسرت الذال إذ ليس في كلامهم هاء تأنيث قبلها كسرة انتهى
عز و جل فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما ووري عنهما من سوآتهما الوسوسة الحديث في إخفاء همسا وأسرارا من الصوت والوسواس صوت الحلى فشبه الهمس

به وسمي إلقاء الشيطان في نفس ابن آدم وسوسة إذ هي أبلغ الأسرار وأخفاه هذا في حال الشيطان معنا الآن وأما مع آدم فممكن أن تكون وسوسة بمحاورة خفية أو بإلقاء في نفس واللام في ليبدي هي في قول الأكثرين لام الصيرورة والعاقبة ويمكن أن تكون لام كي على بابها وما ووري معناه ما ستر من قولك وأرى يواري إذا ستر والسوأة الفرج والدبر ويشبه أن يسمى بذلك لأن منظره يسوء وقالت طائفة إن هذه العباده إنما قصد بها أنها كشفت لهما معائهما وما يسوءهما ولم يقصد بها العورة وهذا القول محتمل إلا أن ذكر خصف الورق يرده إلا أن يقدر الضمير في عليهما عائد على بدنيهما فيصح
سبحانه وقال ما نهاكما الآية هذا القول المحكي عن إبليس يدخله من التأويل ما دخل الوسوسة فممكن أن يقول هذا مخاطبة وحوارا وممكن أن يقولها إلقاء في النفس ووحيا وإلا أن تقديره عند سيبويه والبصريين إلا كراهية ان وتقديره عند الكوفيين إلا أن لا على اضمار لا ويرجح قول البصريين أن إضمار الأسماء احسن من إضمار الحروف وقرأ جمهور الناس ملكين بفتح اللام وقرأ ابن عباس ملكين بكسرها ويؤيده قوله وملك لا بيلي وقال بعض الناس يؤخذ من هذه الألفاظ أن الملائكة أفضل من البشر وهي مسئلة اختلف الناس فيها وتمسك كل فريق بظواهر من الشريعة والفضل بيد الله يؤتيه من يشاء وقاسمهما أي حلف لهما بالله وهي مفاعلة إذ قبول المحلوف له اليمين كالقسم
عز و جل فدلاهما بغرور قال ع يشبه عندي أن تكون هذه استعارة من الرجل يدلي آخر من هوة بحبل قد ارم أو سبب ضعيف يغتر به فإذا تدلى به وتورك عليه انقطع به وهلك فيشبه الذي يغر بالكلام حتى يصدقه فيقع في مصيبة بالذي يدلي من هوة بسبب ضعيف
سبحانه بدت قيل تمزقت عنهما ثياب الجنة وملابسهما

وتطايرت تبريا منهما ويخصفان معناه يلصقانها والمخصف الاشقى وضم الورق بعضه إلى بعض اشبه بالخرز منه بالخياطة قال البخاري يخصفان يؤلفان الورق بعضه إلى بعض انتهى وهو معنى ما تقدم وروى أبي عن النبي صلى الله عليه و سلم أن آدم عليه السلام كان يمشي في الجنة كأنه النخلة السحوق فلما أكل من الشجرة وبدت له حاله فر على وجهه فأخذت شجرة بشعر رأسه فقال لها أرسلني فقالت ما أنا بمرسلتك فناداه ربه جل وعلا أمني تفر يا آدم فقال لا يا رب ولكن استحييك فقال أما كان لك فيما منحتك من الجنة مندوحة عما حرمت عليك قال بلى يا رب ولكن وعزتك ما ظننت أن أحدا يحلف بك كاذبا قال فبعزتي لأهبطنك إلى الأرض ثم لا تنال العيش الأكدا
عن تلكما يريد بحسب اللفظ أنه إنما أشار إلى شجرة مخصوصة وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين إشارة إلى الآية التي في طه في قوله فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى وهذا هو العهد الذي نسيه آدم على مذهب من جعل النسيان على بابه وقولهما ربنا ظلمنا أنفسنا اعتراف من آدم وحواء عليهما السلام وطلب للتوبة والستر والتغمد بالرحمة فطلب آدم هذا فأجيب وطلب إبليس النظرة ولم يطلب التوبة فوكل إلى سوء رأيه قال الضحاك وغيره هذه الآية هي الكلمات التي تلقى آدم من ربه
عز و جل قال اهبطوا بعضكم لبعض عدو المخاطبة بقوله اهبطوا قال أبو صالح والسدي والطبري وغيرهم هي لآدم وحواء وإبليس والحية وقالت فرقة هي مخاطبة لآدم وذريته وإبليس وذريته قال ع وهذا ضعيف لعدمهم في ذلك الوقت ت وما ضعفه رحمه الله صححه في سورة البقرة فتأمله هناك وعداوة الحية معروفة روى قتادة عن النبي صلى الله عليه و سلم ما سالمناهن منذ حاربناهن
سبحانه يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم الآية خطاب لجميع الأمم وقت النبي صلى الله عليه و سلم والسبب والمراد

قريش ومن كان من العرب يتعرى في طوافه بالبيت قال مجاهد ففيهم نزلت هذه الأربع آيات وقوله أنزلنا يحتمل التدريج أي لما أنزل المطر فكان عنه جميع ما يلبس ويحتمل أن يريد بانزلنا خلقنا كقوله وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج وأنزلنا الحديد ولباسا عام في جميع ما يلبس ويوارى يستر وقرأ الجهور وريشا وقرأ عاصم وأبو عمرو ورياشا وهما عبارتان عن سعة الرزق ورفاهة العيش وجودة الملبس والتمتع وقال البخاري قال ابن عباس وريشا المال انتهى وقرأ نافع وغيره ولباس بالنصب وقرأ حمزة وغيره بالرفع وقوله ذلك من آيات الله إشارة إلى جميع ما أنزل الله من اللباس والريش وحكى النقاش إن الإشارة إلى لباس التقوى أي هو في العبد آية أي علامة وإمارة من الله تعالى أنه قد رضي عنه ورحمه وقال ابن عباس لباس التقوى هو السمت الحسن في الوجه وقاله عثمان بن عفان على المنبر وقال ابن عباس أيضا هو العمل الصالح وقال عروة بن الزبير هو خشية الله وقيل هو لباس الصوف وكل ما فيه تواضع لله عز و جل وقال الحسن هو الورع وقال معبد الجهني هو الحياء وقال ابن عباس أيضا لباس التقوى العفة قال ع وهذه كلها مثل وهي من لباس التقوى ولعلهم ترج بحسبهم ومبلغهم من المعرفة وقوله عز و جل يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة الآية خطاب لجميع العالم والمقصود بها في ذلك الوقت من كان يطوف من العرب بالبيت عريانا قيل كانت العرب تطوف عراة إلا الحمس وهم قريش ومن والاها وهذا هو الصحيح ثم نودي بمكة في سنة تسع لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان والفتنة في هذه الآية الاستهواء والغلبة على النفس وأضاف الإخراج في هذه الآية إلى إبليس تجوزا لما كان هو السبب في ذلك قال أبو حيان كما أخرج كما في موضع نصب أي فتنة مثل فتنة إخراج أبويكم

انتهى
سبحانه إنه يراكم زيادة في التحذير وإعلام بأن الله عز و جل قد مكن إبليس من بني آدم في هذا القدر وبحسب ذلك يجب أن يكون التحرز بطاعة الله عز و جل وقبيل الشيطان يريد نوعه وصنفه وذريته والشيطان موجود وهو جسم قال النووي وروينا في كتاب ابن السني عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ستر ما بين أعين الجن وعورات بني آدم أن يقول الرجل المسلم إذا أراد أن يطرح ثيابه بسم الله الذي لا إله إلا هو انتهى وعن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال ستر ما بين الجن وعورات بني آدم إذا دخلوا الكنف أن يقولوا بسم الله رواه الترمذي وقال إسناده ليس بالقوي قال النووي قال العلماء من المحدثين والفقهاء وغيرهم يجوز ويستحب العمل في الفضائل والترغيب والترهيب بالحديث الضعيف ما لم يكن مضوعا وأما الأحكام كالحلال والحرام والبيع والنكاح والطلاق وغير ذلك فلا يعمل فيها إلا بالحديث الصحيح أو الحسن إلا أن يكون في احتياط في شيء من ذلك كما إذا ورد حديث ضعيف بكراهة بعض البيوع أو الانكحة فإن المستحب أن يتنزه عنه ولكن لا يجب انتهى
لأبي عمر بن عبد البر في - كتاب فضل العلم ثم أخبر عز و جل أنه صير الشياطين أولياء أي صحابة ومتداخلين للكفرة الذين لا إيمان لهم
وقوله وإذا فعلوا وما بعده داخل في صفة الذين لا يؤمنون والفاحشة في هذه الآية وإن كان اللفظ عاما هي كشف العورة عند الطواف فقد روي عن الزهري أنه قال إن في ذلك نزلت هذه الآية وقاله ابن عباس ومجاهد
عز و جل قل أمر ربي بالقسط تضمن معنى اقسطوا ولذلك عطف عليه قوله واقيموا حملا على المعنى والقسط العدل واختلف في قوله سبحانه وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد فقال مجاهد

والسدي أراد إلى الكعبة والمقصد على هذا على هذا شرع القبلة والتزامها وقيل أراد الأمر بإحضار النية لله في كل صلاة والقصد نحوه كما تقول وجهت وجهي لله قاله الربيع وقيل المراد إباحة الصلاة في كل موضع من الأرض أي حيث ما كنتم فهو مسجد لكم تلزمكم عند الصلاة إقامة وجوهكم فيه لله عز و جل
سبحانه كما بدأكم تعودون قال ابن عباس وقتادة ومجاهد المعني كما اوجدكم واخترعم كذلك يعيدكم بعد الموت والوقف على هذا التأويل تعودون وفريقا نصب بهدى والثاني منصوب بفعل تقديره وعذب فريقا وقال جابر بن عبد الله وغيره وروي معناه عن النبي صلى الله عليه و سلم أن المراد الإعلام بأن من سبقت له من الله الحسنى وكتب سعيدا كان في الآخرة سعيدا ومن كتب عليه أنه من أهل الشقاء كان في الآخرة شقيا ولا يتبدل من الأمور التي أحكمها ودبرها وأنفذها شيء فالوقف في هذا التأويل في قوله تعودون غير حسن وفريقا على هذا التأويل نصب على الحال والثاني عطف على الأول ويحسبون أنهم مهتدون معناه يظنون قال الطبري وهذه الآية دليل على خطأ من زعم أن الله لا يعذب أحدا على معصية ركبها أو ضلالة اعتقدها إلا أن يأتيها على علم منه بموضع الصواب
سبحانه يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد الآية هذا خطاب عام لجميع العالم كما تقدم وأمروا بهذه الأشياء بسبب عصيان حاضري ذلك الوقت من مشركي العرب فيها والزينة الثياب الساترة قاله مجاهد وغيره و عند كل مسجد أي عند موضع سجود فهي إشارة إلى الصلوات وستر العورة فيها ت ومن المستحسن هنا ذكر شيء مما جاء في اللباس فمن احسن الأحاديث في ذلك وأصحها ما رواه مالك في الموطإ عن أبي سعيد الخدري قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول أن أزرة المؤمن إلى أنصاف ساقيه لا جناح عليه فيما بينه وبين الكعبين ما سقط من اسفل ذلك ففي النار قال ذلك

ثلاث مرات لا ينظر الله عز و جل إلى من جر أزاره بطرا وحدث أبو عمر في التمهيد بسنده عن ابن عمر قال فيما قال رسول الله صلى الله عليه ولم في الأزار فهو في القميص يعني ما تحت الكعبين من القميص في النار كما قال في الأزار وقد روى أبو خيثمة زهير بن معاوية قال سمعت أبا إسحاق السبيعي يقول ادركتهم وقمصهم إلى نصف الساق أو قريب من ذلك وكم أحدهم لا يجاوز يده انتهى وورى أبو داود عن أسماء بنت يزيد قالت كانت يد كم قميص رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى الرسغ وأما احب اللباس فما رواه أبو داود عن أم سلمة قالت كان أحب الثياب إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم القميص انتهى وجاء في المسبل وعيد شديد وعنه صلى الله عليه و سلم أن قال لرجل اسبل ازاره ان هذا كان يصلى وهو مسبل ازاره وأن الله لا يقبل صلاة رجل مسبل ازاره رواه أبو داود انتهى
سبحانه وكلوا واشربوا إباحة لما التزموه من تحريم اللحم والودك في أيام المواسم قاله ابن زيد وغيره ويدخل في ذلك البحيرة والسائبة ونحو ذلك نص على ذلك قتادة
سبحانه ولا تسرفوا معناه لا تفرطوا قال أهل التأويل يريد تسرفوا بأن تحرموا ما لم يحرم الله عز و جل واللفظة تقتضي النهي عن السرف مطلقا ومن تلبس بفعل مباح فإن مشى فيه على القصد واوسط الأمور فحسن وإن أفرط جعل أيضا من المسرفين وقال ابن عباس في هذه الآية أحل الله الأكل والشرب ما لم يكن سرفا أو مخيلة قال ابن العربي قوله تعالى وكلوا واشربوا ولا تسرفوا الإسراف تعدى الحد فنهاهم سبحانه عن تعدى الحلال إلى الحرام وقيل لا يزيد على قدر الحاجة وقد اختلف فيه على قولين فقيل حرام وقيل مكروه وهو الأصح فإن قدر الشبع يختلف باختلاف البلدان والأزمان والإنسان والطعمان انتهى من أحكام القرآن
وقوله سبحانه قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده أي قل لهم على جهة التوبيخ

وزينة الله هي ما حسنته الشريعة وقررته وزينة الدنيا كل ما اقتضته الشهوة وطلب العلو في الأرض كالمال والبنين والطيبات قال الجمهور يريد المحللات وقال الشافعي وغيره هي المستلذات أي من الحلال وإنما قاد الشافعي إلى هذا تحريمه المستقذرات كالوزغ ونحوها فإنه يقول هي من الخبائث ت وقال مكي المعنى قل من حرم زينة الله أي اللباس الذي يزين الإنسان بأن يستر عورته ومن حرم الطيبات من الرزق المباحة وقيل عنى بذلك ما كانت الجاهلية تحرمه من السوائب والبحائر انتهى
وقوله سبحانه قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة قال ابن جبير المعنى قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا ينتفعون بها في الدنيا ولا يتبعهم إثمها يوم القيامة وقال ابن عباس والضحاك والحسن وقتادة وغيرهم المعنى هو أن يخبر صلى الله عليه و سلم أن هذه الطيبات الموجودات هي في الحياة الدنيا للذين آمنوا وإن كانت أيضا لغيرهم معهم وهي يوم القيامة خالصة لهم أي لا يشركهم أحدا في استعمالها في الآخرة وقرأ نافع وحده خالصة بالرفع والباقون بالنصب
وقوله سبحانه كذلك نفصل الآيات لقوم يعلمون أي كما فصلنا هذه الأشياء المتقدمة الذكر نفصل الآيات أي نبين الإمارات والعلامات والهدايات لقوم لهم علم ينتفعون به
وقوله عز و جل قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن الآية لما تقدم إنكار ما حرمه الكفار بآرائهم اتبعه بذكر ما حرم الله عز و جل و الفواحش في اللغة ما فحش وشنع وأصله من القبح في النظر وهي هنا إنما هي إشارة إلى ما نص الشرع على تحريمه فكل ما حرمه الشرع فهو فاحش والإثم لفظ عام في جميع الأفعال والأقوال التي يتعلق بمرتكبها إثم هذا قول الجمهور وقال بعض الناس هي الخمر وهذا قول مردود لأن هذه السورة مكية وإنما حرمت الخمر بالمدينة بعد احد والبغي التعدي وتجاوز الحد وان تقولوا على الله مالا تعلمون من أنه حرم البحيرة

والسائبة ونحوه
وقوله سبحانه ولكل أمة اجل فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون المعنى ولكل أمة أجل مؤقت لمجيء العذاب إذا كفروا وخالفوا أمر ربهم فأنتم أيتها الأمة كذلك قاله الطبري وغيره وقوله ساعة لفظ عين به الجزء القليل من الزمان والمراد جميع أجزائه والمعنى لا يستأخرون ساعة ولا اقل منها ولا أكثر وقوله عز و جل يا بني آدم أما يأتينكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي فمن اتقى واصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون والذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها اولائك أصحاب النار هم فيها خالدون الخطاب في هذه الآية لجميع العالم وان هي الشرطية دخلت عليها ما مؤكدة وكان هذا الخطاب لجميع الأمم قديمها وحديثها هو متمكن لهم ومتحصل منه لحاضري نبينا محمد صلى الله عليه و سلم أن هذا حكم الله في العالم منذ أنشأه ويأتينكم مستقبل وضع موضع ماض ليفهم أن الإتيان باق رقت الخطاب لتقوى الإشارة بصحة النبؤة إلى نبينا محمد صلى الله عليه و سلم وهذا على مراعاة وقت نزول الآية واسند الطبري إلى أبي سيار السلمي قال إن الله سبحانه خاطب آدم وذريته فقال يا بني آدم أما يأتينكم رسل منكم الآية قال ثم نظر سبحانه إلى الرسل فقال يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون الحديث قال ع ولا محالة أن هذه المخاطبة في الأزل وقيل المراد بالرسل نبينا محمد صلى الله عليه و سلم ذكره النقاش ويقصون أي يسردون ويوردون والآيات لفظ جامع لآيات الكتب المنزلة وللعلامات التي تقترن بالأنبياء ونفي الخوف والحزن يعم جميع أنواع مكاره النفس وانكادها
قوله سبحانه فمن فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته الآية هذه الآية وعيد واستفهام على جهة التقرير أي لا أحد أظلم منه والكتاب هو اللوح المحفوظ في قول الحسن وغيره وقيل ما تكتبه الحفظة ونصيبهم من ذلك هو

الكفر والمعاصي قاله مجاهد وغيره وقيل هو القرآن وحظهم فيه سواد الوجوه يوم القيامة وقال الربيع بن أنس وغيره المعنى بالنصيب ما سبق لهم في أم الكتاب من رزق وعمر وخير وشر في الدنيا ورجحه الطبري واحتج له بقوله تعالى بعد ذلك إذا جاءتهم رسلنا عند انقضاء ذلك فكان معنى الآية على هذا التأويل اولائك يتمتعون ويتصرفون في الدنيا بقدر ما كتب لهم حتى إذا جاءتهم رسلنا لموتهم وهذا تأويل جماعة وعلى هذا يترتب ترجيح الطبري وقالت فرقة رسلنا يريد بهم ملائكة العذاب يوم القيامة ويتوفونهم معناه عندهم يستوفونهم عددا في السوق إلى جهنم
وقوله سبحانه حكاية عن الرسل اين ما كنتم تدعون استفهام تقرير وتوبيخ وتوقيف على خزي وتدعون معناه تعبدون وتؤملون وقولهم ضلوا عنا معناه هلكوا وتلفوا وفقدوا ثم ابتدأ الخبر عن المشركين بقوله سبحانه وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين قوله سبحانه قال ادخلوا في أمم قد خلت من قبلكم من الجن والإنس في النار هذه حكاية ما يقول الله سبحانه لهم يوم القيامة بواسطة ملائكة العذاب نسأل الله العافية وعبر عن يقول بقال لتحقق وقوع ذلك وصدق القصة وهذا كثير وخلت حكاية عن حال الدنيا أي ادخلوا في النار في جملة الأمم السابقة لكم في الدنيا الكافرة ت وكذا قدره أبو حيان في جملة أمم قال وقيل في بمعنى مع أي مع أمم وتقدم له في البقرة أن في تجيء للمصاحبة كقوله تعالى ادخلوا في أمم قد خلت انتهى وقدم ذكر الجن لأنهم اعرق في الكفر وإبليس اصل الضلال والإغواء وهذه الآية نص في أن كفرة الجن في النار والذي يقتضيه النظر أن مؤمنيهم في الجنة لأنهم عقلاء مكلفون مبعوث إليهم آمنوا وصدقوا وقد بوب البخاري رحمه الله بابا في ذكر الجن وثوابهم وعقابهم وذكر عبد الجليل أن مؤمني الجن يكونون ترابا كالبهائم وذكر في ذلك حديثا مجهولا وما أراه يصح والله أعلم

والأخوة في هذه الآية أخوة الملة قال ص في النار متعلق بخلت أو بمحدوف وهو صفة لأمم أي في أمم سابقة في الزمان كائنة من الجن والأنس كائنة في النار ويحتمل أن يتعلق بادخلوا على أن في الأولى بمعنى مع والثانية للظرفية وإذا اختلف مدلول الحرفين جاز تعلقهما بمحل واحد انتهى وأدركوا معناه تلاحقوا اصله تداركوا ادغم فجلبت الف الوصل وقال البخاري اداركوا إجتمعوا انتهى
وقوله سبحانه قالت أخراهم لأولهم معناه قالت الأمم الأخيرة التي وجدت ضلالات متقررة وسننا كاذبة مستعملة للأولى التي شرعت ذلك وافترت على الله وسلكت سبيل الضلال ابتداء ربنا هؤلاء أضلونا أي طرقوا لنا طرق الضلال قال لكل ضعف أي عذاب مشدد على الأول والآخر ولكن لا تعلمون أي المقادير وصور التضعيف
قوله سبحانه وقالت أولاهم لأخراهم فما كان لكم علينا من فضل أي قد استوت حالنا وحالكم فذوقوا العذاب باجترامكم وهو من كلام الأمة المتقدمة للمتأخرة وقيل قوله فذوقوا هو من كلام الله عز و جل لجميعهم
وقوله سبحانه إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة الآية هذه الآية عامة في جميع الكفرة قديمهم وحديثهم قرأ نافع وغيره لا تفتح بتشديد التاء الثانية وقرأ أبو عمر وتفتح بالتاء أيضا وسكون الفاء وتخفيف ا لثانية وقرأ حمزة يفتح بالياء من أسفل وتخفيف التاء ومعنى الآية لا يرتفع لهم عمل ولا روح ولا دعاء فهي عامة في نفي ما يوجب للمؤمنين قاله ابن عباس وغيره ثم نفى سبحانه عنهم دخول الجنة وعلق كونه بكون محال وهو أن يدخل الجمل في ثقب الإبرة حيث يدخل الخيط والجمل كما عهد والسم كما عهد وقرأ جمهور المسلمين الجمل واحد الجمال وقرأ ابن عباس وغيره الجمل بضم ا لجيم تشديد الميم وهو حبل السفينة والسم الثقب من الإبرة وغيرها وكذلك أي وعلى هذه الصفة وبمثل هذا

الحتم وغيره نجزى الكفرة وأهل الجرائم على الله لهم من جهنم مهاد أي فراش ومسكن ومضجع يتمهدونه وهي لهم غواش جمع غاشية وهي ما يغشى الإنسان أي يغطيه ويستره من جهة فوق
وقوله سبحانه لا نكلف نفس إلا وسعها اولائك أصحاب الجنة هم فيها خالدون هذه آية وعد مخبرة أن جميع المؤمنين هم أصحاب الجنة ولهم الخلد فيها ثم اعترض فيها القول بعقب الصفة التي شرطها في المؤمنين باعتراض يخفف الشرط ويرجى في رحمة الله ويعلم أن دينه يسر وهذه الآية نص في أن الشريعة لا يتقرر من تكاليفها شيء لا يطاق وقد تقدم ذلك في سورة البقرة والواسع معناه الطاقة وهو القدر الذي يتسع له البشر
وقوله سبحانه ونزعنا ما في صدورهم من هذا إخبار من الله عز و جل أنه ينقى قلوب ساكني الجنة من الغل والحقد وذلك أن صاحب الغل معذب به ولا عذاب في الجنة وورد في الحديث الغل على باب الجنة كمبارك ألا بل قد نزعه الله من قلوب المؤمنين والغل الحقد والاحنة الخفية في النفس وقالوا الحمد لله الذي هدانا لهذا الإشارة بهذا يتجه أن تكون إلى الإيمان والأعمال الصالحات المؤدية إلى الجنة ويحتمل أن تكون إلى الجنة نفسها أي أرشدنا إلى طرقها وقرأ ابن عامر وحده ما كنا لنهتدي بسقوط الواو وكذلك هي في مصاحف أهل الشام ووجهها أن الكلام متصل مرتبط بما قبله ولما رأو تصديق ما جآت به الأنبياء عن الله سبحانه وعاينوا إنجاز المواعيد قالوا لقد جاءت رسل ربنا بالحق ونودوا أي قيل لهم بصياح وهذا النداء من قبل الله وإن مفسرة لمعنى النداء بمعنى أي وقوله بما كنتم تعملون لا على طريق وجوب ذلك على الله تعالى لكن بقرينة رحمته وتغمده والأعمال امارة من الله سبحانه وطريق إلى قوة الرجاء ودخول الجنة إنما هو بمجرد رحمته والقسم فيها على قدر الأعمال وأورثتم مشيرة إلى الأقسام وقوله سبحانه ونادى أصحاب الجنة

أصحاب النار أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا الآية هذا النداء من أهل الجنة لأهل النار تقريع وتوبيخ وزيادة في الكرب وهو بأن يشرفوا عليهم ويخلق الإدراك في الأسماع والأبصار وقوله سبحانه فأذن مؤذن بينهم أي اعلم معلم والظالمون هنا هم الكافرين ت حكي عن غير واحد أن طاووس دخل على هشام بن عبد الملك فقال له اتق الله وأحذر يوم الأذان فقال وما يوم الأذان فقال قوله تعالى فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين فصعق هشام فقال طاووس هذا ذل الوصف فكيف ذل المعاينة انتهى ويبغونها عوجا أي يطلبونها أو يطلبون لها والضمير في يبغونها عائد على السبيل وقوله سبحانه وبينهما حجاب وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم وبينهما أي بين الجنة والنار ويحتمل بين الجمعين والحجاب هو السور الذي ذكره الله عز و جل في قوله فضرب بينهم بسور له باب قال ابن عباس وقال مجاهد الأعراف حجاب بين الجنة والنار وقال ابن عباس أيضا هو تل بين الجنة والنار وذكر الزهراوي حديثا أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال أن احدا جبل يحبنا ونحبه وأنه يوم القيامة يمثل بين الجنة والنار يحتبس عليه أقوام يعرفون كلا بسيماهم هم إن شاء الله من أهل الجنة والأعراف جمع عرف وهو المرتفع من الأرض ومنه عرف الفرس وعرف الديك لعلوهما وقال بعض الناس سمي الأعراف أعرافا لأن أصحابه يعرفون الناس قال ع وهذه عجمة وإنما المراد على أعراف ذلك الحجاب أي أعاليه وقوله رجال قال الجمهور انهم رجال من البشر ثم اختلفوا في تعيينهم فقال شرحبيل بن سعد هم المستشهدون في سبيل الله الذين خرجوا عصاة لآبائهم وذكر الطبري في ذلك حديثا عن النبي صلى الله عليه و سلم وأنه تعادل عقوقهم واستشهادهم وقال ابن عباس وغيره هم قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم ووقع في مسند خثيمة بن سليمان في آخر

الجزء الخامس عشر عن جابر بن عبد اله قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم توضع الموازين يوم القيامة فتوزن الحسنات والسيئات فمن رجحت حسناته على سيئاته مثقال صؤابة دخل الجنة ومن رجحت سيئاته على حسناته مثقال صؤابة دخل النار قيل يا رسول الله فمن استوت حسناته وسيئاته قال أولئك أصحاب الأعراف لم يدخلوها وهم يطمعون وقيل غير هذا من التأويلات قال واللازم من الآية أن على أعراف ذلك السور أو على مواضع مرتفعة عن الفريقين حيث شاء الله تعالى رجالا من أهل الجنة يتأخر دخولهم ويقع لهم ما وصف من الاعتبار ويعرفون كلا بسيماهم أي بعلاماتهم من بياض الوجوه وحسنها في أهل الجنة وسوادها وقبحها في أهل النار إلى غير ذلك في حيز هؤلاء وحيز هؤلاء وقوله لم يدخلوها وهم يطمعون المراد به أهل الأعراف فقط وهو تأويل ابن مسعود والسدي وقتادة والحسن وقال والله ما جعل الله ذلك الطمع في قلوبهم إلا لخير أراده بهم قال ع وهذا هو الأظهر الأليق مما قيل في هذه الآية ولا نظر لأحد مع قول النبي صلى الله عليه و سلم
وقوله سبحانه وإذا صرفت أبصارهم أي أبصار أصحاب الأعراف فهم يسلمون على أصحاب الجنة وإذا نظروا إلى النار وأهلها قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين قاله ابن عباس وجماعة من العلماء
وقوله سبحانه ونادى أصحاب الأعراف رجالا يعرفونهم بسيماهم يريد من أهل النار ما أغنى عنكم جمعكم ما استفهام بمعنى التقرير والتوبيخ وما الثانية مصدرية وجمعكم لفظ يعم المال والأجناد والخول
وقوله سبحانه أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم اله برحمة ادخلوا الجنة أهل الأعراف هم القائلون إشارة إلى أهل الجنة والذين خوطبوا هم أهل النار والمعنى أهؤلاء الضعفاء في الدنيا الذين حلفتم أن الله لا يعبؤ بهم قيل لهم ادخلوا الجنة وقال النقاش اقسم أهل النار أن أصحاب

الأعراف داخلون النار معهم فنادتهم الملائكة أهولاء ثم نادت أصحاب الأعراف أدخلوا الجنة وقرأ عكرمة دخلوا الجنة على الأخبار بفعل ماض
قوله سبحانه ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء الآية لفظة النداء تتضمن أن أهل النار وقع لهم علم بأن أهل الجنة يسمعون نداءهم وجائز أن يكون ذلك وهم يرونهم بادراك يجعله الله لهم على بعد السفل من العلو وجائز أن يكون ذلك وبينهم السور والحجاب المتقدم الذكر وروي أن ذلك النداء هو عند اطلاع أهل الجنة عليهم وقوله سبحانه أو مما رزقكم الله إشارة إلى الطعام قاله السدي فيقول لهم أهل الجنة إن الله حرم طعام الجنة وشرابها على الكافرين وإجابة أهل الجنة بهذا الحكم هو عن أمر الله تعالى ومعنى قوله تعالى الذين اتخذوا دينهم لهوا أي بالإعراض والاستهزاء بمن يدعوهم إلى الإسلام وغرتهم الحياة الدنيا أي خدعتهم بزخرفها واعتقادهم أنها الغاية القصوى وقوله فاليوم ننساهم هو من أخبار الله عز و جل عما يفعل بهم والنسيان هنا بمعنى الترك أي نتركهم في العذاب كما تركوا النظر للقاء هذا اليوم قاله ابن عباس وجماعة وما كانوا عطف على ما من قوله كما نسوا ويحتمل أن تقدر ما الثانية زائدة ويكون قوله وكانوا عطفا على قوله نسوا وقوله سبحانه ولقد جئناهم بكتاب الضمير في جئناهم لمن نقدم ذكره والكتاب اسم جنس واللام في لقد لام قسم وقال يحيى بن سلام بل الكلام تم في يجحدون وهذا الضمير لمكذبي نبيا محمد صلى الله عليه و سلم وهو ابتداء كلام آخر والمراد بالكتاب القرآن الكريم وعلى علم معناه على بصيرة وقوله سبحانه هل ينظرون أي ينتظرون إلا تأويله أي مئاله وعاقبته يوم القيامة قاله ابن عباس وغيره وقال السدي مئالة في الدنيا وقعة بدر وغيرها ويوم القيامة أيضا ثم أخبر تعالى أن مئال حال هذا الدين يوم يأتي يقع معه ندمهم ويقولون تأسفا على ما فاتهم من

الإيمان لقد جاءت رسل ربنا بالحق فالتأويل على هذا من آل يؤل ونسوه يحتمل أن يكون بمعنى الترك وباقي الآية بين ت وهذا التقرير يرجح تأويل ابن سلام المتقدم
وقوله سبحانه إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام الآية خطاب عام يقتضي التوحيد والحجة عليه بدلائله وجاء في التفسير والأحاديث أن الله سبحانه ابتدأ الخلق يوم الأحد وكملت المخلوقات يوم الجمعة وهذا كله والساعة اليسيرة في قدرة الله سبحانه سواء قال م في ستة أيام ستة أصلها سدسة فأبدلوا من السين تاء ثم ادغموا الدال في التاء وتصغيره سديس وسديسة انتهى وقوله سبحانه ثم استوى على العرش معناه عند أبي المعالى وغيره من حذاق المتكلمين الملك والسلطان وخص العرش بالذكر تشريفا ا إذ هو أعظم المخلوقات
وقوله سبحانه ألا له الخلق والأمر إلا استفتاح كلام وأخذ المفسرون الخلق بمعنى المخلوقات أي هي كلها ملكه واختراعه وأخذوا الأمر مصدرا من آمر يأمر قال ع ويحتمل أن تؤخذ لفظة الخلق على المصدر من خلق يخلق خلقا أي له هذه الصفة إذ هو الموجد للأشياء بعد العدم ويؤخذ الأمر على أنه واحد الأمور فيكون بمنزلة قوله وإليه يرجع الأمر كله وإلى الله ترجع الأمور وكيف ما تأولت الآية فالجميع لله سبحانه وتبارك معناه عظم وتعالى وكثرت بركاته ولا يوصف بها إلا الله سبحانه و تبارك لا يتصرف في كلام العرب فلا يقال منه يتبارك و العالمين جمع عالم
وقوله عز و جل ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يجب المعتدين هذا أمر بالدعاء وتعبد به ثم قرن سبحانه بالأمر به صفات تحسن معه وقوله تضرعا معناه بخشوع وإستكانه والتضرع لفظة تقتضي الجهر لأن التضرع إنما يكون بإشارات جوارح وهيآت أعضاء تقترن بالطلب وخفية يريد في النفس خاصة وقد أثنى الله سبحانه على ذلك في قوله سبحانه إذ نادى ربه نداء خفيا ونحو

