حمل مصاحف


فهرس القرآن الكريم الكريمmp3 القرآن الكريم مكتوب

9مصاحف
/ / / /  / / /

شكرا للفريق المجتهد

شكرا لبلوجر وفريقه المحترمين- Thanks to blogger and his respected team

الثلاثاء، 22 نوفمبر 2022

ج5.وج6.كتاب الإتقان في علوم القرآن عبد الرحمن بن الكمال جلال الدين السيوطي

 

ج5.وج6.كتاب الإتقان في علوم القرآن عبد الرحمن بن الكمال جلال الدين السيوطي
ج5.كتاب الإتقان في علوم القرآن عبد الرحمن بن الكمال جلال الدين السيوطي



الآية شبه ما يدرك من أثر الضرر والألم بما يدرك من طعم المر فأوقع عليه الإذاقة ختم الله على قلوبهم شبهها في ألا تقبل الحق بالشيء الموثوق المختوم
ثم أثبت لها الختم جدارا يريد أن ينقض شبه ميلانه للسقوط بانحراف الحي فأثبت له الإرادة التي هي من خواص العقلاء
4398 - ومن التصريحية آية مستهم البأساء من بعثنا من مرقدنا
4399 - وتنقسم باعتبار آخر إلى
وفاقية بأن يكون اجتماعهما في شيء ممكنا نحو أومن كان ميتا فأحييناه أي ضالا فهديناه استعير الإحياء من جعل الشيء حيا للهداية التي بمعنى الدلالة على ما يوصل إلى المطلوب والإحياء والهداية مما يمكن اجتماعهما في شيء
4400 - وعنادية وهي ما لا يمكن اجتماعهما في شيء كاستعارة اسم المعدوم للموجود لعدم نفعه واجتماع الوجود والعدم في شيء ممتنع
4401 - ومن العنادية التهكمية والتمليحية وهما ما استعمل في ضد أو نقيض نحو فبشرهم بعذاب أليم أي أنذرهم استعيرت البشارة وهي الإخبار بما يسر للإنذار الذي هو ضده بإدخاله في جنسها على سبيل التهكم والاستهزاء ونحو إنك لأنت الحليم الرشيد عنى الغوي السفيه تهكما ذق إنك أنت العزيز الكريم
4402 - وتنقسم باعتبار آخر إلى تمثيلية وهي أن يكون وجه الشبه فيها منتزعا من متعدد نحو واعتصموا بحبل الله جميعا شبه استظهار العبد بالله ووثوقه بحمايته والنجاة من المكارة باستمساك الواقع في مهواة بحبل وثيق مدلى من مكان مرتفع يأمن انقطاعه


تنبيه 4403 - قد تكون الاستعارة بلفظين نحو قوارير قوارير من فضة يعني تلك الأواني ليست من الزجاج ولا من الفضة بل في صفاء القارورة وبياض الفضة
فصب عليهم ربك سوط عذاب فالصب كناية عن الدوام والسوط عن الإيلام فالمعنى عذبهم عذابا دائما مؤلما
1 -
فائدة 4404 - أنكر قوم الاستعارة بناء على إنكارهم المجاز وقوم إطلاقها في القرآن لأن فيها إيهاما للحاجة ولأنه لم يرد في ذلك إذن من الشرع وعليه القاضي عبد الوهاب المالكي
4405 - وقال الطرطوشي إن أطلق المسلمون الاستعارة فيه أطلقناها وإنامتنعوا امتنعنا ويكون هذا من قبيل إن الله عالم والعلم هو العقل ثم لا نصفه به لعدم التوقيف
انتهى
2 -
فائدة ثانية 4406 - تقدم أن التشبيه من أعلى أنواع البلاغة وأشرفها واتفق البلغاء على أن الإستعارة أبلغ منه لأنها مجاز وهو حقيقة والمجاز أبلغ فإذا الاستعارة أعلى مراتب الفصاحة
وكذا الكناية أبلغ من التصريح والاستعارة أبلغ من الكناية كما قال في عروس الأفراح إنه الظاهر لأنها كالجامعة بين كناية واستعارة ولأنها مجاز قطعا وفي الكناية خلاف
4407 - وأبلغ أنواع الاستعارة التمثيلية كما يؤخذ من الكشاف ويليها المكنية صرح به الطيبي لاشتمالها على المجاز العقلي
والترشيحية أبلغ من المجردة والمطلقة والتخييلية أبلغ من التحقيقية والمراد بالأبلغية إفادة زيادة التأكيد والمبالغة في كمال التشبيه لا زيادة في المعنى لا توجد في غير ذلك


خاتمة 4408 - من المهم تحرير الفرق بين الاستعارة والتشبيه المحذوف الأداة نحو زيد أسد
4409 - قال الزمخشري في قوله تعالى صم بكم عمي فإن قلت هل يسمى ما في الآية استعارة قلت مختلف فيه والمحققون على تسميته تشبيها بليغا لا استعارة لأن المستعار له مذكور وهم المنافقون وإنما تطلق الاستعارة حيث يطوى ذكر المستعار له ويجعل الكلام خلوا عنه صالحا لأن يراد المنقول عنه والمنقول له لولا دلالة الحال أو فحوى الكلام ومن ثم ترى المفلقين السحرة يتناسون التشبيه ويضربون عنه صفحا
4410 - وعلله السكاكي بأن من شرط الاستعارة إمكان حمل الكلام على الحقيقة في الظاهر وتناسي التشبيه و زيد أسد لا يمكن كونه حقيقة فلا يجوز أن يكون استعارة وتابعه صاحب الإيضاح
4411 - قال في عروس الأفراح وما قالاه ممنوع وليس من شرط الاستعارة صلاحية الكلام لصرفه إلى الحقيقة في الظاهر
قال بل لو عكس ذلك وقيل لا بد من عدم صلاحيته لكان أقرب لأن الاستعارة مجاز لا بد له قرينة فإن لم تكن قرينة امتنع صرفه إلى الاستعارة وصرفناه إلى حقيقته وإنما نصرفه إلى الاستعارة بقرينة إما لفظية أو معنوية نحو زيد أسد فالإخبار به عن زيد قرينة صارفة عن إرادة حقيقته
قال والذي نختاره في نحو زيد أسد أنه قسمان تارة يقصد به التشبيه فتكون أداة التشبيه مقدرة وتارة يقصد به الاستعارة فلا تكون مقدرة ويكون الأسد مستعملا في حقيقته وذكر زيد والإخبار عنه بما لا يصلح له حقيقة قرينة صارفة إلى الاستعارة دالة عليها فإن قامت قرينة على حذف الأداة صرنا إليه وإن لم تقم فنحن بين إضمار واستعارة والاستعارة أولى فيصار إليها
4412 - وممن صرح بهذا الفرق عبد اللطيف البغدادي في قوانين

البلاغة
وكذا قال حازم الفرق بينهما أن الاستعارة وإن كان فيها معنى التشبيه فتقدير حرف التشبيه لا يجوز فيها والتشبيه بغير حرف على خلاف ذلك لأن تقدير حرف التشبيه واجب فيه


النوع الرابع والخمسون
في كناياته وتعريضه 4413 - هما من أنواع البلاغة وأساليب الفصاحة وقد تقدم أن الكناية أبلغ من التصريح
وعرفها أهل البيان بأنها لفظ أريد به لازم معناه
4414 - وقال الطيبي ترك التصريح بالشيء إلى ما يساويه في اللزوم فينتقل منه إلى الملزوم
وأنكر وقوعها في القرآن من أنكر المجاز فيه بناء على أنها مجاز وقد تقدم الخلاف في ذلك
4415 - وللكناية أسباب
أحدها التنبيه على عظم القدرة نحو هو الذي خلقكم من نفس واحدة كناية عن آدم
4416 - ثانيها ترك اللفظ إلى ما هو أجمل نحو إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة فكنى بالنعجة عن المرأة كعادة العرب في ذلك لأن ترك التصريح بذكر النساء أجمل منه ولهذا لم تذكر في القرآن امرأة باسمها إلا مريم
4417 - قال السهيلي وإنما ذكرت مريم باسمها على خلاف عادة الفصحاء لنكتة وهو أن الملوك والأشراف لا يذكرون حرائرهم في ملأ ولا يبتذلون أسماءهن بل يكنون عن الزوجة بالفرش والعيال ونحو ذلك فإذا ذكروا الإماء لم يكنوا عنهن ولم يصونوا أسماءهن عن الذكر فلما قالت النصارى في مريم ما قالوا صرح الله باسمها ولم يكن تأكيدا للعبودية إلا التي هي صفة لها وتأكيدا لأن عيسى لا أب له وإلا لنسب إليه

4418 - ثالثها أن يكون التصريح مما يستقبح ذكره ككناية الله عن الجماع بالملامسة والمباشرة والإفضاء والرفث والدخول والسر في قوله ولكن لا تواعدوهن سرا
والغشيان في قوله فلما تغشاها
4419 - أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال المباشرة الجماع ولكن الله يكني
4420 - وأخرج عنه قال إن الله كريم يكني ما شاء وإن الرفث هو الجماع وكنى عن طلبه بالمراودة في قوله وراودته التي هو في بيتها عن نفسه وعنه أو عن المعانقة باللباس في قوله هن لباس لكم وأنتم لباس لهن وبالحرث في قوله نساؤكم حرث لكم
4421 - وكنى عن البول ونحوه بالغائط في قوله أو جاء أحد منكم من الغائط وأصله المكان المطمئن من الأرض
4422 - وكني عن قضاء الحاجة بأكل الطعام في قوله في مريم وإبنها كانا يأكلان الطعام
4423 - وكنى عن الأستاه بالأدبار في قوله يضربون وجوههم وأدبارهم أخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد في هذه الآية قال يعني أستاههم ولكن الله يكني
4424 - وأورد على ذلك التصريح بالفرج في قوله التي أحصنت فرجها
وأجيب بأن المراد به فرج القميص والتعبير به من ألطف الكنايات وأحسنها أي لم يعلق ثوبها بريبة فهي طاهرة الثوب كما يقال نقى الثوب وعفيف الذيل كناية عن العفة ومنه وثيابك فطهر وكيف يظن أن نفخ جبريل وقع في فرجها وإنما نفخ في جيب درعها
ونظيره أيضا ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن

قلت وعلى هذا ففي الآية كناية عن كناية ونظيره ما تقدم من مجاز المجاز
4425 - رابعها قصد البلاغة والمبالغة نحو أو من ينشؤا في الحلية وهو في الخصام غير مبين كنى عن النساء بأنهن ينشأن في الترفه والتزين الشاغل عن النظر في الأمور ودقيق المعاني ولو أتى بلفظ النساء لم يشعر بذلك والمراد نفي ذلك عن الملائكة
4426 - وقوله بل يداه مبسوطتان كناية عن سعة جوده وكرمه جدا
4427 - خامسها قصد الإختصار كالكناية عن ألفاظ متعددة بلفظ فعل نحو لبئس ما كانوا يفعلون فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا أي فإن لم تأتوا بسورة من مثله
4428 - سادسها التنبيه على مصيره نحو تبت يدا أبي لهب أي جهنمي مصيره إلى اللهب حمالة الحطب في جيدها حبل أي نمامة مصيرها إلى أن تكون حطبا لجهنم في جيدها غل
4429 - قال بدر الدين بن مالك في المصباح إنما يعدل عن التصريح إلى الكناية لنكتة كالإيضاح أو بيان حال الموصوف أو مقدار حاله أو القصد إلى المدح أو الذم أو الإختصار أو الستر أو الصيانة أو التعمية والإلغاز أو التعبير عن الصعب بالسهل أو عن المعنى القبيح باللفظ الحسن
4430 - واستنبط الزمخشري نوعا من الكناية غريبا وهو أن تعمد إلى جملة معناها على خلاف الظاهر فتأخذ الخلاصة من غير إعتبار مفرداتها بالحقيقة والمجاز فتعبر بها عن المقصود كما تقول في نحو الرحمن على العرش استوى إنه كناية عن الملك فإن الإستواء على السرير لا يحصل إلا مع الملك فجعل كناية عنه وكذا قوله والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات مطويات

بيمينه كناية عن عظمته وجلالته من غير ذهاب بالقبض واليمين إلى جهتين حقيقة ومجاز
تذنيب 4431 - من أنواع البديع التي تشبه الكناية الإرداف وهو أن يريد المتكلم معنى ولا يعبر عنه بلفظه الموضوع له ولا بدلالة الإشارة بل بلفظ يرادفه كقوله تعالى وقضي الأمر والأصل وهلك من قضى الله هلاكه ونجا من قضى الله نجاته
وعدل عن ذلك إلى لفظ الإرداف لما فيه من الإيجاز والتنبيه على أن هلاك الهالك ونجاة الناجي كان بأمر آمر مطاع وقضاء من لا يرد قضاؤه والأمر يستلزم آمرا فقضاؤه يدل على قدرة الآمر به وقهره وأن الخوف من عقابه ورجاء ثوابه يحضان على طاعة الآمر ولا يحصل ذلك كله من اللفظ الخاص
4432 - وكذا قوله واستوت على الجودي حقيقة ذلك جلست فعدل عن اللفظ الخاص بالمعنى إلى مرادفه لما في الإستواء من الإشعار بجلوس متمكن لا زيغ فيه ولا ميل وهذا لا يحصل من لفظ الجلوس
4433 - وكذا فيهن قاصرات الطرف الأصل عفيفات وعدل عنه للدلالة على أنهن مع العفة لا تطمح أعينهن إلى غير أزواجهن ولا يشتهين غيرهم
ولا يؤخذ ذلك من لفظ العفة
4434 - قال بعضهم والفرق بين الكناية والإرداف أن الكناية إنتقال من لازم إلى ملزوم والإرداف من مذكور إلى متروك
4435 - ومن أمثلته أيضا ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى عدل في الجملة الأولى عن قوله بالسوءى مع أن فيه مطابقة للجملة الثانية إلى بما عملوا تأدبا أن يضاف السوء إلى الله تعالى
فصل 4436 - للناس في الفرق بين الكناية والتعريض عبارات متقاربة فقال

الزمخشري الكناية ذكر الشيء بغير لفظه الموضوع له والتعريض أن تذكر شيئا تدل به على شيء لم تذكره
4437 - وقال ابن الأثير الكناية ما دل على معنى يجوز حمله على الحقيقة والمجاز بوصف جامع بينهما والتعريض اللفظ الدال على معنى لا من جهة الوضع الحقيقي أو المجازي كقول من يتوقع صلة والله إني محتاج فإنه تعريض بالطلب مع أنه لم يوضع له حقيقة ولا مجازا وإنما فهم من عرض اللفظ أي جانبه
4438 - وقال السبكي في كتاب الإغريض في الفرق بين الكناية والتعريض الكناية لفظ استعمل في معناه مرادا منه لازم المعنى فهي بحسب إستعمال اللفظ في المعنى حقيقة والتجوز في إرادة أفادة ما لم يوضع له
وقد لا يراد منها المعنى بل يعبر بالملزوم عن اللازم وهي حينئذ مجاز ومن أمثلته قل نار جهنم أشد حرا فإنه لم يقصد أفادة ذلك لأنه معلوم بل إفادة لازمه وهو أنهم يردونها ويجدون حرها إن لم يجاهدوا
وأما التعريض فهو لفظ إستعمل في معناه للتلويح بغيره نحو بل فعله كبيرهم هذا نسب الفعل إلى كبير الأصنام المتخذة آلهة كأنه غضب أن تعبد الصغار معه تلويحا لعابدها بأنها لا تصلح أن تكون آلهة لما يعلمون إذا نظروا بعقولهم من عجز كبيرها عن ذلك الفعل والإله لا يكون عاجزا فهو حقيقة أبدا
4439 - وقال السكاكي التعريض ما سيق لأجل موصوف غير مذكور ومنه أن يخاطب واحد ويراد غيره وسمي به لأنه أميل الكلام إلى جانب مشارا به إلى آخر يقال نظر إليه بعرض وجهه أي جانبه
4440 - قال الطيبي وذلك يفعل إما لتنويه جانب الموصوف ومنه ورفع بعضهم درجات أي محمدا إعلاء لقدره أي أنه العلم الذي لا يشتبه
4441 - وإما لتلطف به واحتراز عن المخاشنة نحو وما لي لا أعبد الذي فطرني أي ومالكم لا تعبدون بدليل قوله وإليه ترجعون وكذا قوله

أأتخذ من دونه آلهة ووجه حسنه إسماع من يقصد خطابه الحق على وجه يمنع غضبه إذ لم يصرح بنسبته للباطل والإعانة على قبوله إذ لم يرد له إلا ما أراده لنفسه
4442 - وإما لإستدراج الخصم إلى الإذعان والتسليم ومنه لئن أشركت ليحبطن عملك خوطب النبي وأريد غيره لإستحالة الشرك عليه شرعا
4443 - وإما للذم نحو إنما يتذكر أولوا الألباب فإنه تعريض بذم الكفار وأنهم في حكم البهائم الذين لا يتذكرون
4444 - وإما للإهانة والتوبيخ نحو وإذا الموءودة سئلت بأي ذنب قتلت فإن سؤالها لإهانة قاتلها وتوبيخه
4445 - وقال السبكي التعريض قسمان
قسم يراد به معناه الحقيقي ويشار به إلى المعنى الآخر المقصود كما تقدم
وقسم لا يراد بل يضرب مثلا للمعنى الذي هو مقصود التعريض كقول إبراهيم بل فعله كبيرهم هذا


النوع الخامس والخمسون
في الحصر والاختصاص 4446 - أما الحصر ويقال له القصر فهو تخصيص أمر بآخر بطريق مخصوص ويقال أيضا إثبات الحكم للمذكور ونفيه عما عداه
4447 - وينقسم إلى قصر الموصوف على الصفة وقصر الصفة على الموصوف وكل منهما إما حقيقي وإما مجازي
4448 - مثال قصر الموصوف على الصفة حقيقيا نحو ما زيد إلا كاتب أي لا صفة له غيرها وهو عزيز لا يكاد يوجد لتعذر الإحاطة بصفات الشيء حتى يمكن إثبات شيء منها ونفي ما عداها بالكلية وعلى عدم تعذرها يبعد أن تكون للذات صفة واحدة ليس لها غيرها ولذا لم يقع في التنزيل
4449 - ومثاله مجازيا وما محمد إلا رسول أي أنه مقصور على الرسالة لا يتعداها إلى التبري من الموت الذي استعظموه الذي هو من شأن الإله
4450 - ومثال قصر الصفة على الموصوف حقيقيا لا إله إلا الله
4451 - ومثاله مجازيا قل لا أجد فيما أوحى إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة . . الآية كما قال الشافعي فيما تقدم نقله عنه في أسباب النزول إن الكفار لما كانوا يحلون الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به وكانوا يحرمون كثيرا من المباحات وكانت سجيتهم تخالف وضع الشرع ونزلت الآية مسبوقة بذكر شبههم في البحيرة والسائبة والوصيلة والحامي وكان الغرض أبانة كذبهم فكأنه قال لا حرام إلا ما أحللتموه والغرض الرد عليهم والمضادة لا الحصر الحقيقي وقد تقدم بأبسط من هذا

4452 - وينقسم الحصر باعتبار آخر إلى ثلاثة أقسام قصر إفراد وقصر قلب وقصر تعيين
4453 - فالأول يخاطب به من يعتقد الشركة نحو إنما هو إله واحد خوطب به من يعتقد إشتراك الله والأصنام في الألوهية
4454 - والثاني يخاطب به من يعتقد إثبات الحكم لغير من أثبته المتكلم له نحو ربي الذي يحيي ويميت خوطب به نمرود الذي اعتقد أنه هو المحيي المميت دون الله ألا إنهم هم السفهاء خوطب به من اعتقد من المنافقين أن المؤمنين سفهاء دونهم وأرسلناك للناس رسولا خوطب به من يعتقد من اليهود إختصاص بعثته بالعرب
4455 - والثالث يخاطب به من تساوى عنده الأمران فلم يحكم بإثبات الصفة لواحد بعينه ولا لواحد بإحدى الصفتين بعينها
فصل 4456 - طرق الحصر كثيرة
أحدها النفي والإستثناء سواء كان النفي بلا أو ما أو غيرهما والإستثناء بإلا أو غير نحو لا إله إلا الله وما من إله إلا الله ما قلت لهم إلا ما أمرتني به
ووجه إفادته الحصر أن الإستثناء المفرغ لا بد أن يتوجه النفي فيه إلى مقدر وهو مستثنى منه لأن الإستثناء إخراج فيحتاج إلى مخرج منه والمراد التقدير المعنوي لا الصناعي ولا بد أن يكون عاما لأن الإخراج لا يكون إلا من عام ولا بد أن يكون مناسبا للمستثنى في جنسه مثل ما قام إلا زيد أي أحد وما أكلت إلا تمرا أي مأكولا
ولا بد أن يوافقه في صفته أي إعرابه وحينئذ يجب القصر إذا أوجب منه شيء بإلاضرورة ببقاء ما عداه على صفة الإنتفاء
4457 - وأصل إستعمال هذا الطريق أن يكون المخاطب جاهلا بالحكم وقد يخرج عن ذلك فينزل المعلوم منزلة المجهول لاعتبار مناسب نحو وما محمد إلا

رسول فإنه خطاب للصحابة وهم لم يكونوا يجهلون رسالة النبي لأنه نزل إستعظامهم له عن الموت منزلة من يجهل رسالته لأن كل رسول فلا بد من موته فمن استبعد موته فكأنه استبعد رسالته
4458 - الثاني إنما الجمهور على أنها للحصر فقيل بالمنطوق وقيل بالمفهوم
وأنكر قوم أفادتها إياه منهم أبو حيان
واستدل مثبتوه بأمور
منها قوله تعالى إنما حرم عليكم الميتة بالنصب فإن معناه ما حرم عليكم إلا الميتة لأنه المطابق في المعنى لقراءة الرفع فإنها للقصر فكذا قراءة النصب والأصل إستواء معنى القراءتين
4459 - ومنها أن إن للإثبات و ما للنفي فلا بد أن يحصل القصر للجمع بين النفي والإثبات لكن تعقب بأن ما زائدة كافة لا نافية
4460 - ومنها أن إن للتأكيد و ما كذلك فاجتمع تأكيدان فأفادا الحصر
قاله السكاكي وتعقب بأنه لو كان إجتماع تأكيدين يفيد الحصر لأفاده نحو إن زيدا لقائم
وأجيب بأن مراده لا يجتمع حرفا تأكيد متواليان إلا للحصر
4461 - ومنها قوله تعالى قال إنما العلم عند الله قال إنما يأتيكم به الله قل إنما علمها عند رب فإنه إنما تحصل مطابقة الجواب إذا كانت إنما للحصر ليكون معناها لا آتيكم به إنما يأتي به الله ولا أعلمها إنما يعلمها الله وكذا قوله ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ما على المحسنين من سبيل إلى قوله إنما السبيل على الذين يستأذنونك وهم أغنياء وإذا لم تأتهم بآية قالوا لولا اجتبيتها قل إنما أتبع ما يوحى إلي من ربي وإن تولوا فإنما عليك البلاغ
ولا يستقيم المعنى في هذه الآيات ونحوها إلا بالحصر

4462 - وأحسن ما تستعمل إنما في مواقع التعريض نحو إنما يتذكر أولوا الألباب
4463 - الثالث أنما بالفتح عدها من طرق الحصر الزمخشري والبيضاوي فقالا في قوله تعالى قل إنما يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد إنما لقصر الحكم على شيء أو لقصر الشيء على حكم نحو إنما زيد قائم و إنما يقوم زيد
وقد اجتمع الأمران في هذه الآية لأن إنما يوحي إلي مع فاعله بمنزلة إنما يقوم زيد و أنما الهكم بمنزلة إنما زيد قائم وفائدة إجتماعهما الدلالة على أن الوحي إلى الرسول مقصور على إستئثار الله بالوحدانية
4464 - وصرح التنوخي في الأقصى القريب بكونها للحصر فقال كلما أوجب أن إنما بالكسر للحصر أوجب أن أنما بالفتح للحصر لأنها فرع عنها وما ثبت للأصل ثبت للفرع ما لم يثبت مانع منه والأصل عدمه
4465 - ورد أبو حيان على الزمخشري ما زعمه بأنه يلزمه إنحصار الوحي في الوحدانية وأجيب بأنه حصر مجازي باعتبار المقام
4466 - الرابع العطف بلا أو بل ذكره أهل البيان ولم يحكوا فيه خلافا
4467 - ونازع فيه الشيخ بهاء الدين في عروس الأفراح فقال أي قصر في العطف بلا إنما فيه نفي وإثبات فقولك زيد شاعر لا كاتب لا تعرض فيه لنفي صفة ثالثة والقصر إنما يكون بنفي جميع الصفات غير المثبت حقيقة أو مجازا وليس هو خاصا بنفي الصفة التي يعتقدها المخاطب وأما العطف ببل فأبعد منه لأنه لا يستمر فيها النفي والإثبات
4467 - الخامس تقديم المعمول نحو إياك نعبد لإلى الله تحشرون وخالف فيه قوم وسيأتي بسط الكلام فيه قريبا
4468 - السادس ضمير الفصل نحو فالله هو الولي أي لا غيره

وأولئك هم المفلحون إن هذا لهو القصص الحق إن شانئك هو الأبتر
وممن ذكر أنه للحصر البيانيون في بحث المسند إليه
واستدل له السهيلي بأنه أتي به في كل موضع ادعي فيه نسبة ذلك المعنى إلى غير الله ولم يؤت به حيث لم يدع وذلك في قوله وأنه هو أضحك وأبكى . . إلى آخر الآيات فلم يؤت به في وأنه خلق الزوجين وأن عليه النشأة وأنه أهلك عادا الأولى لأن ذلك لم يدع لغير الله وأتي به في الباقي لادعائه لغيره
قال في عروس الأفراح وقد استنبطت دلالته على الحصر من قوله فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم . . لأنه لو لم يكن للحصر لما حسن لأن الله لم يزل رقيبا عليهم وإنما الذي حصل بتوفيته أنه لم يبق لهم رقيب غير الله تعالى ومن قوله لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة أصحاب الجنة هم الفائزون فإنه ذكر لتبيين عدم الإستواء وذلك لا يحسن إلا بأن يكون الضمير للإختصاص
4469 - السابع تقديم المسند إليه على ما قال الشيخ عبد القاهر قد يقدم المسند إليه ليفيد تخصيصه بالخبر الفعلي والحاصل على رأيه أن له أحوالا
أحدها أن يكون المسند إليه معرفة والمسند مثبتا فيأتي للتخصيص نحو أنا قمت وأنا سعيت في حاجتك فإن قصد به قصر الإفراد أكد بنحو وحدي أو قصر القلب أكد بنحو لا غيري ومنه بل أنتم بهديتكم تفرحون فإن ما قبله من قوله أتمدونن بمال ولفظ بل المشعر بالإضراب يقضي بأن المراد بل أنتم لا غيركم فإن المقصود نفي فرحه هو بالهدية لا إثبات الفرح لهم بهديتهم
قاله في عروس الأفراح
قال وكذا قوله لا تعلمهم نحن نعلمهم أي لا نعلمهم إلا نحن
وقد يأتي للتقوية والتأكيد دون التخصيص قال الشيخ بهاء الدين ولا يتميز ذلك إلا بما يقتضيه الحال وسياق الكلام
ثانيها أن يكون المسند منفيا نحو أنت لا تكذب فإنه أبلغ في نفي الكذب من لا تكذب ومن لا تكذب أنت
وقد يفيد التخصيص ومنه فهم لا يتساءلون

ثالثها أن يكون المسند إليه نكرة مثتبا نحو رجل جاءني فيفيد التخصيص إما بالجنس أي لا امرأة أو الوحدة أي لا رجلان
رابعها أن يلي المسند إليه حرف النفي فيفيده نحو ما أنا قلت هذا أي لم أقله مع أن غيري قاله ومنه وما أنت علينا بعزيز أي العزيز علينا رهطك لا أنت ولذا قال أرهطي أعز عليكم من الله
هذا حاصل رأي الشيخ عبد القاهر ووافقه السكاكي وزاد شروطا وتفاصيل بسطناها في شرح ألفية المعاني
4470 - الثامن تقديم المسند ذكر ابن الأثير وابن النفيس وغيرهما أن تقديم الخبر على المبتدأ يفيد الإختصاص
ورده صاحب الفلك الدائر بأنه لم يقل به أحد وهو ممنوع فقد صرح السكاكي وغيره بأن تقديم ما رتبته التأخير يفيده ومثلوه بنحو تميمي أنا
4471 - التاسع ذكر المسند إليه ذكر السكاكي أنه قد ذكر ليفيد التخصيص
وتعقبه صاحب الإيضاح
وصرح الزمخشري بأنه أفاد الإختصاص في قوله الله يبسط الرزق في سورة الرعد وفي قوله الله نزل أحسن الحديث وفي قوله والله يقول الحق وهو يهدي السبيل
ويحتمل أنه أراد أن تقديمه أفاده فيكون من أمثله الطريق السابع
4472 - العاشر تعريف الجزءين ذكر الإمام فخر الدين في نهاية الإيجاز أنه يفيد الحصر حقيقة أو مبالغة نحو المنطلق زيد ومنه في القرآن فيما ذكر الزملكاني في أسرار التنزيل الحمد لله قال إنه يفيد الحصر كما في إياك نعبد أي الحمد لله لا لغيره
4473 - الحادي عشر نحو جاء زيد نفسه نقل بعض شراح التلخيص عن بعضهم أنه يفيد الحصر

4474 - الثاني عشر نحو إن زيدا لقائم نقله المذكور ايضا
4475 - الثالث عشر نحو قائم في جواب زيد إما قائم أو قاعد
ذكره الطيبي في شرح التبيان
4476 - الرابع عشر قلب بعض حروف الكلمة فإنه يفيد الحصر على ما نقله في الكشاف في قوله والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها قال القلب للإختصاص بالنسبة إلى لفظ الطاغوت لأن وزنه على قول فعلوت من الطغيان كملكوت ورحموت قلب بتقديم اللام على العين فوزنه فلعوت ففيه مبالغات التسمية بالمصدر والبناء بناء مبالغة والقلب وهو للاختصاص إذ لا يطلق على غير الشيطان
تنبيه 4477 - كاد أهل البيان يطبقون على أن تقديم المعمول يفيد الحصر سواء كان مفعولا أو ظرفا أو مجرورا ولهذا قيل في إياك نعبد وإياك نستعين معناه نخصك بالعبادة والاستعانة وفي لإلى الله نحشرون معناه إليه لا إلى غيره وفي لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا أخرت الصلة في الشهادة الأولى وقدمت في الثانية لأن الغرض في الأول إثبات شهادتهم وفي الثاني إثبات إختصاصهم بشهادة النبي عليهم
4478 - وخالف في ذلك ابن الحاجب فقال في شرح المفصل الإختصاص الذي يتوهمه كثير من الناس من تقديم المعمول وهم واستدل على ذلك بقوله فاعبد الله مخلصا له الدين ثم قال بل الله فاعبد
ورد هذا الإستدلال بأن مخلصا له الدين أغنى عن إفادة الحصر في الآية الأولى ولو لم يكن فما المانع من ذكر المحصور في محل بغير صيغة الحصر كما قال تعالى واعبدوا ربكم وقال أمر ألا تعبدوا إلا إياه بل قوله بل الله فاعبد من أقوى أدلة الإختصاص فإن قبلها لئن أشركت ليحبطن عملك فلو لم يكن للإختصاص وكان معناها أعبد الله لما حصل الإضراب الذي هو معنى بل

4479 - واعترض أبو حيان على مدعي الإختصاص بنحو أفغير الله تأمروني أعبد
وأجيب بأنه لما أشرك بالله غيره كأنه لم يعبد الله وكان أمرهم بالشرك كأنه أمر بتخصيص غير الله بالعبادة
4480 - ورد صاحب الفلك الدائر الإختصاص بقوله كلا هدينا ونوحا هدينا من قبل وهو من أقوى ما رد به
وأجيب بأنه لا يدعى فيه اللزوم بل الغلبة وقد يخرج الشيء عن الغالب
4481 - قال الشيخ بهاء الدين وقد اجتمع الاختصاص وعدمه في آية واحدة وهي أغير الله تدعون إن كنتم صادقين بل إياه تدعون فإن التقديم في الأول قطعا ليس للإختصاص وفي إياه قطعا للإختصاص
4482 - وقال والده الشيخ تقي الدين في كتاب الإقتناص في الفرق بين الحصر والاختصاص اشتهر كلام الناس في أن تقديم المعمول يفيد الإختصاص ومن الناس من ينكر ذلك ويقول إنما يفيد الاهتمام وقد قال سيبويه في كتابه وهم يقدمون ما هم به أعنى
والبيانيون على إفادته الإختصاص ويفهم كثير من الناس من الاختصاص الحصر وليس كذلك وإنما الإختصاص شيء والحصر شيء آخر والفضلاء لم يذكروا في ذلك لفظة الحصر وإنما عبروا بالإختصاص والفرق بينهما أن الحصر نفي غير المذكور وإثبات المذكور والاختصاص قصد الخاص من جهة خصوصه وبيان ذلك أن الإختصاص افتعال من الخصوص والخصوص مركب من شيئين أحدهما عام مشترك بين شيئين أو أشياء والثاني معنى منضم إليه يفصله عن غيره كضرب زيد فإنه أخص من مطلق الضرب فإذا قلت ضربت زيدا أخبرت بضرب عام وقع منك على شخص خاص فصار ذلك الضرب المخبر به خاصا لما إنضم إليه منك ومن زيد
وهذه المعاني الثلاثة أعني مطلق الضرب وكونه واقعا منك وكونه واقعا على زيد قد يكون قصد المتكلم لها ثلاثتها على السواء
وقد يترجح قصده لبعضها على بعض ويعرف ذلك بما إبتدأ به كلامه فإن الإبتداء بالشيء يدل على الإهتمام به وأنه هو الأرجح في غرض المتكلم فإذا قلت زيدا ضربت علم أن خصوص الضرب على زيد هو المقصود
ولا شك أن كل مركب من خاص وعام له جهتان فقد يقصد من جهة عمومه وقد يقصد من جهة

خصوصه والثاني هو الإختصاص وأنه هو الأهم عند المتكلم وهو الذي قصد إفادته السامع من غير تعرض ولا قصد لغيره بإثبات ولا نفي ففي الحصر معنى زائد عليه وهو نفي ما عدا المذكور
وإنما جاء هذا في إياك نعبد للعلم بأن قائليه لا يعبدون غير الله تعالى ولذا لم يطرد في بقية الآيات فإن قوله أفغير دين الله يبغون لو جعل في معنى ما يبغون إلا غير دين الله وهمزة الإنكار داخلة عليه لزم أن يكون المنكر الحصر لا مجرد بغيهم غير دين الله وليس المراد
وكذلك آلهة غير الله تريدون المنكر إرادتهم آلهة دون الله من غير حصر
وقد قال الزمخشري في وبالآخرة هم يوقنون في تقديم الآخرة وبناء يوقنون على هم تعريض بأهل الكتاب وما كانوا عليه من إثبات أمر الآخرة على خلاف حقيقته وأن قولهم ليس بصادر عن إيقان وأن اليقين ما عليه من آمن بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك
4483 - وهذا الذي قاله الزمخشري في غاية الحسن وقد اعترض عليه بعضهم فقال تقديم الآخرة أفاد ان إيقانهم مقصور على أنه إيقان بالآخرة لا بغيرها وهذا الإعتراض من قائلة مبني على ما فهمه من أن تقديم المعمول يفيد الحصر وليس كذلك ثم قال المعترض وتقديم هم أفاد أن هذا القصر مختص بهم فيكون إيقان غيرهم بالآخرة إيمانا بغيرها حيث قالوا لن تمسنا النار وهذا منه أيضا إستمرار على ما في ذهنه من الحصر أي أن المسلمين لا يوقنون إلا بالآخرة وأهل الكتاب يوقنون بها وبغيرها
وهذا فهم عجيب ألجأه إليه فهمه الحصر وهو ممنوع
وعلى تقدير تسليمه فالحصر على ثلاثة أقسام
أحدها بما وإلا كقولك ما قام إلا زيد صريح في نفي القيام عن غير زيد ويقتضي إثبات القيام لزيد قيل بالمنطوق وقيل بالمفهوم وهو الصحيح لكنه أقوى المفاهيم لأن إلا موضوعة للإستثناء وهو الإخراج فدلالتها على الإخراج بالمنطوق لا بالمفهوم ولكن الإخراج من عدم القيام ليس هو عين القيام بل قد يستلزمه فلذلك رجحنا أنه بالمفهوم والتبس على بعض الناس لذلك فقال إنه بالمنطوق

والثاني الحصر ب إنما وهو قريب من الأول فيما نحن فيه وإن كان جانب الإثبات فيه أظهر فكأنه يفيد إثبات قيام زيد إذا قلت إنما قام زيد بالمنطوق ونفيه عن غيره بالمفهوم
الثالث الحصر الذي قد يفيده التقديم وليس هو على تقدير تسليمه مثل الحصرين الأولين بل هو في قوة جملتين إحداهما ما صدر به الحكم نفيا كان أو إثباتا وهو المنطوق والأخرى ما فهم من التقديم والحصر يقتضي نفي المنطوق فقط دون ما دل عليه من المفهوم لأن المفهوم لا مفهوم له فإذا قلت أنا لا أكرم إلا إياك أفاد التعريض بأن غيرك يكرم غيره ولا يلزم أنك لا تكرمه وقد قال تعالى الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة أفاد أن العفيف قد ينكح غير الزانية وهو ساكت عن نكاحه الزانية فقال سبحانه وتعالى بعده والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك بيانا لما سكت عنه في الأولى
فلو قال بالآخرة يوقنون أفاد بمنطوقه إيقانهم بها ومفهومه عند من يزعم أنهم لا يوقنون بغيرها
وليس ذلك مقصودا بالذات والمقصود بالذات قوة إيقانهم بالآخرة حتى صار غيرها عندهم كالمدحوض فهو حصر مجازي وهو دون قولنا يوقنون بالآخرة لا بغيرها فاضبط هذا وإياك أن تجعل تقديره لايوقنون إلا بالآخرة
إذا عرفت هذا فتقديم هم أفاد أن غيرهم ليس كذلك فلو جعلنا التقدير لا يوقنون إلا بالآخرة كان المقصود المهم النفي فيتسلط المفهوم عليه فيكون المعنى إفادة أن غيرهم يوقن بغيرها كما زعم المعترض ويطرح أفهام أنه لا يوقن بالآخرة
ولا شك أن هذا ليس بمراد بل المراد إفهام أن غيرهم لا يوقن بالآخرة فلذلك حافظنا على أن الغرض الأعظم إثبات الإيقان بالآخرة ليتسلط المفهوم عليه وأن المفهوم لا يتسلط على الحصر لأن الحصر لم يدل عليه بجملة واحدة مثل ما و إلا ومثل إنما وإنما دل عليه بمفهوم مستفاد من منطوق وليس أحدهما متقيدا بالآخر حتى نقول إن المفهوم أفاد نفي الإيقان المحصور بل أفاد نفي الإيقان مطلقا عن غيرهم وهذا كله على تقدير تسليم الحصر ونحن نمنع ذلك ونقول إنه اختصاص وأن بينهما فرقا
إنتهى كلام السبكي


النوع السادس والخمسون
في الإيجاز والإطناب 4484 - اعلم أنهما من أعظم أنواع البلاغة حتى نقل صاحب سر الفصاحة عن بعضهم أنه قال البلاغة هي الإيجاز والإطناب
4485 - قال صاحب الكشاف كما أنه يجب على البليغ في مظان الإجمال أن يجمل ويوجز فكذلك الواجب عليه في موارد التفصيل أن يفصل ويشبع أنشد الجاحظ
يرمون بالخطب الطوال وتارة ... وحى الملاحظ خيفة الرقباء
4486 - واختلف هل بين الإيجاز والإطناب واسطة وهي المساواة أو لا وهي داخلة في قسم الإيجاز فالسكاكي وجماعة على الأول لكنهم جعلوا المساواة غير محمودة ولا مذمومة لأنهم فسروها بالمتعارف من كلام أوساط الناس الذين ليسوا في رتبة البلاغة وفسروا الإيجاز بأداء المقصود بأقل من عبارة المتعارف والإطناب أداؤه بأكثر منها لكون المقام خليقا بالبسط
وابن الأثير وجماعة على الثاني فقالوا الإيجاز التعبير عن المراد بلفظ غير زائد والإطناب بلفظ أزيد
4487 - وقال القزويني الأقرب أن يقال إن المقبول من طرق التعبير عن المراد تأدية أصله إما بلفظ مساو للأصل المراد أو ناقص عنه واف أو زائد عليه لفائدة والأول المساواة والثاني الإيجاز والثالث الإطناب
4488 - واحترز ب واف عن الإخلال وبقولنا لفائدة عن الحشو

والتطويل فعنده ثبوت المساواة واسطة وأنها من قسم المقبول
4489 - فإن قلت عدم ذكرك المساواة في الترجمة لماذا هل هو لرجحان نفيها أو عدم قبولها أو لأمر غير ذلك
قلت لهما ولأمر ثالث وهو أن المساواة لا تكاد توجد خصوصا في القرآن وقد مثل لها في التلخيص بقوله تعالى ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله وفي الإيضاح بقوله وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا
وتعقب بأن في الآية الثانية حذف موصوف الذين وفي الأولى إطناب بلفظ السيء لأن المكر لا يكون إلا سيئا وإيجاز بالحذف إن كان الاستثناء غير مفرغ أي بأحد وبالقصر في الإستثناء وبكونها حاثة على كف الأذى عن جميع الناس محذرة عن جميع ما يؤدي إليه وبأن تقديرها يضر بصاحبه مضرة بليغة فأخرج الكلام مخرج الاستعارة التبعية الواقعة على سبيل التمثيلية لأن يحيق بمعنى يحيط فلا يستعمل إلا في الأجسام
تنبيه 4490 - الإيجاز والاختصار بمعنى واحد كما يؤخذ من المفتاح وصرح به الطيبي
4491 - وقال بعضهم الاختصار خاص بحذف الجمل فقط بخلاف الإيجاز قال الشيخ بهاء الدين وليس بشيء
والإطناب قيل بمعنى الإسهاب والحق أنه أخص منه فإن الإسهاب التطويل لفائدة أو لا لفائدة كما ذكره التنوخي وغيره
فصل
في نوعي الإيجاز 4492 - الإيجاز قسمان إيجاز قصر وإيجاز حذف


إيجاز القصر 4493 - فالأول هو الوجيز بلفظه قال الشيخ بهاء الدين الكلام القليل إن كان بعضا من كلام أطول منه فهو إيجاز حذف وإن كان كلاما يعطي معنى أطول منه فهو إيجاز قصر
4494 - وقال بعضهم إيجاز القصر هو تكثير المعنى بتقليل اللفظ
4495 - وقال آخر هو أن يكون اللفظ بالنسبة إلى المعنى أقل من القدر المعهود عادة
وسبب حسنه أنه يدل على التمكن في الفصاحة ولهذا قال أوتيت جوامع الكلم
4496 - وقال الطيبي في التبيان الإيجاز الخالي من الحذف ثلاثة أقسام
أحدها إيجاز القصر وهو أن يقصر اللفظ على معناه كقوله إنه من سليمان إلى قوله واتوني مسلمين جمع في أحرف العنوان والكتاب والحاجة
وقيل في وصف بليغ كانت ألفاظه قوالب معناه
قلت وهذا رأي من يدخل المساواة في الإيجاز
الثاني إيجاز التقدير وهو أن يقدر معنى زائد على المنطوق ويسمى بالتضييق أيضا وبه سماه بدر الدين بن مالك في المصباح لأنه نقص من الكلام ما صار لفظه أضيق من قدر معناه نحو فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف أي خطاياه غفرت فهي له لا عليه هدى للمتقين أي للضالين الصائرين بعد الضلال إلى التقوى
الثالث الإيجاز الجامع وهو أن يحتوي اللفظ على معان متعددة نحو إن الله يأمر بالعدل والإحسان . . الآية فإن العدل هو الصراط المستقيم المتوسط بين طرفي الإفراط والتفريط المومى به إلى جميع الواجبات في الاعتقاد والأخلاق

والعبودبة
والإحسان هو الإخلاص في واجبات العبودية لتفسيره في الحديث بقوله أن تعبد الله كأنك تراه أي تعبده مخلصا في نيتك وواقفا في الخضوع آخذا أهبة الحذر . . إلى ما لا يحصى
وإيتاء ذي القربى هو الزيادة على الواجب من النوافل هذا في الأوامر
وأما النواهي فبالفحشاء الإشارة إلى القوة الشهوانية وبالمنكر إلى الإفراط الحاصل من آثار الغضبية أو كل محرم شرعا وبالبغي إلى الاستعلاء الفائض عن الوهمية
4497 - قلت ولهذا قال ابن مسعود ما في القرآن آية أجمع للخير والشر من هذه الآية أخرجه في المستدرك
وروى البيهقي في شعب الإيمان عن الحسن أنه قرأها يوما ثم وقف فقال إن الله جمع لكم الخير كله والشر كله في آية واحدة فوالله ما ترك العدل والإحسان من طاعة الله شيئا إلا جمعه ولا ترك الفحشاء والمنكر والبغي من معصية الله شيئا إلا جمعه
4498 - وروى أيضا عن ابن أبي شهاب في معنى حديث الشيخين بعثت بجوامع الكلم قال بلغني أن جوامع الكلم أن الله يجمع له الأمور الكثيرة التي كانت تكتب في الكتب قبله في الأمر الواحد والأمرين ونحو ذلك
4499 - ومن ذلك قوله تعالى خذ العفو . . الآية فإنها جامعة لمكارم الأخلاق لأن في أخذ العفو التساهل والتسامح في الحقوق واللين والرفق في الدعاء إلى الدين وفي الأمر بالمعروف كف الأذى وغض البصر وما شاكلهما من المحرمات وفي الإعراض الصبر والحلم والتؤدة
4500 - ومن بديع الإيجاز قوله تعالى قل هو الله أحد . . إلى آخرها فإنه نهاية التنزيه وقد تضمنت الرد على نحو أربعين فرقة كما أفرد ذلك بالتصنيف بهاء الدين بن شداد
4501 - وقوله أخرج منها ماءها ومرعاها دل بهاتين الكلمتين على جميع ما أخرجه من الأرض قوتا ومتاعا للأنام من العشب والشجر والحب والثمر والعصف والحطب واللباس والنار والملح لأن النار من العيدان والملح من الماء

4502 - وقوله لا يصدعون عنها ولا ينزفون جمع فيه جميع عيوب الخمر من الصداع وعدم العقل وذهاب المال ونفاد الشراب
4503 - وقوله وقيل يا أرض ابلعي ماءك . . الآية أمر فيها ونهى وأخبر ونادى ونعت وسمى وأهلك وأبقى وأسعد وأشقى وقص من الأنباء ما لو شرح ما اندرج في هذه الجملة من بديع اللفظ والبلاغة والإيجاز والبيان لجفت الأقلام
وقد أفردت بلاغة هذه الآية بالتأليف
4504 - وفي العجائب للكرماني أجمع المعاندون على أن طوق البشر قاصر عن الإتيان بمثل هذه الآية بعد أن فتشوا جميع كلام العرب والعجم فلم يجدوا مثلها في فخامة ألفاظها وحسن نظمها وجودة معانيها في تصوير الحال مع الإيجاز من غير إخلال
4505 - وقوله تعالى يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم . . الآية جمع في هذه اللفظة أحد عشر جنسا من الكلام نادت وكنت ونبهت وسمت وأمرت وقصت وحذرت وخصت وعمت وأشارت وعذرت فالنداء يا والكناية أي والتنبيه ها والتسمية النمل والأمر ادخلوا والقصص مساكنكم والتحذير لا يحطمنكم والتخصيص سليمان والتعميم جنوده والإشارة وهم والعذر لا يشعرون فأدت خمس حقوق حق الله وحق رسوله وحقها وحق رعيتها وحق جنود سليمان
4506 - وقوله يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد . . الآية جمع فيها أصول الكلام النداء والعموم والخصوص والأمر والإباحة والنهي والخبر
4507 - وقال بعضهم جمع الله الحكمة في شطر آية وكلوا واشربوا ولا تسرفوا
4508 - وقوله تعالى وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه . . الآية قال

ابن العربي هي من أعظم أي في القرآن فصاحة إذ فيها أمران ونهيان وخبران وبشارتان
4509 - وقوله فاصدع بما تؤمر قال ابن أبي الأصبع المعنى صرح بجميع ما أوحي إليك وبلغ كل ما أمرت ببيانه وإن شق بعض ذلك على بعض القلوب فانصدعت والمشابهة بينهما فيما يؤثره التصريح في القلوب فيظهر أثر ذلك على ظاهر الوجوه من التقبض والانبساط ويلوح عليها من علامات الإنكار والاستبشار كما يظهر على ظاهر الزجاجة المصدوعة فانظر إلى جليل هذه الاستعارة وعظم إيجازها وما انطوت عليه من المعاني الكثيرة
4510 - وقد حكي أن بعض الأعراب لما سمع هذه الآية سجد وقال سجدت لفصاحة هذا الكلام
4511 - وقوله تعالى وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين قال بعضهم جمع بهاتين اللفظين ما لو اجتمع الخلق كلهم على وصف ما فيها على التفصيل لم يخرجوا عنه
4512 - وقوله تعالى ولكم في القصاص حياة فإن معناه كثير ولفظه قليل لأن معناه أن الإنسان إذا علم أنه متى قتل قتل كان ذلك داعيا إلى ألا يقدم على القتل فارتفع بالقتل الذي هو القصاص كثير من قتل الناس بعضهم لبعض وكان ارتفاع القتل حياة لهم
وقد فضلت هذه الجملة على أوجز ما كان عند العرب في هذا المعنى وهو قولهم القتل أنفى للقتل بعشرين وجها أو أكثر
4513 - وقد أشار ابن الأثير إلى إنكار هذا التفضيل وقال لا تشبيه بين كلام الخالق وكلام المخلوق وإنما العلماء يقدحون أذهانهم فيما يظهر لهم من ذلك
4514 - الأول أن ما يناظره من كلامهم وهو قوله القصاص حياة أقل حروفا فإن حروفه عشرة وحروف القتل أنفى للقتل أربعة عشر
4515 - الثاني أن نفي القتل لا يستلزم الحياة والآية ناصة على ثبوتها التي هي الغرض المطلوب منه

4516 - الثالث أن تنكير حياة يفيد تعظيما فيدل على أن في القصاص حياة متطاولة كقوله تعالى ولتجدنهم أحرص الناس على حياة ولا كذلك المثل فإن اللام فيه للجنس ولذا فسروا الحياة فيها بالبقاء
4517 - الرابع أن الآية فيه مطردة بخلاف المثل فإنه ليس كل قتل أنفى للقتل بل قد يكون أدعى له وهو القتل ظلما وإنما ينفيه قتل خاص وهو القصاص ففيه حياة أبدا
4518 - الخامس أن الآية خالية من تكرار لفظ القتل الواقع في المثل والخالي من التكرار أفضل من المشتمل عليه وإن لم يكن مخلا بالفصاحة
4519 - السادس أن الآية مستغنية عن تقدير محذوف بخلاف قولهم فإن فيه حذف من التي بعد أفعل التفضيل وما بعدها وحذف قصاصا مع القتل الأول وظلما مع القتل الثاني والتقدير القتل قصاصا أنفى للقتل ظلما من تركه
4520 - السابع أن في الآية طباقا لأن القصاص مشعر بضد الحياة بخلاف المثل
4521 - الثامن أن الآية اشتملت على فن بديع وهو جعل أحد الضدين الذي هو الفناء والموت محلا ومكانا لضده الذي هو الحياة واستقرار الحياة في الموت مبالغة عظيمة ذكره في الكشاف وعبر عنه صاحب الإيضاح بأنه جعل القصاص كالمنبع للحياة والمعدن لها بإدخال في عليه
4522 - التاسع أن في المثل توالي أسباب كثيرة حفيفة وهو السكون بعد الحركة وذلك مستكرة فإن اللفظ المنطوق به إذا توالت حركاته تمكن اللسان من النطق به وظهرت فصاحته بخلاف ما إذا تعقب كل حركة سكون فالحركات تنقطع بالسكنات
نظيره إذا تحركت الدابة أدنى حركة فحبست ثم تحركت فحبست لا يتبين إطلاقها ولا تتمكن من حركتها على ما تختاره فهي كالمقيدة
4523 - العاشر أن المثل كالمتناقض من حيث الظاهر لأن الشيء لا ينفي نفسه

4524 - الحادي عشر سلامة الآية من تكرير قلقلة القاف الموجب للضغط والشدة وبعدها عن غنة النون
4525 - الثاني عشر اشتمالها على حروف متلائمة لما فيها من الخروج من القاف إلى الصاد إذ القاف من حروف الاستعلاء والصاد من حروف الاستعلاء والإطباق بخلاف الخروج من القاف إلى التاء التي هي حرف منخفض فهو غير ملائم للقاف وكذا الخروج من الصاد إلى الحاء أحسن من الخروج من اللام إلى الهمزة لبعد ما دون طرف اللسان وأقصى الحلق
4526 - الثالث عشر في النطق بالصاد والحاء والتاء حسن الصوت ولا كذلك تكرير القاف والتاء
4527 - الرابع عشر سلامتها من لفظ القتل المشعر بالوحشة بخلاف لفظ الحياة فإن الطباع أقبل له من لفظ القتل
4528 - الخامس عشر أن لفظ القصاص مشعر بالمساواة فهو منبئ عن العدل بخلاف مطلق القتل
4529 - السادس عشر الآية مبنية على الإثبات والمثل على النفي والإثبات أشرف لأنه أول والنفي ثان عنه
4530 - السابع عشر أن المثل لا يكاد يفهم إلا بعد فهم أن القصاص هو الحياة وقوله في القصاص حياة مفهوم من أول وهلة
4531 - الثامن عشر أن في المثل بناء أفعل التفضيل من فعل متعد والآية سالمة منه
4532 - التاسع عشر أن أفعل في الغالب يقتضي الاشتراك فيكون ترك القصاص نافيا للقتل ولكن القصاص أكثر نفيا وليس الأمر كذلك والآية سالمة من ذلك
4533 - العشرون أن الآية رادعة عن القتل والجرح معا لشمول القصاص لهما والحياة أيضا في قصاص الأعضاء لأن قطع العضو ينقص مصلحة الحياة وقد يسرى إلى النفس فيزيلها ولا كذلك المثل

في أول الآية ولكم وفيها لطيفة وهي بيان العناية بالمؤمنين على الخصوص وأنهم المراد حياتهم لا غيرهم لنخصيصهم بالمعنى مع وجوده فيمن سواهم
تنبيهات
الأول 4534 - ذكر قدامة من أنواع البديع الإشارة وفسرها بالإتيان بكلام قليل ذي معان جمة وهذا هو إيجاز القصر بعينه لكن فرق بينهما ابن أبي الأصبع بأن الإيجاز دلالته مطابقة ودلالة الإشارة إما تضمن أو التزام فعلم منه أن المراد بها ما تقدم في مبحث المنطوق
الثاني 4535 - ذكر القاضي أبو بكر في إعجاز القرآن أن من الإيجاز نوعا يسمى التضمين وهو حصول معنى في لفظ من غير ذكر له باسم هي عبارة عنه قال وهو نوعان أحدهما ما يفهم من البنية كقوله معلوم فإنه يوجب أنه لا بد من عالم والثاني من معنى العبارة كبسم الله الرحمن الرحيم فإنه تضمن تعليم الاستفتاح في الأمور باسمه على جهة التعظيم لله تعالى والتبرك باسمه
الثالث 4536 - ذكر ابن الأثير وصاحب عروس الأفراح وغيرهما أن من أنواع إيجاز القصر باب الحصر سواء كان بإلا أو بإنما أو غيرهما من أدواته لأن الجملة فيها نابت مناب جملتين وباب العطف لأن حرفه وضع للإغناء عن إعادة العامل
وباب النائب عن الفاعل لأنه دل على الفاعل بإعطائه حكمه وعلى المفعول بوضعه
وباب الضمير لأنه وضع للاستغناء به عن الظاهر اختصارا ولذا لا يعدل إلى المنفصل مع إمكان المتصل
وباب علمت أنك قائم لأنه متحمل لاسم واحد سد مسد المفعولين من غير حذف
4537 - ومنها باب التنازع إذا لم نقدر على رأي الفراء
4538 - ومنها طرح المفعول اقتصارا على جعل المتعدي كاللازم وسيأتي تحريره
4539 - ومنها جميع أدوات الاستفهام والشرط فإن كم مالك يغني عن

قولك أهو عشرون أم ثلاثون وهكذا إلى ما لا يتناهى
4540 - ومنها الألفاظ اللازمة للعموم كأحد
4541 - ومنها لفظ التثنية والجمع فإنه يغني عن تكرير المفرد وأقيم الحرف فيهما مقامه اختصارا
4542 - ومما يصلح أن يعد من أنواعه المسمى بالاتساع من أنواع البديع وهو أن يؤتى بكلام يتسع فيه التأويل بحسب ما تحتمله ألفاظه من المعاني كفواتح السور ذكره ابن أبي الإصبع
إيجاز الحذف 4543 - القسم الثاني من قسمي الإيجاز الحذف وفيه فوائد
ذكر أسبابه
منها مجرد الاختصار والاحتراز عن العبث لظهوره
4544 - ومنها التنبيه على أن الزمان يتقاصر عن الإتيان بالمحذوف وأن الاشتغال بذكره يفضي إلى تفويت المهم وهذه هي فائدة باب التحذير والإغراء وقد اجتمعا في قوله تعالى ناقة الله وسقياها فناقة الله تحذير بتقدير ذروا و سقياها إغراء بتقدير الزموا
4545 - ومنها التفخيم والإعظام لما فيه من الإبهام
4546 - قال حازم في منهاج البلغاء إنما يحسن الحذف لقوة الدلالة عليه أو يقصد به تعديد أشياء فيكون في تعدادها طول وسآمة فيحذف ويكتفي بدلالة الحال وتترك النفس تجول في الأشياء المكتفي بالحال عن ذكرها قال ولهذا القصد يؤثر في المواضع التي يراد بها التعجب والتهويل على النفوس ومنه قوله في وصف أهل الجنة حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها فحذف الجواب إذ كان وصف ما يجدونه ويلقونه عند ذلك لا يتناهى فجعل الحذف دليلا على ضيق الكلام عن وصف ما يشاهدونه وتركت النفوس تقدر ما شاءته ولا تبلغ مع ذلك كنه ما هنالك

4547 - وكذا قوله ولو ترى إذ وقفوا على النار أي لرأيت أمرا فظيعا لا تكاد تحيط به العبارة
4548 - ومنها التخفيف لكثرة دورانه في الكلام كما في حذف حرف النداء نحو يوسف أعرض ونون لم يك والجمع السالم ومنه قراءة والمقيمي الصلاة وياء والليل إذا يسر
وسأل المؤرج السدوسي الأخفش عن هذه الآية فقال عادة العرب أنها إذا عدلت بالشيء عن معناه نقصت حروفه والليل لما كان لا يسرى وإنما يسرى فيه نقص منه حرف كما قال تعالى وما كانت أمك بغيا الأصل بغية فلما حول عن فاعل نقص منه حرف
4549 - ومنها كونه لا يصلح إلا له نحو عالم الغيب والشهادة فعال لما يريد
4550 - ومنها شهرته حتى يكون ذكره وعدمه سواء قال الزمخشري وهو نوع من دلالة الحال التي لسانها أنطق من لسان المقال وحمل عليه قراءة حمزة تساءلون به والأرحام لأن هذا مكان شهر بتكرر الجار فقامت الشهرة مقام الذكر
4551 - ومنها صيانته عن ذكره تشريفا كقوله تعالى قال فرعون وما رب العالمين قال رب السموات . . الآيات حذف فيها المبتدأ في ثلاثة مواضع قبل ذكر الرب أي هو رب الله ربكم الله رب المشرق لأن موسى استعظم حال فرعون وإقدامه على السؤال فأضمر اسم الله تعظيما وتفخيما ومثله في عروس الأفراح بقوله تعالى رب أرني أنظر إليك أي ذاتك
4552 - ومنها صيانة اللسان عنه تحقيرا له نحو صم بكم أي هم أو المنافقون

4553 - ومنها قصد العموم نحو وإياك نستعين أي على العبادة وعلى أمورنا كلها
والله يدعو إلى دار السلام أي كل واحد
4554 - ومنها رعاية الفاصلة نحو ما ودعك ربك وما قلى أي وما قلاك
4555 - ومنها قصد البيان بعد الإبهام كما في فعل المشيئة نحو ولو شاء لهداكم أي ولو شاء هدايتكم فإنه إذا سمع السامع ولو شاء تعلقت نفسه بم شاء ابنهم عليه لا يدري ما هو فلما ذكر الجواب استبان بعد ذلك وأكثر ما يقع ذلك بعد أداة شرط لأن مفعول المشيئة مذكور في جوابها
4556 - وقد يكون مع غيرها استدلالا بغير الجواب نحو ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء وقد ذكر أهل البيان أن مفعول المشيئة والإرادة لا يذكر إلا إذا كان غريبا أو عظيما نحو لمن شاء منكم أن يستقيم لو أردنا أن نتخذ لهوا وإنما اطرد أو كثر حذف مفعول المشيئة دون سائر الأفعال لأنه يلزم من وجود المشيئة وجود المشاء فالمشيئة المستلزمة لمضمون الجواب لا يمكن أن تكون إلا مشيئة الجواب ولذلك كانت الإرادة مثلها في اطراد حذف مفعولها ذكره الزملكاني والتنوخي في الأقصى القريب قالوا وإذا حذف بعد لو فهو المذكور في جوابها أبدا وأورد في عروس الأفراح قالوا لو شاء ربنا لأنزل ملائكة فإن المعنى لو شاء ربنا إرسال الرسل لأنزل ملائكة لأن المعنى معين على ذلك
فائدة 4557 - قال الشيخ عبد القاهر ما من اسم حذف في الحالة التي ينبغي أن يحذف فيها إلا وحذفه أحسن من ذكره وسمى ابن جني الحذف شجاعة العربية لأنه يشجع على الكلام
قاعدة في حذف المفعول اختصارا واقتصارا 4558 - قال ابن هشام جرت عادة النحويين أن يقولوا بحذف المفعول

اختصارا واقتصارا ويريدون بالاختصار الحذف لدليل ويريدون بالاقتصار الحذف لغير دليل ويمثلونه بنحو كلوا واشربوا أي أوقعوا هذين الفعلين والتحقيق أن يقال يعني كما قال أهل البيان تارة يتعلق الغرض بالإعلام بمجرد وقوع الفعل من غير تعيين من أوقعه ومن أوقع عليه فيجاء بمصدره مسندا إلى فعل كون عام فيقال حصل حريق أو نهب وتارة يتعلق بالإعلام بمجرد إيقاع الفعل للفاعل فيقتصر عليهما ولا يذكر المفعول ولا ينوى إذ المنوى كالثابت ولا يسمى محذوفا لأن الفعل ينزل لهذا القصد منزلة ما لا مفعول له
ومنه ربي الذي يحيي ويميت قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون كلوا واشربوا ولا تسرفوا وإذا رأيت ثم إذ المعنى ربي الذي يفعل الإحياء والإماتة
وهل يستوي من يتصف بالعلم ومن ينتفي عنه العلم وأوقعوا الأكل والشرب وذروا الإسراف وإذا حصلت منك رؤية
4559 - ومنه ولما ورد ماء مدين . . الآية ألا ترى أنه عليه الصلاة و السلام رحمهما إذ كانتا على صفة الذياد وقومهما على السقي لا لكون مذودهما غنما وسقيهم إبلا وكذلك المقصود من لا نسقى السقي لا المسقي
ومن لم يتأمل قدر يسقون إبلهم و تذودان غنمهما و لا نسقي غنما
وتارة يقصد إسناد الفعل إلى فاعله وتعليقه بمفعوله فيذكران نحو لا تأكلوا الربا ولا تقربوا الزنا وهذا النوع الذي إذا لم يذكر محذوفه قيل محذوف
4560 - وقد يكون في اللفظ ما يستدعيه فيحصل الجزم بوجوب تقديره نحو أهذا الذي بعث الله رسولا وكلا وعد الله الحسنى
4561 - وقد يشتبه الحال في الحذف وعدمه نحو قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن قد يتوهم أن معناه نادوا فلا حذف أو سموا فالحذف واقع