هذا قول النبي صلى الله عليه و سلم خير الذكر الخفي والشريعة مقررة أن السر فيما لم يفرض من أعمال البر أعظم أجرا من الجهر ت ونحو هذا لابن العربي لما تكلم على هذه الآية قال الأصل في الأعمال الفرضية الجهر والأصل في الأعمال النفلية السر وذلك لما يتطرق إلى النفل من الرياء والتظاهر بذلك في الدنيا والتفاخر على الأصحاب بالأعمال وقلوب الخلق جبلت بالميل إلى أهل الطاعة انتهى من الأحكام وقوله سبحانه إنه لا يحب المعتدين يريد في الدعاء وإن كان اللفظ عاما والاعتداء في الدعاء على وجوه منها الجهر الكثير والصياح وفي الصحيح عنه صلى الله عليه و سلم أيها الناس اربعوا على أنفسكم إنكم لا تدعون أصم ولا غائبا ومنها أن يدعو في محال ونحو هذا من التشطط وروي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال سيكون قوم يعتدون في الدعاء وحسب المراء أن يقول اللهم إني أسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل وأعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل وقال البخاري إنه لا يحب المتعدين أي في الدعاء وغيره انتهى ت قال الخطابي وليس معنى الاعتداء الإكثار فقد جاء عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال إن الله يحب الملحين في الدعاء وقال إذا دعا أحدكم فليستكثر فإنما هو يسأل ربه انتهى وروى أبو داود في سننه عن عبد الله بن مغفل قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول سيكون في هذه الأمة قوم يعتدون في الطهر والدعاء انتهى
وقوله سبحانه ولا تفسدوا في الأرض الآية ألفاظها عامة تتضمن كل فساد قل أو كثر بعد صلاح قل أو كثر والقصد بالنهي هو العموم وتخصيص شيء دون شيء في هذا تحكم إلا أن يقال على جهة المثال
وقوله سبحانه وأدعوه خوفا وطمعا أمر بأن يكون الإنسان في حالة تقرب وتحرز وتأميل لله عز و جل حتى يكون الخوف والرجاء

كالجناحين للطير يحملانه في طريق استقامة وان انفرد أحدهما هلك الإنسان وقد قال كثير من العلماء ينبغي أن يغلب الخوف الرجاء طول الحياة فإذا جاء الموت غلب الرجاء وقد رأى كثير من العلماء أن يكون الخوف أغلب على المرء بكثير وهذا كله طريق احتياط ومنه تمنى الحسن البصري أن يكون الرجل الذي هو آخر من يدخل الجنة وتمنى سالم مولى أبي حذيفة أن يكون من أصحاب الأعراف ثم أنس سبحانه بقوله إن رحمت الله قريب من المحسنين
وقوله سبحانه وهو الذي يرسل الرياح نشرا بين يدي رحمته حتى إذا أقلت سحابا ثقالا الآية هذه آية اعتبار واستدلال وقرأ عاصم الرياح بالجمع بشرا بالباء المضمومة والشين الساكنة وروي عنه بشرا بضم الباء والشين ومن جمع الريح في هذه الآية فهو أسعد وذلك أن الرياح حيث وقعت في القرآن فهي مقترنة بالرحمة كقوله ومن آياته أن يرسل الرياح مبشرات واكثر ذكر الريح مفردة إنما هو بقرينة عذاب كقوله سبحانه وفي عاد إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم وقد تقدم إيضاح هذا في سورة البقرة ومن قرأ في هذه الآية الريح بالإفراد فإنما يريد به اسم الجنس وأيضا فتقييدها بنشرا يزيل الاشتراك والإرسال في الريح هو بمعنى الأجراء والإطلاق ونشرا أي تنشر السحاب وأما بشرا بضم الباء والشين فجمع بشير كنذير ونذر والرحمة في هذه آية المطر وبين يدي أي أمام رحمته وقدامها وأقلت معناه رفعته من الأرض واستقلت به وثقالا معناه من الماء والعرب تصف السحاب بالثقل والريح نسوق السحاب من ورائه فهو سوق حقيقة والضمير في سقناه عائد على السحاب ووصف البلد بالموت استعارة بسبب شعثه وجذوبته والضمير في قوله فأنزلنا به يحتمل أن يعود على السحاب أي منه ويحتمل أن يعود على البلد ويحتمل أن يعود على الريح

وقوله تبارك وتعالى كذلك نخرج الموتى يحتمل مقصدين أحدهما أن يراد كهذه القدرة العظيمة هي القدرة على إحياء الموتى وهذا مثال لها الثاني أن يراد أن هكذا نصنع بالأموات من نزول المطر عليهم حتى يحيوا به حسب ما وردت به الآثار فيكون الكلام خبرا لا مثالا
وقوله سبحانه والبلد الطيب يخرج نباته آية متممة للمعنى الأول في الآية قبلها معرفة بعادة الله سبحانه في إنبات الأرضين فمن أراد أن يجعلها مثالا لقلب المؤمن وقلت الكافر كما هو محكي عن ابن عباس ومجاهد وقتادة والسدي فذلك مترتب لكن ألفاظ الآية لا تقتضي أن المثل قصد به ذلك والطيب هو الجيد التراب الكريم الأرض وخص بإذن ربه مدحا وتشريفا وهذا كما تقول لمن تغض منه أنت كما شاء الله فهي عبارة تعطي مبالغة في مدح أو ذم والخبيث هو السباخ ونحوها من رديء الأرض و النكد العسير القليل كذلك نصرف الآيات أي هكذا نبين الأمور و يشكرون معناه يؤمنون ويثنون بآلاء الله سبحانه
قوله عز و جل لقد أرسلنا نوحا إلى قومه فقال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم قال الملأ من قومه إنا لنراك في ضلال مبين قال يا قوم ليس بي ضلالة ولكني رسول من رب العالمين أبلغكم رسالات ربي وأنصح لكم وأعلم من الله مالا تعلمون قال الطبري أقسم الله تعالى أنه أرسل نوحا وكذا قال أبو حيان لقد اللام جواب قسم محذوف انتهى وغيره بالرفع بدل من قوله من اله لأنه في موضع رفع ويجوز أن يكون نعتا على الموضع لأن التقدير ما لكم إله غيره والملأ الجماعة من الإشراف قيل أنهم مأخذون من أنهم يملؤن النفس والعين ويحتمل من أنه إذا تمالؤا على أمرتم وقولهم إنا لنراك يحتمل من رؤية البصر ويحتمل من رؤية القلب وهو أظهر وفي ضلال أي في تلف وجهالة بما تسلك وقوله

لهم جواب عن هذا ليس بي ضلالة مبالغة في حسن الأدب والإعراض عن الجفاء منهم وتناول رفيق وسعة صدر حسب ما تقتضيه خلق النبؤة وقوله ولكني رسول تعرض لمن يريد النظر والبحث والتأمل في المعجزة وقوله عليه السلام وأعلم من الله ما لا تعلمون لفظ مضمنه الوعيد لا سيما وهم لم يسمعوا قط بأمة عذبت
وقوله أو عجبتكم إن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم ولتتقوا ولعلكم ترحمون فكذبوه فأنجيناه والذين معه في الفلك وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا أنهم كانوا قوما عمين الاستفهام هنا على جهة التقرير والتوبيخ وقوله على رجل منكم قيل على بمعنى مع وقيل هو على حذف مضاف تقديره على لسان رجل ويحتمل أن يكون معناه منزل على رجل منكم إذ كل ما يأتي من الله سبحانه فله حكم النزول ولعلكم ترج بحسب حال نوح ومعتقده
وقوله سبحانه فأنجيناه والذين معه في الفلك الآية وفي التفسير أن الذين كانوا مع نوح في السفينة أربعون رجلا وقيل ثمانون رجلا وثمانون امرأة وقيل عشرة وقيل ثمانية قاله قتادة وقيل سبعة والله أعلم وفي كثير من كتب الحديث الترمذي وغيره أن جميع الخلق الآن من ذرية نوح عليه السلام وقوله عمين جمع عم ويريد عمي البصائر وأتى في حديث الشفاعة وغيره أن نوحا أول الرسل
وقوله سبحانه وإلى عاد أخاهم هودا قال يا قوم اعبدوا الله مالكم من إله غيره أفلا تتقون قال الملأ الذين كفروا من قومه إنا لنراك في سفاهة وإنا لنظنك من الكاذبين قال يا قوم ليس بي سفاهة ولكني رسول من رب العالمين أبلغكم رسالات ربي وأنا لكم ناصح أمين عاد اسم الحي وهم عرب فيما يذكر وأخاهم نصب بأرسلنا وهو معطوف على نوح وهذه أيضا نذارة من هود عليه السلام وقوله افلا تتقون استعطاف إلى التقوى والإيمان وقوله أو عجبتم إن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم

واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح وزادكم في الخلق بسطة فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون قالوا أجئتنا لنعبد الله وحده ونذر ما كان يعبد آباؤنا فاتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين قوله وزادكم في الخلق أي في الخلقة والبسطة الكمال في الطول والعرض وقيل زادكم على أهل عصركم وقال الطبري زادكم على قوم نوح وقاله قتادة قال ع واللفظ يقتضي أن الزيادة على جميع العالم وهوالذي يقتضيه ما يذكر عنهم وروي أن طول الرجل منهم كان مائة ذراع وطول اقصرهم ستون ونحوها والآلاء جمع الى على مثل معي وهي النعمة والمنة قال الطبري وعاد هؤلاء فيما حدث ابن إسحاق من ولد عاد بن ارم بن عوص بن سام بن نوح وكانت مساكنهم الشحر من ارض اليمن وما وإلى حضرموت إلى عمان قال السدي وكانوا بالأحقاف وهي الرمال وكانت بلادهم اخصب بلاد فردها الله صحارى وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن قبر هود عليه السلام هنالك في كثيب احمر تخالطه مدرة ذات أراك وسدر وكانوا قد فشوا في جميع الأرض وملكوا كثيرا بقوتهم وعددهم وظلموا الناس وكانوا ثلاثة عشر قبيلة وكانوا أصحاب أوثان فبعث الله إليهم هودا من أفضلهم وأوسطم نسبا فدعاهم إلى توحيد الله سبحانه وإلى ترك الظلم قال ابن إسحاق ولم يأمرهم فيما يذكر بغير ذلك فكذبوه وعتوا واستمروا على ذلك إلى أن أراد الله إنفاذ أمره أمسك عنهم المطر ثلاث سنين فشقوا بذلك وكان الناس في ذلك الزمان إذا دهمهم أمر بالذكر تشريفا ا إذ هو أعظم الله فيه تعظيما له مؤمنهم وكافرهم وأهل مكة يؤمئد العماليق وسيدهم رجل يسمى معاوية بن بكر فاجتمعت عاد على أن تجهز منهم وفدا إلى مكة يستسقون الله لهم فبعثوا قيل بن عنز ولقيم بن هزال وعتيل بن ضد ابن عاد الأكبر ومرثد بن سعد وكان هذا مؤمنا يكتم إيمانه وجلهمة بن

الخيبري في سبعين رجلا من قومهم فلما قدموا مكة نزلوا على معاوية بن بكر وهو بظاهر مكة خارج الحرم فأنزلهم وأقاموا عنده شهرا يشربون الخمر وتغنيهم الجرادتان قينتا معاوية ولما رأى معاوية إقامتهم وقد بعثهم عاد للغوث أشفق على عاد وكان ابن أختهم أمه كلهذة ابنة الخيبري اخت جلهمة وقال هلك أخوالي وشق عليه أن يأمر اضيافه بالانصراف عنه فشكا ذلك إلى قينتيه فقالتا أصنع شعرا نغني به عسى أن ننبههم فقال ... ألا يا قيل ويحك قم فهينم ... لعل الله يصحبنا غماما ...
... فتسقى أرض عاد أن عادا ... قد أمسوا لا يبينون الكلاما ...
... من العطش الشديد فليس نرجو ... به الشيخ الكبير ولا الغلاما ...
... وقد كانت نساؤهم بخير ... فقد أمست نساؤهم عياما ...
... وان الوحش تأتيهم جهارا ... ولا تخشى لعادي سهاما ...
... وأنتم هاهنا فيما اشتهيتم ... نهاركم وليلكم التماما ...
... فقبح وفدكم من وفد قوم ... ولا لقوا التحية والسلاما ...
فغنت به الجرادتان فلما سمعه القوم قال بعضهم يا قوم إنما بعثكم قومكم لما حل بهم فادخلوا هذا الحرم وادعوا لعل الله يغيثهم فخرجوا لذلك فقال لهم مرثد ابن سعد إنكم والله ما تسقون بدعائكم ولكنكم إن أطعتم نبيكم وآمنتم سقيتم وأظهر إيمانه يومئذ فخالفه الوفد وقالوا لمعاوية بن بكر وأبيه بكر احبسا عنا مردا ولا يدخل معنا الحرم فإنه قد اتبع هودا ومضوا إلى الحرم فاستسقى قيل بن عنز وقال يا الاهنا أن كان هود صادقا فاسقنا فإنا قد هلكنا فانشأ الله تعالى سحائب ثلاثا بيضاء وحمراء وسوداء ثم نادى مناد من السماء يا قيل اختر لنفسك ولقومك من هذه السحائب ما شئت فقال قيل قد اخترت السوداء

فإنها أكثرهن ماء فنودي قد اخترت رمادا رمددا
لا تبقى من عاد أحدا
لا والدا ولا ولدا إلا جعلتهم همدا وساق الله السحابة السوداء التي اختارها قيل إلى عاد حتى خرجت عليهم من واد لهم يقال له المغيث فلما رأوها قالوا هذا عارض ممطرنا حتى عرفت أنها ريح امرأة منهم يقال لها مهدر فصاحت وصعقت فلما أفاقت قيل لها ما رأيت قالت ريحا فيها كشهب النار أمامها رجال يقودونها فسخرها الله عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما والحسوم الدائمة فلم تدع من عاد أحدا إلا هلك فأعتزل هود ومن معه من المؤمنين في حظيرة ما يصيبه من ريح إلا ما يلتذ به قال ع وهذا قصص وقع في تفسير الطبري مطولا وفيه اختلاف فاقتضبت عيون ذلك بحسب الإيجاز وفي خبرهم أن الريح كانت تدمغهم بالحجارة وترفع الظعينة عليها المرأة حتى تلقيها في البحر وفي خبرهم أن أقوياءهم كان أحدهم يسد بنفسه مهب الريح حتى تغلبه فتلقيه في البحر فيقوم آخر مكانه حتى هلك الجميع وقال زيد بن أسلم بلغني أن ضبعا ربت أولادها في حجاج عين رجل منهم وفي خبرهم أن الله سبحانه لما اهلكهم بعث طيرا فنقلت جيفهم حتى طرحتها في البحر فذلك قوله سبحانه فاصبحوا لا ترى إلا مساكنهم وفي بعض ما روي من شأنهم أن الريح لم تبعث قط إلا بمكيال إلا يومئذ فإنها عتت على الخزنة فغلبتهم فذلك قوله سبحانه فاهلكوا بريح صرصر عاتية وروي أن هودا لما هلكت عاد نزل بمن آمن معه إلى مكة فكانوا بها حتى ماتوا فالله أعلم أي ذلك كان وقولهم أجئتنا لنعبد الله وحده الآية ظاهر قولهم وحده أنهم أنكروا أن يتركوا أصنامهم ويفردون العبادة لله مع إقرارهم بالإله الخالق المبدع وهذا هو الأظهر فيهم وفي عباد الأوثان كلهم ولا يجحد ربوبية الله تعالى من الكفرة إلا من أفرطت غباوته وقولهم فاتنا بما تعدنا

تصميم على التكذيب واستعجال للعقوبة وقوله سبحانه قال قد وقع عليكم من ربكم رجس وغضب أتجادلونني في أسماء سميتموها أنتم وءاباؤكم ما نزل الله بها من سلطان فانتظروا إني معكم من المنتظرين فأنجيناه والذين معه برحمة منا الآية أعلمهم بأن القضاء قد نفذ وحل عليهم الرجس وهو السخط والعذاب وقوله أتجادلونني في أسماء سميتموها أي في مسميات سميتموها آلة وقطعنا دابر استعارة تستعمل فيمن يستأصل بالهلاك والدابر الذي يدبر القوم ويأتي خلفهم فإذا انتهى القطع والاستيصال إلى ذلك فلم يبق أحد وقوله كذبوا بآياتنا دال على المعجزة وإن لم تتعين ت ومن معجزاته قوله فكيدونى جميعا ثم لا تنظرون على ما سيأتي إن شاء الله في موضعه
وقوله سبحانه وإلى ثمود أخاهم صالحا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره قد جاءتكم بينة من ربكم هذه ناقة الله لكم آية فذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب اليم قرأ الجمهور وإلى ثمود بغير صرف على ارادة القبيلة وقرأ يحيى بن وثاب والأعمش وإلى ثمود بالصرف على إرادة الحي والقراءتان فصيحتان مستعملتان وقد قال تعالى ألا إن ثمودا كفروا ربهم و أخاهم عطف على نوح والمعنى وأرسلنا إلى ثمود أخاهم وهي أخوة نسب وهم قوم عرب فهود وصالح عربيان وكذلك إسماعيل وشعيب كذا قال الناس في أمر إسماعيل ت النظر الذي أشار إليه لا يخفى عليك وذلك أن إسماعيل والده إبراهيم عليه السلام أعجمي وتعلم إسماعيل العربية من العرب الذين نزلوا عليه بمكة حسب ما ذكره أهل السيرة فهذا وجه النظر الذي أشار إليه وفي نظره رحمة الله نظر يمنعني من البحث معه ما أنا له قاصد من الإيجار والاختصار دون البسط والانتشار نعم خرج أبو بكر والآجري الآجري من حديث أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال وأربعة من

العرب هود وشعيب وصالح ونبيك يا أبا ذر انتهى
يذكر إسماعيل فهذا الحديث قد يعضد ما قاله ع وصالح عليه السلام هو صالح بن عبيد بن عابر بن ارم بن سام بن نوح كذا ذكر مكي قال وهب بعثه الله حين راهق الحلم ولما هلك قومه ارتحل بمن معه إلى مكة فأقاموا بها حتى ماتوا فقبورهم بين دار الندوة والحجر أي كما ارتحل هود بمن معه إلى مكة صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين
وقوله قد جاءتكم بينة من ربكم أي آية أو حجة أو موعظة بينة من ربكم قال بعض الناس أن صالحا جاء بالناقة من تلقاء نفسه وقال الجمهور بل كانت مقترحة وهذا أليق بما ورد في الآثار من أمرهم روي أن قومه طلبوا منه آية تضطرهم إلى الإيمان وقالوا يا صالح إن كنت صادقا فادع لنا ربك يخرج لنا من هذه الهضبة وفي بعض الروايات من هذه الصخرة لصخرة بالحجر ناقة عشراء فدعا الله فتمخضت تلك الهضبة وانشقت عن ناقة عظيمة وروي أنها كانت حاملا فولدت سقبها المشهور وروي أنه خرج معها فصيلها من الصخرة وقيل لها ناقة الله تشريفا لها وتخصيصا وهي إضافة خلق إلى خالق وجعل الله لها شربا يوما ولهم شرب يوم وكانت آية في شربها وحلبها قال المفسرون كانت خلقا عظيما تأتي إلى الماء بين جبلين فيزحمانها من العظم وقاسمت ثمود في الماء يوما بيوم فكانت الناقة ترد يومها فتستوفي ماء بيرهم شربا ويحلبونها ما شاءوا من لبن ثم تمكث يوما وترد بعد ذلك غبا فاستمر ذلك ما شاء الله حتى ملتها ثمود وقالوا ما نصنع باللبن الماء أحب إلينا منه وكان سبب الملل فيما روي أنها كانت تصيف في بطن الوادي وادي الحجر وتشتو في ظاهره فكانت مواشيهم تفر منها فتمالئوا على ملل الناقة وروي أن صالحا أوحى الله إليه أن قومك سيعقرون الناقة وينزل بهم العذاب عند ذلك فأخبرهم بذلك فقالوا عياذا

بالله أن نفعل ذلك فقال إن لم تفعلوا أنتم أوشك أن يولد فيكم من يفعله وقال لهم صفة عاقرها أحمر أشقر أزرق فولد قدار على الصفة المذكورة فكان الذي عقرها بالسيف وقيل بالسهم في ضرعها وهرب فصيلها عند ذلك حتى صعد على جبل يقال له القارة فرغا ثلاثا فقال يا صالح هذا ميعاد ثلاثة أيام للعذاب وأمرهم قبل رغاء الفصيل أن يطلبوه عسى أن يصلوا إليه فيندفع عنهم العذاب به فراموا الصعود إليه في الجبل فارتفع الجبل في السماء حتى ما تناله الطير وحينئذ رغا الفصيل وروي أن صالحا عليه السلام قال لهم حين رغا الفصيل ستصفر وجوهكم في اليوم الأول وتحمر في الثاني وتسود في الثالث فلما ظهرت العلامات التي قال لهم أيقنوا بالهلاك واستعدوا ولطخوا ابدانهم بالمر وحفروا القبور وتحنطوا وتكفنوا في الأنطاع فأخذتهم الصيحة وخرج صالح ومن آمن معه حتى نزل رملة فلسطين وقد اكثر الناس في هذا القصص وهذا القدر كاف ومن أراد استيفاء هذا القصص فليطالع الطبري قال ع وبلاد ثمود هي بين الشام والمدينة وهي التي مر بها رسول الله صلى الله عليه و سلم مع المسلمين في غزوة تبوك فقال لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم إلا أن تكونوا باكين أن يصيبكم مثل ما أصابهم ثم اعتجر بعمامة وأسرع السير حتى جاز الوادي صلى الله عليه و سلم ت ولفظ البخاري ثم قنع رأسه وأسرع السير الحديث
وقوله سبحانه واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد وبوأكم في الأرض الآية بوأكم معناه مكنكم وهي مستعملة في المكان وظروفه و القصور جمع قصر وهي الديار التي قصرت على بقاع من الأرض مخصوصة بخلاف بيوت العمود وقصرت على الناس قصرا تاما والنحت النجر والقشر في الشيء الصلب كالحجر والعود ونحوه وكانوا ينحتون الجبال لطول أعمارهم و تعثوا معناه تسفدوا قال أبو حيان ومفسدين حال مؤكدة

انتهى و الذين استكبروا هم الأشراف والعظماء الكفرة و الذين استضعفوا هم العامة والاغفال في الدنيا وهم اتباع الرسل وقولهم أتعلمون استفهام على معنى الاستهزاء والاستخفاف فأجاب المؤمنون بالتصديق والصرامة في دين الله فحملت الانفة الأشراف على مناقضة المؤمنين في مقالتهم واستمروا على كفرهم
وقوله سبحانه فعقروا الناقة يقتضي بتشريكهم أجمعين في الضمير إن عقر الناقة كان على تمالىء منهم واتفاق وكذلك روي أن قدارا لم يعقرها حتى كان يستشير وعتوا معناه خشنوا وصلبوا ولم يذعنوا للأمر والشرع وصمموا على تكذيبه واستعجلوا النقمة بقولهم ائتنا بما تعدنا فحل بهم العذاب والرجفة ما تؤثره الصيحة أو الطامة التي يرجف بها الإنسان وهو أن يتحرك ويضطرب ويرتعد ومنه فرجع بها رسول الله صلى الله عليه و سلم يرجف فؤاده وروي أن صيحة ثمود كان فيها من كل صوت مهول وكانت مفرطة شقت قلوبهم فجثموا على صدورهم والجاثم اللاطىء بالأرض على صدره فجاثمين معناه باركين قد صعق بهم وهو تشبيه بجثوم الطير وجثوم الرماد قال بعض المفسرين معناه حمما محترقين كالرماد الجاثم وذهب صاحب هذا القول إلى أن الصيحة اقترن بها صواعق محرقة وروي أن الصيحة أصابت كل من كان منهم في شرق الأرض وغربها إلا رجلا كان في الحرم فمعنه الحرم ثم هلك بعد خروجه من الحرم ففي مصنف أبي داود قيل يا رسول اله من ذلك الرجل قال أبو رغال وذكره الطبري أيضا عن النبي صلى الله عليه و سلم وهذا الخبر يرد ما في السير من أن أبا رغال هو دليل الفيل وقوله فتولى عنهم أي تولى عنهم وقت عقر الناقة وذلك قل نزول العذاب وكذلك روي أنه عليه السلام خرج من بين أظهرهم قبل نزول العذاب وهو الذي تقتضيه مخاطبته لهم ويحتمل أن يكون خطابه لهم وهم موتى على جهة التفجع عليهم

وذكر حالهم أو غير ذلك كما خاطب النبي صلى الله عليه و سلم أهل قليب بدر قال الطبري وقيل أنه لم تهلك أمة ونبيها معها وروي أنه أرتحل بمن معه حتى جاء مكة فأقام بها حتى مات ولفظ التولي يقتضي اليأس من خيرهم واليقين في إهلاكهم وقوله ولكن لا تحبون الناصحين عبارة عن تغليبهم الشهوات على الرأي السديد إذ كلام الناصح صعب مضاد لشهوة الذي ينصح ولذلك تقول العرب أمر مبكياتك لا أمر مضحكاتك
وقوله سبحانه ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين إنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم مسرفون وما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوهم من قريتكم إنهم أناس يتطهرون فأنجيناه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين وأمطرنا عليهم مطرا فانظر كيف كان عاقبة المجرمين لوط عليه السلام بعثه الله سبحانه إلى أمة تسمى سدوم وروي أنه ابن أخي إبراهيم عليه السلام ونصبه إما بارسلنا المتقدم في الأنبياء وأما بفعل محذوف تقديره واذكر لوطا والفاحشة إتيان الذكور في الأدبار وروي أنه لم تكن هذه المعصية في أمة قبلهم وحكم هذه الفاحشة عند مالك وغيره الرجم أحصن أم لم يحصن وحرق أبو بكر الصديق رضي الله عنه رجلا عمل عمل قوم لوط وقرأ نافع وغيره إنكم على الخبر كأنه فسر الفاحشة والإسراف الزيادة الفاسدة ولم تكن مراجعة قومه باحتجاج منهم ولا بمدافعة عقلية وإنما كانت بكفر وخذلان و يتطهرون معناه يتنزهون عن حالنا وعادتنا قال قتادة عابوهم بغير عيب وذموهم بغير ذم واستثنى الله سبحانه امرأة لوط عليه السلام من الناجين وأخبر أنها هلكت والغابر هو الباقي هذا هو المشهور في اللغة وقد يجيء الغابر بمعنى الماضي وكذلك حكى أهل اللغة غبر بمعنى بقي وبمعنى مضى وقوله و أمطرنا عليهم مطرا الآية أي بحجارة وروي أن الله تعالى بعث

جبريل فاقتلعها بجناحه وهي ست مدن وقيل خمس وقيل أربع فرفعها حتى سمع أهل السماء الدنيا صراخ الديكة ونباح الكلاب ثم عكسها ورد أعلاها أسفلها وأرسلها إلى الأرض وتبعتهم الحجارة مع هذا فأهلكت من كان منهم من كان في سفر أو خارجا من البقع المرفوعة وقالت امرأة لوط حين سمعت الوجبة واقوماه والتفتت فأصابتها صخرة فقتلتها
وقوله سبحانه وإلى مدين أخاهم شعيبا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من اله غيره قد جاءتكم بينة من ربكم فأوفوا الكيل والميزان ولا تبخسوا الناس أشيائهم ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها الآية قيل في مدين أنه اسم بلد وقطر وقيل اسم قبيلة وقيل هم من ولد مدين بن إبراهيم الخليل وهذا بعيد وروي أن لوطا هو جد شعيب لأمه وقال مكي كان زوج بنت لوط وأخاهم منصوب بأرسلنا في أول القصص والبينة إشارة إلى معجزته ولا تبخسوا معناه ولا تظلموا ومنه قولهم تحسبها حمقاء وهي باخس أي ظالمة خادعة وقال في سورة هود البخس النقص ت ويحتمل والله أعلم أن البخس هو ما اعتاده الناس من ذم السلع ليتوصلوا بذلك إلى رخصها فتأمله والله أعلم بما أراد سبحانه قال أبو حيان ولا تبخسوا متعد إلى مفعولين تقول بخست زيدا حقه أي نقصته إياه انتهى و أشيائهم يريد أمتعتهم وأموالهم ولا تفسدوا لفظ عام في دقيق الفساد وجليلة وكذلك الإصلاح عام ذلكم خير لكم أي عند الله إن كنتم مؤمنين أي بشرط الإيمان والتوحيد وإلا فلا ينفع عمل دون إيمان ولا تقعدوا بكل صراط الآية قال السدي هذا نهي عن العشارين والمتغلبين ونحوه من أخذ أموال الناس بالباطل و الصراط الطريق وذكل أنهم كانوا يكثرون من هذا لأنه من قبيل بخسهم ونقصهم الكيل والوزن وقال أبو هريرة رضي الله عنه هو نهي عن السلب وقطع الطرق وكان ذلك من

فعلهم وروي في ذلك حديث عن النبي صلى الله عليه و سلم وما تقدم من الآية يؤيد هذين القولين وقال ابن عباس وغيره قوله ولا تقعدوا نهى لهم عما كانوا يفعلونه من رد الناس عن شعيب وذلك أنهم كانوا يقعدون على الطرقات المفضية إلى شعيب فيتوعدون من أراد المجيء إليه ويصدونه وما بعد هذا من الألفاظ يشبه هذا من القول والضمير في به يحتمل أن يعود على اسم الله وأن يعود على شعيب في قوله من رأى القعود على الطرق للرد عن شعيب قال الداودي وعن مجاهد يبغونها عوجا يلتمسون لها الزيغ انتهى ثم عدد عليهم نعم الله تعالى وأنه كثرهم بعد قلة عدد وقيل أغناهم بعد فقرهمثم حذرهم ومثل لهم بمن امتحن من الأمم وقوله وان كان طائفة منكم آمنوا بالذي أرسلت به وطائفة لم يؤمنوا فاصبروا الآية قوله اصبروا تهديد للطائفة الكافرة وقولهم أو لتعودن في ملتنا معناه أو لتصيرن وعاد في كلام العرب على وجهين أحدهما عاد الشيء إلى حال قد كان فيها قبل ذلك وهي على هذا الوجه لا تتعدى فإن عديت فبحرف ومنه قول الشاعر ... ألا ليت أيام الشباب جديد ... وعمرا تولى بابثين يعود ...
ومنه قوله تعالى ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه والوجه الثاني أن تكون بمعنى صار وعاملة عملها ولا تتضمن أن الحال قد كانت متقدمة ومنه قول الشاعر ... تلك المكارم لاقعبان من لبن ... شيبا بماء فعادا بعد ابوالا ...
ومنه قول الآخر ... وعاد راسى كالثغامة ...
ومنه قوله تعالى حتى عاد كالعرجون القديم على أن هذه محتملة بقوله في الآية أو لتعودن وشعيب عليه السلام لم يك قط كافرا فيقتضى أنها بمعنى صار وأما في جهة المؤمنين به بعد كفرهم فيترتب المعنى الآخر ويخرج عنه شعيب وقوله أو لو كنا كارهين توقيف منه لهم على شنعة المعصية وطلب أن يقروا بالسنتهم بإكراه المؤمنين على الإخراج ظلما

وغسما قال ص قد افترينا هو بمعنى المستقبل لأنه سد مسد جواب الشرط وهو أن عدنا أو هو جوابه على قول انتهى وقوله إلا أن يشاء الله ربنا يحتمل أن يريد إلا أن يسبق علينا في ذلك من الله سابق سوء وينفذ منه قضاء لا يرد قال ع والمؤمنون هو المجوزون لذلك وأما شعيب فقد عصمته النبوءة وهذا أظهر مما يحتمل القول ويحتمل أن يريد استثناء ما يمكن أن يتعبد الله به المؤمنين مما يفعله الكفار من القربات وقيل أن هذا الاستثناء إنما هو تسنن وتأدب وقوله وسع ربنا كل شيء علما معناه وسع علم ربنا كل شيء كما تقول تصبب زيد عرقا أي تصبب عرق زيد و وسع بمعنى أحاط وقوله افتح معناه أحكم وقوله على الله توكلنا استسلام لله سبحانه وتمسك بلطفه وذلك يؤيذ التأويل الأول في قوله إلا أن شاء الله ربنا
وقوله سبحانه وقال الملأ الذين كفروا من قومه لئن اتبعتم شعيبا الآية أي قال الملأ لتباعهم ومقلديهم والرجفة الزلزلة الشديدة التي ينال الإنسان معها اهتزاز وارتعاد واضطراب فيحتمل أن فرقة من قوم شعيب هلكت بالرجفة وفرقة بالظلة ويحتمل أن الظلة والرجفة كانتا في حين واحد ت و الرجفة هي الصيحة يرجف بسببها الفؤاد وكذلك هو مصرح بها في قصة قوم شعيب في قوله سبحانه وأخذت الذين ظلموا الصيحة الآية وقوله سبحانه كان لم يغنوا فيها الضمير في قوله فيها عائد على دارهم و يغنوا معناه يقيمون بنعمة وخفض عيش وهذا اللفظ فيه قوة الإخبار عن هلاكهم ونزول النقمة بهم والتنبيه على العبره والاتعاظ بهم ونحو هذا قول الشاعر ... كان لم يكن بين الحجون إلى الصفا ... أنيس ولم يسمر بمكة سامر ...
قال ع فغنيت في المكان إنما يقال في الإقامة التي هي مقترنة بتنعم وعيش مرضي وقوله يا قوم لقد أبلغتكم رسالات ربي ونصحت لكم كلام