ذكر شروطه 4562 - هي ثمانية
أحدها وجود دليل إما حالي نحو قالوا سلاما أي سلمنا سلاما أو مقالي نحو وقيل للذين اتقوا ماذا أنزل ربكم قالوا خيرا قال سلام قوم منكرون أي سلام عليكم أنتم قوم منكرون
4563 - ومن الأدلة العقل حيث يستحيل صحة الكلام عقلا إلا بتقدير محذوف
4564 - ثم تارة يدل على أصل الحذف من غير دلالة على تعيينه بل يستفاد التعيين من دليل آخره نحو حرمت عليكم الميتة فإن العقل يدل على أنها ليست المحرمة لأن التحريم لا يضاف إلى الأجرام وإنما هو والحل يضافان إلى الأفعال فعلم بالعقل حذف شيء
وأما تعينه وهو التناول فمستفاد من الشرع وهو قوله
إنما حرم أكلها لأن العقل لا يدرك محل الحل ولا الحرمة وأما قول صاحب التلخيص إنه من باب دلالة العقل أيضا فتابع فيه السكاكي من غير تأمل أنه مبنى على أصول المعتزلة
4565 - وتارة يدل العقل أيضا على التعيين نحو وجاء ربك أي أمره بمعنى عذابه لأن الحق دل على استحالة مجيء البارئ لأنه من سمات الحادث وعلى أن الجائي أمره
أوفوا بالعقود وأوفوا بعهد الله أي بمقتضى العقود وبمقتضى عهد الله لأن العقد والعهد قولان قد دخلا في الوجود وانقضيا فلا يتصور فيهما وفاء ولا نقض وإنما الوفاء والنقض بمقتضاهما وما ترتب عليهما من أحكامهما
4566 - وتارة يدل على التعيين العادة نحو فذلكن الذي لمتنني فيه دل العقل على الحذف لأن يوسف لا يصح ظرفا للوم ثم يحتمل أن يقدر لمتنني في حبه لقوله قد شغفها حبا وفي مراودتها لقوله تراود فتاها والعادة

دلت على الثاني لأن الحب المفرط لا يلام صاحبه عليه عادة لأنه ليس اختياريا بخلاف المراودة للقدرة على دفعها
4567 - وتارة يدل عليه التصريح به في موضع آخر وهو أقواها نحو هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله أي أمره بدليل أو يأتي أمر ربك وجنة عرضها السموات أي كعرض بدليل التصريح به في ىية الحديد الآية 22
رسول من الله أي من عند الله بدليل ولما جاءهم رسول من عند الله
4568 - ومن الأدلة على أصل الحذف العادة بأن يكون العقل غير مانع من إجراء اللفظ على ظاهره من غير حذف نحو لو نعلم قتالا لاتبعناكم أي مكان قتال والمراد مكانا صالحا للقتال وإنما كان كذلك لأنهم كانوا أخبر الناس بالقتال ويتعيرون بأن يتفوهوا بأنهم لا يعرفونه فالعادة تمنع أن يريدوا لو نعلم حقيقة القتال فلذلك قدره مجاهد مكان قتال
ويدل عليه أنهم أشاروا على النبي ألا يخرج من المدينة
4569 - ومنها الشروع في الفعل نحو بسم الله فيقدر ما جعلت التسمية مبدأ له فإن كانت عند الشروع في القراءة قدرت أقرأ أو الأكل قدرت آكل وعلى هذا أهل البيان قاطبة خلافا لقول النحاة أنه يقدر ابتدأت أو ابتدائي كائن بسم الله
ويدل على صحة الأول التصريح به في قوله وقال اركبوا فيها باسم الله مجراها ومرساها وفي حديث باسمك ربي وضعت جنبي
4570 - ومنها الصناعة النحوية كقولهم في لا أقسم التقدير لأنا أقسم لأن فعل الحال لا يقسم عليه وفي تالله تفتأ التقدير لا تفتأ لأنه لو كان الجواب مثبتا دخلت اللام والنون كقوله وتالله لأكيدن
4571 - وقد توجب الصناعة التقدير وإن كان المعنى غير متوقف عليه كقولهم في لا إله إلا الله إن الخبر محذوف أي موجود وقد أنكره الإمام

فخر الدين وقال هذا الكلام لا يحتاج إلى تقدير وتقدير النحاة فاسد لأن نفي الحقيقة مطلقة أعم من نفيها مقيدة فإنها إذا انتفت مطلقة كان ذلك دليلا على سلب الماهية مع القيد وإذا انتفت مقيدة بقيد مخصوص لم يلزم نفيها مع قيد آخر
ورد بأن تقديرهم موجود يستلزم نفي كل إله غير الله قطعا فإن العدم لا كلام فيه فهو في الحقيقة نفي للحقيقة مطلقة لا مقيدة
ثم لا بد من تقدير خبر لاستحالة مبتدأ بلا خبر ظاهر أو مقدر وإنما يقدر النحوي ليعطي القواعد حقها وإن كان المعنى مفهوما
تنبيه 4572 - قال ابن هشام إنما يشترط الدليل فيما إذا كان المحذوف الجملة بأسرها أو أحد ركنيها أو يفيد معنى فيها هي مبنية عليه نحو تالله تفتأ
أما الفضلة فلا يشترط لحذفها وجدان دليل بل يشترط ألا يكون في حذفها ضرر معنوي أو صناعي
قال ويشترط في الدليل اللفظي أن يكون طبق المحذوف ورد قول الفراء في أيحسب الإنسان أن لن نجمع عظامه بلى قادرين إن التقدير بلى ليحسبنا قادرين لأن الحسبان المذكور بمعنى الظن والمقدر بمعنى العلم لأن التردد في الإعادة كفر فلا يكون مأمورا به
قال والصواب فيها قول سيبوية إن قادرين حال أي بل نجمعها قادرين لأن فعل الجمع أقرب من فعل الحسبان ولأن بلى لإيجاب المنفى وهو فيها فعل الجمع
4573 - الشرط الثاني ألا يكون المحذوف كالجزء ومن ثم لم يحذف الفاعل ولا نائبه ولا اسم كان وأخواتها
4574 - قال ابن هشام وأما قول ابن عطية في بئس مثل القوم إن التقدير بئس المثل مثل القوم فإن أراد تفسير الإعراب وأن الفاعل لفظ المثل محذوفا فمردود وإن أراد تفسير المعنى وأن في بئس ضمير المثل مستترا فسهل
4575 - الثالث ألا يكون مؤكدا لأن الحذف مناف للتأكيد إذ الحذف مبني

على الإختصار والتأكيد مبنى على الطول ومن ثم رد الفارسي على الزجاج في قوله في إن هذان لساحران إن التقدير إن هذان لهما ساحران فقال الحذف والتوكيد باللام متنافيان وأما حذف الشيء لدليل وتوكيده فلا تنافي بينهما لأن المحذوف لدليل كالثابت
4576 - الرابع ألا يؤدي حذفه إلى اختصار المختصر ومن ثم لم يحذف اسم الفعل لأنه اختصار للفعل
4577 - الخامس ألا يكون عاملا ضعيفا فلا يحذف الجار والناصب للفعل والجازم إلا في مواضع قويت فيها الدلالة وكثر فيها استعمال تلك العوامل
4578 - السادس ألا يكون المحذوف عوضا عن شيء ومن ثم قال ابن مالك إن حرف النداء ليس عوضا من أدعو لإجازة العرب حذفه ولذا أيضا لم تحذف التاء من إقامة واستقامة وأما وإقام الصلاة فلا يقاس عليه ولا خبر كان لأنه عوض أو كالعوض من مصدرها
4579 - السابع ألا يؤدي حذفه إلى تهيئة العامل القوي ومن ثم لم يقس على قراءة وكل وعد الله الحسنى
فائدة 4580 - اعتبر الأخفش في الحذف التدريج حيث أمكن ولهذا قال في قوله تعالى واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا إن الأصل لا تجزى فيه فحذف حرف الجر فصار تجزيه ثم حذف الضمير فصار تجزي وهذه ملاطفة في الصناعة ومذهب سيبويه أنهما حذفا معا قال ابن جني وقول الأخفش أوفق في النفس وآنس من أن يحذف الحرفان معا في وقت واحد
1 -
قاعدة 4581 - الأصل أن يقدر الشيء في مكانه الأصلي لئلا يخالف الأصل من

وجهين الحذف ووضع الشيء في غير محله فيقدر المفسر في نحو زيدا رأيته مقدما عليه
وجوز البيانيون تقديره مؤخرا عنه لإفادة الاختصاص كما قاله النحاة وإذا منع منه مانع نحو وأما ثمود فهديناهم إذ لا يلي أما فعل
2 -
قاعدة 4582 - ينبغي تقليل المقدر مهما أمكن لتقل مخالفة الأصل ومن ثم ضعف قول الفارسي في واللائي لم يحضن إن التقدير فعدتهن ثلاثة أشهر والأولى أن يقدر كذلك
4583 - قال الشيخ عز الدين ولا يقدر من المحذوفات إلا أشدها موافقة للغرض وأفصحها لأن العرب لا يقدرون إلا ما لو لفظوا به لكان أحسن وأنسب لذلك الكلام كما يفعلون في ذلك في الملفوظ به نحو جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس قدر أبو علي جعل الله نصب الكعبة وقدر غيره حرمة الكعبة وهو أولى لأن تقدير الحرمة في الهدى والقلائد والشهر الحرام لا شك في فصاحته وتقدير النصب فيها بعيد من الفصاحة
قال ومهما تردد المحذوف بين الحسن والأحسن وجب تقدير الأحسن لأن الله وصف كتابه بأنه أحسن الحديث فليكن محذوفه أحسن المحذوفات كما أن ملفوظه أحسن الملفوظات
قال ومتى تردد بين أن يكون مجملا أو مبينا فتقدير المبين أحسن نحو وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث لك أن تقدر في أمر الحرث و في تضمين الحرث وهو أولى لتعينه والأمر مجمل لتردده بين أنواع
3 - قاعدة
4584 - إذا دار الأمر بين كون المحذوف فعلا والباقي فاعلا وكونه مبتدأ والباقي خبرا فالثاني أولى لأن المبتدأ عين الخبر وحينئذ فالمحذوف عين الثابت فيكون حذفا كلا حذف
فأما الفعل فإنه غير الفاعل اللهم إلا أن يعتضد الأول برواية

أخرى في ذلك الموضع أو بموضع آخر يشبهه
فالأول كقراءة يسبح له فيها بفتح الباء كذلك يوحى إليك وإلى الذين من قبلك الله بفتح الحاء فإن التقدير يسبحه رجال و يوحيه الله ولا يقدران مبتدأين حذف خبرهما لثبوت فاعلية الاسمين في رواية من بنى الفعل للفاعل
والثاني نحو ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله فتقدير خلقهم الله أولى من الله خلقهم لمجيء خلقهن العزيز العليم
4 - قاعدة
4585 - إذا دار الأمر بين كون المحذوف أولا أو ثانيا فكونه ثانيا أولى ومن ثم رجح أن المحذوف في نحو أتحاجوني نون الوقاية لا نون الرفع وفي نارا تلظى التاء الثانية لا تاء المضارعة وفي والله ورسوله أحق أن يرضوه أن المحذوف خبر الثاني لا الأول وفي نحو الحج أشهر أن المحذوف مضاف للثاني أي حج أشهر لا الأول أي أشهر الحج
وقد يجب كونه من الأول نحو إن الله وملائكته يصلون على النبي في قراءة من رفع ملائكته لاختصاص الخبر بالثاني لوروده بصيغة الجمع وقد يجب كونه من الثاني نحو أن الله بريء من المشركين ورسوله أي بريء أيضا لتقدم الخبر على الثاني
فصل في أنواع الحذف 4486 - الحذف على أنواع
أحدها ما يسمى بالاقتطاع وهو حذف بعض حروف الكلمة وأنكر ابن الأثير ورود هذا النوع في القرآن ورد بأن بعضهم جعل منه فواتح السور على القول بأن كل حرف منها من اسم من أسمائه كما تقدم
وادعى بعضهم أن الباء في وامسحوا برءوسكم أول كلمة بعض ثم حذف الباقي
ومنه قراءة بعضهم ونادوا يا مال بالترخيم ولما سمعها بعض السلف قال ما أغنى أهل النار عن

الترخيم وأجاب بعضهم بأنهم لشدة ما هم عجزوا عن إتمام الكلمة
ويدخل في هذا النوع حذف همزة أنا في قوله لكنا هو الله وربي إذ الأصل لكن أنا حذفت همزة أنا تخفيفا وأدغمت النون في النون
ومثله ما قرئ ويمسك السماء أن تقع علرض بما أنزليك فمن تعجل في يومين فلثم عليه إنها لحدى الكبر
4587 - النوع الثاني ما يسمى بالاكتفاء وهو أن يقتضي المقام ذكر شيئين بينهما تلازم وارتباط فيكتفي بأحدهما عن الآخر لنكتة
ويختص غالبا بالارتباط العطفي كقوله سرابيل تقيكم الحر أي والبرد وخصص الحر بالذكر لأن الخطاب للعرب وبلادهم حارة والوقاية عندهم من الحر أهم لأنه أشد عندهم من البرد وقيل لأن البرد تقدم ذكر الامتنان بوقايته صريحا في قوله ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها وفي قوله وجعل لكم من الجبال أكنانا وفي قوله تعالى والانعام خلقها لكم فيها دفء
ومن أمثلة هذا النوع بيدك الخير أي والشر وإنما خص الخير بالذكر لأنه مطلوب العباد ومرغوبهم أو لأنه أكثر وجودا في العالم أو لأن إضافة الشر إلى الله ليس من بابا الآداب كما قال والشر ليس إليك
4588 - ومنها وله ما سكن في الليل والنهار أي وما تحرك وخص السكون بالذكر لأنه أغلب الحالين على المخلوق من الحيوان والجماد ولأن كل متحرك يصير إلى السكون
4589 - ومنها الذين يؤمنون بالغيب أي والشهادة لأن الإيمان بكل منهما واجب وآثر الغيب لأنه أمدح ولأنه يستلزم الإيمان بالشهادة من غير عكس
4590 - ومنها ورب المشارق أي والمغارب
4591 - ومنها هدى للمتقين أي وللكافرين قاله ابن الأنباري ويؤيده قوله هدى للناس

ومنها إن امرؤ هلك ليس له ولد أي ولا والد بدليل أنه أوجب للأخت النصف وإنما يكون ذلك مع فقد الأب لأنه يسقطها
4593 - النوع الثالث ما يسمى بالاحتباك وهو من ألطف الأنواع وأبدعها وقل من تنبه له أو نبه عليه من أهل فن البلاغة ولم أره في شرح بديعية الأعمى لرفيقه الأندلسي وذكره الزركشي في البرهان ولم يسمه هذا لاسم بل سماه الحذف المقابلي
4594 - وأفرده بالتصنيف من أهل العصر العلامة برهان الدين البقاعي قال الأندلسي في شرح البديعية من أنواع البديع الاحتباك وهو نوع عزيز وهو أن يحذف من الأول ما أثبت نظيره في الثاني ومن الثاني ما أثبت نظيره في الأول كقوله تعالى ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق . . الآية التقدير ومثل الأنبياء والكفار كمثل الذي ينعق والذي ينعق به فحذف من الأول الأنبياء لدلالة الذي ينعق عليه ومن الثاني الذي ينعق به لدلالة الذين كفروا عليه
4595 - وقوله وأدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء التقدير تدخل غير بيضاء وأخرجها تخرج بيضاء فحذف من الأول غير بيضاء ومن الثاني وأخرجها
4596 - وقال الزركشي هو أن يجتمع في الكلام متقابلان فيحذف من كل واحد منهما مقابله لدلالة الآخر عليه كقوله تعالى أم يقولون افتراه قل إن افتريته فعلي إجرامي وأنا بريء مما تجرمون التقدير إن افتريته فعلي إجرامي وأنتم برآء منه وعليكم إجرامكم وأنا بريء مما تجرمون
4597 - وقوله ويعذب المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم التقدير ويعذب المنافقين إن شاء فلا يتوب عليهم أو يتوب عليهم فلا يعذبهم

4598 - وقوله ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن أي حتى يطهرن من الدم ويتطهرن بالماء فإذا طهرن وتطهرن فأتوهن
4599 - وقوله خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا أي عملا صالحا بسيئ وآخر سيئا صالح
4600 - قلت ومن لطيفه قوله فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة أي فئة مؤمنة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة تقاتل في سبيل الطاغوت
4601 - وفي الغرائب للكرماني في الآية الأولى التقدير مثل الذين كفروا معك يا محمد كمثل الناعق مع الغنم فحذف من كل طرف ما يدل عليه الطرف الآخر
وله في القرآن نظائر وهو أبلغ ما يكون من الكلام
انتهى
4602 - ومأخذ هذه التسمية من الحبك الذي معناه الشد والأحكام وتحسين أثر الصنعة في الثوب فحبك الثوب سد ما بين خيوطه من الفرج وشده وإحكامه بحيث يمنع عنه الخلل مع الحسن والرونق
وبيان أخذه منه من أن مواضع الحذف من الكلام شبهت بالفرج بين الخيوط فلما أدركها الناقد البصير بصوغه الماهر في نظمه وحوكه فوضع المحذوف مواضعه كان حابكا له مانعا من خلل يطرقه فسد بتقديره ما يحصل به الخلل مع ما أكسبه من الحسن والرونق
4603 - النوع الرابع ما يسمى بالاختزال هو ما ليس واحدا مما سبق وهو أقسام لأن المحذوف إما كلمة اسم أو فعل أو حرف أو أكثر
4604 - أمثله حذف الاسم
حذف المضاف هو كثير في القرآن جدا حتى قال ابن جني في القرآن منه زهاء ألف موضع
وقد سردها الشيخ عز الدين في كتابه المجاز على ترتيب السور والآيات ومنه الحج أشهر أي حج أشهر أو أشهر الحج
ولكن البر من آمن أي ذا البر أو بر من
حرمت عليكم أمهاتكم أي نكاح أمهاتكم
لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات أي ضعف عذاب
وفي الرقاب أي وفي تحرير الرقاب

3605 - حذف المضاف إليه يكثر في ياء المتكلم نحو رب اغفر لي
4606 - وفي الغايات نحو لله الأمر من قبل ومن بعد أي من قبل الغلب ومن بعده
4607 - وفي كل وأي وبعض
وجاء في غيرهن كقراءة فلا خوف عليهم بضم بلا تنوين أي فلا خوف شيء عليهم
4608 - حذف المبتدأ يكثر في جواب الاستفهام نحو وما أدراك ما هيه نار أي هي نار
وبعد فاء الجواب من عمل صالحا فلنفسه أي فعمله لنفسه ومن أساء فعليها أي فإساءته عليها وبعد القول نحو وقالوا أساطير الأولين قالوا أضغاث أحلام
4609 - وبعد ما الخبر صفة له في المعنى نحو التائبون العابدون ونحو صم بكم عمي
4610 - ووقع في غير ذلك نحو لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد متاع قليل لم يلبثوا إلا ساعة من نهار بلاغ أي هذا
سورة أنزلناها أي هذه
4611 - ووجب في النعت المقطوع إلى الرفع حذف الخبر نحو أكلها دائم وظلها أي دائم
4612 - ويحتمل الأمرين فصبر جميل أي أجمل أو فأمري صبر
فتحرير رقبة أي عليه أو فالواجب
4613 - حذف الموصوف وعندهم قاصرات الطرف أي حور قاصرات
أن اعمل سابغات أي دروعا سابغات
أيها المؤمنون أي القوم المؤمنون

4614 - حذف الصفة نحو يأخذ كل سفينة أي صالحة بدليل أنه قرئ كذلك و أن تعييبها لا يخرجها عن كونها سفينة
الآن جئت بالحق أي الواضح وإلا لكفروا بمفهوم ذلك
فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا أي نافعا
4615 - حذف المعطوف عليه أن اضرب بعصاك البحر فانفلق أي فضرب فانفلق
وحيث دخلت واو العطف على لام التعليل ففي تخريجه وجهان
أحدهما أن يكون تعليلا معلله محذوف كقوله وليبلي المؤمنين منه بلاء حسنا فالمعنى وللإحسان إلى المؤمنين فعل ذلك
والثاني أنه معطوف على علة أخرى مضمرة ليظهر صحة العطف أي فعل ذلك ليذيق الكافرين بأسه وليبلي
4616 - حذف المعطوف مع العاطف لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أي ومن أنفق بعده
بيدك الخير أي والشر
4617 - حذف المبدل منه خرج عليه ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب أي لما تصفه والكذب بدل من الهاء
4618 - حذف الفاعل لا يجوز إلا في فاعل المصدر نحو لا يسأم الإنسان من دعاء الخير أي دعائه الخير
وجوزه الكسائي مطلقا لدليل وخرج عليه إذا بلغت التراقي أي الروح حتى توارت بالحجاب أي الشمس
4619 - حذف المفعول تقدم أنه كثير في مفعول المشيئة والإرادة
ويرد في غيرهما نحو إن الذين اتخذوا العجل
أي إلها
كلا سوف تعلمون أي عاقبة أمركم
4620 - حذف الحال يكثر إذا كان قولا نحو والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام أي قائلين

4621 - حذف المنادى ألا يا اسجدوا أي يا هؤلاء
يا ليت أي يا قوم
4622 - حذف العائد يقع في أربعة أبواب
الصلة نحو أهذا الذي بعث الله رسولا أي بعثه
والصفة نحو واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس أي فيه
والخبر نحو وكل وعد الله الحسنى أي وعده
والحال
4623 - حذف مخصوص نعم إنا وجدناه صابرا نعم العبد أي أيوب
فقدرنا فنعم القادرون أي نحن
ولنعم دار المتقين أي الجنة
4624 - حذف الموصول نحو آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم أي والذي أنزل إليكم لأن الذي أنزل إلينا ليس هو الذي أنزل إلى من قبلنا ولهذا أعيدت ما في قوله آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم
4625 - أمثلة حذف الفعل
يطرد إذا كان مفسرا نحو وإن أحد من المشركين استجارك إذا السماء انشقت
قل لو أنتم تملكون
4626 - ويكثر في جواب الاستفهام نحو وقيل للذين اتقوا ماذا أنزل ربكم قالوا خيرا أي أنزل
4627 - وأكثر منه حذف القول نحو وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا أي يقولان ربنا
4628 - ويأتي في غير ذلك نحو انتهوا خيرا لكم أي وأتوا والذين تبوءوا الدار والإيمان أي وألفوا الإيمان أو اعتقدوا اسكن أنت وزوجك الجنة

أي وليسكن زوجك وامرأته حمالة الحطب أي أذم
والمقيمين الصلاة أي أمدح ولكن رسول الله أي كان
وإن كلا لما ليوفينهم ربك أعمالهم أي يوفوا أعمالهم
4629 - أمثلة حذف الحرف
قال ابن جني في المحتسب أخبرنا أبو علي قال قال أبو بكر حذف الحرف ليس بقياس لأن الحروف إنما دخلت الكلام الكلام لضرب من الاختصار فلو ذهبت تحذفها لكنت مختصرا لها هي أيضا واختصار المختصر إجحاف به
4630 - حذف همزة الاستفهام
قرأ ابن محيصن سواء عليهم أنذرتهم وخرج عليه هذا ربي في المواضع الثلاثة
وتلك نعمة تمنها أي أو تلك
4631 - حذف الموصوف الحرفي
قال ابن مالك لا يجوز إلا في أن نحو ومن آياته يريكم البرق
4632 - وحذف الجار يطرد مع أن وأن نحو يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا علي إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم أطمع أن يغفر لي أيعدكم أنكم أي بأنكم
وجاء مع غيرهما نحو قدرناه منازل أي قدرنا له ويبغونها عوجا أي لها يخوف أولياءه أي يخوفكم بأوليائه
واختار موسى قومه أي من قومه
ولا تعزموا عقدة النكاح أي على عقدة النكاح
4633 - حذف العاطف خرج عليه الفارسي ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا أي وقلت وجوه يومئذ ناعمة أي ووجوه عطفا على وجوه يومئذ خاشعة

4634 - حذف فاء الجواب وخرج عليه الأخفش إن ترك خيرا الوصية للوالدين
4635 - حذف حرف النداء كثير ها أنتم أولاء يوسف أعرض قال رب إني وهن العظم مني فاطر السموات والأرض
4636 - وفي العجائب للكرماني كثر حذف يا في القرآن من الرب تنزيها وتعظيما لأن في النداء طرفا من الأمر
4637 - حذف قد في الماضي إذا وقع حالا نحو أو جاءوكم حصرت صدورهم أنؤمن لك واتبعك الأرذلون
4638 - حذف لا النافية يطرد في جواب القسم إذا كان المنفي مضارعا نحو تالله تفتأ
وورد في غيره نحو وعلى الذين يطيقونه فدية أي لا يطيقونه
وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم أي لئلا تميد
4639 - حذف لام التوطئة وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن وإن أطعتموهم إنكم لمشركون
4640 - حذف لام الأمر خرج عليه قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا أي ليقيموا
4641 - حذف لام لقد يحسن مع طول الكلام نحو قد أفلح من زكاها
4642 - حذف نون التوكيد خرج عليه قراءة ألم نشرح بالنصب
4643 - حذف التنوين خرج عليه قل هو الله أحد الله الصمد ولا الليل سابق النهار بالنصب

4644 - حذف نون الجمع خرج عليه قراءة وما هم بضاري به من أحد
4645 - حذف حركة الإعراب والبناء وخرج عليه قراءة فتوبوا إلى بارئكم و يأمركم وبعولتهن أحق بسكون الثلاثة
وكذا أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح فأواري سوءة أخي ما بقي من الربا
4646 - أمثلة حذف أكثر من كلمة
حذف مضافين فإنها من تقوى القلوب أي فإن تعظيمها من أفعال ذوي تقوى القلوب
فقبضت قبضة من أثر الرسول أي من أثر حافر فرس الرسول تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت أي كدوران عين الذي
وتجعلون رزقكم أي بدل شكر رزقكم
4647 - حذف ثلاثة متضايفات
فكان قاب قوسين أي فكان مقدار مسافة قربه مثل قاب قوسين فحذف ثلاثة من اسم كان وواحد من خبرها
4648 - حذف مفعولي باب ظن أين شركائي الذين كنتم تزعمون أي تزعمونهم شركائي
4649 - حذف الجار مع المجرور خلطوا عملا صالحا أي بسيء وآخر سيئا أي بصالح
4650 - حذف العاطف مع المعطوف تقدم
4651 - حذف حرف الشرط وفعله يطرد بعد الطلب نحو فاتبعوني يحببكم الله أي إن اتبعتموني
قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة أي إن قلت لهم يقيموا
4652 - وجعل منه الزمخشري فلن يخلف الله عهده أي إن اتخذتم عند الله عهدا
فلن يخلف الله

4653 - وجعل منه أبو حيان فلم تقتلون أنبياء الله من قبل أي إن كنتم آمنتم بما أنزل إليكم فلم تقتلون
4654 - حذف جواب الشرط فإن استطعت أن تبتغي نفقا في الأرض أو سلما في السماء أي فافعل
وإذا قيل لهم اتقوا ما بين أيديكم وما خلفكم لعلكم ترحمون أي أعرضوا بدليل ما بعده
أئن ذكرتم أي تطيرتم
ولو جئنا بمثله مددا أي لنفذ
ولو ترى إذ المجرمون ناكسو رءوسهم أي لرأيت أمرا فظيعا
ولولا فضل الله عليكم ورحمته وأن الله رءوف رحيم أي لعذبكم
لولا أن ربطنا على قلبها أي لأبدت به
ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطئوهم أي لسلطكم على أهل مكة
4655 - حذف جملة القسم لأعذبنه عذابا شديدا أي والله حذف جوابه
والنازعات غرقا . . الآيات أي لتبعثن
ص والقرآن ذي الذكر أي إنه لمعجز ق والقرآن المجيد أي ما الأمر كما زعموا
4656 - حذف جملة مسببة عن المذكور نحو ليحق الحق ويبطل الباطل أي فعل ما فعل
4657 - حذف جمل كثيرة نحو فأرسلون يوسف أيها الصديق أي فأرسلوني إلى يوسف لأستعبره الرؤيا ففعلوا فأتاه فقال له يا يوسف
خاتمة 4658 - تارة لا يقام شيء مقام المحذوف كما تقدم وتارة يقام ما يدل عليه نحو فإن تولوا فقد أبلغتكم ما أرسلت به إليكم فليس الإبلاغ هو الجواب لتقدمه

على توليهم وإنما التقدير فإن تولوا فلا لوم علي أو فلا عذر لكم لأني أبلغتكم
وإن يكذبوك فقد كذبت رسل من قبلك أي فلا تحزن واصبر
وإن يعودوا فقد مضت سنة الأولين أي يصيبهم مثل ما أصابهم
فصل في نوعي الإطناب 4659 - كما انقسم الإيجاز إلى إيجاز قصر وإيجاز حذف كذلك انقسم الإطناب إلى بسط وزيادة
الإطناب بالبسط 4660 - فالأول الإطناب بتكثير الجمل كقوله تعالى إن في خلق السموات والأرض . . الآية في سورة البقرة
أطنب فيها أبلغ الإطناب لكون الخطاب مع الثقلين وفي كل عصر وحين للعالم منهم والجاهل والموافق منهم والمنافق
4661 - وقوله الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به فقوله ويؤمنون به إطناب لأن إيمان حملة العرش معلوم وحسنه إظهار شرف الإيمان ترغيبا فيه
وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة وليس من المشركين مزك
والنكتة الحث للمؤمنين على أدائها والتحذير من المنع حيث جعل من أوصاف المشركين
الإطناب بالزيادة 4662 - والثاني يكون بأنواع
أحدها دخول حرف فأكثر من حروف التأكيد السابقة في نوع الأدوات
4663 - وهي إن وأن ولام الابتداء والقسم وألا الاستفتاحية وأما وها التنبيه وكأن في تأكيد التشبيه ولكن في تأكيد الاستدراك وليت في تأكيد

التمني ولعل في تأكيد الترجي وضمير الشأن وضمير الفصل وإما في تأكيد الشرط وقد والسين وسوف والنونان في تأكيد الفعلية ولا التبرئة ولن ولما في تأكيد النفي
وإنما يحسن تأكيد الكلام بها إذا كان المخاطب به منكرا أو مترددا
4664 - ويتفاوت التأكيد بحسب قوة الإنكار وضعفه كقوله تعالى حكاية عن رسل عيسى إذ كذبوا في المرة الأولى إنا إليكم مرسلون فأكد بأن وإسمية الجملة
وفي المرة الثانية قالوا ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون فأكد بالقسم وإن واللام وإسمية الجملة لمبالغة المخاطبين في الإنكار حيث قالوا ما أنتم إلا بشر مثلنا وما أنزل الرحمن من شيء إن أنتم إلا تكذبون
4665 - وقد يؤكد بها والمخاطب به غير منكر لعدم جريه على مقتضى إقراره فينزل منزلة المنكر
وقد يترك التأكيد وهو معه منكر لأن معه أدلة ظاهرة لو تأملها لرجع عن إنكاره وعلى ذلك يخرج قوله ثم إنكم بعد ذلك لميتون ثم إنكم يوم القيامة تبعثون أكد الموت تأكيدين وإن لم ينكر لتنزيل المخاطبين لتماديهم في الغفلة تنزيل من ينكر الموت وأكد إثبات البعث تأكيدا واحدا وإن كان أشد نكيرا لأنه لما كانت أدلته ظاهرة كان جديرا بأن لا ينكر فنزل المخاطبون منزلة غير المنكر حثا لهم على النظر في أدلته الواضحة
ونظيره قوله تعالى لا ريب فيه نفى عنه الريبة ب لا على سبيل الاستغراق مع أنه ارتاب فيه المرتابون لكن نزل منزلة العدم تعويلا على ما يزيله من الأدلة الباهرة كما نزل الإنكار منزلة عدمه لذلك
4666 - وقال الزمخشري بولغ في تأكيد الموت تنبيها للإنسان على أن يكون الموت نصب عينيه ولا يغفل عن ترقبه فإن مآله إليه فكأنه أكدت جملته ثلاث مرات لهذا المعنى لأن الإنسان في الدنيا يسعى فيها غاية السعي حتى كأنه يخلد ولم يؤكد جملة البعث إلا بإن لأنه أبرز في صورة المقطوع به الذي لا يمكن فيه نزاع ولا يقبل إنكارا

4667 - وقال التاج بن الفركاح أكد الموت ردا على الدهرية القائلين ببقاء النوع الإنساني خلفا عن سلف واستغنى عن تأكيد البعث هنا لتأكيده والرد على منكره في مواضع كقوله قل بلى وربي لتبعثن
4668 - وقال غيره لما كان العطف يقتضي الاشتراك استغنى عن إعادة اللام لذكرها في الأول
4669 - وقد يؤكد بها أي اللام للمستشرف الطالب الذي قدم له ما يلوح بالخبر فاستشرفت نفسه إليه نحو ولا تخاطبني في الذين ظلموا أي لا تدعني يا نوح في شأن قومك فهذا الكلام يلوح بالخبر تلويحا ويشعر بأنه قد حق عليهم العذاب فصار المقام مقام أن يتردد المخاطب في أنهم هل صاروا محكوما عليهم بذلك أو لا فقيل إنهم مغرقون بالتأكيد
4670 - وكذا قوله يأيها الناس اتقوا ربكم لما أمرهم بالتقوى وظهور ثمرتها والعقاب على تركها محله الآخرة تشوقت نفوسهم إلى وصف حال الساعة فقال إن زلزلة الساعة شيء عظيم بالتأكيد ليقرر عليه الوجوب
4671 - وكذا قوله وما أبرئ نفسي فيه تحيير للمخاطب وتردد في أنه كيف لا يبريء نفسه وهي برئية زكية ثبتت عصمتها وعدم مواقعتها السوء فأكده
بقوله إن النفس لأمارة بالسوء
4672 - وقد يؤكد لقصد الترغيب نحو فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم أكد بأربع تأكيدات ترغيبا للعباد في التوبة
4673 - وقد سبق الكلام على أدوات التأكيد المذكورة ومعانيها ومواقعها في النوع الأربعين
1 -
فائدة 4674 - إذا اجتمعت إن واللام كان بمنزلة تكرير الجملة ثلاث مرات

لأن إن أفادت التكرير مرتين فأذا دخلت اللام صارت ثلاثا
وعن الكسائي أن اللام لتوكيد الخبر وإن لتوكيد الاسم
وفيه تجوز لأن التوكيد للنسبة لا للاسم ولا للخبر وكذلك نون التوكيد الشديدة بمنزلة تكرير الفعل ثلاثا والخفيفة بمنزلة تكريره مرتين
فقال سيبويه في نحو يأيها الألف والهاء لحقتا أيا توكيدا فكأنك كررت يا مرتين وصار الاسم تنبيها
هذا كلامه وتابعه الزمخشري
2 - فائدة
4675 - قوله تعالى ويقول الإنسان أئذا مامت لسوف أخرج حيا قال الجرجاني في نظم القرآن ليست اللام فيه للتأكيد فإنه منكر فكيف يحقق ما ينكره وإنما قاله حكاية لكلام النبي الصادر منه بأداة التأكيد فحكاه فنزلت الآية على ذلك
النوع الثاني دخول الأحرف الزائدة 4676 - قال ابن جني كل حرف زيد في كلام العرب فهو قائم مقام إعادة الجملة مرة أخرى
4677 - وقال الزمخشري في كشافه القديم الباء في خبر ما وليس لتأكيد النفي كما أن اللام لتأكيد الإيجاب
4678 - وسئل بعضهم عن التأكيد بالحرف وما معناه إذ إسقاطه لا يخل بالمعنى فقال هذا يعرفه أهل الطباع يجدون من زيادة الحرف معنى لا يجدونه بإسقاطه
قال ونظيره العارف بوزن الشعر طبعا إذا تغير عليه البيت بنقص أنكره وقال أجد نفسي على خلاف ما أجدها بإقامة الوزن
فكذلك هذه الحروف تتغير نفس المطبوع بنقصانها ويجد نفسه بزيادتها على معنى بخلاف ما يجدها بنقصانه
ثم باب الزيادة في الحروف وزيادة الأفعال قليل والأسماء أقل
4679 - أما الحروف فيزداد منها إن وأن وإذ وإذا وإلى وأم والباء والفاء وفي والكاف واللام ولا وما ومن والواو وتقدمت في نوع الأدوات مشروحة

4680 - وأما الأفعال فزيد منها كان وخرج عليه كيف نكلم من كان في المهد صبيا وأصبح وخرج عليه فأصبحوا خاسرين
4681 - وقال الرماني العادة أن من به علة تزاد بالليل أن يرجو الفرج عندالصباح فاستعمل أصبح لأن الخسران حصل لهم في الوقت الذي يرجون فيه الفرج فليست زائدة
4682 - وإما الأسماء فنص أكثر النحويين على أنها لا تزاد ووقع في كلام المفسرين الحكم عليها بالزيادة في مواضع كلفظ مثل في قوله فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به أي بما
النوع الثالث التأكيد الصناعي 4683 - وهو أربعة أقسام
أحدها التوكيد المعنوي بكل واجمع وكلا وكلتا نحو فسجد الملائكة كلهم أجمعون وفائدته رفع توهم المجاز وعدم الشمول
4684 - وادعى الفراء أن كلهم أفادت ذلك و أجمعون أفادت اجتماعهم على السجود وأنهم لم يسجدوا متفرقين
4685 - ثانيها التأكيد اللفظي وهو تكرار اللفظ الأول إما بمرادفه نحو ضيقا حرجا بكسر الراء و غرابيب سود وجعل منه الصفار
فيما إن مكناكم فيه على القول بأن كليهما للنفي
وجعل منه غيره قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا فوراء هنا ليس ظرفا لأن لفظ ارجعوا ينبئ عنه بل هو اسم فعل بمعنى ارجعوا فكأنه قال ارجعوا ارجعوا
4686 - وإما بلفظه ويكون في الاسم والفعل والحرف والجملة
فالاسم والجملة نحو قوارير قوارير دكا دكا
4687 - والفعل فمهل الكافرين أمهلهم

4688 - واسم الفعل نحو هيهات هيهات لما توعدون
4689 - والحرف نحو ففي الجنة خالدين فيها أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما أنكم
4690 - والجملة نحو فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا
4691 - والأحسن اقتران الثانية بثم نحو وما أدراك ما يوم الدين ثم ما أدراك ما يوم الدين كلا سوف تعلمون ثم كلا سوف تعلمون
4692 - ومن هذا النوع تأكيد الضمير المتصل بالمنفصل نحو اسكن أنت وزوجك الجنة فاذهب أنت وربك وأما أن نكون نحن الملقين
4693 - ومن تأكيد المنفصل بمثله وهم بالآخرة هم كافرون
4694 - ثالثها تأكيد الفعل بمصدره وهو عوض من تكرار الفعل مرتين وفائدته رفع توهم المجاز في الفعل بخلاف التوكيد السابق فإن لرفع توهم المجاز في المسند إليه
كذا فرق به ابن عصفور وغيره
ومن ثم رد بعض أهل السنة على بعض المعتزلة في دعواه نفي التكليم حقيقة بقوله وكلم الله موسى تكليما لأن التوكيد رفع المجاز في الفعل
ومن أمثلته وسلموا تسليما يوم تمور السماء مورا وتسير الجبال سيرا جزاؤكم جزاء موفورا
4695 - وليس منه وتظنون بالله الظنونا بل هو جمع ظن لاختلاف أنواعه
وأما إلا أن يشاء ربي شيئا فتحتمل أن يكون منه وأن يكون الشيء بمعنى الأمر والشأن
4696 - والأصل في هذا النوع أن ينعت بالوصف المراد نحو اذكروا الله

ذكرا كثيرا وسرحوهن سراحا جميلا
وقد يضاف وصفه إليه نحو اتقوا الله حق تقاته وقد يؤكد بمصدر فعل آخر أو إسم عين نيابه عن المصدر نحو وتبتل إليه تبتيلا والتبتيل مصدر بتل
والله أنبتكم من الأرض نباتا أي إنباتا إذ النبات إسم عين
4697 - رابعها الحال المؤكدة نحو ويوم أبعث حيا ولا تعثوا في الأرض مفسدين وأرسلناك للناس رسولا ثم توليتم إلا قليلا منكم وأنتم معرضون وأزلفت الجنة للمتقين غير بعيد
4698 - وليس منه ولى مدبرا لأن التولية قد لا تكون إدبارا بدليل قوله فول وجهك شطر المسجد الحرام
ولا فتبسم ضاحكا لأن التبسم قد لا يكون ضحكا ولا وهو الحق مصدقا لاختلاف المعنيين إذ كونه حقا في نفسه غير كونه مصدقا لما قبله
النوع الرابع التكرير 4699 - وهو أبلغ من التأكيد وهو من محاسن الفصاحة خلافا لبعض من غلط
وله فوائد
منها التقرير وقد قيل الكلام إذا تكرر تقرر وقد نبه تعالى على السبب الذي لأجله كرر الأقاصيص والإنذار في القرآن بقوله وصرفنا فيه من الوعيد لعلهم يتقون أو يحدث لهم ذكرا
4700 - ومنها التأكيد
4701 - ومنها زيادة التنبيه على ما ينفي التهمة ليكمل تلقي الكلام بالقبول ومنه وقال الذي آمن يا قوم اتبعون أهدكم سبيل الرشاد يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع فإنه كرر فيه النداء لذلك

4702 - ومنها إذا طال الكلام وخشي تناسى الأول أعيد ثانيا تطرية له وتجديدا لعهده ومنه ثم إن ربك للذين عملوا السوء بجهالة ثم تابوا من بعد ذلك وأصلحوا إن ربك من بعدها ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا إن ربك من بعدها ولما جاءهم كتاب من عند الله إلى قوله فلما جاءهم ماعرفوا كفروا به لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم
4703 - ومنها التعظيم والتهويل نحو الحاقة ما الحاقة القارعة ما القارعة وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين
4704 - فإن قلت هذا النوع أحد أقسام النوع الذي قبله فإن منها التأكيد بتكرار اللفظ فلا يحسن عده نوعا مستقلا
قلت هو يجامعه ويفارقه ويزيد عليه وينقص عنه فصار أصلا برأسه فإنه قد يكون التأكيد تكرارا كما تقدم في أمثلته وقد لا يكون تكرارا كما تقدم أيضا وقد يكون التكرير غير تأكيد صناعة وإن كان مفيدا للتأكيد معنى
4705 - ومنه ما وقع فيه الفصل بين المكررين فإن التأكيد لا يفصل بينه وبين مؤكده نحو اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين فالآيتان من باب التكرير لا التأكيد اللفظي الصناعي
ومنه الآيات المتقدمة في التكرير للطول
4706 - ومنه ما كان لتعدد المتعلق بأن يكون المكرر ثانيا متعلقا بغير ما تعلق به الأول وهذا القسم يسمى بالترديد كقوله الله نور السموات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري وقع فيها الترديد أربع مرات

4707 - وجعل منه قوله فبأي آلاء ربكما تكذبان فإنها وإن تكررت نيفا وثلاثين مرة فكل واحدة تتعلق بما قبلها ولذلك زادت على ثلاثة ولو كان الجميع عائدا إلى شيء واحد لما زاد على ثلاثة لأن التأكيد لا يزيد عليها
قاله ابن عبد السلام وغيره
4708 - وإن كان بعضها ليس بنعمة فذكر النقمة للتحذير نعمة
وقد سئل أي نعمة في قوله كل من عليها فان فأجيب بأجوبة أحسنها النقل من دار الهموم إلى دار السرور وإراحة المؤمن والبار من الفاجر
4709 - وكذا قوله ويل يومئذ للمكذبين في سورة المرسلات لأنه تعالى ذكر قصصا مختلفة وأتبع كل قصة بهذا القول فكأنه قال عقب كل قصة ويل يومئذ للمكذب بهذه القصة
4710 - وكذا قوله في سورة الشعراء إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربك لهو العزيز الرحيم كررت ثماني مرات كل مرة عقب كل قصة فالإشارة في كل واحدة بذلك إلى قصة النبي المذكور قبلها وما اشتملت عليه من الآيات والعبر
وبقوله وما كان أكثرهم مؤمنين إلى قومه خاصة ولما كان مفهومه أن الأقل من قومه آمنوا أتى بوصف العزيز الرحيم للإشارة إلى أن العزة على من لم يؤمن منهم والرحمة لمن آمن
4711 - وكذا قوله في سورة القمر ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر قال الزمخشري كرر ليجددوا عند سماع كل نبأ منها إتعاظا وتنبيها وإن كلا من تلك الأنباء مستحق لإعتبار يختص به وأن يتنبهوا كيلا يغلبهم السرور والغفلة
4712 - قال في عروس الأفراح فإن قلت إذا كان المراد بكل ما قبله فليس

ذلك بإطناب بل هي ألفاظ كل أريد به غير ما أريد بالآخر
قلت إذا قلنا العبرة بعموم اللفظ فكل واحد أريد به ما أريد بالآخر ولكن كرر ليكون نصا فيما يليه وظاهرا في غيره
فإن قلت يلزم التأكيد قلت والأمر كذلك ولا يرد عليه أن التأكيد لا يزاد به عن ثلاثة لأن ذاك في التأكيد الذي هو تابع أما ذكر الشيء في مقامات متعددة أكثر من ثلاثة فلا يمتنع
انتهى
4713 - ويقرب من ذلك ما ذكره ابن جرير في قوله تعالى ولله ما في السموات وما في الأرض ولقد وصينا إلى قوله وكان الله غنيا حميدا ولله ما في السموات وما في الأرض وكفى بالله وكيلا قال فإن قيل ما وجه تكرار قوله ولله ما في السموات وما في الأرض في آيتين إحداهما في أثر الأخرى قلنا لإختلاف معنى الخبرين عما في السموات والأرض وذلك أن الخبر عنه في إحدى الآيتين ذكر حاجته إلى بارئه وغنى بارئه عنه
وفي الأخرى حفظ بارئه إياه وعلمه به وبتدبيره قال فإن قيل أفلا قيل وكان الله غنيا حميدا وكفى بالله وكيلا قيل ليس في الآية الأولى ما يصلح أن تختتم بوصفه معه بالحفظ والتدبير
إنتهى
4714 - وقال تعالى وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب قال الراغب الكتاب الأول ما كتبوه بأيديهم المذكور في قوله تعالى فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم والكتاب الثاني التوراة والثالث الجنس كتب الله كلها أي ما هو من شيء من كتب الله وكلامه
4715 - ومن أمثلة ما يظن تكرارا وليس منه قل يأيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون إلى آخرها فإن لا أعبد ما تعبدون أي في المستقبل ولا أنتم عابدون أي في الحال ما أعبد في المستقبل ولا أنا عابد أي في الحال ما عبدتم في الماضي ولا أنتم عابدون أي في المستقبل ما أعبد أي في الحال
فالحاصل أن القصد نفى عبادته لآلهتهم في الأزمنة الثلاثة
4716 - وكذا فاذكروا الله عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم ثم قال

فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم ثم قال واذكروا الله في أيام معدودات فإن المراد بكل واحد من هذه الأذكار غير المراد بالآخر فالأول الذكر في مزدلفة عند الوقوف بقزح وقوله واذكروه كما هداكم إشارة إلى تكرره ثانيا وثالثا ويحتمل أن يراد به طواف الإفاضة بدليل تعقيبه بقوله فإذا قضيتم والذكر الثالث إشارة إلى رمي جمرة العقبة والذكر الأخير لرمي أيام التشريق
4717 - ومنه تكرير حرف الإضراب في قوله بل قالوا أضغاث أحلام بل افتراه بل هو شاعر وقوله بل ادارك علمهم في الآخرة بل هم في شك منها بل هم منها عمون
4718 - ومنه قوله ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعا بالمعروف حقا على المحسنين ثم قال وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين فكرر الثاني ليعم كل مطلقة فإن الآية الأولى في المطلقة قبل الفرض والمسيس خاصة وقيل لأن الأولى لا تشعر بالوجوب ولهذا لما نزلت قال بعض الصحابة إن شئت أحسنت وإن شئت فلا فنزلت الثانية أخرجه ابن جرير
4719 - ومن ذلك تكرير الأمثال كقوله وما يستوي الأعمى والبصير ولا الظلمات ولا النور ولا الظل ولا الحرور وما يستوي الأحياء ولا الأموات
4720 - وكذلك ضرب مثل المنافقين أول البقرة بالمستوقد نارا ثم ضربه بأصحاب الصيب
قال الزمخشري والثاني أبلغ من الأول لأنه أدل على فرط الحيرة وشدة الأمر وفظاعته قال ولذلك أخر وهم يتدرجون في نحو هذا من الأهون إلى الأغلظ
4721 - ومن ذلك تكرير القصص كقصة آدم وموسى ونوح وغيرهم من الأنبياء قال بعضهم ذكر الله موسى في مائة وعشرين موضعا من كتابه
4722 - وقال ابن العربي في القواصم ذكر الله قصة نوح في خمس وعشرين آية وقصة موسى في تسعين آية

4723 - وقد ألف البدر بن جماعة كتابا سماه المقتنص في فوائد تكرار القصص وذكر في تكرير القصص فوائد
منها أن في كل موضع زيادة شيء لم يذكر في الذي قبله أو إبدال كلمة بأخرى لنكتة وهذه عادة البلغاء
4724 - ومنها أن الرجل كان يسمع القصة من القرآن ثم يعود إلى أهله ثم يهاجر بعده آخرون يحكون ما نزل بعد صدور من تقدمهم فلولا تكرار القصص لوقعت قصة موسى إلى قوم وقصة عيسى إلى قوم آخرين وكذا سائر القصص فأراد الله إشتراك الجميع فيها فيكون فيه إفادة لقوم وزيادة تأكيد لآخرين
4725 - ومنها أن في إبراز الكلام الواحد في فنون كثيرة وأساليب مختلفة ما لا يخفى من الفصاحة
4726 - ومنها أن الدواعي لا تتوفر على نقلها كتوفرها على نقل الأحكام فلهذا كررت القصص دون الأحكام
4727 - ومنها أنه تعالى أنزل هذا القرآن وعجز القوم عن الإتيان بمثله بأي نظم جاءوا ثم أوضح الأمر في عجزهم بأن كرر ذكر القصة في مواضع إعلاما بأنهم عاجزون عن الإتيان بمثله أي بأي نظم جاءوا وبأي عبارة عبروا
4728 - ومنها أنه لما تحداهم قال فأتوا بسورة من مثله فلو ذكرت القصة في موضع واحد واكتفي بها لقال العربي ائتونا أنتم بسورة من مثله فأنزلها سبحانه وتعالى في تعداد السور دفعا لحجتهم من كل وجه
4728 - ومنها أن القصة لما كررت كان في ألفاظها في كل موضع زيادة ونقصان وتقديم وتأخير وأتت على أسلوب غير أسلوب الأخرى فأفاد ذلك ظهور الأمر العجيب في إخراج المعنى الواحد في صور متباينة في النظم وجذب النفوس إلى سماعها لما جبلت عليه من حب التنقل في الأشياء المتجددة واستلذاذها بها وإظهار خاصة القرآن حيث لم يحصل مع تكرير ذلك فيه هجنة في اللفظ ولا ملل عند سماعه فباين ذلك كلام المخلوقين

4729 - وقد سئل ما الحكمة في عدم تكرير قصة يوسف وسوقها مساقا واحدا في موضع واحد دون غيرها من القصص وأجيب بوجوه
أحدها أن فيها تشبيب النسوة به وحال إمرأة ونسوة افتتن بأبدع الناس جمالا فناسب عدم تكرارها لما فيه من الإغضاء والستر وقد صحح الحاكم في مستدركه حديث النهي عن تعليم النساء سورة يوسف
ثانيها أنها إختصت بحصول الفرج بعد الشدة بخلاف غيرها من القصص فإن مآلها إلى الوبال كقصة إبليس وقوم نوح وهود وصالح وغيرهم فلما اختصت بذلك اتفقت الدواعي على نقلها لخروجها عن سمت القصص
ثالثها قال الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني إنما كرر الله قصص الأنبياء وساق قصة يوسف مساقا واحدا إشارة إلى عجز العرب كأن النبي قال لهم إن كان من تلقاء نفسي فافعلوا في قصة يوسف ما فعلت في سائر القصص
قلت وظهر لي جواب رابع وهو أن سورة يوسف نزلت بسبب طلب الصحابة أن يقص عليهم كما رواه الحاكم في مستدركه فنزلت مبسوطة تامة ليحصل لهم مقصود القصص من إستيعاب القصة وترويح النفس بها والإحاطة بطرفيها
وجواب خامس وهو أقوى ما يجاب به أن قصص الأنبياء إنما كررت لأن المقصود بها إفادة إهلاك من كذبوا رسلهم والحاجة داعية إلى ذلك لتكرير تكذيب الكفار لرسول الله فكلما كذبوا أنزلت قصة منذرة بحلول العذاب كما حل على المكذبين ولهذا قال تعالى في آيات فقد مضت سنة الأولين ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن وقصة يوسف لم يقصد منها ذلك
4730 - وبهذا أيضا يحصل الجواب عن حكمة عدم تكرير قصة أصحاب الكهف وقصة ذي القرنين وقصة موسى مع الخضر وقصة الذبيح
4731 - فإن قلت قد تكررت قصة ولادة يحيى وولادة عيسى مرتين وليست من قبيل ما ذكرت
قلت الأولى في سورة كهيعص وهي مكية أنزلت خطابا لأهل مكة والثانية في سورة آل عمران وهي مدنية أنزلت خطابا لليهود ولنصارى نجران حين قدموا ولهذا اتصل بها ذكر المحاجة والمباهلة


النوع الخامس الصفة 4732 - وترد لأسباب
أحدها التخصيص في النكرة نحو فتحرير رقبة مؤمنة
4733 - الثاني التوضيح في المعرفة أي زيادة البيان نحو ورسوله النبي الأمي
4734 - الثالث المدح والثناء ومنه صفات الله تعالى نحو بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين هو الله الخالق الباريء المصور
4735 - ومنه يحكم النبيون الذين أسلموا فهذا الوصف للمدح وإظهار شرف الإسلام والتعريض باليهود وأنهم بعداء عن ملة الإسلام الذي هو دين الأنبياء كلهم وأنهم بمعزل عنها
قاله الزمخشري
4736 - الرابع الذم نحو فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم
4737 - الخامس التأكيد لرفع الإيهام نحو لا تتخذوا إلهين اثنين فإن إلاهين للتثنية فاثنين بعده صفة مؤكدة للنهي عن الإشراك ولإفادة أن النهي عن إلاهين إنما هو لمحض كونهما إثنين فقط لا لمعنى آخر من كونهما عاجزين أو غير ذلك
ولأن الوحدة تطلق ويراد بها النوعية كقوله إنما نحن وبنو المطلب شيء واحد وتطلق ويراد بها نفي العدة فالتثنية باعتبارها فلو قيل لا تتخذوا الهين فقط لتوهم أنه نهى عن إتخاذ جنسين آلهة وإن جاز أن يتخذ من نوع واحد عدد آلهة ولهذا أكد بالوحدة قوله إنما هو إله واحد
4738 - ومثله فاسلك فيها من كل زوجين اثنين على قراءة تنوين كل وقوله فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة فهو تأكيد لرفع توهم تعدد النفخة لأن هذه الصيغة قد تدل على الكثرة بدليل وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها

4739 - ومن ذلك قوله فإن كانتا اثنتين فإن لفظ كانتا تفيد التثنية فتفسيره بإثنتين لم يفد زيادة عليه
4740 - وقد أجاب عن ذلك الأخفش والفارسي بأنه أفاد العدد المحض مجردا عن الصفة لأنه قد كان يجوز أن يقال فإن كانتا صغيرتين أو كبيرتين أو صالحتين أو غير ذلك من الصفات فلما قال اثنتين أفهم أن فرض الثنتين تعلق بمجرد كونهما ثنتين فقط وهي فائدة لا تحصل من ضمير المثنى
وقيل أراد فإن كانتا اثنتين فصاعدا فعبر بالأدنى عنه وعما فوقه إكتفاء
ونظيره فإن لم يكونا رجلين والأحسن أن الضمير عائد على الشهيدين المطلقين
4741 - ومن الصفات المؤكدة قوله ولا طائر يطير بجناحيه فقوله يطير لتأكيد أن المراد بالطائر حقيقته فقد يطلق مجازا على غيره وقوله بجناحيه لتأكيد حقيقة الطيران لأنه يطلق مجازا على شدة العدو والإسراع في المشي
4742 - ونظيره يقولون بألسنتهم لأن القول يطلق مجازا على غير اللسان بدليل ويقولون في أنفسهم
4743 - وكذا ولكن تعمى القلوب التي في الصدور لأن القلب قد يطلق مجازا على العين كما أطلقت العين مجازا على القلب في قوله الذين كانت أعينهم في غطاء عن ذكرى
1 -
قاعدة 4744 - الصفة العامة لا تأتي بعد الخاصة لا يقال رجل فصيح متكلم بل متكلم فصيح وأشكل على هذه قوله تعالى في إسماعيل وكان رسولا نبيا وأجيب أنه حال لا صفة أي مرسلا في حال نبوته
وقد تقدم في نوع التقديم والتأخير أمثلة من هذه

2 - قاعدة
4745 - إذا وقعت الصفة بعد متضايفين أولهما عدد جاز إجراؤها على المضاف وعلى المضاف إليه فمن الأول سبع سموات طباقا ومن الثاني سبع بقرات سمان
1 -
فائدة 4746 - إذا تكررت النعوت لواحد فالأحسن إن تباعد معنى الصفات العطف نحو هو الأول والآخر والظاهر والباطن وإلا تركه نحو ولا تطع كل حلاف مهين هماز مشاء بنميم مناع للخير معتد أثيم عتل بعد ذلك زنيم
2 - فائدة
4747 - قطع النعوت في مقام المدح والذم أبلغ من إجرائها قال الفارسي إذا ذكرت صفات في معرض المدح أو الذم فالأحسن أن يخالف في إعرابها لأن المقام يقتضي الإطناب فإذا خولف في الإعراب كان المقصود أكمل لأن المعاني عند الإختلاف تتنوع وتتفنن وعند الإتحاد تكون نوعا واحدا
4748 - مثاله في المدح والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة ولكن البر من آمن بالله إلى قوله والموفون بعهدهن إذا عاهدوا والصابرين
4749 - وقرئ شاذا الحمد لله رب العالمين برفع رب ونصبه
4750 - ومثاله في الذم وامرأته حمالة الحطب
النوع السادس البدل 4751 - والقصد به الإيضاح بعد الإبهام وفائدته البيان والتأكيد
أما الأول فواضح أنك إذا قلت رأيت زيدا أخاك بينت أنك تريد بزيد الأخ لا غير
أما التأكيد فلأنه على نية تكرار العامل فكأنه من جملتين ولأنه دل على ما دل عليه

الأول إما بالمطابقة في بدل الكل أو بالتضمن في بدل البعض أو بالإلتزام في بدل الإشتمال
4752 - مثال الأول اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم لتهدي إلى صراط مستقيم صراط الله لنسفعا بالناصية ناصية كاذبة خاطئة
4753 - ومثال الثاني ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا
ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض
4754 - ومثال الثالث وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير قتل أصحاب الأخدود النار لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم
4755 - وزاد بعضهم بدل الكل من البعض وقد وجدت له مثالا في القرآن وهو قوله يدخلون الجنة ولا يظلمون شيئا جنات عدن ف جنات عدن بدل من الجنة التي هي بعض وفائدته تقرير أنها جنات كثيرة لا جنة واحدة
قال ابن السيد وليس كل بدل يقصد به رفع الإشكال الذي يعرض في المبدل منه بل من البدل ما يراد به التأكيد وإن كان ما قبله غنيا عنه كقوله وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم صراط الله ألا ترى أنه لو لم يذكر الصراط الثاني لم يشك أحد في أن الصراط المستقيم هو صراط الله وقد نص سيبويه على أن من البدل ما الغرض منه التأكيد
انتهى
4756 - وجعل منه ابن عبد السلام وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر قال ولا بيان فيه لأن الأب لا يلتبس بغيره ورد بأنه يطلق على الجد فأبدل لبيان إرادة الأب حقيقة


النوع السابع عطف البيان 4757 - وهو كالصفة في الإيضاح لكن يفارقها في أنه وضع ليدل على الإيضاح باسم مختص به بخلافها فإنها وضعت لتدل على معنى حاصل في متبوعها
4758 - وفرق ابن كيسان بينه وبين البدل بأن البدل هو المقصود وكأنك قررته في موضع المبدل منه وعطف البيان وما عطف عليه كل منهما مقصود
4759 - وقال ابن مالك في شرح الكافية عطف البيان يجري مجرى النعت في تكميل متبوعه ويفارقه في أن تكميله متبوعه بشرح وتبيين لا بدلالة على معنى في المتبوع أو سببية
ومجرى التأكيد في تقوية دلالته ويفارقه في أنه لا يرفع توهم مجاز ومجرى البدل في صلاحيته للإستقلال ويفارقه في أنه غير منوي الإطراح
ومن أمثلته فيه ايات بينات مقام إبراهيم من شجرة مباركة زيتونة
4760 - وقد يأتي لمجرد المدح بلا إيضاح ومنه جعل الله الكعبة البيت الحرام فالبيت الحرام عطف بيان للمدح لا للإيضاح
النوع الثامن عطف أحد المترادفين على الآخر 4761 - والقصد منه التأكيد أيضا وجعل منه إنما أشكو بثي وحزني فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا
فلا يخاف ظلما ولا هضما لا تخاف دركا ولا تخشى لا ترى فيها عوجا ولا أمتا قال الخليل العوج والأمت بمعنى واحد سرهم ونجواهم شرعة ومنهاجا لا تبقي ولا تذر إلا دعاء ونداء أطعنا سادتنا وكبراءنا لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب فإن نصب كلغب وزنا ومعنى صلوات من ربهم ورحمة عذرا أو نذرا قال ثعلب هما بمعنى