يقتضي حزنا وإشفاقا لما رأى هلاك قومه إذ كان أمله فيهم غير ذلك ولما وجد في نفسه ذلك طلب أن يثير في نفسه سبب التسلى عنهم فجعل يعدد معاصيهم وإعراضهم ثم قال لنفسه لما نظر وفكر فكيف أسى على قوم كافرين ونحو هذا قوله صلى الله عليه و سلم لأهل قليب بدر و أسى معناه احزن قال مكي وسار شعيب بمن معه حتى سكن مكة إلى أن ماتوا بها
وقوله سبحانه وما أرسلنا في قرية من بني إلا أخذنا أهلها بالبأساء والضراء لعلهم يضرعون أخبر سبحانه أنه ما بعث نبيا في قرية وهي المدينة إلا أخذ أهلها المكذبين له بالبأساء وهي المصائب في المال وعوارض الزمن والضراء وهي المصائب في البدن كالأمراض ونحوها لعلهم يضرعون أي ينقادون إلى الإيمان وهكذا قولهم الحمى أضرعتني لك ثم بدلنا مكان السيئة وهي البأساء والضراء الحسنة وهي البأساء والضراء الحسنة وهي السراء والنعمة حتى عفوا معناه حتى كثروا يقال عفا النبات والريش إذا كثر نباته ومنه قوله صلى الله عليه و سلم احفوا الشوارب واعفوا اللحى ولما بدل الله حالهم بالخير لطفا بهم فنموا رأوا أن إصابة الضراء والسراء إنما هي بالاتفاق وليست بقصد كما يخبر به النبيء واعتقدوا أن ما أصابهم من ذلك إنما هو كالاتفاق الذي كان لآبائهم فجعلوه مثالا أي قد أصاب هذا آبائنا فلا ينبغي لنا أن ننكره ثم أخبر سبحانه أنه أخذ هذه الطوائف اللتي هذا معتقدها وقوله بغتة أي فجأة وأخذة أسف وبطشا للشقاء السابق لهم في قديم علمه سبحانه
وقوله تعالى ولو أن أهل القرى أمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض أي من بركات المطر والنبات وتسخير الرياح والشمس والقمر في مصالح العباد وهذا بحسب ما يدركه نظر البشر ولله سبحانه خدام غير ذلك لا يحصى عددهم وما في علم الله أكثر
وقوله سبحانه افأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتا وهم

نائمون الآية تتضمن وعيدا للكافرين المعاصرين لنبينا محمد صلى الله عليه و سلم لأنه لما أخبر عما فعل في الأمم الخالية قال ومن يؤمن هؤلاء أن ينزل بهم مثل ما نزل بأولئك وهذا استفهام على جهة التوقيف والبأس العذاب و مكر الله هي إضافة مخلوق إلى خالق والمراد فعل يعاقب به مكرة الكفرة والعرب تسمي العقوبة باسم الذنب
وقوله سبحانه أولم يهد للذين يرثون الأرض من بعد أهلها هذه الف تقرير دخلت على واو العطف و يهدي معناه يبين فيحتمل أن يكون المبين الله سبحانه ويحتمل أن يكون المبين قوله أن لو نشاء أي علمهم بذلك وقال ابن عباس ومجاهد وابن زيد يهدي معناه يتبين وهذه أيضا آية وعيد أي ألم يظهر لوارثي الأرض بعد أولئك الذين تقدم ذكرهم وما حل بهم أنا نقدر لو شئنا أصبناهم بذنوبهم كما فعلنا بمن تقدم وفي العبارة وعظ بحال من سلف من المهلكين
وقوله سبحانه تلك القرى نقص عليك من أنبائها ولقد جاءتهم رسلنا بالبينات فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل كذلك يطبع الله على قلوب الكافرين تلك ابتداء و القرى قال قوم هو نعت والخبر نقص وعندي أن أهل القرى هي خبر الابتداء وفي ذلك معنى التعظيم لها ولمهلكها وهذا كما قيل في قوله تعالى الكتاب قال عليه السلام اولئك الملأ وكقوله ابن أبي الصلت تلك المكارم وهذا كثير ثم ابتدأ سبحانه الخبر عن جميعهم بقوله جاءتهم رسلهم بالبينات فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل هذا الكلام يحتمل وجوها من التأويل أحدها أن يريد أن الرسول جاء لكل فريق منهم فكذبوه لأول أمره ثم استبانت حجته وظهرت الآيات الدالة على صدقه مع استمرار دعوته فلجوا هم في كفرهم ولم يؤمنوا بما سبق به تكذيبهم والثاني من الوجوه أن يريد فما كان آخرهم في الزمن ليؤمن بما كذب به أولهم في الزمن بل مشى بعضهم على

سنن بعض في الكفر أشار إلى هذا التأويل النقاش والثالث أن هؤلاء لو ردوا من الآخرة إلى الدنيا لم يكن منهم إيمان قاله مجاهد وقرنه بقوله ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه والرابع أنه يحتمل فما كانوا ليؤمنوا بما سبق في علم الله سبحانه انهم مكذبون به وذكر هذا التأويل المفسرون
وقوله سبحانه وما وجدنا لأكثرهم من عهد الآية اخبر سبحانه أنه لم يجد لأكثرهم ثبوتا على العهد الذي أخذه سبحانه على ذرية آدم وقت استخراجهم من ظهره قاله أبو العالية عن أبي بن كعب ويحتمل أن يكون المعنى وما وجدنا لأكثرهم التزام عهد وقبول وصاة مما جاءتهم به الرسل عن الله ولا شكروا نعم الله عز و جل قال ص لأكثرهم يحتمل أن يعود على الناس أو على أهل القرى أو الأمم الماضية انتهى
وقوله سبحانه ثم بعثنا من بعدهم موسى بآياتنا إلى فرعون وملائه فظلموا بها الآيات في هذه الآية عام في التسع وغيرها والضمير في من بعدهم عائد على الأنبياء المتقدم ذكرهم وعلى أممهم
وقوله سبحانه فانظر كيف كان عاقبة المفسدين فيه وعيد وتحذير للكفرة المعاصرين لنبينا محمد صلى الله عليه و سلم وقوله سبحانه وقال موسى يا فرعون إني رسول من رب العالمين حقيق علي أن لا أقول على الله إلا الحق قرأ نافع وحده على بإضافة على إليه وقرأ الباقون على بسكون الياء قال الفارسي معنى هذه القراءة أن على وضعت موضع الباء كأنه قال حقيق بان لا أقول على الله إلا الحق وقال قوم حقيق صفة لرسول تم عندها الكلام وعلى خبر مقدم وأن لا أقول ابتداء وإعراب أن على قراءة من سكن الياء خفض وعلى قراءة من فتحها مشددة رفع وفي قراءة عبد الله حقيق أن لا أقول وهذا المخاطبة إذا تأملت غاية في التلطف ونهاية في القول اللين الي أمر به عليه السلام وقوله قد جئتكم ببينة من ربكم فأرسل معني بني إسرائيل قال إن

كنت جئت بآية فأت بها إن كنت من الصادقين البينة هنا إشارة إلى جميع آياته وهي على المعجزة منها أدل وهذا من موسى عليه السلام عرض نبؤته ومن فرعون استدعاء خرق العادة الدال على الصدق وظاهر هذه الآية وغيرها أن موسى عليه السلام لم تنبن شريعته إلا على بني إسرائيل فقط ولم يدع فرعون وقومه إلا إلى إرسال بني إسرائيل وذكره لعله يتذكر أو يخشى وقوله فالقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين روي ان موسى قلق به وبمجاورته فرعون فقال لأعوانه خذوه فألقى موسى العصا فصارت ثعبانا وهمت بفرعون فهرب منها وقال السدي أنه أحدث وقال يا موسى كفه عني فكفه وقال نحوه سعيد بن جبير ويقال أن الثعبان وضع اسفل لحييه في الأرض وأعلاهما في أعلى شرفات القصر والثعبان الحية الذكر وهو أهول وأجرأ قاله الضحاك وقال قتادة صارت حية اشعر ذكرا وقال ابن عباس غرزت ذنبها في الأرض ورفعت صدرها إلى فرعون وقوله مبين معناه لا تخييل فيه بل هو بين أنه ثعبان حقيقة و نزع يده معناه من جبيبه أو كمه حسب الخلاف في ذلك
وقوله فإذا هي بيضاء للنظارين قال مجاهد كاللبن أو أشد بياضا وروي أنها كانت تظهر منيرة شفافة كالشمس تأتلق وكان موسى عليه السلام آدم أحمر إلى السواد ثم كان يرد يديه فترجع إلى لون بدنه قال فهاتان الآيتان عرضهما عليه السلام للمعارضة ودعا إلى الله بهما وخرق العادة بهما ت وظاهر الآية كما قال وليس في الآية ما يدل على أنه أراد بإلقاء العصا الانتظار والتخويف كما يعطيه ما تقدم ذكره من القصص
وقوله عز و جل قال الملأ من قوم فرعون إن هذا لساحر عليم يريد أن يخرجكم من أرضكم فماذا تأمرون لا محالة أنهم خافوا أمر موسى وجالت ظنونهم كل مجال وقوله فماذا تأمرون الظاهر أنه من كلام الملأ بعضهم لبعض وقيل انه من كلام

فرعون لهم وروى كردم عن نافع تأمرون بكسر النون وكذلك في الشعراء وما استفهام وذا بمعنى الذي فهما ابتداء وخبر وفي تأمرون ضمير عائد على الذي تقديره تأمرون به ويجوز أن تجعل ماذا بمنزلة اسم واحد في موضع نصب بتأمرون ولا يضمر فيه على هذا وقوله قالوا ارجه وأخاه وأرسل في المدائن حاشرين يأتوك بكل ساحر عليم أشار الملأ على فرعون بأن يؤخر موسى وهارون ويدع النظر في أمرهما ويجمع السحرة وحكى النقاش أنه لم يكن يجالس فرعون ولد غية وإنما كانوا أشرافا ولذلك أشاروا بالإرجاء ولم يشيروا بالقتل وقالوا أن قتلته دخلت على الناس شبهة ولكن أغلبه بالحجة
وقوله سبحانه وجاء السحرة فرعون قالوا إن لنا لأجرا إن كنا نحن الغالبين قال نعم وإنكم لمن المقربين الأجر هنا الأجرة واختلف الناس في عدد السحرة على أقوال كثيرة ليس لها سند يوقف عنده والحاصل من ذلك أنهم جمع عظيم وقوله تعالى قالوا يا موسى إما أن تلقي وإما أن نكون نحن الملقين قال ألقوا فلما ألقوا سحروا أعين الناس وخير السحرة موسى في أن يتقدم في الإلقاء أو يتأخر وهذا فعل المدل الواثق بنفسه والظاهر أن التقدم في التخييلات والمخاريق أنجح لأن بديهتها تمضي بالنفوس فليظهر الله أمر نبوءة موسى قوى نفسه ويقينه ووثق بالحق فأعطاهم التقدم فنشطوا وسروا حتى أظهر الله الحق وأبطل سعيهم وقوله سبحانه سحروا أعين الناس نص في أن لهم فعلا ما زائد على ما يحدثونه من التزويق واسترهبوهم بمعنى أرهبوهم أي فزعوهم ووصف الله سبحانه سحرهم بالعظيم ومعنى ذلك من كثرته وروي أنهم جلبوا ثلاثمائة وستين بعيرا موقورة بالجبال والعصي فلما ألقوها تحركت وملأت الوادي يركب بعضها بعضا فاستهول الناس ذلك واسترههم قال الزجاج قيل أنهم جعلوا فيها الزيبق فكانت لا تستقر
وقوله

سبحانه وأوحينا إلى موسى أن الق عصاك فإذا هي تلقف ما يأفكون وروي أن موسى عليه السلام لما كان يوم الجمع خرج متكئا على عصاه ويده في يد أخيه وقد صف له السحرة في عدد عظيم حسبما ذكر فلما القوا واسترهبوا أوحى الله إليه أن ألق فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين فعظم حتى كان كالجبل وروي أن السحرة لما ألقوا وألقى موسى جعلوا يرقون وجعلت حبالهم تعظم وجعلت عصا موسى تعظم حتى سدت الأفق وابتلعت الكل وروي أن الثعبان استوفى تلك الحبال والعصي أكلا واعدمها الله عز و جل ومد موسى يده إلى فمه فعاد عصا كما كان فعلم السحرة حينئذ أن ذلك ليس من عند البشر فخروا سجدا مؤمنين بالله ورسوله وتلقف معناه تبتلع وتزدرد وقرأ ابن جبير تلقم بالميم
وقوله سبحانه فوقع الحق الآية أي نزل ووجد وقال أبو حيان فوقع أي فظهر والحق يريد به سطوع البرهان وظهور الإعجاز وما كانوا يعملون لفظ يعم سحر السحرة وسعي فرعون وشيعته والضمير في قوله فغلبوا عائد على جميعهم أيضا وفي قوله وانقلبوا صاغرين إن قدرنا انقلاب الجمع قبل إيمان السحرة فهم في الضمير وإن قدرناه بعد إيمانهم فليسوا في الضمير في قوله فغلبوا عائد على جميعهم أيضا وفي قوله وانقلبوا صاغرين إن قدرنا انقلاب الجمع قبل إيمان السحرة فهم في الضمير وإن قدرناه بعد إيمانهم فليسوا في الضمير ولا لحقهم صغار لأنهم آمنوا واستشهدوا رضي الله عنهم
وقوله سبحانه وإلقي السحرة ساجدين قالوا آمنا برب العالمين رب موسى وهارون قال أأمنتم به قبل أن آذن لكم إن هذا لمكر مكرتموه في المدينة لتخرجوا منها أهلها فسوف تعلمون لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ثم لأصلبنكم أجمعين لما رأى السحرة من عظيم القدرة ما تيقنوا به نبوءة موسى آمنوا بقلوبهم وانضاف إلى ذلك الاستهوال والاستعظام والفزع من قدرة الله عز و جل فخروا لله سبحانه متطارحين قائلين بالسنتهم آمنا برب العالمين رب موسى وهارون قال ع وهارون أخو موسى اسن منه بثلاث سنين وقول فرعون به قبل أن

آذن لكم دليل على وهنه وضعف أمره لأنه إنما جعل ذنبهم عدم إذنه والضمير في به يحتمل أن يعود على اسم الله سبحانه ويحتمل أن يعود على موسى عليه السلام وعنفهم فرعون على الإيمان قل أذنه ثم الزمهم أن هذا كان عن اتفاق منهم وروي في ذلك عن ابن عباس وابن مسعود أن موسى اجتمع مع رئيس السحرة واسمه شمعون فقال له موسى أرأيت إن غلبتكم أتؤمنون بي فقال نعم فعلم بذلك فرعون فلهذا قال إن هذا لمكر مكرتموه في المدينة ثم توعدهم
وقوله سبحانه قالوا انا إلى ربنا منقلبون وما تنقم منا إلا أن آمنا بآيات ربنا لما جاءتنا الآية هذا استسلام من مؤمني السحرة واتكال على الله سبحانه وثقة بما عنده وقرأ الجمهور تنقم بكسر القاف ومعناه وما تعد علينا ذنبا تواخذنا به إلا أن آمنا قال ابن عباس وغيره فيهم اصبحوا سحرة وأمسوا شهداء قال ابن عباس لما آمنت السحرة البتع موسى ستمائة ألف من بني إسرائيل وقول ملا فرعون أتذر موسى وقومه الآية مقالة تتضمن إغراء فرعون وتحريضه وقولهم ويذرك وإلهتك روي أن فرعون كان في زمنه للناس إلهة من بقر وأصنام وغير ذلك وكان فرعون قد شرع ذلك وجعل نفسه الاله الأعلى فقوله على هذا أنا ربكم الأعلى إنما يريد بالنسبة إلى تلك المعبودات وقيل إن فرعون كان يعبد حجرا يعلقه في صدره كأنه ياقوتة أو نحوها وعن الحسن نحوه وقوله سنقتل أبناءهم المعنى سنستمر على ما كنا عليه من تعذيبهم وقوله وانا فوقهم يريد في المنزلة والتمكن من الدنيا و قاهرون يقتضي تحقير أمرهم أي هم أقل من أن يهتم بهم قلت وهذا من عدو الله تجلد وإلا فقد قال فيما أخبر الله سبحانه به عنه أن هؤلاء لشرذمة قليلون وأنهم لنا لغائظون وإنا لجميع حذرون
وقوله سبحانه قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا الآية لما قال فرعون سنقتل أبناءهم وتوعدهم قال موسى لبني إسرائيل يثبتهم ويعدهم عن الله

تعالى استعينوا بالله والأرض هنا أرض الدنيا وهو الأظهر وقيل المراد هنا أرض الجنة وأما في الثانية فأرض الدنيا لا غير والصبر في هذه الآية يعم الانتظار الذي هو عبادة والصبر في المناجزات والبأس وقولهم أوذينا من قبل أن تأتينا يعنون به الذبح الذي كان في المدة التي كان فرعون يتخوف فيها أن يولد المولود الذي يخرب ملكه ومن بعد ما جئتنا يعنون به وعيد فرعون وسائر ما كان خلال تلك المدة من الاخافة لهم وقال ابن عباس والسدي إنما قالت بنوا إسرائيل هذه المقالة حين اتبعهم فرعون واضطرهم إلى البحر قال ع وبالجملة فهو كلام يجري مع المعهود من بني إسرائيل من اضطرابهم على أنبيائهم وقلة يقينهم واستعطاف موسى لهم بقوله عسى ربكم أن يهلك عدوكم ووعده لهم بالاستخلاف في الأرض يدل على أنه يستدعي نفوسا نافرة ويقوي هذا الظن في جهة بني إسرائيل سلوكهم هذا السبيل في غير ما قصة وقوله فينظر كيف تعملون تنبيه وحض على الاستقامة ولقد استخلفوا في مصر في زمن داود وسليمان وقد فتحوا بيت المقدس مع يوشع
وقوله سبحانه ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين أي بالجدوب والقحوط وهذه سيرة الله في الأمم وقوله ونقص من الثمرات أي حتى روي أن النخلة من نخلهم لا تحمل إلا ثمرة واحدة وقال نحوه رجاء بن حيوة وفعل الله تعالى بهم هذا لينيبوا ويزدجروا عماهم عليه من الكفر إذ أحوال الشدة ترق معها القلوب وترغب فيما عند الله سبحانه
وقوله عز و جل فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه الآية كان القصد في اصابتهم بالقحط والنقص في الثمرات ان ينيبوا ويرجعوا فإذا هم قد ضلوا وجعلوها تشاؤما بموسى فكانوا إذا اتفق لهم اتفاق حسن في غلات ونحوها قالوا هذه لنا وبسببنا وإذا نالهم ضر قالوا هذا بسبب موسى وشؤمه قاله مجاهد وغيره وقرأ الجمهور يطيروا بالياء

وشد الطاء والياء الأخيرة وقرأ طلحة بن مصرف وغيره تطيروا بالتاء وتخفيف الطاء وقرأ طلحة بن مصرف وغيره تطيروا بالتاء وتخفيف الطاء وقرأ مجاهد تشاءموا بموسى بالتاء حظهم ونصيبهم قال ابن عباس وهو مأخوذ من زجر الطير فسمي ما عند الله من فوق وبلفظ الشؤم
وقوله سبحانه الا إنما طائرهم عند الله من القدر للإنسان طائرا لما كان الإنسان يعتقد أن كل ما يصيبه إنما هو بحسب ما يراه في الطائر فهي لفظة مستعارة ومهما أصلها عند الخليل ماما فأبدلت الألف الأولى هاء وقال سيبويه هي مه ما خلطتا وهي حرف واحد لمعنى واحد وقال غيره معناها مه أي كف وما جزاء ذكره الزجاج وهذه الآية تتضمن طغيانهم وعتوهم وقطعهم على أنفسهم بالكفر البحت
وقوله سبحانه فأرسلنا عليهم الطوفان الآية الطوفان مصدر من قولك طاف يطوف فهو عام في كل شيء يطوف إلا أن استعمال العرب له كثير في الماء والمطر الشديد قال ابن عباس وغيره الطوفان في هذه الآية هو المطر الشديد أصابهم وتوالى عليهم حتى هدم بيوتهم وضيق عليهم وقيل طم فيض النيل عليهم وروي في كيفيته قصص كثير وقالت عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه و سلم أن الطوفان المراد في هذه الآية هو الموت قلت ولو صح هذا النقل لم يبق مجملا وروي أن الله عز و جل لما والى عليهم المطر عرقت أرضهم وامتنعوا من الزراعة قالوا يا موسى أدع لنا ربك في كشف هذا الغرق ونحن نؤمن فدعا فكشفه الله عنهم فانبتت الأرض إنباتا حسنا فنكثوا وقالوا ما نود انا لم نمطر وما هذا إلا إحسان من الله الينا فبعث الله عليهم حينئذ الجراد فأكل جميع ما انبتت الأرض فروى ابن وهب عن مالك أنه أكل حتى أبوابهم وأكل الحديد والمسامير وضيق عليهم غاية التضييق وترك الله من نباتهم ما يقوم به الرمق فقالوا لموسى ادع لنا ربك في كشف الجراد ونحن نؤمن فدعا الله فكشفه

ورجعوا إلى كفرهم فبعث الله عليهم القمل وهي الدبى صغار الجراد الذي يثب ولا يطير قاله ابن عباس وغيره وقرأ الحسن القمل بفتح القاف وسكون الميم فهي على هذا القمل المعروف وروي أن موسى مشى بعصاه إلى كثيب أهيل فضربه فانتشر كله قملا في مصر ثم أنهم قالوا أدع في كشف هذا فدعا فرجعوا إلى طغيانهم وكفرهم فبعث الله عليهم الضفادع فكانت تدخل في فرشهم وبين ثيابهم وإذا هم الرجل أن يتكلم وثب ضفدع في فمه قال ابن جبير كان الرجل يجلس إلى ذقنه في الضفادع وقال ابن عباس لما أرسلت الضفادع عليهم وكانت برية سمعت وأطاعت فجعلت تقذف أنفسها في القدور وهي تغلي فأثابها الله بحسن طاعتها برد الماء فقالوا يا موسى ادع في كشف هذا فدعا فكشف فرجعوا إلى كفرهم فبعث الله عليهم الدم فرجع ماؤهم الذي يستقونه ويحصل عنده دما فروي أنه كان يستقى القبطي والإسرائيلي باناء واحد فإذا خرج الماء كان الذي يلي القبطي دما والذي يلي الإسراءيلي ماء إلى نحو هذا وشبهه من العذاب بالدم المنقلب عن الماء هذا قول جماعة من المتأولين وقال زيد بن أسلم إنما سلط عليهم الرعاف فهذا معنى قوله والدم وقوله آيات مفصلات التفصيل اصله في الإجرام إزالة الاتصال فهو تفريق شيئين فإذا استعمل في المعاني فيراد به أنه فرق بينها وأزيل اشتباكها وإشكالها فيجيء من ذلك بيانها وقالت فرقة مفصلات يراد بها مفرقات في الزمن قال الفخر قال المفسرون كان العذاب يبقى عليهم من السبت إلى السبت وبين العذاب والعذاب شهر وهذا معنى قوله آيات مفصلات على هذا التأويل أي فصل بين بعضها وبعض بزمان تمتحن فيه أحوالهم وينظر ايقبلون الحجة والدليل أم يستمرون على الخلاف والتقليد انتهى
وقوله عز و جل ولما وقع عليهم الرجز قالوا يا موسى أدع لنار بك بما عهد عندك

الآية الرجز العذاب والظاهر من الآية أن المراد بالزجر هنا العذاب المتقدم الذكر من الطوفان والجراد وغيره وقال قوم الرجز هنا طاعون أنزله الله بهم والله أعلم وهذا يحتاج إلى سند وقولهم بما عهد عندك لغظ يعم جميع الوسائل بين الله وبين موسى من طاعة من موسى ونعمة من الله تبارك وتعالى ويحتمل أن يكون ذلك منهم على جهة القسم على موسى وقولهم لئن كشفت أي بدعائك لنؤمن ولنرسلن قسم وجوابه وهذا عهد من فرعون ملائه وروي أنه لما انكشف العذاب قال فرعون لموسى أذهب ببني إسرائيل حيث شئت فخالفه بعض ملائه فرجع ونكث وإذا هنا للمفاجأة والأجل يراد به غاية كل واحد منهم بما يخصه من الهلاك والموت كما تقول أخرت كذا إلى وقت وأنت لا تريد وقتا بعينه فاللفظ متضمن توعدا ما وكانوا عنها غافلين أي غافلين عما تضمنته الآيات من النجاة والهدى
وقوله تعالى وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها الآية الذين كانوا يستضعفون كناية عن بني إسرائيل ومشارق الأرض ومغاربها قال الحسن وغيره هي الشام وقالت فرقة يريد الأرض كلها وهذا يتجه إما على المجاز لأنه ملكهم بلادا كثيرة وإما على الحقيقة في أنه ملك ذريتهم وهم سليمان بن داود ويترجح التأويل الأول بوصف الأرض بأنها التي بارك فيها سبحانه
وقوله سبحانه وتمت كلمة ربك الحسنى أي ما سبق لهم في علمه وكلامه في الأزل من النجاة من عدوهم والظهور عليه قاله مجاهد ويعرشون قال ابن عباس ومجاهد معناه يبنون قال ع رأيت للحسن البصري رحمه الله أنه احتج بقوله سبحانه وتمت كلمة ربك إلى آخر الآية على أنه ينبغي أن لا يخرج عن ملوك السوء وإنما ينبغي أن يصبر عليهم فإن الله سبحانه يدمرهم ورأيت لغيره أنه إذا

قابل الناس البلاء بمثله وكلهم الله إليه وإذا قابلوه بالصبر وانتظار الفرج أتى الله بالفرج وروي هذا أيضا عن الحسن
وقوله سبحانه وجاوزنا ببني إسرائيل البحر بحر القلزم فأتوا على قوم قيل هم الكنعانيون وقيل هم من لخم وجذام والقوم في كلام العرب هم الرجال خاصة يعكفون العكوف الملازمة على أصنام لهم قيل كانت بقرا وقال ابن جريج كانت تماثيل بقر من حجارة وعيدان ونحوها وذلك كان أول فتنة العجل وقولهم اجعل لنا إلها كما لهم آلهة يظهر منه استحسانهم لما رأوه من تلك الآلهة بجهلهم فارادوا أن يكون ذلك في شرع موسى وفي جملة ما يتقرب به إلى الله وإلا فبعيد أن يقولوا لموسى أجعل لنا صنما نفرده بالعبادة ونكفر بربك وعلى هذا الذي قلت يقع التشابه الذي نصه النبي صلى الله عليه و سلم في قول أبي واقد الليثي أجعل لنا يا رسول الله ذات أنواط كما لهم ذات أنواط فأنكره النبي صلى الله عليه و سلم وقال الله أكبر قلتم والله كما قالت بنو إسرائيل أجعل لنا إلها كما لهم آلهة لتتبعن سنن من قبلكم الحديث ولم يقصد أبو واقد بمقالته فسادا وقال بعض الناس كان ذلك من بني إسرائيل كفرا ولفسظة الآله تقتضي ذلك وهذا محتمل وما ذكرته أولا أصح والله أعلم قلت وقولهم هذا ألهكم واله موسى وجواب موسى هنا يقوى الاحتمال الثاني نعم الذي يجب أن يعتقد أن مثل هذه المقالات إنما صدرت من اشرارهم وقريبي العهد بالكفر قال الشيخ الحافظ أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله الخثعمي ثم السهيلي ذكر النقاش في قوله تعالى فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم انهم كانوا من لحم وكانوا يعبدون أصناما على صور البقر وأن السامري كان أصله منهم ولذلك نزع إلى عبادة العجل انتهى والله أعلم وهذا هو معنى ما تقدم من كلام ع وقوله إن هؤلاء متبر ما هم فيه أي مهلك مدمر رديء العاقبة

والتبار الهلاك واناء متبر أي مكسور وكسارته تبر ومنه تبر الذهب لأنه كسارة وقوله ما هم فيه يعم جميع أحوالهم وباطل معناه فاسد ذاهب مضمحل وابغيكم معناه أطلب ثم عدد عليهم سبحانه في هذه الآية النعم التي بحب من أجلها أن لا يكفروا به ولا يرغبوا في عبادة غيره فقال وإذ أنجيناكم من آل فرعون الآية و يسومونكم معناه يحملونكم ويكلفونكم ومساومة البيع تنظر إلى هذا فإن كل واحد من المتساومين
يكلف صاحبه أرادته ثم فسر سوء العذاب بقوله يقتلون أبناءكم الآية وقوله سبحانه وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر الآية قال ابن عباس وغيره الثلاثون ليلة هي شهر ذي القعدة وان العشر هي عشر ذي الحجة وروي أن الثلاثين إنما وعد بأن يصومها وأن مدة المناجاة هي العشر وحيث ورد أن المواعدة أربعون ليلة فذلك اخبار بجملة الأمر وهو في هذه الآية اخبار بتفصيله والمعنى في قوله وكلمه ربه أنه خلق له أدراكا سمع به الكلام القائم بالذات القديم الذي هو صفة ذات وكلام الله سبحانه لا يشبه كلام المخلوقين وليس في جهة من الجهات وكما هو موجود لا كالموجودات ومعلوم لا كالمعلومات كذلك كلامه لا يشبه الكلام الذي فيه علامات الحدوث وجواب لما في قوله قال والمعنى أنه لما كلمه الله عز و جل وخصه بهذه المرتبة طمحت همته إلى رتبة الرؤية وتشوق إلى ذلك فسأل ربه الرؤية ورؤية الله عز و جل عند أهل السنة جائزة عقلا لأنه من حيث هو موجود تصح رؤيته قالوا لأن الرؤية للشيء لا تتعلق بصفة من صفاته أكثر من الوجود فموسى عليه السلام لم يسأل ربه محالا وإنما سأله جائزا
وقوله سبحانه لن تراني ولكن أنظر إلى الجبل الآية ليس بجواب من سأل محالا ولن تنفي الفعل المستقبل ولو بقينا مع هذا النفي بمجرده لقضينا أنه لا يراه موسى أبدا ولا في

الآخرة لكن ورد من جهة أخرى بالحديث المتواتر أن أهل الإيمان يرون الله يوم القيامة فموسى عليه السلام أحرى برؤيته قلت وأيضا قال تعالى وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة فهو نص في الرؤية بينه صلى الله عليه و سلم ففي الترمذي عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم أن أدنى أهل الجنة منزلة لمن ينظر إلى جنانه وازواجه ونعيمه وخدمه وسرره مسيرة ألف سنة وأكرمهم على الله من ينظر إلى وجهه غدوة وعشية ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه و سلم وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة قال أبو عيسى وقد روي هذا الحديث من غير وجه مرفوعا وموقوفا انتهى قال مجاهد وغيره أن الله عز و جل قال له يا موسى لن تراني ولكن سأتجلى للجبل وهو أقوى منك وأشد فإن استقر وأطاق الصبر لهيبتي فستمكنك أنت رؤيتي قال ع فعلى هذا إنما جعل الله الجبل مثالا قلت وقول ع ولو بقينا مع هذا النفي بمجرده لقضينا أنه لا يراه موسى أبدا ولا في الآخرة قول مرجوح لم يتفطن له رحمه الله والحق الذي لا شك فيه أن لن لا تقتضي النفي المؤبد قال بدر الدين أبو عبد الله بن مالك في شرح التسهيل ولن كغيرها من حروف النفي في جواز كون استقبال المنفي بها منقطعا عند حد وغير منقطع وذكر الزمخشري في أنموذجه أن لن لتأبيد النفي وحامله على ذلك اعتقاده أن الله تعالى لا يرى وهو اعتقاد باطل لصحة ثبوت الرؤية عن رسول الله صلى الله عليه و سلم واستدل على عدم اختصاصها بالتأبيد بمجيء استقبال المنفي بها مغيا إلى غاية ينتهي بانتهائها كما في قوله تعالى قالوا لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى وهو واضح انتهى ونحوه لأبن هشام ولفظه ولا تفيد لن توكيد المنفي خلافا للزمخشري في كشافه ولا تأبيده خلافا له في أنموذجه وكلاهما دعوى بلا دليل قيل ولو كانت للتأبيد لم يقيد منفيها باليوم في فلن

اكلم اليوم أنسيا ولكان ذكره الأبد في ولن يتمنوه أبدا تكرارا والأصل عدمه انتهى من المعنى
وقوله سبحانه فلما تجلى ربه للجبل التجلي هو الظهور من غير تشبيه ولا تكليف وقوله جعله دكا المعنى جعله أرضا دكا يقال ناقة دكاء أي لا سنام لها وخر موسى صعقا أي مغشيا عليه قاله جماعة من المفسرين قال ص وخر معناه سقط وقوله سبحانك أن تنزيها لك كذا فسره النبي صلى الله عليه و سلم وقوله تبت إليك معناه من أن أسألك الرؤية في الدنيا وأنت لا تبيحها فيها قال ع ويحتمل عندي أنه لفظ قاله عليه السلام لشدة هول المطلع ولم يعن التوبة من شيء معين ولكنه لفظ لائق بذلك المقام والذي يتحرز منه أهل السنة أن تكون توبة من سؤال المحال كما زعمت المعتزلة وقوله وأنا أول المؤمنين أي من قومه قاله ابن عباس وغيره أو من أهل زمانه إن كان الكفر قد طبق الأرض أو أول المؤمنين بأنك لا ترى في الدنيا قاله أبو العالية 3وقوله سبحانه فخذ ما أتيتك وكن من الشاكرين فيه تأديب وتقنيع وحمل على جادة السلامة ومثال لكل أحد في حاله فإن جميع النعم من عند الله سبحانه بمقدار وكل الأمور بمرأى منه ومسمع وكتبنا له في الألواح من كل شيء أي من كل شيء ينفع في معنى الشرع وقوله وتفصيلا لكل شيء مثله وقوله بقوة أي بجد وصبر عليها قاله ابن عباس وقوله بأحسنها يحتمل معنيين أحدهما التفضيل كما إذا عرض مثلا مباحان كالعفو والقصاص فيأخذون بالأحسن منهما والمعنى الثاني يأخذون بحسن وصف الشريعة بجملتها كما تقول الله أكبر دون مقايسة
وقوله سبحانه ساوريكم دار الفاسقين الرؤية هنا رؤية عين هذا هو الأظهر إلا أن المعنى يتضمن الوعد للمؤمنين والوعيد للفاسقين ودار الفاسقين قيل هي مصر والمراد آل فرعون وقيل الشام والمراد العمالقة وقيل جهنم والمراد الكفرة

بموسى وقيل غير هذا مما يفتقر إلى صحة إسناد
وقوله تعالى سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض الآية المعنى سأمنع وأصد قال سفيان ابن عيينة الآيات هنا كل كتاب منزل قال ع والمعنى عن فهمها وتصديقها وقال ابن جريج الآيات العلامات المنصوبة الدالة على الوحدانية والمعنى عن النظر فيها والتفكر والاستدلال بها واللفظ يعم الوجهين والمتكبرون في الأرض بغير الحق هم الكفار قلت ويدخل في هذا المعنى من تشبه بهم من عصاة المؤمنين والمعنى في هذه الآية سأجعل الصرف عن الآيات عقوبة للمتكبرين على تكبرهم وقوله وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها حتم من الله على الطائفة التي قدر عليهم أن لا يؤمنوا وقوله ذلك إشارة إلى الصرف المتقدم
وقوله سبحانه والذين كذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة الآية هذه الآية مؤكدة للتي قبلها وفيها تهديد
وقوله سبحانه واتخذ قوم موسى من بعده من حليهم عجلا جسدا له خوار الخوار صوت البقر وقرأت فرقة له جؤار بالجيم أي صياح ثم بين سبحانه سوء فطرهم وقرر فساد اعتقادهم بقوله ألم يروا أنه لا يكلمهم الآية وقوله وكانوا ظالمين اخبار عن جميع أحوالهم ماضيا وحالا ومستقبلا وقد مر في البقرة قصة العجل فأغنى عن إعادته قال أبو عبيدة يقال لمن ندم على أمر وعجز عنه سقط في يده وقول بني إسرائيل لئن لم يرحمنا ربنا إنما كان بعد رجوع موسى وتغييره عليهم ورؤيتهم أنهم قد خرجوا من الدين ووقعوا في الكفر
وقوله سبحانه ولما رجع موسى إلى قومه غضبان أسفا يريد رجع من المناجات والأسف قد يكون بمعنى الغضب الشديد وأكثر ما يكون بمعنى الحزن والمعنيان مترتبان هنا وعبارة ص غضبان صفة مبالغة والغضب غليان القلب بسبب ما يؤلم وأسفا من أسف فهو أسف كفرق فهو فرق يدل على ثبوت الوصف

ولو ذهب به مذهب الزمان لقيل أسف على وزن فاعل والأسف الحزن انتهى وقوله تعالى اعجلتم معناه اسابقتم قضاء ربكم واستعجلتم إتياني قبل الوقت الذي قدر به قال سعيد بن جبير عن ابن عباس كان سبب إلقائه الألواح غضبه على قومه في عبادتهم العجل وغضبه على أخيه في إهمال أمرهم قال ابن عباس لما ألقاها تكسرت فرفع أكثرها الذي فيه تفصيل كل شيء وبقي الذي في نسخته الهدى والرحمة وهو الذي أخذ بعد ذلك قال ابن عباس كانت الألواح من زمرذ وقيل من ياقوت وقيل من زبرجد وقيل من خشب والله أعلم وقوله ابن أم استعطاف برحم الأم إذ هو الصق القرابات وقوله كادوا معناه قاربوا ولم يفعلوا وقوله ولا تجعلني مع القوم الظالمين يريد عبدة العجل
وقوله سبحانه إن الذين أتخذوا العجل سينالهم غضب من ربهم وذلة في الحياة الدنيا وقد وقع ذلك النيل بهم في عهد موسى عليه السلام فالغضب والذلة هو أمرهم بقتل أنفسهم وقال بعض المفسرين الذلة الجزية ووجه هذا القول أن الغضب والذلة بقيت في عقب هؤلاء وقال ابن جريج الإشارة إلى من مات من عبدة العجل قبل التوبة بقتل الأنفس وإلى من فر فلم يكن حاضرا وقت القتل والغضب من الله عز و جل إن اخذ بمعنى الإرادة فهو صفة ذات وإن أخذ بمعنى العقوبة وإحلال النقمة فهو صفة فعل وقوله وكذلك نجزي المفترين المراد أولا أولئك الذين افتروا على الله سبحانه في عبادة العجل وتكون قوة اللفظ تعم كل مفتر إلى يوم القيامة وقد قال سفيان بن عيينة وأبو قلابة وغيرهما كل صاحب بدعة أو فرية ذليل واستدلوا بالآية
وقوله سبحانه والذين عملوا السيئات الآية تضمنت وعدا بأن الله سبحانه يغفر للتائبين وقرأ معاوية بن قرة ولما سكن عن موسى الغضب قال أبو حيان

واللام في لربهم يرهبون مقوية لوصول الفعل وهو يرهبون إلى مفعوله المتقدم وقال الكوفيون زائدة وقال الأخفش لام المفعول له أي لأجل ربهم انتهى قلت قال ابن هشام في المغنى ولام التقوية هي المزبدة لتقوية عامل ضعف إما لتأخير نحو لربهم يرهبون وإن كنتم للرؤيا تعبرون أو لكونه فرعا في العمل نحو مصدقا لما معهم فعال لما يريد وقد اجتمع التأخير والفرعية في كنا لحكمهم شاهدين انتهى
وقوله واختار موسى قومه الآية قال الفخر قال جماعة النحويين معناه واختار موسى من قومه فحذف من يقال اخترت من الرجال زيدا واخترت من الرجال زيدا انتهى قال ع معنى هذه الآية أن موسى عليه السلام اختار من قومه هذه العدة ليذهب بهم إلى موضع عبادة وابتهال ودعاء فيكون منه ومنهم اعتذار إلى الله سبحانه من خطأ بني إسرائيل في عبادة العجل وقد تقدم في سورة البقرة قصصهم قالت فرقة من العلماء أن موسى عليه السلام لما أعلمه الله سبحانه بعبادة بني إسرائيل العجل وبصفته قال موسى أي رب ومن أختاره قال أنا قال موسى فأنت يا رب أضللتهم أن هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء أي أن الأمور بيدك تفعل ما تريد
وقوله سبحانه واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة الآية اكتب معناه اثبت واقض والكتب مستعمل في كل ما يخلد وحسنة لفظ عام في كل ما يحسن في الدنيا من عاقبة وطاعة لله سبحانه وغير ذلك وحسنة الأخرى الجنة لا حسنة دونها ولا مرمى وراءها وهدنا بضم الهاء معناه تبنا
وقوله سبحانه قال عذابي أصيب به من أشاء يحتمل أن يريد بالعذاب الرجفة التي نزلت بالقوم ثم أخبر سبحانه عن رحمته ويحتمل وهو الأظهر أن الكلام قصد به الخبر عن عذابه وعن رحمته وتصريف ذلك في خليقته كما يشاء سبحانه ويندرج في عموم العذاب أصحاب الرجفة وقرأ الحسن بن أبي

الحسن وطاوس وعمرو بن فائد من أساء من الإساءة ولا تعلق فيه للمعتزلة وأطنب القراء في التحفظ من هذه القراءة وحملهم على ذلك شحهم على الدين
وقوله سبحانه ورحمتي وسعت كل شيء قال بعض العلماء هو عموم في الرحمة وخصوص في قوله كل شيء والمراد من قد سبق في علم الله أن يرحمهم وقوله سبحانه فسأكتبها أي أقدرها وأقضيها وقال نوف البكالي أن موسى عليه السلام قال يا رب جعلت وفادتي لأمه محمد عليه السلام وقوله ويؤتون الزكاة الظاهر أنها الزكاة المختصة بالمال وروي عن ابن عباس أن المعنى يؤتون الأعمال التي يزكون بها أنفسهم
وقوله سبحانه الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الآية هذه ألفاظ أخرجت اليهود والنصارى من الاشتراك الذي يظهر في قوله فسأكتبها للذين يتقون وخلصت هذه العدة لأمة محمد صلى الله عليه و سلم قاله ابن عباس وغيره قلت وهذه الآية الكريمة معلمة بشرف هذه الأمة على العموم في كل من آمن بالله تعالى وأقر برسالة النبي صلى الله عليه و سلم ثم هم يتفاوتون بعد في الشرف بحسب تفاوتهم في حقيقة الاتباعية للنبي صلى الله عليه و سلم قال الغزالي رحمة الله في الأحياء وإنما أمته صلى الله عليه و سلم من اتبعه وما أتبعه إلا من أعرض عن الدنيا وأقبل على الآخرة فإنه عليه السلام ما دعا إلا إلى الله واليوم الآخر وما صرف إلا عن الدنيا والحظوظ العاجلة فبقدر ما تعرض عن الدنيا وتقبل على الآخرة تسلك سبيله الذي سلكه صلى الله عليه و سلم وبقدر ما سلكت سبيله فقد اتبعته وبقدر ما اتبعته صرت من أمته وبقدر ما أقبلت على الدنيا عدلت عن سبيله ورغبت عن متابعته والتحقت بالذين قال الله تعالى فيهم فأما من طغى وآثر الحياة الدنيا فإن الجحيم هي المأوى انتهى فإن أردت إتباع النبي صلى الله عليه و سلم على الحقيقة واقتفاء أثره فأبحث عن سيرته وخلقه في كتب

الحديث والتفسير قال ابن القطان في تصنيفه الذي صنفه في الآيات والمعجزات والقول الوجيز في زهده وعبادته وتواضعه وسائر حلاه ومعاليه صلى الله عليه و سلم أنه ملك من أقصى اليمن إلى صحراء عمان إلى أقصى الحجاز ثم توفي عليه السلام وعليه دين ودرعه مرهونة في طعام لأهله ولم يترك دينارا ولا درهما ولا شيد قصرا ولا غرس نخلا ولا شقق نهرا وكان يأكل على الأرض ويجلس على الأرض ويلبس العباءة ويجالس المساكين ويمشي في الأسواق ويتوسد يده ويلعق أصابعه ويرقع ثوبه ويخصف نعله ويصلح خصه ويمهن لأهله ولا يأكل متكئا ويقول أنا عبد آكل كما يأكل العبد ويقتص من نفسه ولا يرى ضاحكا ملء فيه ولو دعي إلى ذراع لأجاب ولو اهدي إليه كراع لقبل لا يأكل وحده ولا يضرب عبده ولا يمنع رفده ولا ضرب قط بيده إلا في سبيل الله وقام لله حتى ورمت قدماه فقيل له أتفعل هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر فقال أفلا أكون عبدا شكورا وكان يسمع لجوفه أزيز كأزيز المرجل من البكاء إذا قال بالليل صلى الله عليه و سلم على آله وأتباعه صلاة دائمة إلى يوم القيامة انتهى وقال الفخر قوله تعالى الذين يتبعون الرسول الآية قال بعضهم الإشارة بذلك إلى من تقدم ذكره من بني إسرائيل والمعنى يتبعونه باعتقاد نبوته من حيث وجدوا صفته في التوراة وسيجدونه مكتوبا في الإنجيل وقال بعضهم بل المراد من لحق من بني إسرائيل أيام النبي صلى الله عليه و سلم فبين تعالى أن هؤلاء اللاحقين لا تكتب لهم رحمة الآخرة إلا إذا أتبعوا النبي الأمي قال الفخر وهذا القول أقرب وقوله يجدونه أي يجدون صفة نبينا محمد صلى الله عليه و سلم ونعته ففي البخاري غيره عن عبد الله بن عمرو أن في التوراة من صفة النبي صلى الله عليه و سلم يا أيها النبي أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وحرزا للأميين أنت

عبدي ورسولي سميتك المتوكل ليس بفظ ولا غليظ ولا سخاب في الأسواق ولا يجزئى بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويصفح ولن أقبضه حتى أقيم به الملة العوجاء بأن يقولوا لا إله إلا الله فنقيم به قلوبا غلفا وآذانا صما واعينا عميا وفي البخاري فيفتح به عيونا عمياء وآذانا صما وقلوبا غلفا ونص كعب الأحبار نحو هذه الألفاظ إلا أنه قال قلوبا غلوفا وآذانا صموما
سبحانه يأمرهم بالمعروف الآية يحتمل أن يكون ابتداء كلام وصف به النبي صلى الله عليه و سلم ويحتمل أن يكون متعلقا بيجدونه في موضع الحال على تجوز أي يجدونه في التوراة أمرا بشرط وجوده والمعروف ما عرف بالشرع وكل معروف من جهة المرؤة فهو معروف بالشرع فقد قال صلى الله عليه و سلم بعثت لأتمم محاسن الأخلاق والمنكر مقابله والطيبات عند مالك هي المحللات والخبائث هي المحرمات وكذلك قال ابن عباس والأصر الثقل وبه فسر هنا قتادة وغيره والأصر أيضا العهد وبه فسر ابن عباس وغيره وقد جمعت هذه الآية المعنيين فإن بني إسرائيل قد كان أخذ عليهم العهد بأن يقوموا بأعمال ثقال فوضع عنهم نبينا محمد صلى الله عليه و سلم وقال ابن جبير الأصر شدة العبادة وقرأ أبن عامر آسارهم بالجمع فمن وحد الأصر فإنما هو اسم جنس عنده يراد به الجمع والأغلال التي كانت عليهم عبادة مستعارة أيضا لتلك الأثقال كقطع الجلد من أثر البول وإن لادية ولا بد من قتل القاتل إلى غير ذلك هذا قول جمهور المفسرين وقال ابن زيد إنما المراد هنا بالأغلال قول الله عز و جل في اليهود غلت أيديهم فمن آمن بنبينا محمد صلى الله عليه و سلم زالت عنه الدعوة وتغليلها ومعنى عزروه أي وقروه فالتعزير والنصر مشاهدة خاصة للصحابة واتباع النور يشترك فيه معهم المؤمنون إلى يوم القيامة والنور كناية عن جملة الشرع وشبه الشرع والهدى

بالنور إذ القلوب تستضيء به كما يستضيء البصر بالنور
وقوله سبحانه قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا هذا أمر من الله سبحانه لنبيه بإشهار الدعوة العامة وهذه من خصائصه صلى الله عليه و سلم من بين سائر الرسل فإنه صلى الله عليه و سلم بعث إلى الناس كافة وإلى الجن وكل نبي إنما بعث إلى فرقة دون العموم
وقوله سبحانه فآمنوا بالله ورسوله الآية حض على اتباع نبينا محمد صلى الله عليه و سلم وقوله الذي يؤمن بالله وكلماته أي يصدق بالله وكلماته والكلمات هنا الآيات المنزلة من عند الله كالتوراة والإنجيل وقوله واتبعوه لفظ عام يدخل تحته جميع الزامات الشريعة جعلنا الله من متبعيه على ما يلزم بمنه ورحمته قلت فإن أردت الفوز أيها الأخ فعليك باتباع النبي صلى الله عليه و سلم وتعظيم شريعته وتعظيم جميع أسبابه قال عياض ومن إعظامه صلى الله عليه وإكباره إعظام جميع أسبابه وإكرام مشاهده وأمكنته ومعاهده وما لمسه عليه السلام أو عرف به حدثت أن أبا الفضل الجوهري لما ورد المدينة زائرا وقرب من بيوتها ترجل ومشى باكيا منشدا ... ولما رأينا رسم من لم يدع لنا ... فؤادا لعرفان الرسوم ولا لبا ...
... نزلنا عن الأكوار نمشي كرامة ... لمن بان عنه أن نلم به ركبا ...
وحكي عن بعض المريدين أنه لما أشرف على مدينة الرسول عليه السلام أنشأ يقول ... رفع الحجاب للنا فلاح لناظري ... قمر تقطع دونه الأوهام ...
... وإذا المطي بنا بلغن محمدا ... فظهورهن على الرجال حرام ...
... قربنا من خير من وطئى الحصى ... فلها علينا حرمة وذمام ...
وحكي عن بعض المشايخ أنه حج ماشيا فقيل له في ذلك فقال العبد الآبق

يأتي إلى بيت مولاه راكبا لو قدرت أن أمشي على رأسي ما مشيت على قدمي قال عياض وجدير لمواطن عمرت بالوحي والتنزيل
وتردد فيها جبريل وميكائيل
وعرجت منها الملائكة والروح
وضجت عرصاتها بالتقديس والتسبيح
واشتملت ربتها على جسد سيد البشر وانتشر عنها من دين الله وسنة رسوله ما انتشر مدارس آيات ومساجد وصلوات ومشاهد الفضائل والخيرات ومعاهد البراهين والمعجزات ان تعظم عرصاتها وتتنسم نفحاتها وتقبل ربوعها وجدراتها
... يا دار خير المرسلين ومن به ... هدي الأنام خص بالآيات ...
... عندي لأجلك لوعة وصبابة ... وتشوق متوقد الجمرات ...
الآبيات انتهى من الشفا
وقوله سبحانه ومن قوم موسى أمة يهدون أي يرشدون أنفسهم وهذا الكلام يحتمل أن يريد به وصف المؤمنين منهم على عهد موسى وما والاه من الزمن فأخبر سبحانه أنه كان في بني إسرائيل على عتوهم وخلافهم من اهتدى واتقى وعدل ويحتمل أن يريد الجماعة التي آمنت بنبينا محمد صلى الله عليه و سلم من بني إسرائيل على جهة الاستجلاب لإيمان جميعهم وقوله أسباطا بدل من اثنتي والتمييز الذي بين العدد محذوف تقديره اثنتي عشرة فرقة أو قطعة أسباطا
وقوله سبحانه وأوحينا إلى موسى إذ استسقاه قومه أن أضرب بعصاك الحجر فانبجست منه اثنتا عشرة عينا قد علم كل أناس مشربهم وظللنا عليهم الغمام الآية انبجست بمعنى انفجرت وقد تقدم الكلام على هذه المعاني في البقرة
وقوله سبحانه وإذ قيل لهم اسكنوا هذه القرية وكلوا منها حيث شئتم وقولوا حطة وادخلوا الباب تغفر لكم خطيئاتكم سنزيد المحسنين فبدل الذين ظلموا منهم قولا غير الذي قيل لهم فأرسلنا عليهم رجزا من السماء بما كانوا يظلمون القرية هي بيت المقدس وقيل

أريحاء وبدل معناه غير اللفظ
وقوله سبحانه وسئلهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر الآية قال بعض المتأولين أن اليهود المعاصرين للنبي صلى الله عليه و سلم قالوا أن بني إسرائيل لم يكن فيهم عصيان ولا معاندة لما أمروا به فنزلت هذه الآية موبخة لهم فسؤالهم إنما هو على جهة التوبيخ والقرية هنا ايلة قاله ابن عباس وغيره وقيل مدين وحاضرة البحر أي البحر فيها حاضر ويحتمل أن يريد معنى الحاضرة على جهة التعظيم لها أي هي الحاضرة في مدن البحر ويعدون معناه يخالفون الشرع من عدا يعدو وشرعا أي مقلبة إليهم مصطفة كما تقول شرعت الرماح إذا مدت مصطفة وعبارة البخاري شرعا أي شوارع انتهى والعامل في قوله ويوم لا يسبتون قوله لا تأتيهم وهو ظرف مقدم ومعنى قوله كذلك الإشارة إلى أمر الحوت وفتنتهم به هذا على من وقف على تأتيهم ومن وقف على كذلك فالإشارة إلى كثرة الحيتان شرعا أي فما أتى منها يوم لا يسبتون فهو قليل ونبلوهم أي نمتحنهم بفسقهم وعصيانهم وقد تقدم في البقرة قصصهم
وقوله سبحانه قالت أمة منهم لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا جمهور المفسرين أن بني إسرائيل افترقت ثلاث فرق فرقة عصت وفرقة نهت وجاهرت وتكلمت واعتزلت وفرقة اعتزلت ولم تعص ولم تنه وإن هذه الفرقة لما رأت مجاهرة الناهية وطفيان العاصية وعتوها قالت للناهية لم تعظون قوما يريدون العاصية الله مهلكهم أو معذبهم فقالت الناهية موعظنتنا معذرة إلى الله أي إقامة عذر ومعنى مهلكهم أي في الدنيا أو معذبهم أي في الآخرة والضمير في قوله نسوا للمنهيين وهو ترك سمي نسيانا مبالغة وما في قوله ما ذكروا به بمعنى الذي والسؤ لفظ عام في جميع المعاصي إلا الذي يختص هنا بحسب قصص الآية هو صيد الحوت والذين ظلموا هم العاصون وقوله بعذاب بيس معناه مؤلم موجع شديد واختلف في الفرقة التي لم تعص ولم تنه فقيل نجت مع الناجين

وقيل هلكت مع العاصين وقوله بما كانوا يفسقون أي لأجل ذلك وعقوبة عليه والعتو الاستعصاء وقلة الطواعية
وقوله سبحانه قلنا لهم كونوا يحتمل أن يكون قولا بلفظ من ملك أسمعهم فكان اذهب في الأغراب والهول والاصغار ويحتمل أن يكون عبارة عن القدرة المكونة لهم قردة وخاسئين معناه مبعدين فخاسئين خبر بعد خبر فهذا اختيار أبي الفتح وضعف الصفة فروي أن الشباب منهم مسخوا قردة والرجال الكبار مسخوا خنازير
وقوله سبحانه وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب معنى هذا الآية وإذ علم الله ليبعثن وتقتضي قوة الكلام أن ذلك العلم منه سبحانه مقترن بانفاذ وامضاء كما تقول في أمر عزمت عليه علم الله لأفعلن وقال الطبري وغيره تأذن معناه اعلم وقال مجاهد تأذن معناه أمر وقالت فرقة معنى تأذن تألى والضمير في عليهم لبني إسرائيل وقوله يسومهم وقوله من يسومهم قال ابن عباس هي إشارة إلى محمد صلى الله عليه و سلم وأمته يسومون اليهود سوء العذاب قال ع والصحيح أن هذا حالهم في كل قطر ومع كل ملة ويسومهم معناه يكلفهم ويحملهم وسوء العذاب الظاهر منه أنه الجزية والإذلال وقد حتم الله عليهم هذا وحط ملكهم فليس في الأرض راية ليهودي ثم حسن في آخر الآية التنبيه على سرعة العقاب والتخويف لجميع الناس ثم رجى سبحانه بقوله لغفور رحيم لطفا منه بعباده جل وعلا وقطعناهم في الأرض معناه فرقناهم في الأرض قال الطبري عن جماعة من المفسرين ليس في الأرض بقعة إلا وفيها معشر من اليهود والظاهر في المشار إليهم بهذه الآية أنهم الذين بعد سليمان وقت زوال ملكهم والظاهر أنهم قبل مدة عيسى عليه السلام لأنهم لم يكن فيهم صالح بعد كفرهم بعيسى صلى الله عليه و سلم وبلوناهم معناه امتحناهم بالحسنات أي بالصحة والرخاء ونحو هذا مما هو بحسب رأي ابن آدم ونظره والسيئات مقابلات هذه لعلهم يرجعون إلى الطاعة
وقوله

سبحانه فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب الآية خلف معناه حدث خلفهم وبعدهم وخلف بإسكان اللام يستعمل في الأشهر في الذم
وقوله سبحانه يأخذون عرض هذا الأدنى إشارة إلى الرشى والمكاسب الخبيثة والعرض ما يعرض ويعن ولا يثبت والأدنى إشارة إلى عيش الدنيا وقولهم سيغفر لنا ذم لهم باغترارهم وقولهم سيغفر لنا مع علمهم بما في كتاب الله من الوعيد على المعاصي وإصرارهم وأنهم بحال إذا أمكنتهم ثانية ارتكبوها فهؤلاء عجزة كما قال النبي صلى الله عليه و سلم والعاجز من اتبع نفسه هواها وتمنى على الله فهؤلاء قطعوا بالمغفرة وهم مصرون وإنما يقول سيغفر لنا من أقلع
وندم وقوله سبحانه ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب الآية تشديد في لزوم قول الحق على الله في الشرع والأحكام وقوله ودرسوا ما فيه معطوف على قوله ألم يؤخذ لأنه بمعنى المضي والتقدير أليس قد أخذ عليهم ميثاق الكتاب ودرسوا ما فيه وبهذين الفعلين تقوم الحجة عليهم في قولهم الباطل وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي وادارسوا ما فيه ثم وعظ وذكر تبارك وتعالى بقوله والدار الآخرة خير للذين يتقون أفلا تعقلون وقرأ أبو عمرو أفلا يعقلون بالياء من اسفل وقوله سبحانه والذين يمسكون بالكتاب عطف على قوله للذين يتقون وقرأ عاصم وحده في رواية أبي بكر يمسكون بسكون الميم وتخفيف السين وقرأ الأعمش والذين استمسكوا وقوله عز و جل وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة معناه اقتلعنا ورفعنا وقد تقدم قصص الآية في البقرة وقوله سبحانه ما فيه تدبروه واحفظوا أوامره ونواهيه فما وفوا وقوله سبحانه وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم وأشهدهم على أنفسهم الست بربكم قالوا بلى شهدنا الآية قوله من ظهورهم قال النحاة هو بدل اشتمال من قوله من بني آدم وتواترت الأحاديث في تفسير هذه الآية عن

النبي صلى الله عليه و سلم من طرق أن الله عز و جل استخرج من ظهر آدم عليه السلام نسم بنيه ففي بعض الروايات كالذر وفي بعضها كالخردل وقال محمد بن كعب أنها الأرواح جعلت لها مثالات وروي عن عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال أخذوا من ظهر آدم كما يؤخذ بالمشط من الرأس وجعل الله لهم عقولا كنملة سليمان وأخذ عليهم العهد بأنه ربهم وأن لا اله غيره فاقروا بذلك والتزموه وأعلمهم أنه سيبعث الرسل إليهم مذكرة وداعية فشهد بعضهم على بعض وشهد الله عليهم وملائكته قال الضحاك بن مزاحم من مات صغيرا فهو على العهد الأول ومن بلغ فقد أخذه العهد الثاني يعني الذي في هذه الحياة المعقولة الآن وقوله شهدنا يحتمل أن يكون من قول بعض النسم لبعض فلا يحسن الوقف على قوله بلى ويحتمل أن يكون قوله شهدنا من قول الملائكة فيحسن الوقف على قوله بلى قال السدي المعنى قال الله وملائكته شهدنا ورواه عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه و سلم وقوله سبحانه أن تقولوا يوم القيامة انا كنا عن هذا غافلين الآية المعنى ليلا تقولوا أو مخافة أن تقولوا والمعنى في هذه الآية أن الكفرة لو لم يؤخذ عليهم عهد ولا جاءهم رسول مذكر بما تضمنه العهد من توحيد الله وعبادته لكانت لهم حجتان احداهما أن يقولوا كنا عن هذا غافلين والأخرى كنا تباعا لأسلافنا فكيف نهلك والذنب إنما هو لمن طرق لنا واضلنا فوقع شهادة بعضهم على بعض وشهادة الملائكة عليهم لتنقطع لهم هذه الحجة
وقوله سبحانه واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا قال ابن عباس هو رجل من الكنعانيين الجبارين اسمه بلعم بن باعوراء وقيل بلعام بن باعر وقيل غيره هذا وكان في جملة الجبارين الذين غزاهم موسى عليه السلام فلما قرب منهم موسى لجؤا إلى بلعام وكان صالحا مستجاب الدعوة وقيل كان عنده علم من صحف إبراهيم

ونحوها وقيل كان يعلم أسم الله الأعظم قاله ابن عباس أيضا وهذا الخلاف هو في المراد بقوله آتيناه آياتنا فقال له قومه أدع الله على موسى وعسكره فقال لهم وكيف ادعوا على نبي مرسل فما زالوا به حتى فتنوه فخرج حتى أشرف على جبل يرى منه عسكر موسى وكان قد قال لقومه لا أفعل حتى استامر ربي ففعل فنهي عن ذلك فقال لهم قد نهيت فما زالوا به حتى قال سأستامره ثانية ففعل فسكت عنه فاخبرهم فقالوا له ان الله لم يدع نهيك إلا وقد أراد ذلك فخرج فلما أشرف على العسكر جعل يدعو على موسى فتحول لسانه بالدعاء لموسى والدعاء على قومه فقالوا له ما تقول فقال إني لا أملك هذا وعلم أنه قد أخطأ فروي أنه قد خرج لسانه على صدره فقال لقومه إني قد هلكت ولكن لم يبق لكم إلا الحيلة فأخرجوا النساء إلى عسكر موسى على جهة التجر وغيره ومروهن إلا تمتنع امرأة من رجل فأنهم إذا زنوا هلكوا ففعلوا فخرج النساء فزنى بهن رجال من بني إسرائيل وجاء فنحاص بن العيزار بن هارون فانتظم برمحه امرأة ورجلا من بني إسرائيل ورفعهما على أعلى الرمح فوقع في بني إسرائيل الطاعون فمات منهم في ساعة واحدة سبعون ألفا ثم ذكر المعتمر عن أبيه أن موسى عليه السلام قتل بعد ذلك الرجل المنسلخ من آيات الله قال المهدوي روي أنه دعا على موسى أن لا يدخل مدينة الجبارين فأجيب ودعا عليه موسى أن ينسى اسم الله الأعظم فأجيب وفي هذه القصة روايات كثيرة تحتاج إلى صحة إسناد وانسلخ عبارة عن البراءة منها والإنفصال والبعد كالمنسلخ من الثياب والجلد واتبعه الشيطان أي صيره تابعا كذا قال الطبري إما لضلالة رسمها له وإما لنفسه ومن الغاوين أي من الضالين ولو شيئنا لرفعناه بها قال ابن عباس وجماعة معنى لرفعناه لشرفنا ذكره ورفعنا منزلته لدينا بهذه الآيات التي آتيناه ولكنه اخلذ إلى الأرض أي تقاعس إلى

الحضيض الأسفل الأخس من شهوات الدنيا ولذاتها وذلك أن الأرض وما أرتكن فيها هي الدنيا وكل ما عليها فإن ومن أخلد إلى الفاني فقد حرم حظ الآخرة الباقية ت قال الهروي قوله أخلد إلى الأرض معناه سكن إلى لذاتها واتبع هواه يقال أخلد إلى كذا أي ركن إليه واطمأن به انتهى قال عبد الحق الأشبيلي رحمه الله في العاقبة وأعلم رحمك الله أن لسوء الخاتمة أعاذنا الله منها أسبابا ولها طرق وأبواب أعظمها الاكباب على الدنيا والإعراض عن الآخرة وقد سمعت بقصة بلعام بن الإكباب على الدنيا والإعراض عن الآخرة وقد سمعت بقصة بلعام بن باعوراء وماكان أتاه الله تعالى من آياته واطلعه عليه من بيناته وما أراه من عجائب ملكوته أخلد إلى الأرض واتبع هواه فسلبه الله سبحانه جميع ما كان أعطاه وتركه مع من استماله وأغواه انتهى
وقوله فمثله كمثل الكلب شبه به في أنه كان ضالا قبل أن يؤتى الآيات ثم اوتيها فكان أيضا ضالا لم تنفعه فهو كالكلب في انه لا يفارق اللهت في كل حال هذا قول الجمهور وقال السدي وغيره أن هذا الرجل عوقب في الدنيا فإنه كان يلهث كما يلهت الكلب فشبه به صورة وهيئة وذكر الطبري عن ابن عباس أن معنى أن تحمل عليه ان تطرده
وقوله وقوله ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا أي هذا المثل يا محمد مثل هؤلاء الذين كانوا ضالين قبل أن تأتيهم بالهدى والرسالة ثم جئتهم بها فبقوا على ضلالتهم ولم ينتفعوا بذلك فمثلهم كمثل
الكلب وقوله فاقصص القصص أي أسرد عليهم ما يعلمون أنه من الغيوب التي لا يعلمها إلا أهل الكتب الماضية ولست منهم لعلهم يتفكرون في ذلك فيؤمنوا
وقوله سبحانه من يهد الله فهو المهتدى ومن يضلل فأولئك هم الخاسرون القول فيه أن ذلك كله من عند الله الهداية منه وبخلقه واختراعه وكذلك الإضلال وفي الآية تعجيب من حال المذكورين
وقوله سبحانه ولقد ذرأنا

لجهنم كثيرا من الجن والأنس خبر من الله تعالى أنه خلق لسكنى جهنم والاحتراق فيها كثيرا وفي ضمنه وعيد للكفار وذرأ معناه خلق وأوجد مع بث ونشر
وقوله سبحانه لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل الآية لما كانت هذه الطائفة الكافرة المعرضة عن النظر في آيات الله لم بنفعهم النظر بالقلب ولا بالعين ولا ما سمعوه من الآيات والمواعظ استوجبوا الوصف بأنهم لا يفقهون ولا يبصرون ولا يسمعون والفقه الفهم أولئك كالأنعام في أن الأنعام لا تفقه الأشياء ولا تعقل المقاييس ثم حكم سبحانه عليهم بأنهم أضل لأن الأنعام تلك هي بنيتها وخلقتها وهؤلاء معدون للفهم والنظر ثم بين سبحانه بقوله أولئك هم الغافلون الطريق الذي به صاروا أضل من الأنعام وهو الغفلة والتقصير قال الفخر أما قوله تعالى أولئك كالأنعام بل هم أضل فتقريره أن الإنسان وسائر الحيوانات متشاركة في قوى الطبيعة الغاذية والنامية والمولدة ومتشاركة أيضا في منافع الحواس الخمس الباطنة والظاهرة وفي أحوال التخيل والتفكر والتذكر وإنما حصل الامتياز بين الإنسان وسائر الحيوانات في القوة العقلية والفكرية التي تهديه إلى معرفة الحق فلما أعرض الكفار عن أحوال العقل والفكر ومعرفة الحق كانوا كالأنعام بل هم أضل لأن الحيوانات لا قدرة لها على تحصيل هذه الفضائل وقد قال حكيم الشعراء ... الروح من عند رب العرش مبدؤه ... وتربة الأرض أصل الجسم والبدن ...
... قد ألف الملك الجبار بينهما ... ليصلحا لقبول الأمر والمحن ...
... فالروح في غربة والجسم في وطن ... فلتعرفن ذمام النازح الوطن ...
انتهى وقوله سبحانه ولله الأسماء الحسنى فأدعوه بها الآية السبب في