4762 - وأنكر المبرد وجود هذا النوع في القرآن وأول ما سبق على إختلاف المعنيين
4763 - وقال بعضهم المخلص في هذا أن تعتقد أن مجموع المترادفين يحصل معنى لا يوجد عند إنفرادهما فإن التركيب يحدث معنى زائدا وإذا كانت كثرة الحروف تفيد زيادة المعنى فكذلك كثرة الألفاظ
النوع التاسع عطف الخاص على العام 4764 - وفائدته التنبيه على فضله حتى كأنه ليس من جنس العام تنزيلا للتغاير في الوصف منزلة التغاير في الذات
4765 - وحكى أبو حيان عن شيخه أبي جعفر بن الزبير أنه كان يقول هذا العطف يسمى بالتجريد كأنه جرد من الجملة وأفرد بالذكر تفضيلا
4766 - ومن أمثلته حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكيل ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر والذين يمسكون بالكتاب وأقاموا الصلاة فإن إقامتها من جملة التمسك بالكتاب وخصت بالذكر إظهارا لمرتبتها لكونها عماد الدين وخص جبريل وميكائيل بالذكر ردا على اليهود في دعوى عداوته وضم إليه ميكائيل لأنه ملك الرزق الذي هو حياة الأجساد كما أن جبريل ملك الوحي الذي هو حياة القلوب والأرواح
4767 - وقيل إن جبريل وميكائيل لما كانا أميري الملائكة لم يدخلا في لفظ الملائكة أولا كما أن الأمير لا يدخل في مسمى الجند
حكاه الكرماني في العجائب
4768 - ومن ذلك ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو قال أوحي إلي ولم يوح إليه شيء بناء على أنه لا يختص بالواو كما هو رأي ابن مالك فيه وفيما قبله وخص المعطوف في الثانية بالذكر تنبيها على زيادة قبحه


تنبيه 4769 - المراد بالخاص والعام هنا ما كان فيه الأول شاملا الثاني لا المصطلح عليه في الأصول
النوع العاشر عطف العام على الخاص 4770 - وأنكر بعضهم وجوده فأخطأ والفائدة فيه واضحة وهو التعميم وأفرد الأول بالذكر إهتماما بشأنه
4771 - ومن أمثلته إن صلاتي ونسكي والنسك العبادة فهو أعم اتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمنا وللمؤمنين والمؤمنات فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير
4772 - وجعل منه الزمخشري ومن يدبر الأمر بعد قوله قل من يرزقكم
النوع الحادي عشر الإيضاح بعد الإبهام 4773 - قال أهل البيان إذا أردت أن تبهم ثم توضح فإنك تطنب
وفائدته إما رؤية المعنى في صورتين مختلفتين الإبهام والإيضاح أو لتمكن المعنى في النفس تمكنا زائدا لوقوعه بعد الطلب فإنه أعز من المنساق بلا تعب أو لتكمل لذة العلم به فإن الشيء إذا علم من وجه ما تشوقت النفس للعلم به من باقي وجوهه وتألمت فإذا حصل العلم من بقية الوجوه كانت لذته أشد من علمه من جميع وجوهه دفعة واحدة
4774 - ومن أمثلته رب اشرح لي صدري فإن اشرح يفيد طلب شرح شيء ما و صدري يفيد تفسيره وبيانه
وكذلك ويسر لي أمري والمقام يقتضي التأكيد للإرسال المؤذن بتلقى الشدائد
وكذلك ألم نشرح لك صدرك

فإن المقام يقتضي التأكيد لأنه مقام إمتنان وتفخيم
وكذا وقضينا إليه ذلك الأمر أن دابر هؤلاء مقطوع مصبحين
4775 - ومنه التفصيل بعد الإجمال نحو إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا إلى قوله منها أربعة حرم وعكسه كقوله ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة أعيد ذكر العشرة لرفع توهم أن الواو في وسبعة بمعنى أو فتكون الثلاثة داخلة فيها كما في قوله خلق الأرض في يومين ثم قال وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام فإن من جملتها اليومين المذكورين أولا وليست أربعة غيرهما
وهذا أحسن الأجوبة في الآية وهو الذي أشار إليه الزمخشري ورجحه ابن عبد السلام وجزم به الزملكاني في أسرار التنزيل
4776 - قال ونظيره وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر فإنه رافع لإحتمال أن تكون تلك العشرة من غير مواعدة
4777 - قال ابن عسكر وفائدة الوعد بثلاثين أولا ثم بعشر ليتجدد له قرب إنفضاء المواعدة ويكون فيه متأهبا مجتمع الرأي حاضر الذهن لأنه لو وعد بالأربعين أولا كانت متساوية فلما فصلت استشعرت النفس قرب التمام وتجدد بذلك عزم لم يتقدم
4778 - وقال الكرماني في العجائب في قوله تلك عشرة كاملة ثمانية أجوبة جوابان من التفسير وجواب من الفقه وجواب من النحو وجواب من اللغة وجواب من المعنى وجوابان من الحساب وقد سقتها في أسرار التنزيل
النوع الثاني عشر التفسير 4779 - قال أهل البيان وهو أن يكون في الكلام لبس وخفاء فيؤتى بما يزيله ويفسره

4780 - ومن أمثلته إن الإنسان خلق هلوعا إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا
فقوله إذا مسه الخ تفسير للهلوع كما قال أبو العالية وغيره
4781 - القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم قال البيهقي في شرح الأسماء الحسنى قوله لا تأخذه سنة تفسير للقيوم
4782 - يسومونكم سوء العذاب يذبحون . . الآية فيذبحون وما بعده تفسير للسوم
4783 - إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب . . الآية ف خلقه وما بعده تفسير للمثل
4784 - لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة ف تلقون تفسير لإتخاذهم أولياء
4785 - الصمد لم يلد ولم يولد . . الآية قال محمد بن كعب القرظي لم يلد إلى آخره تفسير للصمد وهو في القرآن كثير
4786 - قال ابن جني ومتى كانت الجملة تفسيرا لم يحسن الوقف على ما قبلها دونها لأن تفسير الشيء لا حق به ومتمم له وجار مجرى بعض أجزائه
النوع الثالث عشر وضع الظاهر موضع المضمر 4787 - ورأيت فيه تأليفا مفردا لابن الصائغ وله فوائد
منها زيادة التقرير والتمكين نحو قل هو الله أحد الله الصمد وبالحق أنزلناه وبالحق نزل إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله
4788 - ومنها قصد التعظيم نحو واتقوا الله ويعلمكم الله والله بكل شيء

عليم أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا ولباس التقوى ذلك خير
4789 - ومنها قصد الإهانة والتحقير نحو أولئك حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون إن الشيطان ينزغ بينهم إن الشيطان كان
4790 - ومنها إزالة اللبس حيث يوهم الضمير أنه غير الأول نحو قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك لو قال تؤتيه لأوهم أنه الأول قاله ابن الخشاب
الظانين بالله ظن السوء عليهم دائرة السوء لأنه لو قال عليهم دائرته لأوهم أن الضمير عائد إلى الله تعالى
فبدأ بأوعيتهم قبل وعاء أخيه ثم استخرجها من وعاء أخيه لم يقل منه لئلا يتوهم عود الضمير إلى الأخ فيصير كأنه مباشر بطلب خروجها وليس كذلك لما في المباشرة من الأذى الذي تأباه النفوس الأبية فأعيد لفظ الظاهر لنفي هذا ولم يقل من وعائه لئلا يتوهم عود الضمير إلى يوسف لأن العائد عليه ضمير استخرجها
4791 - ومنها قصد تربية المهابة وإدخال الروع على ضمير السامع وبذكر الإسم المقتضى لذلك كما تقول الخليفة أمير المؤمنين يأمرك بكذا ومنه إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها إن الله يأمر بالعدل
4792 - ومنها قصد تقوية داعية المأمور ومنه فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين
4793 - ومنها تعظيم الأمر نحو أولم يروا كيف يبديء الله الخلق ثم يعيده إن ذلك على الله يسير قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا إنا خلقنا الإنسان
4794 - ومنها الإستلذاذ بذكره ومنه وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة لم

يقل منها ولهذا عدل عن ذكر الأرض إلى الجنة
4795 - ومنها قصد التوصل من الظاهر إلى الوصف ومنه فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله بعد قوله إني رسول الله لم يقل فآمنوا بالله وبي ليتمكن من إجراء الصفات التي ذكرها وليعلم أن الذي وجب الإيمان به والإتباع له هو من وصف بهذه الصفات ولو أتى بالضمير لم يمكن ذلك لأنه لا يوصف
4796 - ومنها التنبيه على علية الحكم نحو فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم فأنزلنا على الذين ظلموا رجزا فإن الله عدو للكافرين لم يقل لهم إعلاما بأن من عادى هؤلاء فهو كافر وإن الله إنما عاداه لكفره
فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته إنه لا يفلح المجرمون والذين يمسكون بالكتاب وأقاموا الصلاة إنا لا نضيع أجر المصلحين إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا
4797 - ومنها قصد العموم نحو وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة لم يقل
إنها لئلا يفهم تخصيص ذلك بنفسه أولئك هم الكافرون حقا وأعتدنا للكافرين عذابا
4798 - ومنها قصد الخصوص نحو وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي لم يقل لك تصريحا بأنه خاص به
4799 - ومنها الإشارة إلى عدم دخول الجملة في حكم الأولى نحو فإن يشإ الله يختم على قلبك ويمح الله الباطل فإن ويمح الله إستئناف لا داخل في حكم الشرط
4800 - ومنها مراعاة الجناس ومنه أعوذ برب الناس . . السورة

ذكره الشيخ عز الدين ومثله ابن الصائغ بقوله خلق الإنسان من علق ثم قال علم الإنسان ما لم يعلم كلا إن الإنسان ليطغى فإن المراد بالإنسان الأول الجنس وبالثاني آدم أو من يعلم الكتابة أو إدريس وبالثالث أبو جهل
4801 - ومنها مراعاة الترصيع وتوازن الألفاظ في التركيب ذكره بعضهم في قوله أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى
4802 - ومنها أن يتحمل ضميرا لا بد منه ومنه أتيا أهل قرية أهلها لو قال استطعماها لم يصح لأنهما لم يستطعما القرية أو استطعماهم فكذلك لأن جملة استطعما صفة لقرية النكرة لا ل أهل فلا بد أن يكون فيها ضمير يعود عليها ولا يمكن إلا مع التصريح بالظاهر
4803 - كذا حرره السبكي في جواب سؤال سأله الصلاح الصفدي في ذلك حيث قال
أسيدنا قاضي القضاة ومن إذا ... بدا وجهه استحيا له القمران
ومن كفه يوم الندى ويراعه ... على طرسه بحران يلتقيان
ومن إن دجت في المشكلات مسائل ... جلاها بفكر دائم اللمعان
رأيت كتاب الله أكبر معجز ... لأفضل من يهدى به الثقلان
ومن جملة الإعجاز كون اختصاره ... بإيجاز ألفاظ وبسط معان
ولكنني في الكهف أبصرت آية ... بها الفكر في طول الزمان عناني
وما هي إلا استطعما أهلها فقد ... نرى استطعماهم مثله ببيان
فما الحكمة الغراء في وضع ظاهر ... مكان ضمير إن ذاك لشان
فارشد على عادات فضلك حيرتي ... فمالي بها عند البيان يدان
تنبيه 4804 - إعادة الظاهر بمعناه أحسن من إعادته بلفظه كما مر في آيات إنا لا نضيع أجر المصلحين إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا ونحوها

4805 - ومنه ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم والله يختص برحمته من يشاء فإن إنزال الخير مناسب للربوبية وأعاده بلفظ الله لأن تخصيص الناس بالخير دون غيرهم مناسب للإلهية
لأن دائرة الربوبية أوسع
4806 - ومنه الحمد لله الذي خلق السموات والأرض إلى قوله بربهم يعدلون
وإعادته في جملة أخرى أحسن منه في الجملة الواحدة لانفصالها وبعد الطول أحسن من الإضمار لئلا يبقى الذهن متشاغلا بسبب ما يعود عليه فيفوته ما شرع فيه كقوله وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه بعد قوله وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر
النوع الرابع عشر الإيغال وهو الإمعان 4807 - وهو ختم الكلام بما يفيد نكتة يتم المعنى بدونها
وزعم بعضهم أنه خاص بالشعر ورد بأنه وقع في القرآن من ذلك يا قوم اتبعوا المرسلين اتبعوا من لا يسألكم أجرا وهم مهتدون فقوله وهم مهتدون إيغال لأنه يتم المعنى بدونه إذ الرسول مهتد لا محالة لكن فيه زيادة مبالغة في الحث على اتباع الرسل والترغيب فيه
4808 - وجعل ابن أبي الإصبع منه ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين فإن قوله إذا ولوا مدبرين زائد على المعنى مبالغة في عدم انتفاعهم
ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون زائد على المعنى لمدح المؤمنين والتعريض بالذم لليهود وأنهم بعيدون عن الإيقان
إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون فقوله مثل ما إلى آخره إيغال زائد على المعنى لتحقيق هذا الوعد وأنه واقع معلوم ضرورة لا يرتاب فيه أحد
النوع الخامس عشر التذييل 4809 - وهو أن يؤتى بجملة عقب جملة والثانية تشتمل على المعنى الأول

لتأكيد منطوقه أو مفهومه ليظهر المعنى لمن لم يفهمه ويتقرر عند من فهمه نحو ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إلا الكفور وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون كل نفس ذائقة الموت ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير
النوع السادس عشر الطرد والعكس 4810 - قال الطيبي وهو أن يؤتى بكلامين يقرر الأول بمنطوقه مفهوم الثاني وبالعكس كقوله ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات إلى قوله ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهن فمنطوق الأمر بالاستئذان في تلك الأوقات خاصة مقرر لمفهوم رفع الجناح فيما عداها وبالعكس وكذا قوله لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون
4811 - قلت وهذا النوع يقابله في الإيجاز نوع الاحتباك
النوع السابع عشر التكميل 4812 - ويسمى بالاحتراس وهو أن يؤتى في كلام يوهم خلاف المقصود بما يدفع ذلك الوهم نحو أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين فإنه لو اقتصر على أذلة لتوهم أنه لضعفهم فدفعه بقوله أعزة
ومثله أشداء على الكفار رحماء بينهم لو اقتصر على أشداء لتوهم أنه لغلظهم
تخرج بيضاء من غير سوء لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون احتراس لئلا يتوهم نسبة الظلم إلى سليمان
ومثله فتصيبكم منهم معرة بغير علم وكذا قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم أنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون فالجملة الوسطى احتراس لئلا يتوهم أن التكذيب مما في نفس الأمر
قال في عروس الأفراح فإن قيل كل من ذلك أفاد معنى جديدا فلا يكون إطنابا
قلنا هو إطناب لما قبله من حيث رفع توهم غيره وإن كان له معنى في نفسه


النوع الثامن عشر التتميم 4813 - وهو أن يؤتى في كلام لا يوهم غير المراد بفضلة تفيد نكتة كالمبالغة في قوله ويطعمون الطعام على حبه أي مع حب الطعام أي اشتهائه فإن الإطعام حينئذ أبلغ وأكثر أجرا ومثله وآتى المال على حبه ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف فقوله وهو مؤمن تتميم في غاية الحسن
النوع التاسع عشر الاستقصاء 4814 - وهو أن يتناول المتكلم معنى فيستقصيه فيأتي بجميع عوارضه ولوازمه بعد أن يستقصى جميع أوصافه الذاتية بحيث لا يترك لمن يتناوله بعده فيه مقالا كقوله تعالى أيود أحكم أن تكون له جنة . . الآية فإنه تعالى لو اقتصر على قوله جنة لكان كافيا فلم يقف عند ذلك حتى قال في تفسيرها من نخيل وأعناب فإن مصاب صاحبها بها أعظم ثم زاد تجري من تحتها الأنهار متمما لوصفها بذلك ثم كمل وصفها بعد التتميمين فقال له فيها من كل الثمرات فأتى بكل ما يكون في الجنان ليشتد الأسف على إفسادها ثم قال في وصف صاحبها وأصابه الكبر ثم استقصى المعنى في ذلك بما يوجب تعظيم المصاب بقوله بعد وصفه بالكبر وله ذرية ولم يقف عند ذلك حتى وصف الذرية بالضعفاء ثم ذكر استصال الجنة التي ليس لهذا المصاب غيرها بالهلاك في أسرع وقت حيث قال فأصابها إعصار ولم يقتصر على ذكره للعلم بأنه لا يحصل سرعة الهلاك فقال فيه نار ثم لم يقف عند ذلك حتى أخبر باحتراقها لاحتمال أن تكون النار ضعيفة لا تفي باحتراقها لما فيها من الأنهار ورطوبة الأشجار فاحترس عن هذا الاحتمال بقوله فاحترقت فهذا أحسن استقصاء وقع في كلام وأتمه وأكمله
4815 - قال ابن أبي الإصبع والفرق بين الاستقصاء والتتميم والتكميل أن التتميم يرد على المعنى الناقص ليتم والتكميل يرد على المعنى التام فيكمل أوصافه والاستقصاء يرد على المعنى التام الكامل فيستقصى لوازمه وعوارضه

وأوصافه وأسبابه حتى يستوعب جميع ما تقع الخواطر عليه فلا يبقى لأحد فيه مساغ
النوع العشرون الاعتراض 4816 - وسماه قدامة التفاتا وهو الإتيان بجملة أو أكثر لا محل لها من الإعراب في أثناء كلام أو كلامين اتصلا معنى لنكته غير دفع الإيهام كقوله ويجعلون لله البنات سبحانه ولهم ما يشتهون فقوله سبحانه اعتراض لتنزيه الله سبحانه وتعالى عن البنات والشناعة على جاعليها
وقوله لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين فجملة الاستثناء اعتراض للتبرك
4817 - ومن وقوعه بأكثر من جملة فاتوهن من حيث أمركم الله إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين نساؤكم حرث لكم فقوله نساؤكم متصل بقوله فاتوهن لأنه بيان له وما بينهما اعتراض للحث على الطهارة وتجنب الأدبار
وقوله يا أرض ابلعي ماءك إلى قوله وقيل بعدا فيه اعتراض بثلاث جمل وهي وغيض الماء وقضي الأمر واستوت على الجودي
قال في الأقصى القريب ونكتته إفادة أن هذا الأمر واقع بين القولين لا محالة ولو أتى به آخرا لكان الظاهر تأخره فبتوسطه ظهر كونه غير متأخر
ثم فيه اعتراض في اعتراض فإن وقضي الأمر معترض بين وغيض و واستوت لأن الاستواء يحصل عقب الغيض
وقوله ولمن خاف مقام ربه جنتان إلى قوله متكئين على فرش فيه اعتراض بسبع جمل إذا أعرب حالا منه
4818 - ومن وقوع اعتراض في اعتراض فلا أقسم بمواقع النجوم وإنه لقسم لو تعلمون عظيم إنه لقرآن كريم اعترض بين القسم وجوابه بقوله وإنه لقسم . . الآية وبين القسم وصفته بقوله لو تعلمون تعظيما للمقسم به وتحقيقا لإجلاله وإعلاما لهم بأن له عظمة لا يعلمونها
4819 - قال الطيبي في التبيان ووجه حسن الاعتراض حسن الإفادة مع أن

مجيئه مجيء ما لا يترقب فكون كالحسنة تأتيك من حيث لا تحتسب
النوع الحادي والعشرون التعليل 4820 - وفائدته التقرير والأبلغية فإن النفوس أبعث على قبول الأحكام المعللة من غيرها وغالب التعليل في القرآن على تقدير جواب سؤال اقتضته الجملة الأولى
4821 - وحروفه اللام وإن وأن وإذ والباء وكي ومن ولعل وقد مضت أمثلتها في نوع الأدوات
4822 - ومما يقتضي التعليل لفظ الحكمة كقوله حكمة بالغة وذكر الغاية من الخلق نحو قوله جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء ألم نجعل الأرض مهادا والجبال أوتادا


النوع السابع والخمسون
في الخبر والإنشاء 4823 - اعلم أن الحذاق من النحاة وغيرهم وأهل البيان قاطبة على انحصار الكلام فيهما وأنه ليس له قسم ثالث
4824 - وادعى قوم أن أقسام الكلام عشرة نداء ومسألة وأمر وتشفع وتعجب وقسم وشرط ووضع وشك واستفهام
4825 - وقيل تسعة بإسقاط الاستفهام لدخوله في المسألة
4826 - وقيل ثمانية بإسقاط التشفع لدخوله فيها
4827 - وقيل سبعة بإسقاط الشك لأنه من قسم الخبر
4828 - وقال الأخفش هي ستة خبر واستخبار ولأمر ونهي ونداء وتمن
4829 - وقال بعضهم خمسة خبر وأمر وتصريح وطلب ونداء
4830 - وقال قوم أربعة خبر واستخبار وطلب ونداء
4831 - وقال كثيرون ثلاثة خبر وطلب وإنشاء قالوا لأن الكلام إما أن يحتمل التصديق والتكذيب أو لا الأول الخبر والثاني إن اقترن معناه بلفظه فهو الإنشاء وإن لم يقترن بل تأخر عنه فهو الطلب
والمحققون على دخول الطلب في الإنشاء وأن معنى اضرب مثلا وهو طلب الضرب مقترن بلفظه وأما الضرب الذي يوجد بعد ذلك فهو متعلق الطلب لا نفسه
4832 - وقد اختلف الناس في حد الخبر فقيل لا يحد لعسره وقيل لأنه ضروري لأن الإنسان يفرق بين الإنشاء والخبر ضرورة ورجحه الإمام في المحصول

4833 - والأكثر على حده قال القاضي أبو بكر والمعتزلة الخبر الكلام الذي يدخله الصدق والكذب فأورد عليه خبر الله تعالى فإنه لا يكون إلا صادقا فأجاب القاضي بأنه يصح دخوله لغة
4834 - وقيل الذي يدخله التصديق والتكذيب وهو سالم من الإيراد المذكور
4835 - وقال أبو الحسن البصري كلام يفيد بنفسه نسبة فأورد عليه نحو قم فإنه يدخل في الحد لأن القيام منسوب والطلب منسوب
4836 - وقيل الكلام المفيد بنفسه إضافة أمر من الأمور إلى أمر من الأمور نفيا أو إثباتا
4837 - وقيل القول المقتضي بصريحه نسبة معلوم إلى معلوم بالنفي والإثبات
4838 - وقال المتأخرين الإنشاء ما يحصل مدلوله في الخارج بالكلام والخبر خلافه
4839 - وقال بعض من جعل الأقسام ثلاثة الكلام إن أفاد بالوضع طلبا فلا يخلو إما أن يكون بطلب ذكر الماهية أو تحصيلها أو الكف عنها والأول الاستفهام والثاني الأمر والثالث النهي
وإن لم يفد طلبا بالوضع فإن لم يحتمل الصدق والكذب سمى تنبيها وإنشاء لأنك نبهت به على مقصودك وأنشأته أي ابتكرته من غير أن يكون موجودا في الخارج سواء أفاد طلبا باللازم كالمتمني والترجي والنداء والقسم أم لا كأنت طالق
وإن احتملهما من حيث هو فهو الخبر
فصل 4840 - القصد بالخبر إفادة المخاطب وقد يرد بمعنى الأمر نحو والوالدات يرضعن والمطلقات يتربصن
4841 - وبمعنى النهي نحو لا يمسه إلا المطهرون

4842 - وبمعنى الدعاء نحو وإياك نستعين أي أعنا ومنه تبت يدا أبي لهب وتب فإنه دعاء عليه
وكذا قاتلهم الله
وكذا غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا
4843 - وجعل منه قوم حصرت صدورهم قالوا هو دعاء عليهم بضيق صدورهم عن قتال أحد
4844 - ونازع ابن العربي في قولهم إن الخبر يرد بمعنى الأمر أو النهي قال في قوله تعالى فلا رفث ليس نفيا لوجود الرفث بل نفي لمشروعيته فإن الرفث يوجد من بعض الناس وأخبار الله تعالى لا يجوز أن تقع بخلاف مخبره وإنما يرجع النفي إلى وجوده مشروعا لا إلى وجوده محسوسا كقوله والمطلقات يتربصن ومعناه مشروعا لا محسوسا فإنا نجد مطلقات لا يتربصن فعاد النفي إلى الحكم الشرعي لا إلى الوجود الحسي
وكذا لا يمسه إلا المطهرون أي لا يمسه أحد منهم شرعا فإن وجد المس فعلى خلاف حكم الشرع
قال وهذه الدفينة التي فاتت العلماء فقالوا إن الخبر يكون بمعنى النهي وما وجد ذلك قط ولا يصح أن يوجد فإنهما مختلفان حقيقة ويتباينان وضعا
انتهى
فرع 4845 - من أقسامه على الأصح التعجب
4846 - قال ابن فارس وهو تفصيل شيء على أضرابه
4847 - وقال ابن الصائغ استعظام صفة خرج بها المتعجب منه عن نظائره
4848 - وقال الزمخشري معنى التعجب تعظيم الأمر في قلوب السامعين

لأن التعجب لا يكون إلا من شيء خارج عن نظائره وأشكاله
4849 - وقال الرماني المطلوب في التعجب الإبهام لأن من شأن الناس أن يتعجبوا مما لا يعرف سببه فكلما استبهم السبب كان التعجب أحسن
قال وأصل التعجب إنما هو للمعنى الخفي سببه والصيغة الدالة عليه تسمى تعجبا مجازا
قال ومن أجل الإبهام لم تعمل نعم إلا في الجنس من أجل التفخيم ليقع التفسير على نحو التفخيم بالإضمار قبل الذكر
4850 - ثم قد وضعوا للتعجب صيغا من لفظه وهي ما أفعل و أفعل به وصيغا من غير لفظه نحو كبر كقوله كبرت كلمة تخرج من أفواههم كبر مقتا عند الله كيف تكفرون بالله
قاعدة 4851 - قال المحققون إذا ورد التعجب من الله صرف إلى المخاطب كقوله فما أصبرهم على النار أي هؤلاء يجب أن يتعجب منهم وإنما لا يوصف تعالى بالتعجب لأنه استعظام يصحبه الجهل وهو تعالى منزه عن ذلك ولهذا تعبر جماعة بالتعجيب بدله أي أنه تعجيب من الله للمخاطبين
ونظير هذا مجيء الدعاء والترجي منه تعالى إنما هو بالنظر إلى ما تفهمه العرب أي هؤلاء مما يجب أن يقال لهم عندكم هذا ولذلك قال سيبويه في قوله تعالى لعله يتذكر أو يخشى المعنى اذهبا على رجائكما وطمعكما وفي قوله ويل للمطففين ويل يومئذ للمكذبين لا نقول هذا دعاء لأن الكلام بذلك قبيح ولكن العرب إنما تكلموا بكلامهم وجاء القرآن على لغتهم وعلى ما يعنون فكأنه قيل لهم ويل للمطففين أي هؤلاء مما وجب هذا القول لهم لأن هذا الكلام إنما يقال لصاحب الشرور والهلكة فقيل هؤلاء ممن دخل في الهلكة
1 -
فرع 4852 - من أقسام الخبر الوعد والوعيد نحو سنريهم آياتنا في الآفاق

وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب وفي كلام ابن قتيبة ما يوهم أنه إنشاء
2 - فرع
4853 - من أقسام الخبر النفي بل هو شطر الكلام كله والفرق بينه وبين الجحد أن النافي إن كان صادقا سمي كلامه نفيا ولا يسمى جحدا وإن كان كاذبا سمي جحدا ونفيا أيضا فكل جحد نفي وليس كل نفي جحدا ذكره أبو جعفر النحاس وابن الشجري وغيرهما
4854 - مثال النفي ما كان محمد أبا أحد من رجالكم
4855 - ومثال الجحد نفي فرعون وقومه آيات موسى قال تعالى فلما جاءتهم آياتنا مبصرة قالوا هذا سحر مبين وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم
4856 - وأدوات النفي لا ولات وليس وما وإن ولم ولما وقد تقدمت معانيها وما افترقت فيه نوع الأدوات
4857 - ونورد هنا فائدة زائدة قال الخويي أصل أدوات النفي لا وما لأن النفي إما في الماضي وإما في المستقبل والاستقبال أكثر من الماضي أبدا ولا أخف من ما فوضعوا الأخف للأكثر
4858 - ثم إن النفي في الماضي إما أن يكون نفيا واحدا مستمرا أو نفيا فيه أحكام متعددة وكذلك النفي في المستقبل فصار النفي على أربعة أقسام واختاروا له أربع كلمات ما ولم ولن ولا وأما إن ولما فليسا بأصلين فما ولا في الماضي والمستقبل متقابلان ولم كأنه مأخوذ من لا وما لأن لم نفي للاستقبال لفظا والمضي معنى فأخذ اللام من لا التي هي لنفي المستقبل والميم من ما التي هي لنفي الماضي وجمع بينهما إشارة إلى أن في لم إشارة إلى المستقبل والماضي وقدم اللام على الميم إشارة إلى أن لا هي أصل النفي ولهذا ينفي بها في أثناء الكلام فيقال لم يفعل زيد ولا عمرو وأما لما فتركيب بعد تركيب كأنه قال لم وما لتوكيد معنى النفي في الماضي
وتفيد الاستقبال أيضا ولهذا تفيد لما الاستمرار


تنبيهات
الأول 4859 - زعم بعضهم أن شرط صحة النفي عن الشيء صحة اتصاف المنفي عنه بذلك الشيء وهو مردود بقوله تعالى وما ربك بغافل عما يعملون وما كان ربك نسيا لا تأخذه سنة ولا نوم ونظائره والصواب أن انتفاء الشيء عن الشيء قد يكون لكونه لا يمكن منه عقلا وقد يكون لكونه لا يقع منه مع إمكانه
الثاني 4860 - نفي الذات الموصوفة قد يكون نفيا للصفة دون الذات وقد يكون نفيا للذات أيضا
من الأول وما جعلناهم جسدا لا يأكلون الطعام أي بل هم جسد يأكلونه ومن الثاني لا يسألون الناس إلحافا أي لا سؤال لهم أصلا فلا يحصل منهم إلحاف
ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع أي لا شفيع لهم أصلا فما تنفعهم شفاعة الشافعين أي لا شافعين لهم فتنفعهم شفاعتهم بدليل فما لنا من شافعين
ويسمى هذا النوع عند أهل البديع نفي الشيء بإيجابه
وعبارة ابن رشيق في تفسيره أن يكون الكلام ظاهره إيجاب الشيء وباطنه نفيه بأن ينفي ما هو من سببه كوصفه وهو المنفي في الباطن
وعبارة غيره أن ينفى الشيء مقيدا والمراد نفيه مطلقا مبالغة في النفي وتأكيدا له ومنه ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به فإن الإله مع الله لا يكون إلا عن غير برهان
ويقتلون النبيين بغير حق فإن قتلهم لا يكون إلا بغير حق
رفع السموات بغير عمد ترونها فإنها لا عمد لها أصلا
الثالث 4861 - قد ينفى الشيء رأسا لعدم كمال وصفه أو انتفاء ثمرته كقوله في صفة أهل النار ثم لا يموت فيها ولا يحيا فنفى عنه الموت لأنه ليس بموت

صريح ونفى عنه الحياة لأنها ليست بحياة طيبة ولا نافعة
وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون فإن المعتزلة احتجوا بها على نفي الرؤية فإن النظر في قوله تعالى إلى ربها ناظرة لا يستلزم الإبصار
ورد بأن المعنى أنها تنظر إليه بإقبالها عليه وليست تبصر شيئا
ولقد علموا لمن اشتراه ماله في الآخرة من خلاق ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون فإنه وصفهم أولا بالعلم على سبيل التوكيد القسمي ثم نفاه آخرا عنهم لعدم جريهم على موجب العلم
قاله السكاكي
الرابع 4862 - قالوا المجاز يصح نفيه بخلاف الحقيقة وأشكل على ذلك وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى فإن المنفي فيه هو الحقيقة
وأجيب بأن المراد بالرمي هنا المترتب عليه وهو وصوله إلى الكفار فالوارد عليه النفي هنا مجاز لا حقيقة والتقدير وما رميت خلقا إذ رميت كسبا أو ما رميت انتهاء إذ رميت ابتداء
الخامس 4863 - نفي الاستطاعة قد يراد به نفي القدرة والإمكان وقد يراد نفي الامتناع وقد يراد به الوقوع بمشقة وكلفة
من الأول فلا يستطيعون توصية فلا يستطيعون ردها فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا
ومن الثاني هل يستطيع ربك على القراءتين أي هل يفعل أو هل تجيبنا إلى أن تسأل فقد علموا أنه قادر على الإنزال وأن عيسى قادر على السؤال
ومن الثالث إنك لن تستطيع معي صبرا
قاعدة 4864 - نفي العام يدل على نفي الخاص وثبوته لا يدل على ثبوته وثبوت

الخاص يدل على ثبوت العام ونفيه لا يدل على نفيه ولا شك أن زيادة المفهوم من اللفظ توجب الالتذاذ به فلذلك كان نفي العام أحسن من نفي الخاص وإثبات الخاص أحسن من إثبات العام فالأول كقوله فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم لم يقل بضوئهم بعد قوله أضاءت لأن النور أعم من الضوء إذ يقال على القليل والكثير وإنما يقال الضوء على النور الكثير ولذلك قال هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا ففي الضوء دلالة على النور فهو أخص منه فعدمه يوجب عدم الضوء بخلاف العكس والقصد إزالة النور عنهم أصلا ولذا قال عقبه وتركهم في ظلمات
4865 - ومنه ليس بي ضلالة ولم يقل ضلال كما قالوا إنا لنراك في ضلال لأنها أعم منه فكان أبلغ في نفي الضلال وعبر عن هذا بأن نفي الواحد يلزم منه نفي الجنس البتة وبأن نفي الأدنى يلزم منه نفي الأعلى
والثاني كقوله وجنة عرضها السموات والأرض ولم يقل طولها لأن العرض أخص إذ كل ما له عرض فله طول ولا ينعكس
ونظير هذه القاعدة أن نفي المبالغة في الفعل لا يستلزم نفي أصل الفعل
وقد أشكل على هذا آيتان قوله تعالى وما ربك بظلام للعبيد وقوله وما كان ربك نسيا
4866 - وأجيب عن الآية الأولى بأجوبة
أحدها أن ظلاما وإن كان للكثرة لكنه جيء به في مقابلة العبيد الذي هو جمع كثرة ويرشحه أنه تعالى قال علام الغيوب فقابل صيغة فعال بالجمع وقال في آية أخرى عالم الغيب فقابل صيغة فاعل الدالة على أصل الفعل بالواحد
الثاني أنه نفى الظلم الكثير لينتفي القليل ضرورة لأن الذي يظلم إنما يظلم لانتفاعه بالظلم فإذا ترك الكثير مع زيادة نفعه فلأن يترك القليل أولى
الثالث أنه على النسبة أي بذي ظلم حكاه ابن مالك عن المحققين

الرابع أنه أتى بمعنى فاعل لا كثرة فيه
الخامس أن أقل القليل لو ورد منه تعالى لكان كثيرا كما يقال زلة العالم كبيرة
السادس أنه أراد ليس بظالم ليس بظالم تأكيدا للنفي فعبر عن ذلك ب ليس بظلام
السابع أنه ورد جوابا لمن قال ظلام والتكرار إذا ورد جوابا لكلام خاص لم يكن له مفهوم
الثامن أن صيغة المبالغة وغيرها في صفات الله سواء في الإثبات فجرى النفي على ذلك
التاسع أنه قصد التعريض بأن ثم ظلاما للعبيد من ولاة الجور
ويجاب عن الثانية بهذه الأجوبة وبعاشر وهو مناسبة رءوس الآي
فائدة 4867 - قال صاحب الياقوتة قال ثعلب والمبرد العرب إذا جاءت بين الكلامين بجحدين كان الكلام أخبارا نحو وما جعلناهم جسدا لا يأكلون الطعام والمعنى إنما جعلناهم جسدا يأكلون الطعام وإذا كان الجحد في أول الكلام كان جحدا حقيقيا نحو ما زيد بخارج وإذا كان في أول الكلام جحدان كان أحدهما زائدا وعليه فيما إن مكناكم فيه في أحد الأقوال
فصل 4868 - من أقسام الإنشاء الاستفهام وهو طلب الفهم وهو بمعنى الاستخبار
4869 - وقيل الاستخبار ما سبق أولا ولم يفهم حق الفهم فإذا سألت عنه ثانيا كان استفهاما
حكاه ابن فارس في فقه اللغة
4870 - وأدواته الهمزة وهل وما ومن وأي وكم وكيف وأين وأنى ومتى وأيان ومرت في الأدوات

4871 - وقال ابن مالك في المصباح وما عدا الهمزة نائب عنها ولكونه طلب ارتسام صورة ما في الخارج في الذهن لزم ألا يكون حقيقة إلا إذا صدر من شاك مصدق بإمكان الإعلام فإن غير الشاك إذا استفهم يلزم منه تحصيل الحاصل وإذا لم يصدق بإمكان الإعلام انتفت عنه فائدة الاستفهام
4872 - وقال بعض الأئمة وما جاء في القرآن على لفظ الاستفهام فإنما يقع في خطاب الله على معنى أن المخاطب عنده علم ذلك الإثبات أو النفي حاصل
وقد تستعمل صيغة الاستفهام في غيره مجازا وألف في ذلك العلامة شمس الدين ابن الصائغ كتابا سماه روض الأفهام في أقسام الاستفهام قال فيه قد توسعت العرب فأخرجت الاستفهام عن حقيقته لمعان أو أشربته تلك المعاني ولا يختص التجوز في ذلك بالهمزة خلافا للصفار
4873 - الأول الإنكار والمعنى فيه على النفي وما بعده منفي ولذلك تصحبه إلا كقوله فهل يهلك إلا القوم الفاسقون وهل نجازي إلا الكفور
وعطف عليه المنفي في قوله فمن يهدي من أضل الله وما لهم من ناصرين أي لا يهدي ومنه أنؤمن لك واتبعك الأرذلون أنؤمن لبشرين مثلنا أي لا نؤمن أم له البنات ولكم البنون ألكم الذكر وله الأنثى أي لا يكون هذا أشهدوا خلقهم أي ما شهدوا ذلك
وكثيرا ما يصحبه التكذيب وهو في الماضي بمعنى لم يكن وفي المستقبل بمعنى لايكون نحو أفأصفاكم ربكم بالبنين . . الآية أي لم يفعل ذلك أنلزمكموها وأنتم لها كارهون أي لا يكون هذا الإلزام
4874 - الثاني التوبيخ وجعله بعضهم من قبيل الانكار إلا أن الأول إنكار

إبطال وهذا إنكار توبيخ والمعنى على أن ما بعده واقع جدير بأن ينفي فالنفي هنا غير قصدي والإثبات قصدي عكس ما تقدم
ويعبر عن ذلك بالتقريع أيضا نحو أفعصيت أمري أتعبدون ما تنحتون أتدعون بعلا وتذرون أحسن الخالقين
وأكثر ما يقع التوبيخ في أمر ثابت ووبخ على فعله كما ذكر ويقع على ترك فعل كان ينبغي أن يقع كقوله أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها
4875 - الثالث وهو حمل المخاطب على الإقرار والاعتراف بأمر قد استقر عنده قال ابن جني ولا يستعمل ذلك بهل كما يستعمل بغيرها من أدوات الاستفهام وقال الكندي ذهب كثير من العلماء في قوله هل يسمعونكم إذ تدعون أو ينفعونكم إلى أن هل تشارك الهمزة في معنى التقرير والتوبيخ إلا أني رأيت أبا علي أبى ذلك وهو معذور لأن ذلك من قبيل الإنكار
4876 - ونقل أبو حيان عن سيبويه أن استفهام التقرير لا يكون بهل إنما يستعمل فيه الهمزة ثم نقل عن بعضهم أن هل تأتي تقريرا كما في قوله تعالى هل في ذلك قسم لذي حجر
4877 - والكلام مع التقرير موجب ولذلك يعطف عليه صريح الموجب ويعطف على صريح الموجب فالأول كقوله تعالى ألم نشرح لك صدرك ووضعنا عنك وزرك ألم يجدك يتيما فآوى ووجدك ألم يجعل كيدهم في تضليل وأرسل والثاني نحو أكذبتم باياتي ولم تحيطوا بها علما على ما قرره الجرجاني من جعلها مثل وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا
وحقيقة استفهام التقرير أنه استفهام إنكار والإنكار نفي وقد دخل على النفي ونفي النفي إثبات ومن أمثلته أليس الله بكاف عبده ألست بربكم وجعل منه

الزمخشري ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير
4878 - الرابع التعجب أو التعجيب نحو كيف تكفرون بالله ما لي لا أرى الهدهد
وقد اجتمع هذا القسم وسابقاه في قوله أتأمرون الناس بالبر
قال الزمخشري الهمزة للتقرير مع التوبيخ والتعجب من حالهم
ويحتمل التعجب والاستفهام الحقيقي ما ولاهم عن قبلتهم
4879 - الخامس العتاب كقوله ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله قال ابن مسعود ما كان بين إسلامهم وبين أن عوتبوا بهذه الآية إلا أربع سنين أخرجه الحاكم ومن ألطفه ما عاتب الله به خير خلقه بقوله عفا الله عنك لم أذنت لهم ولم يتأدب الزمخشري بأدب الله في هذه الآية على عادته في سوء الأدب
4880 - السادس التذكير وفيه نوع اختصار كقوله ألم أعهد إليكم يا بني آدم ألا تعبدوا الشيطان ألم أقل لكم إني أعلم غيب السموات والأرض هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه
4881 - السابع الافتخار نحو أليس لي ملك مصر
4882 - الثامن التفخيم نحو مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة
4883 - التاسع التهويل والتخويف نحو الحاقة ما الحاقة القارعة ما القارعة
4884 - العاشر عكسه وهو التسهيل والتخفيف نحو وماذا عليهم لو آمنوا
4885 - الحادي عشر التهديد والوعيد نحو ألم نهلك الأولين

4886 - الثاني عشر التكثير نحو وكم من قرية أهلكناها
4887 - الثالث عشر التسوية وهو الاستفهام الداخل على جملة يصح حلول المصدر محلها نحو سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم
4888 - الرابع عشر الأمر نحو أأسلمتم أي أسلموا فهل أنتم منتهون أي انتهوا أتصبرون أي اصبروا
4889 - الخامس عشر التنبيه وهو من أقسام الأمر نحو ألم تر إلى ربك كيف مد الظل أي انظر ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فتصبح الأرض مخضرة ذكره صاحب الكشاف عن سيبوبه ولذلك رفع الفعل في جوابه وجعل منه قوله فأين تذهبون للتنبيه على الضلال وكذا ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه
4890 - السادس عشر الترغيب نحو من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا هل أدلكم على تجارة تنجيكم
4891 - السابع عشر النهي نحو أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه بدليل فلا تخشوا الناس واخشون ما غرك بربك الكريم أي لا تغتر
4892 - الثامن عشر الدعاء وهو كالنهي إلا أنه من الأدنى إلى الأعلى نحو أتهلكنا بما فعل السفهاء أي لا تهلكنا
4893 - التاسع عشر الاسترشاد نحو أتجعل فيها من يفسد فيها
4894 - العشرون التمني نحو فهل لنا من شفعاء
4895 - الحادي والعشرون الاستبطاء نحو متى نصر الله
4896 - الثاني والعشرون العرض نحو ألا تحبون أن يغفر الله لكم

4897 - الثالث والعشرون التحضيض نحو ألا تقاتلون قوما نكثوا أيمانهم
4898 - الرابع والعشرون التجاهل نحو أأنزل عليه الذكر من بيننا
4899 - الخامس والعشرون التعظيم نحو من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه
4900 - السادس والعشرون التحقير نحو أهذا الذي يذكر آلهتكم أهذا الذي بعث الله رسولا ويحتمله وما قبله قراءة من فرعون
4901 - السابع والعشرون الاكتفاء نحو أليس في جهنم مثوى للمتكبرين
4902 - الثامن والعشرون الاستبعاد نحو وأنى له الذكرى
4903 - التاسع والعشرون الإيناس نحو وما تلك بيمينك يا موسى
4904 - الثلاثون التهكم والاستهزاء نحو أصلواتك تأمرك ألا تأكلون ما لكم لا تنطقون
4905 - الحادي والثلاثون التأكيد لما سبق من معنى أداة الاستفهام قبله كقوله أفمن حق عليه كلمة العذاب أفأنت تنقذ من في النار قال الموفق عبد اللطيف البغدادي أي من حق عليه كلمة العذاب فإنك لا تنقذه فمن للشرط والفاء جواب الشرط والهمزة في أفأنت دخلت معادة مؤكدة لطول الكلام وهذا نوع من أنواعها
وقال الزمخشري الهمزة الثانية هي الأولى كررت لتوكيد معنى الإنكار والاستبعاد

4906 - الثاني والثلاثون الإخبار نحو أفي قلوبهم مرض أم ارتابوا هل أتى على الإنسان
تنبيهات
الأول 4907 - هل يقال إن معنى الاستفهام في هذه الأشياء موجود وانضم إليه معنى آخر أو تجرد عن الاستفهام بالكلية قال في عروس الأفراح محل نظر قال والذي يظهر الأول
قال ويساعده قول التنوخي في الأقصى القريب إن لعل تكون للاستفهام مع بقاء الترجي قال ومما يرجحه أن الاستبطاء في قولك كم أدعوك معناه أن الدعاء وصل إلى حد لا أعلم عدده فأنا أطلب أن أعلم عدده والعادة تقضي بأن الشخص إنما يستفهم عن عدد ما صدر منه إذا كثر فلم يعلمه وفي طلب فهم عدده ما يشعر بالاستبطاء
4908 - وأما التعجب فالاستفهام معه مستمر فمن تعجب من شيء فهو بلسان الحال سائل عن سببه فكأنه يقول أي شيء عرض لي في حال عدم رؤية الهدهد وقد صرح في الكشاف ببقاء الاستفهام في هذه الآية
4909 - وأما التنبيه على الضلال فالاستفهام فيه حقيقي لأن معنى أين تذهب أخبرني إلى أي مكان تذهب فإني لا أعرف ذلك وغاية الضلال لا يشعر بها إلى أين تنتهي
4910 - وأما التقرير فإن قلنا المراد به الحكم بثبوته فهو خبر بأن المذكور عقيب الأداة واقع
أو طلب إقرار المخاطب به من كون السائل يعلم فهو استفهام يقرر المخاطب أي يطلب منه أن يكون مقرا به
وفي كلام أهل الفن ما يقتضي الاحتمالين والثاني أظهر
وفي الإيضاح تصريح به ولا بدع في صدور الاستفهام ممن يعلم المستفهم عنه لأنه طلب الفهم أما طلب فهم المستفهم أو وقوع فهم لمن لم يفهم كائنا من كان
وبهذا تنحل إشكالات كثيرة في مواضع الاستفهام ويظهر بالتأمل بقاء معنى الاستفهام مع كل أمر من الأمور المذكورة
انتهى ملخصا


الثاني 4911 - القاعدة أن المنكر يجب أن يلي الهمزة وأشكل عليها قوله تعالى أفأصفاكم ربكم بالبنين فإن الذين يليها هنا الإصفاء بالبنين وليس هو المنكر إنما المنكر قولهم إنه اتخذ من الملائكة إناثا
وأجيب بأن لفظ الإصفاء مشعر بزعم أن البنات لغيرهم أو بأن المراد مجموع الجملتين وينحل منهما كلام واحد
والتقدير أجمع بين الإصفاء بالبنين واتخاذ البنات
وأشكل منه قوله أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم ووجه الإشكال أنه لا جائز ان يكون المنكر أمر الناس بالبر فقط كما تقتضيه القاعدة المذكورة لأن أمر البر ليس مما ينكر ولا نسيان النفس فقط لأنه يصير ذكر أمر الناس بالبر لا مدخل له ولا مجموع الأمرين لأنه يلزم أن تكون العبادة جزء المنكر ولا نسيان النفس بشرط الأمر لأن النسيان منكر مطلقا ولا يكون نسيان النفس حال الأمر اشد منه حال عدم الأمر لأن المعصية لا تزداد بشاعتها بانضمامها إلى الطاعة لأن جمهور العلماء على أن الأمر بالبر واجب وإن كان الإنسان ناسيا لنفسه وأمره لغيره بالبر كيف يضاعف بمعصية نسيان ولا يأتي الخير بالشر
قال في عروس الأفراح ويجاب بأن فعل المعصية مع النهي عنها أفحش لأنها تجعل حال الإنسان كالمتناقض وتجعل القول كالمخالف للفعل ولذلك كانت المعصية مع العلم أفحش منها مع الجهل قال ولكن الجواب على أن الطاعة الصرفة كيف تضاعف المعصية المقارنة لها من جنسها فيه دقة
فصل من أقسام الإنشاء الأمر 4912 - وهو طلب فعل غير كف وصيغته افعل و ليفعل وهي حقيقة في الإيجاب نحو أقيموا الصلاة فليصلوا معك
وترد مجازا لمعان أخر
4913 - منها الندب نحو وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا

4914 - والإباحة نحو فكاتبوهم نص الشافعي على أن الأمر فيه للإباحة ومنه وإذا حللتم فاصطادوا
4915 - والدعاء من الغافل للعالي نحو رب اغفر لي
4916 - والتهديد نحو اعملوا ما شئتم إذ ليس المراد الأمر بكل عمل شاءوا
4917 - والإهانة نحو ذق إنك أنت العزيز الكريم
4918 - والتسخير أي التذليل نحو كونوا قردة عبر به عن نقلهم من حالة إلى حالة إذلالا لهم فهو أخص من الإهانة
4919 - والتعجيز نحو فأتوا بسورة من مثله إذ ليس المراد طلب ذلك منهم بل إظهار عجزهم
4920 - والامتنان نحو كلوا من ثمره إذا أثمر
4921 - والعجب نحو انظر كيف ضربوا لك الأمثال
4922 - والتسوية نحو فاصبروا أو لا تصبروا
4923 - والإرشاد نحو وأشهدوا إذا تبايعتم
4924 - والاحتقار نحو ألقوا ما أنتم ملقون
4925 - والإنذار نحو قل تمتعوا
4926 - والإكرام نحو ادخلوها بسلام
4927 - والتكوين وهو أعم من التسخير نحو كن فيكون
4928 - والإنعام أي تذكير النعمة نحو كلوا مما رزقكم الله

4929 - والتكذيب نحو قل فأتوا بالتوراة فاتلوها قل هلم شهداءكم الذين يشهدون أن الله حرم هذا
4930 - والمشورة نحو فانظر ماذا ترى
4931 - والاعتبار نحو انظروا إلى ثمره إذا أثمر
4932 - والتعجب نحو اسمع بهم وأبصر ذكره السكاكي في استعمال الإنشاء بمعنى الخبر
فصل ومن أقسامه النهي 4933 - وهو طلب الكف عن فعل وصيغته لا تفعل وهي حقيقة في التحريم
وترد مجازا لمعان
4934 - منها الكراهة ونحو ولا تمش في الأرض مرحا
4935 - والدعاء نحو ربنا لا تزغ قلوبنا
4936 - والإرشاد نحو لا تسألوا عن أشياء أن تبد لكم تسؤكم
4937 - والتسوية نحو أو لا تصبروا
4938 - والاحتقار والتقليل نحو لا تمدن عينيك . . الآية أي فهو قليل حقير
4939 - وبيان العاقبة نحو ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء أي عاقبة الجهاد الحياة لا الموت
4940 - واليأس نحو لا تعتذروا
4941 - والإهانة نحو اخسئوا فيها ولا تكلمون


فصل ومن أقسامه التمني 4942 - وهو طلب حصول شيء على سبيل المحبة ولا يشترط إمكان المتمنى بخلاف المترجى لكن نوزع في تسمية تمني المحال طلبا بأن ما لا يتوقع كيف يطلب قال في عروس الأفراح فالأحسن ما ذكره الإمام وأتباعه من أن التمني والترجي والنداء والقسم ليس فيها طلب بل هو تنبيه ولا بدع في تسميته إنشاء
انتهى
وقد بالغ قوم فجعلوا التمني من قسم الخبر وأن معناه النفي والزمخشري ممن جزم بخلافه
ثم استشكل دخول التكذيب في جوابه في قوله يا ليتنا نرد ولا نكذب إلى قوله وإنهم لكاذبون وأجاب بتضمنه معنى العدة فتعلق به التكذيب
وقال غيره التمني لا يصح فيه الكذب وإنما الكذب في المتمنى الذي يترجح عند صاحبه وقوعه فهو إذن وارد على ذلك الاعتقاد الذي هو ظن وهو خبر صحيح
قال وليس المعنى في قوله وإنهم لكاذبون أن ما تمنوا ليس بواقع لأنه ورد في معرض الذم لهم وليس في ذلك المتمنى ذم بل التكذيب ورد على إخبارهم عن أنفسهم أنهم لا يكذبون وأنهم يؤمنون
وحرف التمنى الموضوع له ليت نحو يا ليتنا نرد يا ليت قومي يعلمون يا ليتني كنت معهم فأفوز
وقد يتمنى بهل حيث يعلم فقده نحو فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا وبلوا نحو فلو أن لنا كرة فنكون ولذا نصب الفصل في جوابها
وقد يتمنى ب لعل في البعيد فتعطى حكم ليت في نصب الجواب نحو لعلي أبلغ الأسباب أسباب السموات فأطلع


فصل ومن أقسامه الترجي 4943 - نقل القرافي في الفروق الإجماع على أنه إنشاء وفرق بينه وبين التمني بأنه في الممكن والتمني فيه وفي المستحيل وبأن الترجي في القريب والتمني في البعيد وبأن الترجي في المتوقع والتمني في غيره وبأن التمني في المشقوق للنفس والترجي في غيره
وسمعت شيخنا العلامة الكافيجي يقول الفرق بين التمني وبين العرض هو الفرق بينه وبين الترجي
وحرف الترجي لعل وعسى وقد ترد مجازا لتوقع محذور ويسمى الإشفاق نحو لعل الساعة قريب
فصل ومن أقسامه النداء 4944 - وهو طلب إقبال المدعو على الداعي بحرف نائب مناب أدعو ويصحب في الأكثر الأمر والنهي والغالب تقدمه نحو يا أيها الناس اعبدوا ربكم يا عباد فاتقون يا أيها المزمل قم الليل ويا قوم استغفروا ربكم يأيها الذين آمنوا لا تقدموا
4945 - وقد يتأخر نحو وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون
4946 - وقد يصحب الجملة الخبرية فتعقبها جملة الأمر نحو يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له ويا قوم هذه ناقة الله لكم آية فذروها
4947 - وقد لا تعقبها نحو يا عباد لا خوف عليكم اليوم يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر يا أيها

النبي لم تحرم ويا قوم ما لي أدعوكم
4949 - وقد ترد صورة النداء لغيره مجازا كالإغراء والتحذير وقد اجتمعا في قوله تعالى ناقة الله وسقياها
4950 - والاختصاص كقوله رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت
4951 - والتنبيه كقوله ألا يسجدوا والتعجب كقوله يا حسرة على العباد
4952 - والتحسر كقوله يا ليتني كنت ترابا
قاعدة 4953 - أصل النداء ب يا أن تكون للبعيد حقيقة أو حكما وقد ينادى بها القريب لنكت منها إظهار الحرص في وقوعه على إقبال المدعو نحو يا موسى أقبل
4954 - ومنها كون الخطاب المتلو معتنى به نحو يا أيها الناس اعبدوا ربكم
4955 - ومنها قصد تعظيم شأن المدعو نحو يا رب وقد قال تعالى فإني قريب
4956 - ومنها قصد انحطاطه كقول فرعون وإني لأظنك يا موسى مسحورا
فائدة 4957 - قال الزمخشري وغيره كثر في القرآن النداء ب يا أيها دون غيره لأن فيه أوجها من التأكيد وأسبابا من المبالغة
منها ما في يا من التأكيد والتنبيه وما في ها من التنبيه وما في التدرج من

الإبهام في أي إلى التوضيح والمقام يناسب المبالغة والتأكيد لأن كل ما نادى له عباده من أوامره ونواهيه وعظاته وزواجره ووعده ووعيده ومن اقتصاص أخبار الأمم الماضية وغير ذلك ومما أنطق الله به كتابه أمور عظام وخطوب جسام ومعان واجب عليهم أن يتيقظوا لها ويميلوا بقلوبهم وبصائرهم إليها وهم غافلون فاقتضى الحال أن ينادوا بالآكد الأبلغ
فصل ومن أقسامه القسم 4958 - نقل القرافي الإجماع على أنه إنشاء وفائدته تأكيد الجملة الخبرية وتحقيقها عند السامع وسيأتي بسط الكلام فيه في النوع السابع والستين
4959 - فصل ومن أقسامه الشرط


النوع الثامن والخمسون
في بدائع القرآن 4960 - أفرده بالتصنيف ابن أبي الأصبع فأورد فيه نحو مائة نوع وهي المجاز والاستعارة والتشبيه والكناية والإرداف والتمثيل والإيجاز والإتساع والإشارة والمساواة والبسط والإيغال والتتميم والتكميل والاحتراس والاستقصاء والتذييل والزيادة والترديد والتكرار والتفسير والإيضاح ونفي الشيء بإيجابه والمذهب الكلامي والقول بالموجب والمناقضة والأنتقال والأسجال والتسليم والتمكين والتوشيح والتسهيم ورد العجز على الصدر وتشابه الأطراف ولزوم ما لا يلزم والتخيير والتسجيع والتسريع والإيهام وهو التورية والاستخدام والالتفات والاطراد والانسجام والإدماج والافتنان والاقتدار وائتلاف اللفظ مع اللفظ وائتلاف اللفظ مع المعنى والاستدراك والاستثناء والاقتصاص والإبدال وتأكيد المدح بما يشبه الذم والتفويت والتغاير والتقسيم والتدبيج والتنكيت والتجريد والتعديد والترتيب والترقي والتدلي والتضمين والجناس والجمع والتفريق والجمع والتقسيم والجمع مع التفريق والتقسيم وجمع المؤتلف والمختلف وحسن النسق وعتاب المرء نفسه والعكس والعنوان والفرائد والقسم واللف والنشر والمشاكلة والمزاوجة والمبالغة والمطابقة والمقابلة والمواربة والمراجعة والنزاهة والإبداع والمقارنة وحسن الابتداء وحسن الختام وحسن التخلص والاستطراد
4961 - فأما المجاز وما بعده إلى الإيضاح فقد تقدم بعضها في أنواع مفردة وبعضها في نوع الإيجاز والإطناب مع أنواع أخر كالتعريض والاحتباك والاكتفاء والطرد والعكس

4962 - وأما نفي الشيء بإيجابه فقد تقدم في النوع الذي قبل هذا
وأما المذهب الكلامي والخمسة بعده فستأتي في نوع الجدل مع أنواع أخر مزيدة
وأما التمكين والثمانية بعده فستأتي في أنواع الفواصل
وأما حسن التخلص والاستطراد فسيأتيان في نوع المناسبات وأما حسن الابتداء وبراعة الختام فسيأتيان في نوعي الفواتح والخواتم
وها أنا أورد الباقي مع زوائد ونفائس لا توجد مجموعة في غير هذا الكتاب
1 -
الإيهام 4963 - ويدعى التورية أن يذكر لفظ له معنيان إما بالاشتراك أو التواطؤ أو الحقيقة والمجاز أحدهما قريب والآخر بعيد ويقصد البعيد ويورى عنه بالقريب فيتوهمه السامع من أول وهلة
4964 - قال الزمخشري لا ترى بابا في البيان أدق ولا ألطف من التورية ولا أنفع ولا أعون على تعاطي تأويل المتشابهات في كلام الله ورسوله قال ومن أمثلتها الرحمن على العرش استوى فإن الاستواء على معنيين الاستقرار في المكان وهو المعنى القريب المورى به الذي هو غير مقصود لتنزيهه تعالى عنه والثاني الاستيلاء والملك وهو المعنى البعيد المقصود الذي ورى عنه بالقريب المذكور
انتهى
4965 - وهذه التورية تسمى مجردة لأنها لم يذكر فيها شيء من لوازم المورى به ولا المورى عنه
4966 - ومنها ما تسمى مرشحة وهي التي ذكر فيها شيء من لوازم هذا أو هذا كقوله تعالى والسماء بنيناها بأيد فإنه يحتمل الجارحة وهو المورى به وقد ذكر من لوازمه على جهة الترشيح البنيان ويحتمل القوة والقدرة وهو البعيد المقصود
4967 - قال ابن أبي الأصبع في كتابه الإعجاز ومنها قالوا تالله إنك لفي ضلالك القديم فالضلال يحتمل الحب وضد الهدى فاستعمل أولاد يعقوب ضد الهدى تورية عن الحب

فاليوم ننجيك ببدنك على تفسيره بالدرع فإن البدن يطلق عليه وعلى الجسد والمراد البعيد وهو الجسد
4968 - قال ومن ذلك قوله بعد ذكر أهل الكتاب من اليهود والنصارى حيث قال ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك وما أنت بتابع قبلتهم
ولما كان الخطاب لموسى من الجانب الغربي وتوجهت إليه اليهود وتوجهت النصارى إلى المشرق كانت قبلة الإسلام وسطا بين القبلتين قال تعالى وكذلك جعلناكم أمة وسطا أي خيارا وظاهر اللفظ يوهم التوسط مع ما يعضده من توسط قبلة المسلمين صدق على لفظة وسط ها هنا أن يسمي تعالى به لاحتمالها المعنيين
ولما كان المراد أبعدها وهو الخيار صلحت أن تكون من أمثلة التورية
4969 - قلت وهي مرشحة بلازم المورى عنه وهو قوله لتكونوا شهداء على الناس فإنه من لوازم كونهم خيارا أي عدولا والإتيان قبلها من قسم المجردة
ومن ذلك قوله والنجم والشجر يسجدان فإن النجم يطلق على الكوكب ويرشحه له ذكر الشمس والقمر وعلى ما لا ساق له من النبات وهو المعنى البعيد له وهو المقصود في الآية
ونقلت من خط شيخ الإسلام ابن حجر أن التورية في القرآن قوله تعالى وما أرسلناك إلا كافة للناس فإن كافة بمعنى مانع أي تكفهم عن الكفر والمعصية والهاء للمبالغة وهذا معنى بعيد والمعنى القريب المتبادر أن المراد جامعة بمعنى جميعا لكن منع من حمله على ذلك أن التأكيد يتراخى عن المؤكد فكما لا تقول رأيت جميعا الناس لا تقول رأيت كافة الناس
2 -
الاستخدام 4970 - هو والتورية أشرف أنواع البديع وهما سيان بل فضله بعضهم عليها ولهم فيه عبارتان
إحداهما أن يؤتى بلفظ له معنيان فأكثر مرادا به أحد معانيه ثم يؤتى بضميره

مرادا به المعنى الآخر وهذه طريقة السكاكي وأتباعه
والأخرى أن يؤتي بلفظ مشترك ثم بلفظين يفهم من أحدهما أحد المعنيين ومن الآخر الآخر وهذه طريقة بدر الدين بن جماعة في المصباح ومشى عليها ابن أبي الإصبع ومثل له بقوله تعالى لكل أجل كتاب . . الآية فلفظ كتاب يحتمل الأمد المحتوم والكتاب المكتوب فلفظ أجل يخدم المعنى الأول و يمحو يخدم الثاني
ومثل غيره بقوله تعالى لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى . . الآية فالصلاة تحتمل أن يراد بها فعلها وموضعها وقوله حتى تعلموا ما تقولون يخدم الأول و إلا عابري سبيل يخدم الثاني
قيل ولم يقع في القرآن على طريقة السكاكي
4971 - قلت وقد استخرجت بفكري آيات على طريقته منها قوله تعالى أتى أمر الله فأمر الله يراد به قيام الساعة والعذاب وبعثة النبي وقد أريد بلفظه الأخير كما أخرج ابن مردويه من طريق الضحاك عن ابن عباس في قوله تعالى أتى أمر الله قال محمد وأعيد الضمير عليه في تستعجلوه مرادا به قيام الساعة والعذاب
4972 - ومنها وهي أظهرها قوله تعالى ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين فإن المراد به آدم ثم أعاد عليه الضمير مرادا به ولده
فقال ثم جعلناه نطفة في قرار مكين
4973 - ومنها قوله تعالى لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم ثم قال قد سألها قوم من قبلكم أي أشياء أخر لأن الأولين لم يسألوا عن الأشياء التي سأل عنها الصحابة فنهوا عن سؤالها
3 -
الالتفات 4974 - نقل الكلام من أسلوب إلى آخر أعني من التكلم أو الخطاب أو

الغيبة إلى آخر منها بعد التعبير بالأول هذا هو المشهور
وقال السكاكي إما ذلك أو التعبير بأحدهما فيما حقه التعبير بغيره
وله فوائد
منها تطرية الكلام وصيانة السمع عن الضجر والملال لما جبلت عليه النفوس من حب التنقلات والسآمة من الاستمرار على منوال واحد وهذه فائدته العامة
ويختص كل موضع بنكت ولطائف باختلاف محله كما سنبينه
4975 - مثاله من التكلم إلى الخطاب ووجهه حث السامع وبعثه على الاستماع حيث أقبل المتكلم عليه وأعطاه فضل عناية تخصيص بالمواجهة قوله تعالى وما لي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون والأصل وإليه أرجع فالتفت من التكلم إلى الخطاب ونكتته أنه أخرج الكلام في معرض مناصحته لنفسه وهو يريد نصح قومه تلطفا وإعلاما أنه يريد لهم ما يريد لنفسه
ثم التفت إليهم لكونه في مقام تخويفهم ودعوتهم إلى الله تعالى
كذا جعلوا هذه الآية من الالتفات وفيه نظر لأنه إنما يكون منه إذا قصد الإخبار عن نفسه في كلتا الجملتين وهنا ليس كذلك لجواز أن يريد بقوله ترجعون المخاطبين لا نفسه
وأجيب بأنه لو كان المراد ذلك لما صح الاستفهام الإنكاري لأن رجوع العبد إلى مولاه ليس بمستلزم أن يعيده غير ذلك الراجع فالمعنى كيف لا أعبد من إليه رجوعي وإنما عدل عن وإليه أرجع إلى وإليه ترجعون لأنه داخل فيهم ومع ذلك أفاد فائدة حسنة وهي تنبيههم على أنه مثلهم في وجوب عبادة من إليه الرجوع
4976 - ومن أمثلته أيضا قوله تعالى وأمرنا لنسلم لرب العالمين وأن أقيموا الصلاة
4977 - ومثاله من التكلم إلى الغيبة ووجهه أن يفهم السامع أن هذا نمط المتكلم وقصده من السامع حضر أو غاب وأنه ليس في كلامه ممن يتلون ويتوجه ويبدى في الغيبة خلاف ما يبديه في الحضور قوله تعالى إنا فتحنا لك فتحا مبينا

ليغفر لك الله والأصل لنغفر لك
إنا أعطيناك الكوثر فصل لربك والأصل لنا
أمرا من عندنا إنا كنا مرسلين رحمة من ربك والأصل منا إني رسول الله إليكم جميعا إلى قوله فآمنوا بالله ورسوله
والأصل وبي وعدل عنه لنكتتين إحداهما دفع التهمة عن نفسه بالعصبية لها
والأخرى تنبيههم على استحقاقه الاتباع بما اتصف به من الصفات المذكورة والخصائص المتلوة
4978 - ومثاله من الخطاب إلى التكلم لم يقع في القرآن ومثل له بعضهم بقوله فاقض ما أنت قاض ثم قال إنا آمنا بربنا
وهذا المثال لا يصح لأن شرط الالتفات أن يكون المراد به واحدا
4979 - ومثاله من الخطاب إلى الغيبة حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم والأصل بكم ونكتة العدول عن خطابهم إلى حكاية حالهم لغيرهم التعجب من كفرهم وفعلهم إذ لو استمر على خطابهم لفاتت تلك الفائدة
4980 - وقيل لأن الخطاب أولا كان مع الناس مؤمنهم وكافرهم بدليل هو الذي يسيركم في البر والبحر فلو كان وجرين بكم للزم الذم للجميع فالتفت عن الأول للإشارة إلى اختصاصه بهؤلاء الذين شأنهم ما ذكره عنهم في آخر الآية عدولا من الخطاب العام إلى الخاص
4981 - قلت ورأيت عن بعض السلف في توجهه عكس ذلك وهو أن الخطاب أوله خاص وآخره عام فأخرجه ابن أبي حاتم عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم أنه قال في قوله حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم قال ذكر الحديث عنهم ثم حدث عن غيرهم ولم يقل وجرين بكم لأنه قصد أن يجمعهم وغيرهم وجرين بهؤلاء وغيرهم من الخلق
هذه عبارته فلله در السلف ما كان أوقفهم على المعاني اللطيفة التي يدأب المتأخرون فيها زمانا طويلا ويفنون فيها أعمارهم ثم غايتهم أن يحرموا حول الحمى ومما ذكر في توجيهه أيضا أنهم وقت الركوب حضروا لأنهم خافوا الهلاك وغلبة الرياح فخاطبهم خطاب الحاضرين ثم لما جرت الرياح بما تشتهى السفن وأمنوا الهلاك لم يبق حضورهم كما كان على عادة

الإنسان أنه إذا أمن غالب قلبه عن ربه فلما غابوا ذكرهم الله بصيغة الغيبة وهذه إشارة صوفية
4982 - ومن أمثلته أيضا وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون ادخلوا الجنة أنتم وأزواجكم تحبرون يطاف عليهم والأصل عليكم ثم قال وأنتم فيها خالدون فكرر الالتفات
4983 - ومثاله من الغيبة إلى التكلم والله الذي أرسل الرياح فتثير سحابا فسقناه وأوحى في كل سماء أمرها وزينا سبحان الذي أسرى بعبده إلى قوله باركنا حوله لنريه من آياتنا ثم التفت ثانيا إلى الغيبة فقال إنه هو السميع البصير
وعلى قراءة الحسن ليريه بالغيبة يكون التفاتا ثانيا من باركنا وفي آياتنا التفات ثالث وفي إنه التفات رابع قال الزمخشري وفائدته في هذه الآيات وأمثالها التنبيه على التخصيص بالقدرة وأنه لا يدخل تحت قدرة أحد
4984 - ومثاله من الغيبة إلى الخطاب وقالوا اتخذ الرحمن ولدا لقد جئتم شيئا إدا
ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن مكناهم في الأرض مالم نمكن لكم وسقاهم ربهم شرابا طهورا إن هذا كان لكم جزاء إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك
4985 - ومن محاسنه ما وقع في سورة الفاتحة فإن العبد إذا ذكر الله تعالى وحده ثم ذكر صفاته التي كل صفة منها تبعث على شدة الإقبال وآخرها مالك يوم الدين المفيد أنه مالك الأمر كله في يوم الجزاء يجد من نفسه حاملا لا يقدر على دفعه على خطاب من هذه صفاته بتخصيصه بغاية الخضوع والاستعانة في المهمات
وقيل إنما اختير لفظ الغيبة للحمد وللعبادة الخطاب للإشارة إلى أن الحمد دون العبادة في الرتبة لأنك تحمد نظيرك ولا تعبده فاستعمل لفظ الحمد مع الغيبة ولفظ العبادة مع الخطاب لينسب إلى العظيم حال المخاطبة والمواجهة

ما هو أعلى رتبه وذلك على طريقة التأدب
وعلى نحو من ذلك جاء آخر السورة فقال الذين أنعمت عليهم مصرحا بذكر المنعم وإسناد الإنعام إليه لفظا ولم يقل صراط المنعم عليهم فلما صار إلى ذكر الغضب روى عنه لفظه فلم ينسبه إليه لفظا وجاء باللفظ منحرفا عن ذكر الغاضب فلم يقل غير الذين غضبت عليهم تفاديا عن نسبة الغضب إليه في اللفظ حال المواجهة
وقيل لأنه لما ذكر الحقيق بالحمد وأجرى عليه الصفات العظيمة من كونه ربا للعالمين ورحمانا ورحيما ومالكا ليوم الدين تعلق العلم بمعلوم عظيم الشأن حقيق بأن يكون معبودا دون غيره مستعانا به فخوطب بذلك لتميزه بالصفات المذكورة تعظيما لشأنه حتى كأنه قيل إياك يا من هذه صفاته نخص بالعبادة والاستعانة لا غيرك
4986 - قيل ومن لطائفه التنبيه على أن مبتدأ الخلق الغيبة منهم عنه سبحانه وتعالى وقصورهم عن محاضرته ومخاطبته وقيام حجاب العظمة عليهم فإذا عرفوه بما هو له وتوسلوا للقرب بالثناء عليه وأقروا بالمحامد له وتعبدوا له بما يليق بهم تأهلوا لمخاطباته ومناجاته فقالوا إياك نعبد وإياك نستعين
تنبيهات 4987 - الأول شرط الالتفات أن يكون الضمير في المنتقل إليه عائدا في نفس الأمر إلى المنتقل عنه وإلا يلزم عليه أن يكون في أنت صديقي التفات
4988 - الثاني شرطه أيضا أن يكون في جملتين صرح به صاحب الكشاف وغيره وإلا يلزم عليه أن يكون نوعا غريبا
4989 - الثالث ذكر التنوخي في الأقصى القريب وابن الأثير وغيرهما نوعا غريبا من الالتفات وهو بناء الفعل للمفعول بعد خطاب فاعله أو تكلمه كقوله غير المغضوب عليهم بعد أنعمت فإن المعنى غير الذين غضبت عليهم وتوقف فيه صاحب عروس الأفراح
4990 - الرابع قال ابن أبي الاصبع جاء في القرآن من الالتفات قسم غريب جدا لم أظفر في الشعر بمثاله وهو أن يقدم المتكلم في كلامه مذكورين مرتيين ثم يخبر عن الأول منهما وينصرف عن الإخبار عنه إلى الإخبار عن الثاني ثم يعود إلى الإخبار عن الأول كقوله إن الإنسان لربه لكنود وإنه على ذلك لشهيد

انصرف عن الإخبار عن الإنسان إلى الإخبار عن ربه تعالى ثم قال منصرفا عن الإخبار عن ربه تعالى إلى الإخبار عن الإنسان وإنه لحب الخير لشديد قال وهذا يحسن أن يسمى التفات الضمائر
4991 - الخامس يقرب من الالتفات نقل الكلام من خطاب الواحد أو الاثنين أو الجمع لخطاب الآخر ذكره التنوخي وابن الأثير وهو ستة أقسام أيضا
4992 - مثاله من الواحد إلى الاثنين قالوا أجئتنا لتلفتنا عما وجدنا عليه آباءنا وتكون لكما الكبرياء في الأرض
4993 - وإلى الجمع يأيها النبي إذا طلقتم النساء
4994 - ومن الاثنين إلى الواحد فمن ربكما يا موسى فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى
4995 - وإلى الجمع وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوءا لقومكما بمصر بيوتا واجعلوا بيوتكم قبلة
4996 - ومن الجمع إلى الواحد وأقيموا الصلاة وبشر المؤمنين
4997 - وإلى الاثنين يا معشر الجن والإنس إن استطعتم إلى قوله فبأي آلاء ربكما تكذبان
4998 - السادس ويقرب منه أيضا الانتقال من الماضي أو المضارع أو الأمر إلى آخر
4999 - مثاله من الماضي إلى المضارع أرسل الرياح فتثير خر من السماء فتخطفه الطير إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله
5000 - وإلى الأمر قل أمر ربي بالقسط وأقيموا وجوهكم وأحلت لكم الأنعام إلا ما يتلى عليكم فاجتنبوا

5001 - ومن المضارع إلى الماضي ويوم ينفخ في الصور ففزع ويوم نسير الجبال وترى الأرض بارزة وحشرناهم
5002 - وإلى الأمر قال إني أشهد الله واشهدوا أني برئ
5003 - ومن الأمر إلى الماضي واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى وعهدنا
5004 - وإلى المضارع وأن أقيموا الصلاة واتقوه وهو الذي إليه تحشرون
4 -
الاطراد 5005 - هو أن يذكر المتكلم أسماء آباء الممدوح مرتبة على حكم ترتيبها في الولادة
قال ابن أبي الأصبع ومنه في القرآن قوله تعالى حكاية عن يوسف واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب قال وإنما لم يأت به على الترتيب المألوف فإن العادة الابتداء بالأب ثم الجد ثم الجد الأعلى لأنه لم يرد هنا مجرد ذكر الآباء وإنما ذكرهم ليذكر ملتهم التي اتبعها فبدأ بصاحب الملة ثم بمن أخذها عنه أولا فأولا على الترتيب ومثله قول أولاد يعقوب نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق
5 -
الانسجام 5006 - هو أن يكون الكلام لخلوه من العقادة منحدرا كتحدر الماء المنسجم ويكاد لسهولة تركيبه وعذوبة ألفاظه أن يسيل رقة والقرآن كله كذلك
قال أهل البديع وإذا قوى الانسجام في النثر جاءت قراءته موزونة بلا قصد لقوة انسجامه ومن ذلك ما وقع في القرآن موزونا
5007 - فمنه من بحر الطويل فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر
5008 - ومن المديد واصنع الفلك بأعيننا
5009 - ومن البسيط فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم

5010 - ومن الوافر ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين
5011 - ومن الكامل والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم
5012 - ومن الهزج فألقوه على وجه أبي يأت بصيرا
5013 - ومن الرجز ودانية عليهم ظلالها وذللت قطوفها تذليلا
5014 - ومن الرمل وجفان كالجواب وقدور راسيات
5015 - ومن السريع أو كالذي مر على قرية
5016 - ومن المنسرح إنا خلقنا الإنسان من نطفة
5017 - ومن الخفيف لا يكادون يفقهون حديثا
5018 - ومن المضارع يوم التناد يوم تولون مدبرين
5019 - ومن المقتضب في قلوبهم مرض
5020 - ومن المجتث نبيء عبادي أني أنا الغفور الرحيم
5021 - ومن المتقارب واملي لهم إن كيدي متين
6 -
الإدماج 5022 - قال ابن الإصبع هو أن يدمج المتكلم غرضا في غرض أو بديعا في بديع بحيث لا يظهر في الكلام إلا أحد الغرضين أو أحد البديعين كقوله تعالى له الحمد في الأولى والآخرة أدمجت المبالغة في المطابقة لأن انفراده بالحمد في الآخرة وهي الوقت الذي لا يحمد فيه سواه مبالغة في الوصف بالإنفراد بالحمد وهو وإن خرج مخرج المبالغة في الظاهر فالأمر فيه حقيقة في الباطن فإنه رب الحمد والمنفرد به في الدارين
انتهى
5023 - قلت والأولى أن يقال في هذه الآية إنها من إدماج غرض في

غرض فإن الغرض منها تفرده تعالى بوصف الحمد وأدمج فيه الإشارة إلى البعث والجزاء
7 -
الافتان 5024 - هو الإتيان في كلام بفنين مختلفين كالجمع بين الفخر والتعزية في قوله تعالى كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام فإنه تعالى عزى جميع المخلوقات من الإنس والجن والملائكة وسائر أصناف ما هو قابل للحياة وتمدح بالبقاء بعد فناء الموجودات في عشر لفظات مع وصفه ذاته بعد انفراده بالبقاء بالجلال والإكرام سبحانه وتعالى
5025 - ونه ثم ننجي الذين اتقوا . . الآية جمع فيها بين هناء وعزاء
8 -
الاقتدار 5026 - هو أن يبرز المتكلم المعنى الواحد في عدة صور اقتدارا منه على نظم الكلام وتركيبه وعلى صياغة قوالب المعاني والأغراض فتارة يأتي به في لفظ الاستعارة وتارة في صورة الإرداف وحينا في مخرج الإيجاز ومرة في قالب الحقيقة قال ابن أبي الإصبع وعلى هذا أتت جميع قصص القرآن فإنك ترى القصة الواحدة التي لا تختلف معانيها تأتي في صور مختلفة وقوالب من الألفاظ متعددة حتى لا تكاد تشتبه في موضعين منه ولا بد أن تجد الفرق بين صورها ظاهرا
9 -
ائتلاف اللفظ مع اللفظ وائتلافه مع المعنى 5027 - الأول أن تكون الألفاظ يلائم بعضها بعضا بأن يقرن الغريب بمثله والمتداول بمثله رعاية لحسن الجوار والمناسبة
5028 - والثاني أن تكون ألفاظ الكلام ملائمة للمعنى المراد فإن كان فخما كانت ألفاظه فخمة أو جزلا فجزلة أو غريبا فغريبة أو متداولا فمتداولة أو متوسطا بين الغرابة والاستعمال فكذلك
5029 - فالأول كقوله تعالى تالله تفتأ تذكر يوسف حتى تكون حرضا

أتى بأغرب ألفاظ القسم وهي التاء فإنها أقل استعمالا وأبعد من أفهام العامة بالنسبة إلى الباء والواو وبأغرب صيغ الأفعال التي ترفع الأسماء وتنصب الأخبار فإن تزال أقرب إلى الأفهام وأكثر استعمالا منها وبأغرب ألفاظ الهلاك وهو الحرض فاقتضى حسن الوضع في النظم أن تجاوز كل لفظة بلفظة من جنسها في الغرابة توخيا لحسن الجوار ورغبة في ائتلاف المعاني بالألفاظ ولتتعادل الألفاظ في الوضع وتتناسب في النظم ولما أراد غير ذلك قال وأقسموا بالله جهد أيمانهم فأتى بجميع الألفاظ متداولة لا غرابة فيها
5030 - ومن الثاني قوله تعالى ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار لما كان الركون إلى الظالم وهو الميل إليه والاعتماد عليه دون مشاركته في الظلم وجب أن يكون العقاب عليه دون العقاب على الظلم فأتى بلفظ المس الذي هو دون الإحراق والاصطلاء
وقوله لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت أتى بلفظ الاكتساب المشعر بالكلفة والمبالغة في جانب السيئة لثقلها
وكذا قوله فكبكبوا فيها فهو أبلغ من كبوا للإشارة إلى أنهم يكبون كبا عنيفا فظيعا
وهم يصطرخون فإنه أبلغ من يصرخون للإشارة إلى أنهم يصرخون صراخا منكرا خارجا عن الحد المعتاد
أخذ عزيز مقتدر فإنه أبلغ من قادر للإشارة إلى زيادة التمكن في القدرة وأنه لا راد له ولا معقب
ومثل ذلك واصطبر فإنه أبلغ من اصبر و الرحمن فإنه أبلغ من الرحيم فإنه يشعر باللطف والرفق كما أن الرحمن مشعر بالفخامة والعظمة
ومنه الفرق بين سقى وأسقى فإن سقى لما لا كلفة معه في السقيا ولهذا أورده تعالى في شراب الجنة فقال وسقاهم ربهم شرابا طهورا و أسقى لما

فيه كلفة ولهذا أورده في شراب الدنيا فقال وأسقيناكم ماء فراتا لأسقيناهم ماء غدقا لأن السقيا في الدنيا لا تخلو من الكلفة أبدا
10 -
الاستدراك والاستثناء 5031 - شرط كونهما من البديع أن يتضمنا ضربا من المحاسن زائدا على ما يدل عليه المعنى اللغوي
مثال الاستدراك قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا فإنه لو اقتصر على قوله لم تؤمنوا لكان منفرا لهم لأنهم ظنوا الإقرار بالشهادتين من غير اعتقاد إيمانا فأوجبت البلاغة ذكر الاستدراك ليعلم أن الإيمان موافقة القلب اللسان وإن انفرد اللسان بذلك يسمى إسلاما ولا يسمى إيمانا
وزاد ذلك إيضاحا بقوله ولما يدخل الإيمان في قلوبكم فلما تضمن الاستدراك إيضاح ما عليه ظاهر الكلام من الإشكال عد من المحاسن
5032 - ومثال الاستثناء فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما فإن الإخبار عن هذه المدة بهذه الصيغة يمهد عذر نوح في دعائه على قومه بدعوة أهلكتهم عن آخرهم إذ لو قيل فلبث فيهم تسعمائة وخمسين عاما لم يكن فيه من التهويل ما في الأول لأن لفظ الألف في الأول أول ما يطرق السمع فيشتغل بها عن سماع بقية الكلام وإذا جاء الاستثناء لم يبق له بعدما تقدمه وقع يزيل ما حصل عنده من ذكر الألف
11 -
الاقتصاص 5033 - ذكره ابن فارس وهو أن يكون كل كلام في سورة مقتصا من كلام في سورة أخرى أو في تلك السورة كقوله تعالى وآتيناه أجره في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين والآخرة دار ثواب لا عمل فيها فهذا مقتص من قوله ومن يأته مؤمنا قد عمل الصالحات فأولئك لهم الدرجات العلا
5034 - ومنه ولولا نعمة ربي لكنت من المحضرين مأخوذ من قوله أولئك في العذاب محضرون

5035 - وقوله ويوم يقوم الأشهاد مقتص من أربع آيات لأن الأشهاد أربعة الملائكة في قوله وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد والأنبياء في قوله فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا وأمة محمد في قوله لتكونوا شهداء على الناس والأعضاء في قوله يوم تشهد عليهم ألسنتهم . . الآية
5036 - وقوله يوم التناد قرئ مخففا ومشددا فالأول مأخوذ من قوله ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار والثاني من قوله يوم يفر المرء من أخيه
12 -
الإبدال 5037 - هو إقامة بعض الحروف مقام بعض وجعل منه ابن فارس فانفلق أي انفرق ولهذا قال فكان كل فرق فالراء واللام متعاقبتان
وعن الخليل في قوله تعالى فجاسوا خلال الديار إنه أريد فحاسوا فجاءت الجيم مقام الحاء وقد قرئ بالحاء أيضا وجعل منه الفارسي إني أحببت حب الخير أي الخيل وجعل منه أبو عبيدة إلا مكاء وتصدية أي تصددة
13 -
تأكيد المدح بما يشبه الذم 5038 - قال ابن أبي الإصبع هو في غاية العزة في القرآن قال ولم أجد منه إلا آية واحدة وهي قوله قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منا إلا أن آمنا بالله . . فإن الاستثناء بعد الاستفهام الخارج مخرج التوبيخ على ما عابوا به المؤمنين من الإيمان يوهم أن ما يأتي بعده مما يوجب أن ينقم على فاعله مما يذم به فلما أتى

بعد الاستثناء ما يوجب مدح فاعله كان الكلام متضمنا تأكيد المدح بما يشبه الذم
5039 - قلت ونظيرها قوله وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله وقوله الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله فإن ظاهر الاستثناء أن ما بعده حق يقتضي الإخراج فلما كان صفة مدح يقتضي الإكرام لا الإخراج كان تأكيدا للمدح بما يشبه الذم
وجعل منه التنوخي في الأقصى القريب لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما إلا قيلا سلاما سلاما استثنى سلاما سلاما الذي هو ضد اللغو والتأثيم فكان ذلك مؤكدا لانتفاء اللغو والتأثيم
انتهى
14 -
التفويت 5040 - هو إتيان المتكلم بمعان شتى من المدح والوصف وغير ذلك من الفنون كل فن في جملة منفصلة عن أختها مع تساوي الجمل في الزنة وتكون في الجمل الطويلة والمتوسطة والقصيرة
5041 - فمن الطويلة الذي خلقني فهو يهدين والذي هو يطعمني ويسقين وإذا مرضت فهو يشفين والذي يميتني ثم يحيين
5042 - ومن المتوسطة تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي
5043 - قال ابن أبي الاصبع ولم يأت المركب من القصيرة في القرآن
15 -
التقسيم 5044 - هو استيفاء أقسام الشيء الموجودة لا الممكنة عقلا نحو هو الذي يريكم البرق خوفا وطمعا إذ ليس في رؤية البرق إلا الخوف من الصواعق والطمع في الأمطار ولا ثالث لهذين القسمين

5045 - وقوله فمنهنم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات فإن العالم لا يخلو من هذه الأقسام الثلاثة إما عاص ظالم لنفسه وإما سابق مبادر للخيرات وإما متوسط بينهما مقتصد فيها
ونظيرها وكنتم أزواجا ثلاثة فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة والسابقون السابقون
وكذا قوله تعالى له ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك استوفى أقسام الزمان ولا رابع لهما
وقوله والله خلق كل دابة من ماء فمنهم من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على رجلين ومنهم من يمشي على أربع استوفى أقسام الخلق في المشي
وقوله الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم استوفى جميع هيآت الذاكر
وقوله يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور أو يزوجهم ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما استوفى جميع أحوال المتزوجين ولا خامس لها
16 -
التدبيج 5045 - هو أن يذكر المتكلم ألوانا يقصد التورية بها والكناية قال ابن أبي الإصبع كقوله تعالى ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود قال المراد بذلك والله أعلم الكناية عن المشتبه والواضح من الطرق لأن الجادة البيضاء هي الطريق التي كثر السلوك عليها جدا وهي أوضح الطرق وأبينها ودونها الحمراء ودون الحمراء السوداء كأنها في الخفاء والالتباس ضد البيضاء في الظهور والوضوح
ولما كانت هذه الألوان الثلاثة في الظهور للعين طرفين وواسطة فالطرف الأعلى في الظهور البياض والطرف الأدنى في الخفاء السواد والأحمر بينهما على وضع الألوان في التركيب وكانت ألوان الجبال لا تخرج عن هذه الألوان الثلاثة والهداية بكل علم نصب للهداية منقسمة هذه القسمة أتت الآية

الكريمة منقسمة كذلك فحصل فيها التدبيج وصحة التقسيم
17 -
التنكيت 5046 - هو أن يقصد المتكلم إلى شيء بالذكر دون غيره مما يسد مسده لأجل نكتة في المذكور ترجح مجيئه على سواه كقوله تعالى وأنه هو رب الشعرى خص الشعرى بالذكر دون غيرها من النجوم وهو تعالى رب كل شيء لأن العرب كان ظهر فيهم رجل يعرف بابن أبي كبشة عبد الشعرى ودعا خلقا إلى عبادتها فأنزل الله تعالى وأنه هو رب الشعرى التي ادعيت فيها الربوبية
18 -
التجريد 5047 - هو أن ينتزع من أمر ذي صفة آخر مثله مبالغة في كمالها نحو لي من فلان صديق حميم جرد من الرجل الصديق آخر مثله متصف بصفة الصداقة
ونحو مررت بالرجل الكريم والنسمة المباركة جردوا من الرجل الكريم آخر مثله متصفا بصفة البركة وعطفوه عليه كأنه غيره وهو هو
5048 - ومن أمثلته في القرآن لهم فيها دار الخلد ليس المعنى أن الجنة فيها دار خلد وغير دار خلد بل هي نفسها دار الخلد فكأنه جرد من الدار دارا
ذكره في المحتسب وجعل منه يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي على أن المراد بالميت النطفة
قال الزمخشري وقرأ عبيد بن عمير فكانت وردة كالدهان بالرفع بمعنى حصلت منها وردة قال وهو من التجريد وقرئ أيضا يرثني وارث من آل يعقوب قال ابن جنى هذا هو التجريد وذلك أنه يريد وهب لي من لدنك وليا يرثني منه وارث من آل يعقوب وهو الوارث نفسه فكأنه جرد منه وارثا
19 -
التعديد 5049 - هو إيقاع الألفاظ المفردة على سياق واحد وأكثر ما يوجد في الصفات كقوله هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر

وقوله التائبون العابدون الحامدون . . الآية
وقوله مسلمات مؤمنات . . الآية
20 -
الترتيب 5050 - هو أن يورد أوصاف الموصوف على ترتيبها في الخلقة الطبيعية ولا يدخل فيها وصفا زائدا ومثله عبد الباقي اليمني بقوله هو الذي خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم يخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم ثم لتكونوا شيوخا وبقوله فكذبوه فعقروها . . الآية
21 -
الترقي والتدلي 5051 - تقدما في نوع التقديم والتأخير
22 -
التضمين 5052 - يطلق على أشياء
أحدهما إيقاع لفظ موقع غيره لتضمنه معناه وهو نوع من المجاز تقدم الكلام فيه
الثاني حصول معنى فيه من غير ذكر له باسم هو عبارة عنه وهذا نوع من الإيجاز تقدم أيضا
الثالث تعلق ما بعد الفاصلة بها وهذا مذكور في نوع الفواصل
الرابع إدراج كلام الغير في أثناء الكلام لقصد تأكيد المعنى أو ترتيب النظم وهذا هو النوع البديعي
قال ابن أبي الإصبع ولم أظفر في القرآن بشيء منه إلا في موضعين تضمنا فصلين من التوراة والأنجيل قوله وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس . . الآية وقوله محمد رسول الله . . الآية
ومثله ابن النقيب وغيره بإيداع حكايات المخلوقين في القرآن كقوله تعالى

حكاية عن الملائكة أتجعل فيها من يفسد فيها وعن المنافقين أنؤمن كما آمن السفهاء وقالت اليهود و قالت النصارى قال وكذلك ما أودع فيه من اللغات الأعجمية
23 -
الجناس 5053 - هو تشابه اللفظين في اللفظ قال في كنز البراعة وفائدته الميل إلى الإصغاء إليه فإن مناسبة الألفاظ تحدث ميلا وإصغاء إليها ولأن اللفظ المشترك إذا حمل على معنى ثم جاء والمراد به آخر كان للنفس تشوق إليه
5054 - وأنواع الجناس كثيرة منها التام بأن يتفقا في أنواع الحروف وأعدادها وهيآتها كقوله تعالى ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة وقيل ولم يقع منه في القرآن سواه واستنبط شيخ الإسلام ابن حجر موضعا آخر وهو يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار
يقلب الله الليل والنهار إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار
وأنكر بعضهم كون الآية الأولى من الجناس وقال الساعة في الموضعين بمعنى واحد
والتجنيس أن يتفق اللفظ ويختلف المعنى ولا يكون أحدهما حقيقة والآخر مجازا بل يكونان حقيقتين وزمان القيامة وإن طال لكنه عند الله في حكم الساعة الواحدة فإطلاق الساعة على القيام مجاز وعلى الآخرة حقيقة وبذلك يخرج الكلام عن التجنيس كما لو قلت ركبت حمارا ولقيت حمارا تعني بليدا
5055 - ومنها المصحف ويسمى جناس الخط بأن تختلف الحروف في النقط كقوله والذي هو يطعمني ويسقين وإذا مرضت فهو يشفين
5056 - ومنها المحرف بأن يقع الاختلاف في الحركات كقوله ولقد أرسلنا فيهم منذرين فانظر كيف كانت عاقبة المنذرين
وقد اجتمع التصحيف والتحريف في قوله وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا

5057 - ومنها الناقص بأن يختلف في عدد الحروف سواء كان الحرف المزيد أولا أو وسطا أو آخرا كقوله والتفت الساق بالساق إلى ربك يومئذ المساق ثم كلي من كل الثمرات
5058 - ومنها المذيل بأن يزيد أحدهما أكثر من حرف في الآخر أو الأول وسمى بعضهم الثاني بالمتوج كقوله وانظر إلى إلهك ولكنا كنا مرسلين من آمن به إن ربهم بهم مذبذبين بين ذلك
5059 - ومنها المضارع وهو أن يختلفا بحرف مقارب في المخرج سواء كان في الأول أو الوسط أو الآخر كقوله تعالى وهم ينهون عنه وينأون عنه
5060 - ومنها اللاحق بأن يختلفا بحرف غير مقارب فيه كذلك كقوله ويل لكل همزة لمزة وإنه على ذلك لشهيد وإنه لحب الخير لشديد ذلكم بما كنتم تفرحون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تمرحون وإذا جاءهم أمر من الأمن
5061 - ومنها المرفق وهو ما تركب من كلمة وبعض أخرى كقوله جرف هار فانهار
5062 - ومنها اللفظي بأن يختلفا بحرف مناسب للآخر مناسبة لفظية كالضاد والظاء كقوله وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة
5063 - ومنها تجنيس القلب بأن يختلفا في ترتيب الحروف نحو فرقت بين بني إسرائيل
5064 - ومنها تجنيس الإشتقاق بأن يجتمعا في أصل الإشتقاق ويسمى المقتضب نحو فروح وريحان فأقم وجهك للدين القيم وجهت وجهي

5065 - ومنها تجنيس الإطلاق بأن يجتمعا في المشابهة فقط كقوله وجنى الجنتين قال إني لعملكم من القالين ليريه كيف يواري وإن يردك بخير فلا راد اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض إلى قوله فذودعاء عريض
تنبيه 5066 - لكون الجناس من المحاسن اللفظية لا المعنوية ترك عند قوة المعنى كقوله تعالى وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين قيل ما الحكمة في كونه لم يقل وما أنت بمصدق فإنه يؤدي معناه مع رعاية التجنيس
وأجيب بأن في مؤمن لنا من المعنى ما ليس في مصدق لأن معنى قولك فلان مصدق لي قال لي صدقت وأما مؤمن فمعناه مع التصديق إعطاء الأمن ومقصودهم التصديق وزيادة وهو طلب الأمن فلذلك عبر به
5067 - وقد زل بعض الأدباء فقال في قوله أتدعون بعلا وتذرون أحسن الخالقين لو قال وتدعون لكان فيه مراعاة للتجنيس
وأجاب الإمام فخر الدين بأن فصاحة القرآن ليست لرعاية هذه التكليفات بل لأجل قوة المعاني وجزالة الألفاظ
وأجاب غيره بأن مراعاة المعاني أولى من مراعاة الألفاظ ولو قال أتدعون و تدعون لوقع الإلتباس على القارئ فيجعلها بمعنى واحد تصحيفا
وهذا الجواب غير ناضج
وأجاب ابن الزملكاني بأن التجنيس تحسين وإنما يستعمل في مقام الوعد والإحسان لا في مقام التهويل
وأجاب الخويي بأن تدع أخص من تذر لأنه بمعنى ترك الشيء مع إعتنائه بشهادة الإشتقاق نحو الإيداع فإنه عبارة عن ترك الوديعة مع الإعتناء بحالها
ولهذا يختار لها من هو مؤتمن عليها

5068 - ومن ذلك الدعة بمعنى الراحة وأما تذر فمعناه الترك مطلقا أو الترك مع الإعراض والرفض الكلي
قال الراغب يقال فلان يذر الشيء أي يقذفه لقلة الإعتداد به ومنه الوذرة قطعة من اللحم لقلة الإعتداد به ولا شك أن السياق إنما يناسب هذا دون الأول فأريد هنا تبشيع حالهم في الإعراض عن ربهم وأنهم بلغوا الغاية في الإعراض
إنتهى
24 -
الجمع 5069 - هو أن يجمع بين شيئين أو أشياء متعددة في حكم كقوله تعالى المال والبنون زينة الحياة الدنيا جمع المال والبنون في الزينة
وكذلك قوله الشمس والقمر بحسبان والنجم والشجر يسجدان
25 -
الجمع والتفريق 5070 - هو أن تدخل شيئين في معنى وتفرق بين جهتي الإدخال وجعل منه الطيبي قوله الله يتوفى الأنفس حين موتها . . الآية جمع النفسين في حكم المتوفي ثم فرق بين جهتي التوفي بالحكم بالإمساك والإرسال أي الله يتوفى الأنفس التي تقبض والتي لم تقبض فيمسك الأولى ويرسل الأخرى
26 -
الجمع والتقسيم 5071 - وهو مع متعدد تحت حكم ثم تقسيمه كقوله تعالى ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات
27 -
الجمع مع التفريق والتقسيم 5072 - كقوله تعالى يوم يأت لا تكلم نفس إلا بإذنه . . الآيات

فالجمع في قوله لا تكلم نفس إلا بإذنه لأنها متعددة معنى إذ النكرة في سياق النفي تعم والتفريق في قوله فمنهم شقي وسعيد والتقسيم في قوله فأما الذين شقوا وأما الذين سعدوا
28 -
جمع المؤتلف والمختلف 5073 - هو أن يريد التسوية بين ممدوحين فيأتي بمعان مؤتلفة في مدحهما ويروم بعد ذلك ترجيح أحدهما على الآخر بزيادة فضل لا ينقص الآخر فيأتي لأجل ذلك بمعان تخالف معنى التسوية كقوله تعالى وداود وسليمان إذ يحكمان . . الآية سوى في الحكم والعلم وزاد فضل سليمان بالفهم
29 -
حسن النسق 5074 - هو أن يأتي المتكلم بكلمات متتاليات معطوفات متلاحمات تلاحما سليما مستحسنا بحيث إذا أفردت كل جملة منه قامت بنفسها واستقل معناها بلفظها ومنه قوله تعالى وقيل يا أرض ابلعي ماءك . . الآية فإن جمله معطوف بعضها على بعضها بواو النسق على الترتيب الذي تقتضيه البلاغة من الإبتداء بالإسم الذي هو إنحسار الماء عن الأرض المتوقف عليه غاية مطلوب أهل السفينة من الإطلاق من سجنها ثم إنقطاع مادة السماء المتوقف عليه تمام ذلك من دفع أذاه بعد الخروج ومنه اختلاف ما كان بالأرض ثم الإخبار بذهاب الماء بعد إنقطاع المادتين الذي هو متأخر عنه قطعا ثم بقضاء الأمر الذي هو هلاك من قدر هلاكه ونجاة من سبق نجاته وأخر عما قبله لأن علم ذلك لأهل السفينة بعد خروجهم منها وخروجهم موقوف على ما تقدم
ثم أخبر باستواء السفينة وإستقرارها المفيد ذهاب الخوف وحصول الأمن من الإضطراب ثم ختم بالدعاء على الظالمين لإفادة أن الغرق وإن عم الأرض فلم يشمل إلا من إستحق العذاب لظلمه
30 -
عتاب المرء نفسه 5075 - منه ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني . . الأيات
وقوله أن تقول نفس يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله . . الآيات

31 -
العكس 5076 - هو أن يؤتى بكلام يقدم فيه جزء ويؤخر آخر ثم يقدم المؤخر ويؤخر المقدم كقوله تعالى ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي هن لباس لكم وأنتم لباس لهن لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن
وقد سئل عن الحكمة في عكس هذا اللفظ
فأجاب ابن المنير بأن فائدته الإشارة إلى أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة
وقال الشيخ بدر الدين بن الصاحب الحق أن كل واحد من فعل المؤمنة والكافر منفي عن الحل أما فعل المؤمنة فيحرم لأنها مخاطبة وأما فعل الكافر فنفي عنه الحل باعتبار أن هذا الوطء مشتمل على المفسدة فليس الكفار مورد الخطاب بل الأئمة ومن قام مقامهم مخاطبون بمنع ذلك لأن الشرح أمر بإخلاء الوجود من المفاسد فاتضح أن المؤمنة نفى عنها الحل باعتبار والكافر نفي عنه الحل باعتبار
قال ابن أبي الإصبع ومن غريب أسلوب هذا النوع قوله تعالى ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن فإن نظم الآية الثانية عكس نظم الأولى لتقديم العمل في الأولى على الإيمان وتأخيره في الثانية عن الإسلام
5077 - ومنه نوع يسمى القلب والمقلوب المستوى وما لا يستحيل بالإنعكاس وهو أن تقرأ الكلمة من آخرها إلى أولها كما تقرأ من أولها إلى آخرها كقوله تعالى كل في فلك وربك فكبر ولا ثالث لهما في القرآن
32 -
العنوان 5078 - قال ابن أبي الإصبع هو أن يأخذ المتكلم في غرض فيأتي لقصد تكميله وتأكيده بأسئلة في ألفاظ تكون عنوانا لأخبار متقدمة وقصص سالفة ومنه

نوع عظيم جدا وهو عنوان العلوم بأن يذكر في الكلام ألفاظا تكون مفاتيح لعلوم ومداخل لها
5079 - فمن الأول قوله تعالى واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها . . الآية فإنه عنوان قصة بلعام
5080 - ومن الثاني قوله تعالى انطلقوا إلى ظل ذي ثلاث شعب . . الآية فيها عنوان علم الهندسة فإن الشكل المثلث أول الأشكال وإذا نصب في الشمس على أي ضلع من أضلاعه لا يكون له ظل لتحديد رؤوس زواياه فأمر الله تعالى أهل جهنم بالإنطلاق إلى ظل هذا الشكل تهكما بهم
وقوله وكذلك نري إبراهيم ملكوت السموات والأرض . . الآيات فيها عنوان علم الكلام وعلم الجدل وعلم الهيئة
33 -
الفرائد 5081 - هو مختص بالفصاحة دون البلاغة لأنه الإتيان بلفظة تتنزل منزلة الفريدة من العقد وهي الجوهرة التي لا نظير لها تدل على عظم فصاحة هذا الكلام وقوة عارضته وجزالة منطقة وأصالة عربيته بحيث لو أسقطت من الكلام عزت على الفصحاء غرابتها
5082 - ومنه لفظ حصحص في قوله الآن حصحص الحق
والرفث في قوله أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم
5083 - ولفظة فزع في قوله حتى إذا فزع عن قلوبهم
5084 - وخائنة الأعين في قوله يعلم خائنة الأعين
5085 - وألفاظ قوله فلما استيأسوا منه خلصوا نجيا وقوله فإذا نزل بساحتهم فساء صباح المنذرين

34 -
القسم 5086 - هو أن يريد المتكلم الحلف على شيء فيحلف بما يكون فيه فخر له أو تعظيم لشأنه أو تنويه لقدره أو ذم لغيره أو جاريا مجرى الغزل والترقق أو خارجا مخرج الموعظة والزهد كقوله فورب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون أقسم سبحانه وتعالى بقسم يوجب الفخر لتضمنه التمدح بأعظم قدرة وأجل عظمة
لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون أقسم سبحانه وتعالى بحياة نبيه تعظيما لشأنه وتنويها بقدرة وسيأتي في نوع الأقسام أشياء تتعلق بذلك
35 -
اللف والنشر 5087 - هو أن يذكر شيئان أو أشياء إما تفصيلا بالنص على كل واحد أو إجمالا بأن يؤتى بلفظ يشتمل على متعدد ثم يذكر أشياء على عدد ذلك كل واحد يرجع إلى واحد من المتقدم ويفوض إلى عقل السامع رد كل واحد إلى ما يليق به
فالإجمالي كقوله تعالى وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى أي وقالت اليهود لن يدخل الجنة إلا اليهود وقالت النصارى لن يدخل الجنة إلا النصارى وإنما سوغ الإجمال في اللف ثبوت العناد بين اليهود والنصارى فلا يمكن أن يقول أحد الفريقين بدخول الفريق الآخر الجنة فوثق بالعقل في أنه يرد كل قول إلى فريقه لأمن اللبس وقائل ذلك يهود المدينة ونصارى نجران
5088 - قلت وقد يكون الإجمال في النشر لا في اللف بأن يؤتى بمتعدد ثم بلفظ يشتمل على متعدد يصلح لهما كقوله تعالى حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر على قول أبي عبيدة إن الخيط الأسود أريد به الفجر الكاذب لا الليل وقد بينته في أسرار التنزيل
5089 - والتفصيلي قسمان
أحدهما أن يكون على ترتيب اللف كقوله تعالى جعل لكم الليل والنهار

لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله فالسكون راجع إلى الليل والإبتغاء راجع إلى النهار
وقوله تعالى ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا فاللوم راجع إلى البخل ومحسورا راجع إلى الإسراف لأن معناه منقطعا لا شيء عندك
وقوله ألم يجدك يتيما . . الآيات فإن قوله فأما اليتيم فلا تقهر راجع إلى قوله ألم يجدك يتيما فآوى و وأما السائل فلا تنهر راجع إلى قوله ووجدك ضالا فإن المراد السائل عن العلم كما فسره مجاهد وغيره و وأما بنعمة ربك فحدث راجع إلى قوله ووجدك عائلا فأغنى رأيت هذا المثال في شرح الوسيط للنووي المسمى بالتنقيح
5090 - والثاني أن يكون على عكس ترتيبه كقوله يوم تبيض وجوه وتسود وجوه فأما الذين اسودت وجوههم
وجعل منه جماعة قوله تعالى حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله إلا إن نصر الله قريب قالوا متى نصر الله قول الذين آمنوا ألا إن نصر الله قريب قول الرسول
وذكر الزمخشري قسما آخر كقوله تعالى ومن آياته منامكم بالليل والنهار وابتغاؤكم من فضله قال هذا من باب اللف وتقديره ومن آياته منامكم وابتغاؤكم من فضله بالليل والنهار إلا أنه فصل بين منامكم وابتغاؤكم بالليل والنهار لأنهما زمانان والزمان الواقع فيه كشيء واحد مع إقامة اللف على الإتحاد
36 -
المشاكلة 5091 - ذكر الشيء بلفظ غيره لوقوعه في صحبته تحقيقا أو تقديرا
5092 - فالأول كقوله تعالى تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك ومكروا ومكر الله فإن إطلاق النفس والمكر في جانب البارئ تعالى إنما هو

لمشاكلة ما معه
وكذا قوله وجزاء سيئة سيئة مثلها لأن الجزاء حق لا يوصف بأنه سيئة فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه اليوم ننساكم كما نسيتم ويسخرون منهم سخر الله منهم إنما نحن مستهزئون الله يستهزيء بهم
5093 - ومثال التقديري قوله تعالى صبغة الله أي تطهير الله لأن الإيمان يطهر النفوس والأصل فيه أن النصارى كانوا يغمسون أولادهم في ماء أصفر يسمونه المعمودية ويقولون إنه تطهير لهم فعبر عن الإيمان ب صبغة الله للمشاكلة بهذه القرينة
37 -
المزاوجة 5094 - أن يزاوج بين معنيين في الشرط والجزاء أو ما جرى مجراهما كقوله
إذا ما نهى الناهي فلج بي الهوى ... أصاخت إلى الواشي فلج بها الهجر
ومنه في القرآن آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين
38 -
المبالغة 5095 - أن يذكر المتكلم وصفا فيزيد فيه حتى يكون أبلغ في المعنى الذي قصده
وهي ضربان مبالغة بالوصف بأن يخرج إلى حد الإستحالة ومنه يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط ومبالغة بالصيغة وصيغ المبالغة فعلان كالرحمن و فعيل كالرحيم و فعال كالتواب والغفار والقهار و فعول كغفور وشكور وودود و فعل كحذر وأشر وفرح و فعال بالتخفيف كعجاب وبالتشديد ككبار و فعل كلبد وكبر و فعلى كالعليا والحسنى وشورى والسوءى
فائدة 5096 - الأكثر على أن فعلان أبلغ من فعيل ومن ثم قيل الرحمن

أبلغ من الرحيم ونصره السهيلي بأنه ورد على صيغة التثنية والتثنية تضعيف فكأن البناء تضاعفت فيه الصفة
وذهب ابن الأنباري إلى أن الرحيم أبلغ من الرحمن ورجحه ابن عسكر بتقديم الرحمن عليه وبأنه جاء على صيغة الجمع كعبيد وهو أبلغ من صيغة التثنية
وذهب قطرب إلى أنهما سواء
فائدة
5097 - ذكر البرهان الرشيدي أن صفات الله التي على صيغة المبالغة كلها مجاز لأنها موضوعة للمبالغة ولا مبالغة فيها لأن المبالغة أن تثبت للشيء أكثر مما له وصفاته تعالى متناهية في الكمال لا يمكن المبالغة فيها
وأيضا فالمبالغة تكون في صفات تقبل الزيادة والنقصان وصفات الله منزهة عن ذلك واستحسنه الشيخ تقي الدين السبكي
5098 - وقال الزركشي في البرهان التحقيق أن صيغ المبالغة قسمان
أحدهما ما تحصل المبالغة فيه بحسب زيادة الفعل
والثاني بحسب تعدد المفعولات ولا شك أن تعددها لا يوجب للفعل زيادة إذ الفعل الواحد قد يقع على جماعة متعددين وعلى هذا القسم تنزل صفاته تعالى ويرتفع الإشكال ولهذا قاله بعضهم في حكيم معنى المبالغة فيه تكرار حكمه بالنسبة إلى الشرائع
5099 - وقال في الكشاف المبالغة في التواب للدلالة على كثرة من يتوب عليه من عبادة أو لأنه بيلغ في قبول التوبة نزل صاحبها منزلة من لم يذنب قط لسعة كرمه
وقد أورد بعض الفضلاء سؤالا على قوله والله على كل شيء قدير وهو أن قديرا من صيغ المبالغة فيستلزم الزيادة على معنى قادر والزيادة على معنى قادر محال إذ الإيجاد من واحد لا يمكن فيه التفاضل باعتبار كل فرد فرد
وأجيب بأن المبالغة لما تعذر حملها على كل فرد وجب صرفها إلى مجموع الأفراد التي دل السياق عليها فهي بالنسبة إلى كثرة المتعلق لا الوصف

39 -
المطابقة 5100 - وتسمى الطباق الجمع بين متضادين في الجملة وهو قسمان حقيقي ومجازي والثاني يسمى التكافؤ وكل منهما إما لفظي أو معنوي
وإما طباق إيجاب أو سلب
5101 - ومن أمثلة ذلك فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا وأنه هو أضحك وأبكى وأنه هو أمات وأحيا لكي لا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم وتحسبهم أيقاظا وهم رقود
5102 - ومن أمثلة المجازي أو من كان ميتا فأحييناه أي ضالا فهديناه
5103 - ومن أمثلة طباق السلب تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك فلا تخشوا الناس واخشون
5104 - ومن أمثلة المعنوي إن أنتم إلا تكذبون قالوا ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون معناه ربنا يعلم إنا لصادقون
جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء قال أبو علي الفارسي لما كان البناء رفعا للمبني قوبل بالفراش الذي هو على خلاف البناء
5105 - ومنه نوع يسمى الطباق الخفي كقوله مما خطيئاتهم أغرقوا فأدخلوا نارا لأن الغرق من صفات الماء فكأنه جمع بين الماء والنار قال ابن منقذ وهي أخفى مطابقة في القرآن
5106 - وقال ابن المعتز من أملح الطباق وأخفاه قوله تعالى ولكم في القصاص حياة لأن معنى القصاص القتل فصار القتل سبب الحياة

5107 - ومنه نوع يسمى ترصيع الكلام وهو إقتران الشيء بما يجتمع معه في قدر مشترك كقوله إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى أتى بالجوع مع العرى وبابه أن يكون مع الظمأ وبالضحى مع الظمأ وبابه أن يكون مع العري لكن الجوع والعري إشتركا في الخلو فالجوع خلو الباطن من الطعام والعري خلو الظاهر من اللباس والظمأ والضحى إشتركا في الإحتراق فالظمأ إحتراق الباطن من العطش والضحى إحتراق الظاهر من حر الشمس
5108 - ومنه نوع يسمى المقابلة وهي أن يذكر لفظان فأكثر ثم أضدادها على الترتيب قال ابن أبي الإصبع والفرق بين الطباق والمقابلة من وجهين
أحدهما أن الطباق لا يكون إلا من ضدين فقط والمقابلة لا تكون إلا بما زاد من الأربعة إلى العشرة
والثاني أن الطباق لا يكون إلا بالأضداد والمقابلة بالأضداد وبغيرها
5110 - قال السكاكي ومن خواص المقابلة أنه إذا شرط في الأول أمر شرط في الثاني ضده كقوله تعالى فأما من أعطى واتقى . . الآيتين قابل بين الإعطاء والبخل والإتقاء والإستغناء والتصديق والتكذيب واليسرى والعسرى ولما جعل التيسير في الأول مشتركا بين الإعطاء والإتقاء والتصديق جعل ضده وهو التعسير مشتركا بين أضدادها
وقال بعضهم المقابلة إما لواحد بواحد وذلك قليل جدا كقوله لا تأخذه سنة ولا نوم
أو إثنين بإثنين كقوله فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا
أو ثلاثة بثلاثة كقوله يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث واشكروا لي ولا تكفرون
وأربعة بأربعة كقوله تعالى فأما من أعطى . . الآيتين

وخمسة بخمسة كقوله إن الله لا يستحي أن يضرب مثلا ما . . الآيات قابل بين بعوضة فما فوقها وبين فأما الذين آمنوا و وأما الذين كفروا وبين يضل و يهدي وبين ينقضون و ميثاقه وبين يقطعون و أن يوصل
أو ستة بستة كقوله زين للناس حب الشهوات . . الآية ثم قال قل أؤنبئكم . . الآية قابل الجنات والأنهار والخلد والأزواج والتطهير والرضوان بإزاء النساء والبنين والذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث
وقسم آخر المقابلة إلى ثلاثة أنواع نظيري ونقيضي وخلافي
مثال الأول مقابلة السنة بالنوم في الآية الأولى فإنهما جميعا من باب الرقاد المقابل باليقظة في آية وتحسبهم أيقاظا وهم رقود وهذا مثال الثاني فإنهما نقيضان
ومثال الثالث مقابلة الشر بالرشد في قوله وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا فإنهما خلافان لا نقيضان فإن نقيض الشر الخير والرشد الغي
40 -
المواربة 5112 - براء مهملة وباء موحدة أن يقول المتكلم قولا يتضمن ما ينكر عليه فإذا حصل الإنكار استحضر بحذقه وجها من الوجوه يتخلص به إما بتحريف كلمة أو تصحيفها أو زيادة أو نقص
قال ابن أبي الإصبع ومنه قوله تعالى حكاية عن أكبر أولاد يعقوب ارجعوا إلى أبيكم فقولوا يا أبانا إن ابنك سرق فإنه قرئ إن ابنك سرق ولم يسرق فأتى بالكلام على الصحة بإبدال ضمة من فتحة وتشديد الراء وكسرتها
41 -
المراجعة 5113 - قال ابن أبي الإصبع هي أن يحكي المتكلم مراجعة في القول جرت

بينه وبين محاور له بأوجز عبارة وأعدل سبك وأعذب ألفاظ ومنه قوله تعالى قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين جمعت هذه القطعة وهي بعض آية ثلاث مراجعات فيها معاني الكلام من الخبر والإستخبار والأمر والنهي والوعد والوعيد بالمنطوق والمفهوم
5114 - قلت أحسن من هذا أن يقال جمعت الخبر والطلب والإثبات والنفي والتأكيد والحذف والبشارة والنذارة والوعد والوعيد
42 -
النزاهة 5115 - هي خلوص ألفاظ الهجاء من الفحش حتى يكون كما قال أبو عمرو بن العلاء وقد سئل عن أحسن الهجاء هو الذي إذا أنشدته العذراء في خدرها لا يقبح عليها
ومنه قوله تعالى وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون ثم قال أفي قلوبهم مرض أم ارتابوا أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله بل أولئك هم الظالمون فإن ألفاظ ذم هؤلاء المخبر عنهم بهذا الخبر أتت منزهة عما يقبح في الهجاء من الفحش
وسائر هجاء القرآن كذلك
43 -
الإبداع 5116 - بالباء الموحدة أن يشتمل الكلام على عدة ضروب من البديع
قال ابن أبي الإصبع ولم أر في الكلام مثل قوله تعالى ويا أرض ابلعي ماءك فإن فيها عشرين ضربا من البديع وهي سبع عشرة لفظة وذلك المناسبة التامة في ابلعي وأقلعي
والإستعارة فيهما
والطباق بين الأرض والسماء
والمجاز في قوله تعالى يا سماء فإن الحقيقة يا مطر السماء
والإشارة في وغيض الماء فإنه عبر به عن معان كثيرة لأن الماء لا يغيض حتى يقلع مطر السماء وتبلع الأرض ما يخرج منها من عيون الماء فينقص الحاصل على وجه الأرض من الماء
والإرداف في واستوت
والتمثيل في وقضي الأمر
والتعليل فإن غيض

الماء علة الاستواء
وصحة التقسيم فإنه استوعب فيه أقسام الماء حالة نقصه إذ ليس إلا إحتباس ماء السماء والماء النابع من الأرض وغيض الماء الذي على ظهرها
والإحتراس في الدعاء لئلا يتوهم أن الغرق لعمومه شمل من لا يستحق الهلاك فإن عدله تعالى يمنع أن يدعو على غير مستحق
وحسن النسق وائتلاف اللفظ مع المعنى
والإيجاز فإنه تعالى قص القصة مستوعبة بأخصر عبارة
والتسهيم لأن أول الآية يدل على آخرها
والتهذيب لأن مفرداتها موصوفة بصفات الحسن كل لفظة سهلة مخارج الحروف عليها رونق الفصاحة مع الخلو من البشاعة وعقادة التركيب
وحسن البيان من جهة أن السامع لا يتوقف في فهم معنى الكلام ولا يشكل عليه شيء منه
والتمكين لأن الفاصلة مستقرة في محلها مطمئنة في مكانها غير قلقة ولا مستدعاة
والإنسجام وهو تحدر الكلام بسهوله وعذوبة وسبك مع جزالة لفظ كما ينسجم الماء القليل من الهواء
هذا ما ذكر ابن أبي الإصبع
قلت فيها أيضا الاعتراض


النوع التاسع والخمسون
في فواصل الآي 5117 - الفاصلة كلمة آخر الآية كقافية الشعر وقرينة السجع
وقال الداني كلمة آخر الجملة
قال الجعبري وهو خلاف المصطلح ولا دليل له في تمثيل سيبويه ب يوم يأت و ما كنا نبغ وليسا رأس آي لأن مراده الفواصل اللغوية لا الصناعية
وقال القاضي أبو بكر الفواصل حروف متشاكلة في المقاطع يقع بها إفهام المعاني
وفرق الداني بين الفواصل ورؤوس الآي فقال الفاصلة هي الكلام المنفصل عما بعده
والكلام المنفصل قد يكون رأس آية وغير رأس وكذلك الفواصل يكن رؤوس أي وغيرها وكل رأس آية فاصلة وليس كل فاصلة رأس آية قال ولأجل كون معنى الفاصلة هذا ذكر سيبويه في تمثيل القوافي يوم يأت و ما كنا نبغ وليسا رأس آيتين بإجماع مع إذا يسر وهو رأس آية بإتفاق
وقال الجعبري لمعرفة الفواصل طريقان توقيفي وقياسي أما التوقيفي فما ثبت أنه وقف عليه دائما تحققنا أنه فاصلة وما وصله دائما تحققنا أنه ليس

بفاصلة وما وقف عليه مرة ووصله أخرى احتمل الوقف أن يكون لتعريف الفاصلة أو لتعريف الوقف التام أو للاستراحة
والوصل أن يكون غير فاصلة أو فاصلة وصلها لتقدم تعريفها
وأما القياسي فهو ما ألحق من المحتمل غير المنصوص بالمنصوص لمناسب ولا محذور في ذلك لأنه لا زيادة ولا نقصان وإنما غايته إنه محل فصل أو وصل والوقف على كل كلمة جائز ووصل القرآن كله جائز فاحتاج القياس إلى طريق تعرفه فنقول فاصلة الآية كقرينة السجعة في النثر وقافية البيت في الشعر وما يذكر من عيوب القافية من اختلاف الحركة والإشباع والتوجيه فليس بعيب في الفاصلة
وجاز الانتقال في الفاصلة والقرنية وقافية الأرجوزة من نوع إلى آخر بخلاف قافية القصيدة ومن ثم ترى يرجعون مع عليم والميعاد مع الثواب والطارق مع الثاقب
5118 - والأصل في الفاصلة والقرينة المتجردة في الآية والسجعة المساواة ومن ثم أجمع العادون على ترك عد ويأت بآخرين ولا الملائكة المقربون في النساء وكذب بها الأولون بسبحان و لتبشر به المتقين بمريم و لعلهم يتقون بطه و من الظلمات إلى النور وأن الله على كل شيء قدير بالطلاق حيث لم يشاكل طرفيه
وعلى ترك عد أفغير دين الله يبغون بآل عمران و أفحكم الجاهلية يبغون بالمائدة وعدوا نظائر للمناسبة نحو لأولى الألباب بآل عمران و على الله كذبا بالكهف و السلوى بطه
وقال غيره تقع الفاصلة عند الاستراحة بالخطاب لتحسين الكلام بها وهي

الطريقة التي يباين القرآن بها سائر الكلام وتسمى فواصل لأنه ينفصل عنده الكلامان وذلك أن آخر الآية فصل بينها وبين ما بعدها وأخذا من قوله تعالى كتاب فصلت آياته
ولا يجوز تسميتها قوافي إجماعا لأن الله تعالى لما سلب عنه اسم الشعر وجب سلب القافية عنه أيضا لأنها منه وخاصة في الاصطلاح وكما يمتنع استعمال القافية فيه يمتنع استعمال الفاصلة في الشعر لأنها صفة الكتاب الله تعالى فلا تتعداه
وهل يجوز استعمال السجع في القرآن خلاف الجمهور على المنع لأن أصله من سجع الطير فشرف القرآن أن يستعار لشيء منه لفظ أصله مهمل ولأجل تشريفه عن مشاركة غيره من الكلام الحادث في وصفه بذلك ولأن القرآن من صفاته تعالى فلا يجوز وصفه بصفة لم يرد الإذن بها
5119 - قال الرماني في إعجاز القرآن ذهب الأشعرية إلى امتناع أن يقال في القرآن سجع وفرقوا بأن السجع هو الذي يقصد في نفسه ثم يحال المعنى عليه والفواصل التي تتبع المعاني ولا تكون مقصودة في نفسها
ولذلك كانت الفوا صل بلاغة والسجع عيبا وتبعه على ذلك القاضي أبو بكر الباقلاني ونقله عن نص أبي الحسن الأشعري وأصحابنا كلهم
قال وذهب كثير من غير الأشاعرة إلى إثبات السجع في القرآن وزعموا أن ذلك مما يبين به فضل الكلام وأنه من الأجناس التي يقع بها التفاضل في البيان والفصاحة كالجناس والالتفات ونحوهما قال وأقوى ما استدلوا به الاتفاق على أن موسى أفضل من هارون ولمكان السجع قيل في موضع هارون وموسى ولما كانت الفواصل موضع آخر بالواو والنون قيل موسى وهارون قالوا وهذا يفارق أمر الشعر لأنه لا يجوز أن يقع في الخطاب إلا مقصودا إليه وإذا وقع غير مقصود إليه كان دون القدر الذي تسميه شعرا وذلك القدر مما يتفق وجوده من المفحم كما يتفق وجوده من الشاعر
وأما ما جاء في القرآن من السجع فهو كثير لا يصح أن يتفق غير مقصود إليه
وبنوا الأمر في ذلك على تحديد معنى السجع فقال أهل اللغة هو موالاة الكلام على حد واحد
5120 - وقال ابن دريد سجعت الحمامة معناه رددت صوتها قال القاضي