هذه الآية على ما روي أن أبا جهل سمع بعض أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم يقرأ فيذكر الله تعالى في قراءته ومرة يذكر الرحمن ونحو ذلك فقال محمد يزعم أن الإله واحد وهم إنما يعبد آلهة كثيرة فنزلت هذه الآية ومن أسماء الله تعالى ما ورد في القرآن ومنها ما ورد في الحديث وتواتر وهذا هو الذي ينبغي أن يعتمد عليه
وقوله سبحانه ذروا الذين يلحدون في أسمائه قال ابن زيد معناه اتركوهم فالآية على هذا منسوخة وقيل معناه الوعيد كقوله سبحانه ومن خلقت وحيدا وذرهم يأكلوا ويتمتعوا يقال الحد ولحد بمعنى جار ومال وأنحرف والحد أشهر ومنه لحد القبر ومعنى الإلحاد في أسماء الله عز و جل أن يسموا اللات نظير أسم الله تعالى قاله ابن عباس والعزى نظير العزيز قاله مجاهد ويسمون الله أبا ويسمون أوثانهم أربابا
وقوله سبحانه سيجزون ما كانوا يعملون وعيد محض
وقوله سبحانه وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون والذين كذبوا بآياتنا سنستدرجهم من حيث لا يعلمون الآية تتضمن الأخبار عن قوم أهل إيمان واستقامة وهداية وظاهرها يقتضي كل مؤمن كان من لدن آدم عليه السلام إلى قيام الساعة وروي عن كثير من المفسرين أنها في أمة نبينا محمد صلى الله عليه و سلم وروي في ذلك حديث أن النبي صلى الله عليه و سلم قال هذه الآية لكم
وقوله سبحانه والذين كذبوا بآياتنا الآية وعيد والإشارة إلى الكفار وسنستدرجهم معناه سنسوقهم شيئا بعد شيء ودرجة بعد درجة بالنعم عليهم والإمهال لهم حتى يغتروا ويظنوا أنهم لا ينالهم عقاب وقوله من حيث لا يعلمون أي من حيث لا يعلمون أنه استدراج لهم وهذه عقوبة لهم من الله سبحانه على التكذيب لما حتم عليهم بالعذاب أملى لهم ليزدادوا إثما
وقوله وأملى معناه أوخر ملاوة من الدهر أي مدة ومتين معناه قوي
وقوله سبحانه أو لم يتفكروا ما بصاحبهم من جنة

الآية تقرير يقارنه توبيخ للكفار والوقف على قوله أو لم يتفكروا ثم ابتدأ القول بنفي ما ذكروه فقال ما بصاحبهم من جنة أي بمحمد صلى الله عليه و سلم ويحتمل أن يكون المعنى أو لم يتفكروا أنه ما بصاحبهم من جنة ويظهر من رصف الآية أنها باعثة لهم على الفكرة في أمره صلى الله عليه و سلم وأنه ليس به جنة كما احالهم بعد هذه الآية على النظر وقال الفخر قوله تعالى أولم يتفكروا أمر بالفكر والتأمل والتدبر وفي اللفظ محذوف والتقدير أو لم يتفكروا فيعلموا ما بصاحبهم من جنة والجنة حالة من الجنون كالجلسة ودخول من في قوله من جنة ينفي أنواع الجنون انتهى
وقوله سبحانه أولم ينظروا في ملكوت السموات والأرض الآية النظر هنا بالقلب عبرة وفكرا وملكوت بناء عظمة ومبالغة
وقوله وما خلق الله من شيء لفظ يعم جميع ما ينظر فيه ويستدل به من الصنعة الدالة على الصانع ومن نفس الإنسان وحواسه ومواضع رزقه والشيء واقع على الموجودات وان عسى عطف على قوله في ملكوت والمعنى توقيفهم على ان لم يقع لهم نظر في شيء من هذا ولا في أنهم قربت اجالهم فما تواففات أوان التدارك ووجب عليهم المحذور ثم وقفهم بأي حديث أوامر يقع إيمانهم وتصديقهم إذا لم يقع بأمر فيه نجاتهم ودخولهم الجنة ونحو هذا المعنى قول الشاعر ... وعن أي نفس بعد نفسي أقاتل ...
والضمير في بعده يراد به القرآن وقيل المراد به النبي صلى الله عليه و سلم وقصه وأمره أجمع وقيل هو عائد على الأجل أي بعد الأجل إذ لا عمل بعد الموت
وقوله سبحانه من يضلل الله فلا هادي له الآية هذا شرط وجواب مضمنه اليأس منهم والمقت لهم لأن المراد أن هذا قد نزل بهم والطغيان الإفراط في الشيء وكأنه مستعمل في غير الصلاح والعمه الحيرة
وقوله سبحانه يسئلونك عن الساعة قال قتادة السائلون هم قريش وقال

ابن عباس هم أحبار اليهود ت وفي السيرة لابن هشام أن السائلين من أحبار اليهود حمل بن أبي قشير وسموأل بن زيد انتهى والساعة القيامة موت كل من كان حيا حينئذ وبعث الجميع وأيان معناه متى وهي مبنية على الفتح قال الشاعر ... أيان تقتضي حاجتي ايانا ... أما ترى لفعلها أبانا ...
ومرساها معناه مثبتها ومنتهاها مأخوذ من أرسى يرسي فمرساها رفع بالابتداء والخبر أيان وعبارة البخاري أيان مرساها متى خروجها انتهى ويجليها معناه يظهرها
وقوله سبحانه ثقلت في السموات والأرض قيل معناه ثقل أن تعلم ويوقف على حقيقة وقتها وقال الحسن بن أبي الحسن معناه ثقلت هيئتها والفزع على أهل السموات والأرض لأتأتيكم إلا بغتة أي فجأة
وقوله سبحانه يسئلونك كأنك حفي عنها قال ابن عباس وغيره المعنى يسئلونك كأنك حفي أي متحف ومهتبل بهم وهذا ينحو إلى ما قالت قريش يا محمد إنا قرابتك فأخبرنا بوقت الساعة وقال ابن زيد وغيره معناه كأنك حفي في المسألة عنها والأشتغال بها حتى حصلت علمها وقرأ ابن عباس فيما ذكر أبو حاتم كأنك حفي بها
وقوله سبحانه ولكن أكثر الناس لا يعلمون قال الطبري معناه لا يعلمون أن هذا الأمر لا يعلمه إلا الله بل يظن أكثرهم أنه مما يعلمه البشر
وقوله سبحانه قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله الآية هذا أمر بأن يبالغ في الاستسلام ويتجرد من المشاركة في قدرة الله وغيبه وأن يصف نفسه لهؤلاء السائلين بأنه لا يملك من منافع نفسه ومضارها إلا ما سنى الله وشاء ويسر وهذا الاستثناء منقطع وأخبر أنه لو كان يعلم الغيب لعمل بحسب ما يأتي واستعد لكل شيء استعداد من يعلم قدر ما يستعد له وهذا لفظ عام في كل شيء
وقوله وما مسني السوء

يحتمل وجهين وبكليهما قيل أحدهما أن ما معطوفة على قوله لاستكثرت أي ولما مسني السوء والثاني أن يكون الكلام مقطوعا تم في قوله لاستكثرت من الخير وابتدأ يخبر بنفي السوء عنه وهو الجنون الذي رموه به قال مؤرج السدوسي السوء الجنون بلغة هذيل وأما على التأويل الأول فلا يريد بالسوء الجنون ويترجح الثاني بنحو قوله سبحانه ما بصاحبكم من جنة إن هو إلا نذير لكم الآية ولقوم يؤمنون يحتمل معنيين أحدهما أن يريد لقوم يطلب منهم الإيمان وهؤلاء الناس أجمع والثاني أن يخبر أنه نذير ويتم الكلام ثم يبتدئ يخبر أنه بشير للمؤمنين به ففي هذا وعد لمن حصل إيمانه
وقوله جلت عظمته هو الذي خلقكم من نفس واحدة الآية قال جمهور المفسرين المراد بالنفس الواحدة آدم عليه السلام وبقوله وجعل منها زوجها حواء وقوله منها هو ما تقدم ذكره من أن آدم نام فاستخرجت قصرى اضلاعه وخلقت منها حواء
وقوله ليسكن إليها أي ليأنس ويطمئن وكان هذا كله في الجنة ثم ابتدأ بحالة أخرى وهي في الدنيا بعد هبوطهما فقال فلما تغشاها أي غشيها وهي كناية عن الجماع والحمل الخفيف هو المني الذي تحمله المرأة في رحمها
وقوله فمرت به أي استمرت به وقرأ ابن عباس فاستمرت به وقرأ ابن مسعود فاستمرت بحملها وقرأ عبد الله ابن عمرو بن العاص فمارت به أي جاءت به وذهبت وتصرفت كما تقول مارت الريح مورا واثقلت دخلت في الثقل كما تقول أصبح وأمسى والضمير في قوله دعوا على هذا التأويل عائد على آدم وحواء وروي في قصص ذلك أن الشيطان أشار على حواء أن تسمي هذا المولود عبد الحارث وهو اسم إبليس وقال لها أن لم تفعلي قتلته فزعموا أنهما أطاعاه حرصا على حياة المولود فهذا هو الشرك الذي جعلا لله في التسمية فقط وقال الطبري والسدي في قوله فتعالى الله عما يشركون

كلام منفصل من خبر آدم وحواء يراد به مشركوا العرب ت وينزه آدم وحواء عن طاعتهما لإبليس ولم أقف بعد على صحة ما روي في هذه القصص ولو صح لوجب تأويله نعم روى الترمذي عن سمرة بن جندب عن النبي صلى الله عليه و سلم قال لما حملت حواء طاف بها إبليس وكان لا يعيش لها ولد فقال لها سميه عبد الحارث فسمته عبد الحارث فعاش ذلك وكان ذلك من وحي وأمره قال الترمذي هذا حديث حسن غريب انفرد به عمر بن إبراهيم عن قتادة وعمر شيخ بصري انتهى وهذا الحديث ليس فيه أنهما أطاعاه وعلى كل حال الواجب التوقف والتنزيه لمن اجتباه الله وحسن التأويل ما أمكن وقد قال ابن العربي في توهين هذا القول وتزييفه وهذا القول ونحوه مذكور في ضعيف الحديث في الترمذي وغيره وفي الإسرائيليات التي ليس لها ثابت ولا يعول عليها من له قلب فإن آدم وحواء وإن كانا غرهما بالله الغرور فلا يلدغ المؤمن من حجر مرتين وما كانا بعد ذلك ليقبلا له نصحا ولا يسمعا له قولا والقول الاشبه بالحق أن المراد بهذا جنس الآدميين انتهى من الأحكام قال ع وقوله صالحا قال الحسن معناه غلاما وقال ابن عباس وهو الأظهر بشرا سويا سليما وقال قوم إنما الغرض من هذه الآية تعديد النعمة في الأزواج وفي تسهيل النسل والولادة ثم ذكر سوء فعل المشركين الموجب للعقاب فقال مخاطبا لجميع الناس هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها يريد آدم وحواء أي واستمرت حالكم واحدا واحدا كذلك فهذه نعمة يختص كل واحد بجزء منها ثم جاء قوله فلما تغشاها إلى آخر الآية وصفا لحال الناس واحدا واحدا أي هكذا يفعلون فإذا أتاهم الله ولدا صالحا سليما كما أرادوه صرفوه عن الفطرة إلى الشرك فهذا فعل المشركين قال ابن العربي في أحكامه وهذا القول هو الاشبه

بالحق واقرب للصدق وهو ظاهر الآية وعمومها الذي يشمل جميع متناولاتها ويسلم فيها الأنبياء عن النقص الذي لا يليق بجهال البشر فكيف بساداتهم وأنبيائهم انتهى وهو كلام حسن وبالله التوفيق وقرأ نافع وعاصم في رواية أبي بكر شركا بكسر الشين وسكون الراء على المصدر وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة والكسائي وحفص عن عاصم شركاء على الجمع وهي بينة على هذا التأويل الأخير وقلقة على قول من قال أن الآية الأولى في آدم وحواء وفي مصحف أبي بن كعب فلما أتاهما صالحا أشركا فيه
وقوله أيشركون ما لا يخلق شيئا الآية ذهب بعض من قال بالقول الأول إلى أن هذه الآية في آدم وحواء على ما تقدم وفيه قلق وتعسف من التأويل في المعنى وإنما تنسق هذه الآيات ويروق نظمها ويتناصر معناها على التأويل الأخير فإنهم قالوا إن الآية في مشركي الكفار الذين يشركون الأصنام في العبادة وأياها يراد في قوله ما لا يخلق وعبر عن الأصنام بهم كأنها تعقل على اعتقاد الكفار فيها وبحسب أسمائها ويخلقون معناه ينحتون ويصنعون يعني الأصنام ويحتمل أن يكون المعنى وهؤلاء المشكرون يخلقون أي فكان حقهم أن يعبدوا خالقهم لا من لا يخلق شيئا وقرأ أبو عبد الرحمن عما تشركون بالتاء من فوق أتشكرون
وقوله سبحانه وإن تدعوهم إلى الهدى لا يتبعوكم سواء عليكم أدعوتموهم أم أنتم صامتون ن قال أن الآيات في آدم عليه السلام قال هذه مخاطبة مستأنفة للنبي صلى الله عليه و سلم وأمته في أمر الكفار المعاصرين للنبي صلى الله عليه و سلم ومن قال بالقول الآخر قال أن هذه مخاطبة للمؤمنين والكفار على قراءة من قرأ أيشركون بالياء من تحت وللكفار فقط على قراءة من قرأ بالتاء من فوق على جهة التوقيف أي هذا حال الأصنام معكم أن دعوتموهم لم يجيبوكم
وقوله سبحانه إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم فأدعوهم فليستجيبوا

لكم إن كنتم صادقين الآية مخاطبة للكفار في تحقير شأن اصنامهم وقوله فأدعوهم أي فاختبروا فإن لم يستجيبوا فهم كما وصفنا
وقوله سبحانه لهم ألهم أرجل يمشون بها أم لهم أيد يبطشون بها أم لهم أعين يبصرون بها أم لهم آذان يسمعون بها الآية الغرض من هذه الآية ألهم حواس الحي وأوصافه فإذا قالوا لا حكموا بأنها جمادات من غير شك لا خير عندها قال الزهراوي المعنى أنتم أفضل منهم بهذه الجوارح النافعة فكيف تعبدونهم ثم أمر سبحانه نبيه عليه السلام أن يعجزهم بقوله قل ادعوا شركاءكم أي استنجدوهم واستنفروهم إلى إضراري وكيدي ولا تؤخروني المعنى فإن كانوا آلهة فسيظهر فعلكم ولما احالهم على الاستنجاد بآلهتهم في ضرره وأراهم أن الله سبحانه هو القادر على كل شيء لا تلك عقب ذلك بالإستناد إلى الله سبحانه والتوكل عليه والإعلام بأنه وليه وناصره فقا ان وليي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين
وقوله والذين تعون من دونه لا يستطيعون نصركم ولا أنفسهم ينصرون إنما تكرر القول في هذا وترددت الآيات فيه لأن أمر الأصنام وتعظيمها كان متمكنا من نفوس العرب في ذلك الزمان ومستوليا على عقولها فاوعب القول في ذلك لطفا منه سبحانه بهم
وقوله وإن تدعوهم إلى الهدى لا يسمعوا الآية قالت فرقة هذا خطاب للنبي صلى الله عليه و سلم وأمته في أمر الكفار والهاء والميم في قوله تدعوهم للكفار ووصفهم بأنهم لا يسمعون ولا يبصرون إذ لم يتحصل لهم عن النظر والاستماع فائدة قاله مجاهد والسدي وقال الطبري المراد بالضمير المذكور الأصنام ووصفهم بالنظر كناية عن المحاذاة والمقابلة ولما فيها من تخييل النظر كما تقول دار فلان تنظر إلى دار فلان
وقوله سبحانه خذ العفو وأمر بالعرف الآية وصية من الله سبحانه لنبيه عليه السلام تعم جميع أمته وأخذ بجميع مكارم الأخلاق قال الجمهور معنى خذ العفو أقبل من الناس

في أخلاقهم وأقوالهم ومعاشرتهم ما أتى عفوا دون تكلف فالعفو هنا الفضل والصفو قال مكي قوله تعالى خذ العفو وأمر بالعرف الآية قال بعض أهل المعاني في هذه الآية بيان قول النبي صلى الله عليه و سلم أوتيت جوامع الكلم فهذه الآية قد جمعت معان كثيرة وفوائد عظيمة وجمعت كل خلق حسن لأن في أخذ العفو صلة القاطعين والصفح عن الظالمين وإعطاء المانعين وفي الأمر بالمعروف تقوى الله وطاعته وصلة الرحم وصون الجوارح عن المحرمات وسمي هذا ونحوه عرفا لأن كل نفس تعرفه وتركن إليه وفي الأعراض عن الجاهلين الصبر والحلم وتنزيه النفس عن مخاطبة السفيه ومنازعة اللجوج وغيره ذلك من الأفعال المرضية انتهى من الهداية وقوله وأمر بالعرف معناه بكل ما عرفته النفوس مما لا ترده الشريعة ومن ذلك أن تعطي من حرمك وتصل من قطعك وتعفو عن من ظلمك الحديث فالعرف بمعنى المعروف
وقوله عز و جل وأما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم هذه الآية وصية من الله سبحانه لنبيه صلى الله عليه و سلم تعم أمته رجلا رجلا والنزغ حركة فيها فساد وقلما تستعمل إلا في فعل الشيطان لأن حركته مسرعة مفسدة ومنه قول النبي صلى الله عليه و سلم لا يشر أحدكم على أخيه بالسلاح لا ينزغ الشيطان في يده فالمعنى في هذه الآية فأما تلمن بك لمة من الشيطان فاستعذ بالله وعبارة البخاري ينزغنك يستخفنك انتهى ونزغ الشيطان عام في الغضب وتحسين المعاصي واكتساب الغوائل وغير ذلك وفي جامع الترمذي عن النبي صلى الله عليه و سلم قال ان للملك لمة وللشيطان لمة الحديث قال ع وعن هاتين اللمتين هي الخواطر من الخير والشر فالآخذ بالواجب يلقى لمة الملك بالامتثال والاستدامة ولمة الشيطان بالرفض والاستعاذة واستعاذ معناه طلب أن يعاذ وعاذ معناه

لاذ وانضوى واستجار قال الفخر قال ابن زيد لما نزل قوله تعالى واعرض عن الجاهلين قال النبي صلى الله عليه و سلم كيف يا رب والغضب فنزل قوله وأما ينزغنك من الشيطان نزغ وقوله أنه سيمع عليم يدل على أن الاستعاذة لا تفيد إلا إذا حضر في القلب العلم بمعنى الاستعاذة فكأنه تعالى قال اذكر لفظ الاستعاذة بلسانك فإني سميع واستحضر معاني الاستعاذة بعقلك وقلبك فإني عليم بما في ضميرك وفي الحقيقة القول اللساني دون المعارف العقلية عديم الفائدة والأثر انتهى
وقوله سبحانه إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا الآية خرجت مخرج المدح للمتقين والتقوى هاهنا عامة في اتقاء الشرك والمعاصي وقرأ ابن كثير وغيره طيف قال أبو علي الطائف كالخاطر والطيف كالخطرة وقوله تذكروا إشارة إلى الاستعاذة المأمور بها وإلى ما لله عز و جل من الأوامر والنواهي في النازلة التي يقع تعرض الشيطان فيها وقرأ ابن الزبير من الشيطان تأملوا فإذا هم وفي مصحف أبي بن كعب إذا طاف من الشيطان طائف تأملوا وقوله مبصرون من البصيرة أي فإذا هم قد تبينوا الحق ومالوا إليه والضمير في إخوانهم عائد على الشياطين وفي يمدونهم عائد على الكفار وهم المراد بالإخوان هذا قول الجمهور قال ع وقرأ جميع السبعة غير نافع يمدونهم من مددت وقرأ نافع يمدونهم من أمددت قال الجمهور هما بمعنى واحد إلا أن المستعمل في المحبوب أمد والمستعمل في المكروه مد فقراءة الجماعة جارية على المنهاج المستعمل وقراءة نافع هي مقيدة بقوله في الغي ما يجوز أن تقيد البشارة فتقول بشرته بشر ومد الشياطين للكفرة أي ومن نحا نحوهم هو بالتزيين لهم والإغواء المتتابع وقوله ثم لا يقصرون من أقصر والضمير عائد على الجميع أي هؤلاء لا يقصرون عن الإغواء وهؤلاء لا يقصرون في الطاعة للشياطين
وقوله سبحانه وإذا

لم تأتهم بآية قالوا لولا اجتبيتها سببها فيما روي أن الوحي كان يتأخر أحيانا فكان الكفار يقولون هلا اجتبيتها أي اخترتها فأمره الله عز و جل أي يجيب بالتسليم لله وأن الأمر في الوحي إليه ينزله متى شاء ثم أشار بقوله هذا بصائر إلى القرآن أي علامات هدى وأنوار تستضيء القلوب به
وقوله سبحانه وإذا قرئى القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون ذكر الطبري وغيره أن أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم كانوا بمكة بتكلمون في المكتوبة بحوائجهم فنزلت الآية أمرا لهم بالاستماع والإنصات في الصلاة وأما قول من قال أنها في الخطبة فضعيف لأن الآية مكية والخطبة لم تكن إلا بعد الهجرة وألفاظ الآية على الجملة تتضمن تعظيم القرآن وتوقيره وذلك واجب في كل حالة والإنصات السكوت قال الزجاج ويجوز أن يكون فاستمعوا له وأنصتوا أي اعملوا بما فيه ولا تجاوزوه قال ابن العربي في أحكامه روى الترمذي وأبو داود عن عبادة بن الصامت قال صلى رسول الله صلى الله عليه و سلم صلاة الصبح فثقلت عليه القراءة فلما أنصرف قال إني لأراكم تقرءون وراء إمامكم قلنا يا رسول الله إي والله فقال لا تفعلوا إلا بأم القرآن فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها وقد روى الناس في قراءة المأمومين خلف الإمام بفاتحة الكتاب أحاديث كثيرة وأعظمهم في ذلك اهتبالا الدارقطني وقد جمع البخاري في ذلك جزءا وكان رأيه قراءة الفاتحة خلف الإمام في الصلاة الجهرية وهي إحدى روايات مالك وهو اختيار الشافعي انتهى وقد تقدم أول الكتاب ما اختاره ابن العربي وقوله سبحانه وأذكر ربك في نفسك الآية مخاطبة للنبي صلى الله عليه و سلم وتعم جميع أمته وهو أمر من الله تعالى بذكره وتسبيحه وتقديسه والثناء عليه بمحامده والجمهور على أن الذكر لا يكون في النفس ولا يراعى إلا بحركة اللسان ويدل على ذلك من هذه الآية

قوله دون الجهر من القول وهذه مرتبة السر والمخافتة وقال الفخر المراد بقوله تعالى وأذكر ربك في نفسك كونه عارفا بمعاني الإذكار التي يقولها بلسانه مستحضرا لصفات الجلال والعظمة وذلك أن الذكر باللسان إذا كان عاريا عن الذكر بالقلب كان عديم الفائدة إلا ترى أن الفقهاء أجمعوا على أن الرجل إذا قال بعت واشتريت مع أنه لا يعرف معاني هذه الألفاظ ولا يفهم منها شيئا فإنه لا ينعقد البيع والشراء فكذلك هنا قال المتكلمون وهذه الآية تدل على إثبات كلام النفس
وقوله تعالى ولا تكن من الغافلين يدل على أن الذكر القلبي يجب أن يكون دائما وأن لا يغفل الإنسان لحظة عن استحضار جلال الله وكبريائه بقدر الطاقة البشرية وتحقيق القول في هذا أن بين الروح والبدن علاقة عجيبة لأن كل أثر يحصل في البدن يصعد منه نتائج إلى إلى الروح ألا ترى أن الإنسان إذا تخيل الشيء الحامض ضرس منه وإذا تخيل حالة مكروهة أو غضب سخن بدنه انتهى وتضرعا معناه تذللا وخضوعا البخاري وخيفة أي خوفا انتهى
وقوله بالغدو والآصال معناه دأبا وفي كل يوم وفي أطراف النهار ولا تكن من الغافلين تنبيه منه عز و جل ولما قال سبحانه ولا تكن من الغافلين جعل بعد ذلك مثالا من اجتهاد الملائكة ليبعث على الجد في طاعة الله سبحانه ت قال صاحب الكلم الفارقية غفلة ساعة عن ربك مكدرة لمرآة قلبك فكيف بغفلة جميع عمرك انتهى قال ابن عطاء الله رحمه الله لا تترك الذكر لعدم حضورك مع الله فيه لأن غفلتك عن وجود ذكره أشد من غفلتك في وجود ذكره فعسى أن يرفعك من ذكر مع وجود غفلة إلى ذكر مع وجود يقظة ومن ذكر مع وجود يقظة إلى ذكر مع وجود حضور ومن ذكر مع وجود حضور إلى ذكر مع وجود غيبة عما سوى المذكور وما ذلك على الله

بعزيز انتهى قال ابن العربي في أحكامه قوله تعالى ولا تكن من الغافلين أي فيما أمرت به وكلفته وهذا خطاب له عليه السلام والمراد به جميع أمته انتهى
وقوله الذين يريد به الملائكة
وقوله عند إنما يريد به المنزلة والتشريف والقرب في المكانة لا في المكان فهم بذلك عنده ثم وصف سبحانه حالهم من تواضعهم وإدمانهم العبادة والتسبيح والسجود وفي الحديث اطت السماء وحق لها ان تئط ما فيها موضع شبر إلا وفيه ملك قائم أو راكع أو ساجد وهذا موضع سجدة
قال عبد الرحمن بن محمد عفا الله عنه كمل ما انتخبناه في تفسير السورة والحمد لله على ما به انعم وصلى الله على سيدنا محمد وأله وسلم تسليما كثيرا
بسم الله الرحمن الحريم
سورة الأنفال مدينة كلها
قال مجاهد إلا أية واحد وهي قوله وإذ يمكر بك الذين كفروا الآية ولا خلاف أن هذه السورة نزلت في شأن بدر وأمر غنائمه
قوله عز و جل يسئلونك عن الأنفال الآية النفل والنافلة في كلام العرب الزيادة على الواجب والأكثر في هذه الآية أن السؤال إنما هو عن حكم الأنفال وقالت فرقة إنما سألوه الأنفال نفسها محتجين بقراءة سعد بن أبي وقاص وغيره يسئلونك الأنفال وعن أبي إمامة الباهلي قال سألت عبادة بن الصامت عن

الأنفال فقال فينا أهل بدر نزلت حين اختلفنا وساءت اخلاقنا فنزعه الله من أيدينا وجعله إلى رسوله صلى الله عليه و سلم وقسمه عليه السلام بين المسلمين على بواء يريد على سواء فكان في ذلك تقوى الله وطاعة رسوله وصلاح ذات البين قال ع ويجيء من مجموع الآثار المذكورة هنا أن نفوس أهل بدر تنافرت ووقع فيها ما يقع في نفوس البشر من إرادة الأثرة لا سيما من أبلى فأنزل الله عز و جل الآية فرضي المسلمون وسلموا فأصلح ذات بينهم ورد عليهم غنائمهم قال بعض أهل التأويل عكرمة ومجاهد كان هذا الحكم من الله سبحانه لرفع الشغب ثم نسخ بقوله واعلموا إنما غنمتم من شيء الآية
وقوله سبحانه واصلحوا ذات بينكم بأنه شجر بينهم اختلاف ومالت النفوس إلى التشاح وذات في هذا الموضع يراد بها نفس الشيء وحقيقته والذي يفهم من بينكم هو معنى يعم جميع الوصل والالتحامات والمودات وذات ذلك هو المأمور باصلاحها أي نفسه وعينه وباقي الآية بين وقوله سبحانه إنما المؤمنين الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم الآية إنما لفظ لا تفارقه المبالغة والتأكيد حيث وقع ويصلح مع ذلك للحصر بحسب القرينة فقوله هنا إنما المؤمنون ظاهرها أنها للمبالغة والتأكيد فقط أي الكاملون قال الشيخ أبو عبد الله محمد بن محمد بن أحمد الأنصاري الساحلي المالقي في كتابه الذي ألفه في السلوك واعلم أن الإنسان مطلوب بطهارة نفسه وتزكيتها وطرق التزكية وإن كثرت فطريق الذكر أسرع نفعا وأقرب مراما وعليه درج أكثر مشائخ التربية ثم قال والذكر ضد النسيان والمطلوب منه عمارة الباطن بالله تعالى في كل زمان ومع كل حال لأن الذكر بدل على المذكور لا محالة فذكره دبدنا يوجب المحبة له والمعرفة به والذكر وإن اختلفت ألفاظه ومعانيه فلكل معنى معانيه اختصاص

بنوع من التحلية والتخلية والتزكية ثم قال والذكر على قسمين ذكر العامة وذكر الخاصة أما ذكر العامة وهو ذكر الأجور فهو أن يذكر العبد مولاه بما شاء من ذكره لا يقصد غير الأجور والثواب واما ذكر الخاصة فهو ذكر الحضور وهو أن يذكر العبد مولاه باذكار معلومة على صفة مخصوصة لينال بذلك المعرفة بالله سبحانه بطهارة نفسه من كل خلق ذميم وتحليتها بكل خلق كريم انتهى ووجلت معناه فزعت ورقت وخافت وبهذه المعاني فسرتها العلماء وتليت معناه سردت وقرئت والآيات هنا القرآن المتلو ومن كلام صاحب الكلم الفارقية أن تيقظت يقظة قلبية وانتبهت انتباهة حقيقية لم تر في وقتك سعة لغير ذكر ربك واستشعار عظمته ومهابته والإقبال على طاعته ما في وقت العاقل فضلة في غير ما خلق له من عبادة خالقه والاهتمام بمصالح آخرته والاستعداد لمعاده اعرف العبيد بجلال مولاه أخلاهم عما سواه وأكثرهم لهجا بذكره وتعظيما لأمره وأحسنهم تأملا لآثار صنعته وبدائع حكمته وأشدهم شوقا إلى لقائه ومشاهدته انتهى وزيادة الإيمان على وجوه كلها خارج عن نفس التصديق منها أن المؤمن إذا كان لم يسمع حكما من أحكام الله عز و جل في القرآن فنزل على النبي صلى الله عليه و سلم فسمعه فآمن به زاد إيمانا إلى سائر ما قد آمن به إذ لكل حكم تصديق خاص وهذا يترتب فيمن بلغه ما لم يكن عنده من الشرع إلى يوم القيامة وترتب زيادة الإيمان بزيادة الدلائل ولهذا قال مالك الإيمان يزيد ولا ينقص ويترتب بزيادة الأعمال البرة على قول من يرى أن لفظة الإيمان واقعة على التصديق والطاعات وهؤلاء يقولون يزيد
وينقص وقوله سبحانه وعلى ربهم يتوكلون عبارة جامعة لمصالح الدنيا والآخرة إذا اعتبرت وعمل بحسبها في أن يمتثل الإنسان ما أمر به ويبلغ في ذلك أقصى جهده دون عجز وينتظر بعدما وعد به من نصر أو رزق أو غيره وهذه أوصاف جميلة

وصف الله بها فضلاء المؤمنين فجعلها غاية للأمة يستبق إليها الأفاضل ثم أتبع ذلك وعدهم ووسمهم باقامة الصلاة ومدحهم بها حضا على ذلك
وقوله ومما رزقناهم ينفقون قال جماعة من المفسرين هي الزكاة وإنما حملهم على ذلك اقتران الكلام بإقامة الصلاة وإلا فهو لفظ عام في الزكاة ونوافل الخير وصلات المستحقين ولفظ ابن عباس في هذا المعنى محتمل
وقوله سبحانه لهم درجات ظاهره وهو قول الجمهور إن المراد مراتب الجنة ومنازلها ودرجاتها على قدر أعمالهم ورزق كريم يريد مآكل الجنة ومشاربها وكريم صفة تقتضي رفع المذام كقوله ثوب كريم
وقوله سبحانه كما أخرجك ربك من بيتك بالحق الآية اختلف في معنى هذه الآية فقال الفراء التقدير امض لأمرك في الغنائم وإن كرهوا كما أخرجك ربك قال ع وتحرير هذا المعنى عندي أن يقال هذه الكاف شبهت هذه القصة التي هي إخراجه من بيته بالقصة المتقدمة التي هي سؤالهم عن الأنفال كأنهم سألوا عن النفل وتشاجروا فأخرج الله ذلك عنهم فكانت فيه الخيرة كما كرهوا في هذه القصة انبعاث النبي صلى الله عليه و سلم فأخرجه الله من بيته فكانت في ذلك الخيرة وعلى هذا التأويل يمكن أن يكون قوله يجادلونك كلاما مستأنفا يراد به الكفار أي يجادلونك في شريعة الإسلام من بعد ما تبين الحق فيها كأنما يساقون إلى الموت في الدعاء إلى الإيمان وهذا الذي ذكرت من أن يجادلونك في الكفار منصوص وقال مجاهد وغيره المعنى في الآية كما أخرجك ربك من بيتك على كراهية من فريق منهم كذلك يجادلونك في قتال كفار مكة ويودون غير ذلك الشوكة من بعد ما تبين لهم أنك إنما تفعل ما أمرت به لاما يريدون هم وقائل هذه المقالة يقول أن المجادلين هم المؤمنون وقائل المقالة الأولى يقول أن المجادلين هم المشركون وهذان

القولان يتم بهما المعنى ويحسن رصف اللفظ وقيل غير هذا وقوله من بيتك يريد من المدينة يثرب قاله الجمهور
وقوله سبحانه وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم الآية في هذه الآية قصص حسن محل استيعابه كتاب سيرة رسول الله صلى الله عليه و سلم لأبن هشام واختصاره أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لما بلغه وقيل أوحي إليه أن أبا سفيان بن حرب قد أقبل من الشام بالعير التي فيها تجارة قريش وأموالها قال لأصحابه أن عير قريش قد عنت لكم فأخرجوا إليها لعل الله أن ينفلكموها قال فأبعث معه من خف وثقل قوم وكرهوا الخروج وأسرع رسول الله صلى الله عليه و سلم لا يلوي على من تعذر ولا ينظر من غاب ظهره فسار في ثلاث مائة وثلاثة عشر أو نحو ذلك من أصحابه بين مهاجري وأنصاري وقد ظن الناس بأجمعهم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لا يلقى حربا فلم يكثر استعدادهم وكان أبو سفيان في خلال لك يستقصي ويحذر فلما بلغه خروج رسول الله صلى الله عليه و سلم بعث ضمضم بن عمرو الغفاري إلى مكة يستنفر أهلها ففعل ضمضم فخرج أهل مكة في ألف رجل أو نحو ذلك فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه و سلم خروجهم أوحى الله إليه وحيا غير متلو يعده إحدى الطائفتين فعرف رسول الله صلى الله عليه و سلم أصحابه بذلك فسروا وودوا أن تكون لهم العير التي لا قتال معها فلما علم أبو سفيان بقرب رسول الله صلى الله عليه و سلم منه أخذ طريق الساحل وأبعد وفات ولم يبق إلا لقاء أهل مكة وأشار بعض الكفار على بعض بالانصراف وقالوا هذه عيرنا قد نجت فلننصرف فحرش أبو جهل ولج حتى كان أمر الواقعة وقال بعض المؤمنين نحن لم نخرج لقتال ولم نستعد له فجمع رسول الله صلى الله عليه و سلم أصحابه وهو بواد يسمى دقران وقال أشيروا علي أيها الناس فقام أبو بكر فتكلم واحسن وحرض الناس على