وهذا غير صحيح ولو كان القرآن سجعا لكان غير خارج عن أساليب كلامهم ولو كان داخلا فيها لم يقع بذلك إعجاز ولو جاز أن يقال هو سجع معجر لجاز أن يقولوا شعر معجز وكيف والسجع مما كان تألفه الكهان من العرب ونفيه من القرآن أجدر بأن يكون حجة من نفي الشعر لأن الكهانة تنافي النبوات بخلاف الشعر وقد قال أسجع كسجع الكهان فجعله مذموما
قال وما توهموا أنه سجع باطل لأن مجيئه على صورته لا يقتضي كونه هو لأن السجع يتبع المعنى فيه اللفظ الذي يؤدي السجع وليس كذلك ما اتفق مما هو في معنى السجع من القرآن لأن اللفظ وقع فيه تابعا للمعنى وفرق بين أن ينتظم الكلام في نفسه بألفاظه التي تؤدي المعنى المقصود منه وبين أن يكون المعنى منتظما دون اللفظ ومتى ارتبط المعنى بالسجع كان إفادة السجع كإفادة غيره ومتى انتظم المعنى بنفسه دون السجع كان مستجلبا لتحسين الكلام دون تصحيح المعنى
قال وللسجع منهج محفوظ وطريق مضبوط من أخل به وقع الخلل في كلامه ونسب إلى الخروج عن الفصاحة كما أن الشاعر إذا خرج عن الوزن المعهود كان مخطئا وأنت ترى فواصل القرآن متفاوتة بعضها متداني المقاطع وبعضها يمتد حتى يتضاعف طوله عليه وترد الفاصلة في ذلك الوزن الأول بعد كلام كثير وهذا في السجع غير مرضي ولا محمود
قال وأما ما ذكروه من تقديم موسى على هارون في موضع وتأخيره عنه في موضع لمكان السجع وتساوي مقاطع الكلام فليس بصحيح بل الفائدة فيه إعادة القصة الواحدة بألفاظ مختلفة تؤدي معنى واحدا وذلك من الأمر الصعب الذي تظهر فيه الفصاحة وتتبين فيه البلاغة ولهذا أعيدت كثير من القصص على ترتيبات متفاوتة تنبيها بذلك على عجزهم عن الإتيان بمثله مبتدأ به ومتكررا ولو أمكنهم المعارضة لقصدوا تلك القصة وعبروا عنها بألفاظ لهم تؤدي إلى تلك المعاني ونحوها فعلى هذا القصد بتقديم بعض الكلمات على بعض وتأخيرها إظهار الإعجاز دون السجع إلى أن قال فبان بذلك أن الحروف الواقعة في الفواصل متناسبة موقع النظائر التي تقع في الأسجاع لا تخرجها عن حدها ولا تدخلها في بابا السجع وقد بينا أنهم يذمون كل سجع خرج عن اعتدال الأجزاء فكان بعض مصاريعه كلمتين وبعضها أربع كلمات ولا يرون ذلك فصاحة بل يرونه عجزا

فلو فهموا اشتمال القرآن على السجع لقالوا نحن نعارضه بسجع معتدل يزيد في الفصاحة على طريقة القرآن
انتهى كلام القاضي في كتاب الإعجاز
5121 - ونقل صاحب عروس الأفراح عنه أنه ذهب في الانتصار إلى جواز تسمية الفواصل سجعا
وقال الخفاجي في سر الفصاحة قول الرماني إن السجع عيب والفواصل بلاغة غلط فإنه إن أراد بالسجع ما يتبع المعنى وهو غير مقصود فذلك بلاغة والفواصل مثله وإن أراد به ما تقع المعاني تابعة له وهو مقصود متكلف فذلك عيب والفواصل مثله
قال وأظن الذي دعاهم إلى تسمية كل ما في القرآن فواصل ولم يسموا ما تماثلت حروفه سجعا رغبتهم في تنزيه القرآن عن الوصف اللاحق بغيره من الكلام المروي عن الكهنة وغيرهم وهذا غرض في التسمية قريب والحقيقة ما قلناه
قال والتحرير أن الأسجاع حروف متماثلة في مقاطع الفواصل
قال فإن قيل إذا كان عندكم أن السجع محمود فهلا ورد القرآن كله مسجوعا وما الوجه في ورود بعضه مسجوعا وبعضه غير مسجوع قلنا إن القرآن نزل بلغة العرب وعلى عرفهم وعادتهم وكان الفصيح منهم لا يكون كلامه كله مسجوعا لما فيه من أمارات التكلف والاستكراه لا سيما مع طول الكلام فلم يرد كله مسجوعا جريا منهم على عرفهم في اللطافة الغالبة أو الطبقة العالية من كلامهم ولم يخل من السجع لأنه يحسن في بعض الكلام على الصفة السابقة
5122 - وقال ابن النفيس يكفي في حسن السجع ورود القرآن به قال ولا يقدح في ذلك خلوه في بعض الآيات لأن الحسن قد يقتضي المقام الانتقال إلى أحسن منه
5123 - قال حازم من الناس من يكره تقطيع الكلام إلى مقادير متناسبة الأطراف غير متقاربة في الطول والقصر لما فيه من التكلف إلا ما يقع الإلمام به في النادر من الكلام

ومنهم من يرى أن التناسب الواقع بإفراغ الكلام في قالب التقفية وتحليتها بمناسبات المقاطع أكيد جدا
ومنهم وهو الوسط من يرى أن السجع وإن كان زينة للكلام فقد يدعو إلى التكلف فرئي ألا يستعمل في جملة الكلام وألا يخلي الكلام منه جملة وأنه يقبل منه ما اجتلبه الخاطر عفوا بلا تكلف
قال وكيف يعاب السجع على الإطلاق وإنما نزل القرآن على أساليب الفصيح من كلام العرب فوردت الفواصل فيه بإزاء ورود الأسجاع في كلامهم وإنما لم يجيء على أسلوب واحد لأنه لا يحسن في الكلام جميعا أن يكون مستمرا على نمط واحد لما فيه من التكلف ولما في الطبع من الملل ولأن الافتنان في ضروب الفصاحة أعلى من الاستمرار على ضرب واحد فلهذا وردت بعض أي القرآن متماثلة المقاطع وبعضها غير متماثل
فصل 5124 - ألف الشيخ شمس الدين بن الصائغ كتابا سماه إحكام الراي في أحكام الآي قال فيه
اعلم أن المناسبة أمر مطلوب في اللغة العربية يرتكب لها أمور من مخالفة الأصول قال وقد تتبعت الأحكام التي وقعت في آخر الآي مراعاة للمناسبة فعثرت منها على نيف عن الأربعين حكما
5125 - أحدها تقديم المعمول إما على العامل نحو أهولاء إياكم كانوا يعيدون قيل ومنه وإياك نستعين أو على معمول آخر أصله التقديم نحو لنريك من آياتنا الكبرى إذا أعربنا الكبرى مفعول نري أو على الفاعل نحو ولقد جاء آل فرعون النذر
ومنه تقديم خبر كان على اسمها نحو ولم يكن له كفوا أحد
5126 - الثاني تقديم ما هو متأخر في الزمان نحو فلله الآخرة

والأولى ولولا مراعاة الفواصل لقدمت الأولى كقوله له الحمد في الأولى والآخرة
5127 - الثالث تقديم الفاضل على الأفضل نحو برب هارون وموسى وتقدم ما فيه
5128 - الرابع تقديم الضمير على ما يفسره نحو فأوجس في نفسه خيفة موسى
5129 - الخامس تقديم الصفة الجملة على الصفة المفرد نحو ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا
5130 - السادس حذف ياء المنقوص المعرف نحو الكبير المتعال يوم التناد
5131 - السابع حذف ياء الفعل غير المجزوم نحو والليل إذا يسر
5132 - الثامن حذف ياء الإضافة نحو فكيف كان عذابي ونذر فكيف كان عقاب
5133 - التاسع زيادة حرف المد نحو الظنونا و الرسولا و السبيلا ومنه إبقاؤه مع الجازم نحو لا تخاف دركا ولا تخشى سنقرؤك فلا تنسى على القول بأنه نهى
5134 - العاشر صرف مالا ينصرف نحو قواريرا قواريرا
5135 - الحادي عشر إيثار تذكير اسم الجنس كقوله أعجاز نخل منقعر
5136 - الثاني عشر إيثار تأنيثه نحو أعجاز نخل خاوية
ونظير

هذين قوله في القمر وكل صغير وكبير مستطر وفي الكهف لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها
5137 - الثالث عشر الاقتصار على أحد الوجهين الجائزين اللذين قرئ بهما في السبع في غير ذلك كقوله تعالى فأولئك تحروا رشدا ولم يجئ رشدا في السبع وكذا وهيئ لنا من أمرنا رشدا لأن الفواصل في السورتين محركة الوسط وقد جاء في وإن يروا سبيل الرشد وبهذا يبطل ترجيح الفارسي قراءة التحريك بالإجماع عليه فيما تقدم ونظير ذلك قراءة تبت يدا أبي لهب وتب بفتح الهاء وسكونها ولم يقرأ سيصلى نارا ذات لهب إلا بالفتح لمراعاة الفاصلة
5138 - الرابع عشر إيراد الجملة التي رد بها ما قبلها على غير وجه المطابقة في الإسمية والفعلية كقوله تعالى ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين لم يطابق بين قولهم آمنا وبين ما ورد به فيقول و لم يؤمنوا أو ما آمنوا لذلك
5139 - الخامس عشر إيراد أحد القسمين غير مطابق للآخر كذلك نحو فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين ولم يقل الذين كذبوا
5140 - السادس عشر إيراد أحد جزأي الجملتين على غير الوجه الذي أورد نظيرها من الجملة الأخرى نحو أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون
5141 - السابع عشر إيثار أغرب اللفظتين نحو قسمة ضيزى ولم يقل جائرة
لينبذن في الحطمة ولم يقل جهنم أو النار وقال في المدثر سأصليه سقر وفي سأل إنها لظى وفي القارعة فأمه هاوية لمراعاة فواصل كل سورة
5142 - الثامن عشر اختصاص كل من المشتركين بموضع نحو وليذكر

أولو الألباب وفي سورة طه إن في ذلك لآيات لأولى النهى
5143 - التاسع عشر حذف المفعول نحو فأما من أعطى واتقى ما ودعك ربك وما قلى
ومنه حذف متعلق أفعل التفضيل نحو يعلم السر وأخفى خير وأبقى
5144 - العشرون الاستغناء بالإفراد عن التثنية نحو فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى
5145 - الحادي والعشرون الاستغناء به عن الجمع نحو واجعلنا للمتقين إماما ولم يقل أئمة كما قال وجعلناهم أئمة يهدون
إن المتقين في جنات ونهر أي أنهار
5146 - الثاني والعشرون الاستغناء بالتثنية عن الإفراد نحو ولمن خاف مقام ربه جنتان قال الفراء أراد جنة كقوله فإن الجنة هي المأوى فثنى لأجل الفاصلة
قال والقوافي تحتمل من الزيادة والنقصان ما لا يحتمله سائر الكلام
ونظير ذلك قول الفراء في قوله تعالى إذ انبعث أشقاها فإنهما رجلان قدار وآخر معه ولم يقل
أشقياها للفاصلة
5147 - وقد أنكر ذلك ابن قتيبة وأغلظ فيه
وقال إنما يجوز في رءوس الآي زيادة هاء السكت أو الألف أو حذف همز أو حرف فأما أن يكون الله وعد بجنتين فيجعلهما جنة واحدة لأجل رءوس الآي معاذ الله وكيف هذا وهو يصفها بصفات الاثنين قال ذواتا أفنان ثم قال فيهما وأما ابن الصائغ فإنه نقل عن الفراء أنه أراد جنات فإطلق الاثنين على الجمع لأجل الفاصلة
ثم قال وهذا غير بعيد قال وإنما عاد الضمير بعد ذلك بصيغة التثنية مراعاة للفظ وهذا هو الثالث والعشرون
5148 - الرابع والعشرون الاستغناء بالجمع عن الإفراد نحو لا بيع فيه ولا

خلال أي ولا خلة كما في الآية الأخرى وجمع مراعاة للفاصلة
5149 - الخامس والعشرون إجراء غير العاقل مجرى العاقل نحو رأيتهم لي ساجدين كل في فلك يسبحون
5150 - السادس والعشرون إمالة ما لا يمال كآي طه والنجم
5151 - السابع والعشرون الإتيان بصيغة المبالغة كقدير وعليم مع ترك ذلك في نحو هو القادر وعالم الغيب ومنه وما كان ربك نسيا
5152 - الثامن والعشرون إيثار بعض أوصاف المبالغة على بعض نحو إن هذا لشيء عجاب أو ثر على عجيب لذلك
5153 - التاسع والعشرون الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه نحو ولولا كلمة سبقت من ربك لكان لزاما وأجل مسمى
5154 - الثلاثون إيقاع الظاهر موضع المضمر نحو والذين يمسكون بالكتاب وأقاموا الصلاة إنا لا نضيع أجر المصلحين وكذا آية الكهف
5155 - الحادي والثلاثون وقوع مفعول موقع فاعل كقوله حجابا مستورا كان وعده مأتيا أي ساترا وآتيا
5156 - الثاني والثلاثون وقوع فاعل موقع مفعول نحو في عيشة راضية من ماء دافق
5157 - الثالث والثلاثون الفصل بين الموصوف والصفة نحو أخرج المرعى فجعله غثاء أحوى إن أعرب أحوى صفة المرعى أي حالا
5158 - الرابع والثلاثون إيقاع حرف مكان غيره نحو بأن ربك أوحى لها والأصل إليها
5159 - الخامس والثلاثون تأخير الوصف غير الأبلغ عن الأبلغ ومنه

الرحمن الرحيم رءوف رحيم لأن الرأفة أبلغ من الرحمة
5160 - السادس والثلاثون حذف الفاعل ونيابة المفعول نحو وما لأحد عنده من نعمة تجزي
5161 - السابع والثلاثون إثبات هاء السكت نحو ما ليه سلطانيه ماهيه
5162 - الثامن والثلاثون الجمع بين المجرورات نحو ثم لا تجد لك به علينا تبيعا فإن الأحسن الفصل بينها إلا أن مراعاة الفاصلة اقتضت عدمه وتأخير تبيعا
5163 - التاسع والثلاثون العدول عن صيغة المضي إلى صيغة الاستقبال نحو ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون والأصل قتلتم
5164 - الأربعون تغيير بنية الكلمة نحو وطور سينين والأصل سينا
تنبيه 5165 - قال ابن الصائغ لا يمتنع في توجيه الخروج عن الأصل في الآيات المذكورة أمور أخرى مع وجه المناسبة فإن القرآن العظيم كما جاء في الأثر لا تنقضي عجائبه
فصل 5166 - قال ابن أبي الإصبع لا تخرج فواصل القرآن عن أحد أربعة أشياء
التمكين والتصدير والتوشيح والإيغال
التمكين
5167 - فالتمكين ويسمى ائتلاف القافية أن يمهد الناثر للقرينة أو الشاعر للقافية تمهيدا تأتي به القافية أو القرينة متمكنة في مكانها مستقرة في قرارها مطمئنة في موضعها غير نافرة ولا قلقة متعلقا معناها بمعنى الكلام كله تعلقا تاما بحيث لو طرحت لاختل المعنى واضطرب الفهم وبحيث لو سكت عنها كمله السامع بطبعه

5168 - ومن أمثلة ذلك يا شعيب أصلواتك تأمرك أن نترك . . الآية فإنه لما تقدم في الآية ذكر العبادة وتلاه ذكر التصرف في الأموال اقتضى ذلك ذكر الحلم والرشد على الترتيب لأن الحلم يناسب العبادات والرشد يناسب الأموال
وقوله أو لم يهد لهم كم أهلكنا من قبلهم من القرون يمشون في مساكنهم إن في ذلك لآيات أفلا يسمعون أو لم يروا أنا نسوق الماء إلى قوله أفلا يبصرون فأتى في الآية الأولى يهد لهم وختمها ب يسمعون لأنه الموعظة فيها مسموعة وهي أخبار القرون وفي الثانية ب يروا وختمها ب يبصرون لأنها مرئية
وقوله لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير فإن اللطف يناسب ما لا يدرك بالبصر والخبر يناسب ما يدركه
وقوله ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين إلى قوله فتبارك الله أحسن الخالقين فإن في هذه الفاصلة التمكين التام المناسب لما قبلها
وقد بادر بعض الصحابة حين نزل أول الآية إلى ختمها بها قبل أن يسمع آخرها فأخرج ابن أبي حاتم من طريق الشعبي عن زيد بن ثابت قال أملى علي رسول الله هذه الآية ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين إلى قوله خلقا آخر قال معاذ بن جبل فتبارك الله أحسن الخالقين فضحك رسول الله فقال له معاذ مم ضحكت يا رسول الله قال بها ختمت
5169 - وحكى أن أعرابيا سمع قارئا يقرأ فإن زللتم من بعد ما جاءتكم البينات فاعلموا أن الله غفور رحيم ولم يكن يقرأ القرآن فقال إن كان هذا كلام الله فلا يقول كذا ومر بهما رجل فقال كيف تقرأ هذه الآية فقال الرجل فاعلموا أن الله عزيز حكيم فقال هكذا ينبغي الحكيم لا يذكر الغفران عند الزلل لأنه إغراء عليه
تنبيهات 5170 - الأول قد تجتمع فواصل في موضع واحد ويخالف بينها كأوائل

النحل فإنه تعالى بدأ يذكر الأفلاك قال خلق السموات والأرض بالحق ثم ذكر خلق الإنسان من نطفة ثم خلق الأنعام ثم عجائب النبات فقال هو الذي أنزل من السماء ماء لكم منه شراب ومنه شجر فيه تسيمون ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والأعناب ومن كل الثمرات إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون فجعل مقطع هذه الآية التفكر لأنه استدلال بحدوث الأنواع المختلفة من النبات على وجود الإله القادر المختار ولما كان هنا مظنة سؤال وهو أنه لم لا يجوز أن يكون المؤثر فيه طبائع الفصول وحركات الشمس والقمر وكان الدليل لا يتم إلا بالجواب عن هذا السؤال كان مجال التفكر والنظر والتأمل باقيا
فأجاب تعالى عنه عن وجهين
أحدهما أن تغيرات العالم السفلى مربوطة بأحوال حركات الأفلاك فتلك الحركات كيف حصلت فإن كان حصولها بسبب أفلاك أخرى لزم التسلسل وإن كان من الخالق الحكيم فذاك إقرار بوجود الإله تعالى وهذا هو المراد بقوله وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون فجعل مقطع هذه الآية العقل وكأنه قيل إن كنت عاقلا فاعلم أن التسلسل باطل فوجب انتهاء الحركات إلى حركة يكون موجدها غير متحرك وهو الإله القادر المختار
والثاني أن نسبة الكواكب والطبائع إلى أجزاء الورقة الواحدة والحبة الواحدة واحدة
ثم إنا نرى الورقة الواحدة من الورد أحد وجهيها في غاية الحمرة والآخر في غاية السواد فلو كان المؤثر بالذات موجبا لامتنع حصول هذا التفاوت في الآثار فعلمنا أن المؤثر قادر مختار وهذا هو المراد من قوله وما ذرأ لكم في الأرض مختلفا ألوانه إن في ذلك لآية لقوم يذكرون كأنه قيل اذكر ما ترسخ في عقلك أن الواجب بالذات والطبع لا يختلف تأثيره فإذا نظرت حصول هذا الاختلاف علمت أن المؤثر ليس هو الطبائع بل الفاعل المختار فلهذا جعل مقطع الآية التذكر
5171 - ومن ذلك قوله تعالى قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم . . الآيات فإن الأولى ختمت بقوله لعلكم تعقلون والثانية بقوله لعلكم

تذكرون والثالثة بقوله لعلكم تتقون لأن الوصايا التي في الآية الأولى إنما يحمل على تركها عدم العقل الغالب على الهوى لأن الإشراك بالله لعدم استكمال العقل الدال على توحيده وعظمته
وكذلك عقوق الوالدين لا يقتضيه العقل لسبق إحسانهما إلى الولد بكل طريق
وكذلك قتل الأولاد بالوأد من الإملاق مع وجود الرازق الحي الكريم
وكذلك إتيان الفواحش لا يقتضيه عقل وكذا قتل النفس لغيظ أو غضب في القاتل فحسن بعد ذلك تعقلون
وأما الثانية فلتعلقها بالحقوق المالية والقولية فإن من علم أن له أيتاما يخلفهم من بعده لا يليق به أن يعامل أيتام غيره إلا بما يحب أن يعامل به أيتامه
ومن يكيل أو يزن أو يشهد لغيره لو كان ذلك الأمر له لم يحب أن يكون فيه خيانة ولا بخس وكذا من وعد لو وعد لم يحب أن يخلف ومن أحب ذلك عامل الناس به ليعاملوه بمثله فترك ذلك إنما يكون لغفلة عن تدبر ذلك وتأمله فلذلك ناسب الختم بقوله لعلكم تذكرون وأما الثالثة فلأن ترك اتباع شرائع الله الدينية مؤد إلى غضبه وإلى عقابه فحسن لعلكم تتقون أي عقاب الله بسببه
5172 - ومن ذلك قوله في الأنعام أيضا وهو الذي جعل لكم النجوم . . الآيات فإنه ختم الأولى بقوله لقوم يعلمون والثانية بقوله لقوم يفقهون والثالثة بقوله لقوم يؤمنون وذلك لأن حساب النجوم والاهتداء بها يختص بالعلماء بذلك فناسب ختمه ب يعلمون وإنشاء الخلائق من نفس واحدة ونقلهم من صلب إلى رحم ثم إلى الدنيا ثم إلى حياة وموت والنظر في ذلك والفكر فيه أدق فناسب ختمه ب يفقهون لأن الفقه فهم الأشياء الدقيقة ولما ذكر ما أنعم به على عباده من سعة الأرزاق والأقوات والثمار وأنواع ذلك ناسب ختمه بالإيمان الداعي إلى شكره تعالى على نعمه
5173 - ومن ذلك قوله تعالى وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون ولا بقول كاهن قليلا ما تذكرون حيث ختم الأولى ب تؤمنون والثانية ب تذكرون ووجهه أن مخالفة القرآن لنظم الشعر ظاهرة واضحة لا تخفى على أحد فقول من قال شعر كفر وعناد محض فناسب ختمه بقوله قليلا ما تؤمنون وأما مخالفته لنظم الكهان وألفاظ السجع فتحتاج إل تذكر وتدبر لأن كلا منهما نثر فليست

مخالفته له في وضوحها لكل أحد كمخالفته الشعر وإنما تظهر بتدبر ما في القرآن من الفصاحة والبلاغة والبدائع والمعاني الأنيقة فحسن ختمه بقوله قليلا ما تذكرون
5174 - ومن بديع هذا النوع اختلاف الفاصلتين في موضعين والمحدث عنه واحد لنكتة لطيفة كقوله تعالى في سورة إبراهيم وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الأنسان لظلوم كفار ثم قال في سورة النحل وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الله لغفور رحيم قال ابن المنير كأنه يقول إذا حصلت النعم الكثيرة فأنت آخذها وأنا معطيها فحصل لك عند أخذها وصفان كونك ظلوما وكونك كفارا يعني لعدم وفائك بشكرها
ولي عند إعطائها وصفان وهما إني غفور رحيم أقابل ظلمك بغفراني وكفرك برحمتي فلا أقابل تقصيرك إلا بالتوقير ولا أجازي جفاك إلا بالوفاء
وقال غيره إنما خص سورة إبراهيم بوصف المنعم عليه وسورة النحل بوصف المنعم لأنه في سورة إبراهيم في مساق وصف الإنسان وفي سورة النحل في مساق صفات الله وإثبات لألوهيته
ونظيره قوله تعالى في سورة الجاثية من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها ثم إلى ربكم ترجعون وفي فصلت ختم بقوله وما ربك بظلام للعبيد ونكتة ذلك أن قبل الآية الأولى قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله ليجزي قوما بما كانوا يكسبون فناسب الختام بفاصلة البعث لأن قبله وصفهم بإنكاره وأما الثانية فالختام فيها مناسب لأنه لا يضيع عملا صالحا ولا يزيد على من عمل سيئا
5175 - وقال في سورة النساء إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما ثم أعادها وختم بقوله ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالا بعيدا ونكتة ذلك أن الأولى نزلت في اليهود وهم الذين افتروا على الله ما ليس في كتابه والثانية نزلت في المشركين ولا كتاب لهم وضلالهم أشد

ونظيره قوله في المائدة ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ثم أعادها فقال فأولئك هم الظالمون ثم قال في الثالثة فأولئك هم الفاسقون ونكتته أن الأولى نزلت في أحكام المسلمين والثانية في اليهود والثالثة في النصارى
وقيل الأولى فيمن جحد ما أنزل الله والثانية فيمن خالفه مع علمه ولم ينكره والثالثة فيمن خالفه جاهلا
وقيل الكافر والظالم والفاسق كلها بمعنى واحد وهو الكفر عبر عنه بألفاظ مختلفة لزيادة الفائدة واجتناب صورة التكرار
5176 - وعكس هذا اتفاق الفاصلتين والمحدث عنه مختلف كقوله في سورة النور يأيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم إلى قوله كذلك يبين الله لكم الآيات والله عليم حكيم ثم قال وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا كما استأذن الذين من قبلهم كذلك يبين الله لكم آياته والله عليم حكيم
التنبيه الثاني 5177 - من مشكلات الفواصل قوله تعالى إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم فإن قوله وإن تغفر لهم يقتضي أن تكون الفاصلة الغفور الرحيم وكذا نقلت عن مصحف أبي وبها قرأ ابن شنبوذ وذكر في حكمته أنه لا يغفر لمن استحق العذاب إلا من ليس فوقه أحد يرد عليه حكمه فهو العزيز أي الغالب والحكيم هو الذي يضع الشيء في محله
وقد يخفي وجه الحكمة على بعض الضعفاء في بعض الأفعال فيتوهم أنه خارج عنها وليس كذلك فكان في الوصف بالحكيم إحتراس حسن أي وإن تغفر لهم مع استحقاقهم العذاب فلا معترض عليك لأحد في ذلك والحكمة فيا فعلته
5178 - ونظير ذلك قوله في سورة التوبة أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم وفي سورة الممتحنة واغفر لنا ربنا إنك أنت العزيز الحكيم وفي غافر ربنا وأدخلهم جنات عدن إلى قوله إنك أنت العزيز الحكيم وفي النور ولولا فضل الله عليكم ورحمته وأن الله تواب حكيم فإن بادئ الرأي

يقتضي تواب رحيم لأن الرحمة مناسبة للتوبة لكن عبر به إشارة إلى فائدة مشروعية اللعان وحكمته وهي الستر عن هذه الفاحشة العظيمة
5179 - ومن خفي ذلك أيضا قوله في سورة البقرة هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سموات وهو بكل شيء عليم وفي آل عمران قل إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه الله ويعلم ما في السموات وما في الأرض والله على كل شيء قدير فإن المتبادر إلى الذهن في آية البقرة الختم بالقدرة وفي آية آل عمران الختم بالعلم
والجواب أن آية البقرة لما تضمنت الإخبار عن خلق الأرض وما فيها على حسب حاجات أهلها ومنافعهم ومصالحهم وخلق السموات خلقا مستويا محكما من غير تفاوت والخالق على الوصف المذكور يجب أن يكون عالما بما فعله كليا وجزئيا مجملا ومفصلا ناسب ختمها بصفة العلم
وآية آل عمران لما كانت في سياق الوعيد على موالاة الكفار وكان التعبير بالعلم فيها كناية عن المجازاة بالعقاب والثواب ناسب ختمها بصفة القدرة
5180 - ومن ذلك قوله وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليما غفورا فالختم بالحلم والمغفرة عقب تسابيح الأشياء غير ظاهر في بادى الرأي
وذكر في حكمته أنه لما كانت الأشياء كلها تسبح ولا عصيان في حقها وأنتم تعصون ختم به مراعاة للمقدر في الآية وهو العصيان كما جاء في الحديث لولا بهائم رتع وشيوخ ركع وأطفال رضع لصب عليكم العذاب صبا ولرص رصا
وقيل التقدير حليما عن تفريط المسبحين غفورا لذنوبهم
وقيل حليما عن المخاطبين الذين لا يفقهون التسبيح بأهمالهم النظر في الآيات والعبر ليعرفوا حقه بالتأمل فيما أودع في مخلوقاته مما يوجب تنزيهه
التنبيه الثالث 5181 - في الفواصل ما لا نظير له في القرآن كقوله عقب الأمر بالغض في سورة النور إن الله خبير بما يصنعون وقوله عقب الأمر بالدعاء والاستجابة لعلهم يرشدون

وقيل فيه تعريض بليلة القدر حيث ذكر ذلك عقب ذكر رمضان أي لعلهم يرشدون إلى معرفتها
التصدير 5182 - وأما التصدير فهو أن تكون تلك اللفظة بعينها تقدمت في أول الآية وتسمى أيضا رد العجز على الصدر
وقال ابن المعتز هو ثلاثة أقسام
الأول أن يوافق آخر الفاصلة آخر كلمة في الصدر نحو أنزله بعلمه والملائكة يشهدون وكفى بالله شهيدا
والثاني أن يوافق أول كلمة منه نحو وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب قال إني لعملكم من القالين
الثالث أن يوافق بعض كلماته نحو ولقد استهزئ برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزئون انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا قال لهم موسى ويلكم لا تفتروا على الله كذبا إلى قوله وقد خاب من افترى فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا
التوشيح 5183 - وأما التوشيح فهو أن يكون في أول الكلام ما يستلزم القافية
والفرق بينه وبين التصدير أن هذا دلالته معنوية وذاك لفظية كقوله تعالى إن الله اصطفى آدم . . الآية فإن اصطفى لا يدل على أن الفاصلة العالمين باللفظ لأن لفظ العالمين غير لفظ اصطفى ولكن بالمعنى لأنه يعلم أن من لوازم اصطفاء شيء أن يكون مختارا على جنسه وجنس هؤلاء المصطفين العالمون
وكقوله وآية لهم الليل . . الآية قال ابن أبي الإصبع فإن من كان حافظا لهذه السورة متفطنا إلى أن مقاطع آيها النون المردفة وسمع في صدر الآية

انسلاخ النهار من الليل علم أن الفاصلة مظلمون لأن من انسلخ النهار عن ليله أظلم أي دخل في الظلمة ولذلك سمى توشيحا لأن الكلام لما دل أوله على آخره نزل المعنى منزلة الوشاح ونزل أول الكلام وآخره منزلة العاتق والكشح اللذين يحوط عليها الوشاح
الإيغال 5184 - وأما الإيغال فتقدم في نوع الإطناب
فصل
في أقسام الفواصل 5185 - قسم البديعيون السجع ومثله الفواصل إلى أقسام مطرف ومتواز ومرصع ومتوازن ومتماثل
5186 - فالمطرف أن تختلف الفاصلتان في الوزن وتتفقا في حروف السجع نحو ما لكم لا ترجون لله وقارا وقد خلقكم أطورا
5187 - والمتوازي أن يتفقا وزنا وتقفية ولم يكن ما في الأولى مقابلا لما في الثانية في الوزن والتقفيه نحو فيها سرر مرفوعة وأكواب موضوعة
5188 - والمتوازن أن يتفقا في الوزن دون التقفية نحو ونمارق مصفوفة وزرابي مبثوثة
5189 - والمرصع أن يتفقا وزنا وتقفية ويكون ما في الأولى مقابلا لما في الثانية كذلك نحو إن إلينا إيابهم ثم إن علينا حسابهم إن الأبرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم
5190 - والمتماثل أن يتساويا في الوزن دون التقفية وتكون أفراد الأولى مقابلة لما في الثانية فهو بالنسبة إلى المرصع كالمتوازن بالنسبة إلى المتوازي نحو وآتيناهما الكتاب المستبين وهديناهما الصراط المستقيم فالكتاب والصراط يتوازنان وكذا المستبين والمستقيم واختلفا في الحرف الأخير


فصل 5191 - بقي نوعان بديعيان متعلقان بالفواصل
أحدهما التشريع سماه ابن أبي الأصبع التوأم وأصله أن يبني الشاعر بيته على وزنين من أوزان العروض فإذا أسقط منها جزءا أو جزءين صار الباقي بيتا من وزن آخر
ثم زعم قوم اختصاصه به
وقال آخرون بل يكون في النثر بأن يبنى على سجعتين لو اقتصر على الأولى منهما كان الكلام تاما مفيدا
وإن ألحقت به السجعة الثانية كان في التمام والإفادة على حاله مع زيادة معنى ما زاد من اللفظ
5192 - قال ابن أبي الإصبع وقد جاء من هذا الباب معظم سورة الرحمن فإن آياتها لو اقتصر فيها على أولى الفاصلتين دون فبأي آلاء ربكما تكذبان لكان تاما مفيدا وقد كمل بالثانية فأفاد معنى زائدا من التقرير والتوبيخ
5193 - قلت التمثيل غير مطابق والأولى أن يمثل بالآيات التي في إثباتها ما يصلح أن تكون فاصلة كقوله لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما وأشباه ذلك
5194 - الثاني الالتزام ويسمى لزوم ما لا يلزم وهو أن يلتزم في الشعر أو النثر حرف أو حرفان فصاعدا قبل الروي بشرط عدم الكلفة
مثال التزام حرف فأما اليتيم فلا تقهر وأما السائل فلا تنهر التزم الهاء قبل الراء ومثله ألم نشرح لك صدرك . . الايات التزم فيها الراء قبل الكاف فلا أقسم بالخنس الجوار الكنس التزم فيها النون المشددة قبل السين والليل وما وسق والقمر إذا اتسق
5195 - ومثال التزام حرفين والطور وكتاب مسطور ما أنت بنعمة ربك بمجنون وإن لك لأجرا غير ممنون بلغت التراقي وقيل من راق وظن أنه الفراق

5196 - ومثال التزام ثلاثة أحرف تذكروا فإذا هم مبصرون وإخوانهم يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون
تنبيهات
الأول 5197 - قال أهل البديع أحسن السجع ونحوه ما تساوت قرائنه نحو في سدر مخضود وطلح منضود وظل ممدود ويليه ما طالت قرينته الثانية نحو والنجم إذا هوى ما ضل صاحبكم وما غوى
أو الثالثة نحو خذوه فغلوه ثم الجحيم صلوه ثم في سلسلة . . الآية
وقال ابن الأثير الأحسن في الثانية المساواة وإلا فأطول قليلا وفي الثالثة أن تكون أطول
وقال الخفاجي لا يجوز أن تكون الثانية أقصر من الأولى
5198 - الثاني قالوا أحسن السجع ما كان قصيرا لدلالته على قوة المنشئ وأقله كلمتان نحو يا أيها المدثر قم فأنذر . . الآيات والمرسلات عرفا . . الآيات والذاريات ذروا . . الآيات والعاديات ضبحا . . الآيات والطويل ما زاد عن العشر كغالب الآيات وما بينهما متوسط كآيات سورة القمر
5199 - الثالث قال الزمخشري في كشافه القديم لا تحسن المحافظ على الفواصل لمجردها إلا مع بقاء المعاني على سردها على المنهج الذي يقتضيه حسن النظم والتآمه فأما أن تهمل المعاني ويهتم بتحسين اللفظ وحده غير منظور فيه إلى مؤداه فليس من قبيل البلاغة وبني على ذلك أن التقديم في وبالآخرة هم يوقنون ليس لمجرد الفاصلة بل لرعاية الاختصاص
5200 - الرابع مبنى الفواصل على الوقف ولهذا ساغ مقابلة المرفوع

بالمجرور وبالعكس كقوله إنا خلقناهم من طين لازب مع قوله عذاب واصب وشهاب ثاقب
وقوله بماء منهمر مع قوله قد قدر ودسر مستمر
وقوله وما لهم من دونه من وال مع قوله وينشيء السحاب الثقال
5201 - الخامس كثر في القرآن ختم الفواصل بحروف المد واللين وإلحاق النون وحكمته وجود التمكن من التطريب بذلك
كما قال سيبويه إنهم إذا ترنموا يلحقون الألف والياء والنون لأنهم أرادوا مد الصوت ويتركون ذلك إذا لم يترنموا وجاء في القرآن على أسهل موقف وأعذب مقطع
5202 - السادس حروف الفواصل إما متماثلة وإما متقاربة
فالأولى مثل والطور وكتاب مسطور في رق منشور والبيت المعمور
والثاني مثل الرحمن الرحيم مالك يوم الدين ق والقرآن المجيد بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم فقال الكافرون هذا شيء عجيب
قال الإمام فخر الدين وغيره وفواصل القرآن لا تخرج عن هذين القسمين بل تنحصر في المتماثلة والمتقاربة قال وبهذا يترجح مذهب الشافعي على مذهب أبي حنيفة في عد الفاتحة سبع آيات مع البسملة
وجعل صراط الذين إلى آخرها آية فإن من جعل آخر الآية السادسة أنعمت عليهم مردود بأنه لا يشابه فواصل سائر آيات السورة لا بالمماثلة ولا بالمقاربة ورعاية التشابه في الفواصل لازمة
5203 - السابع كثر في الفواصل التضمين والإيطاء لأنهما ليسا بعيبين في النثر وإن كانا عيبين في النظم فالتضمين أن يكون ما بعد الفاصلة متعلقا بها كقوله تعالى وإنكم لتمرون عليهم مصبحين وبالليل والإيطاء تكرر الفاصلة بلفظها كقوله تعالى في الإسراء هل كنت إلا بشرا رسولا وختم بذلك الآيتين بعدها



===============

ج6. كتاب : الإتقان في علوم القرآن عبد الرحمن بن الكمال جلال الدين السيوطي



النوع الستون
في فواتح السور 5204 - أفردها بالتأليف ابن أبي الأصبع في كتاب سماه الخواطر السوانح في أسرار الفواتح وأنا ألخص هنا ما ذكره مع زوائد من غيره
5205 - اعلم أن الله افتتح سور القرآن بعشرة أنواع من الكلام لا يخرج شيء من السور عنها
5206 - الأول الثناء عليه تعالى والثناء قسمان إثبات لصفات المدح ونفي وتنزيه من صفات النقص فالأول التحميد في خمس سور وتبارك في سورتين والثاني التسبيح في سبع سور
قال الكرماني في متشابه القرآن التسبيح كلمة استأثر الله بها فبدأ بالمصدر في بني إسرائيل لأنه الأصل ثم بالماضي في الحديد والحشر لأنه أسبق الزمانين ثم بالمضارع في الجمعة والتغابن ثم بالأمر في الأعلى استيعابا لهذه الكلمة من جميع جهاتها
5207 - الثاني حروف التهجي في تسع وعشرين سورة وقد مضى الكلام عليها مستوعبا في نوع المتشابه ويأتي الإلمام بمناسباتها في نوع المناسبات
5208 - الثالث النداء في عشر سور خمس بنداء الرسول الأحزاب والطلاق والتحريم والمزمل والمدثر وخمس بنداء الأمة النساء والمائدة والحج والحجرات والممتحنة
5209 - الرابع الجمل الخبرية نحو يسألونك عن الأنفال براءة من الله أتى أمر الله اقترب للناس حسابهم قد أفلح المؤمنون سورة

أنزلناها تنزيل الكتاب الذين كفروا إنا فتحنا قتربت الساعة الرحمن علم قد سمع الله الحاقة سأل سائل إنا أرسلنا نوحا لا أقسم في موضعين عبس إنا أنزلناه لم يكن القارعة ألهاكم إنا أعطيناك فتلك ثلاث وعشرون سورة
5210 - الخامس القسم في خمس عشرة سورة سورة أقسم فيها بالملائكة وهي والصافات وسورتان بالأفلاك البروج والطارق وست سور بلوازمها فالنجم قسم بالثريا والفجر بمبدأ النهار والشمس بآية النهار والليل بشطر الزمان والضحى بشطر النهار والعصر بالشطر الآخر أو بجملة الزمان
وسورتان بالهواء الذي هو أحد العناصر والذاريات والمرسلات وسورة بالتربة التي هي منها أيضا وهي الطور وسورة بالنبات وهي والتين وسورة بالحيوان الناطق وهي والنازعات وسورة بالبهيم وهي والعاديات
5211 - السادس الشرط في سبع سور الواقعة والمنافقون والتكوير والانفطار والانشقاق والزلزلة والنصر
5212 - السابع الأمر في ست سور قل أوحي اقرأ قل يا أيها الكافرون قل هو الله أحد قل أعوذ المعوذتين
5213 - الثامن الاستفهام في ست سور عم يتساءلون هل أتاك ألم نشرح ألم تر أرأيت
5214 - التاسع الدعاء في ثلاث ويل للمطففين ويل لكل همزة تبت
5215 - العاشر التعليل في لإيلاف قريش هكذا جمع أبو شامة قال وما ذكرناه في الدعاء يجوز أن يذكر مع الخبر وكذا الثناء كله خبر إلا سبح فإنه في قسم الأمر وسبحان يحتمل الأمر الدعاء والخبر
ثم نظم ذلك في بيتين فقال
أثنى على نفسه سبحانه بثبوت ... الحمد والسلب لما استفتح السورا
والأمر شرط الندا والتعليل والقسم الدعا ... حروف التهجي استفهم الخبرا
5216 - وقال أهل البيان من البلاغة حسن الابتداء وهو أن يتأنق في أول الكلام لأنه أول ما يقرع السمع فإن كان محررا أقبل السامع على الكلام ووعاه وإلا أعرض عنه ولو كان الباقي في نهاية الحسن فينبغي أن يؤتى فيه بأعذب اللفظ

وأجزله وأرقه وأسلسه وأحسنه نظما وسبكا وأصحه معنى وأوضحه وأخلاه من التعقيد والتقديم والتأخير الملبس أو الذي لا يناسب
قالوا وقد أتت جميع فواتح السور على أحسن الوجوه وأبلغها وأكملها كالتحميدات وحروف الهجاء والنداء وغير ذلك
5217 - ومن الابتداء الحسن نوع أخص منه يسمى براعة الاستهلال وهو أن يشتمل أول الكلام على ما يناسب الحال المتكلم فيه ويشير إلى ما سيق الكلام لأجله والعلم الأسنى في ذلك سورة الفاتحة التي هي مطلع القرآن فإنها مشتملة على جميع مقاصده كما قال البيهقي في شعب الإيمان أخبرنا أبو القاسم بن حبيب أنبأنا محمد بن صالح بن هانئ أنبأنا الحسين بن الفضل حدثنا عفان بن مسلم عن الربيع بن صبيح عن الحسن قال أنزل الله مائة وأربعة كتب أودع علومها أربعة منها التوراة والإنجيل والزبور والفرقان ثم أودع علوم التوراة والإنجيل والزبور والفرقان القرآن ثم أودع علوم القرآن المفصل ثم أودع علوم المفصل فاتحة الكتاب
فمن علم تفسيرها كان كمن علم تفسير جميع الكتب المنزلة
5218 - وقد وجه ذلك بأن العلوم التي احتوى عليها القرآن قامت بها الأديان أربعة علم الأصول ومداره على معرفة الله وصفاته وإليه الإشارة ب رب العالمين الرحمن الرحيم ومعرفة النبوات وإليه الإشارة ب الذين أنعمت عليهم ومعرفة المعاد وإليه الإشارة ب مالك يوم الدين
وعلم العبادات وإليه الإشارة ب إياك نعبد وعلم السلوك وهو حمل النفس على الآداب الشرعية والانقياد لرب البرية وإليه الإشارة ب إياك نستعين إهدنا الصراط المستقيم
وعلم القصص وهو الاطلاع على أخبار الأمم السالفة والقرون الماضية ليعلم المطلع على ذلك سعادة من أطاع الله وشقاوة من عصاه وإليه الإشارة بقوله صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين
فنبه في الفاتحة على جميع مقاصد القرآن وهذا هو الغاية في براعة الاستهلال مع ما اشتملت عليه من الألفاظ الحسنة والمقاطع المستحسنة وأنواع البلاغة
وكذلك أول سورة اقرأ فإنها مشتملة على نظير ما اشتملت عليه الفاتحة من براعة الاستهلال لكونها أول ما أنزل من القرآن فإن فيها الأمر بالقراءة والبداءة

فيها باسم الله وفيه الإشارة إلى علم الأحكام وفيها ما يتعلق بتوحيد الرب وإثبات ذاته وصفاته من صفة ذات وصفه فعل
وفي هذه الإشارة إلى أصول الدين وفيها ما يتعلق بالإخبار من قوله علم الإنسان ما لم يعلم ولهذا قيل إنها جديرة أن تسمى عنوان القرآن لأن عنوان الكتاب يجمع مقاصده بعبارة وجيزة في أوله


النوع الحادى والستون
فىخواتم السور 5219 - هى أيضا مثل الفواتح فى الحسن لأنها آخر ما يقرع الأسماع فلهذا جاءت متضمنة للمعاني البديعة مع إيذان السامع بانتهاء الكلام حتى يبقى معه للنفوس تشوق إلى ما يذكر بعد لأنها بين أدعية ووصايا وفرائض وتحميد وتهليل ومواعظ ووعد ووعيد إلى غير ذلك كتفصيل جملة المطلوب في خاتمة الفاتحة إذ المطلوب الأعلى الإيمان المحفوظ من المعاصي المسببة لغضب الله والضلال ففصل جملة ذلك بقوله الذين أنعمت عليهم والمراد المؤمنون ولذلك أطلق الإنعام ولم يقيده ليتناول كل إنعام لأن من أنعم الله عليه بنعمة الإيمان فقد أنعم عليه بكل نعمة لأنها مستتبعة لجميع النعم ثم وصفهم بقوله غير المغضوب عليهم ولا الضالين يعني أنهم جمعوا بين النعم المطلقة وهي نعمة الإيمان وبين السلامة من غضب الله تعالى والضلال المسببين عن معاصيه وتعدي حدوده
وكالدعاء الذي اشتملت عليه الآيتان من آخر سورة البقرة
وكالوصايا التي ختمت بها سورة آل عمران
والفرائض التي ختمت بها سورة النساء وحسن الختم بها لما فيها من أحكام الموت الذي هو آخر أمر كل حي ولأنها آخر ما أنزل من الأحكام
وكالتبجيل والتعظيم الذي ختمت به المائدة
وكالوعد والوعيد الذي ختمت به الأنعام
وكالتحريض على العبادة بوصف حال الملائكة الذي ختمت به الأعراف
وكالحض على الجهاد وصلة الأرحام الذي ختم به الأنفال

وكوصف الرسول ومدحه والتهليل الذي ختمت به براءة
وتسليته الذي ختمت به يونس ومثلها خاتمة هود ووصف القرآن ومدحه الذي ختم به يوسف والوعيد والرد على من كذب الرسول الذي ختم به الرعد
ومن أوضح ما آذن بالختام خاتمة إبراهيم هذا بلاغ للناس . . الآية ومثلها خاتمة الأحقاف وكذا خاتمة الحجر بقوله واعبد ربك حتى يأتيك اليقين وهو مفسر بالموت فإنها في غاية البراعة
وانظر إلى سورة الزلزلة كيف بدئت بأهوال القيامة وختمت بقوله فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره
وانظر براعة آخر آية نزلت وهي قوله واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله وما فيها من الإشعار بالآخرية المستلزمة للوفاة
وكذلك آخر سورة نزلت وهي سورة النصر فيها الإشعار بالوفاة كما أخرج البخاري من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس أن عمر سألهم عن قوله إذا جاء نصر الله والفتح فقالوا فتح المدائن والقصور قال ما تقول يا بن عباس قال أجل ضرب لمحمد نعيت له نفسه
وأخرج أيضا عنه قال كان عمر يدخلني مع أشياخ بدر فكأن بعضهم وجد في نفسه فقال لم تدخل هذا معنا ولنا أبناء مثله فقال عمر إنه من قد علمتم ثم دعاهم ذات يوم فقال ما تقولون في قول الله إذا جاء نصر الله والفتح فقال بعضهم أمرنا أن نحمد الله ونستغفره إذا نصرنا وفتح علينا وسكت بعضهم فلم يقل شيئا فقال لي أكذلك تقول يا بن عباس فقلت لا قال فما تقول قلت هو أجل رسول الله أعلمه به قال إذا جاء نصر الله والفتح وذلك علامة أجلك فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا فقال عمر إني لا أعلم منها إلا ما تقول


النوع الثاني والستون
في مناسبة الآيات والسور 5220 - أفرده بالتأليف العلامة أبو جعفر بن الزبير شيخ أبي حيان في كتاب سماه البرهان في مناسبة ترتيب سور القرآن ومن أهل العصر الشيخ برهان الدين البقاعي في كتاب سماه نظم الدرر في تناسب الآي والسور وكتابي الذي صنعته في أسرار التنزيل كافل بذلك جامع لمناسبات السور والآيات مع ما تضمنه من بيان وجوه الإعجاز وأساليب البلاغة وقد لخصت منه مناسبات السور خاصة في جزء لطيف سميته تناسق الدرر في تناسب السور
5221 - وعلم المناسبة علم شريف قل اعتناء المفسرين به لدقته
وممن أكثر فيه الإمام فخر الدين وقال في تفسيره
أكثر لطائف القرآن مودعة في الترتيبات والروابط
5222 - وقال ابن العربي في سراج المريدين ارتباط آي القرآن بعضها ببعض حتى تكون كالكلمة الواحدة متسقة المعاني منتظمة المباني علم عظيم لم يتعرض له إلا عالم واحد عمل فيه سورة البقرة ثم فتح الله لنا فيه فلما لم نجد له حملة ورأينا الخلق بأوصاف البطلة ختمنا عليه وجعلناه بيننا وبين الله ورددناه إليه
5223 - وقال غيره أول من أظهر علم المناسبة الشيخ أبو بكر النيسابوري وكان غزير العلم في الشريعة والأدب وكان يقول على الكرسي إذا قرئ عليه لم جعلت هذه الآية إلى جنب هذه وما الحكمة في جعل هذه السورة إلى جنب هذه

السورة وكان يزري على علماء بغداد لعدم علمهم بالمناسبة
5224 - وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام المناسبة علم حسن لكن يشترط في حسن ارتباط الكلام أن يقع في أمر متحد مرتبط أوله بآخره فإن وقع على أسباب مختلفة لم يقع فيه ارتباط ومن ربط ذلك فهو متكلف بما لا يقدر عليه إلا بربط ركيك يصان عن مثله حسن الحديث فضلا عن أحسنه فإن القرآن نزل في نيف وعشرين سنة في أحكام مختلفة شرعت لأسباب مختلفة وما كان كذلك لا يتأتى ربط بعضه ببعض
5225 - وقال الشيخ ولي الدين الملوي قد وهم من قال لا يطلب للآي الكريمة مناسبة لأنها على حسب الوقائع المفرقة
وفصل الخطاب أنها على حسب الوقائع تنزيلا وعلى حسب الحكمة ترتيبا وتأصيلا فالمصحف على وفق ما في اللوح المحفوظ مرتبة سوره كلها وآياته بالتوقيف كما أنزل جملة إلى بيت العزة ومن المعجز البين أسلوبه ونظمه الباهر والذي ينبغي في كل آية أن يبحث أول كل شيء عن كونها مكملة لما قبلها أو مستقلة ثم المستقلة ما وجه مناسبتها لما قبلها ففي ذلك علم جم وهكذا في السور يطلب وجه اتصالها بما قبلها وما سيقت له
انتهى
5226 - وقال الإمام الرازي في سورة البقرة ومن تأمل في لطائف نظم هذه السورة وفي بدائع ترتيبها علم أن القرآن كما أنه معجز بحسب فصاحة ألفاظه وشرف معانيه فهو أيضا بسبب ترتيبه ونظم آياته ولعل الذين قالوا إنه معجز بسبب أسلوبه أرادوا ذلك إلا أني رأيت جمهور المفسرين معرضين عن هذه اللطائف غير منتبهين لهذه الأسرار وليس الأمر في هذا الباب إلا كما قيل
والنجم تستصغر الأبصار صورته ... والذنب للطرف لا للنجم في الصغر
فصل 5227 - المناسبة في اللغة المشاكلة والمقاربة ومرجعها في الآيات ونحوها إلى معنى رابط بينها عام أو خاص عقلي أو حسي أو خيالي أو غير ذلك من أنواع العلاقات أو التلازم الذهني كالسبب والمسبب والعلة والمعلول والنظيرين والضدين ونحوه

وفائدته جعل أجزاء الكلام بعضها آخذا بأعناق بعض فيقوى بذلك الارتباط ويصير التأليف حاله حال البناء المحكم المتلائم الأجزاء فنقول ذكر الآية بعد الأخرى إما أن يكون ظاهر الارتباط لتعلق الكلم بعضه ببعض وعدم تمامه بالأولى فواضح
وكذلك إذا كانت الثانية للأولى على وجه التأكيد أو التفسير أو الاعتراض أو البدل وهذا القسم لا كلام فيه
وإما إلا يظهر الارتباط بل يظهر أن كل جملة مستقلة عن الأخرى وأنها خلاف النوع المبدوء به
فإما أن تكون معطوفة على الأولى بحرف من حروف العطف المشتركة في الحكم أو لا فإن كانت معطوفة فلا بد أن يكون بينهما جهة جامعة على ما سبق تقسيمه كقوله تعالى يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وقوله والله يقبض ويبسط وإليه ترجعون للتضاد بين القبض والبسط والولوج والخروج والنزول والعروج وشبه التضاد بين السماء والأرض
ومما الكلام فيه التضاد ذكر الرحمة بعد ذكر العذاب والرغبة بعد الرهبة وقد جرت عادة القرآن إذا ذكر أحكاما ذكر بعدها وعدا ووعيدا ليكون باعثا على العمل بما سبق ثم يذكر آيات توحيد وتنزيه ليعلم عظم الآمر والناهي وتأمل سورة البقرة والنساء والمائدة تجده كذلك
وإن لم تكن معطوفة فلا بد من دعامة تؤذن باتصال الكلام وهي قرائن معنوية تؤذن بالربط
5228 - وله أسباب
أحدها التنظير فإن إلحاق النظير بالنظير من شأن العقلاء كقوله كما أخرجك ربك من بيتك بالحق عقب قوله أولئك هم المؤمنون حقا فإنه تعالى أمر رسوله أن يمضي لأمره في الغنائم على كره من أصحابه كما مضى لأمره في خروجه من بيته لطلب العير أو للقتال وهم له كارهون والقصد أن كراهتهم لما فعله من قسمة الغنائم ككراهتهم للخروج وقد تبين في الخروج الخير من الظفر والنصر

والغنيمة وعز الإسلام فكذا يكون فيما فعله في القسمة فليطعيوا ما أمروا به ويتركوا هوى أنفسهم
5229 - الثاني المضادة كقوله في سورة البقرة إن الذين كفروا سواء عليهم . . الآية فإن أول السورة كان حديثا عن القرآن وأن من شأنه الهداية للقوم الموصوفين بالإيمان فلما أكمل وصف المؤمنين عقب بحديث الكافرين فبينهما جامع وهمي بالتضاد من هذا الوجه وحكمته التشويق والثبوب على الأول كما قيل وبضدها تتبين الأشياء
فإن قيل هذا جامع بعيد لأن كونه حديثا عن المؤمنين بالعرض لا بالذات والمقصود بالذات هو مساق الكلام إنما هو الحديث عن القرآن لأنه مفتتح القول
قيل لا يشترط في الجامع ذلك بل يكفي التعلق على أي وجه كان ويكفي وجه الربط ما ذكرناه لأن القصد تأكيد أمر القرآن والعمل به والحث على الإيمان ولهذا لما فرغ من ذلك قال وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فرجع إلى الأول
5230 - الثالث الاستطراد كقوله تعالى يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوأتكم وريشا ولباس التقوى ذلك خير قال الزمخشري هذه الآية واردة على سبيل الاستطراد عقب ذكر بدو السوءات وخصف الورق عليهما إظهارا للمنة فيما خلق من اللباس ولما في العري وكشف العورة من المهانة والفضيحة وإشعارا بأن الستر باب عظيم من أبواب التقوى
وقد خرجت على الاستطراد قوله تعالى لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله ولا الملائكة المقربون فإن أول الكلام ذكر للرد على النصارى الزاعمين نبوة المسيح ثم استطرد للرد على العرب الزاعمين بنوة الملائكة
ويقرب من الاستطراد حتى لا يكادان يفترقان حسن التخلص وهو أن ينتقل مما ابتدئ به الكلام إلى المقصود على وجه سهل يختلسه اختلاسا دقيق المعنى بحيث لا يشعر السامع بالانتقال من المعنى الأول إلا وقد وقع عليه الثاني لشدة الالتئام بينهما

5231 - وقد غلط أبو العلاء محمد بن غانم في قوله لم يقع منه في القرآن شيء لما فيه من التكلف
وقال إن القرآن إنما ورد على الاقتضاب الذي هو طريقة العرب من الانتقال إلى غير ملائم
وليس كما قال ففيه من التخلصات العجيبة ما يحير العقول
5232 - وانظر إلى سورة الأعراف كيف ذكر فيها الأنبياء والقرون الماضية والأمم السالفة ثم ذكر موسى إلى أن قص حكاية السبعين رجلا ودعائه لهم ولسائر أمته بقوله واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة وجوابه تعالى عنه ثم تخلص بمناقب سيد المرسلين بعد تخلصه لأمته بقوله قال عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين من صفاتهم كيت وكيت وهم الذين يتبعون الرسول النبي الأمي
وأخذ في صفاته الكريمة وفضائله
5233 - وفي سورة الشعراء حكى قول إبراهيم ولا تخزني يوم يبعثون فتخلص منه إلى وصف المعاد بقوله يوم لا ينفع مال ولا بنون . . الخ
5234 - وفي سورة الكهف حكى قول ذي القرنين في السد بعد دكه الذي هو من أشراط الساعة ثم النفخ في الصور وذكر الحشر ووصف مآل الكفار والمؤمنين
5235 - وقال بعضهم الفرق بين التخلص والاستطراد أنك في التخلص تركت ما كنت فيه بالكلية وأقبلت على ما تخلصت إليه وفي الاستطراد تمر بذكر الأمر الذي استطردت إليه مرورا كالبرق الخاطف ثم تتركه وتعود إلى ما كنت فيه كأنك لم تقصده وإنما عرض عروضا
قيل وبهذا يظهر أن ما في سورتي الأعراف والشعراء من باب الاستطراد لا التخلص لعوده في الأعراف إلى قصة موسى بقوله ومن قوم موسى أمة . . إلى آخره
وفي الشعراء إلى ذكر الأنبياء والأمم
5236 - ويقرب من حسن التخلص الانتقال من حديث إلى آخر تنشيطا للسامع مفصولا بهذا كقوله في سورة ص بعد ذكر الأنبياء هذا ذكر وإن للمتقين

لحسن مآب فإن هذا القرآن نوع من الذكر لما انتهى ذكر الأنبياء وهو نوع من التنزيل أراد أن يذكر نوعا آخر وهو ذكر الجنة وأهلها ثم لما فرغ قال هذا وإن للطاغين لشر مآب فذكر النار وأهلها
5237 - قال ابن الأثير هذا في هذا المقام من الفصل الذي هو أحسن من الوصل وهي علاقة أكيدة بين الخروج من كلام إلى آخر
ويقرب منه أيضا حسن المطلب قال الزنجاني والطيبي وهو أن يخرج إلى الغرض بعد تقدم الوسيلة كقوله إياك نعبد وإياك نستعين
5238 - قال الطيبي ومما اجتمع فيه حسن التخلص والمطلب معا قوله تعالى حكاية عن إبراهيم فإنهم عدو لي إلا رب العالمين الذي خلقني فهو يهدين إلى قوله رب هب لي حكما وألحقني بالصالحين
قاعدة 5239 - قال بعض المتأخرين الأمر الكلي المفيد لعرفان مناسبات الآيات في جميع القرآن هو أنك تنظر إلى الغرض الذي سيقت له السورة وتنظر ما يحتاج إليه ذلك الغرض من المقدمات وتنظر إلى مراتب تلك المقدمات في القرب والبعد من المطلوب وتنظر عند انجرار الكلام في المقدمات إلى ما يستتبعه من استشراف نفس السامع إلى الأحكام أو اللوازم التابعة له التي تقتضي البلاغة شفاء الغليل بدفع عناء الاستشراف إلى الوقوف عليها فهذا هو الأمر الكلي المهيمن على حكم الربط بين جميع أجزاء القرآن فإذا فعلته تبين لك وجه النظم مفصلا بين كل آية وآية في كل سورة
انتهى
تنبيه 5240 - من الآيات ما أشكلت مناسبتها لما قبلها من ذلك قوله تعالى في

سورة القيامة لا تحرك به لسانك لتعجل به . . الآيات فإن وجه مناسبتها لأول السورة وآخرها عسر جدا فإن السورة كلها في أحوال القيامة حتى زعم بعض الرافضة أنه سقط من السورة شيء وحتى ذهب القفال فيما حكاه الفخر الرازي أنها نزلت في الإنسان المذكور قبل في قوله ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر قال يعرض عليه كتابه فإذا أخذ في القراءة تلجلج خوفا فأسرع في القراءة فيقال له لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا أن نجمع عملك وأن نقرأ عليك فإذا قرأناه عليك فاتبع قرآنه بالإقرار بأنك فعلت ثم إن علينا بيان أمر الإنسان وما يتعلق بعقوبته
انتهى
وهذا يخالف ما ثبت في الصحيح أنها نزلت في تحريك النبي لسانه حالة نزول الوحي عليه
5241 - وقد ذكر الأئمة لها مناسبات
منها أنه تعالى لما ذكر القيامة وكان من شأن من يقصر عن العمل لها حب العاجلة وكان من أصل الدين أن المبادرة إلى أفعال الخير مطلوبة فنبه على أنه قد يعترض على هذا المطلوب ما هو أجل منه وهو الإصغاء إلى الوحي وتفهم ما يرد منه والتشاغل بالحفظ قد يصد عن ذلك فأمر بألا يبادر إلى التحفظ لأن تحفيظه مضمون على ربه وليصغ إلى ما يرد عليه إلى أن ينقضي فيتبع ما اشتمل عليه
ثم لما انقضت الجملة المعترضة رجع الكلام إلى ما يتعلق بالإنسان المبتدأ بذكره ومن هو من جنسه فقال كلا وهي كلمة ردع كأنه قال بل أنتم يا بني آدم لكونكم خلقتم من عجل تعجلون في كل شيء ومن ثم تحبون العاجلة
5242 - ومنها أن عادة القرآن إذا ذكر الكتاب المشتمل على عمل العبد حيث يعرض يوم القيامة أردفه بذكر الكتاب المشتمل على الأحكام الدينية في الدنيا التي تنشأ عنها المحاسبة عملا وتركا كما قال في الكهف ووضع الكتاب فترى

المجرمين مشفقين مما فيه إلى أن قال ولقد صرفنا في هذا القرآن للناس من كل مثل الآية وقال في سبحان فمن أوتي كتابه بيمينه فأولئك يقرءون كتابهم إلى أن قال ولقد صرفنا للناس في هذا القرآن . . الآية
وقال في طه يوم ينفخ في الصور ونحشر المجرمين يومئذ زرقا إلى أن قال فتعالى الله الملك الحق ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه
5243 - ومنها أن أول السورة لما نزل إلى ولو ألقى معاذيره صادف أنه في تلك الحالة بادر إلى تحفظ الذي نزل وحرك به لسانه من عجلته خشية من تفلته فنزل لا تحرك به لسانك لتعجل به إلى قوله ثم إن علينا بيانه ثم عاد إلى الكلام إلى تكملة ما ابتدئ به
5244 - قال الفخر الرازي ونحوه مالو ألقى المدرس على الطالب مثلا مسألة فتشاغل الطالب بشيء عرض له فقال له ألق إلي بالك وتفهم ما أقول ثم كمل المسألة فمن لا يعرف السبب يقول ليس هذا الكلام مناسبا للمسألة بخلاف من عرف ذلك
5245 - ومنها أن النفس لما تقدم ذكرها في أول السورة عدل إلى ذكر نفس المصطفى كأنه قيل هذا شأن النفوس وأنت يا محمد نفسك أشرف النفوس فلتأخذ بأكمل الأحوال
5246 - ومن ذلك قوله تعالى يسألونك عن الأهلة . . الآية فقد يقال أي رابط بين أحكام الأهلة وبين حكم إتيان البيوت
وأجيب بأنه من باب الاستطراد لما ذكر أنها مواقيت للحج وكان هذا من أفعالهم في الحج كما ثبت في سبب نزولها ذكر معه من باب الزيادة في الجواب على ما في السؤال كما سئل عن ماء البحر فقال هو الطهور ماؤه الحل ميتته
5247 - ومن ذلك قوله تعالى ولله المشرق والمغرب . . الآية فقد يقال ما وجه اتصاله بما قبله وهو قوله ومن أظلم ممن منع مساجد الله . . الآية

5248 - وقال الشيخ أبو محمد الجويني في تفسيره سمعت أبا الحسن الدهان بقول وجه اتصاله هو أن أن ذكر تخريب بيت المقدس قد سبق أي فلا يجرمنكم ذلك واستقبلوه فإن لله المشرق والمغرب
1 -
فصل 5249 - من هذا النوع مناسبة فواتح السور وخواتمها وقد أفردت فيه جزءا لطيفا سميته مراصد المطالع في تناسب المقاطع والمطالع
وانظر إلى سورة القصص كيف بدئت بأمر موسى ونصرته وقوله فلن أكون ظهيرا للمجرمين وخروجه من وطنه وختمت بأمر النبي بألا يكون ظهيرا للكافرين وتسليته عن إخراجه من مكة ووعده بالعود إليها لقوله في أول السورة إنا رادوه
5250 - قال الزمخشري وقد جعل الله فاتحة سورة قد أفلح المؤمنون وأورد في خاتمتها إنه لا يفلح الكافرون فشتان ما بين الفاتحة والخاتمة
وذكر الكرماني في العجائب مثله
5251 - وقال في سورة ص بدأها بالذكر وختمها به في قوله إن هو إلا ذكر للعالمين
5252 - وفي سورة ن بدأها بقوله ما أنت بنعمة ربك بمجنون وختمها بقوله إنه لمجنون
5253 - ومنه مناسبة فاتحة السورة لخاتمة ما قبلها حتى أن منها ما يظهر تعلقها به لفظا كما في فجعلهم كعصف مأكول لإيلاف قريش فقد قال الأخفش اتصالها بها من باب فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا
5254 - وقال الكواشي في تفسير المائدة لما ختم سورة النساء أمرا بالتوحيد

والعدل بين العباد أكد ذلك بقوله يأيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود
5255 - وقال غيره إذا اعتبرت افتتاح كل سورة وجدته في غاية المناسبة لما ختم به السورة قبلها ثم هو يخفي تارة ويظهر أخرى كافتتاح سورة الأنعام بالحمد فإنه مناسب لختام المائدة من فصل القضاء كما قال تعالى وقضي بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين
وكافتتاح سورة فاطر بالحمد لله فإنه مناسب لختام ما قبلها من قوله وحيل بينهم وبين ما يشتهون كما فعل بأشياعهم من قبل كما قال تعالى فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين وكافتتاح سورة الحديد بالتسبيح فإنه مناسب لختام سورة الواقعة بالأمر به
وكافتتاح سورة البقرة بقوله آلم ذلك الكتاب فإنه إشارة إلى الصراط في قوله اهدنا الصراط المستقيم كأنهم لما سألوا الهداية إلى الصراط قيل لهم ذلك الصراط الذي سألتم الهداية إليه هو الكتاب وهذا معنى حسن يظهر فيه ارتباط سورة البقرة بالفاتحة
5256 - ومن لطائف سورة الكوثر أنها كالمقابلة للتي قبلها لأن السابقة وصف الله فيها المنافق بأربعة أمور البخل وترك الصلاة والرياء فيها ومنع الزكاة فذكر فيها في مقابلة البخل إنا أعطيناك الكوثر أي الخير الكثير وفي مقابلة ترك الصلاة فصل أي دم عليها وفي مقابلة الرياء لربك أي لرضاه لا للناس وفي مقابلة منع الماعون وانحر وأراد به التصدق بلحم الأضاحي
5257 - وقال بعضهم لترتيب وضع السور في المصحف أسباب تطلع على أنه توقيفي صادر عن حكيم
أحدها بحسب الحروف كما في الحواميم
الثاني لموافقة أول السورة لآخر ما قبلها كآخر الحمد في المعنى وأول البقرة
الثالث للتوازن في اللفظ كآخر تبت وأول الإخلاص
الرابع لمشابهة جملة السورة لجملة الأخرى كالضحى وألم نشرح

5258 - قال بعض الأئمة وسورة الفاتحة تضمنت الإقرار بالربوبية والالتجاء إليه في دين الإسلام والصيانة عن دين اليهودية والنصرانية وسورة البقرة تضمنت قواعد الدين وآل عمران مكملة لمقصودها فالبقرة بمنزلة إقامة الدليل على الحكم وآل عمران بمنزلة الجواب عن شبهات الخصوم ولهذا ورد فيها ذكر المتشابه لما تمسك به النصارى
وأوجب الحج في آل عمران وأما في البقرة فذكر أنه مشروع وأمر بإتمامه بعد الشروع فيه وكان خطاب النصارى في آل عمران أكثر كما أن خطاب اليهود في البقرة أكثر لأن التوراة أصل والإنجيل فرع لها والنبي لما هاجر إلى المدينة دعا اليهود وجاهدهم وكان جهاده للنصارى في آخر الأمر كما كان دعاؤه لأهل الشرك قبل أهل الكتاب ولهذا كانت السور المكية فيها الدين الذي اتفق عليه الأنبياء فخوطب به جميع الناس والسور المدنية فيها خطاب من أقر بالأنبياء من أهل الكتاب والمؤمنين فخوطبوا بيا أهل الكتاب يا بني إسرائيل يأيها الذين آمنوا
وأما سورة النساء فتضمنت أحكام الأسباب التي بين الناس وهي نوعان مخلوقة لله ومقدورة لهم كالنسب والصهر ولهذا افتتحت بقوله اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها ثم قال واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام فانظر هذه المناسبة العجيبة في الافتتاح وبراعة الاستهلال حيث تضمنت الآية المفتتح بها ما أكثر السورة في أحكامه من نكاح النساء ومحرماته والمواريث المتعلقة بالأرحام وأن ابتداء هذا الأمر كان بخلق آدم ثم خلق زوجه منه ثم بث منهما رجالا ونساء في غاية الكثرة
وأما المائدة فسورة العقود تضمنت بيان تمام الشرائع ومكملات الدين والوفاء بعهود الرسل وما أخذ على الأمة وبها تم الدين فهي سورة التكميل لأن فيها تحريم الصيد على المحرم الذي هو من تمام الإحرام وتحريم الخمر الذي هو من تمام حفظ العقل والدين وعقوبة المعتدين من السراق والمحاربين الذي هو من تمام حفظ الدماء والأموال وإحلال الطيبات الذي هو من تمام عبادة الله تعالى ولهذا ذكر فيها ما يختص بشريعة محمد كالوضوء والتيمم والحكم بالقرآن على كل دين ولهذا كثر فيها من لفظ الإكمال والإتمام وذكر فيها أن من ارتد عوض الله خير منه ولا يزال هذا الدين كاملا ولهذا ورد أنها آخر ما نزل لما فيها من إشارات الختم والتمام
وهذا الترتيب بين هذه السور الأربع المدنيات من أحسن الترتيب

5259 - وقال أبو جعفر بن الزبير حكى الخطابي أن الصحابة لما اجتمعوا على القرآن وضعوا سورة القدر عقب العلق استدلوا بذلك على أن المراد بهاء الكناية في قوله إنا أنزلناه في ليلة القدر الإشارة إلى قوله اقرأ قال القاضي أبو بكر ابن العربي وهذا بديع جدا
2 - فصل
5260 - قال في البرهان ومن ذلك افتتاح السور بالحروف المقطعة واختصاص كل واحدة بما بدئت به حتى لم يكن لترد الم في موضع الر ولا حم في موضع طس
قال وذلك أن كل سورة بدئت بحرف منها فإن أكثر كلماتها وحروفها مماثل له فحق لكل سورة منها ألا يناسبها غير الواردة فيها فلو وضع ق موضع ن لعدم التناسب الواجب مراعاته في كلام الله وسورة ق بدئت به لما تكرر فيها من الكلمات بلفظ القاف من ذكر القرآن والخلق وتكرير القول ومراجعته مرارا والقرب من ابن آدم وتلقي الملكين وقول العتيد والرقيب والسائق والإلقاء في جهنم والتقدم بالوعد وذكر المتقين والقلب والقرون والتنقيب في البلاد وتشقق الأرض وحقوق الوعيد وغير ذلك
وقد تكرر في سورة يونس من الكلم الواقع فيها الراء مائتا كلمة أو أكثر فلهذا افتتحت ب الر
واشتملت سورة ص على خصومات متعددة فأولها خصومة النبي مع الكفار وقولهم أجعل الآلهة إلها واحدا ثم اختصام الخصمين عند داود ثم تخاصم أهل النار ثم اختصام الملأ الأعلى ثم تخاصم إبليس في شأن آدم ثم في شأن بنيه وإغوائهم
و الم جمعت المخارج الثلاثة الحلق واللسان والشفتين على ترتيبها وذلك إشارة إلى البداية التي هي بدء الخلق والنهاية التي هي بدء الميعاد والوسط الذي هو المعاش من التشريع بالأوامر والنواهي وكل سورة افتتحت بها فهي مشتملة على الأمور الثلاثة
وسورة الأعراف زيد فيها الصاد على الم لما فيها من شرح القصص قصة

آدم فمن بعده من الأنبياء ولما فيها من ذكر فلا يكن في صدرك حرج ولهذا قال بعضهم معنى المص ألم نشرح لك صدرك
وزيد في الرعد راء لأجل قوله رفع السموات ولأجل ذكر الرعد والبرق وغيرهما
5261 - واعلم أن عادة القرآن العظيم في ذكر هذه الحروف أن يذكر بعدها ما يتعلق بالقرآن كقوله ألم ذلك الكتاب الم الله لا إله إلا هو الحي القيوم نزل عليك الكتاب بالحق المص كتاب أنزل إليك الر تلك آيات الكتاب طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى طسم تلك آيات الكتاب يس والقرآن ص والقرآن حم تنزيل الكتاب ق والقرآن إلا ثلاثت سور العنكبوت والروم ون ليس فيها ما يتعلق به وقد ذكرت حكمة ذلك في أسرار التنزيل
5262 - وقال الحزاني في معنى حديث أنزل القرآن على سبعة أحرف زاجر وآمر وحلال وحرام ومحكم ومتشابه وأمثال اعلم أن القرآن منزل عند انتهاء الخلق وكمال كل الأمر بدأ فكان المتحلي به جامعا لانتهاء كل خلق وكمال كل أمر فلذلك هو قسيم الكون وهو الجامع الكامل ولذلك كان خاتما وكتابه كذلك وبدأ المعاد من حين ظهوره فاستوفى صلاح هذه الجوامع الثلاث التي قد خلت في الأولين بداياتها وتمت عنده غاياتها بعثت لأتمم مكارم الأخلاق وهي صلاح الدنيا والدين والمعاد التي جمعها قوله اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمرى وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي وأصلح لي آخرتي التي إليها معادي
وفي كل صلاح إقدام وإحجام فتصير الثلاثة الجوامع ستة هي حروف القرآن الستة ثم وهب حرفا جامعا سابعا فردا لا زوج له فتمت سبعة فأدنى تلك الحروف هو حرفا صلاح الدنيا فلها حرفان حرف الحرام الذي لا تصلح النفس والبدن إلا بالتطهر منه لبعده عن تقويمها والثاني حرف الحلال الذي تصلح النفس والبدن عليه لموافقته تقويمها وأصل هذين الحرفين في التوراة وتمامهما في القرآن
ويلي ذلك حرفا صلاح المعاد أحدهما حرف الزجر والنهى الذي لا تصلح

الآخرة إلا بالتطهر منه لبعده عن حسناتها والثاني حرف الأمر الذي تصلح الآخرة عليه لتقاضيه لحسناتها وأصل هذين الحرفين في الإنجيل وتمامهما في القرآن
ويلي ذلك حرفا صلاح الدين أحدهما حرف المحكم الذي بان للعبد فيه خطاب ربه والثاني حرف المتشابه الذي لا يتبين للعبد فيه خطاب ربه من جهة قصور عقله عن إدراكه
فالحروف الخمسة للاستعمال وهذا الحرف السادس للوقوف والاعتراف بالعجز وأصل هذين الحرفين في الكتب المتقدمة كلها وتمامهما في القرآن ويختص القرآن بالحرف السابع الجامع وهو حرف المثل المبين للمثل الأعلى
ولما كان هذا الحرف هو الحمد افتتح الله به أم القرآن وجمع فيها جوامع الحروف السبعة التي بثها في القرآن فالأولى تشتمل على حرف الحمد السابع والثانية تشتمل على حرفي الحلال والحرام اللذين أقامت الرحمانية بهما الدنيا والرحيمية الآخرة والثالثة تشتمل على أمر الملك القيم على حرفي الأمر والنهي الذين يبدأ أمرهما في الدين والرابعة تشتمل على حرفي المحكم في قوله إياك نعبد والمتشابه في قوله وإياك نستعين ولما افتتح أم القرآن بالسابع الجامع الموهوب ابتدئت البقرة بالسادس المعجوز عنه وهو المتشابه
انتهى كلام الحراني
والمقصود منه هو الأخير وبقيته ينبو عنه السمع وينفر منه القلب ولا تميل إليه النفس وأنا أستغفر الله من حكايته على أني أقول في مناسبة ابتداء البقرة ب الم أحسن مما قال وهو أنه لما ابتدئت الفاتحة بالحرف المحكم الظاهر لكل أحد بحيث لا يعذر أحد في فهمه ابتدئت البقرة بمقابلة وهو الحرف المتشابه البعيد التأويل أو المستحيله
3 -
فصل 5263 - ومن هذا النوع مناسبة أسماء السور لمقاصدها وقد تقدم في النوع السابع عشر الإشارة إلى ذلك
وفي عجائب الكرماني إنما سميت السور السبع حم على الاشتراك في الاسم لما بينهن من التشاكل الذي اختصت به وهو أن كل واحدة منها استفتحت بالكتاب أو صفة الكتاب مع تقارب المقادير في الطول والقصر وتشاكل الكلام في النظام


فوائد منثورة 5264 - في المناسبات في تذكرة الشيخ تاج الدين السبكي ومن خطه نقلت سأل الأمام ما الحكمة في افتتاح سورة الإسراء بالتسبيح والكهف بالتحميد وأجاب بأن التسبيح حيث جاء مقدم على التحميد نحو فسبح بحمد ربك سبحان الله والحمد لله
وأجاب ابن الزملكاني بأن سورة سبحان لما اشتملت على الإسراء الذي كذب المشركون به النبي وتكذيبه تكذيب لله سبحانه وتعالى أتى بسبحان لتنزيه الله تعالى عما نسب إلى نبيه من الكذب وسورة الكهف لما أنزلت بعد سؤال المشركين عن قصة أصحاب الكهف وتأخر الوحي نزلت مبينة أن الله لم يقطع نعمته عن نبيه ولا عن المؤمنين بل أتم عليهم النعمة بإنزال الكتاب فناسب افتتاحها بالحمد على هذه النعمة
5265 - في تفسير الخويي ابتدئت الفاتحة بقوله الحمد لله رب العالمين فوصف بأنه مالك جميع المخلوقين وفي الأنعام والكهف وسبأ وفاطر لم يوصف بذلك بل بفرد من أفراد صفاته وهو خلق السموات والأرض والظلمات والنور في الأنعام وإنزال الكتاب في الكهف وملك ما في السموات وما في الأرض في سبأ وخلقهما في فاطر لأن الفاتحة أم القرآن ومطلعه فناسب الإتيان فيها بأبلغ الصفات وأعمها وأشملها
5266 - في العجائب للكرماني إن قيل كيف جاء يسألونك أربع مرات بغير واو يسألونك عن الأهلة يسألونك ماذا ينفقون يسألونك عن الشهر الحرام يسألونك عن الخمر ثم جاء ثلاث مرات بالواو ويسألونك ماذا ينفقون ويسألونك عن اليتامى ويسألونك عن المحيض
قلنا لأن سؤالهم عن الحوادث الأول وقع متفرقا وعن الحوادث الأخر وقع في وقت واحد فجئ بحرف الجمع دلالة على ذلك
فإن قيل كيف جاء ويسألونك عن الجبال فقل وعادة القرآن مجئ قل

في الجواب بلا فاء أجاب الكرماني بأن التقدير لو سئلت عنها فقل
فإن قيل كيف جاء وإذا سألك عبادي عني فإني قريب وعادة السؤال يجئ جوابه في القرآن بقل قلنا حذفت للإشارة إلى أن العبد في حالة الدعاء في أشرف المقامات لا واسطة بينه وبين مولاه
ورد في القرآن سورتان أولهما يأيها الناس في كل نصف سورة فالتي في النصف الأول تشتمل على شرح المبدأ والتي في الثاني على شرح المعاد


النوع الثالث والستون
في الآيات المشتبهات 5267 - أفرده بالتصنيف خلق أولهم فيما أحسب الكسائي ونظمه السخاوي وألف في توجيهه الكرماني كتابه البرهان في متشابه القرآن وأحسن منه درة التنزيل وغرة التأويل لأبي عبد الله الرازي وأحسن من هذا ملاك التأويل لأبي جعفر بن الزبير ولم أقف عليه وللقاضي بدر الدين بن جماعة في ذلك كتاب لطيف سماه كشف المعاني عن متشابه المثاني وفي كتابي أسرار التنزيل المسمى قطف الأزهار في كشف الأسرار من ذلك الجم الغفير
والقصد به إيراد القصة الواحدة في صور شتى وفواصل مختلفة بل تأتي في موضع واحد مقدما وفي آخر مؤخرا كقوله في البقرة وادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة وفي الأعراف وقولوا حطة وادخلوا الباب سجدا
وفي البقرة وما أهل به لغير الله وسائر القرآن وما أهل لغير الله به
أو في موضع بزيادة وفي آخر بدونها نحو سواء عليهم أأنذرتهم في

البقرة وفي يس وسواء عليهم أأنذرتهم
وفي البقرة ويكون الدين لله وفي الأنفال كله لله
أو في موضع معرفا وفي آخر منكرا أو مفردا وفي آخر جمعا أو بحرف وفي آخر بحرف آخر أو مدغما وفي آخر مفكوكا وهذا النوع يتداخل مع نوع المناسبات
وهذه أمثلة منه بتوجيهها
5278 - قوله تعالى في البقرة هدى للمتقين وفي لقمان هدى ورحمة للمحسنين . . لأنه لما ذكر هنا مجموع الإيمان ناسب المتقين ولما ذكر ثم الرحمة ناسب المحسنين
5269 - قوله تعالى وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا وفي الأعراف فكلا بالفاء قيل لأن السكنى في البقرة الإقامة وفي الأعراف اتخاذ المسكن فلما نسب القول إليه تعالى وقلنا يا آدم ناسب زيادة الإكرام بالواو الدالة على الجمع بين السكنى والأكل ولذا قال فيه رغدا وقال حيث شئتما لأنه أعم
وفي الأعراف ويا آدم فأتى بالفاء الدالة على ترتيب الأكل على السكنى المأمور باتخاذها لأن الأكل بعد الاتخاذ و من حيث لا تعطى عموم معنى حيث شئتما
5270 - قوله تعالى واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل وقال بعد ذلك ولا يقبل منها عدل ولا تنفعها شفاعة ففيه تقديم العدل وتأخيره والتعبير بقبول الشفاعة تارة وبالنفع أخرى وذكر في حكمته أن الضمير في منها راجع في الأولى إلى النفس الأولى وفي الثانية إلى النفس الثانية فبين في الأولى أن النفس الشافعة الجازية عن غيرها لا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل وقدمت الشفاعة لأن الشافع يقدم الشفاعة عل بذل العدل عنها
وبين في الثانية أن النفس المطلوبة بجرمها لا يقبل منها عدل عن نفسها ولا

تنفعها شفاعة شافع منها وقدم العدل لأن الحاجة إلى الشفاعة إنما تكون عند رده ولذلك قال في الأولى لا يقبل منها شفاعة وفي الثانية ولا تنفعها شفاعة لأن الشفاعة إنما تقبل من الشافع وإنما تنفع المشفوع له
5271 - قوله تعالى وإذ نجيناكم من آل فرعون يسوونكم سوء العذاب يذبحون وفي إبراهيم ويذبحون بالواو لأن الأولى من كلامه تعالى لهم فلم يعدد عليهم المحن تكرما في الخطاب والثانية من كلام موسى فعددها
وفي الأعراف يقتلون وهو من تنويع الألفاظ المسمى بالتفنن
5272 - قوله تعالى وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية . . الآية وفي آية الأعراف اختلاف ألفاظ ونكتته أن آية البقرة في معرض ذكر النعم عليهم حيث قال يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي إلى آخره فناسب نسبة القول إليه تعالى وناسب قوله رغدا لأن المنعم به اتم وناسب تقديم وادخلوا الباب سجدا وناسب خطاياكم لأنه جمع كثرة وناسب الواو في وسنزيد لدلالتها على الجمع بينهما وناسب الفاء في فكلوا لأن الأكل مترتب على الدخول
وآية الأعراف افتتحت بما فيه توبيخهم وهو قولهم اجعل لنا إلها كما لهم آلهة ثم اتخاذهم العجل فناسب ذلك وإذ قيل لهم وناسب ترك رغدا
والسكنى تجامع الأكل فقال وكلوا وناسب تقديم ذكر مغفرة الخطايا وترك الواو في سنزيد
ولما كان في الأعراف تبعيض الهادين بقوله ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق ناسب تبعيض الظالمين بقوله الذين ظلموا منهم ولم يتقدم في البقرة مثله فترك
وفي البقرة إشارة إلى سلامة غير الذين ظلموا لتصريحه بالإنزال على المتصفين بالظلم والإرسال أشد وقعا من الإنزال فناسب سياق ذكر النعمة في البقرة ذلك وختم آية البقرة ب يفسقون ولا يلزم منه الظلم والظلم يلزم منه الفسق فناسب كل لفظة منها سياقه
وكذا في البقرة فانفجرت وفي الأعراف فانبجست لأن الانفجار

أبلغ في كثرة الماء فناسب سياق ذكر النعم التعبير به
5273 - قوله تعالى وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة وفي آل عمران معدودات قال ابن جماعة لأن قائل ذلك فرقتان من اليهود إحداهما قالت إنما نعذب بالنار سبعة أيام عدد أيام الدنيا والأخرى قالت إنما نعذب أربعين عدة أيام عبادة آبائهم العجل فآية البقرة تحتمل قصد الفرقة الثانية حيث عبر بجمع الكثرة وآل عمران بالفرقة الأولى حيث أتى بجمع القلة
5274 - وقال أبو عبد الله الرازي إنه من باب التفنن قوله تعالى إن هدى الله هو الهدى وفي آل عمران إن الهدى هدى الله لأن الهدى في البقرة المراد به تحويل القبلة وفي آل عمران المراد به الدين لتقدم قوله لمن تبع دينكم ومعناه إن دين الله الإسلام
5275 - قوله تعالى رب اجعل هذا بلدا آمنا وفي إبراهيم هذا البلد آمنا لأن الأول دعا به قبل مصيره بلدا عند ترك هاجر وإسماعيل به وهو واد فدعا بأن يصير بلدا والثاني دعا به بعد عوده وسكنى جرهم به ومصيره بلدا فدعا بأمنه
5276 - قوله تعالى قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وفي آل عمران قل آمنا بالله وما أنزل علينا لأن الأولى خطاب للمسلمين والثانية خطاب للنبي و إلى ينتهى بها من كل جهة و على لا ينتهى بها إلا من جهة واحدة وهي العلو والقرآن يأتي المسلمين من كل جهة يأتي مبلغه إياهم منها وإنما أتى النبي من جهة العلو خاصة فناسب قوله علينا ولهذا أكثر ما جاء في جهة النبي ب على وأكثر ما جاء في جهة الأمة ب إلى
5277 - قوله تعالى تلك حدود الله فلا تقربوها وقال بعد ذلك فلا تعتدوها لأن الأولى وردت بعد نواه فناسب النهى عن قربانها والثانية بعد أوامر فناسب النهى عن تعديها وتجاوزها بأن يوقف عندها

5278 - قوله تعالى نزل عليك الكتاب وقال وأنزل التوراة والأنجيل لأن الكتاب أنزل منجما فناسب الإتيان ب نزل الدال على التكرير بخلافهما فإنهما أنزلا دفعة
5279 - قوله تعالى ولا تقتلوا أولادكم من إملاق وفي الإسراء خشية إملاق لأن الأولى خطاب للفقراء المقلين أي لآ تقتلوهم من فقر بكم فحسن نحن نرزقكم ما يزول به إملاقكم ثم قال وإياهم أي نرزقكم جميعا والثانية خطاب للأغنياء أي خشية فقر يحصل لكم بسببهم ولذا حسن نحن نرزقهم وإياكم
5280 - قوله تعالى فاستعذ بالله إنه سميع عليم وفي فصلت فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم
قال ابن جماعة لأن آية الأعراف نزلت أولا وآية فصلت نزلت ثانيا فحسن التعريف أي هو السميع العليم الذي تقدم ذكره أولا عند نزوغ الشيطان
5281 - قوله تعالى المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض وقال في المؤمنين بعضهم أولياء بعض وفي الكفار والذين كفروا بعضهم أولياء بعض لأن المنافقين ليسوا متناصرين على دين معين وشريعة ظاهرة فكان بعضهم يهودا وبعضهم مشركين فقال من بعض أي في الشك والنفاق والمؤمنون متناصرون على دين الإسلام وكذلك الكفار المعلنون بالكفر كلهم أعوان بعضهم ومجتمعون على التناصر بخلاف المنافقين كما قال تعالى تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى
فهذه أمثلة يستضاء بها وقد تقدم منها كثير في نوع التقديم والتأخير وفي نوع الفواصل وفي أنواع أخر
تم الجزء الثالث من كتاب الإتقان في علوم القرآن ويليه الجزء الرابع وأوله النوع الرابع والستون في إعجاز القرآن


النوع الرابع والستون
في إعجاز القرآن 5282 - أفرده بالتصنيف خلائق منهم الخطابي والرماني والزملكاني والإمام الرازي وابن سراقة والقاضي أبو بكر الباقلاني قال ابن العربي ولم يصنف مثل كتابه
5283 - اعلم أن المعجزة أمر خارق للعادة مقرون بالتحدي سالم عن المعارضة وهي إما حسية وإما عقلية وأكثر معجزات بني إسرائيل كانت حسية لبلادتهم وقلة بصيرتهم وأكثر معجزات هذه الأمة عقلية لفرط ذكائهم وكمال أفهامهم ولأن هذه الشريعة لما كانت باقية على صفحات الدهر إلى يوم القيامة خصت بالمعجزة العقلية الباقية ليراها ذوو البصائر كما قال ما من الأنبياء نبي إلا أعطي ما مثله آمن عليه البشر وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إلي فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا
أخرجه البخاري قيل إن معناه أن معجزات الأنبياء انقرضت بانقراض أعصارهم فلم يشاهدها إلا من حضرها ومعجزة القرآن مستمرة إلى يوم القيامة وخرقه العادة في أسلوبه وبلاغته وإخباره بالمغيبات فلا يمر عصر من الأعصار إلا ويظهر فيه شيء مما أخبر به أنه سيكون يدل على صحة دعواه
وقيل المعنى أن المعجزات الواضحة الماضية كانت حسية تشاهد بالأبصار كناقة صالح وعصا موسى ومعجزة القرآن تشاهد بالبصيرة فيكون من يتبعه لأجلها أكثر لأن الذي يشاهد بعين الرأس ينقرض بانقراض مشاهده والذي يشاهد بعين العقل باق يشاهده كل من جاء بعد الأول مستمرا
5284 - قال في فتح الباري ويمكن نظم القولين في كلام واحد فإن محصلهما لا ينافي بعضه بعضا
ولا خلاف بين العقلاء أن كتاب الله تعالى معجز لم يقدر واحد على معارضته بعد تحديهم بذلك قال تعالى وإن أحد من المشركين

استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله فلولا أن سماعه حجة عليه لم يقف أمره على سماعه ولا يكون حجة إلا وهو معجزة
وقال تعالى وقالوا لولا أنزل عليه آيات من ربه قل إنما الآيات عند الله وإنما أنا نذير مبين أو لم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم فأخبر أن الكتاب آية من آياته كاف في الدلالة قائم مقام معجزات غيره وآيات من سواه من الأنبياء ولما جاء به النبي إليهم وكانوا أفصح الفصحاء ومصاقع الخطباء وتحداهم على أن يأتوا بمثله وأمهلهم طول السنين فلم يقدروا كما قال تعالى فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين ثم تحداهم بعشر سور منه في قوله تعالى أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين فإن لم يستجيبوا لكم فاعلموا أنما أنزل بعلم الله ثم تحداهم بسورة في قوله أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة مثله . . الآية ثم كرر في قوله وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله . . الآية فلما عجزوا عن معارضته والإتيان بسورة تشبهه على كثرة الخطباء فيهم والبلغاء نادى عليهم بإظهار العجز وإعجاز القرآن فقال قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا هذا وهم الفصحاء اللد وقد كانوا أحرص شيء على إطفاء نوره وإخفاء أمره فلو كان في مقدرتهم معارضته لعدلوا إليها قطعا للحجة
ولم ينقل عن أحد منهم أنه حدث نفسه بشيء من ذلك ولا رامه بل عدلوا إلى العناد تارة وإلى الإستهزاء أخرى فتارة قالوا سحر وتارة قالوا شعر وتارة قالوا أساطير الأولين كل ذلك من التحير والإنقطاع ثم رضوا بتحكيم السيف في أعناقهم وسبي ذراويهم وحرمهم وإستباحة أموالهم وقد كانوا آنف شيء وأشده حمية فلو علموا أن الإتيان بمثله في قدرتهم لبادروا إليه لأنه كان أهون عليهم كيف وقد أخرج الحاكم عن ابن عباس قال جاء الوليد بن المغيرة إلى النبي فقرأ عليه القرآن فكأنه رق له فبلغ ذلك أبا جهل فأتاه فقال يا عم إن قومك يريدون أن يجمعوا لك مالا ليعطوكه فإنك أتيت محمدا لتعرض

لما قبله قال قد علمت قريش أني من أكثرها مالا قال فقل فيه قولا يبلغ قومك إنك كاره له قال وماذا أقول فوالله ما فيكم رجل أعلم بالشعر مني ولا برجزه ولا بقصيده ولا بأشعار الجن والله ما يشبه الذي يقول شيئا من هذا ووالله إن لقوله الذي يقول حلاوة وإن عليه لطلاوة وإنه لمثمر أعلاه مغدق أسفله وأنه ليعلو ولا يعلى عليه وأنه ليحطم ما تحته قال لا يرضى عنك قومك حتى تقول فيه قال دعني حتى أفكر فلما فكر قال هذا سحر يؤثر يأثره عن غيره
5285 - قال الجاحظ بعث الله محمدا أكثر ما كانت العرب شاعرا وخطيبا وأحكم ما كانت لغة وأشد ما كانت عدة فدعا أقصاها وأدناها إلى توحيد الله وتصديق رسالته فدعاهم بالحجة فلما قطع العذر وأزال الشبهة وصار الذي يمنعهم من الإقرار الهوى والحمية دون الجهل والحيرة حملهم على حظهم بالسيف فنصب لهم الحرب ونصبوا له وقتل من عليتهم وأعلامهم وأعمامهم وبني أعمامهم وهو في ذلك يحتج عليهم بالقرآن ويدعوهم صباحا ومساء إلى أن يعارضوه إن كان كاذبا بسورة واحدة أو بآيات يسيرة
فكلما إزداد تحديا لهم بها وتقريعا لعجزهم عنها تكشف من نقصهم ما كان مستورا وظهر منه ما كان خفيا فحين لم يجدوا حيلة ولا حجة قالوا له أنت تعرف من أخبار الأمم ما لا نعرف فلذلك يمكنك ما لا يمكننا
قال فهاتوها مفتريات فلم يرم ذلك خطيب ولا طمع فيه شاعر ولا طمع فيه لتكلفه ولو تكلفه لظهر ذلك ولو ظهر لوجد من يستجيده ويحامي عليه ويكايد فيه ويزعم أنه قد عارض وقابل وناقض
فدل ذلك العاقل على عجز القوم مع كثرة كلامهم وإستحالة لغتهم وسهولة ذلك عليهم وكثرة شعرائهم وكثرة من هجاه منهم وعارض شعراء أصحابه وخطباء أمته لأن سورة واحدة وآيات يسيرة كانت أنقض لقوله وأفسد لأمره وأبلغ في تكذيبه وأسرع في تفريق أتباعه من بذل النفوس والخروج من الأوطان وإنفاق الأموال
وهذا من جليل التدبير الذي لا يخفي على من هو دون قريش والعرب في الرأي والعقل بطبقات ولهم القصيد العجيب والرجز الفاخر والخطب الطوال البليغة والقصار الموجزة ولهم الأسجاع والمزدوج واللفظ المنثور
ثم يتحدى به أقصاهم بعد أن أظهر عجز أدناهم فمحال أكرمك الله أن يجتمع هؤلاء كلهم على الغلط في الأمر الظاهر والخطأ المكشوف البين مع التقريع بالنقص

والتوقيف على العجز وهم أشد الخلق أنفة وأكثرهم مفاخرة والكلام سيد عملهم وقد احتاجوا إليه والحاجة تبعث على الحيلة في الأمر الغامض فكيف بالظاهر الجليل المنفعة وكما أنه محال أن يطبقوا ثلاثا وعشرين سنة على الغلط في الأمر الجليل المنفعة فكذلك محال أن يتركوه وهم يعرفونه ويجدون السبيل إليه وهم يبذلون أكثر منه إنتهى
فصل 5286 - لما ثبت كون القرآن معجزة نبينا وجب الإهتمام بمعرفة وجه الإعجاز وقد خاض الناس في ذلك كثيرا فبين محسن ومسيء فزعم قوم أن التحدي وقع بالكلام القديم الذي صفة الذات وأن العرب كلفت في ذلك ما لا يطاق وبه وقع عجزها وهو مردود لأن ما لا يمكن الوقوف عليه لا يتصور التحدي به والصواب ما قاله الجمهور أنه وقع بالدال على القديم وهو الألفاظ
5287 - ثم زعم النظام أن إعجازه بالصرفة أي أن الله صرف العرب عن معارضته وسلب عقولهم وكان مقدورا لهم لكن عاقهم أمر خارجي فصار كسائر المعجزات
وهذا قول فاسد بدليل قل لئن اجتمعت الإنس والجن . . الآية فإنه يدل على عجزهم مع بقاء قدرتهم ولو سلبوا القدرة لم يبق لهم فائدة لإجتماعهم لمنزلته منزلة إجتماع الموتى وليس عجز الموتى مما يحتفل بذكره هذا مع أن الإجماع منعقد على إضافة الإعجاز إلى القرآن فكيف يكون معجزا وليس فيه صفة إعجاز بل المعجز هو الله تعالى حيث سلبهم القدرة على الإتيان بمثله
وأيضا فيلزم من القول بالصرفة زوال الإعجاز بزوال زمان التحدي وخلو القرآن من الإعجاز وفي ذلك خرق لإجماع الأمة أن معجزة الرسول العظمى باقية ولا معجزة له باقية سوى القرآن
5288 - قال القاضي أبو بكر ومما يبطل القول بالصرفة أنه لو كانت المعارضة ممكنة وإنما منع منها الصرفة لم يكن الكلام معجزا وإنما يكون بالمنع معجزا فلا يتضمن الكلام فضيلة على غيره في نفسه
قال وليس هذا بأعجب من

قول فريق منهم إن الكل قادرون على الإتيان بمثله وإنما تأخروا عنه لعدم العلم بوجه ترتيب لو تعلموه لوصلوا إليه به ولا بأعجب من قول آخرين إن العجز وقع منهم وأما من بعدهم ففي قدرته الإتيان بمثله وكل هذا لا يعتد به
5289 - وقال قوم وجه إعجازه ما فيه من الإخبار عن الغيوب المستقبلة ولم يكن ذلك من شأن العرب
5290 - وقال آخرون ما تضمنه من الإخبار عن قصص الأولين وسائر المتقدمين حكاية من شاهدها وحضرها
5291 - وقال آخرون ما تضمنه من الإخبار عن الضمائر من غير أن يظهر ذلك منهم بقول أو فعل كقوله إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا ويقولون في أنفسهم لولا يعذبنا الله
5292 - وقال القاضي أبو بكر وجه إعجازه ما فيه من النظم والتأليف والترصيف وأنه خارج عن جميع وجوه النظم المعتاد في كلام العرب ومباين لأساليب خطاباتهم
قال ولهذا لم يمكنهم معارضته
قال ولا سبيل إلى معرفة إعجاز القرآن من أصناف البديع التي أودعوها في الشعر لأنه ليس مما يخرق العادة بل يمكن إستدراكه بالعلم والتدريب والتصنع به كقول الشعر ورصف الخطب وصناعة الرسالة والحذق في البلاغة وله طريق تسلك فأما شأو نظم القرآن فليس له مثال يحتذي ولا إمام يقتدي به ولا يصح وقوع مثله إتفاقا
قال ونحن نعتقد أن الإعجاز في بعض القرآن أظهر وفي بعضه أدق وأغمض
5293 - وقال الإمام فخر الدين وجه الإعجاز الفصاحة وغرابة الأسلواب والسلامة من جميع العيوب
5294 - وقال الزملكاني وجه الإعجاز راجع إلى التأليف الخاص به لا مطلق التأليف بأن اعتدلت مفرداته تركيبا وزنة وعلت مركباته معنى بأن يوضع كل فن في مرتبته العليا في اللفظ والمعنى
5295 - وقال ابن عطية الصحيح والذي عليه الجمهور والحذاق في وجه

إعجازه أنه بنظمه وصحة معانيه وتوالي فصاحة ألفاظه وذلك أن الله أحاط بكل شيء علما وأحاط بالكلام كله علما فإذا ترتبت اللفظة من القرآن علم بإحاطته أي لفظة تصلح أن تلي الأولى وتبين المعنى بعد المعنى ثم كذلك من أول القرآن إلى آخره
والبشر يعمهم الجهل والنسيان والذهول ومعلوم ضرورة أن أحدا من البشر لا يحيط بذلك فبهذا جاء نظم القرآن في الغاية القصوى من الفصاحة
وبهذا يبطل قول من قال إن العرب كان في قدرتها الإتيان بمثله فصرفوا عن ذلك والصحيح أنه لم يكن في قدرة أحد قط ولهذا ترى البليغ ينقح القصيدة أو الخطبة حولا ثم ينظر فيها فيغير فيها وهلم جرا وكتاب الله تعالى لو نزعت منه لفظة ثم أدير لسان العرب على لفظة أحسن منها لم يوجد
ونحن تتبين لنا البراعة في أكثره ويخفي علينا وجهها في مواضع لقصورنا عن مرتبة العرب يومئذ في سلامة الذوق وجودة القريحة
وقامت الحجة على العالم بالعرب إذ كانوا أرباب الفصاحة ومظنة المعارضة كما قامت الحجة في معجزة موسى بالسحرة وفي معجزة عيسى بالأطباء فإن الله إنما جعل معجزات الأنبياء بالوجه الشهير أبرع ما تكون في زمن النبي الذي أراد إظهاره فكان السحر قد إنتهى في مدة موسى إلى غايته وكذلك الطب في زمن عيسى والفصاحة في زمن محمد
5296 - وقال حازم في منهاج البلغاء وجه الإعجاز في القرآن من حيث إستمرت الفصاحة والبلاغة فيه من جميع أنحائها في جميعه إستمرارا لا يوجد له فترة ولا يقدر عليه أحد من البشر وكلام العرب ومن تكلم بلغتهم لا تستمر الفصاحة والبلاغة في جميع أنحائها في العالي منه إلا في الشيء اليسير المعدود ثم تعرض الفترات الإنسانية فينقطع طيب الكلام ورونقه فلا تستمر لذلك الفصاحة في جميعه بل توجد في تفاريق وأجزاء منه
5297 - وقال المراكشي في شرح المصباح الجهة المعجزة في القرآن تعرف بالتفكر في علم البيان وهو كما إختاره جماعة في تعريفه ما يحترز به عن الخطأ في تأديه المعنى وعن تعقيده وتعرف به وجوه تحسين الكلام بعد رعاية تطبيقه لمقتضى الحال لأن جهة إعجازه ليست مفردات ألفاظه وإلا لكانت قبل نزوله معجزة ولا

مجرد تأليفها وإلا لكان كل تأليف معجزا ولا إعرابها وإلا لكان كل كلام معرب معجزا ولا مجرد أسلوبه وإلا لكان الإبتداء بأسلوب الشعر معجزا والأسلوب الطريق ولكان هذيان مسيلمة معجزا ولأن الإعجاز يوجد دونه أي الأسلوب في نحو فلما استيأسوا منه خلصوا نجيا فاصدع بما تؤمر
ولا بالصرف عن معارضتهم لأن تعجبهم كان من فصاحته ولأن مسيلمة وابن المقفع والمعري وغيرهم قد تعاطوها فلم يأتوا إلا بما تمجه الأسماع وتنفر منه الطباع ويضحك منه في أحوال تركيبه وبها أي بتلك الأحوال أعجز البلغاء وأخرس الفصحاء
فعلى إعجازه دليل إجمالي وهو أن العرب عجزت عنه وهو بلسانها فغيرها أحرى ودليل تفصيلي مقدمته التفكر في خواص تركيبه ونتيجته العلم بأنه تنزيل من المحيط بكل شيء علما
5298 - وقال الأصبهاني في تفسيره اعلم أن إعجاز القرآن ذكر من وجهين أحدهما إعجاز يتعلق بنفسه والثاني بصرف الناس عن معارضته فالأول إما أن يتعلق بفصاحته وبلاغته أو بمعناه أما الإعجاز المتعلق بفصاحته وبلاغته فلا يتعلق بعنصره الذي هو اللفظ والمعنى فإن ألفاظه ألفاظهم قال تعالى قرآنا عربيا بلسان عربي ولا بمعانيه فإن كثيرا منها موجود في الكتب المتقدمة قال تعالى وإنه لفي زبر الأولين وما هو في القرآن من المعارف الإلهية وبيان المبدإ والمعاد والإخبار بالغيب فإعجازه ليس براجع إلى القرآن من حيث هو قرآن بل لكونها حاصلة من غير سبق تعليم وتعلم ويكون الإخبار بالغيب إخبارا بالغيب سواء كان بهذا النظم أو بغيره موردا بالعربية أو بلغة أخرى بعبارة أو بإشارة فإذن النظم المخصوص صورة القرآن واللفظ والمعنى عنصره وبإختلاف الصور يختلف حكم الشيء واسمه لا بعنصره كالخاتم والقرط والسوار فإنه باختلاف صورها إختلفت أسماؤها لا بعنصرها الذي هو الذهب والفضة والحديد فإن الخاتم المتخذ من الذهب ومن الفضة ومن الحديد يسمى خاتما وإن كان العنصر مختلفا وإن إتخذ خاتم وقرط وسوار من ذهب إختلفت أسماؤها بإختلاف صورها وإن كان العنصر واحدا

قال فظهر من هذا أن الإعجاز المختص بالقرآن يتعلق بالنظم المخصوص
5299 - وبيان كون النظم معجزا يتوقف على بيان نظم الكلام ثم بيان أن هذا النظم مخالف لنظم ما عداه فنقول مراتب تأليف الكلام خمس
الأولى ضم الحروف المبسوطة بعضها إلى بعض لتحصل الكلمات الثلاث الإسم والفعل والحروف
والثانية تأليف هذه الكلمات بعضها إلى بعض لتحصل الجمل المفيدة وهو النوع الذي يتداوله الناس جميعا في مخاطباتهم وقضاء حوائجهم ويقال له المنثور من الكلام
والثالثة ضم بعض ذلك إلى بعض ضما له مباد ومقاطع ومداخل ومخارج ويقال له المنظوم
والرابعة أن يعتبر في أواخر الكلام مع ذلك تسجيع ويقال له المسجع
والخامسة أن يجعل له مع ذلك وزن ويقال له الشعر والمنظوم إما محاورة ويقال له الخطابة وإما مكاتبة ويقال له الرسالة فأنواع الكلام لا تخرج عن هذه الأقسام ولكل من ذلك نظم مخصوص والقرآن جامع لمحاسن الجميع على نظم غير نظم شيء منها يدل على ذلك أنه لا يصح أن يقال له رسالة أو خطابة أو شعر أو سجع كما يصح أن يقال هو كلام والبليغ إذا قرع سمعه فصل بينه وبين ما عداه من النظم ولهذا قال تعالى وإنه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنبيها على أن تأليفه ليس على هيئة نظم يتعاطاه البشر فيمكن أن يغير بالزيادة والنقصان كحالة الكتب الأخرى
5300 - قال وأما الإعجاز المتعلق بصرف الناس عن معارضته فظاهر أيضا إذا إعتبر وذلك أنه ما من صناعة محمودة كانت أو مذمومة إلا وبينها وبين قوم مناسبات خفية وإتفاقات جميلة بدليل أن الواحد يؤثر حرفة من الحرف فينشرح صدره بملابستها وتطيعه قواه في مباشرتها فيقبلها بإنشراح صدر ويزاولها باتساع قلب فلما دعا الله أهل البلاغة والخطابة الذين يهيمون في كل واد من المعاني بسلاطة لسانهم إلى معارضة القرآن وعجزهم عن الإتيان بمثله ولم يتصدوا

لمعارضته لم يخف على أولى الألباب أن صارفا إلهيا صرفهم عن ذلك وأي إعجاز أعظم من أن يكون كافة البلغاء عجزة في الظاهر عن معارضته مصروفة في الباطن عنها
إنتهى
5301 - وقال السكاكي في المفتاح اعلم أن إعجاز القرآن يدرك ولا يمكن وصفه كاستقامة الوزن تدرك ولا يمكن وصفها وكالملاحة
وكما يدرك طيب النغم العارض لهذا الصوت ولا يدرك تحصيله لغير ذوي الفطرة السليمة إلا باتقان علمي المعاني والبيان والتمرين فيهما
5302 - وقال أبو حيان التوحيدي سئل بندار الفارسي عن موضع الإعجاز من القرآن فقال هذه مسألة فيها حيف على المعنى وذلك أنه شبيه بقولك ما موضع الإنسان من الإنسان فليس للإنسان موضع من الإنسان بل متى أشرت إلى جملته فقد حققته ودللت على ذاته كذلك القرآن لشرفه لا يشار إلى شيء فيه إلا وكان ذلك المعنى آية في نفسه ومعجزة لمحاوله وهدى لقائله وليس في طاقة البشر الإحاطة بأغراض الله في كلامه وأسراره في كتابه فلذلك حارت العقول وتاهت البصائر عنده
5303 - وقال الخطابي ذهب الأكثرون من علماء النظر إلى أن وجه الإعجاز فيه من جهة البلاغة لكن صعب عليهم تفصيلها وصغوا فيه إلى حكم الذوق
قال والتحقيق أن أجناس الكلام مختلفة ومراتبها في درجات البيان متفاوتة فمنهما البليغ الرصين الجزل ومنها الفصيح الغريب السهل ومنها الجائز الطلق الرسل وهذه أقسام الكلام الفاضل المحمود فالأول أعلاها والثاني أوسطها والثالث أدناها وأقربها فحازت بلاغات القرآن من كل قسم من هذه الأقسام حصة وأخذت من كل نوع شعبة فانتظم لها بانتظام هذه الأوصاف نمط من الكلام يجمع صفتي الفخامة والعذوبة وهما على الإنفراد في نعوتهما كالمتضادين لأن العذوبة نتاج السهولة والجزالة والمتانة يعالجان نوعا من الزعورة فكان إجتماع الأمرين في نظمه مع نبو كل واحد منهما عن الآخر فضيلة خص بها القرآن ليكون آية بينة لنبيه

وإنما تعذر على البشر الإتيان بمثله لأمور منها أن علمهم لا يحيط بجميع أسماء اللغة العربية وأوضاعها التي هي ظروف المعاني ولا تدرك أفهامهم جميع معاني الأشياء المحمولة على تلك الألفاظ ولا تكمل معرفتهم باستيفاء جميع وجوه النظوم التي بها يكون ائتلافها وإرتباط بعضها ببعض فيتوصلوا باختيار الأفضل من الأحسن من وجوهها إلى أن يأتوا بكلام مثله وإنما يقوم الكلام بهذه الأشياء الثلاثة لفظ حاصل ومعنى به قائم ورباط لهما ناظم
وإذا تأملت القرآن وجدت هذه الأمور منه في غاية الشرف والفضيلة حتى لا ترى شيئا من الألفاظ أفصح ولا أجزل ولا أعذب من ألفاظه ولا ترى نظما أحسن تأليفا وأشد تلاؤما وتشاكلا من نظمه وأما معانيه فكل ذي لب يشهد له بالتقدم في أبوابه والترقي إلى أعلى درجاته
وقد توجد هذه الفضائل الثلاث على التفرق في أنواع الكلام فأما أن توجد مجموعة في نوع واحد منه فلم توجد إلا في كلام العليم القدير فخرج من هذا أن القرآن إنما صار معجزا لأنه جاء بأفصح الألفاظ في أحسن نظوم التأليف مضمنا أصح المعاني من توحيد لله تعالى وتنزيهه له في صفاته ودعاء إلى طاعته وبيان لطريق عبادته من تحليل وتحريم وحظر وإباحة ومن وعظ وتقويم وأمر بمعروف ونهي عن منكر وإرشاد إلى محاسن الأخلاق وزجر عن مساويها واضعا كل شيء منها موضعه الذي لا يرى شيء أولى منه ولا يتوهم في صورة العقل أمر أليق به منه مودعا أخبار القرون الماضية وما نزل من مثلات الله بمن مضى وعاند منهم منبئا عن الكوائن المستقبلة في الأعصار الآتية من الزمان جامعا في ذلك بين الحجة والمحتج له والدليل والمدلول عليه ليكون ذلك آكد للزوم ما دعا عليه وإنباء عن وجوب ما أمر به ونهي عنه
ومعلوم أن الإتيان بمثل هذه الأمور والجمع بين أشتاتها حتى تنتظم وتتسق أمر تعجز عنه قوى البشر ولا تبلغه قدرتهم فانقطع الخلق دونه وعجزوا عن معارضته بمثله أو مناقضته في شكله
ثم صار المعاندون له يقولون مرة إنه شعر لما رأوه منظوما ومرة أنه سحر لما رأوه معجوزا عنه غير مقدور عليه
وقد كانوا يجدون له وقعا في القلوب وقرعا في النفوس يرهبهم ويحيرهم فلم يتمالكوا أن يعترفوا به نوعا من الإعتراف ولذلك قالوا إن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة
وكانوا

مرة بجهلهم يقولون أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا مع علمهم أن صاحبهم أمي وليس بحضرته من يملي أو يكتب في نحو ذلك من الأمور التي أوجبها العناد والجهل والعجز
ثم قال وقد قلت في إعجاز القرآن وجها ذهب عنه الناس وهو صنيعه في القلوب وتأثيره في النفوس فإنك لا تسمع كلاما غير القرآن منظوما ولا منثورا إذا قرع السمع خلص له إلى القلب من اللذة والحلاوة في حال ومن الروعة والمهابة في حال آخر ما يخلص منه إليه قال تعالى لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله وقال الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم
إنتهى
5304 - وقال ابن سراقة إختلف أهل العلم في وجه إعجاز القرآن فذكروا في ذلك وجوها كثيرة كلها حكمة وصواب وما بلغوا في وجوه إعجازه جزءا واحدا من عشر معشاره فقال قوم هو الإيجاز مع البلاغة
وقال آخرون هو البيان والفصاحة
وقال آخرون هو الرصف والنظم
وقال آخرون هو كونه خارجا عن جنس كلام العرب من النظم والنثر والخطب والشعر مع كون حروفه في كلامهم ومعانيه في خطابهم وألفاظه من جنس كلماتهم وهو بذاته قبيل غير قبيل كلامهم وجنس آخر متميز عن أجناس خطابهم حتى إن من اقتصر على معانيه وغير حروفه أذهب رونقه ومن إقتصر على حروفه وغير معانيه أبطل فائدته فكان في ذلك أبلغ دلالة على إعجازه
وقال آخرون هو كون قارئه لا يكل وسامعه لا يمل وإن تكررت عليه تلاوته
وقال آخرون هو ما فيه من الإخبار عن الأمور الماضية
وقال آخرون هو ما فيه من علم الغيب والحكم على الأمور بالقطع

وقال آخرون هو كونه جامعا لعلوم يطول شرحها ويشق حصرها
إنتهى
5305 - وقال الزركشي في البرهان أجمع أهل التحقيق على أن الإعجاز وقع بجميع ما سبق من الأقوال لا بكل واحد على إنفراده فإنه جمع ذلك كله فلا معنى لنسبته إلى واحد منها بمفرده مع إشتماله على الجميع بل وغير ذلك مما لم يسبق فمنها الروعة التي له في قلوب السامعين وأسماعهم سواء المقر والجاحد
ومنها أنه لم يزل ولا يزال غضا طريا في أسماع السامعين وعلى ألسنة القارئين
ومنها جمعه بين صفتي الجزالة والعذوبة وهما كالمتضادين لا يجتمعان غالبا في كلام البشر
ومنها جعله آخر الكتب غنيا عن غيره وجعل غيره من الكتب المتقدمة قد يحتاج إلى بيان يرجع فيه إليه كما قال تعالى إن هذا القرآن يقص على بني إسرائيل أكثر الذي هم فيه يختلفون
5306 - وقال الرماني وجوه إعجاز القرآن تظهر من جهات ترك المعارضة مع توفر الدواعي وشدة الحاجة والتحدي للكافة والصرفة والبلاغة والإخبار عن الأمور المستقبلة ونقض العادة وقياسه بكل معجزة
قال ونقض العادة هو أن العادة كانت جارية بضروب من أنواع الكلام معروفة منها الشعر ومنها السجع ومنها الخطب ومنها الرسائل ومنها المنثور الذي يدور بين الناس في الحديث فأتى القرآن بطريقة مفردة خارجة عن العادة لها منزلة في الحسن تفوق به كل طريقة وتفوق الموزون الذي هو أحسن الكلام
قال وأما قياسه بكل معجزة فإنه يظهر إعجازه من هذه الجهة إذ كان سبيل فلق البحر وقلب العصا حية وما جرى هذا المجرى في ذلك سبيلا واحدا في الإعجاز إذ خرج عن العادة وقعد الخلق فيه عن المعارضة
5307 - وقال القاضي عياض في الشفا اعلم أن القرآن منطو على وجوه من الإعجاز كثيرة وتحصيلها من جهة ضبط أنواعها في أربعة وجوه
5308 - أولها حسن تأليفه والتئام كلمه وفصاحته ووجوه إيجازه وبلاغته الخارقة عادة العرب الذين هم فرسان الكلام وأرباب هذا الشأن

5309 - الثاني صورة نظمه العجيب والأسلوب الغريب المخالف لأساليب كلام العرب ومنهاج نظمها ونثرها الذي جاء عليه ووقفت عليه مقاطع آياته وإنتهت إليه فواصل كلماته ولم يوجد قبله ولا بعده نظير له
قال وكل واحد من هذين النوعين الإيجاز والبلاغة بذاتها والأسلوب الغريب بذاته نوع إعجاز على التحقيق لم تقدر العرب على الإتيان بواحد منهما إذ كل واحد خارج عن قدرتها مباين لفصاحتها وكلامها خلافا لمن زعم أن الإعجاز في مجموع البلاغة والأسلوب
5310 - الوجه الثالث ما انطوى عليه من الإخبار بالمغيبات وما لم يكن فوجد كما ورد
5311 - الرابع ما أنبأ به من أخبار القرون السالفة والأمم البائدة والشرائع الداثرة مما كان لا يعلم منه القصة الواحدة إلا الفذ من أحبار أهل الكتاب الذي قطع عمره في تعلم ذلك فيورده على وجهه ويأتي به على نصه وهو أمي لا يقرأ ولا يكتب
قال فهذه الوجوه الأربعة من إعجازه بينه لا نزاع فيها
ومن الوجوه في إعجازه غير ذلك أي وردت بتعجيز قوم في قضايا وإعلامهم أنهم لا يفعلونها فما فعلوا ولا قدروا على ذلك كقوله لليهود فتمنوا الموت إن كنتم صادقين ولن يتمنوه أبدا فما تمناه أحد منهم وهذا الوجه داخل في الوجه الثالث
ومنها الروعة التي تلحق قلوب سامعيه عند سماعهم والهيبة التي تعتريهم عند تلاوته وقد أسلم جماعة عند سماع آيات منه كما وقع لجبير بن مطعم أنه سمع النبي يقرأ في المغرب بالطور قال فلما بلغ هذه الآية أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون إلى قوله المسيطرون كاد قلبي أن يطير
قال وذلك أول ما وقر الإسلام في قلبي
وقد مات جماعة عند سماع آيات منه أفردوا بالتصنيف
ثم قال ومن وجوه إعجازه كونه آية باقية لا يعدم ما بقيت الدنيا مع تكفل الله بحفظه
ومنها أن قارئه لا يمله وسامعه لا يمجه بل الإكباب على تلاوته يزيده

حلاوة وترديده يوجب له محبة وغيره من الكلام يعادي إذا أعيد ويمل مع الترديد ولهذ وصف القرآن بأنه لا يخلق على كثرة الرد
ومنها جمعه لعلوم ومعارف لم يجمعها كتاب من الكتب ولا أحاط بعلمها أحد في كلمات قليلة وأحرف معدودة
قال وهذا الوجه داخل في بلاغته فلا يجب أن يعد فنا مفردا في إعجازه
قال والأوجه التي قبله تعد في خواصه وفضائله لا إعجازه
وحقيقة الإعجاز الوجوه الأربعة
الأول فليعتمد عليها
إنتهى
تنبيهات الأول
5312 - إختلف في قدر المعجز من القرآن فذهب بعض المعتزلة إلى أنه متعلق بجميع القرآن والآيتان السابقتان ترده
وقال القاضي يتعلق الإعجاز بسورة طويلة كانت أو قصيرة تشبثا بظاهر قوله بسورة
وقال في موضع آخر يتعلق بسورة أو قدرها من الكلام بحيث يتبين فيه تفاضل قوى البلاغة قال فإذا كانت آية بقدر حروف سورة وإن كانت كسورة الكوثر فذلك معجز
قال ولم يقم دليل على عجزهم عن المعارضة في أقل من هذا القدر
وقال قوم لا يحصل الإعجاز بآية بل يشترط الآيات الكثيرة
وقال آخرون يتعلق بقليل القرآن وكثيره لقوله فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين قال القاضي ولا دلالة في الآية لأن الحديث التام لا تتحصل حكايته في أقل من كلمات سورة قصيرة
الثاني 5313 - اختلف في أنه هل يعلم إعجاز القرآن ضرورة قال القاضي فذهب أبو الحسن الأشعري إلى أن ظهور ذلك على النبي يعلم ضرورة وكونه معجزا

يعلم بالإستدلال قال والذي نقوله إن الأعجمي لا يمكنه أن يعلم إعجازه إلا إستدلالا وكذلك من ليس ببليغ فأما البليغ الذي قد أحاط بمذاهب العرب وغرائب الصنعة فإنه يعلم من نفسه ضرورة عجزه وعجز غيره عن الإتيان بمثله
الثالث 5314 - اختلف في تفاوت القرآن في مراتب الفصاحة بعد إتفاقهم على أنه في أعلى مراتب البلاغة بحيث لا يوجد في التراكيب ما هو أشد تناسبا ولا إعتدالا في إفادة ذلك المعنى منه فاختار القاضي المنع وأن كل كلمة فيه موصوفة بالذروة العليا وإن كان بعض الناس أحسن إحساسا له من بعض
واختار أبو نصر القشيري وغيره التفاوت فقال لا ندعي أن كل ما في القرآن أرفع الدرجات في الفصاحة وكذا قال غيره في القرآن الأفصح والفصيح
وإلى هذا نحا الشيخ عز الدين بن عبد السلام ثم أورد سؤالا وهو أنه لم لم يأت القرآن جميعه بالأفصح وأجاب عنه الصدر موهوب الجزري بما حاصله أنه لو جاء القرآن على ذلك لكان على غير النمط المعتاد في كلام العرب من الجمع بين الأفصح والفصيح فلا تتم الحجة في الإعجاز فجاء على نمط كلامهم المعتاد ليتم ظهور العجز عن معارضته ولا يقولوا مثلا أتيت بما لا قدرة لنا على جنسه كما لا يصح من البصير أن يقول للأعمى قد غلبتك بنظري لأنه يقول له إنما تتم لك الغلبة لو كنت قادرا على النظر وكان نظرك أقوى من نظري فأما إذ فقد أصل النظر فكيف يصح مني المعارضة
الرابع 5315 - قيل الحكمة في تنزيه القرآن عن الشعر الموزون مع أن الموزون من الكلام رتبته فوق رتبة غيره أن القرآن منبع الحق ومجمع الصدق وقصارى أمر الشاعر التخييل بتصور الباطل في صورة الحق والإفراط في الإطراء والمبالغة في الذم والأيذاء دون إظهار الحق وإثبات الصدق ولهذا نزه الله نبيه عنه ولأجل شهرة الشعر بالكذب سمى أصحاب البرهان القياسات المؤدية في أكثر الأمر إلى البطلان والكذب شعرية
وقال بعض الحكماء لم ير متدين صادق اللهجة مفلقا في شعره

وأما ما وجد في القرآن مما صورته صورة الموزون فالجواب عنه أن ذلك لا يسمى شعرا لأن شرط الشعر القصد ولو كان شعرا لكان كل من اتفق له في كلامه شيء موزون شاعرا فكان الناس كلهم شعراء لأنه قل أن يخلو كلام أحد عن ذلك وقد ورد ذلك على ألسنة الفصحاء فلو اعتقدوه شعرا لبادروا إلى معارضته والطعن عليه لأنهم كانوا أحرص شيء على ذلك وإنما يقع ذلك لبلوغ الكلام الغاية القصوى في الإنسجام
وقيل البيت الواحد وما كان على وزنه لا يسمى شعرا وأقل الشعر بيتان فصاعدا وقيل الرجز لا يسمى شعرا أصلا وقيل أقل ما يكون من الرجز شعرا أربعة أبيات وليس ذلك في القرآن بحال
الخامس 5316 - قال بعضهم التحدي إنما وقع للإنس دون الجن لأنهم ليسوا من أهل اللسان العربي الذي جاء القرآن على أساليبه وإنما ذكروا في قوله قل لئن اجتمعت الإنس والجن تعظيما لإعجازه لأن للهيئة الإجتماعية من القوة ما ليس للأفراد فإذا فرض إجتماع الثقلين فيه وظاهر بعضهم بعضا وعجزوا عن المعارضة كان الفريق الواحد أعجز
وقال غيره بل وقع للجن أيضا والملائكة منويون في الآية لأنهم لا يقدرون أيضا على الإتيان بمثل القرآن
قال الكرماني في غرائب التفسير إنما إقتصر في الآية على ذكر الإنس والجن لأنه كان مبعوثا إلى الثقلين دون الملائكة
السادس 5317 - سئل الغزالي عن معنى قوله تعالى ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا
فأجاب الإختلاف لفظ مشترك بين معان وليس المراد نفي إختلاف الناس فيه بل نفى الإختلاف عن ذات القرآن يقال هذا كلام مختلف أي لا يشبه أوله آخره في الفصاحة أو هو مختلف الدعوى أي بعضه يدعو إلى الدين وبعضه يدعو إلى الدنيا وهو مختلف النظم فبعضه على وزن الشعر وبعضه منزحف وبعضه