لقاء العدو فأعاد رسول الله صلى الله عليه و سلم الاستشارة فقام عمر بمثل ذلك فأعاد رسول الله صلى الله عليه و سلم الاستشارة فتكلم المقداد بن الأسود الكندي فقال لا نقول لك يا رسول الله كما قالت بنو إسرائيل أذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون ولكن نقول إنا معكما مقاتلون والله لو أردت بنا برك الغماد يعني مدينة الحبشة لقاتلنا معك من دونها فسر رسول الله صلى اله عليه وسلم بكلامه ودعا له بخير ثم قال أشيروا علي أيها الناس فكلمه سعد بن معاذ وقيل سعد بن عبادة ويحتمل هما معا فقال يا رسول الله كأنك إيانا تريد معشر الأنصار فقال النبي صلى الله عليه و سلم أجل فقال إنا قد آمنا بك واتبعناك وبايعناك فامض لأمر الله فوالله لو خضت بنا هذا البحر لخضناه معك فقال النبي صلى الله عليه و سلم امضوا على بركة الله فكأني أنظر إلى مصارع القوم فالتقوا وكانت وقعة بدر ت وفي صحيح البخاري من حديث عائشة في خروج أبي بكر من مكة فلقيه ابن الدغنة عند برك الغماد الحديث وليست بمدينة الحبشة من غير شك فالله أعلم ولعلهما موضعان انتهى والشوكة عبارة عن السلاح والحدة
وقوله سبحانه ويريد الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين المعنى ويريد الله أن يظهر الإسلام ويعلي دعوة الشرع بكلماته التي سبقت في الأزل والدابر الذي يدبر القوم أي يأتي أخرهم وإذا قطع فقد أتى على أخرهم بشرط أن يبدأ الإهلاك من أولهم وهي عبارة في كل من أتى الهلاك عليه وقوله سبحانه ليحق الحق أي ليظهر الحق الذي هو دين الإسلام ويبطل الباطل أي الكفر وتستغيثون معناه تطلبون الغوث وممدكم أي مكثركم ومقويكم من امددت ومردفين معناه متبعين وقرأ سائر السبعة غير نافع مردفين بكسر الدال نافع بفتحها وروي عن ابن عباس خلف كل ملك ملك وهذا معنى التتابع يقال ردف وأردف إذا اتبع وجاء بعد الشيء

ويحتمل أن يراد مردفين للمؤمنين ويحتمل أن يراد مردفين بعضهم بعضا وأنشد الطبري شاهدا على أن أردف بمعنى جاء تابعا قول الشاعر ... إذا الجوزاء أردفت الثريا ... ظننت بآل فاطمة الظنونا ...
والثريا تطلع قبل الجوزاء وروي في الصحيح الاشهران الملائكة قاتلت يوم بدر واختلف في غره قال ابن إسحاق حدثني عبد الله بن أبي بكر أنه حدث عن ابن عباس أنه قالحدثني رجل من بني غفار قال أقلت أنا وابن عم لي حتى صعدنا في جبل يشرف بنا على بدر ونحن مشركان ننتظر الوقعة على من تكون فننتهب مع من ينتهب قال فبينما نحن في الجبل إذ دنت منا سحابة فسمعنا فيها حمحمة الخيل فسمعت قائلا يقول اقدم حيزوم فأما ابن عمي فانكشف قناع قلبه فمات مكانه وأما أنا فكدت أهلك ثم تماسكت قال ابن إسحاق وحدثني عبد الله بن أبي بكر عن بعض بني ساعدة عن أبي سعيد مالك بن ربيعة وكان شهد بدرا قال بعد أن ذهب بصره لو كنت اليوم ببدر ومعي بصري لأريتكم الشعب الذي خرجت منه الملائكة لا أشك ولا أتمارى انتهى من سيرة ابن هشام
وقوله سبحانه وما جعله الله إلا بشرى ولتطمئن به قلوبكم الضمير في جعله عائد على الوعد وهذا عندي أمكن الأقوال من جهة المعنى وقيل عائد على المدد والإمداد وقيل عائد على الأرداف وقيل عائد على الألف
وقوله وما النصر إلا من عند الله إن الله عزيز حكيم توقيف على أن الأمر كله لله وأن تكسب المرء لا يغني إذا لم يساعده القدر وإن كان مطلوبا بالجد كما ظاهر رسول الله صلى الله عليه و سلم بين درعين
وقوله سبحانه إذ يغشيكم النعاس امنة منه القصد تعديد نعمه سبحانه على المؤمنين في يوم بدر والتقدير اذكروا إذ فعلنا بكم كذا وإذ فعلنا كذا والعامل في إذا اذكروا وقرأ نافع يغشيكم بضم الياء وسكون الغين وقرأ حمزة وغيره يغشيكم بفتح الغين

وشد الشين المكسورة وقرأ ابن كثير وغيره يغشاكم بفتح الياء وألف بعد الشين النعاس بالرفع ومعنى يغشيكم يغطيكم والنعاس أخف النوم وهو الذي يصيب الإنسان وهو واقف أو ماش وينص على ذلك قصص هذه الآية أنهم إنما كان بهم خفق بالرؤوس وقوله امنة مصدر من أمن يأمن أمنا وامنة وأمانا والهاء فيه لتأنيث المصدر كماه هي في المساءة والحماقة والمشقة وروي عن ابن مسعود أنه قال النعاس عند حضور القتال علامة أمن وهو من الله وهو في الصلاة من الشيطان قال ع وهذا إنما طريقة الوحي فهو لا محالة يسنده
وقوله سبحانه وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به وذلك أن قوما من المؤمنين لحقتهم جنابات في سفرهم وعدموا الماء قريب بدر فصلوا كذلك فوسوس الشيطان في نفوس بعضهم مع تخويفه لهم من كثرة العدو وقلتهم وأيضا فكانت بينهم وبين ماء بدر مسافة من رمل دهس تسوخ فيها الأرجل فكانوا يتوقعون أن يسبقهم الكفار إلى ماء بدر فأنزل الله تلك المطرة فسالت الأودية فاغتسلوا وطهرهم الله تعالى فذهب رجز الشيطان وتدمث الطريق وتلبدت تلك الرمال فسهل الله عليهم السير وأمكنهم الإسراع حتى سبقوا إلى ماء بدر وأصاب المشركين من ذلك المطر ما صعب عليهم طريقهم فسر المؤمنين وتبينوا من فعل الله بهم ذلك قصد المعونة لهم فطابت نفوسهم واجتمعت وتشجعت فذلك الربط على قلوبهم وتثبيت أقدامهم على الرملة اللينة والضمير فيه على هذا الاحتمال عائد على الماء ويحتمل عوده على ربط القلوب ويكون تثبيت الأقدام عبارة عن النصر والمعونة في موطن الحرب ونزول الماء كان في الزمن قبل تغشية النعاس ولم يترتب كذلك في الآية إذ القصد فيها تعديد النعم فقط
وقوله سبحانه فثبتوا الذين آمنوا ولثبيتهم يكون بقتالهم وبحضورهم وبأقوالهم المونسة ويحتمل أن يكون

التثبيت بما يلقيه الملك في القلب بلمته من توهم الظفر واحتقار الكفار وبخواطر تشجعه قال ع ويقوي هذا التأويل مطابقة قوله تعالى سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب وعلى هذا التأويل يجيء قوله سالقى في قلوب الذين كفروا الرعب مخاطبة للملائكة ويحتمل أن يكون مخاطبة للمؤمنين
وقوله سبحانه فاضربوا فوق الأعناق عكرمة هي على بابها وارد الرؤوس وهذا أنبل الأقوال قال ع ويحتمل عندي أن يريد وصف أبلغ ضربات العنق وأحكمها وهي الضربة التي تكون فوق عظم العنق دون عظم الرأس في المفصل كما وصف دريد بن الصمة فيجيء على هذا فوق الأعناق متمكنا والبنان قالت فرقة هي المفاصل حيث كانت من الأعضاء وقالت فرقة البنان الأصابع وهذا هو الصحيح لأنه إذا قطع البنان لم ننتفع صاحبه بشيء من أعضائه واستاسر وشاقوا معناه خالفوا ونابذوا وقطعوا وهو مأخوذ من الشق وهو القطع والفصل بين شيئين وعبر المفسرون عن قوله شاقوا أي صاروا في شق غير شقه قال ع وهذا وإن كان معناه صحيحا فتحرير الاشتقاق إنما هو ما ذكرناه وقوله فإن الله شديد العقاب جواب للشرط تضمن وعيدا وتهديدا
وقوله سبحانه فذوقوه للكفار أي ذلكم الضرب والقتل وما أوقع الله بهم يوم بدر فكأنه قال الأمر ذلكم فذوقوه وكذا قرره سيبويه وقال بعضهم يحتمل أن يكون ذلكم في موضع نصب كقوله زيدا فأضربه وقوله سبحانه يا أيها الذين أمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا الآية يراد به متقابلي الصفوف والأشخاص أي يزحف بعضهم إلى بعض واصل الزحف الأندفاع على الآلية ثم سمي كل ماش إلى آخر في الحرب رويدا زاحفا إذ في مشيته من التماهل والتباطىء ما في مشي الزاحف وفي هذا المعنى شواهد من كلام العرب ونهى الله سبحانه

في هذه الآية عن تولي الأدبار وهذا مقيد بالشريطة المنصوصة في مثلي المؤمنين والفرار هنالك كبيرة موبقة بظاهر القرآن والحديث وإجماع الأكثر من الأمة
وقوله ومن يولهم يومئذ دبره الآية قال جمهور الأمة الإشارة بيومئذ إلى يوم اللقاء الذي يتضمنه قوله إذا لقيتم وحكم الآية باق إلى يوم القيامة بشرط الضعف الذي بينه الله سبحانه ت قال ابن رشد وهذا ما لم يبلغ عدد المسلمين اثني عشر ألفا فإن بلغ حرم الفرار وإن زاد المشركون على الضعف للحديث لن تغلب اثنا عشر ألفا من قلة فإن أكثر أهل العلم خصصوا بهذا الحديث عموم الآية وعن ملك مثله انتهى وفهم ع الحديث على التعجب ذكره عند قوله ويوم حنين وما قاله ابن رشد هو الصواب والله أعلم و متحرفا لقتال يراد به الذي إن فعله ذلك أنكى للعدو ونصبه على الحال وكذلك نصب متحيزا وأما الاستثناء فهو من المولين الذي تضمنهم من والفئة هنا الجماعة الحاضرة للحرب هذا قول الجمهور
وقوله سبحانه فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى هذه الألفاظ ترد على من يزعم أن أفعال العباد خلق لهم ومذهب أهل السنة أنها خلق للرب سبحانه كسب للعبد روي أن النبي صلى الله عليه و سلم أخذ يومئذ ثلاث قبضات من حصى وتراب فرمى بها في وجوه القوم فانهزموا عند آخر رمية ويروى أنه قال يوم بدر شاهت الوجوه وهذه الفعلة أيضا كانت يوم حنين بلا خلاف وليبلي المؤمنين أي ليصيبهم ببلاء حسن وظاهر وصفه بالحسن يقتضي أنه أراد الغنيمة والظفر والعزة إن الله سميع لاستغاثتكم عليم بوجوه الحكمة في جميع أفعاله لا إله إلا هو
وقوله سبحانه ذلكم إشارة إلى ما تقدم من قتل الله لهم ورميه إياهم وموضع ذلكم من الأعراب رفع قال سيبويه التقدير الأمر ذلكم وموهن معناه مضعف مبطل
وقوله

سبحانه إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح الآية قال أكثر المتأولين هذه الآية مخاطبة لكفار مكة روي أن قريشا لما عزموا على الخروج إلى حماية العير تعلقوا بأستار الكعبة واستفتحوا وروي أن أبا جهل قال صبيحة يوم بدر اللهم أنصر أحب الفئتين إليك وأظهر خير الدينين عندك اللهم اقطعنا للرحم فاحنه الغداة ونحو هذا فقال الله لهم إن تطلبوا الفتح فقد جاءكم أي كما ترونه عليكم لا لكم وفي هذا توبيخ لهم وإن تنتهوا عن كفركم وغيكم فهو خير لكم وإن تعودوا للاستفتاح نعد بمثل وقعة بدر وباقي الآية بين
وقوله سبحانه يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ورسوله الآية قيل أنها نزلت بسبب اختلافهم في النفل ومجادلتهم في الحق وكراهيتهم خروج النبي صلى الله عليه و سلم وتولوا أصله تتولوا
وقوله وأنتم تسمعون يريد دعاءه لكم بالقرآن والمواعظ
وقوله كالذين قالوا يريد الكفار إما من قريش لقولهم سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا وأما الكفار على الإطلاق
وقوله سبحانه إن شر الدواب عند الله الصم البكم مقصد الآية بيان أن هذه الصنيفة العاتية من الكفار هي شر الناس عند الله سبحانه وأنها في أخس المنازل لديه وعبر بالدواب ليتأكد ذمهم وقوله الصم البكم عبارة عما في قلوبهم وعدم انشراح صدورهم وإدراك عقولهم وقوله ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم أي سماع هدى وتفهم ولو اسمعهم أي ولو فهمهم لتولوا بحكم القضاء السابق فيهم ولأعرضوا عما تبين لهم من الهدى
وقوله سبحانه يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول الآية استجيبوا بمعنى أجيبوا وقوله لما يحييكم قال مجاهد والجمهور المعنى للطاعة وما يتضمنه القرآن وهذا إحياء مستعار لأنه من موت الكفر والجهل والطاعة تؤدي إلى الحياة الدائمة في الآخرة
وقوله سبحانه واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه يحتمل

وجوها منها أنه لما أمرهم سبحانه بالاستجابة في الطاعة حضهم على المبادرة والاستعجال وأعلمهم أنه يحول بين المرء وقلبه بالموت والقبض أي فبادروا الطاعات ويلتئم مع هذا التأويل قوله وإنه إليه تحشرون أي فبادروا الطاعات وتزودوها ليوم الحشر ومنها أن يقصد أعلامهم أن قدرة الله وعلمه وإحاطته حائلة بين المرء وقلبه فكان هذا المعنى يحض على المراقبة والخوف لله المطلع على الضمائر حكي هذا التأويل عن قتادة ويحتمل أن يريد تخويفهم إن لم يمتثلوا الطاعات ويستجيبوا لله وللرسول أن يحل بهم ما حل بالكفار الذين أرادهم بقوله ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون لأنه حتمه عليهم بأنهم لو سمعوا لم ينتفعوا يقتضي أنه كان قد حال بينهم وبين قلوبهم ومنا أن يكون المعنى ترجية لهم بأن الله يبدل الخوف الذي في قلوبهم من كثرة العدو فيجعله جراءة وقوة وبضد ذلك للكفار أي فإن الله تعالى هو مقلب القلوب كما كان قسم النبي صلى الله عليه و سلم وقيل غير هذا قال مكي وقال الطبري هذا خبر من الله عز و جل أنه أملك بقلوب العباد منهم لها وأنه يحول بينهم وبينها إذا شاء حتى لا يدرك الإنسان شيئا من إيمان ولا كفر ولا يعي شيئا ولا يفهم شيئا إلا بإذنه ومشيئته سبحانه وقد كان النبي صلى الله عليه و سلم كثيرا ما يقول في دعائه يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك انتهى
الهداية وروى مالك بن أنس والنسائي أن رسول الله صلى الله عليه و سلم دعا أبي بن كعب وهو في الصلاة فلم يجبه وأسرع في بقية صلاته فلما فرغ جاء فقال له النبي صلى الله عليه و سلم ألم يقل الله عز و جل يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم قال أبي لأجرم يا رسول الله لا تدعوني أبدا إلا أجبتك الحديث بطوله واختلاف ألفاظه وفي البخاري ومسلم أن ذلك وقع مع أبي سعيد بن المعلى وروي أنه وقع نحوه مع حذيفة بن اليمان في غزوة الخندق
وقوله

عز و جل واتقوا فتنة لا تصبين الذين ظلموا منكم خاصة في الآية تأويلات أسبقها إلى النفس أن الله سبحانه حذر جميع المؤمنين من فتنة أن أصابت لم تخص الظلمة فقط بل تصيب الكل من ظالم وبريء وهذا تأويل الزبير بن العوام والحسن البصري وكذلك تأويل ابن عباس فإنه قال أمر الله المؤمنين في هذه الآية أن لا يقروا المنكر بين أظهرهم فيعمهم العذاب وخاصة نعت لمصدر محذوف تقديره إصابة خاصة فهي نصب على الحال وقرأ علي بن أبي طالب رضي الله عنه وغيره لتصيبن باللام على جواب قسم والمعنى على هذا وعيد للظلمة فقط
وقوله سبحانه واذكروا إذ أنتم قليل الآية هذه الآية تتضمن تعديد نعم الله على المؤمنين وإذ ظرف لمعمول واذكروا تقديره واذكروا حالكم الكائنة أو الثابتة إذ أنتم قليل ولا يجوز أن تكون إذ ظرفا للذكر وإنما يعمل الذكر في إذ لو قدرناها مفعولة واختلف في الحال المشار إليها بهذه الآية فقالت فرقة وهي الأكثر هي حال المؤمنين بمكة في وقت بداءة الإسلام والناس الذين يخاف تخطفهم كفار مكة والمأوى المدينة والتأييد بالنصر وقعة بدر وما أنجر معها في وقتها والطيبات الغنائم وسائر ما فتح الله عليهم به وقالت فرقة الحال المشار إليها هي حالهم في غزوة بدر والناس الذين يخاف تخطفهم على هذا عسكر مكة وسائر القبائل المجاورة فإن النبي صلى الله عليه و سلم كان يتخوف من بعضهم والمأوى على هذا والتأييد بالنصر هو الإمداد بالملائكة والتغليب على العدو والطيبات الغنيمة
وقوله سبحانه يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول هذا خطاب لجميع المؤمنين إلى يوم القيامة وهو يجمع أنواع الخيانات كلها قليلها وكثيرها والخيانة التنقص للشيء بإختفاء وهي مستعملة في أن يفعل الإنسان خلاف ما ينبغي من حفظ أمر ما مالا كان أو سرا

أو غير والخيانة لله عز و جل هي في تنقص أوامره في سر
وقوله وتخونوا أماناتكم قال الطبري يحتمل أن يكون داخلا في النهي كأنه قال لا تخونوا الله والرسول ولا تخونوا أماناتكم ويحتمل أن يكون المعنى لا تخونوا الله والرسول فذلك خيانة لأماناتكم
وقوله فتنة يريد محنة واختبارا وامتحانا ليرى كيف العمل في جميع ذلك
وقوله وإن الله عنده أجر عظيم يريد فوز الآخرة فلا تدعوا حظكم منه للحيطة على أموالكم وأبنائكم فإن المذخور للآخرة أعظم أجرا
قوله سبحانه يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله الآية وعد للمؤمنين بشرط التقوى والطاعة لله سبحانه ويجعل لكم فرقانا معناه فرقا بين حقكم وباطل من ينازعكم بالنصر والتأييد وعبر قتادة وبعض المفسرين عن الفرقان هاهنا بالنجاة وقال مجاهد والسدي معناه مخرجا ونحو هذا مما يعمه ما ذكرناه وقد يوجد للعرب استعمال الفرقان كما ذكر المفسرون وعلى ذلك شواهد منها قول الشاعر ... وكيف أرجى الخلد والموت طالبي ... ومالي من كاس المنية فرقان ...
ت قال ابن رشد واحسن ما قيل في هذا المعنى
قوله تعالى لكم فرقانا أي فصلا بين الحق والباطل حتى يعرقوا ذلك بقلوبهم ويهتدوا إليه انتهى من البيان
وقوله سبحانه وإذ يمكر بك الذين كفروا الآية تذكير بحال مكة وضيقها مع الكفرة وجميل صنع الله تعالى في جميع ذلك والمكر المخاتلة والتداهى تقول فلان يمكر بفلان إذا كان يستدرجه وهذا المكر الذي ذكر الله تعالى في هذه الآية هو بإجماع المفسرين إشارة إلى اجتماع قريش في دار الندوة بمحضر إبليس في صورة شيخ نجدي على ما نص ابن إسحاق في سيره الحديث بطوله وهو الذي كان خروج رسول الله صلى الله عليه و سلم بسببه ولا خلاف أن ذلك كان بعد موت أبي طالب ففي القصة أن أبا جهل قال الرأي أن نأخذ من

كل بطن في قريش فتى قويا جلدا فيجتمعون ثم يأخذ كل واحد منهم سيفا ويأتون محمد في مضجعه فيضربونه ضربة رجل واحد فلا تقدر بنو هاشم على قتال قريش بأسرها فيأخذون العقل ونستريح منه فقال النجدي صدق الفتى هذا الرأي لا رأي غيره فافترقوا على ذلك فأخبر الله تعالى بذلك نبيه صلى الله عليه و سلم وأذن له في الخروج إلى المدينة فخرج رسول الله صلى الله عيله وسلم من ليلته وقال لعلي بن أبي طالب التف في بردى الحضرمي واضطجع في مضجعي فإنه لا يضرك شيء ففعل فجاء فتيان قريش فجعلوا يرصدون الشخص وينتظرون قيامه فيثورون به فلما قام رأوا عليا فقالوا له أين صاحبك فقال لا أدري وفي السير أن رسول الله صلى الله عليه و سلم خرج عليهم وهم في طريقه فطمس الله أعينهم عنه وجعل على راس كل واحد منهم ترابا ومضى لوجهه فجاءهم رجل فقال ما تنتظرون قالوا محمدا قال إني رأيته الآن جائيا من ناحيتكم وهو لا محالة وضع التراب على رؤوسكم فمد كل واحد يده إلى رأسه فإذا عليه التراب وجاءوا إلى مضجع رسول الله صلى الله عليه و سلم فوجدوا عليا فركبوا وراءه حينئذ كل صعب وذلول وهو بالغار ومعنى ليثبتوك ليسجنوك قاله عطاء وغيره وقال ابن عباس وغيره ليوثقوك
وقوله سبحانه وإذا تتلى عليهم آياتنا يعني القرآن قالوا قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا وقولهم إن هذا إلا أساطير الأولين أي قصصهم المكتوبة المسطورة وأساطير جمع أسطورة ويحتمل جمع أسطار وتواترت الروايات عن ابن جريج وغيره أن قائل هذه المقالة هو النضر بن الحارث وذلك أنه كان كثير السفر إلى فارس والحيرة فكان قد سمع من قصص الرهبان وأخبار رستم واسفنديار فلما سمع القرآن ورأى فيه أخبار الأنبياء والأمم قال لو شئت لقلت مثل هذا وكان النضر من مردة قريش النائلين من النبي صلى الله عليه و سلم ونزلت فيه

آيات كثيرة من كتاب الله عز و جل وأمكن الله منه يوم بدر وقتله رسول الله صلى الله عليه و سلم صبرا بالصفراء منصرفة من بدر في موضع يقال له الأثيل وكان أسره المقداد فلما أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم بضرب عنقه قال المقداد أسيري يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم إنه كان يقول في كتاب الله ما قد علمتم ثم أعاد الأمر بقتله فأعاد المقداد مقالته فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم اللهم أغن المقداد من فضلك فقال المقداد هذا الذي أردت فضربت عنق النضر
وقوله عز و جل وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك الآية روي عن مجاهد وغيره أن قائل هذه المقالة هو النضر بن الحارث المذكور وفيه نزلت هذه الآية قال ع وترتب أن يقول النضر مقالة وينسبها القرآن إلى جميعهم لأن النضر كان فيهم موسوما بالنبل والفهم مسكونا إلى قوله فكان إذا قال قولا قاله منهم كثير واتبعوه عليه حسب ما يفعله الناس أبدا بعلمائهم وفقهائهم ت وخرج البخاري بسنده عن أنس بن مالك قال قال أبو جهل اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو آتينا بعذاب أليم فنزلت وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم إلى عن المسجد الحرام والمشار إليه بهذا هو القرآن وشرع محمد صلى الله عليه و سلم والذي حملهم على هذه المقالة هو الحسد فعميت بصائرهم عن الهدى وصمموا على أن هذا ليس بحق نعوذ بالله من جهد البلاء وسوء القضاء وحكى ابن فورك أن هذه المقالة خرجت منهم مخرج العناد وهذا بعيد في التأويل ولا يقول هذا على جهة العناد عاقل وقراءة الناس إنما هي بنصب الحق على أنه خبر كان ويكون هو فصلا فهو حينئذ اسم وأمطر إنما تستعمل غالبا في المكروه ومطر في الرحمة قاله أبو عبيدة
وقوله سبحانه وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم الآية قالت فرقة نزلت هذه الآية كلها بمكة وقالت

فرقة نزلت كلها بعد وقعة بدر حكاية عما مضى وقال ابن أبزي نزل قوله وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم بمكة أثر قولهم أو أتينا بعذاب أليم ونزل قوله وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون عند خروج النبي صلى الله عليه و سلم من مكة في طريقه إلى المدينة وقد بقي بمكة مؤمنون يستغفرون ونزل قوله وما لهم إلا يعذبهم الله إلى آخر الآية بعد بدر عند ظهور العذاب عليهم وهذا التأويل بين وعليه واعتمد عياض في الشفا قال وفي الآية تأويل آخر ثم ذكر حديث الترمذي عن أبي موسى الأشعري قال قال النبي صلى الله عليه و سلم انزل الله تعالى علي امانين لأمتي وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون فإذا مضيت تركت فيهم الاستغفار انتهى قال ع وأجمع المتأولون على أن معنى قوله وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم أن الله عز و جل لم يعذب قط أمة ونبيها بين أظهرها أي فما كان الله ليعذب هذه الأمة وأنت فيهم بل كرامتك لديه أعظم
وقوله عز و جل ومالهم إلا يعذبهم الله توعد بعذاب الدنيا والضمير في قوله أولياءه عائد على الله سبحانه أو على المسجد الحرام كل ذلك جيد وروي الأخير عن الحسن وقال الطبري عن الحسن بن أبي الحسن أن قوله سبحانه وما لهم إلا يعذبهم الله ناسخ لقوله وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون قال ع وفيه نظر لأنه خبر لا يدخله نسخ
وقوله سبحانه وما كان صلاتهم عند البيت الامكاء وتصدية المكاء الصفير قاله ابن عباس والجمهور والتصدية عبر عنها أكثر الناس بأنها التصفيق وذهب أكثر المفسرين إلى أن المكاء والتصدية إنما أحدثهما الكفار عند مبعث النبي صلى الله عليه و سلم لتقطع عليه وعلى المؤمنين قراءتهم وصلاتهم وتخلط عليهم فلما نفى الله تعالى ولايتهم للبيت أمكن أن يعترض منهم معترض بأن يقول وكيف لا نكون أولياءه ونحن نسكنه ونصلي عنده فقطع سبحانه

هذا الاعتراض بأن قال وما كان صلاتهم عند البيت إلا المكاء والتصدية قال ع والذي مربى من أمر العرب مربى من أمر العرب في غير ما ديوان أن المكاء والتصدية كان من فعل العرب قديما قبل الإسلام على جهة التقرب به والتشرع وعلى هذا يستقيم تغييرهم وتنقصهم بأن شرعهم وصلاتهم لم تكن رهبة ولا رغبة وإنما كانت مكاء وتصدية من نوع اللعب ولكنهم كانوا يتزيدون فيهما وقت النبي صلى الله عليه و سلم ليشغلوه هو وأمته عن القراءة والصلاة
وقوله سبحانه فذوقوا العذاب الآية إشارة إلى عذابهم ببدر بالسيف قاله الحسن وغيره فيلزم أن هذه الآية الآخرة نزلت بعد بدر ولا بد قال ع والاشبه أن الكل نزل بعد بدر حكاية عما مضى
وقوله سبحانه إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله الآية لما قتل من قتل ببدر اجتمع أبناؤهم وقراباتهم فقالوا لمن خلص ماله في العير إن محمدا قد نال منا ما ترون ولكن أعينونا بهذا المال الذي كان سبب الوقعة فلعلنا ان ننال منه ثارا يريدون نفقته في غزوة أحد
وقوله سبحانه فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون الحسرة التلهف على فائت وهذا من أخبار القرآن بالغيوب قبل أن تكون فكان كما أخبر ثم أخبر سبحانه عن الكافرين وأنهم يجمعون إلى جهنم والحشر الجمع
وقوله سبحانه ليميز الله الخبيث من الطيب وقرأ حمزة والكسائي ليميز الله بضم الياء وفتح الميم وشد الياء قال ابن عباس وغيره المعنى بالخبيث الكفار وبالطيب المؤمنون وقال ابن سلام والزجاج الخبيث ما أنفقه المشركون في الصد عن سبيل الله والطيب هو ما أنفقه المؤمنون في سبيل الله قال ع روي عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أن الله سبحانه يخرج يوم القيامة من الأموال ما كان صدقة أو قربة ثم يأمر بسائر ذلك فيلقى في النار وعلى التأويلين فقول سبحانه ويجعل الخبيث بعضه على بعض فيركمه جميعا

إنما هي عبارة عن جمع ذلك وضمه وتأليف أشتاته وتكاثفه بالإجماع ويركمه في كلام العرب يكثفه ومنه سحاب مركوم وعبارة البخاري فيركمه فيجمعه انتهى
وقوله سبحانه إن ينتهوا يعني عن الكفر يغفر لهم ما قد سلف لأن الإسلام يجب ما قبله وإن يعودوا يريد به إلى القتال ولا يصح أن يتأول وأن يعودوا إلى الكفر لأنهم لم ينفصلوا عنه
وقوله فقد مضت سنة الأولين عبارة تجمع الوعيد والتهديد والتمثيل بمن هلك من الأمم في سالف الدهر بعذاب الله حين صد في وجه نبيه بمن هلك في يوم بدر بسيف الإسلام
وقوله سبحانه وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة قال ابن عباس وابن عمر وغيرهما الفتنة الشرك قال ع وهذا هو الظاهر ويفسر هذه الآية قوله صلى الله عليه و سلم أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله الحديث وقال ابن إسحاق معناها حتى لا يفتن أحد عن دينه كماكانت قريش تفعل بمكة بمن أسلم
وقوله ويكون الدين كله لله أي لا يشرك معه صنم ولا وثن ولا يعبد غيره سبحانه ثم قال تعالى فإن انتهوا عن الكفر فإن الله بصير بعملهم مجاز عليه عنده ثوابه وجميل المقارضة عليه
وقوله سبحانه وإن تولوا فاعلموا أن الله مولاكم نعم المولى ونعم النصير معادلة لقوله فإن انتهوا المعنى وإن تولوا ولم ينتهو فاعلموا أن الله تعالى ينصركم عليهم وهذا وعد محض بالنصر والظفر والمولى هاهنا الموالى والمعين والمولى في اللغة على معان هذا هو الذي يليق بهذا الموضع منها والمولى الذي هو السيد المقترن بالعبد يعم المؤمنين والمشركين
وقوله عز و جل إنما غنمتم من شيء فإن لله خمسه الغنيمة في اللغة ما يناله الرجل بسعي ومنه قوله صلى الله عليه و سلم الصيام في الشتاء هي الغنيمة الباردة وقوله من شيء ظاهره العموم ومعناه الخصوص فأما الناض والمتاع والأطفال والنساء وما لا يؤكل لحمه من الحيوان ويصح تملكه فالإمام يأخذ

خمسه ويقسم الباقي في الجيش وأما الأرض فقال فيها مالك يقسمها الإمام إن رأى ذلك صوابا كما فعل النبي صلى الله عليه و سلم بخيبر أو لا يقسمها بل يتركها لنوائب المسلمين إن أداه اجتهاده إلى ذلك كما فعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه بأرض مصر وبسواد الكوفة وأما الرجال ومن شارف البلوغ من الصبيان فالإمام عند مالك وجمهور العلماء مخير فيهم على خمسة أوجه منها القتل وهو مستحسن في أهل الشجاعة والنكاية ومنها الفداء وهو مستحسن في ذي المنصب الذي ليس بشجاع ولا يخاف منه رأي ومكيدة لانتفاع المسلمين بالمال الذي يؤخذ منه ومنها المن وهو مستحسن فيمن يرجى أن يحنو على أسرى المسلمين ونحو ذلك من القرائن ومنها الاسترقاق ومنها ضرب الجزية والترك في الذمة وأما الطعام والغنم ونحوها مما يكل فهو مباح في بلد العدو أكله وما فضل منه كان في المغنم ومحل استيعاب فروع هذا الفصل كتب الفقه
وقوله سبحانه وما أنزلنا على عبدنا أي من النصر والظهور الذي أنزله الله سبحانه يوم بدر ويحتمل أن تكون الإشارة إلى قرآن نزل يوم بدر أو في قصة يوم بدر ويوم الفرقان معناه يوم الفرق بين الحق والباطل بإعزاز الإسلام وإذلال الشرك والجمعان يريد جمع المسلمين وجمع الكفار وهو يوم بدر ولا خلاف في ذلك
وقوله سبحانه والله على كل شيء قدير بعضد أن قوله وما أنزلنا على عبدنا يراد به النصر والظفر أي الآيات والعظائم من غلبة القليل للكثير وذلك بقدرة الله عز و جل الذي هو على كل شيء قدير
قوله سبحانه إذ أنتم بالعدوة الدنيا وهم بالعدوة القصوى والركب أسفل منكم العدوة شفير الوادي وحرفه الذي يتعذر المشي فيه بمنزلة رجاء البير لأنها عدت ما في الوادي من ماء ونحوه أن يتجاوز الوادي أي منعته ومنه قوله الشاعر ... عدتني عن زيارتك العوادي ... وحالت دونها حرب زبون

وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بالعدوة بكسر العين وقوله الدنيا والقصوى إنما هو بالإضافة إلى المدينة وبين المدينة ووادي بدر موضع الوقعة مرحلتان والدنيا من الدنو والقصوى من القصو وهو البعد والركب بإجماع من المفسرين عير أبي سفيان وقوله أسفل في موضع خفض تقديره في مكان أسفل كذا قال سيبويه وكان الركب ومدبر أمره أبو سفيان بن حرب قد نكب عن بدر حين نذر بالنبي صلى الله عليه و سلم وأخذ سيف البحر فهو اسفل بالإضافة إلى أعلى الوادي
وقوله سبحانه ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد المقصد من الآية تبيين نعمة الله سبحانه في شأن قصة بدر وتيسيره سبحانه ما يسر من ذلك والمعنى لو تواعدتم لاختلفتم في المعياد بسبب العوارض التي تعرض للناس إلا مع تيسير الله الذي تمم ذلك وهذا كما تقول لصاحبك في أمر سناه الله تعالى دون تعب كثير لو بنينا على هذا وسعينا فيه لم يتم هكذا ولكن ليقضي الله أمرا كان مفعولا أي لينفذ ويظهر أمرا قد قدره في الأزل مفعولا لكم بشرط وجودكم في وقت وجودكم وهذا كله معلوم عنده عز و جل لم يتجدد له به علم وقوله عز و جل ليهلك من هلك عن بينة ويحي من حي عن بينة قال الطبري المعنى ليقتل من قتل من كفار قريش وغيرهم ببيان من الله واعذار بالرسالة ويحكي أيضا ويعيش من عاش عن بيان منه أيضا وأعذرا لا حجة لأحد عليه سبحانه ت قال أبو عمر بن عبد البر في كتاب فضل العلم في قوله عز و جل ليهلك من هلك عن بينة الآية البينة ما بان به الحق انتهى وقال ابن إسحاق وغيره معنى ليهلك أي ليكفر ويحي أي ليؤمن فالحياة والهلاك على هذا التأويل مستعارتان
وقوله سبحانه إذ يريكهم الله في منامك قليلا الآية وتظاهرت الروايات أن هذه الآية نزلت في رؤيا رآها رسول الله صلى الله عليه و سلم رأى فيها عدد الكفار

قليلا فأخبر بذلك أصحابه فقويت نفوسهم وحرصوا على اللقاء قاله مجاهد وغيره والظاهر أنه رآهم صلى الله عليه و سلم في نومه قليلا قدرهم وبأسهم ويحتمل أنه رآهم قليلا عددهم فكان تأويل رؤياه انهزامهم والفشل الخور عن الأمر ولتنازعتم أي لتخالفتم في الأمر يريد في اللقاء والحرب وسلم لفظ يعم كل متخوف
وقوله سبحانه وإذ يريكموهم إذ التقيتم الآية وهذه الرؤية هي في اليقظة بإجماع وهي الرؤية التي كانت حين التقوا ووقعت العين على العين والمعنى أن الله تعالى لما أراده من انفاذ قضائه في نصرة الإسلام وإظهار دينه قلل كل طائفة في عيون الأخرى فوقع الخلل في التخمين والحزر الذي يستعمله الناس في هذا لتجسر كل طائفة على الأخرى وتتسبب أسباب الحرب والأمر المفعول المذكور في الآيتين هو القصة بأجمعها
وقوله وإلى الله ترجع الأمور تنبيه على أن الحول بأجمعه لله وإن كل أمر فله وإليه
وقوله سبحانه يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فأثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا الآية هذا أمر من الله سبحانه بما فيه داعية النصر وسبب العز وهي وصية منه سبحانه بحسب التقييد الي في آية الضعف والفئة الجماعة أصلها فئوة وهي من فأوت أي جمعت ثم أمر سبحانه بإكثار ذكره هنالك إذ هو عصمة المستنجد ووزر المستعين قال قتادة افترض الله ذكره عند اشغل ما يكون عند الضراب والسيوف قال ع وهذا ذكر خفي لان رفع الصوت في موطن القتال رديء مكروه إذا كان الغاطا فأما إن كان من الجميع عند الحملة فحسن فات في عضد العدو قال قيس بن عباد كان أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم يكرهون الصوت عند ثلاث عند قراءة القرآن وعند الجنازة وعند القتال وقال النبي صلى الله عليه و سلم أطلبوا إجابة الدعاء عند القتال وإقامة الصلاة ونزول الغيث وقال ابن

عباس يكره التلثم عند القتال قال النووي وسئل الشيخ أبو عمرو بن الصلاح عن القدر الذي يصير به المرء من الذاكرين الله كثيرا فقال إذا واظب على الأذكار المأثور المشتة صباحا ومساء وفي الأوقات والأحوال المختلفة ليلا ونهارا وهي مبينة في كتب عمل اليوم والليلة كان من الذاكرين الله كثيرا والله سبحانه أعلم انتهى من الحلية ت وأحسن من هذا جوابه صلى الله عليه و سلم حيث قال سبق المفردون قالوا وما المفردون يا رسول الله قال الذاكرون الله كثيرا والذاكرات رواه مسلم والترمذي وعنده قالوا يا رسول الله وما المفردون قال المستهترون في ذكر الله يضع عنهم الذكر أثقالهم فيأتون يوم القيامة خفافا قال صاحب سلاح المؤمن المستهترون في ذكر الله هو بفتح التاءين المثناتين يعني الذين أو لعوا به يقال استهتر فلان بكذا أي اولع به والله اعلم انتهى فقد بين صلى الله عليه و سلم هنا صفة الذاكرين الله كثيرا وقد نقلنا في غير هذا المحل بيان صفة الذاكرين الله كثيرا بنحو هذا من طريق ابن المارك وإذا كان العبد مستهترا بذكر مولاه انس به واحبه واحب لقاءه فلم يبال بلقاء العدو وإن هي إلا أحدى الحسنيين أما النصر وهو الأغلب لمن هذه صفته أو الشهادة وذلك مناه ومطلبه انتهى وتفلحون تنالون بغيتكم وتنالون آمالكم والجمهور على أن الريح هنا مستعارة قال مجاهد الريح النصر والقوة وذهب ريح أصحاب محمد صلى الله عليه و سلم حين نازعوه يوم أحد وقوله سبحانه واصبروا إلى آخر الآية تتميم في الوصية وعدة مونسة وقوله سبحانه ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم الآية الإشارة إلى كفار قريش والبطر الأشر وغمط النعمة وروي أن أبا سفيان لما أحرز عيره بعث إلى قريش وقال أن الله قد سلم عيركم فارجعوا فأنى رأي الجماعة على ذلك وخالف أبو جهل وقال والله لا نفعل حتى نأتي بدرا وكانت بدر سوقا من أسواق العرب

لها يوم موسم فننحر عليها الإبل ونشرب الخمر وتعزف علينا القيان وتسمع بنا العرب ويهابنا الناس فهذا معنى قوله تعالى ورئاء الناس وقوله سبحانه وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم وقال لا غالب لكم اليوم من الناس الضمير في لهم عائد على الكفار والشيطان إبليس نفسه والذي عليه الجمهور وتظاهرت به الروايات إن إبليس جاء كفار قريش ففي السير لأبن هشام أنه جاءهم بمكة وفي غيرها أنه جاءهم وهم في طريقهم إلى بدر وقد لحقهم خوف من بني بكر وكنانة لحروب كانت بينهم فجاءهم إبليس في صورة سراقة بن مالك بن جعشم وهو سيد من ساداتهم فقال لهم إني جار لكم ولن تخافوا من قومي وهم لكم أعوان على مقصدكم ولن يغلبكم أحد فروي أنه لما التقى الجمعان كانت يده في يد الحارث بن هشام فلما رأى الملائكة نكص فقال له الحارث أتفر يا سراقة فلم يلو عليه ويروي أنه قال له ما تضمنته الآية وروي أن عمير بن وهب أو الحارث بن هشام قال له أين يا سراق فلم يلو مثل عدو الله فذهب ووقعب الهزيمة فتحدثوا أن سراقة لا فر بالناس فبلغ ذلك سراقة بن مالك فأتى مكة فقال لهم والله ما علمت بشيء من أمركم حتى بلغتني هزيمتكم ولا رأيتكم ولا كنت معكم ت قال ابن إسحاق ذكر لي أنهم كانوا يرونه في كل منزل في صورة سراقة ينكرونه حتى إذا كان يوم بدر والتقى الجمعان نكص عدو الله على عقبيه فاوردهم ثم أسلمهم انتهى من السيرة لابن هشام
وقوله إني جار لكم أي انتم في ذمتي وحماءى وتراءت تفاعلت من الرؤية أي رأى هؤلاء هؤلاء
وقوله نكص على عقبيه أي رجع من حيث جاء واصل النكوص في اللغة الرجوع القهقري
وقوله أنى أرى ما لا ترون يريد الملائكة وهو الخبيث إنما شرط إلا غالب لهم من الناس فلما رأى الملائكة وخرق العادة خاف وفر
وقوله إني أخاف الله قال

الزجاج وغيره خاف مما رأى من الأمر وهو له أنه يومه الذي انظر إليه ويقوي هذا أنه رأى خرق العادة ونزول الملائكة للحرب
وقوله سبحانه إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض الآية قال المفسرون إن هؤلاء الموصوفين بالنفاق إنما هم من أهل عسكر الكفار ممن كان الإسلام داخل قلوبهم خرجوا مع المشركين إلى بدر منهم مكره وغير مكره فلما أشرفوا على المسلمين ورأوا قلتهم ارتابوا وقالوا مشيرين إلى المسلمين غر هؤلاء دينهم قال ع ولم يذكر أحد ممن شهد بدرا بنفاق الاما ظهر بعد ذلك من معتب ابن قشير فإنه القائل يوم أحد لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا وقد يحتمل أن يكون منافقو المدينة لما وصلهم خروج قريش في قوة عظيمة قالوا هذه المقالة ثم أخبر الله سبحانه بأن من توكل عليه وفوض أمره إليه فإن عزته سبحانه وحكمته كفيلة بنصره وقوله سبحانه ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوهم وأدبارهم الآية هذه الآية تتضمن التعجيب مما حل بالكفار يوم بدر قاله مجاهد وغيره وفي ذلك وعيد لمن بقي منهم وقوله وأدبارهم قال جل المفسرين يريد استاههم ولكن الله كريم كنى وقال ابن عباس والحسن أراد ظهورهم وما أدبر منهم وباقي الآية بين
وقوله سبحانه كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كفروا بآيات الله فأخذهم الله بذنوبهم الآية الدأب العادة في كلام العرب وهو مأخوذ من دأب على العمل إذا لازمه
وقوله سبحانه ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم الآية معنى هذه الآية إخبار من الله سبحانه إذا أنعم على قوم نعمة فإنه بلطفه ورحمته لا يبدأ بتغييرها وتنكيدها حتى يجيء ذلك منهم بأن يغيروا حالهم التي تراد أو تحسن منهم فإذا فعلوا ذلك غير الله نعمته عندهم بنقمته منهم ومثال هذه نعمة الله على قريش بنبينا محمد

صلى الله عليه و سلم فكفروا به فغير الله تلك النعمة بأن نقلها إلى غيرهم من الأنصار وأحل بهم عقوبته
وقوله تعالى كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كذبوا بآيات ربهم فأهلكناهم بذنوبهم هذا التكرير هو لمعنى ليس للأول إذ الأول دأب في أن هلكوا لما كفروا وهذا الثاني دأب في أن لم يغير نعمتهم حتى غيروا ما بأنفسهم والإشارة بقوله والذين من قبلهم إلى قوم شعيب وصالح وهود ونوح وغيرهم
وقوله سبحانه إن شر الدواب عند الله الذين كفروا فهم لا يؤمنون الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم في كل مرة وهم لا يتقون أجمع المتأولون أن الآية نزلت في بني قريظة وهي بعد تعم كل من أتصف بهذه الصفة إلى يوم القيامة وقوله في كل مرة يقتضي أن الغدر قد تكرر منهم وحديث قريظة هو أنهم عاهدوا النبي صلى الله عليه و سلم على أن لا يحاربوه ولا يعينوا عليه عدوا من غيرهم فلما اجتمعت الأحزاب على النبي صلى الله عليه و سلم بالمدينة غلب على ظن بني قريظة أن النبي صلى الله عليه و سلم مغلوب ومستأصل وخدع حي بن أخطب النضري كعب بن أسد القرظي صاحب عقد بني قريظة وعهدهم فغدروا ووالوا قريشا وأمدوهم بالسلاح والادراع فلما انجلت تلك الحال عن النبي صلى الله عليه و سلم أمره الله تعالى بالخروج إليهم وحربهم فاستنزلوا وضربت أعناقهم بحكم سعد واستيعاب قصتهم في السير وإنما اقتضبت منها ما يخص تفسير الآية
وقوله سبحانه فأما تثقفنهم في الحرب الآية معنى تثقفنهم تأسرهم وتحصلهم في ثقفك أو تلقاهم بحال تقدر عليهم فيها وتغلبهم ومعنى فشرد أي طرد وأبعد وخوف والشريد المبعد عن وطن ونحوه ومعنى الآية فإن أسرت هؤلاء الناقضين في حربك لهم فأفعل بهم من النقمة ما يكون تشريدا لمن يأتي خلفهم في مثل طريقتهم وعبارة البخاري فشرد فرق انتهى والضمير في لعلهم عائد على الفرقة

المشردة وقال ابن عباس المعنى نكل بهم من خلفهم وقالت فرقة معناه سمع بهم والمعنى متقارب ومعنى خلفهم أي بعدهم ويذكرون أي يتعظون
وقوله سبحانه وأما تخافن من قوم خيانة الآية قال اكثر المفسرين أن الآية في بني قريظة والذي يظهر من ألفاظ الآية أن أمر بني قريظة قد انقضى عند قوله فشرد بهم من خلفهم ثم ابتدأ تبارك وتعالى في هذه الآية بما يصنعه في المستقبل مع من يخاف منه خيانة إلى آخر الدهر وبنو قريظة لم يكونوا في حد من تخاف خيانته وقوله فأنبذ إليهم أي الق إليهم عهدهم وقوله على سواء قيل معناه حتى يكون الأمر في بيانه والعلم به على سواء منك ومنهم فتكونون في استشعار الحرب سواء وذكر الفراء أن المعنى فأنبذ إليهم على اعتدال وسواء من الأمر أي بين لهم على قدر ما ظهر منهم لا تفرط ولا تفجأ بحرب بل افعل بهم مثل ما فعلوا بك يعني موازنة ومقايسة وقرأ نافع وغيره ولا تحسبن بالتاء مخاطة للنبي صلى الله عليه و سلم وسبقوا معناه فأتوا بأنفسهم وانجوها أنهم لا يعجزون أي لا يفلتون ولا يعجزون طالبهم وروي أن الآية نزلت فيمن أفلت من الكفار في بدر وغيره فالمعنى لا تظنهم ناجين بل هم مدركون وقرأ حمزة وغيره ولا يحسبن بالياء من تحت وبفتح السين وقوله سبحانه وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة الآية المخاطبة في هذه الآية لجميع المؤمنين وفي صحيح مسلم إلا أن القوة الرمي إلا أن القوة الرمي ولما كانت الخيل هي أصل الحرب وأوزارها والتي عقد الخير في نواصيها خصها الله تعالى بالذكر تشريفا لها ولما كانت السهام من أنجع ما يتعاطى في الحرب وانكاه في العدو وأقربه تناولا للأرواح خصها صلى الله عليه و سلم بالذكر والتنبيه عليها ت وفي صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه و سلم قال من تعلم الرمي وتركه فليس منا أو قد عصى وفي سنن أبي داود والترمذي والنسائي

عن عقبة بن عامر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول أن الله ليدخل بالسهم الواحد ثلاثة انفس الجنة صانعه يحتسب في صنعته الخير والرامي به ومنبله فارموا واركبوا وإن ترموا أحب إلي من أن تركبوا كل شيء يلهوبه الرجل باطل إلا رميه بقوسه وتأديبه فرسه وملاعبته امرأته انتهى ورباط الخيل مصدر من ربط ولا يكثر ربطها إلا وهي كثيرة ويجوز أن يكون مصدرا من رابط وإذا ربط كل واحد من المؤمنين فرسا لأجل صاحبه فقد حصل بينهم رباط عليه السلام من ارتبط فرسا في سبيل الله فهو كالباسط يده بالصدقة لا يقبضها والأحاديث في هذا المعنى كثيرة ت وقد ذكرنا بعض ما ورد في فضل الرباط في آخر آل عمران قال صاحب التذكرة وعن عثمان بن عفان قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول من رابط ليلة في سبيل الله كانت له كالف ليلة صيامها وقيامها وعن أبي بن كعب قال قال النبي صلى الله عليه و سلم لرباط يوم في سبيل الله من وراء عورة المسلمين محتسبا من غير شهر رمضان أعظم أجرا من عبادة مائة سنة صيامها وقيامها ورباط يوم في سبيل الله من وراء عورة المسلمين من شهر رمضان أفضل عند الله وأعظم أجرا أراه قال من عبادة ألفي سنة صيامها وقيامها فإن رده الله إلى أهله سالما لم تكتب عليه سيئة ألف سنة ويكتب له من الحسنات ويجري له أجر الرباط إلى يوم القيامة قال القرطبي في تذكرته فدل هذا الحديث على أن رباط يوم في رمضان يحصل له هذا الثواب الدائم وإن لم يمت مرابطا خرج هذا الحديث والذي قبله ابن ماجه انتهى من التذكرة وترهبون معناه تخوفون وتفزعون والرهبة الخوف
وقوله وآخرين من دونهم فيه أقوال قيل هم المنافقون وقيل فارس وقيل غير هذا قال ع ويحسن أن يقدر قوله لا تعلمونهم بمعنى لا تعلمونهم فازعين راهبين وقال ص لا تعلمونهم بمعنى لا تعرفونهم

فيتعدى لواحد ومن عداه إلى اثنين قدره محاربين واستبعد لعدم تقدم ذكره فهو ممنوع عند بعضهم وعزيز جدا عند بعضهم انتهى
وقوله سبحانه وإن جنحوا للسلم فأجنح لها جنح الرجل إلى الأمر إذا مال إليه وعاد الضمير في لها مؤنثا إذ السلم بمعنى المسالمة والهدنة وذهب جماعة من المفسرين إلى أن هذه الآية منسوخة والضمير في جنحوا هو للذين نبذ إليهم على سواء
وقوله سبحانه وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك الله الآية الضمير في قوله وإن يريدوا عائد على الكفار الذين قال فيهم وإن جنحوا أي وإن يريدوا أن يخدعوك بأن يظهروا السلم ويبطنوا الغدر والخيانة فإن حسبك الله أي كافيك ومعطيك نصره وأيدك معناه قواك وبالمؤمنين يريد الأنصار بذلك تظاهرت أقوال المفسرين
وقوله وألف بين قلوبهم الآية إشارة إلى العداوة التي كانت بين الاوس والخزرج قال ع ولو ذهب ذاهب إلى عموم المؤمنين في المهاجرين والأنصار وجعل التأليف ما كان بين جميعهم من التحاب لساغ ذلك وقال ابن مسعود نزلت هذه الآية في المتحابين في الله وقال مجاهد إذا تراأي المتحابين في الله وتصافحا تحاتت خطاياهما فقال له عبدة بن أبي لبابة أن هذا ليسير فقال له لا تقل ذلك فإن الله تعالى يقول لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم قال عبدة فعرفت أنه افقه منى قال ع وهذا كله تمثيل حسن بالآية لا أن الآية نزلت في ذلك وقد روى سهل بن سعد عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال المؤمن مالفة لا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف قال ع والتشابه سبب الألفة فمن كان من أهل الخير ألف أشباهه وألفوه ت وفي صحيح البخاري الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف انتهى وروى مالك في الموطأ عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم أن الله تبارك وتعالى يقول يوم القيامة أين

المتحابون لجلالي اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي قال أبو عمر بن عبد البر في التمهيد وروينا عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال يا عبد الله بن مسعود أتدري أي عرى الإيمان أوثق قلت الله ورسوله أعلم قال الولاية في الله الحب والبغض فيه ورواه البراء بن عازب عن النبي صلى الله عليه و سلم أيضا وعن عبد الله في قوله تعالى لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما التف بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم قال نزلت في المتحابين في الله قال أبو عمر وأما قوله اليوم أظلهم في ظلي فأنه أراد والله أعلم في ظل عرشه وقد يكون الظل كناية عن الرحمة كما قال أن المتقين في ظلال وعيون يعني بذلك ما هم فيه من الرحمة والنعيم انتهى
وقوله سبحانه يا أيها النبي حسبك الله ومن أتبعك من المؤمنين قال النقاش نزلت هذه الآية بالبيداء في غزوة بدر وحكي عن ابن عباس أنها نزلت في الأوس والخزرج وقيل أنها نزلت حين أسلم عمر وكمل المسلمون أربعين قاله ابن عمر وأنس فهي على هذا مكية وحسبك في كلام العرب وشرعك بمعنى كافيك ويكفيك والمحسب الكافي قالت فرقة معنى الآية يكفيك الله ويكفيك من اتبعك فمن في موضع رفع وقال الشعبي وابن زيد معنى الآية حسبك الله وحسب من اتبعك من المؤمنين فمن في موضع نصب عطفا على موضع الكاف لأن موضعها نصب على المعنى بيكفيك التي سدت حسبك مسدها قال ص ورد بأن الكاف ليس موضعها نصب لأن إضافة حب إليها أضافة صحيحة انتهى وقوله سبحانه يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال الآية حرض المؤمنين أي حثهم وحضهم وقوله سبحانه إن يكن منكم إلى آخر الآية لفظ خبر مضمنه وعد بشرط لأن قوله إن يكن منكم عشرون صابرون بمنزلة أن يقال أن بصبر منكم عشرون يغلبوا وفي ضمنه الأمر بالصبر قال الفخر وحسن هذا التكليف لما كان مسبوقا

بقوله حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين فلما وعد الله المؤمنين بالكفاية والنصر كان هذا التكليف سهلا لأن من تكفل الله بنصره فإن أهل العالم لا يقدرون على أذايته انتهى وتظاهرت الروايات عن ابن عباس وغيره من الصحابة بأن ثبوت الواحد للعشرة كان فرضا على المؤمنين ثم لما شق ذلك عليهم حط الله الفرض إلى ثبوت الواحد للاثنين وهذا هو نسخ الأثقل بالأخف وقوله لا يفقهون معناه لا يفهمون مراشدهم ولا مقصد قتالهم لا يريدون به إلا الغلبة الدنيوية فهم يخافون الموت إذا صبر لهم ومن يقاتل ليغلب أو يستشهد فيصير إلى الجنة أثبت قدما لا محالة وقوله والله مع الصابرين لفظ خبر في ضمنه وعد وحض على الصبر ويلحظ منه وعيد لمن لم يصبر بأنه يغلب
وقوله سبحانه ما كان لنبي أن يكون له أسرى الآية قال ع هذه آية تتضمن عندي معاتبة من الله عز و جل لأصحاب نبيه عليه السلام والمعنى ما كان ينبغي لكم أن تفعلوا هذا الفعل الذي أوجب أن يكون للنبي أسرى قبل الإثخان ولذلك استمر الخطاب لهم بتريدون والنبي صلى الله عليه و سلم لم يأمر باستبقاء الرجل وقت الحرب ولا أراد صلى الله عليه و سلم قط عرض الدنيا وإنما فعله جمهور مباشري الحرب وجاء ذكر النبي صلى الله عليه و سلم في الآية مشيرا إلى دخوله عليه السلام في العتب حين لم ينه عن ذلك حين رآه من العريش وأنكره سعد بن معاذا لكنه صلى الله عليه و سلم شغله بغت الأمر وظهور النصر عن النهي ومر كثير من المفسرين على أن هذا التوبيخ إنما كان بسبب إشارة من أشار على النبي صلى الله عليه و سلم بأخذ الفدية حين استشارهم في شأن الأسرى والتأويل الأول أحسن والإثخان هو المبالغة في القتل والجراحة ثم أمر مخاطبة أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم فقال تريدون عرض الدنيا أي مالها الذي يعز ويعرض والمراد ما أخذ من الأسرى من الأموال والله يريد

الآخرة أي عمل الآخرة وذكر الطبري وغيره أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال للناس إن شئتم أخذتم فداء الأسرى ويقتل منكم في الحرب سبعون على عددهم وإن شئتم قتلوا وسلمتم فقالوا نأخذ المال ويستشهد منا وذكر عبد ابن حميد بسنده أن جبريل نزل على النبي صلى الله عليه و سلم بتخيير الناس هكذا وعلى هذا فالأمر في هذا التخيير من عند الله فإنه إعلام بغيب وإذا خيروا رضي الله عنهم فكيف يقع التوبيخ بعد بقوله تعالى لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم فهذا يدلك على صحة ما قدمناه أن العتب لهم إنما هو على استبقاء الرجال وقت الهزيمة رغبة في أخذ المال وهو الذي أقول به وذكر المفسرون أيضا في هذه الآيات تحليل المغانم ولا أقول ذلك لأن تحليل المغانم قد تقدم قبل بدر في السرية التي قتل فيها ابن الحضرمي وإنما المبتدع في بدر استبقاء الرجال لأجل المال والذي من الله به فيها الحاق فدية الكافر بالمغانم التي تقدم تحليلها قوله سبحانه كتاب من الله سبق الآية قال ابن عباس وأبو هريرة والحسن وغيرهم الكتاب هو ما كان الله قضاه في الأزل من إحلال الغنائم والفداء لهذه الأمة وقال مجاهد وغيره الكتاب السابق مغفرة الله لأهل بدر وقيل الكتاب السابق هو أن لا يعذب الله أحد بذنب إلا بعد النهي عنه حكاه الطبري قال ابن العربي في أحكام القرآن وهذه الأقوال كلها صحيحة ممكنة لكن أقواها ما سبق من إحلال الغنيمة وقد كانوا غنموا أول غنيمة في الإسلام حين أرسل النبي صلى الله عليه و سلم عبد الله بن جحش انتهى وروي أن النبي صلى الله عليه و سلم قال لو نزل في هذا الأمر عذاب لنجا منه عمر بن الخطاب وفي حديث آخر وسعد بن معاذ وذلك أن رأيهما كان أن تقتل الأسرى وقوله سبحانه فكلوا مما غنمتم الآية نص على إباحة المال الذي أخذ من الأسرى وإلحاق له بالغنيمة التي كان تقدم

تحليلها وقوله سبحانه يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى أن يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا مما أخذ منكم ويغفر لكم روي أن الأسرى ببدر اعلموا رسول الله صلى الله عليه و سلم أن لهم ميلا إلى الإسلام وأنهم إن رجعوا إلى قومهم سعوا في جلبهم إلى الإسلام قال ابن عباس الأسرى في هذه الآية عباس وأصحابه قالوا للنبي صلى الله عليه و سلم آمنا بما جئت به ونشهد أنك لرسول الله ولننصحن لك على قومنا فنزلت هذه الآية ومعنى الكلام إن كان هذا عن جد منكم وعلم الله من أنفسكم الخير والإسلام فإنه سيجبر عليكم أفضل مما أعطيتم فدية ويغفر لكم جميع ما أجترمتموه وروي أن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه قال في وفي أصحابي نزلت هذه الآية وقال حين أعطاه رسول الله صلى الله عليه و سلم من مال البحرين ما قدر أن يقول هذا خير مما أخذ مني وأنا بعد أرجو أن يغفر الله لي وروي عنه أنه قال ما أود أن هذه الآية لم تنزل ولي الدنيا بأجمعها وذلك أن الله تعالى قد أتاني خيرا مما أخذ مني وأنا أرجو أن يغفر لي وقوله فقد خانوا الله من قبل أي بالكفر فأمكن منهم أي بأن جعلهم أسرى والله عليم بما يبطنونه حكيم فيما يجازيهم به
سبحانه الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين أووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض هذه الآية وما بعدها تبيين منازل المهاجرين والأنصار والمؤمنين الذين لم يهاجروا وذكر المهاجرين بعد الحديبية فقدم أولا ذكر المهاجرين وهم أصل الإسلام وتأمل تقديم عمر لهم في الاستشارة وهاجر معناه هجر أهله وقرابته وهجروه والذين أووا ونصروا هم الأنصار فحكم سبحانه على هاتين الطائفيتين بأن بعضهم أولياء بعض فقال كثير من المفسرين هذه الموالاة هي المؤازرة والمعاونة واتصال الأيدي وعليه فسر الطبري الآية وهذا الذي قالوه لازم

من دلالة لفظ الآية وقال ابن عباس وغيره هذه الموالاة هي في المواريث وذلك أن النبي صلى الله عليه و سلم آخى بين المهاجرين والأنصار فكان المهاجري إذا مات ولم يكن له بالمدينة ولي مهاجري ورثه أخوه الأنصاري وكان المسلم الذي لم يهاجر لا ولاية بينه وبين قريبه المهاجري ولا يرثه ثم نسخ ذلك بقوله سبحانه وأولوا الأرحام الآية وعلى التأولين ففي الآية حض على الهجرة قال أبو عبيدة الولاية بالكسر من وليت الأمر إليه فهي في السلطان وبالفتح هي من المولى يقال مولى بين الولاية بفتح الواو
وقوله سبحانه وإن استنصروكم يعني إن استدعى هؤلاء المؤمنين الذين لم يهاجروا نصركم فعليكم النصر الأعلى قوم بينكم وبينهم ميثاق فلا تنصروهم عليهم لأن ذلك غدر ونقض للميثاق
وقوله سبحانه والذين كفروا بعضهم أولياء بعض وذلك يجمع الموارثة والمعاونة والنصرة وهذه العبارة تحريض وإقامة لنفوس المؤمنين كما تقول لمن تريد تحريضه عدوك مجتهد أي فأجتهد أنت وحكى الطبري في تفسير هذه الآية عن قتادة أنه قال أبى الله أن يقبل إيمان من آمن ولم يهاجر وذلك في صدر الإسلام وفيهم قال النبي صلى الله عليه و سلم أنا بريء من مسلم أقام بين المشركين لا تتراأى نارهما الحديث على اختلاف ألفاظه وقول قتادة إنما هو فيمن كان يقيم متربصا يقول من غلب كنت معه وكذلك ذكر في كتاب الطبري وغيره والضمير في قوله إلا تفعلوا قيل هو عائد على المؤازرة والمعاونة ويحتمل على الميثاق المذكور ويحتمل على النصر للمسلمين المستنصرين ويحتمل على الموارثة والتزامها ويجوز أن يعود مجملا على جميع ما ذكر والفتنة المحنة بالحرب وما أنجر معها من الغارات والجلاء والأسر والفساد الكبير ظهور الشرك
وقوله سبحانه والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله والذين أووا ونصروا أولئك هم المؤمنون حقا

تضمنت الآية تخصيص المهاجرين والأنصار وتشريفهم بهذا الوصف العظيم ت وهي مع ذلك عند التأمل يلوح منها تأويل قتادة المتقدم فتأمله والرزق الكريم هو طعام الجنة كذا ذكر الطبري وغيره قال ابن العربي في أحكامه وإذا كان الإيمان في القلب حقا ظهر ذلك في استقامة الأعمال بامتثال الأمر واجتناب المنهي عنه وإذا كان مجازا قصرت الجوارح في الأعمال إذ لم تبلغ قوته إليها انتهى والذين آمنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم قوله من بعد يريد به من بعد الحديبية وذلك أن الهجرة من بعد ذلك كانت أقل رتبة من الهجرة قبل ذلك وكان يقال لها الهجرة الثانية وجاهدوا معكم لفظ يقتضي أنهم تبع لاصدار
وقوله سبحانه وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله قال من تقدم ذكره هذه في المواريث وهي ناسخة للحكم المتقدم ذكره وقالت فرقة منها مالك أن الآية ليست في المواريث وهذا فرار من توريث الخال والعمة ونحو ذلك وقالت فرقة هي في المواريث إلا أنها نسخت بآية المواريث المبينة وقوله في كتاب الله معناه القرآن أي ذلك مثبت في كتاب الله وقيل في اللوح المحفوظ كمل تفسير السورة والحمد لله وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصبحه وسلم تسليما
تفسير سورة براءة
وهي مدنية إلا آيتين قوله سبحانه لقد جاءكم رسول من أنفسكم إلى آخرها وتسمى سورة التوبة قاله حذيفة وغيره وتسمى الفاضحة قاله ابن عباس وقال ما زال ينزل ومنهم ومنهم حتى ظن أنه لا يبقى أحد وهي من آخر ما أنزل على

النبي صلى الله عليه و سلم قال علي رضي الله عنه لأبن عباس بسم الله الرحمن الرحيم أمان وبشارة وبراءة نزلت بالسيف ونبذ العهود فلذلك لم تبدأ بالأمان
قوله عز و جل براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين التقدير هذه الآيات براءة ويصح أن يرتفع براءة بالابتداء والخبر في قوله إلى الذين وبراءة معناه تخلص وتبر من العهود التي بينكم وبين الكفار البادئين بالنقض قاله ابن العربي في أحكامه تقول برأت من الشيء أبرأ براءة فأنا منه بريء إذا أنزلته عن نفسك وقطعت سبب ما بينك وبينه انتهى ومعنى السياحة في الأرض الذهاب فيها مسرحين آمنين كالسيح من الماء وهو الجاري المنبسط قال الضحاك وغيره من العلماء كان من العرب من لا عهد بينه وبين النبي صلى الله عليه و سلم جملة وكان منهم من بينه وبينهم عهد وتحسس منهم نقض وكان منهم من بينه وبينهم عهد ولم ينقضوا فقوله فسيحوا في الأرض أربعة أشهر هو أجل ضربه الله لمن كان بينه وبينهم عهد وتحسس منهم نقضه وأول هذا الأجل يوم الآذان وآخره انقضاء العشر الأول من ربيع الآخر وقوله سبحانه فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حكم مباين للأول حكم به في المشركين الذين لا عهد لهم البتة فجاء أجل تأمينهم خمسين يوما أولها يوم الأذان وآخرها انقضاء المحرم وقوله إلا الذين عاهدتم يريد به الذين لهم عهد ولم ينقضوا ولا تحسس منهم نقض وهم فيما روي بنو ضمرة من كنانة كان بقي من عهدهم يوم الأذان تسعة أشهر وقوله عز و جل وأعلموا أنكم غير معجزي الله أي لا تفلتون الله ولا تعجزونه هربا
وقوله واذان من الله ورسوله الآية أي إعلام ويوم الحج الأكبر قال عمر وغيره هو يوم عرفة وقال أبو هريرة وجماعة هو يوم النحر وتظاهرت الروايات أن عليا أذن بهذه الآيات يوم عرفة إثر خطبة أبي بكر ثم رأى أنه لم يعم الناس بالإسماع فتتبعهم بالاذان بها

يوم النحر وفي ذلك اليوم بعث أبو بكر من يعينه في الاذان بها كأبي هريرة وغيره وتتبعوا بها أيضا أسواق العرب كذى المجاز وغيره وهذا هو سبب الخلاف فقالت طائفة يوم الحج الأكبر عرفة حيث وقع أو الاذان وقالت أخرى هو يوم النحر حيث وقع إكمال الاذان وقال سفيان ابن عيينة المراد باليوم أيام الحج كلها كما تقول يوم صفين ويوم الجمل ويتجه أن يوصف بالأكبر على جهة المدح لا بالإضافة إلى أصغر معين بل يكون المعنى الأكبر من سائر الأيام فتأمله واختصار ما تحتاج إليه هذه الآية على ما ذكر مجاهد وغيره من صورة تلك الحال أن رسول الله صلى الله عليه و سلم افتتح مكة سنة ثمان فاستعمل عليها عتاب بن أسيد وقضى أمر حنين والطائف وانصرف إلى المدينة فأقام بها حتى خرج إلى تبوك ثم أنصرف من تبوك في رمضان سنة تسع فأراد الحج ثم نظر في أن المشركين يحجون في تلك السنة ويطوفون عراة فقال لا أريد أن أرى ذلك فأمر أبا بكر على الحج بالناس وأنفذه ثم أتبعه علي بن أبي طالب رضي الله عنه على ناقته العضباء وأمره أن يؤذن في الناس بأربعين آية صدر صورة براءة وقيل ثلاثين وقيل عشرين وفي بعض الروايات عشر آيات وفي بعضها تسع آيات وأمره أن يؤذن الناس بأربعة أشياء وهي أن لا يحج بعد العام مشرك ولا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة وفي بعض الروايات ولا يدخل الجنة كافر ولا يطوف بالبيت عريان ومن كان له عند رسول الله عهد فهو إلى مدته وفي بعض الروايات ومن كان بينه وبين رسول الله عهد فأجله أربعة أشهر يسيح فيها فإذا انقضت فإن الله بريء من المشركين ورسوله قال ع وأقول أنهم كانوا ينادون بهذا كله فأربعة أشهر للذين لهم عهد وتحسس منهم نقضه والإبقاء إلى المدة لمن لم يخبر منه نقض وذكر الطبري أن العرب قالت

يومئذ نحن نبرأ من عهدك ثم لام بعضهم بعضا وقالوا ما تصنعون وقد أسلمت قريش فأسلموا كلهم ولم يسح أحد قال ع وحينئذ دخل الناس في دين الله أفواجا
وقوله سبحانه إن الله بريء من المشركين ورسوله أي ورسوله بريء منهم
وقوله فإن تبتم أي عن الكفر
وقوله سبحانه إلا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئا ولم يظاهروا عليكم أحدا فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم هذا هو الاستثناء الذي تقدم ذكره وقرأ عكرمة وغيره ينقضوكم بالضاد المعجمة ويظاهروا معناه يعاونوا والظهير
المعين وقوله إن الله يحب المتقين تنبيه على أن الوفاء بالعهد من التقوى
وقوله سبحانه فإذا أنسلخ الأشهر الحرم الانسلاخ خروج الشيء عن الشيء المتلبس به كانسلاخ الشاة عن الجلد فشبه انصرام الأشهر بذلك
وقوله سبحانه فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم الآية قال ابن زيد هذه الآية وقوله سبحانه فأما منا بعد وأما فداءهما محكمتان أي ليست احداهما بناسخة للأخرى قال ع هذا هو الصواب
وقوله وخذوهم معناه الأسر
وقوله كل مرصد معناه مواضع الغرة حيث يرصدون ونصب كل على الظرف أو بإسقاط الخافض التقدير في كل مرصد
وقوله فإن تابوا أي عن الكفر
وقوله سبحانه وإن أحدا من المشركين استجارك أي جلب منك عهدا وجوارا يأمن به حتى يسمع كلام الله يعني القرآن والمعنى يفهم أحكامه قال الحسن وهذه آية محكمة وذلك سنة إلى يوم القيامة
وقوله سبحانه إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام الآية قال ابن إسحاق هي قبائل بني بكر كانوا دخلوا وقت الحديبية في العهد فأمر المسلمون بإتمام العهد لمن لم يكن نقض منهم
وقوله سبحانه كيف وإن يظهروا عليكم الآية في الكلام حذف تقديره كيف يكون لهم عهد ونحوه وفي كيف هنا تأكيد للاستبعاد الذي في الأولى ولا يرقبوا

معناه لا يراعوا ولا يحفظوا وقرأ الجمهور إلا وهو الله عز و جل قاله مجاهد وأبو مجلز وهو أسمه بالسريانية وعرب ويجوز أن يراد به العهد والعرب تقول للعهد والحلف والجوار ونحو هذه المعاني إلا والذمة أيضا بمعنى الحلف والجوار ونحوه
وقوله سبحانه وإن نكثوا إيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم الآية ويليق هنا ذكر شيء من حكم طعن الذمي في الدين والمشهور من مذهب مالك أنه إذا فعل شيئا من ذلك مثل تكذيب الشريعة وسب النبي صلى الله عليه و سلم قتل
وقوله سبحانه فقاتلوا ايمة الكفر أي رؤسهم وأعيانهم الذين يقودون الناس إليه وأصوب ما يقال في هذه الآية أنه لا يعني بها معين وإنما وقع الأمر بقتال ايمة الناكثين للعهود من الكفرة إلى يوم القيامة واقتضت حال كفار العرب ومحاربي النبي صلى الله عليه و سلم أن تكون الإشارة إليهم أولا ثم كل من دفع في صدر الشريعة إلى يوم القيامة فهو بمنزلتهم وقرأ الجمهور لا إيمان لهم جمع يمين أي لا إيمان لهم يوفى بها وتبر هذا المعنى يشبه الآية وقرأ ابن عامر وحده من السبعة لا إيمان لهم وهذا يحتمل وجهين أحدهما لا تصديق لهم قال أبو علي وهذا غير قوي لأنه تكرير وذلك أنه وصف ايمة الكفر بأنه لا إيمان لهم والوجه في كسر الألف أنه مصدر من أمنته أيمانا ومنه قوله تعالى وآمنهم من خوف فالمعنى أنه لا يؤمنون كما يؤمن أهل الذمة الكتابيون إذ المشركون ليس لهم إلا الإسلام أو السيف قال أبو حاتم فسر الحسن قراءته لا إسلام لهم قال ع والتكرير الذي فر أبو علي منه متجه لأنه بيان المهم الذي يوجب قتلهم
وقوله عز و جل الا تقاتلون قوما نكثوا إيمانهم وهموا بإخراج الرسول الآية الاعرض وتحضيض قال الحسن والمراد بإخراج الرسول إخراجه من المدينة وهذا مستقيم كغزوة أحد والأحزاب وقال السدي

المراد من مكة
وقوله سبحانه وهم بدءوكم أول مرة قيل يراد أفعالهم بمكة بالنبي صلى الله عليه و سلم وبالمؤمنين وقال مجاهد يراد به ما بدأت به قريش من معونة بني بكر حلفائهم على خزاعة حلفاء النبي صلى الله عليه و سلم فكان هذا بدأ النقض وقال الطبري يعني فعلهم يوم بدر قال الفخر قال ابن إسحاق والسدي والكلبي نزلت هذه الآية في كفار مكة نكثوا إيمانهم بعد عهد الحديبية وأعانوا بني بكر على خزاعة انتهى
وقوله سبحانه أتخشونهم استفهام على معنى التقرير والتوبيخ فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين أي كاملي الإيمان
وقوله سبحانه قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم قررت الآيات قبلها أفعال الكفرة ثم حض على القتال مقترنا بذنوبهم لتنبعث الحمية مع ذلك ثم جزم الأمر بقتالهم في هذه الآية مقترنا بوعد وكيد يتضمن النصر عليهم والظفر بهم
وقوله سبحانه يعذبهم الله بأيديكم معناه بالقتل والأسر ويخزهم معناه يذلهم على ذنوبهم يقال خزي الرجل يخزى خزيا إذا ذل من حيث وقع في عار وأخزاه غيره وخزي يخزى خزاية إذا استحي وأما قوله تعالى ويشف صدور قوم مؤمنين فيحتمل أن يريد جماعة المؤمنين لأن كل ما يهد من الكفر هو شفاء من هم صدور المؤمنين ويحتمل أن يريد تخصيص قوم من المؤمنين وروي أنهم خزاعة قاله مجاهد والسدي ووجه تخصيصهم أنهم الذين نقض فيهم العهد ونالتهم الحرب وكان يومئذ في خزاعة مؤمنين كثير ويقتضي ذلك قول الخزاعي المستنصر بالنبي صلى الله عليه و سلم
ثمت اسلمنا فلم ننزع يدا
وفي آخر الرجز
وقتلونا ركعا وسجدا
وقرأ جمهور الناس ويتوب بالرفع على القطع مما قبله والمعنى أن الآية استانفت الخبر بأنه قد يتوب على بعض هؤلاء الكفرة الذين أمر بقتالهم وعبارة ص ويتوب الجمهور بالرفع على الاستيناف وليس بداخل في جواب الأمر لأن توبته سبحانه على

من يشاء ليست جزاء على قتال الكفار انتهى
وقوله عز و جل أم حسبتم أن تتركوا ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم الآية خطاب للمؤمنين كقوله أم حسبتم أن تدخلوا الجنة الآية ومعنى الآية اظننتم أن تتركوا دون اختبار وامتحان والمراد بقوله ولما يعلم الله أي لم يعلم الله ذلك موجودا كما علمه ازلا بشرط الوجود وليس يحدث له علم تبارك وتعالى عن ذلك ووليجة معناه بطانة ودخيلة وهو مأخوذ من الولوج فالمعنى أمر باطنا مما ينكر وفي الآية طعن على المنافقين الذين اتخذوا الولائج قال الفخر قال أبو عبيدة كل شيء أدخلته في شيء ليس منه فهو وليجة وأصله من الولوج قال الواحدي يقال هو وليجة للواحد والجمع انتهى
وقوله سبحانه ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله إلى قوله إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله الآية لفظ هذه الآية الخبر وفي ضمنها أمر المؤمنين بعمارة المساجد وروى أبو سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه و سلم قال إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان ت زاد ابن الخطيب في روايته فإن الله تعالى يقول إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر انتهى من ترجمة محمد بن عبد الله وفي الحديث عنه صلى الله عليه و سلم أنه قال أن الله ضمن لمن كانت المساجد بيته الأمن والأمان والجواز على الصراط يوم القيامة خرجه علي بن عبد العزيز البغوي في المسند المنتخب له وروى البغوي أيضا في هذا المسند عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال إذا أوطن الرجل المساجد بالصلاة والذكر تبشبش الله له كما يتبشبش أهل الغائب لغائبهم إذا قدم عليهم انتهى من الكوكب الدري قيل ومعنى يتبشبش أي يفرح به
وقوله سبحانه ولم يخش إلا الله يريد خشية التعظيم والعبادة وهذه مرتبة العدل من الناس ولا محالة أن الإنسان يخشى غيره ويخشى المحاذير الدنياوية وينبغي أن يخشى في ذلك كله قضاء الله وتصريفه
وقوله

سبحانه أجعلتم سقاية الحاج الآية سقاية الحاج كانت في بني هاشم وكان العباس يتولاها قال الحسن ولما نزلت هذه الآية قال العباس ما أراني إلا أترك السقاية فقال النبي صلى الله عليه و سلم أقيموا عليها فهي خير لكم وعمارة المسجد الحرام قيل هي حفظه ممن يظلم فيه أو يقول هجرا وكان ذلك إلى العباس وقيل هي السدانة وخدمة البيت خاصة وكان ذلك في بني عبد الدار وكان يتولاها عثمان بن طلحة وابن عمه شيبة وأقرها النبي صلى الله عليه و سلم لهما ثاني يوم الفتح وقال خذاها خالدة تالدة لا ينازعكموها إلا ظالم واختلف الناس في سبب نزول هذه الآية فقال مجاهد أمروا بالهجرة فقال العباس أنا أسقي الحاج وقال عثمان بن طلحة أنا حاجب الكعبة وقال محمد بن كعب أن العباس وعليا وعثمان بن طلحة تفاخروا فنزلت الآية وقيل غير هذا
وقوله سبحانه الذين أمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله الآية لما حكم سبحانه في الآية المتقدمة بأن الصنفين لا يستوون بين ذلك في هذه الآية الأخيرة واوضحه فعدد الإيمان والهجرة والجهاد بالمال والنفس وحكم على أن أهل هذه الخصال أعظم درجة عند الله من جميع الخلق ثم حكم لهم بالفوز برحمته ورضوانه والفوز بلوغ البغية أما في نيل رغيبة أو نجاة من هلكة وينظر إلى معنى هذه الآية الحديث دعوا إلى أصحابي فلو أن أحدكم أنفق مثل احد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه ولأن أصحاب هذه الخصال على سيوفهم انبنى الإسلام وتمهد الشرع
وقوله سبحانه يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان هذا وعد كريم من رب رحيم وفي الحديث الصحيح إذا استقر أهل الجنة في الجنة يقول الله عز و جل لهم هل رضيتم فيقولون وكيف لا نرضى يا ربنا فيقول إني سأعطيكم أفضل من ذلك رضواني أرضي عليكم فلا أسخط عليهم أبدا الحديث

وقوله سبحانه يا أيها الذين أمنوا لا تتخذوا آبائكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على الإيمان ظاهر هذه المخاطبة أنه لجميع المؤمنين كافة وهي باقية الحكم إلى يوم القيامة وروت فرقة أنها نزلت في الحض على الهجرة ورفض بلاد الكفر
وقوله سبحانه قل إن كان آبائكم وأبنائكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم الآية هذه الآية تقوي مذهب من رأى أن هذه الآية والتي قبلها إنما مقصودهما الحض على الهجرة وفي ضمن قوله فتربصوا وعيد بين
وقوله بأمره قال الحسن الإشارة إلى عذاب أو عقوبة من الله تعالى وقال مجاهد الإشارة إلى فتح مكة وذكر الأبناء في هذه الآية دون التي قبلها لما جلبت ذكرهم المحبة والأبناء صدر في المحبة وليسوا كذلك في أن تتبع آراؤهم كما في الآية المتقدمة واقترفتموها معناه اكتسبتموها ومساكن جمع مسكن بفتح الكاف مفعل من السكنى وما كان من هذا معتل الفاء فإنما يأتي على مفعل بكسر العين كموعد وموطن
وقوله سبحانه لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ويوم حنين هذه مخاطبة لجميع المؤمنين يعدد الله تعالى نعمه عليهم والمواطن المشار إليها بدر والخندق والنضير وقريظة وخيبر وغيرها وحنين واد بين مكة والطائف
وقوله إذ أعجبتكم كثرتكم روي أن النبي صلى الله عليه و سلم قال حين رأى جملته اثني عشر ألفا لن تغلب اليوم من قلة وروي أن رجلا من أصحابه قالها فأراد الله تعالى إظهار العجز فظهر حين فر الناس ت العجب جائز في حق غير النبي صلى اله عليه وسلم وهو معصوم منه صلى الله عليه و سلم والصواب في فهم الحديث أنه خرج مخرج الإخبار لا على وجه العجب وعلى هذا فهمه ابن رشد وغيره وأنه إذا بلغ عدد المسلمين اثني عشر ألفا حرم الفرار وإن زاد عدد المشركين على الضعف وعليه عول في الفتوى وقوله تعالى وضاقت عليكم الأرض بما رحبت معناه

برحبها كأنه قال على ما هي عليه في نفسها رحبة واسعة لشدة الحال وصعوبتها فما مصدرية
وقوله سبحانه ثم وليتم مدبرين أي فرارا عن النبي صلى الله عليه و سلم واختصار هذه القصة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لما فتح مكة وكان في عشرة آلاف من أصحابه وانضاف إليهم ألفان من الطلقاء فصار في اثني عشر ألفا سمع بذلك كفار العرب فشق عليهم فجمعت له هوازن والفاها وعليهم ملك بن عوف النصري وثقيف وعليهم عبد ياليل بن عمرو وانضاف إليهم اخلاط من الناس حتى كانوا ثلاثين ألفا فخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه و سلم حين اجتمعوا بحنين فلما تصاف الناس حمل المشركون من محاني الوادي وانهزم المسلمون قال قتادة وكان يقال أن الطلقاء من أهل مكة فروا وقصدوا القاء الهزيمة في المسلمين وكان رسول الله صلى الله عليه و سلم على بغلته البيضاء قد اكتنفه العباس عمه وابن عمه أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب وبين يديه أيمن بن أم أيمن وثم قتل رحمه الله والنبي صلى الله عليه و سلم يقول ... أنا النبي لا كذب ... أنا ابن عبد المطلب ...
فلما رأى نبي الله صلى الله عليه و سلم شدة الحال نزل عن بغلته إلى الأرض قالت البراء بن عازب واستنصر الله عز و جل فأخذ قبضه من تراب وحصى فرمى بها في وجوه الكفار وقال شاهت الوجوه ونادى رسول الله صلى الله عليه و سلم بالأنصار وأمر العباس أن ينادي أين أصحاب الشجرة أين أصحاب سورة البقرة فرجع الناس عنقا واحدا للحرب وتصافحوا بالسيوف والطعن والضرب وهناك قال عليه السلام الآن حمي الوطيس وهزم الله المشركين واعلى كلمة الإسلام إلى يوم الدين قال يعلى بن عطاء فحدننى أبناء المنهزمين عن آبائهم قالوا لم يبق منا أحد إلا دخل عينيه من ذلك التراب واستيعاب هذه القصة في

كتب السير ومدبرين نصب على الحال المؤكدة كقوله وهو الحق مصدقا والمؤكدة هي التي يدل ما قبلها عليها كدلالة التولى على الإدبار
وقوله سبحانه ثم أنزل الله سكينته الآية السكينة النصر الذي سكنت إليه ومعه النفوس والجنود الملائكة والرعب قال أبو حاجز يزيد بن عامر كان في أجوافنا مثل ضربة الحجر في الطست من الرعب وعذب الذين كفروا أي بالقتل والأسر وروى أبو داود عن سهل بن الحنظلية أنهم ساروا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم حنين فاطنبوا السير حتى كان عشية فحضرت الصلاة مع رسول الله صلى الله عليه و سلم فجاء رجل فارس فقال يا رسول الله إني انطلقت بين أيديكم حتى طلعت جبل كذا وكذا فإذ أنا بهوازن على بكرة أبيهم بظعنهم ونعمهم وشياههم اجتمعوا إلى حنين فتبسم رسول الله صلى الله عليه و سلم وقال تكل غنيمة المسلمين غدا إن شاء الله الحديث انتهى فكانوا كذلك غنيمة بحمد الله كما أخبر صلى الله عليه و سلم
وقوله عز و جل يا أيها الذين أمنوا إنما المشركون نجس قال ابن عباس وغيره معنى الشرك هو الذي نجسهم كنجاسة الخمر ونص الله سبحانه في هذه الآية على المشركين وعلى المسجد الحرام فقاس مالك رحمه الله وغيره جميع الكفار من أهل الكتاب وغيرهم على المشركين وقاس سائر المساجد على المسجد الحرام ومنع من دخول الجميع في جميع المساجد وقوة قوله سبحانه فلا يقربوا يقتضي أمر المسلمين بمنعهم
وقوله بعد عامهم هذا يريد بعد عام تسع من الهجرة وهو عام حج أبو بكر بالناس
وقوله سبحانه وإن خفتم عيلة أي فقرا فسوف يغنيكم الله من فضله وكان المسلمون لما منع المشركون من الموسم وهم كانوا يجلبون الأطعمة والتجارات قذف الشيطان في نفوسهم الخوف من الفقر وقالوا من أين نعيش فوعدهم الله سبحانه بأن يغنيهم من فضله فكان الأمر كما

وعد الله سبحانه فأسلمت العرب فتمادى حجهم وتجرهم وأغنى الله من فضله بالجهاد والظهور على الأمم
وقوله سبحانه قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر الآية هذه الآية تضمنت قتال أهل الكتاب قال مجاهد وعند نزول هذه الآية أخذ رسول الله صلى الله عليه و سلم في غزو الروم ومشى نحو تبوك ونفى سبحانه عن أهل الكتاب الإيمان بالله واليوم الآخر حيث تركوا شرع الإسلام وأيضا فكانت اعتقاداتهم غير مستقيمة لأنهم تشعبوا وقالوا عزير بن الله والله ثالث ثلاثة وغير ذلك ولهم أيضا في البعث آراء فاسدة كشراء منازل الجنة من الرهبان إلى غير لك من الهذيان ولا يدينون دين الحق أي لا يطيعون ولا يمتثلون ومنه قول عائشة ما عقلت أبوي إلا وهما يدينان الدين والدين هنا الشريعة قال ابن القاسم وأشهب وسحنون وتؤخذ الجزية من مجوس العرب والأمم كلها وأما عبدة الأوثان والنيران وغير ذلك فجمهور العلماء على قبول الجزية منهم وهو قول مالك في المدونة وقال الشافعي وأبو ثور لا تؤخذ الجزية إلا من اليهود والنصارى والمجوس فقط وأما قدرها في مذهب مالك وغيره فأربعة دنانير على أهل الذهب وأربعون درهما على أهل الفضة وهذا في العنوة وأما الصلح فهو ما صالحوا عليه قليل أو كثير
وقوله عن يد يحتمل وجوها منها أن يريد عن قوة منكم عليهم وقهر واليد في كلام العرب القوة ومنها أن يريد سوق الذمي لها بيده لا أن يبعثها مع رسول ليكون في ذلك إذلال لهم ومنها أن يريد نقدها ناجزا تقول بعته يدا بيد أي لا يؤخروا بها ومنها أن يريد عن استسلام يقال القى فلان بيده إذا عجز واستسلم
وقوله سبحانه وقالت اليهود عزير بن الله الذي كثر في كتب أهل العلم أن فرقة من اليهود قالت هذه المقالة وروي أنه قالها نفر يسير منهم فنحاص وغيره قال النقاش ولم يبق الآن يهودي

يقولها بل انقرضوا قال ع فإذا قالها ولو واحد من رؤسائهم توجهت شنعة المقالة على جماعتهم وحكى الطبري وغيره أن بني إسرائيل أصابتهم فتن وجلاء وقيل مرض وأذهب الله عنهم التوراة في ذلك ونسوها وكان علماؤهم قد دفنوها أول ما أحسوا بذلك البلاء فلما طالت المدة فقدت التوراة جملة فحفظها الله عزيرا كرامة منه له فقال لبني إسرائيل أن الله قد حفظني التوراة فجعلوا يدرسونها من عنده ثم أن التوراة المدفونة وجدت فإذا هي مساوية لما كان عزير يدرس فضلوا عند ذلك وقالوا إن هذا لم يتهيأ لعزير إلا وهو ابن الله نعوذ بالله من الضلال
وقوله بافواهم أي بمجرد الدعوى من غير حجة ولا برهان ويضاهون قراءة الجماعة ومعناه يحاكون ويماثلون والإشارة بقوله الذين كفروا من قبل إما لمشركي العرب إذ قالوا الملائكة بنات الله قاله الضحاك وإما لأمم سالفة قبلها إما للصدر الأول من كفرة اليهود والنصارى ويكون يضاهون لمعاصري النبي صلى الله عليه و سلم وإن كان الضمير في يضاهون للنصارى فقط كانت الإشارة بالذين كفروا من قبل إلى اليهود وعلى هذا فسر الطبري وحكاه غيره عن قتادة
وقوله قاتلهم الله دعاء عليهم عام لأنواع الشر وعن ابن عباس أن المعنى لعنهم الله قال الداودي وعن ابن عباس قاتلهم الله لعنهم الله وكل شيء في القرآن قتل فهو لعن انتهى وأنى يؤفكون أي يصرفون عن الخير
وقوله سبحانه اتخذوا أحبارهم ورهبانهم الآية هذه الآية يفسرها ما حكاه الطبري أن عدي بن حاتم قال جئت رسول الله صلى الله عليه و سلم وفي عنقي صليب ذهب فقال يا عدي اطرح هذا الصليب من عنقك فسمعته يقرأ اتخذوا أحبارهم ورهبانهم اربابا من دون الله فقلت يا رسول الله وكيف ذلك ونحن لم نعبدهم فقال أليس تستحلون ما أحلوا وتحرمون ما حرموا قلت نعم قال فذلك ومعنى سبحانه تنزيها له

ونور الله في هذه الآية هداه الصادر عن القرآن والشرع
وقوله بافواههم عبارة عن قلة حيلتهم وضعفها
وقوله بالهدى يعم القرآن وجميع الشرع
وقوله ليظهره على الدين كله وقد فعل ذلك سبحانه فالضمير في ليظهره عائد على الدين وقيل على الرسول وهذا وإن كان صحيحا فالتأويل الأول ابرع منه وأليق بنظام الآية
وقوله عز و جل يا أيها الذين أمنوا إن كثيرا من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل المراد بهذه الآية بيان نقائص المذكورين ونهي المؤمنين عن تلك النقائص مترتب ضمن ذلك واللام في ليأكلون لام التوكيد وصورة هذا الأكل هي بأنهم يأخذون من أموال اتباعهم ضرائب وفروضا باسم الكنائس والبيع وغير ذلك مما يؤهمونهم أن النفقة فيه من الشرع والتقرب إلى الله وهم خلال ذلك يحتجنون تلك الأموال كالذي ذكره سلمان في كتاب السير عن الراهب الذي استخرج كنزه
وقوله سبحانه ويصدون عن سبيل الله أي عن شريعة الإسلام والإيمان بنبينا محمد صلى الله عليه و سلم
وقوله سبحانه والذين ابتداء وخبره فبشرهم والذي يظهر من ألفاظ الآية أنه لما ذكر نقص الأحبار والرهبان الآكلين للمال بالباطل ذكر بعد ذلك بقول عام نقص الكانزين المانعين حق المال وقرأ طلحة بن مصرف الذين يكنزون بغير واو وعلى هذه القراءة يجرى قول معاوية أن الآية في أهل الكتاب وخالفه أوب ذر فقال بل هي فينا ويكنزون معناه يجمعون ويحفظون في الأوعية وليس من شرط الكنز الدفن والتوعد في الكنز إنما وقع على منع الحقوق منه وعلى هذا كثير من العلماء وقال علي رضي الله عنه أربعة آلاف درهم فما دونهما نفقة وما زاد عليها فهو كنز وإن أديت زكاته وقال أبو ذر وجماعة معه ما فضل من مال الرجل على حاجة نفسه فهو كنز وهذان القولان يقتضيان أن الذم في حبس المال لا في منع

زكاته فقط ت وحدث أبو بكر بن الخطيب بسنده عن علي بن أبي طالب وابن عمر عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال أن الله فرض للفقراء في أموال الأغنياء قدر ما يسعهم فإن منعوهم حتى يجوعوا ويعروا ويجهدوا حاسبهم الله حسابا شديدا وعذبهم عذابا نكرا انتهى
وقوله سبحانه فتكوى بها جباههم الآية قال ابن مسعود والله لا يمس دينار دينارا بل يمد الجلد حتى يكوى بكل دينار وبكل درهم قال الفخر قال أبو بكر الوراق وخصت هذه المواضع بالذكر لأن صاحب المال إذا رأى الفقير قبض جبينه وإذا جلس إلى جنبه تباعد عنه وولاه ظهره انتهى
وقوله سبحانه إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله هذه الآية والتي بعدها تتضمن ما كانت العرب عليه في جاهليتها من تحريم شهور الحل وتحليل شهور الحرمة وإذا نص ما كانت العرب تفعله تبين معنى الآيات فالذي تظاهرت به الروايات ويتخلص من مجموع ما ذكره الناس أن العرب كانت لا عيش لأكثرها إلا من الغارات وأعمال سلاحها فكانوا إذا توالت عليهم حرمة الأشهر الحرم صعب عليهم واملقوا وكان بنوفقيم من كنانة أهل دين في العرب وتمسك بشرع إبراهيم عليه السلام فانتدب منهم القلمس وهو حذيفة بن عبد فقيم فنسى الشهور للعرب ثم خلفه على ذلك بنوه وذكر الطبري وغيره أن الأمر كان في عدوان قبل بني مالك بن كنانة وكانت صورة فعلهم أن العرب كانت إذا فرغت من حجها جاء إليه من شاء منهم مجتمعين فقالوا إنسانا شهرا أي أخر عنا حرمة المحرم فاجعلها في صفر فيحل لهم المحرم فيغيرون فيه ثم يلتزمون حرمة صفر ليوافقوا عدة الأشهر الحرم الأربعة قال مجاهد ويسمون ذلك الصفر المحرم ثم يسمون ربيعا الأول صفرا وربيعا الآخر ربيعا الأول وهكذا في سائر الشهور وتجيء السنة من ثلاثة عشر شهرا

أولها المحرم المحلل ثم المحرم الذي هو في الحقيقة صفر وفي هذا قال الله عز و جل إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا أي ليس ثلاثة عشر ثم كانت حجة أبي بكر في ذي القعدة حقيقة وهم يسمونه ذا الحجة ثم حج رسول الله صلى الله عليه و سلم سنة عشر في ذي الحجة حقيقة فذلك قوله عليه السلام أن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض السنة اثنا عشر شهرا منها أربعة حرم ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان
وقوله في كتاب الله أي فيما كتبه وأثبته في اللوح المحفوظ أو غيره فهي صفة فعل مثل خلقه ورزقه وليست بمعنى قضائه وتقديره لأن تلك هي قبل خلق السماوات والأرض
وقوله سبحانه منها أربعة حرم نص على تفضيل هذه الأربعة وتشريفها قال قتادة اصطفى الله من الملائكة والبشر رسلا ومن الشهور المحرم ورمضان ومن البقع المساجد ومن الأيام الجمعة ومن الليالي ليلة القدر ومن الكلام ذكره فينبغي أن يعظم ما عظم الله
وقوله سبحانه ذلك الدين القيم قالت فرقة معناه الحساب المستقيم وقال ابن عباس فيما حكى المهدوي معناه القضاء المستقيم قال ع والاصوب عندي أن يكون الدين هاهنا على اشهر وجوهه أي ذلك الشرع والطاعة
وقوله فلا تظلموا فيهن أي في الاثنى عشر شهرا أي لا تظلموا أنفسكم بالمعاصي في الزمان كله وقال قتادة المراد الأربعة الأشهر وخصصت تشريفا لها قال سعيد بن المسيب كان النبي صلى الله عليه و سلم يحرم القتال في الأشهر الحرم بما أنزل الله في ذلك حتى نزلت براءة
وقوله تعالى وقاتلوا المشركين معناه فيهن فاحرى في غيرهن وقوله كافة معناه جميعا وقوله سبحانه إنما النسي يعني فعل العرب في تأخيرهم الحرمة زيادة في الكفر أي جار مع كفرهم بالله وخلافهم للحق فالكفر متكثر بهذا الفعل الذي هو باطل في نفسه ومما وجد في

أشعارهم قول جذل الطعان ... وقد علمت معد أن قومي ... كرام الناس ان لهم كراما ...
... السنا الناسئين على معد ... شهور الحل نجعلها حراما ...
وقوله سبحانه يحلونه عاما ويحرمونه عاما معناه عاما من الأعوام وليس يريد أن تلك كانت مداولة
وقوله سبحانه لواطئوا عدة ما حرم الله معناه ليوافقوا والمواطأة الموافقة
وقوله سبحانه يا أيها الذين أمنوا مالكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض هذه الآية بلا خلاف أنها نزلت عتابا على تخلف من تخلف عن النبي صلى الله عليه و سلم في غزوة تبوك وكانت سنة تسع من الهجرة بعد الفتح بعام غزا فيها الروم في عشرين ألف بين راكب وراجل والنفر هو التنقل بسرعة من مكان إلى مكان وقوله اثاقلتم أصله تثاقلتم وكذلك قرأ الأعمش وهو نحو قوله اخلد إلى الأرض
وقوله أرضيتم تقرير والمعنى أرضيتم نزر الدنيا على خطير الآخرة وحظها الأسعد قال ابن هشام فمن من قوله من الآخرة للبدل انتهى ثم أخبر سبحانه أن الدنيا بالإضافة إلى الآخرة قليل نزر فتعطى قوة الكلام التعجب من ضلال من يرضى النزر الفاني بدل الكثير الباقي ت وفي صحيح مسلم والترمذي عن النبي صلى الله عليه و سلم قال ما الدنيا في الآخرة إلا مثل ما يجعل أحدكم إصبعه في اليم فلينظر بماذا ترجع قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح انتهى
وقوله سبحانه إلا تنفروا يعذبكم شرط وجواب ولفظ العذاب عام يدخل تحته أنواع عذاب الدنيا والآخرة
وقوله ويستبدل قوما غيركم توعد بأن يبدل لرسوله عليه السلام قوما لا يقعدون عند استنفاره إياهم والضمير في قوله ولا تضروه شيئا عائد على الله عز و جل ويحتمل أن يعود على النبي صلى الله عليه و سلم وهو أليق
وقوله سبحانه الا تنصروه فقد نصره الله هذا أيضا شرط وجواب ومعنى الآية أنكم

التالي بمشيئة الله ج5. وج6.

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ج22.تذكرة الحفاظ/شيوخ صاحب التذكرة الجزء الاخير

شيوخ صاحب تذكرة الحفاظ ج22. 1- ولقد انتفعت وتخرجت بشيخنا الإمام العالم المحدث الحافظ الشهيد أبي الحسين علي ابن الشيخ الفقيه ببعلبك ولز...