على أسلوب مخصوص في الجزالة وبعضه على أسلوب يخالفه
وكلام الله منزه عن هذه الإختلافات فإنه على منهاج واحد في النظم مناسب أوله آخره وعلى درجة واحدة في غاية الفصاحة فليس يشتمل على الغث والسمين ومسوق لمعنى واحد وهو دعوة الخلق إلى الله تعالى وصرفهم عن الدنيا إلى الدين وكلام الآدمين تتطرق إليه هذه الإختلافات إذ كلام الشعراء والمترسلين إذا قيس عليه وجد فيه اختلاف في منهاج النظم ثم اختلاف في درجات الفصاحة بل في أصل الفصاحة حتى يشتمل على الغث والسمين فلا تتساوى رسالتان ولا قصيدتان بل تشتمل قصيدة على أبيات فصيحة وأبيات سخيفة وكذلك تشتمل القصائد والأشعار على أغراض مختلفة لأن الشعراء والفصحاء في كل واد يهيمون فتارة يمدحون الدنيا وتارة يذمونها وتارة يمدحون الجبن ويسمونه حزما وتارة يذمونه ويسمونه ضعفا وتارة يمدحون الشجاعة ويسمونها صرامة وتارة يذمونها ويسمونها تهورا ولا ينفك كلام آدمي عن هذه الإختلافات لأن منشأها إختلاف الأغراض والأحوال والإنسان تختلف أحواله فتساعده الفصاحة عند إنبساط الطبع وفرحه وتتعذر عليه عند الإنقباض وكذلك تختلف أغراضه فيميل إلى الشيء مرة ويميل عنه أخرى فيوجب ذلك إختلافا في كلامه بالضرورة فلا يصادف إنسان يتكلم في ثلاث وعشرين سنة وهي مدة نزول القرآن فيتكلم على غرض واحد ومنهاج واحد ولقد كان النبي بشرا تختلف أحواله
فلو كان هذا كلامه أو كلام غيره من البشر لوجدوا فيه إختلافا كثيرا
السابع 5318 - قال القاضي فإن قيل هل تقولون إن غير القرآن من كلام الله معجز كالتوراة والإنجيل قلنا ليس شيء من ذلك بمعجز في النظم والتأليف وإن كان معجزا كالقرآن فيما يتضمن من الإخبار بالغيوب وإنما لم يكن معجزا لأن الله تعالى لم يصفه بما وصف به القرآن ولأنا قد علمنا أنه لم يقع التحدي إليه كما وقع في القرآن ولأن ذلك اللسان لا يتأتى فيه من وجوه الفصاحة ما يقع فيه التفاضل الذي ينتهي إلى حد الإعجاز وقد ذكر ابن جني في الخاطريات في قوله قالوا يا موسى إما أن تلقي وإما أن نكون أول من ألقى أن العدول عن قوله وما أن نلقي

لغرضين أحدهما لفظي وهو المزاوجة لرؤوس الآي والآخر معنوي وهو أنه تعالى أراد أن يخبر عن قوة أنفس السحرة وإستطالتهم على موسى فجاء عنهم باللفظ أتم وأوفى منه في إسنادهم الفعل إليه
ثم أورد سؤالا وهو إنا نعلم أن السحرة لم يكونوا أهل لسان فنذهب بهم هذا المذهب من صنعه الكلام وأجاب بأن جميع ما ورد في القرآن حكاية عن غير أهل اللسان من القرون الخالية إنما هو معرب عن معانيهم وليس بحقيقة ألفاظهم ولهذا لا يشك في أن قوله تعالى قالوا إن هذين لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما ويذهبا بطريقتكم المثلى أن هذه الفصاحة لم تجر على لغة العجم
الثامن 5319 - قال البارزي في أول كتابه أنوار التحصيل في أسرار التنزيل اعلم أن المعنى الواحد قد يخبر عنه بألفاظ بعضها أحسن من بعض وكذلك كل واحد من جزأي الجملة قد يعبر عنه بأفصح ما يلائم الجزء الآخر ولا بد من إستحضار معاني الجمل أو إستحضار جميع ما يلائمها من الألفاظ ثم إستعمال أنسبها وأفصحها وإستحضار هذا متعذر على البشر في أكثر الأحوال وذلك عتيد حاصل في علم الله تعالى فلذلك كان القرآن أحسن الحديث وأفصحه وإن كان مشتملا على الفصيح والأفصح والمليح والأملح ولذلك أمثلة منها قوله تعالى وجنى الجنتين دان لو قال مكانه وثمر الجنتين قريب لم يقم مقامه من جهة الجناس بين الجنى والجنتين ومن جهة أن الثمر لا يشعر بمصيره إلى حال يجني فيها ومن جهة مؤاخاة الفواصل
ومنها قوله تعالى وما كنت تتلوا من قبله من كتاب أحسن من التعبير ب تقرأ لثقله بالهمزة
ومنها لا ريب فيه أحسن من لاشك فيه لثقل الإدغام ولهذا كثر ذكر الريب
ومنها ولا تهنوا أحسن من ولا تضعفوا لخفته
و وهن العظم مني أحسن من ضعف لأن الفتحة أخف من الضمة
ومنها آمن أخف من صدق ولذا كان ذكره أكثر من ذكر التصديق
و آثرك

الله أخف من فضلك
و آتى أخف من أعطى
و أنذر أخف من خوف
و خير لكم أخف من أفضل لكم والمصدر في نحو هذا خلق الله يؤمنون بالغيب أخف من مخلوق و الغائب و تنكح أخف من تتزوج لأن تفعل أخف من تفعل ولهذا كان ذكر النكاح فيه أكثر
ولأجل التخفيف والاختصار استعمل لفظ الرحمة والغضب والرضا والحب والمقت في أوصاف الله تعالى مع أنه لا يوصف بها حقيقة لأنه لو عبر عن ذلك بألفاظ الحقيقة لطال الكلام كأن يقال يعامله معاملة المحب والماقت فالمجاز في مثل هذا أفضل من الحقيقة لخفته واختصاره وابتنائه على التشبيه البليغ فإن قوله فلما آسفونا انتقمنا منهم أحسن من فلما عاملونا معاملة المغضب أو فلما أتوا إلينا بما يأتيه المغضب
انتهى
5320 - التاسع قال الرماني فإن قال قائل فلعل السور القصار يمكن فيها المعارضة قيل لا يجوز فيها ذلك من قبل أن التحدي قد وقع بها فظهر العجز عنها في قوله فأتوا بسورة فلم يخص بذلك الطوال دون القصار
فإن قال فإنه يمكن في القصار أن تغير الفواصل فيجعل بدل كل كلمة ما يقوم مقامها فهل يكون ذلك معارضة قيل له لا من قبل أن المفحم يمكنه أن ينشيء بيتا واحدا ولا يفصل بطبعه بين مكسور وموزون فلو أن مفحما رام أن يجعل بدل قوافي قصيدة رؤبة
وقاتم الأعماق خاوي المخترق ... مشتبه الأعلام لماع الخفق
بكل وفد الريح من حيث انخرق ...
فجعل بدل المخترق الممزق وبدل الخفق الشفق وبدل انخرق انطلق لأمكنه ذلك ولم يثبت له به قول الشعر ولا معارضة رؤبة في هذه القصيدة عند أحد له أدنى معرفة فكذلك سبيل من غير الفواصل


النوع الخامس والستون
في العلوم المستنبطة من القرآن 5321 - قال تعالى ما فرطنا في الكتاب من شيء وقال ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء
5322 - وقال ستكون فتن قيل وما المخرج منها قال كتاب الله فيه نبأ ما قبلكم وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم
أخرجه الترمذي وغيره
5323 - وأخرج سعيد بن منصور عن ابن مسعود قال من أراد العلم فعليه بالقرآن فإن فيه خبر الأولين والآخرين قال البيهقي يعني أصول العلم
5324 - وأخرج البيهقي عن الحسن قال أنزل الله مائة وأربعة كتب أودع علومها أربعة منها التوراة والإنجيل والزبور والفرقان ثم أودع علوم الثلاثة الفرقان
5325 - وقال الإمام الشافعي رضي الله عنه جميع ما تقوله الأمة شرح للسنة وجميع السنة شرح للقرآن
5326 - وقال أيضا جميع ما حكم به النبي فهو مما فهمه من القرآن
5327 - قلت ويؤيد هذا قوله إني لا أحل إلا ما أحل الله ولا أحرم إلا ما حرم الله في كتابه أخرجه بهذا اللفظ الشافعي في الأم
5328 - وقال سعيد بن جبير ما بلغني حديث عن رسول الله على وجهه إلا وجدت مصداقه في كتاب الله

5329 - وقال ابن مسعود إذا حدثتكم بحديث أنبأتكم بتصديقه من كتاب الله تعالى
أخرجهما ابن أبي حاتم
5330 - وقال الشافعي أيضا ليست تنزل بأحد في الدين نازلة إلا في كتاب الله الدليل على سبيل الهدى فيها فإن قيل من الأحكام ما ثبت ابتداء بالسنة قلنا ذلك مأخوذ من كتاب الله في الحقيقة لأن كتاب الله أوجب علينا اتباع الرسول وفرض علينا الأخذ بقوله
5331 - وقال الشافعي مرة بمكة سلوني عما شئتم أخبركم عنه في كتاب الله فقيل له ما تقول في المحرم يقتل الزنبور فقال بسم الله الرحمن الرحيم وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا
5332 - وحدثنا سفيان بن عيينة عن عبد الملك بن عمير عن ربعي بن حراش عن حذيفة بن اليمان عن النبي أنه قال اقتدوا باللذين من بعدي أبو بكر وعمر
5333 - وحدثنا سفيان عن مسعر بن كدام عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب عن عمر بن الخطاب أنه أمر بقتل المحرم الزنبور
5334 - وأخرج البخاري عن ابن مسعود أنه قال لعن الله الواشمات والمتوشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله تعالى فبلغ ذلك امرأة من بني أسد فقالت له إنه بلغني أنك لعنت كيت كيت فقال ومالي لا ألعن من لعن رسول الله وهو في كتاب الله تعالى فقالت لقد قرأت ما بين اللوحين فما وجدت فيه كما تقول قال لئن كنت قرأتيه لقد وجدتيه أما قرأت وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا قالت بلى قال فإنه قد نهى عنه
5335 - وحكى ابن سراقة في كتاب الإعجاز عن أبي بكر بن مجاهد أنه قال يوما ما شيء في العالم إلا وهو في كتاب الله فقيل له فأين ذكر الخانات فيه

فقال في قوله ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة فيها متاع لكم فهي الخانات
5336 - وقال ابن برجان ما قال النبي من شيء فهو في القرآن به أو فيه أصله قرب أو بعد فهمه من فهمه وعمه عنه من عمه وكذا كل ما حكم به أو قضى وإنما يدرك الطالب من ذلك بقدر اجتهاده وبذل وسعه ومقدار فهمه
5337 - وقال غيره ما من شيء إلا يمكن استخراجه من القرآن لمن فهمه الله حتى أن بعضهم استنبط عمر النبي ثلاثا وستين سنة من قوله في سورة المنافقين ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها فإنها رأس ثلاث وستين سورة وعقبها بالتغابن ليظهر التغابن في فقده
5338 - وقال ابن الفضل المرسي في تفسيره جمع القرآن علوم الأولين والآخرين بحيث لم يحط بها علما حقيقة إلا المتكلم بها ثم رسول الله خلا ما استأثر به سبحانه وتعالى ثم ورث ذلك عنه معظم سادات الصحابة وأعلامهم مثل الخلفاء الأربعة وابن مسعود وابن عباس حتى قال لو ضاع لي عقال بعير لوجدته في كتاب الله تعالى ثم ورث عنهم التابعون بإحسان ثم تقاصرت الهمم وفترت العزائم وتضاءل أهل العلم وضعفوا عن حمل ما حمله الصحابة والتابعون من علومه وسائر فنونه فنوعوا علومه وقامت كل طائفة بفن من فنونه فاعتنى قوم بضبط لغاته وتحرير كلماته ومعرفة مخارج حروفه وعددها وعدد كلماته وآياته وسوره وأحزابه وأنصافه وأرباعه وعدد سجداته والتعليم عند كل عشر آيات إلى غير ذلك من حصر الكلمات المتشابهة والآيات المتماثلة من غير تعرض لمعانيه ولا تدبر لما أودع فيه فسموا القراء
5339 - واعتنى النحاة بالمعرب منه والمبني من الأسماء والأفعال والحروف العاملة وغيرها وأوسعوا الكلام في الأسماء وتوابعها وضروب الأفعال واللازم والمتعدي ورسوم خط الكلمات وجميع ما يتعلق به حتى إن بعضهم أعرب مشكله وبعضهم أعربه كلمة كلمة

5340 - واعتنى المفسرون بألفاظه فوجدوا منه لفظا يدل على معنى واحد ولفظا يدل على معنيين ولفظا يدل على أكثر فأجروا الأول على حكمه وأوضحوا معنى الخفي منه وخاضوا في ترجيح أحد محتملات ذي المعنيين والمعاني وأعمل كل منهم فكره وقال بما اقتضاه نظره
5341 - واعتنى الأصوليون بما فيه من الأدلة العقلية والشواهد الأصلية والنظرية مثل قوله تعالى لو كان فيهما ءالهة إلا الله لفسدتا إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة فاستنبطوا منه أدلة على وحدانية الله ووجوده وبقائه وقدمه وقدرته وعلمه وتنزيهه عما لا يليق به وسموا هذا العلم بأصول الدين
5342 - وتأملت طائفة منهم معاني خطابه فرأت منها ما يقتضي العموم ومنها ما يقتضي الخصوص إلى غير ذلك فاستنبطوا منه أحكام اللغة من الحقيقة والمجاز وتكلموا في التخصيص والإخبار والنص والظاهر والمجمل والمحكم والمتشابه والأمر والنهي والنسخ إلى غير ذلك من أنواع الأقيسة واستصحاب الحال والاستقراء وسموا هذا الفن أصول الفقه
5343 - وأحكمت طائفة صحيح النظر وصادق الفكر فيما فيه من الحلال والحرام وسائر الأحكام فأسسوا اصوله وفرعوا فروعه وبسطوا القول في ذلك بسطا حسنا وسموه بعلم الفروع وبالفقه أيضا
5344 - وتلمحت طائفة ما فيه من قصص القرون السالفة والأمم الخالية ونقلوا أخبارهم ودونوا آثارهم ووقائعهم حتى ذكروا بدء الدنيا وأول الأشياء وسموا ذلك بالتاريخ والقصص
5345 - وتنبه آخرون لما فيه من الحكم والأمثال والمواعظ التي تقلقل قلوب الرجال وتكاد تدكدك الجبال فاستنبطوا مما فيه من الوعد والوعيد والتحذير والتبشير وذكر الموت والمعاد والنشر والحشر والحساب والعقاب والجنة والنار فصولا من المواعظ وأصولا من الزواجر فسموا بذلك الخطباء والوعاظ
5346 - واستنبط قوم مما فيه من أصول التعبير مثل ما ورد في قصة يوسف

في البقرات السمان وفي منامي صاحبي السجن وفي رؤياه الشمس والقمر والنجوم ساجدة وسموه تعبير الرؤيا
واستنبطوا تفسير كل رؤيا من الكتاب فإن عز عليهم إخراجها منه فمن السنة التي هي شارحة للكتاب فإن عسر فمن الحكم والأمثال
ثم نظروا إلى اصطلاح العوام في مخاطباتهم وعرف عاداتهم الذي أشار إليه القرآن بقوله وامر بالعرف
5347 - وأخذ قوم مما في آية المواريث من ذكر السهام وأربابها وغير ذلك علم الفرائض واستنبطوا منها من ذكر النصف والثلث والربع والسدس والثمن حساب الفرائض ومسائل العول واستخرجوا منه أحكام الوصايا
5348 - ونظر قوم إلى ما فيه من الآيات الدالات على الحكم الباهرة في الليل والنهار والشمس والقمر ومنازله والنجوم والبروج وغير ذلك فاستخرجوا منه علم المواقيت
5349 - ونظر الكتاب والشعراء إلى ما فيه من جزالة اللفظ وبديع النظم وحسن السياق والمبادئ والمقاطع والمخالص والتلوين في الخطاب والإطناب والإيجاز وغير ذلك فاستنبطوا منه المعاني والبيان والبديع
5350 - ونظر فيه أرباب الإشارات وأصحاب الحقيقة فلاح لهم من ألفاظه معان ودقائق جعلوا لها أعلاما اصطلحوا عليها مثل الفناء والبقاء والحضور والخوف والهيبة والأنس والوحشة والقبض والبسط وما أشبه ذلك هذه الفنون التي أخذتها الملة الإسلامية منه
5351 - وقد احتوى على علوم أخرى من علوم الأوائل مثل الطب والجدل والهيئة والهندسة والجبر والمقابلة والنجامة وغير ذلك أما الطب فمداره على حفظ نظام الصحة واستحكام القوة وذلك إنما باعتدال المزاج بتفاعل الكيفيات المتضادة وقد جمع ذلك في آية واحدة وهي قوله تعالى وكان بين ذلك قواما وعرفنا فيه بما يعيد نظام الصحة بعد اختلاله وحدوث الشفاء للبدن بعد اعتلاله في قوله تعالى شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس ثم زاد على طب الأجسام بطب القلوب وشفاء الصدور

5352 - وأما الهيئة ففي تضاعيف سوره من الآيات التي ذكر فيها ملكوت السموات والأرض وما بث في العالم العلوي والسفلي من المخلوقات
5353 - وأما الهندسة ففي قوله انطلقوا إلى ظل ذي ثلاث شعب . . الآية
5354 - وأما الجدل فقد حوت آياته من البراهين والمقدمات والنتائج والقول بالموجب والمعارضة وغير ذلك شيئا كثيرا ومناظرة إبراهيم نمرود ومحاجته قومه أصل في ذلك عظيم
5355 - وأما الجبر والمقابلة فقد قيل إن أوائل السور فيها ذكر مدد وأعوام وأيام لتواريخ أمم سالفة وإن فيها تاريخ بقاء هذه الأمة وتاريخ مدة أيام الدنيا وما مضى وما بقي مضروب بعضها في بعض
5356 - وأما النجامة ففي قوله أو أثارة من علم فقد فسره بذلك ابن عباس
5357 - وفيه أصول الصنائع وأسماء الآلات التي تدعو الضرورة إليها كالخياطة في قوله وطفقا يخصفان
5358 - والحدادة آتوني زبر الحديد وألنا له الحديد . . الآية
5359 - والبناء في آيات
5360 - والنجاة واصنع الفلك بأعيننا
5361 - والغزل نقضت غزلها
5362 - والنسج كمثل العنكبوت اتخذت بيتا
5363 - والفلاحة أفرأيتم ما تحرثون . . الآيات
5364 - والصيد في آيات
5365 - والغوص كل بناء وغواص وتستخرجوا منه حلية

5366 - والصياغة واتخذ قوم موسى من بعده من حليهم عجلا جسدا
5367 - والزجاجة صرح ممرد من قوارير المصباح في زجاجة
5368 - والفخارة فأوقد لي يا هامان على الطين
5369 - والملاحة أما السفينة . . الآية
5370 - والكتابة علم بالقلم
5371 - والخبز أحمل فوق رأسي خبزا
5372 - والطبخ بعجل حنيذ
5373 - والغسل والقصارة وثيابك فطهر
قال الحواريون وهم القصارون
5374 - والجزارة إلا ما ذكيتم
5375 - والبيع والشراء في آيات
5376 - والصبغ صبغة الله جدد بيض وحمر
5377 - والحجارة وتنحتون من الجبال بيوتا
5378 - والكيالة والوزن في آيات
5379 - والرمي وما رميت إذ رميت وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة
5380 - وفيه من أسماء الآلات وضروب المأكولات والمشروبات والمنكوحات وجميع ما وقع ويقع في الكائنات ما يحقق معنى قوله ما فرطنا في الكتاب من شيء انتهى كلام المرسي ملخصا

5381 - وقال ابن سراقة من بعض وجوه إعجاز القرآن ما ذكر الله فيه من أعداد الحساب والجمع والقسمة والضرب والموافقة والتأليف والمناسبة والتنصيف والمضاعفة ليعلم بذلك أهل العلم بالحساب أنه صادق في قوله وأن القرآن ليس من عنده إذ لم يكن ممن خالط الفلاسفة ولا تلقى الحساب وأهل الهندسة
5382 - وقال الراغب إن الله تعالى كما جعل نبوة النبيين نبينا محمد مختتمة وشرائعهم بشريعته من وجه منتسخة ومن وجه مكملة متممة جعل كتابه المنزل عليه متضمنا لثمرة كتبه التي أولادها أولئك كما نبه عليه بقوله يتلو صحفا مطهرة فيها كتب قيمة وجعل من معجزة هذا الكتاب أنه مع قلة الحجم متضمن للمعنى الجم بحيث تقصر الألباب البشرية عن إحصائه والآلات الدنيوية عن استيفائه كما نبه عليه بقوله ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله فهو وإن كان لا يخلو للناظر فيه من نور ما يريه ونفع ما يوليه
كالبدر من حيث التفت رأيته ... يهدي إلى عينيك نورا ثاقبا
كالشمس في كبد السماء وضوءها ... يغشى البلاد مشارقا ومغاربا
5383 - وأخرج أبو نعيم وغيره عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم قال قيل لموسى عليه السلام يا موسى إنما مثل كتاب أحمد في الكتب بمنزلة وعاء فيه لبن كلما مخضته أخرجت زبدته
5384 - وقال القاضي أبو بكر بن العربي في قانون التأويل علوم القرآن خمسون علما وأربعمائة علم وسبعة آلاف علم وسبعون ألف علم على عدد كلم القرآن مضروبة في أربعة إذ لكل كلمة ظهر وبطن وحد ومطلع وهذا مطلق دون اعتبار تركيب وما بينها من روابط وهذا ما لا يحصى ولا يعلمه إلا الله
قال وأما علوم القرآن فثلاثة توحيد وتذكير وأحكام فالتوحيد يدخل فيه معرفة المخلوقات ومعرفة الخالق بأسمائه وصفاته وأفعاله والتذكير منه الوعد والوعيد والجنة والنار وتصفية الظاهر والباطن والأحكام منها التكاليف كلها وتبيين المنافع

والمضار والأمر والنهي والندب
ولذلك كانت الفاتحة أم القرآن لأن فيها الأقسام الثلاثة وسورة الإخلاص ثلثه لاشتمالها على أحد الأقسام الثلاثة وهو التوحيد
5385 - وقال ابن جرير القرآن يشتمل على ثلاثة أشياء التوحيد والإخبار والديانات ولهذا كانت سورة الإخلاص ثلثه لأنها تشمل التوحيد كله
5386 - وقال علي بن عيسى القرآن يشتمل على ثلاثين شيئا الإعلام والتشبيه والأمر والنهي والوعد والوعيد ووصف الجنة والنار وتعلم الإقراء بسم الله وبصفاته وأفعاله وتعليم الاعتراف بأنعامه والاحتجاج على المخالفين والرد على الملحدين والبيان عن الرغبة والرهبة والخير والشر والحسن والقبيح ونعت الحكمة وفصل المعرفة ومدح الأبرار وذم الفجار والتسليم والتحسين والتوكيد والتقريع والبيان عن ذم الأخلاق وشرف الآداب
5387 - وقال شيذلة وعلى التحقيق إن تلك الثلاثة التي قالها ابن جرير تشمل هذه كلها بل أضعافها فإن القرآن لا يستدرك ولا تحصى عجائبه
5388 - وأنا أقول قد اشتمل كتاب الله العزيز على كل شيء أما أنواع العلوم فليس منها باب ولا مسألة هي أصل إلا وفي القرآن ما يدل عليها وفيه عجائب المخلوقات وملكوت السموات والأرض وما في الأفق الأعلى وتحت الثرى وبدء الخلق وأسماء مشاهير الرسل والملائكة وعيون أخبار الأمم السالفة كقصة آدم مع إبليس في إخراجه من الجنة وفي الولد الذي سماه عبد الحارث ورفع إدريس وغرق قوم نوح وقصة عاد الأولى والثانية وثمود والناقة وقوم يونس وقوم شعيب الأولين والآخرين وقوم لوط وقوم تبع وأصحاب الرس وقصة إبراهيم في مجادلة قومه ومناظرته نمروذ ووضعه إسماعيل مع أمه بمكة وبنائه البيت وقصة الذبيح وقصة يوسف وما أبسطها وقصة موسى في ولادته وإلقائه في اليم وقتل القبطي ومسيره إلى مدين وتزوجه بنت شعيب وكلامه تعالى بجانب الطور ومجيئه إلى فرعون وخروجه وإغراق عدوه وقصة العجل والقوم الذين خرج بهم وأخذتهم الصعقة وقصة القتيل وذبح البقرة وقصته مع الخضر وقصته في قتال الجبارين وقصة القوم الذين ساروا في سرب من الأرض إلى الصين وقصة طالوت وداود مع

جالوت وفتنته وقصة سليمان وخبره مع ملكة سبأ وفتنته وقصة القوم الذين خرجوا فرارا من الطاعون فأماتهم الله ثم أحياهم وقصة ذي القرنين ومسيره إلى مغرب الشمس ومطلعها وبنائه السد وقصة أيوب وذي الكفل وإلياس وقصة مريم وولادتها وعيسى وإرساله ورفعه وقصة زكريا وابنه يحيى
وقصة أصحاب الكهف وقصة أصحاب الرقيم وقصة بخت نصر وقصة الرجلين اللذين لأحدهما الجنة وقصة أصحاب الجنة وقصة مؤمن آل يس وقصة أصحاب الفيل
5389 - وفيه من شأن النبي دعوة إبراهيم به وبشارة عيسى وبعثه وهجرته ومن غزواته سرية ابن الحضرمي في البقرة وغزوة بدر في سورة الأنفال وأحد في آل عمران وبدر الصغرى فيها والخندق في الأحزاب والحديبية في الفتح والنضير في الحشر وحنين وتبوك في براءة وحجة الوداع في المائدة ونكاحه زينب بنت جحش وتحريم سريته وتظاهر أزواجه عليه وقصة الإفك وقصة الإسراء وانشقاق القمر وسحر اليهود إياه
5390 - وفيه بدء خلق الإنسان إلى موته وكيفية الموت وقبض الروح وما يفعل بها بعد وصعودها إلى السماء وفتح الباب للمؤمنة وإلقاء الكافرة وعذاب القبر والسؤال فيه ومقر الأرواح وأشراط الساعة الكبرى وهي نزول عيسى وخروج الدجال ويأجوج ومأجوج والدابة والدخان ورفع القرآن والخسف وطلوع الشمس من مغربها وغلق باب التوبة وأحوال البعث من النفخات الثلاث نفخة الفزع ونفخة الصعق ونفخة القيام
والحشر والنشر وأهوال الموقف وشدة حر الشمس وظل العرش والميزان والحوض والصراط والحساب لقوم ونجاة آخرين منه وشهادة الأعضاء وإتيان الكتب بالأيمان والشمائل وخلف الظهر والشفاعة والمقام المحمود والجنة وأبوابها وما فيها من الأنهار والأشجار والثمار والحلي والأواني والدرجات ورؤيته تعالى
والنار وأبوابها وما فيها من الأودية وأنواع العقاب وألوان العذاب والزقوم والحميم
5391 - وفيه جميع أسمائه تعالى الحسنى كما ورد في حديث ومن أسمائه مطلقا ألف اسم ومن أسماء النبي جملة
5392 - وفي شعب الإيمان البضع والسبعون وشرائع الإسلام الثلاثمائة وخمسة عشر

5393 - وفيه أنواع الكبائر وكثير من الصغائر
وفيه تصديق كل حديث ورد عن النبي إلى غير ذلك مما يحتاج شرحه إلى مجلدات
5394 - وقد أفرد الناس كتبا فيما تضمنه القرآن من الأحكام كالقاضي إسماعيل وبكر بن العلاء وأبي بكر الرازي والكيا الهراسي وأبي بكر بن العربي وعبد المنعم بن الفرس وابن خويز منداد
وأفرد آخرون كتبا فيما تضمنه من علم الباطن وأفرد ابن برجان كتابا فيما تضمنه من معاضدة الأحاديث
وقد ألفت كتابا سميته الإكليل في استنباط التنزيل ذكرت فيه كل ما استنبط منه من مسألة فقهية أو أصلية أو اعتقادية وبعضا مما سوى ذلك كثير الفائدة جم العائدة يجري مجرى الشرح لما أجملته في هذا النوع فليراجعه من أراد الوقوف عليه
فصل 5395 - قال الغزالي وغيره آيات الأحكام خمسمائة آية وقال بعضهم مائة وخمسون قيل ولعل مرادهم المصرح به فإن آيات القصص والأمثال وغيرها يستنبط منها كثير من الأحكام
5396 - قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام في كتاب الإمام في أدلة الأحكام معظم آي القرآن لا يخلوا عن أحكام مشتملة على آداب حسنة وأخلاق جميلة ثم من الآيات ما صرح فيه بالأحكام فمنها ما يؤخذ بطريق الاستنباط إما بلا ضم إلى آية أخرى كاستنباط صحة أنكحه الكفار من قوله وامرأته حمالة الحطب وصحة صوم الجنب من قوله فالآن باشروهن إلى قوله حتى يتبين لكم الخيط . . الآية
وإما به كاستنباط أن أقل الحمل ستة أشهر من قوله وحمله
وفصاله في عامين قال ويستدل على الأحكام تارة بالصيغة وهو ظاهر وتارة بالإخبار مثل أحل لكم حرمت عليكم الميتة كتب عليكم الصيام وتارة بما رتب عليها في العاجل أو الآجل من خير أو شر أو نفع أو ضر وقد نوع الشارع ذلك أنواعا كثيرة ترغيبا لعباده وترهيبا وتقريبا إلى أفهامهم فكل فعل عظمه الشرع أو مدحه أو مدح فاعله لأجله أو أحبه أو أحب فاعله أو رضي به أو رضي عن

فاعله أو وصفه بالاستقامة أو البركة أو الطيب أو أقسم به أو بفاعله كالإقسام بالشفع والوتر وبخيل المجاهدين وبالنفس اللوامة أو نصبه سببا لذكره لعبده أو لمحبته أو لثواب عاجل أو آجل أو لشكره له أو لهدايته إياه أو لإرضاء فاعله أو لمغفرة ذنبه وتكفير سيآته أو لقبوله أو لنصرة فاعله أو بشارته أو وصف فاعله بالطيب أو وصف الفعل بكونه معروفا أو نفي الحزن والخوف عن فاعله أو وعده بالأمن أو نصب سببا لولايته أو أخبر عن دعاء الرسول بحصوله أو وصفه بكونه قربة أو بصفة مدح كالحياة والنور والشفاء فهو دليل على مشروعيته المشتركة بين الوجوب والندب
وكل فعل طلب الشارع تركه أو ذمه أو ذم فاعله أو عتب عليه أو مقت فاعله أو لعنه أو نفى محبته أو محبة فاعله أو الرضا به أو عن فاعله أو شبه فاعله بالبهائم أو بالشياطين أو جعله مانعا من الهدى أو من القبول أو وصفه بسوء أو كراهة أو استعاذ الأنبياء منه أو أبغضوه أو جعل سببا لنفي الفلاح أو لعذاب عاجل أو آجل أو لذم أو لوم أو ضلالة أو معصية أو وصف بخبث أو رجس أو نجس أو بكونه فسقا إو إثما أو سببا لإثم أو رجس أو لعن أو غضب أو زوال نعمة أو حلول نقمة أو حد من الحدود أو قسوة أو خزي أو ارتهان نفس أو لعداوة الله ومحاربته أو لاستهزائه أو سخريته أو جعله الله سببا لنسيانه فاعله أو وصفه نفسه بالصبر عليه أو بالحلم أو بالصفح عنه أو دعا إلى التوبة منه أو وصف فاعله بخبث أو احتقار أو نسبه إلى عمل الشيطان أو تزيينه أو تولي الشيطان لفاعله أو وصفه بصفة ذم ككونه ظلما أو بغيا أو عدوانا أو إثما أو مرضا أو تبرأ الأنبياء منه أو من فاعله أو شكوا إلى الله من فاعله أو جاهروا فاعله بالعداوة أو نهوا عن الأسى والحزن عليه أو نصب سببا لخيبة فاعله عاجلا أو آجلا أو رتب عليه حرمان الجنة وما فيها أو وصف فاعله بأنه عدو لله أو بأن الله عدوه أو أعلم فاعله بحرب من الله ورسوله أو حمل فاعله إثم غيره أو قيل فيه لا ينبغي هذا أو لا يكون أو أمر بالتقوى عند السؤال عنه أو أمر بفعل مضاده أو بهجر فاعله أو تلاعن فاعلوه في الآخرة أو تبرأ بعضهم من بعض أو دعا بعضهم على بعض أو وصف فاعله بالضلالة وأنه ليس من الله في شيء أو ليس من الرسول وأصحابه أو جعل اجتنابه سببا للفلاح أو جعله سببا لإيقاع العداوة والبغضاء بين المسلمين أو قيل هل أنت منته أو نهى الأنبياء عن الدعاء لفاعله أو رتب عليه إبعادا أو طردا

أو لفظة قتل من فعله أو قاتله الله أو أخبر أن فاعله لا يكلمه الله يوم القيامة ولا ينظر إليه ولا يزكيه ولا يصلح عمله ولا يهدي كيده أو لا يفلح أو قيض له الشيطان أو جعل سببا لإزاغة قلب فاعله أو صرفه عن آيات الله وسؤاله عن علة الفعل فهو دليل على المنع من الفعل ودلالته على التحريم أظهر من دلالته على مجرد الكراهة
5397 - وتستفاد الإباحة من لفظ الإحلال ونفي الجناح والحرج والإثم والمؤاخذة ومن الإذن فيه والعفو عنه ومن الامتنان بما في الأعيان من المنافع ومن السكوت عن التحريم ومن الإنكار على من حرم الشيء من الإخبار بأنه خلق أو جعل لنا والإخبار عن فعل من قبلنا من غير ذم لهم عليه
فإن اقترن بإخباره مدح دل على مشروعيته وجوبا أو استحبابا انتهى كلام الشيخ عز الدين
5398 - وقال غيره قد يستنبط من السكوت
وقد استدل جماعة على أن القرآن غير مخلوق بأن الله ذكر الإنسان في ثمانية عشر موضعا وقال إنه مخلوق وذكر القرآن في أربعة وخمسين موضعا ولم يقل إنه مخلوق ولما جمع بينهما غاير فقال الرحمن علم القرآن خلق الإنسان


النوع السادس والستون
في أمثال القرآن 5399 - أفرده بالتصنيف الإمام أبو الحسن الماوردي من كبار أصحابنا قال تعالى ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل لعلهم يتذكرون وقال تعالى وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون
5400 - وأخرج البيهقي عن أبي هريرة قال قال رسول الله ان القرآن نزل على خمسة أوجه حلال وحرام ومحكم ومتشابه وأمثال فاعملوا بالحلال واجتنبوا الحرام واتبعوا المحكم وآمنوا بالمتشابه واعتبروا بالأمثال
5401 - قال الماوردي من أعظم علم القرآن علم أمثاله والناس في غفلة عنه لاشتغالهم بالأمثال وإغفالهم الممثلات والمثل بلا ممثل كالفرس بلا لجام والناقة بلا زمام
5402 - وقال غيره قد عده الشافعي مما يجب على المجتهد معرفته من علوم القرآن فقال ثم معرفة ما ضرب فيه من الأمثال الدوال على طاعته المبينة لاجتناب معصيته
5403 - وقال الشيخ عز الدين إنما ضرب الله الأمثال في القرآن تذكيرا ووعظا فما اشتمل منها على تفاوت في ثواب أو على إحباط عمل أو على مدح أو ذم أو نحوه فإنه يدل على الأحكام
5404 - وقال غيره ضرب الأمثال في القرآن يستفاد منه أمور كثيرة التذكير

والوعظ والحث والزجر والاعتبار والتقرير وتقريب المراد للعقل وتصويره بصورة المحسوس فإن الأمثال تصور المعاني بصورة الأشخاص لأنها أثبت في الأذهان لأستعانة الذهن فيها بالحواس ومن ثم كان الغرض من المثل تشبيه الخفي بالجلي والغائب بالشاهد
وتأتي أمثال القرآن مشتملة على بيان تفاوت الأجر وعلى المدح والذم وعلى الثواب والعقاب وعلى تفخيم الأمر أو تحقيره وعلى تحقيق أمر أو إبطاله قال تعالى وضربنا لكم الأمثال فامتن علينا بذلك لما تضمنته من الفوائد
5405 - وقال الزركشي في البرهان ومن حكمته تعليم البيان وهو من خصائص هذه الشريعة
5406 - وقال الزمخشري التمثيل إنما يصار إليه لكشف المعاني وإدناء المتوهم من الشاهد فإن كان المتمثل له عظيما كان المتمثل به مثله وإن كان حقيرا كان المتمثل به كذلك
5407 - وقال الأصبهاني لضرب العرب الأمثال واستحضار العلماء النظائر شأن ليس بالخفي في إبراز خفيات الدقائق ورفع الأستار عن الحقائق تريك المتخيل في صورة المتحقق والمتوهم في معرض المتيقن والغائب كأنه مشاهد وفي ضرب الأمثال تبكيت للخصم الشديد الخصومة وقمع لسورة الجامح الأبي فإنه يؤثر في القلوب ما لا يؤثر في وصف الشيء في نفسه ولذلك أكثر الله تعالى في كتابه وفي سائر كتبه الأمثال ومن سور الإنجيل سورة تسمى سورة الأمثال وفشت في كلام النبي وكلام الأنبياء والحكماء
فصل 5408 - أمثال القرآن قسمان ظاهر مصرح به وكامن لا ذكر للمثل فيه فمن أمثلة الأول قوله تعالى مثلهم كمثل الذي استوقد نارا . . الآيات ضرب فيها للمنافقين مثلين مثلا بالنار ومثلا بالمطر
5409 - أخرج ابن أبي حاتم وغيره من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال هذا مثل ضربه الله للمنافقين كانوا يعتزون بالإسلام فيناكحهم

المسلمون ويوارثونهم ويقاسمونهم الفيء فلما ماتوا سلبهم الله العز كما سلب صاحب النار ضوءه وتركهم في ظلمات بقول في عذاب
أو كصيب هو المطر ضرب مثله في القرآن فيه ظلمات يقول ابتلاء ورعد وبرق تخويف يكاد البرق يخطف أبصارهم يقول يكاد محكم القرآن يدل على عورات المنافقين كلما أضاء لهم مشوا فيه يقول كلما أصاب المنافقون في الإسلام عزا اطمأنوا فإن أصاب الإسلام نكبة قاموا ليرجعوا إلى الكفر كقوله ومن الناس من يعبد الله على حرف . . الآية
5410 - ومنها قوله تعالى أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها . . ألاية أخرج ابن أبي حاتم من طريق علي عن ابن عباس قال هذا مثل ضربه الله احتملت منه القلوب على قدر يقينها وشكها فأما الزبد فيذهب جفاء وهو الشك وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض وهو اليقين كما يجعل الحلي في النار فيؤخذ خالصه ويترك خبثه في النار كذلك يقبل الله اليقين ويترك الشك
5411 - وأخرج عن عطاء قال هذا مثل ضربه الله للمؤمن والكافر
5412 - وأخرج عن قتادة قال هذه ثلاثة أمثال ضربها الله في مثل واحد يقول كما اضمحل هذا الزبد فصار جفاء لا ينتفع به ولا ترجى بركته كذلك يضمحل الباطل عن أهله وكما مكث هذا الماء في الأرض فأمرعت وربت بركته وأخرجت نباتها وكذلك الذهب والفضة حين أدخل النار فأذهب خبثه كذلك يبقى الحق لأهله
وكما اضمحل خبث هذا الذهب حين أدخل في النار كذلك يضمحل الباطل عن أهله
5413 - ومنها قوله تعالى والبلد الطيب . . الآية أخرج ابن أبي حاتم من طريق علي عن ابن عباس قال هذا مثل ضربه الله للمؤمن يقول هو طيب وعمله طيب كما أن البلد الطيب ثمرها طيب والذي خبث ضرب مثلا للكافر كالبلد السبخة المالحة والكافر هو الخبيث وعمله خبيث
5414 - ومنها قوله تعالى أيود أحدكم أن تكون له جنة . . ألاية أخرج

البخاري عن ابن عباس قال قال عمر بن الخطاب يوما لأصحاب النبي فيمن ترون هذه الآية نزلت أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب قالوا الله أعلم فغضب عمر وقال قولوا نعلم أو لا نعلم فقال ابن عباس في نفسي منها شيء فقال يا بن أخي قل ولا تحقر نفسك قال ابن عباس ضربت مثلا لعمل قال عمر أي عمل قال ابن عباس لرجل غني يعمل بطاعة الله ثم بعث الله له الشيطان فعمل بالمعاصي حتى أغرق أعماله
5415 - وأما الكامنة فقال الماوردي سمعت أبا إسحاق إبراهيم بن مضارب بن إبراهيم يقول سمعت أبي يقول سألت الحسين بن الفضل فقلت إنك تخرج أمثال العرب والعجم من القرآن فهل تجد في كتاب الله خير الأمور أوساطها قال نعم في أربعة مواضع قوله تعالى لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك وقوله تعالى والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما وقوله تعالى ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط وقوله تعالى ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا
قلت فهل تجد في في كتاب الله من جهل شيئا عاداه قال نعم في موضعين بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه وإذ لم يهتدوا به فسيقولون هذا إفك قديم
قلت فهل تجد في كتاب الله احذر شر من أحسنت إليه قال نعم وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله
قلت فهل تجد في كتاب الله ليس الخبر كالعيان قال في قوله تعالى قال أو لم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي
قلت فهل تجد في الحركات البركات قال في قوله تعالى ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة

قلت فهل تجد كما تدين تدان قال في قوله تعالى من يعمل سوءا يجز به
قلت فهل تجد فيه قولهم حين تقلي ندري قال وسوف يعلمون حين يرون العذاب من أضل سبيلا
قلت فهل تجد فيه لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين قال هل آمنكم عليه إلا كما أمنتكم على أخيه من قبل
قلت فهل تجد فيه من أعان ظالما سلط عليه قال كتب عليه أنه من تولاه فإنه يضله ويهديه إلى عذاب السعير
قلت فهل تجد فيه قولهم لا تلد الحية إلا حية قال قوله تعالى ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا
قلت فهل تجد فيه للحيطان آذان قال وفيكم سماعون لهم
قلت فهل تجد فيه الجاهل مرزوق والعالم محروم قال من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مدا
قلت فهل تجد فيه الحلال لا يأتيك إلا قوتا والحرام لا يأتيك إلا جزافا قال إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا ويوم لا يسبتون لا تأتيهم
فائدة 5416 - عقد جعفر بن شمس الخلافة في كتاب الآداب بابا في ألفاظ من القرآن جارية مجرى المثل وهذا هو النوع البديعي المسمى بإرسال المثل وأورد من ذلك قوله تعالى
ليس لها من دون الله كاشفة
لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون
الآن حصحص الحق

وضرب لنا مثلا ونسي خلقه
ذلك بما قدمت يداك
قضي الأمر الذي فيه تستفتيان
أليس الصبح بقريب
وحيل بينهما وبين ما يشتهون
لكل نبإ مستقر
ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله
قل كل يعمل على شاكلته
وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم
كل نفس بما كسبت رهينة
ما على الرسول إلا البلاغ
ما على المحسنين من سبيل
هل جزاء الإحسان إلا الإحسان
كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة
الآن وقد عصيت قبل
تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى
ولا ينبئك مثل خبير
كل حزب بما لديهم فرحون

ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم
وقليل من عبادي الشكور
لا يكلف الله نفسا إلا وسعها
قل لا يستوي الخبيث والطيب
ظهر الفساد في البر والبحر
ضعف الطالب والمطلوب
لمثل هذا فليعمل العاملون
وقليل ما هم
فاعتبروا يا أولي الأبصار
في ألفاظ أخر


النوع السابع والستون
في أقسام القرآن 5417 - أفرده ابن القيم بالتصنيف في مجلد سماه التبيان والقصد بالقسم تحقيق الخبر توكيده حتى جعلوا مثل والله يشهد إن المنافقين لكاذبون قسما وإن كان فيه إخبار بشهادة لأنه لما جاء توكيدا للخبر سمي قسما
وقد قيل ما معنى القسم منه تعالى فإنه إن كان لأجل المؤمن فالمؤمن مصدق بمجرد الإخبار من غير قسم وإن كان لأجل الكافر فلا يفيده
وأجيب بأن القرآن نزل بلغة العرب ومن عادتها القسم إذا أرادات أن تؤكد أمرا
وأجاب أبو القاسم القشيري بأن الله ذكر القسم لكمال الحجة وتأكيدها وذلك أن الحكم يفصل باثنين إما بالشهادة وإما بالقسم فذكر تعالى في كتابه النوعين حتى لا يبقى لهم حجة فقال شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم وقال قل إي وربي إنه لحق وعن بعض الأعراب أنه لما سمع قوله تعالى وفي السماء رزقكم وما توعدون فورب السماء والآرض إنه لحق صرخ وقال من ذا الذي أغضب الجليل حتى ألجأه إلى اليمين
ولا يكون القسم إلا باسم معظم وقد أقسم الله تعالى بنفسه في القرآن في سبعة مواضع
الآية المذكورة بقوله قل إي وربي

قل بلى وربي لتبعثن
فوربك لنحشرنهم والشياطين
فوربك لنسألنهم أجمعين
فلا وربك لا يؤمنون
فلا أقسم برب المشارق والمغارب
5418 - والباقي كله قسم بمخلوقاته كقوله تعالى والتين والزيتون والصافات والشمس والليل والضحى فلا أقسم بالخنس
5419 - فإن قيل كيف أقسم بالخلق وقد ورد النهي عن القسم بغير الله
قلنا أجيب عنه بأوجه
أحدها أنه على حذف مضاف أي ورب التين ورب الشمس وكذا الباقي
الثاني إن العرب كانت تعظم هذه الأشياء وتقسم بها فنزل القرآن على ما يعرفون
الثالث أن الأقسام إنما تكون بما يعظمه المقسم أو يجله وهو فوقه والله تعالى ليس شيء فوقه فأقسم تارة بنفسه وتارة بمصنوعاته لأنها تدل على بارئ وصانع
5420 - وقال ابن أبي الإصبع في أسرار الفواتح القسم بالمصنوعات يستلزم القسم بالصانع لأن ذكر المفعول يستلزم ذكر الفاعل إذ يستحيل وجود مفعول بغير فاعل
5421 - وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال إن الله يقسم بما شاء من خلقه وليس لأحد أن يقسم إلا بالله
5422 - وقال العلماء أقسم الله تعالى بالنبي في قوله لعمرك لتعرف الناس عظمته عند الله ومكانته لديه
أخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال ما

خلق الله ولا ذرأ ولا برأ نفسا أكرم عليه من محمد وما سمعت الله أقسم بحياة أحد غيره قال لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون
5423 - وقال أبو القاسم القشيري القسم بالشيء لا يخرج عن وجهين إما لفضيلة أو لمنفعة فالفضيلة كقوله وطور سينين وهذا البلد الأمين والمنفعة نحو والتين والزيتون
5424 - وقال غيره أقسم الله تعالى بثلاثة أشياء بذاته كالآيات السابقة وبفعله نحو والسماء وما بناها والأرض وما طحاها ونفس وما سواها وبمفعوله نحو والنجم إذا هوى والطور وكتاب مسطور
5425 - والقسم إما ظاهر كالآيات السابقة وإما مضمر وهو قسمان قسم دلت عليه اللام نحو لتبلون في أموالكم وقسم دل عليه المعنى نحو وإن منكم إلا واردها تقديره والله
5426 - وقال أبو علي الفارسي الألفاظ الجارية مجرى القسم ضربان
أحدهما ما تكون كغيرها من الأخبار التي ليست بقسم فلا تجاب بجوابه كقوله وقد أخذ ميثاقكم إن كنتم مؤمنين ورفعنا فوقكم الطور خذوا فيحلفون له كما يحلفون لكم وهذا ونحوه يجوز أن يكون قسما وأن يكون حالا لخلوه من الجواب
والثاني ما يتلقى بجواب القسم كقوله وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن أمرتهم ليخرجن
5427 - وقال غيره أكثر الأقسام في القرآن المحذوفة الفعل لا تكون إلا بالواو فإذا ذكرت الباء أتي بالفعل كقوله وأقسموا بالله يحلفون بالله ولا تجد الباء مع حذف الفعل ومن ثم كان خطأ من جعل قسما بالله إن الشرك

لظلم بما عهد عندك بحق إن كنت قلته فقد علمته
5428 - وقال ابن القيم اعلم أنه سبحانه وتعالى يقسم بأمور على أمور وإنما يقسم بنفسه المقدسة الموصوفة بصفاته أو بآياته المستلزمة لذاته وصفاته وإقسامه ببعض المخلوقات دليل على أنها من عظيم آياته فالقسم إما على جملة خبرية وهو الغالب كقوله فورب السماء والأرض إنه لحق وإما على جملة طلبية كقوله فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون مع أن هذا القسم قد يراد به تحقيق المقسم عليه فيكون من باب الخبر وقد يراد به تحقيق القسم فالمقسم عليه يراد بالقسم توكيده وتحقيقه فلا بد أن يكون مما يحسن فيه وذلك كالأمور الغائبة والخفية إذا أقسم على ثبوتها فأما الأمور المشهودة الظاهرة كالشمس والقمر والليل والنهار والسماء والأرض فهذه يقسم بها ولا يقسم عليها وما أقسم عليه الرب فهو من آياته فيجوز أن يكون مقسما به ولا ينعكس وهو سبحانه وتعالى يذكر جواب القسم تارة وهو الغالب ويحذفه أخرى كما يحذف جواب لو كثيرا للعلم به
والقسم لما كان يكثر في الكلام اختصر فصار فعل القسم يحذف ويكتفى بالباء ثم عوض من الباء الواو في الأسماء الظاهرة والتاء في اسم الله تعالى كقوله وتالله لأكيدن أصنامكم
5429 - قال ثم هو سبحانه وتعالى يقسم على أصول الإيمان التي تجب على الخلق معرفتها تارة يقسم على التوحيد وتارة يقسم على أن القرآن حق وتارة على أن الرسول حق وتارة على الجزاء والوعد والوعيد وتارة يقسم على حال الإنسان
فالأول كقوله والصافات صفا إلى قوله إن إلهكم لواحد
والثاني كقوله فلا أقسم بمواقع النجوم وإنه لقسم لو تعلمون عظيم إنه لقرآن كريم

والثالث كقوله يس والقرآن الحكيم إنك لمن المرسلين والنجم إذا هوى ما ضل صاحبكم وما غوى . . الآيات
والرابع كقوله والذاريات إلى قوله إنما توعدون لصادق وإن الدين لواقع والمرسلات إلى قوله إنما توعدون لواقع
والخامس كقوله والليل إذا يغشى إلى قوله إن سعيكم لشتى . . الآيات والعاديات إلى قوله إن الإنسان لربه لكنود والعصر إن الإنسان لفي خسر . . والتين إلى قوله لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم . . الآيات لا أقسم بهذا البلد إلى قوله لقد خلقنا الإنسان في كبد
5430 - قال وأكثر ما يحذف الجواب إذا كان في نفس المقسم به دلالة على المقسم عليه فإن المقصود يحصل بذكره فيكون حذف المقسم عليه أبلغ وأوجز كقوله ص والقرآن ذي الذكر فإنه في القسم به من تعظيم القرآن ووصفه بأنه ذو الذكر المتضمن لتذكير العباد ما يحتاجون إليه والشرف والقدر ما يدل على المقسم عليه وهو كونه حقا من عند الله غير مفترى كما يقول الكافرون ولهذا قال كثيرون إن تقدير الجواب إن القرآن لحق وهذا مطرد في كل ما شابه ذلك كقوله ق والقرآن المجيد وقوله لا أقسم بيوم القيامة فإنه يتضمن إثبات المعاد وقوله والفجر . . الآيات فإنها أزمان تتضمن أفعالا معظمة من المناسك وشعائر الحج التي هي عبودية محضة لله تعالى وذل وخضوع لعظمته وفي ذلك تعظيم ما جاء به محمد وإبراهيم عليهما الصلاة والسلام
5431 - قال ومن لطائف القسم قوله والضحى والليل إذا سجى

الآيات أقسم تعالى على إنعامه على رسوله وإكرامه له وذلك متضمن لتصديقه له فهو قسم على صحة نبوته وعلى جزائه في الآخرة فهو قسم على النبوة والمعاد وأقسم بآيتين عظيمتين من آياته
وتأمل مطابقة هذا القسم وهو نور الضحى الذي يوافي بعد ظلام الليل المقسم عليه وهو نور الوحي الذي وافاه بعد احتباسه عنه حتى قال أعداؤه ودع محمدا ربه فأقسم بضوء النهار بعد ظلمة الليل على ضوء الوحي ونوره بعد ظلمة احتباسه واحتجابه


النوع الثامن والستون
في جدل القرآن 5432 - أفرده بالتصنيف نجم الدين الطوفي قال العلماء قد اشتمل القرآن العظيم على جميع أنواع البراهين والأدلة وما من برهان ودلالة وتقسيم وتحذير يبنى من كليات المعلومات العقلية والسمعية إلا وكتاب الله قد نطق به لكن أورده على عادة العرب دون دقائق طرق المتكلمين لأمرين
أحدهما بسبب ما قاله وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم
والثاني أن المائل إلى طريق المحاجة هو العاجز عن إقامة الحجة بالجليل من الكلام فإن من استطاع أن يفهم بالأوضح الذي يفهمه الأكثرون لم ينحط إلى الأغمض الذي لا يعرفه إلا الأقلون ولم يكن ملغزا فأخرج تعالى مخاطباته في محاجة خلقه في أجلى صورة ليفهم العامة من جليلها ما يقنعهم وتلزمهم الحجة وتفهم الخواص من أثنائها ما يربى على ما أدركه فهم الخطباء
5433 - وقال ابن أبي الإصبع زعم الجاحظ أن المذهب الكلامي لا يوجد منه شيء في القرآن وهو مشحون به وتعريفه أنه احتجاج المتكلم على ما يريد إثباته بحجة تقطع المعاند له فيه على طريقة أرباب الكلام
ومنه نوع منطقي تستنتج منه النتائج الصحيحة من المقدمات الصادقة فإن الإسلاميين من أهل هذا العلم ذكروا أن من أول سورة الحج إلى قوله وأن الله يبعث من في القبور خمس نتائج تستنتج من عشر مقدمات قوله ذلك بأن الله هو الحق لأنه قد ثبت عندنا بالخبر المتواتر أنه

تعالى أخبر بزلزلة الساعة معظما لها وذلك مقطوع بصحته لأنه خبر أخبر به من ثبت صدقه عمن ثبتت قدرته منقول إلينا بالتواتر فهو حق ولا يخبر بالحق عما سيكون إلا الحق فالله هو الحق
وأخبر تعالى أنه يحيي الموتى لأنه أخبر عن أهوال الساعة بما أخبر وحصول فائدة هذا الخبر موقوفة على إحياء الموتى ليشاهدوا تلك الأهوال التي يعملها الله من أجلهم وقد ثبت أنه قادر على كل شيء
ومن الأشياء إحياء الموتى فهو يحيى الموتى
وأخبر أنه على كل شيء قدير لأنه أخبر أنه من يتبع الشياطين ومن يجادل فيه بغير علم يذقه عذاب السعير ولا يقدر على ذلك إلا من هو على كل شيء قدير فهو على كل شيء قدير
وأخبر أن الساعة آتية لا ريب فيها لأنه أخبر بالخبر الصادق أنه خلق الإنسان من تراب إلى قوله لكيلا يعلم بعد علم شيئا
وضرب لذلك مثلا بالأرض الهامدة التي ينزل عليها الماء فتهتز وتربو وتنبت من كل زوج بهيج ومن خلق الإنسان على ما أخبر به فأوجده بالخلق ثم أعدمه بالموت ثم يعيده بالبعث وأوجد الأرض بعد العدم فأحياها بالخلق ثم أماتها بالمحل ثم أحياها بالخصب وصدق خبره في ذلك كله بدلالة الواقع المشاهد على المتوقع الغائب حتى انقلب الخبر عيانا صدق خبره في الإتيان بالساعة
ولا يأتي بالساعة إلا من يبعث من في القبور لأنها عبارة عن مدة تقوم فيها الأموات للمجازاة فهي آتية لا ريب فيها وهو سبحانه وتعالى يبعث من في القبور
5434 - وقال غيره استدل سبحانه وتعالى على المعاد الجسماني بضروب
أحدها قياس الإعادة على الابتداء كما قال تعالى كما بدأكم تعودون كما بدأنا أول خلق نعيده أفعيينا بالخلق الأول
ثانيها قياس الإعادة على خلق السموات والأرض بطريق الأولى قال تعالى أو ليس الذي خلق السموات والأرض بقادر . . الآية
ثالثها قياس الإعادة على إحياء الأرض بعد موتها بالمطر والنبات
رابعها قياس الإعادة على إخراج النار من الشجر الأخضر
وقد روى الحاكم

وغيره أن أبي بن خلف جاء بعظم ففته فقال أيحيى الله هذا بعد ما بلي ورم فأنزل الله قل يحييها الذي أنشأها أول مرة فاستدل سبحانه وتعالى برد النشأة الأخرى إلى الأولى والجمع بينهما بعلة الحدوث
ثم زاد في الحجاج بقوله الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا وهذه في غاية البيان في رد الشيء إلى نظيره والجمع بينهما من حيث تبديل الأعراض عليهما
خامسها في قوله تعالى وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت بلى . . الآيتين وتقريرهما أن اختلاف المختلفين في الحق لا يوجب انقلاب الحق في نفسه وإنما تختلف الطرق الموصلة إليه والحق في نفسه واحد فلما ثبت أن ها هنا حقيقة موجودة لا محالة وكان لا سبيل لنا في حياتنا إلى الوقوف عليها وقوفا يوجب الائتلاف ويرفع عنا الاختلاف إذ كان الاختلاف مركوزا في فطرنا وكان لا يمكن ارتفاعه وزواله إلا بارتفاع هذه الجبلة ونقلها إلى صورة غيرها صح ضرورة أن لنا حياة أخرى غير هذه الحياة فيها يرتفع الخلاف والعناد وهذه هي الحالة التي وعد الله بالمصير إليها فقال ونزعنا ما في صدورهم من غل حقد فقد صار الخلاف الموجود كما ترى أوضح دليل على كون البعث الذي ينكره المنكرون
كذا قرره ابن السيد
5435 - ومن ذلك الاستدلال على أن صانع العالم واحد بدلالة التمانع المشار إليها في قوله لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا لأنه لو كان للعالم صانعان لكان لا يجري تدبيرهما على نظام ولا يتسق على أحكام ولكان العجز يلحقهما أو أحدهما وذلك لأنه لو أراد أحدهما إحياء جسم وأراد الآخر إماتته فإما أن تنفذ إرادتهما فيتناقض لاستحالة تجزي الفعل إن فرض الاتفاق أو لامتناع اجتماع الضدين إن فرض الاختلاف وإما ألا تنفذ إرادتهما فيؤدي إلى عجزهما أو لا تنفذ إرادة أحدهما فيؤدي إلى عجزه والإله لا يكون عاجزا
فصل 5436 - من الأنواع المصطلح عليها في علم الجدل السبر والتقسيم ومن

أمثلته في القرآن قوله تعالى ثمانية أزواج من الضأن اثنين . . الآيتين فإن الكفار لما حرموا ذكور الأنعام تارة وإناثها أخرى رد تعالى ذلك عليهم بطريق السبر والتقسيم فقال إن الخلق لله خلق من كل زوج مما ذكر ذكرا وأنثى فمم جاء تحريم ما ذكرتم أي ما علته لا يخلو إما أن يكون من جهة الذكورة أو الأنوثة أو اشتمال الرحم الشامل لهما أو لا يدرى له علة وهو التعبدي بأن أخذ ذلك عن الله تعالىوالأخذ عن الله تعالى إما بوحي وإرسال رسول أو سماع كلامه ومشاهدة تلقى ذلك عنه وهو معنى قوله أم كنتم شهداء إذ وصاكم الله بهذا فهذه وجوه التحريم لا تخرج عن واحد منها
والأول يلزم عليه أن يكون جميع الذكور حراما والثاني يلزم عليه أن يكون جميع الإناث حراما والثالث يلزم عليه تحريم الصنفين معا فبطل ما فعلوه من تحريم بعض في حالة وبعض في حالة لأن العلة على ما ذكر تقتضي إطلاق التحريم والأخذ عن الله بلا واسطة باطل ولم يدعوه وبواسطة رسول كذلك لأنه لم يأت إليهم رسول قبل النبي وإذا بطل جميع ذلك ثبت المدعى وهو أن ما قالوه افتراء على الله وضلال
5437 - ومنها القول بالموجب قال ابن أبي الأصبع وحقيقته رد كلام الخصم من فحوى كلامه
5438 - وقال غيره هو قسمان
أحدهما أن تقع صفة في كلام الغير كناية عن شيء أثبت له حكم فيثبتها لغير ذلك الشيء كقوله تعالى يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ولله العزة . . الآية ف الأعز وقعت في كلام المنافقين كناية عن فريقهم و الأذل عن فريق المؤمنين وأثبت المنافقون لفريقهم إخراج المؤمنين من المدينة فأثبت الله في الرد عليهم صفة العزة لغير فريقهم وهو الله ورسوله والمؤمنون وكأنه قيل صحيح ذلك ليخرجن الأعز منها الأذل لكن هم الأذل المخرج والله ورسوله الأعز المخرج
والثاني حمل لفظ وقع في كلام الغير على خلاف مراده مما يحتمله بذكر متعلقه ولم أر من أورد له مثالا من القرآن وقد ظفرت بآية منه وهي قوله تعالى

ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن قل أذن خير لكم
5439 - ومنها التسليم وهو أن يفرض المحال إما منفيا أو مشروطا بحرف الامتناع لكون المذكور ممتنع الوقوع لامتناع وقوع شرطه ثم يسلم وقوع ذلك تسليما جدليا ويدل على عدم فائدة ذلك على تقدير وقوعه كقوله تعالى ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض
المعنى ليس مع الله من إله ولو سلم أن معه سبحانه وتعالى إلها لزم من ذلك التسليم ذهاب كل إله من الاثنين بما خلق وعلو بعضهم على بعض فلا يتم في العالم أمر ولا ينفذ حكم ولا تنتظم أحواله والواقع خلاف ذلك ففرض إلهين فصاعدا محال لما يلزم منه المحال
5440 - ومنها الإسجال وهو الإتيان بألفاظ تسجل على المخاطب وقوع ما خوطب به نحو ربنا آتنا ما وعدتنا على رسلك ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم فإن في ذلك إسجالا بالإيتاء والإدخال حيث وصفا بالوعد من الله الذي لا يخلف وعده
5441 - ومنها الانتقال هو أن ينتقل المستدل إلى إستدلال غير الذي كان آخذا فيه لكون الخصم لم يفهم وجه الدلالة من الأول كما جاء في مناظرة الخليل الجبار لما قال له ربي الذي يحيي ويميت فقال الجبار أنا أحيي وأميت ثم دعا بمن وجب عليه القتل فأعتقه ومن لا يجب عليه فقتله فعلم الخليل أنه لم يفهم معنى الإحياء والإماتة أو علم ذلك وغالط بهذا الفعل فانتقل عليه السلام إلى استدلال لا يجد الجبار له وجها يتخلص به منه فقال إن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فانقطع الجبار وبهت ولم يمكنه أن يقول أنا الآتي بها من المشرق لأن من هو أسن منه يكذبه
5442 - ومنها المناقضة وهي تعليق أمر على مستحيل إشارة إلى استحالة وقوعه كقوله تعالى ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط

5443 - ومنها مجاراة الخصم ليعثر بأن يسلم بعض مقدماته حيث يراد تبكيته وإلزامه كقوله تعالى قالوا إن أنتم إلا بشر مثلنا تريدون أن تصدونا عما كان يعبد آباؤنا فأتونا بسلطان مبين قالت لهم رسلهم إن نحن إلا بشر مثلكم . . الآية فقولهم إن نحن إلا بشر مثلكم . . الآية فيه اعتراف الرسل بكونهم مقصورين على البشرية فكأنهم سلموا انتفاء الرسالة عنهم وليس مرادا بل هو من مجاراة الخصم ليعثر فكأنهم قالوا ما ادعيتم من كوننا بشرا حق لا ننكره ولكن هذا لا ينافي أن يمن الله تعالى علينا بالرسالة


النوع التاسع والستون
فيما وقع في القرآن من الأسماء والكنى والألقاب في القرآن من أسماء الأنبياء والمرسلين خمس وعشرون هم مشاهيرهم
أسماء الأنبياء والمرسلين في القرآن 54441 4 - 1 - آدم أبو البشر ذكر قوم أنه أفعل وصف مشتق من الأدمة ولذا منع الصرف
5445 - قال الجواليقي أسماء الأنبياء كلها أعجمية إلا أربعة آدم وصالح وشعيب ومحمد
5446 - وأخرج ابن أبي حاتم من طريق أبي الضحى عن ابن عباس قال إنما سمى آدم لأنه خلق من أديم الأرض
5447 - وقال قوم هو اسم سرياني أصله آدام بوزن خاتام عرب بحذف الألف الثانية
5448 - وقال الثعلبي التراب بالعبرانية آدام فسمى آدم به
5449 - وقال ابن أبي خيثمة عاش تسعمائة سنة وستين سنة
5450 - وقال النووي في تهذيبه اشتهر في كتب التواريخ أنه عاش ألف سنة
54512 1 - 2 - نوح قال الجواليقي أعجمي معرب
زاد الكرماني ومعناه بالسريانية الساكن
وفي نسخة الشاكر

5452 - وقال الحاكم في المستدرك إنما سمى نوحا لكثرة بكائه على نفسه واسمه عبد الغفار
قال وأكثر الصحابة على أنه قبل إدريس
5453 - وقال غيره هو نوح بن لمك بفتح اللام وسكون الميم بعدها كاف بن متوشلخ بفتح الميم وتشديد المثناة المضمومة بعدها وفتح الشين المعجمة واللام بعدها معجمة بن أخنوخ بفتح المعجمة وضم النون الخفيفة بعدها واو ساكنة ثم معجمة وهو إدريس فيما يقال
5454 - وروى الطبراني عن أبي ذر قال قلت يا رسول الله من أول الأنبياء قال آدم قلت ثم من قال نوح وبينهما عشرون قرنا
5455 - وفي المستدرك عن ابن عباس قال كان بين آدم ونوح عشرة قرون
وفيه عنه مرفوعا بعث الله نوحا لأربعين سنة فلبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما يدعوهم وعاش بعد الطوفان ستين سنة حتى كثر الناس وفشوا
5456 - وذكر ابن جرير أن مولد نوح كان بعد وفاة آدم بمائة وستة وعشرين عاما
5457 - وفي التهذيب للنووي أنه أطول الأنبياء عمرا
54583 8 - 3 - إدريس قيل إنه قبل نوح
5459 - قال ابن إسحاق كان إدريس أول بني آدم أعطي النبوة وهو أخنوخ بن يرد بن مهلائيل بن أنوش بن قينان بن شيث ابن آدم
5460 - وقال وهب بن منبه إدريس جد نوح الذي يقال له خنوخ وهو اسم سرياني
وقيل عربي مشتق من الدراسة لكثرة درسه الصحف
5461 - وفي المستدرك بسند واه عن الحسن عن سمرة قال كان نبي الله إدريس أبيض طويلا ضخم البطن عريض الصدر قليل شعر الجسد كثير شعر الرأس
وكانت إحدى عينيه أعظم من الأخرى وفي صدره نكتة بياض من غير برص فلما رأى الله من أهل الأرض ما رأى من جورهم واعتدائهم في أمر الله رفعه

إلى السماء السادسة فهو حيث يقول ورفعناه مكانا عليا
5462 - وذكر ابن قتيبة أنه رفع وهو ابن ثلاثمائة وخمسين سنة
5463 - وفي صحيح ابن حبان أنه كان نبيا رسولا وأنه أول من خط بالقلم
5464 - وفي المستدرك عن ابن عباس قال كان فيما بين نوح وإدريس ألف سنة
54654 5 - 4 - إبراهيم قال الجواليقي هو اسم قديم ليس بعربي وقد تكلمت به العرب على وجوه أشهرها إبراهيم وقالوا إبراهام وقرئ به في السبع
وإبراهيم بحذف الياء وإبرهم وهو اسم سرياني معناه أب رحيم وقيل مشتق من البرهمة وهي شدة النظر حكاه الكرماني في عجائبه
وهو ابن آزر واسمه تارح بمثناة وراء مفتوحة وآخره حاء مهملة بن ناحور بنون ومهملة مضمومة بن شاروخ بمعجمة وراء مضمومة وآخرة خاء معجمة بن راغو بغين معجمة بن فالخ بفاء ولام مفتوحة ومعجمة ابن عابر بمهملة وموحدة بن شالخ بمعجمتين بن أرفخشد بن سام بن نوح
5466 - قال الواقدي ولد إبراهيم على رأس ألفي سنة من خلق آدم
5467 - وفي المستدرك من طريق ابن المسيب عن أبي هريرة قال إختتن إبراهيم بعد عشرين ومائة سنة
ومات ابن مائتي سنة
5468 - وحكى النووي وغيره قولا أنه عاش مائة وخمسة وسبعين
54695 9 - 5 - إسماعيل قال الجواليقي ويقال بالنون آخره
5470 - قال النووي وغيره هو أكبر ولد إبراهيم
54716 1 - 6 - إسحاق ولد بعد إسماعيل بأربع عشرة سنة وعاش مائة وثمانين سنة
وذكر أبو علي بن مسكويه في كتاب نديم الفريد أن معنى إسحاق بالعبرانية الضحاك

547272 - 7 - يعقوب عاش مائة وسبعا وأربعين سنة
54738 3 - 8 - يوسف في صحيح ابن حبان من حديث أبي هريرة مرفوعا إن الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم
5474 - وفي المستدرك عن الحسن أن يوسف ألقي في الجب وهو ابن اثنتي عشرة سنة ولقي أباه بعد الثمانين وتوفي وله مائة وعشرون
5475 - وفي الصحيح أنه أعطى شطر الحسن
قال بعضهم وهو مرسل لقوله تعالى ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات
وقيل ليس هو يوسف بن يعقوب بل يوسف بن إبراهيم بن يوسف بن يعقوب
ويشبه هذا ما في العجائب للكرماني في قوله ويرث من آل يعقوب أن الجمهور على أنه يعقوب بن ماثان وأن امرأة زكريا كانت أخت مريم بنت عمران بن ماثان قال والقول بأنه يعقوب بن إسحاق ابن إبراهيم غريب
انتهى
وما ذكر أنه غريب هو المشهور والغريب الأول ونظيره في الغرابة قول نوف البكاكي إن موسى المذكور في سورة الكهف في قصة الخضر ليس هو موسى بني إسرائيل بل موسى بن منشى بن يوسف وقيل ابن إفرائيم بن يوسف وقد كذبه ابن عباس في ذلك
وأشد من ذلك غرابة ما حكاه النقاش والماوردي أن يوسف المذكور في سورة غافر من الجن بعثه الله رسولا إليهم وما حكاه ابن عسكر أن عمران المذكور في آل عمران هو والد موسى لا والد مريم
وفي يوسف ست لغات بتثليث السين مع الياء والهمزة وبتركه والصواب أنه أعجمي لا اشتقاق له
54769 6 - 9 - لوط قال ابن إسحاق هو لوط بن هاران بن آزر
وفي المستدرك عن ابن عباس قال لوط ابن أخي إبراهيم
547710 10 - هود قال كعب كان أشبه الناس بآدم وقال ابن مسعود كان رجلا جلدا أخرجهما في المستدرك
5478 - وقال ابن هشام اسمه عابر بن أرفخشذ بن سام بن نوح

5479 - وقال غيره الراجح في نسبه أنه هود بن عبد الله بن رباح بن حاوذ بن عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح
548011 11 - صالح قال وهب هو ابن عبيد بن حاير بن ثمود بن حاير بن سام بن نوح بعث إلى قومه حين راهق الحلم وكان رجلا أحمر إلى البياض سبط الشعر فلبث فيهم أربعين عاما
5481 - وقال نوف الشامي صالح من العرب لما أهلك الله عادا عمرت ثمود بعدها فبعث الله إليهم صالحا غلاما شابا فدعاهم إلى الله حتى شمط وكبر ولم يكن بين نوح وإبراهيم نبي إلا هود وصالح أخرجهما في المستدرك
5482 - وقال ابن حجر وغيره القرآن يدل على أن ثمودا كان بعد عاد كما كان عاد بعد قوم نوح
5483 - وقال الثعلبي ونقله عن النووي في تهذيبه ومن خطه نقلت هو صالح بن عبيد بن أسيف بن ماشج بن عبيد بن حاذر بن ثمود بن عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح بعثه الله إلى قومه وهو شاب وكانوا عربا منازلهم بين الحجاز والشام فأقام فيهم عشرين سنة ومات بمكة وهو ابن ثمان وخمسين سنة
548412 12 - شعيب قال ابن إسحاق هو ابن ميكاييل كذا بخط الذهبي في اختصار المستدرك
وقال غيره ابن ملكاين وقيل ابن ميكيل بن يشجن بن لاوى بن يعقوب
ورأيت بخط النووي في تهذيبه ابن ميكيل بن يشجن بن مدين بن إبراهيم الخليل كان يقال له خطيب الأنبياء وبعث رسولا إلى أمتين مدين وأصحاب الأيكة وكان كثير الصلاة وعمي في آخر عمره
واختار جماعة أن مدين وأصحاب الأيكة أمة واحدة
5485 - قال ابن كثير ويدل لذلك أن كلا منهما وعظ بوفاء المكيال والميزان فدل على أنهما واحد
واحتج الأول بما أخرجه عن السدي وعكرمة قالا ما بعث الله نبيا مرتين إلا شعيبا مرة إلى مدين فأخذهم الله بالصيحة ومرة إلى أصحاب الأيكة فأخذهم الله بعذاب يوم الظلة
5486 - وأخرج ابن عساكر في تاريخه من حديث عبد الله بن عمرو

مرفوعا أن قوم مدين وأصحاب الأيكة أمتان بعث الله إليهما شعيبا
قال ابن كثير وهو غريب وفي رفعه نظر قال ومنهم من زعم أنه بعث إلى ثلاث أمم والثالثة أصحاب الرس
548713 13 - موسى هو ابن عمران يصهر بن قاهث بن لاوي بن يعقوب عليه السلام لاخلاف في نسبه وهو اسم سرياني
5488 - وأخرج أبو الشيخ من طريق عكرمة عن ابن عباس قال إنما سمى موسى لأنه ألقي بين شجر وماء فالماء بالقبطية مو والشجر سا
5489 - وفي الصحيح وصفه أنه آدم طوال جعد كأنه من رجال شنوءة
5490 - قال الثعلبي عاش مائة وعشرين سنة
549114 14 - هارون أخوه شقيقه وقيل لأمه فقط وقيل لأبيه فقط حكاهما الكرماني في عجائبه
كان أطول منه فصيحا جدا مات قبل موسى وكان ولد قبله بسنة
5492 - وفي بعض أحاديث الإسراء
صعدت إلى السماء الخامسة فإذا أنا بهارون ونصف لحيته بيضاء ونصفها أسود تكاد لحيته تضرب سرته من طولها فقلت يا جبريل من هذا قال المحبب في قومه هارون بن عمران
5493 - وذكر ابن مسكويه أن معنى هارون بالعبرانية المحبب
549415 15 - داود هو ابن إيشى بكسر الهمزة وسكون التحتية وبالشين المعجمة بن عوبد بوزن جعفر بمهملة وموحدة بن باعر بموحدة ومهملة مفتوحة بن سلمون بن يخشون بن عمى بن يارب بتحتيه وآخره موحدة بن رام بن حضرون بمهملة ثم معجمة بن فارص بفاء وآخره مهملة بن يهوذ بن يعقوب
5495 - في الترمذي أنه كان أعبد البشر قال كعب كان أحمر الوجه سبط الرأس أبيض الجسم طويل اللحية فيها جعودة حسن الصوت والخلق وجمع له النبوة والملك
5496 - قال النووي قال أهل التاريخ عاش مائة سنة مدة ملكه منها أربعون سنة وكان له اثنا عشر ابنا

54971616 - سليمان ولده قال كعب كان أبيض جسيما وسيما وضيئا جميلا خاشعا متواضعا وكان أبوه يشاوره في كثير من أموره مع صغر سنة لوفور عقله وعلمه
5498 - وأخرج ابن جبير عن ابن عباس قال ملك الأرض مؤمنان سليمان وذو القرنين وكافران نمروذ وبخت نصر
5499 - قال أهل التاريخ ملك وهو ابن ثلاث عشرة سنة وابتدأ بناء بيت المقدس بعد ملكه بأربع سنين ومات وله ثلاث وخمسون سنة
550017 17 - أيوب قال ابن إسحاق الصحيح أنه كان من بني إسرائيل ولم يصح في نسبه شيء إلا أن اسم أبيه أبيض
5501 - وقال ابن جرير هو أيوب بن موص بن روح بن عيص بن إسحاق
5502 - وحكى ابن عساكر أن أمه بنت لوط وأن أباه ممن آمن بإبراهيم وعلى هذا فكان قبل موسى
5503 - وقال ابن جرير كان بعد شعيب
5504 - وقال ابن أبي خيثمة كان بعد سليمان ابتلي وهو ابن سبعين وكانت مدة بلائه سبع سنين وقيل ثلاث عشرة وقيل ثلاث سنين
5505 - وروى الطبراني أن مدة عمره كانت ثلاثا وتسعين سنة
550618 18 - ذو الكفل قيل هو ابن أيوب
في المستدرك عن وهب أن الله بعث بعد أيوب ابنه بشر بن أيوب نبيا
وسماه ذا الكفل وأمره بالدعاء إلى توحيده وكان مقيما بالشام عمره حتى مات وعمره خمس وسبعون سنة
5507 - وفي العجائب للكرماني قيل هو إلياس وقيل هو يوشع بن نون وقيل هو نبي اسمه ذو الكفل
وقيل كان رجلا صالحا تكفل بأمور فوفى بها وقيل هو زكريا من قوله وكفلها زكريا
انتهى
5508 - وقال ابن عسكر قيل هو نبي تكفل الله له في عمله بضعف عمل غيره من الأنبياء

وقيل لم يكن نبيا وإن اليسع استخلفه فتكفل له أن يصوم النهار ويقوم الليل وقيل أن يصلي كل يوم مائة ركعة وقيل هو اليسع وإن له اسمين
550919 19 - يونس هو ابن متى بفتح الميم وتشديد التاء الفوقية مقصور ووقع في تفسير عبد الرازق أنه اسم أمه
5510 - قال ابن حجر وهو مردود بما في حديث ابن عباس في الصحيح ونسبه إلى أبيه
قال فهذا أصح قال ولم أقف في شيء من الأخبار على اتصال نسبه وقد قيل إنه كان في زمن ملوك الطوائف من الفرس
روى ابن أبي حاتم عن أبي مالك أنه لبث في بطن الحوت أربعين يوما وعن جعفر الصادق سبعة أيام وعن قتادة ثلاثة وعن الشعبي قال التقمه ضحى ولفظه عشية
5511 - وفي يونس ست لغات تثليث النون مع الواو والهمزة والقراءة المشهورة بضم النون مع الياء قال أبو حيان وقرأ طلحة ابن مصرف بكسر يونس ويوسف أراد أن يجعلهما عربيين مشتقين من أنس و أسف وهو شاذ
551220 20 - إلياس قال ابن إسحاق في المبتدأ هو ابن ياسين بن فنحاص بن العيزار بن هارون أخي موسى بن عمران
5513 - وقال ابن عسكر حكى القتبي أنه من سبط يوشع
5514 - وقال وهب إنه عمر كما عمر الخضر وإنه يبقى إلى آخر الدنيا
5515 - وعن ابن مسعود أن إلياس هو إدريس وسيأتي قريبا وإلياس بهزة قطع اسم عبراني وقد زيد في آخره ياء ونون في قوله تعالى سلام على إلياسين كما قالوا في إدريس إدراسين ومن قرأ آل يس فقيل المراد آل محمد
551621 21 - اليسع قال ابن جبير هو ابن أخطوب بن العجوز قال والعامة تقرؤه بلام واحدة مخففة وقرأ بعضهم والليسع بلامين وبالتشديد

فعلى هذا هو عجمي وكذا على الأولى وقيل عربي منقول من الفعل من وسع يسع
551722 22 - زكريا كان من ذرية سليمان بن داود وقتل بعد قتل ولده وكان له يوم بشر بولده اثنتان وتسعون سنة وقيل تسع وتسعون وقيل مائة وعشرون
وزكريا اسم أعجمي وفيه خمس لغات أشهرها المد والثانية القصر وقرئ بهما في السبع وزكريا بتشديد الياء وتخفيفها وزكر كقلم
551823 23 - يحيى ولده أول من سمي يحيى بنص القرآن ولد قبل عيسى بستة أشهر ونبئ صغيرا وقتل ظلما وسلط الله على قاتليه بخت نصر وجيوشه
ويحيى اسم عجمي وقيل عربي
قال الواحدي وعلى القولين لا ينصرف
قال الكرماني وعلى الثاني إنما سمى به لأنه أحياه الله بالإيمان وقيل لأنه حي به رحم أمه وقيل لأنه استشهد والشهداء أحياء وقيل معناه يموت كالمفازة للمهلكة والسليم للديغ
551924 24 - عيس بن مريم بنت عمران خلقه الله بلا أب وكانت مدة حمله ساعة وقيل ثلاث ساعات وقيل ستة أشهر وقيل ثمانية أشهر وقيل تسعة ولها عشر سنين وقيل خمسة عشرة ورفع وله ثلاث وثلاثون سنة وفي أحاديث أنه ينزل ويقتل الدجال ويتزوج ويولد له ويحج ويمكث في الأرض سبع سنين ويدفن عند النبي وفي الصحيح أنه ربعة أحمر كأنما خرج من ديماس يعني حماما
وعيسى اسم عبراني أو سرياني
1 -
فائدة 5520 - أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال لم يكن من الأنبياء من له اسمان إلا عيسى ومحمد
552125 25 - محمد سمى بأسماء كثيرة منها محمد وأحمد
2 - فائدة
5522 - أخرج ابن أبي حاتم عن عمرو بن مرة قال خمسة سموا قبل أن

يكونوا محمد ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد ويحيى إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى وعيسى مصدقا بكلمة من الله وإسحاق ويعقوب فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب
5523 - قال الراغب وخص لفظ أحمد فيما بشر به عيسى تنبيها على أنه أحمد منه ومن الذين قبله
أسماء الملائكة وفيه من أسماء الملائكة
55241 4 - 1 - 2 - جبريل وميكائيل وفيهما لغات جبريل بكسر الجيم والراء بلا همز وجبريل بفتح الجيم وكسر الراء بلا همز وجبرائيل بهمزة بعد الألف وجبراييل بياءين بلا همز وجبرئيل بهمزة وياء بلا ألف وجبرئل مشددة اللام وقرئ بها
5525 - قال ابن جني وأصله كوريال فغير بالتعريب وطول الاستعمال إلى ما ترى وقرئ ميكاييل بلا همز وميكئل وميكال
5526 - أخرج ابن جرير من طريق عكرمة عن ابن عباس قال جبريل عبد الله وميكاييل عبيد الله وكل اسم فيه إيل فهو معبد لله
5527 - وأخرج عن عبد الله بن الحارث قال إيل الله بالعبرانية
5528 - وأخرج ابن ابي حاتم عن عبد العزيز بن عمير قال اسم جبريل في الملائكة خادم الله
فائدة 5529 - قرأ أبو حيوة فأرسلنا إليها روحنا بالتشديد وفسره ابن مهران بأنه اسم لجبريل حكاه الكرماني في عجائبه
55303 0 - 3 - 4 - وهاروت وماروت أخرج ابن أبي حاتم عن علي قال هاروت وماروت ملكان من ملائكة السماء وقد أفردت في قصتهما جزءا
55315 1 - 5 - الرعد ففي الترمذي من حديث ابن عباس أن اليهود قالوا للنبي أخبرنا عن الرعد فقال ملك من الملائكة موكل بالسحاب

5532 - وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة قال الرعد ملك يسبح
5533 - وأخرج عن مجاهد إنه سئل عن الرعد فقال هو ملك يسمى الرعد ألم تر أن الله يقول ويسبح الرعد بحمده
55346 4 - 6 - والبرق فقد أخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن مسلم قال بلغنا أن البرق ملك له أربعة وجوه وجه إنسان ووجه ثور ووجه نسر ووجه أسد فإذا مصع بذنبه فذلك البرق
55357 5 - 7 - ومالك خازن النار
55368 6 - 8 - والسجل أخرج ابن أبي حاتم عن أبي جعفر الباقر قال السجل ملك وكان هاروت وماروت من أعوانه
5537 - وأخرج عن ابن عمر قال السجل ملك وأخرج عن السدي قال ملك موكل بالصحف
55389 8 - 9 - وقعيد فقد ذكر مجاهد أنه اسم كاتب السيئات أخرجه أبو نعيم في الحلية
فهؤلاء تسعة
553910 10 - وأخرج ابن أبي حاتم من طرق مرفوعة وموقوفة ومقطوعة أن ذا القرنين ملك من الملائكة فإن صح أكمل العشرة
554011 11 - وأخرج ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى يوم يقوم الروح قال ملك من أعظم الملائكة خلقا فصاروا أحد عشر
554112 12 - ثم رأيت الراغب قال في مفرداته في قوله تعالى هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين قيل إنه ملك يسكن قلب المؤمن ويؤمنه كما روى أن السكينة تنطق على لسان عمر
أسماء الصحابة 5542 - وفيه من أسماء الصحابة زيد بن حارثة

5543 - والسجل في قول من قال إنه كاتب النبي أخرجه أبو داود والنسائي من طريق أبي الجوزاء عن ابن عباس
أسماء المتقدمين من غير الأنبياء والرسل وفيه من أسماء المتقدمين غير الأنبياء والرسل
5544 - عمران أبو مريم وقيل أبو موسى أيضا وأخوها هارون وليس بأخي موسى كما في حديث أخرجه مسلم وسيأتي آخر الكتاب
5545 - وعزيز وتبع وكان رجلا صالحا كما أخرج الحاكم وقيل نبي حكاه الكرماني في عجائبه
5546 - ولقمان وقد قيل إنه كان نبيا والأكثر على خلافه وأخرج ابن أبي حاتم وغيره من طريق عكرمة عن ابن عباس قال كان لقمان عبدا حبشيا نجارا
5547 - ويوسف الذي في سورة غافر
5548 - ويعقوب في أول سورة مريم على ما تقدم
5549 - وتقي في قوله فيها إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا
قيل إنه اسم رجل كان من أمثل الناس أي إن كنت في الصلاح مثل تقي حكاه الثعلبي
وقيل اسم رجل كان يتعرض للنساء وقيل إنه ابن عمها أتاها جبريل في صورته حكاهما الكرماني في عجائبه
أسماء النساء 5550 - وفيه من أسماء النساء مريم لا غير لنكتة تقدمت في نوع الكناية ومعنى مريم بالعبرية الخادم
وقيل المرأة التي تغازل الفتيان حكاهما الكرماني
5551 - وقيل إن بعلا في قوله أتدعون بعلا اسم امرأة كانوا يعبدونها حكاه ابن عسكر


أسماء الكفار وفيه من أسماء الكفار
5552 - قارون وهو ابن يصهر ابن عم موسى كما أخرجه ابن أبي حاتم عن ابن عباس
وجالوت وهامان وبشرى الذي ناداه الوارد المذكور في سورة يوسف بقوله يا بشرى في قول السدي أخرجه ابن أبي حاتم
وآزر أبو إبراهيم وقيل اسمه تارح وآزر لقب أخرج ابن أبي حاتم من طريق الضحاك عن ابن عباس قال إن أبا إبراهيم لم يكن اسمه آزر إنما كان اسمه تارح
وأخرج من طريق عكرمة عن ابن عباس قال معنى آزر الصنم
وأخرج عن مجاهد قال ليس أزر أبا إبراهيم
ومنها النسيء أخرج ابن أبي حاتم عن أبي وائل قال كان رجل يسمى النسئ من بني كنانة كان يجعل المحرم صفرا يستحل به الغنائم
أسماء الجن وفيه من أسماء الجن
5553 - أبوهم إبليس وكان إسمه أولا عزازيل أخرج ابن أبي حاتم وغيره من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس قال كان إبليس اسمه عزازيل
5554 - وأخرج ابن جرير عن السدي قال كان اسم إبليس الحارث قال بعضهم هو معنى عزازيل
5555 - وأخرج ابن جرير وغيره من طريق الضحاك عن ابن عباس قال إنما سمى إبليس لأن الله أبلسه من الخير كله آيسه منه
5556 - وقال ابن عسكر قيل في اسمه قترة حكاه الخطابي
وكنيته أبو كردوس وقيل أبو قترة وقيل أبو مرة وقيل أبو لبينى حكاه السهيلي في الروض الأنف


أسماء القبائل 5557 - وفيه من أسماء القبائل يأجوج ومأجوج وعاد وثمود ومدين وقريش والروم
أسماء الأقوام بالإضافة 5558 - وفيه من الأقوام بالإضافة قوم نوح وقوم لوط وقوم تبع وقوم إبراهيم وأصحاب الأيكة وقيل هم مدين وأصحاب الرس وهم بقية من ثمود قاله ابن عباس
وقال عكرمة هم أصحاب ياسين وقال قتادة هم قوم شعيب وقيل هم أصحاب الأخدود واختاره ابن جرير
أسماء الأصنام 5559 - وفيه من أسماء الأصنام التي كانت أسماء لأناس ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر وهي أصنام قوم نوح واللآت والعزى ومناة وهي أصنام قريش وكذا الرجز فيمن قرأه بضم الراء ذكر الأخفش في كتاب الواحد والجمع أنه اسم صنم
5560 - والجبت والطاغوت قال ابن جرير ذهب بعضهم إلى أنهما صنمان كان المشركون يعبدونهما ثم أخرج عن عكرمة قال الجبت والطاغوت صنمان
5561 - والرشاد في قوله في سورة غافر وما أهديكم إلا سبيل الرشاد قيل هو اسم صنم من أصنام فرعون حكاه الكرماني في عجائبه
5562 - وبعل وهو صنم قوم إلياس
5563 - وآزر على أنه اسم صنم
5564 - روى البخاري عن ابن عباس ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر أسماء رجال صالحين من قوم نوح فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصابا وسموها بأسمائهم ففعلوا فلم تعبد حتى إذا هلك أولئك وتنسخ العلم عبدت
5565 - وأخرج ابن أبي حاتم عن عروة أنهم أولاد آدم لصلبه

5566 - وأخرج البخاري عن ابن عباس قال كان اللات رجلا يلت سويق الحاج وحكاه ابن جنى عنه أنه قرأ اللات بتشديد التاء وفسره بذلك وكذا أخرجه ابن أبي حاتم عن مجاهد
أسماء البلاد والأمكنة وفيه من أسماء البلاد والبقاع والأمكنة والجبال
5567 - بكة إسم لمكة فقيل الباء بدل من الميم ومأخذه من تمككت العظم أي اجتذبت ما فيه من المخ وتمكك الفصيل ما في ضرع الناقة فكأنها تجتذب إلى نفسها ما في البلاد من الأقوات
وقيل لأنها تمك الذنوب أي تذهبها وقيل لقلة مائها
وقيل لأنها في بطن واد تمكك الماء من جبالها عند نزول المطر وتنجذب إليها السيول
وقيل الباء أصل ومأخذه من البك لأنها تبك أعناق الجبابرة أي تكسرهم فيذلون لها ويخضعون وقيل من التباك وهو الازدحام لازدحام الناس فيها في الطواف وقيل مكة الحرم وبكة المسجد خاصة وقيل مكة البلد وبكة البيت وموضع الطواف وقيل البيت خاصة
5568 - والمدينة سميت في الأحزاب بيثرب حكاية عن المنافقين وكان اسمها في الجاهلية فقيل لأنه إسم أرض في ناحيتها وقيل سميت بيثرب بن وائل من بني إرم بن سام بن نوح لأنه أول من نزلها وقد صح النهى عن تسميتها به لأنه كان يكره الاسم الخبيث وهو يشعر بالثرب وهو الفساد أو التثريب وهو التوبيخ
5569 - وبدر وهي قرية قرب المدينة أخرج ابن جرير عن الشعبي قال كانت بدر لرجل من جهينة يسمى بدرا فسميت به
قال الواقدي فذكرت ذلك لعبد الله بن جعفر ومحمد بن صالح فأنكراه وقالا لأي شيء سميت الصفراء ورابغ هذا ليس بشيء إنما هو اسم الموضع
وأخرج عن الضحاك قال بدر ما بين مكة والمدينة
5570 - وأحد قرئ شاذا إذ تصعدون ولا تلوون على أحد
5571 - وحنين وهي قرية قرب الطائف

5572 - وجمع وهي مزدلفة
5573 - والمشعر الحرام وهو جبل بها
5574 - ونقع قيل هو اسم لما بين عرفات إلى مزدلفة حكاه الكرماني
5575 - ومصر وبابل وهي بلد بسواد العراق
5576 - والأيكة وليكة بفتح اللام بلد قوم شعيب والثاني اسم البلدة والأول اسم الكورة
5577 - والحجر منازل ثمود ناحية الشام عند وادي القرى
5578 - والأحقاف وهي جبال الرمل بين عمان وحضرموت وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس أنها جبل بالشام
5579 - وطور سيناء وهو الجبل الذي نودي منه موسى
5580 - والجودي وهو جبل بالجزيرة
5581 - وطوى اسم الوادي كما أخرجه ابن أبي حاتم عن ابن عباس وأخرج من وجه آخر عنه أنه سمى طوى لأن موسى طواه ليلا وأخرج عن الحسن قال هو واد بفلسطين قيل له طوى لأنه قدس مرتين وأخرج عن مبشر بن عبيد قال هو واد بأيلة طوي بالبركة مرتين
5582 - والكهف وهو البيت المنقور في الجبل
5583 - والرقيم أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال زعم كعب ان الرقيم القرية التي خرجوا منها وعن عطية قال الرقيم واد وعن سعيد بن جبير مثله وأخرج من طريق العوفي عن ابن عباس قال الرقيم واد بين عقبان وأيلة دون فلسطين وعن قتادة قال الرقيم اسم الوادي الذي فيه الكهف وعن أنس بن مالك قال الرقيم الكلب
5584 - والعرم أخرج ابن أبي حاتم عن عطاء قال العرم اسم الوادي
5585 - وحرد قال السدي بلغنا أن اسم القرية حرد أخرجه ابن أبي حاتم
5586 - والصريم أخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير أنها أرض باليمن تسمى بذلك

5587 - وق وهو جبل محيط بالأرض
5588 - والجرز هم اسم أرض
5589 - والطاغية قيل اسم البقعة التي أهلكت بها ثمود حكاهما الكرماني
أسماء الأماكن الأخروية وفيها من أسماء الأماكن الأخروية
5590 - الفردوس وهو أعلى مكان في الجنة
5591 - وعليون قيل أعلى مكان في الجنة وقيل اسم لما دون فيه أعمال صلحاء الثقلين
5592 - والكوثر نهر في الجنة كما في الأحاديث المتواترة
5593 - وسلسبيل وتسنيم عينان في الجنة
5594 - وسجين اسم لمكان أرواح الكفار
5595 - وصعود جبل في جهنم كما أخرجه الترمذي من حديث أبي سعيد مرفوعا
5596 - وغي وأثام وموبق والسعير وويل وسائل وسحق أودية في جهنم أخرج ابن أبي حاتم عن أنس بن مالك في قوله وجعلنا بينهم موبقا قال واد في جهنم من قيح
5597 - وأخرج عن عكرمة في قوله موبقا قال هو نهر في النار
وأخرج الحاكم في مستدركه عن ابن مسعود في قوله فسوف يلقون غيا قال واد في جهنم وأخرج الترمذي وغيره من حديث أبي سعيد الخدري عن رسول الله قال ويل واد في جهنم يهوي فيه الكافر أربعين خريفا قبل أن يبلغ قعره
وأخرج ابن المنذر عن ابن مسعود قال ويل واد في جهنم من قيح
وأخرج ابن أبي حاتم عن كعب قال في النار أربعة أودية يعذب الله بها أهلها غليظ وموبق وأثام وغي

5598 - وأخرج عن سعيد بن جبير قال السعير واد من قيح في جهنم وسحق واد في جهنم
5599 - وأخرج عن أبي زيد في قوله سأل سائل هو واد من أودية جهنم يقال له سائل
5600 - والفلق جب في جهنم في حديث مرفوع أخرجه ابن جرير
5601 - ويحموم دخان أسود أخرجه الحاكم عن ابن عباس
5602 - وفيه من المنسوب إلى الأماكن ألأمي قيل نسبة إلى أم القرى مكة
5603 - وعبقري قيل إنه منسوب إلى عبقر موضع للجن ينسب إليه كل نادر
5604 - والسامري قيل منسوب إلى أرض يقال لها سامرون وقيل سامرة
5605 - والعربي قيل منسوب إلى عربة وهي باحة دار إسماعيل عليه السلام أنشد فيها
وعربة أرض ما يحل حرامها ... من الناس إلا اللوذعي الحلاحل
يعني النبي
أسماء الكواكب 5606 - وفيه من أسماء الكواكب الشمس والقمر والطارق والشعري
فائدة
في أسماء الطير 5607 - قال بعضهم سمى الله في القرآن عشرة أجناس من الطير السلوى والبعوض والذباب والنحل والعنكبوت والجراد والهدهد والغراب وأبابيل والنمل فإنه من الطير لقوله في سليمان علمنا منطق الطير وقد فهم كلامها
وأخرج ابن أبي حاتم عن الشعبي قال النملة التي فقه سليمان كلامها كانت ذات جناحين


فصل
في الكنى والألقاب في القرآن 5608 - أما الكنى فليس في القرآن منها غير أبي لهب واسمه عبد العزى ولذلك لم يذكر باسمه لأنه حرام شرعا وقيل للإشارة إلى أنه جهنمي
5609 - وأما الألقاب فمنها إسرائيل لقب يعقوب ومعناه عبد الله وقيل صفوة الله وقيل سرى الله لأنه أسرى لما هاجر
أخرج ابن جرير من طريق عمير عن ابن عباس أن إسرائيل كقولك عبد الله
5610 - وأخرج عبد الرحمن بن حميد في تفسيره عن أبي مجلز قال كان يعقوب رجلا بطيشا فلقى ملكا فعالجه فصرعه الملك فضرب على فخذيه فلما رأى يعقوب ما صنع به بطش به فقال ما أنا بتاركك حتى تسميني اسما فسماه إسرائيل قال أبو مجلز ألا ترى أنه من أسماء الملائكة
5611 - وفيه لغات أشهرها بياء بعد الهمزة ولام وقرئ إسراييل بلا همز
قال بعضهم ولم يخاطب اليهود في القرآن إلا ب يا بني إسرائيل دون يا بني يعقوب لنكتة وهو أنهم خوطبوا بعبادة الله وذكروا بدين أسلافهم موعظة لهم وتنبيها من غفلتهم فسموا بالاسم الذي فيه تذكرة بالله تعالى فإن إسرائيل اسم مضاف إلى الله في التأويل ولما ذكر موهبته لإبراهيم وتبشيره به قال يعقوب وكان أولى من إسرائيل لأنها موهبة بمعقب آخر فناسب ذكر اسم يشعر بالتعقيب
5612 - ومنها المسيح لقب لعيسى ومعناه قيل الصديق وقيل الذي ليس لرجله أخمص وقيل الذي لا يمسح ذا عاهة إلا برئ وقيل الجميل وقيل الذي يمسح الأرض أي يقطعها وقيل غير ذلك
5613 - ومنها إلياس قيل إنه لقب إدريس أخرج ابن إبي حاتم بسند حسن عن ابن مسعود قال إلياس هو إدريس وإسرائيل هو يعقوب وفي قراءته وإن إدراس لمن المرسلين سلام على إدراسين وفي قراءة أبي وأن إيليسين سلام على إيليسين

5614 - ومنها ذو الكفل قيل إنه لقب إلياس وقيل لقب اليسع وقيل لقب يوشع وقيل لقب زكريا
5615 - ومنها نوح اسمه عبد الغفار ولقبه نوح لكثرة نوحه على نفسه في طاعة ربه كما أخرجه ابن أبي حاتم عن يزيد الرقاشي
5616 - ومنها ذو القرنين واسمه إسكندر وقيل عبد الله بن الضحاك بن سعد وقيل المنذر بن ماء السماء وقيل الصعب بن قرين بن الهمال
حكاهما ابن عسكر
ولقب ذا القرنين لأنه بلغ قرني الأرض المشرق والمغرب وقيل لأنه ملك فارس والروم وقيل كان على رأسه قرنان أي ذؤابتان وقيل كان له قرنان من ذهب وقيل كانت صفحتا رأسه من نحاس وقيل كان على رأسه قرنان صغيران تواريهما العمامة وقيل إنه ضرب على قرنه فمات ثم بعثه الله فضربوه على قرنه الآخر وقيل لأنه كان كريم الطرفين وقيل أنه انقرض في وقته قرنان من الناس وهو حي وقيل لأنه أعطي علم الظاهر وعلم الباطن وقيل لأنه دخل النور والظلمة
5617 - ومنها فرعون واسمه الوليد بن مصعب وكنيته أبو العباس وقيل أبو الوليد وقيل أبو مرة
وقيل إن فرعون لقب لكل من ملك مصر
أخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد قال كان فرعون فارسيا من أهل إصطخر
5618 - ومنها تبع قيل كان اسمه أسعد بن ملكي كرب وسمى تبعا لكثرة من تبعه
وقيل إنه لقب ملوك اليمن سمي كل واحد منهما تبعا أي يتبع صاحبه كالخليفة يخلف غيره


النوع السبعون
في المبهمات 5619 - أفرده بالتأليف السهيلي ثم ابن عساكر ثم القاضي بدر الدين بن جماعة
ولي فيه تأليف لطيف جمع فوائد الكتب المذكورة مع زوائد أخرى على صغر حجمه جدا وكان من السلف من يعتني به كثيرا
قال عكرمة طلبت الذي خرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم أدركه الموت أربع عشرة سنة
أسباب الإبهام في القرآن 5620 - وللإبهام في القرآن أسباب
أحدهما الإستغناء ببيانه مع موضع آخر كقوله صراط الذين أنعمت عليهم فإنه مبين في قوله مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين
5621 - الثاني أن يتعين لإشتهاره كقوله وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة ولم يقل حواء لأنه ليس له غيرها
ألم تر إلى الذين حاج إبراهيم في ربه والمراد نمروذ لشهرة ذلك لأنه المرسل إليه قيل وقد ذكر الله فرعون في القرآن باسمه ولم يسم نمروذ لأن فرعون

كان أذكى منه كما يؤخذ من أجوبته لموسى ونمروذ كان بليدا ولهذا قال أنا أحيي وأميت وفعل ما فعل من قتل شخص والعفو عن آخر وذلك غاية البلادة
5622 - الثالث قصد الستر عليه ليكون أبلغ في إستعطافه نحو ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا . . الآية هو الأخنس بن شريق وقد أسلم بعد وحسن إسلامه
5623 - الرابع ألا يكون في تعيينه كبير فائدة نحو أو كالذي مر على قرية واسألهم عن القرية
5624 - الخامس التنبيه على العموم وأنه غير خاص بخلاف ما لو عين نحو ومن يخرج من بيته مهاجرا
5625 - السادس تعظيمه بالوصف الكامل دون الإسم نحو ولا يأتل أولو الفضل والذي جاء بالصدق وصدق به إذ يقول لصاحبه والمراد الصديق في الكل
5626 - السابع تحقيره بالوصف الناقص نحو إن شانئك هو الأبتر
تنبيه 5627 - قال الزركشي في البرهان لا يبحث عن مبهم أخبر الله باستئثاره بعلمه كقوله وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم قال والعجب ممن تجرأ وقال إنهم قريظة أو من الجن
قلت ليس في الآية ما يدل على أن جنسهم لا يعلم وإنما المنفي علم أعيانهم ولا

ينافيه العلم بكونهم من قريظة أو من الجن وهو نظير قوله في المنافقين وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم فإن المنفي علم أعيانهم ثم القول في أولئك بأنهم بنو قريظة أخرجه ابن أبي حاتم عن مجاهد والقول بأنهم من الجن أخرجه ابن أبي حاتم من حديث عبد الله بن غريب عن أبيه مرفوعا عن النبي فلا جرأة
فصل
في ذكر آيات المبهمات 5628 - أعلم أن علم المبهمات مرجعه النقل المحض لا مجال للرأي فيه ولما كانت الكتب المؤلفة فيه وسائر التفاسير يذكر فيها أسماء المبهمات والخلاف فيها دون بيان مستند يرجع إليه أو عزو يعتمد عليه ألفت الكتاب الذي ألفته مذكورا فيه عزو كل قول إلى قائله من الصحابة والتابعين وغيرهم معزوا إلى أصحاب الكتب الذين خرجوا ذلك بأسانيدهم مبينا فيه ما صح سنده وما ضعف فجاء لذلك كتابا حافلا لا نظير له في نوعه وقد رتبته على ترتيب القرآن وأنا ألخص هنا مبهماته بأوجز عبارة تاركا العزو والتخريج غالبا إختصارا وإحالة على الكتاب المذكور وأرتبه على قسمين
5629 - القسم الأول فيما أبهم من رجل أو امرأة أو ملك أو جني أو مثنى أو مجموع عرف أسماء كلهم أو من أو الذي إذا لم يرد به العموم
5630 - قوله تعالى إني جاعل في الأرض خليفة هو آدم وزوجه حواء بالمد لأنها خلقت من حي
5631 - وإذ قتلتم نفسا إسمه عاميل
5632 - وابعث فيهم رسولا منهم هو النبي
5633 - ووصى بها إبراهيم بنيه هم إسماعيل وإسحاق ومدين وزمران وسرح ونفش ونفشان وأميم وكيسان وسورح ولوطان ونافش

5634 - والأسباط أولاد يعقوب إثنا عشر رجلا يوسف وروبيل وشمعون ولاوي ويهوذا ودان ونفتالي بفاء ومثناة وكاد ويأشير وإيشاجر وريالون وبنيامين
5635 - ومن الناس من يعجبك قوله هو الأخنس بن شريق
5636 - ومن الناس من يشري نفسه هو صهيب
5637 - إذ قالوا لنبي لهم هو شمويل وقيل شمعون وقيل يوشع
5638 - ومنهم من كلم الله قال مجاهد موسى
ورفع بعضهم درجات قال محمد
5639 - الذي حاج إبراهيم في ربه نمروذ بن كنعان
5640 - أو كالذي مر على قرية عزير وقيل أرمياء وقيل حزقيل
5641 - امرأة عمران حنة بنت فاقوذ
5642 - وامرأتي عاقر هي أشياع أو أشيع بنت فاقود
5643 - مناديا ينادي للإيمان هو محمد
5644 - إلى الطاغوت قال ابن عباس هو كعب بن الأشرف أخرجه أحمد
5645 - وإن منكم لمن ليبطئن هو عبد الله بن أبي
5646 - ولا تقولوا لمن ألقي إليكم السلام لست مؤمنا هو عامر بن الأضبط الأشجعي وقيل مرداس والقائل ذلك نفر من المسلمين منهم أبو قتادة

وملحم بن جثامة
وقيل إن الذي باشر القول محلم وقيل إنه الذي باشر قتله أيضا وقيل قتله المقداد بن الأسود وقيل أسامة بن زيد
5647 - ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت هو ضمرة بن جندب وقيل ابن العيص رجل من خزاعة وقيل أبو ضمرة بن العيص وقيل إسمه سبرة وقيل هو خالد بن حزام وهو غريب جدا
5648 - وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا هم شموع بن زكور من سبط روبيل وشوقط بن حوري من سبط شمعون وكالب بن يوفنا من سبط يهوذا وبعورك بن يوسف من سبط إيشاجر ويوشع بن نون من سبط إفراثيم بن يوسف وبلطي بن روفوا من سبط بنيامين وكرابيل بن سودي من سبط زبالون وكدي بن شاس من سبط منشأ بن يوسف وعماييل بن كسل من سبط دان وستور بن ميخائيل من سبط أشير ويوحنا بن وقوسى من سبط نفتالي وإل بن موخا من سبط كاذلوا
5649 - قال رجلان هما يوشع وكالب
5650 - نبأ ابني آدم هما قابيل وهابيل وهو المقتول
5651 - الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها بلعم ويقال بلعام بن آير ويقال باعر ويقال باعور
وقيل هو أمية بن أبي الصلت وقيل صيفي بن راهب وقيل فرعون وهو أغربها
5652 - وإني جار لكم عنى سراقة بن جعشم
5653 - فقاتلوا أئمة الكفر قال قتادة هم أبو سفيان وأبو جهل وأمية بن خلف وسهيل بن عمرو وعتبة بن ربيعة
5654 - إذ يقول لصاحبه هو أبو بكر الصديق

5655 - وفيكم سماعون لهم قال مجاهد هم عبد الله بن أبي بن سلول ورفاعة بن التابوت وأوس بن قيظي
5656 - ومنهم من يقول ائذن لي هو الجد بن قيس
5657 - ومنهم من يلمزك في الصدقات هو ذو الخويصرة
5658 - إن نعف عن طائفة منكم هو مخشي بن حمير
5659 - ومنهم من عاهد الله هو ثعلبة بن حاطب
5660 - وآخرون اعترفوا بذنوبهم قال ابن عباس هم سبعة أبو لبابة وأصحابه وقال قتادة سبعة من الأنصار أبو لبابة وجد بن قيس وخذام وأوس وكردم ومرداس
5661 - وآخرون مرجون هم هلال بن أمية ومرارة بن الربيع وكعب ابن مالك وهم الثلاثة الذين خلفوا
5662 - والذين اتخذوا مسجدا ضرارا قال ابن إسحاق إثنا عشر من الأنصار خذام بن خالد وثعلبة بن حاطب وهو من بني أمية بن زيد ومعتب بن قشير وأبو حبيبة بن الأزعر وعباد بن حنيف وجارية بن عامر وإبناه مجمع وزيد ونبتل بن الحارث وبحزج وبجاد بن عثمان ووديعة بن ثابت
5663 - لمن حارب الله ورسوله هو أبو عامر الراهب
5664 - أفمن كان على بينة من ربه وهو محمد ويتلوه شاهد منه هو جبريل وقيل هو القرآن وقيل أبو بكر وقيل علي
5665 - ونادى نوح ابنه إسمه كنعان وقيل يام
5666 - وامرأته قائمة إسمها سارة
5667 بنات لوط ريثا ورغوثا

5668 - ليوسف وأخوه بنيامين شقيقه
5669 - قال قائل منهم هو روبيل وقيل يهوذا وقيل شمعون
5670 - فأرسلوا واردهم هو مالك بن دعر
5671 - وقال الذي اشتراه هو قطيفير أو أطيفير لامرأته هي راعيل وقيل زليخا
5672 - ودخل معه السجن فتيان هو مجلث وبنوه وهو الساقي وقيل راشان ومرطش وقيل شرهم وسرهم
5673 - للذي ظن أنه ناج هو الساقي
5674 - عند ربك هو الملك ريان بن الوليد
5675 - بأخ لكم هو بنيامين وهو المتكرر في السورة
5676 - فقد سرق أخ له عنوا يوسف
5677 - قال كبيرهم هو شمعون وقيل روبيل
5678 - آوى إليه أبوية هما أبوه وخالته ليا وقيل أمه وإسمها راحيل
5679 - ومن عنده علم الكتاب هو عبد الله بن سلام وقيل جبريل
5680 - أسكنت من ذريتي هو إسماعيل
5681 - ولوالدي إسم أبيه تارح وقيل أزر وقيل يازر وإسم أمه مثاني وقيل نوفا وقيل ليوثا
5682 - إنا كفيناك المستهزئين قال سعيد بن جبير هم خمسة الوليد بن المغيرة والعاصي بن وائل وأبو زمعة والحارث بن قيس والأسود بن عبد يغوث

5683 - رجلين أحدهما أبكم هو أسيد بن أبي العيص
5684 - ومن يأمر بالعدل عثمان بن عفان
5685 - كالتي نقضت غزلها هي ريطة بنت سعيد بن زيد مناة بن تميم
5686 - إنما يعلمه بشر عنوا عبد بن الحضرمي وإسمه مقيس وقيل عبدين له يسار وجبر وقيل عنوا قينا بمكة إسمه بلعام وقيل سلمان الفارسي
5687 - أصحاب الكهف تمليخا وهو رئيسهم والقائل فأووا إلى الكهف والقائل ربكم أعلم بما لبثتم وتكسلمينا وهو القائل كم لبثتم ومرطوش وبراشق وأيونس وأريسطانس وشلططيوس
5688 - فابعثوا أحدكم بورقكم هو تمليخا
5689 - من أغفلنا قلبه هو عيينة بن حصن
5690 - واضرب لهم مثلا رجلين هما تمليخا وهو الخير وفطروس وهما المذكوران في سورة الصافات
5691 - قال موسى لفتاه هو يوشع بن نون وقيل أخوه يثربي
5692 - فوجدا عبدا هو الخضر وإسمه بليا
5693 - لقيا غلاما إسمه جيسور بالجيم وقيل بالحاء
5694 - وراءهم ملك هو هدد بن بدد
5695 - وأما الغلام فكان أبواه إسم الأب كازيرا والأم سهوى
5696 - لغلامين يتيمين هما أصرم وصريم
5697 - فناداها من تحتها قيل عيسى وقيل جبريل

5698 - ويقول الإنسان هو أبي بن خلف وقيل أمية بن خلف وقيل الوليد بن المغيرة
5699 - أفرأيت الذي كفر هو العاصي بن وائل
5700 - وقتلت نفسا هو القبطي وإسمه فاقون
5701 - السامري إسمه موسى بن ظفر
5702 - من أثر الرسول هو جبريل
5703 - ومن الناس من يجادل هو النضر بن الحارث
5704 - هذان خصمان أخرج الشيخان عن أبي ذر قال نزلت هذه الآية في حمزة وعبيدة بن الحارث وعلي بن أبي طالب وعتبة وشيبة والوليد بن عتبة
5705 - ومن يرد فيه بإلحاد قال ابن عباس نزلت في عبد الله بن أنيس
5706 - الذين جاءوا بالإفك هم حسان بن ثابت ومسطح بن أثاثة وحمنة بنت جحش وعبد الله بن أبي وهو الذي تولي كبره
5707 - ويوم يعض الظالم هو عقبة بن أبي معيط
5708 - لم أتخذ فلانا هو أمية بن خلف وقيل أبي بن خلف
5709 - وكان الكافر قال الشعبي هو أبو جهل
5710 - امرأة تملكهم هي بلقيس بنت شراحيل
5711 - فلما جاء سليمان إسم الجائي منذر
5712 - قال عفريت من الجن إسمه كوزن
5713 - الذي عنده علم هو آصف بن برخيا كاتبه وقيل رجل يقال

له ذو النور وقيل أسطوم وقيل مليخا وقيل بلخ وقيل هو ضبة أبو القبيلة وقيل جبريل وقيل ملك آخر وقيل الخضر
5714 - تسعة رهط هم رعمى ورعيم وهرمى وهريم ودأب وصواب ورأب ومسطع وقدار بن سالف عاقر الناقة
5715 - فالتقطه آل فرعون إسم الملتقط طابوث
5716 - امرأة فرعون آسية بنت مزاحم
5717 - أم موسى يحانذ بنت يصهر بن لاوى وقيل ياء وخا وقيل أباذخت
5718 - وقالت لأخته إسمها مريم وقيل كلثوم
5719 - هذا من شيعته هو السامري وهذا من عدوه إسمه فاتون
5720 - وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى هو مؤمن آل فرعون وإسمه شمعان وقيل شمعون وقيل جبر وقيل حبيب وقيل حزقيل
5721 - امرأتين تذودان هما ليا وصفوريا وهي التي نكحها وأبوهما شعيب وقيل يثرون ابن أخي شعيب
5722 - وإذ قال لقمان لابنه إسمه باران بالموحدة وقيل داران وقيل أنعم وقيل مشكم
ملك الموت اشتهر على الألسنة أن اسمه عزرائيل ورواه أبو الشيخ بن حبان عن وهب
5723 - أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا نزلت في علي بن أبي طالب والوليد بن عقبة
5724 - ويستأذن فريق منهم النبي قال السدي هما رجلان من بني حارثة أبو عرابة بن أوس وأوس بن قيظي
5725 - قل لأزواجك وبناتك قال عكرمة كانت تحته يومئذ تسع

نسوة عائشة وحفصة وأم حبيبة وسودة وأم سلمة وصفية وميمونة وزينب بنت جحش وجويرية
وبناته فاطمة وزينب ورقية وأم كلثوم
5726 - أهل البيت قال هم علي وفاطمة والحسن والحسين
5727 - للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه هو زيد بن حارثة أمسك عليك زوجك هي زينب بنت جحش
5728 - وحملها الإنسان قال ابن عباس هو آدم
5729 - إذ أرسلنا إليهم اثنين هما شمعون ويوحنا والثالث بولس وقيل هم صادق وصدوق وشلوم
5730 - وجاء من أقصى المدينة رجل هو حبيب النجار
5731 - أو لم ير الإنسان هو العاص بن وائل وقيل أبي بن خلف وقيل أمية بن خلف
5732 - فبشرناه بغلام هو إسماعيل أو إسحاق قولان شهيران
5733 - نبأ الخصم هما ملكان قيل إنهما جبريل وميكائيل
5734 - جسدا هو شيطان يقال له أسيد وقيل صخر وقيل حبقيق
5735 - مسني الشيطان قال نوف الشيطان الذي مسه يقال له مسعط
5736 - والذي جاء بالصدق محمد وقيل جبريل وصدق به محمد وقيل أبو بكر
5737 - اللذين أضلانا إبليس وقابيل
5738 - رجل من القريتين عنوا الوليد بن المغيرة من مكة ومسعود بن عمرو الثقفي وقيل عروة بن مسعود من الطائف

5739 - ولما ضرب ابن مريم مثلا الضارب له عبد الله بن الزبعرى
5740 - طعام الأثيم قال ابن جبير هو أبو جهل
5741 - وشهد شاهد من بني إسرائيل هو عبد الله بن سلام
5742 - أولوا العزم من الرسل أصح الأقوال أنهم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد
5743 - ينادي المناد هو إسرافيل
5744 - ضيف إبراهيم المكرمين قال عثمان بن محصن كانوا أربعة من الملائكة جبريل وميكائيل وإسرافيل ورفائيل
5745 - وبشروه بغلام قال الكرماني أجمع المفسرون على أنه إسحاق إلا مجاهدا فإنه قال هو إسماعيل
5746 - شديد القوى جبريل
5747 - أفرأيت الذي تولى هو العاصي بن وائل وقيل الوليد بن المغيرة
5748 - يدع الداع هو إسرافيل
5749 - قول التي تجادلك هي خولة بنت ثعلبة في زوجها هو أوس بن الصامت
5750 - لم تحرم ما أحل الله لك هي سريته مارية
5751 - أسر النبي إلى بعض أزواجه هي حفصة نبأت به أخبرت عائشة
5752 - إن تتوبا وإن تظاهرا هما عائشة وحفصة وصالح المؤمنين هما أبو بكر وعمر أخرجه الطبراني في الأوسط

5753 - امرأة نوح والعة وامرأة لوط والهة وقيل واعلة
5754 - ولا تطع كل حلاف نزلت في الأسود بن عبد يغوث وقيل الأخنس بن شريق وقيل الوليد بن المغيرة
5755 - سأل سائل هو النضر بن الحارث
5756 - رب اغفر لي ولوالدي إسم أبيه لمك بن متوشلخ وإسم أمه شمخا بنت أنوش
5757 - سفيهنا هو إبليس
5758 - ذرني ومن خلقت وحيدا هو الوليد بن المغيرة
5759 - فلا صدق ولا صلى . . الآيات نزلت في أبي جهل
5760 - هل أتى على الإنسان هو آدم
5761 - ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابا قيل هو إبليس
5762 - أن جاءه الأعمى هو عبد الله بن أم مكتوم
5763 - أما من استغنى هو أمية بن خلف وقيل هو عتبة بن ربيعة
5764 - لقول رسول كريم قيل جبريل وقيل محمد
5765 - وأما الإنسان إذا ما ابتلاه . . الآيات نزلت في أمية بن خلف
5766 - ووالد هو آدم
5767 - فقال لهم رسول الله هو صالح
5768 - الأشقى هو أمية بن خلف
5769 الأتقى هو أبو بكر الصديق

5770 - الذي ينهى عبدا هو أبو جهل والعبد هو النبي
5771 - إن شانئك هو العاصي بن وائل وقيل أبو جهل وقيل عقبة بن أبي معيط وقيل أبو لهب وقيل كعب بن الأشرف
5772 - امرأته امرأة أبي لهب أم جميل العوراء بنت حرب بن أمية
القسم الثاني في مبهمات الجموع الذين عرفت أسماء بعضهم 5773 - وقال الذين لا يعلمون لولا يكلمنا الله سمي منهم رافع بن حرملة
5774 - سيقول السفهاء سمي منهم رفاعة بن قيس وقردم بن عمر وكعب بن الأشرف ورافع بن حرملة والحجاج بن عمرو والربيع بن أبي الحقيق
5775 - وإذا قيل لهم اتبعوا . . الآية سمي منهم رافع ومالك بن عوف
5776 - يسألونك عن الأهلة سمي منهم معاذ بن جبل وثعلبة بن غنم
5777 - يسألونك ماذا ينفقون سمي منهم عمرو بن الجموح
5778 - يسألونك عن الخمر سمي منهم عمر ومعاذ وحمزة
5779 - ويسألونك عن اليتامى سمي منهم عبد الله بن رواحة
5780 - ويسألونك عن المحيض سمي منهم ثابت بن الدحداح وعباد بن بشر وأسيد بن الحضير مصغر
5781 - ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب سمي منهم النعمان بن عمرو والحارث بن زيد
5782 - الحواريون سمي منهم فطرس ويعقوبس ويحنس وأندرايس

وفيلس ودرنايوطا وسرجس وهو الذي ألقى عليه شبهة
5783 - وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا . . هم إثنا عشر من اليهود سمي منهم عبد الله بن الصيف وعدي بن زيد والحارث بن عمرو
5784 - كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم قال عكرمة نزلت في إثنى عشر رجلا منهم أبو عامر الراهب والحارث بن سويد بن الصامت ووحوح ابن الأسلت زاد ابن عسكر وطعيمة بن أبيرق
5785 - يقولون هل لنا من الأمر من شيء سمي من القائلين عبد الله بن أبي
5786 - يقولون لو كان من الأمر شيء ما قتلنا ها هنا سمي من القائلين عبد الله بن أبي ومعتب بن قشير
5787 - وقيل لهم تعالوا قاتلوا القائل ذلك عبد الله والد جابر بن عبد الله الأنصاري والمقول لهم عبد الله بن أبي وأصحابه
5788 - الذين استجابوا لله هم سبعون منهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي والزبير وسعد وطلحة وابن عوف وابن مسعود وحذيفة بن اليمان وأبو عبيدة بن الجراح
5789 - الذين قال لهم الناس سمي من القائلين نعيم بن مسعود الأشجعي
5790 - الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء قال ذلك فنحاص وقيل حيي بن أخطب وقيل كعب بن الأشرف
5791 - وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله نزلت في النجاشي وقيل في عبد الله بن سلام وأصحابه
5792 - وبث منهما رجالا كثيرا ونساء قال ابن إسحاق أولاد آدم لصلبه

أربعون في عشرين بطنا كل بطن ذكر وأنثى وسمي من بنيه قابيل وهابيل وإياد وشبونة وهند وصرابيس ومخور وسند وبارق وشيث وعبد المغيث وعبد الحارث وود وسواع ويغوث ويعوق ونسر ومن بناته أقليمة وأشوف وجزوزة وعزورا وأمة المغيث
5793 - ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يشترون الضلالة قال عكرمة نزلت في رفاعة بن زيد بن التابوت وكردم بن زيد وأسامة بن حبيب ورافع بن أبي رافع وبحري بن عمرو وحيي بن أخطب
5794 - ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا نزلت في الجلاس بن الصامت ومعتب بن قشير ورافع بن زيد وبشر
5795 - ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم سمي منهم عبد الرحمن بن عوف
5796 - إلا الذين يصلون إلى قوم قال ابن عباس نزلت في هلال بن عويمر الأسلمي وسراقة بن مالك المدلجي وفي بني خزيمة بن عامر بن عبد مناف
5797 - ستجدون آخرين قال السدي نزلت في جماعة منهم نعيم بن مسعود الأشجعي
5798 - إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم سمى عكرمة منهم على بن أمية بن خلف والحارث بن زمعة وأبا قيس بن الوليد بن المغيرة وأبا العاصي بن منبه بن الحجاج وأبا قيس بن الفاكه
5799 - إلا المستضعفين سمي منهم ابن عباس وأمه أم الفضل لبانة بنت الحارث وعياش بن أبي ربيعة وسلمة بن هشام
5800 - الذين يختانون أنفسهم بنو أبيرق بشر وبشير ومبشر
5801 - لهمت طائفة منهم أن يضلوك هم أسيد بن عروة وأصحابه

5802 - ويستفتونك في النساء سمي من المستفتين خولة بنت حكيم
5803 - يسألك أهل الكتاب سمى منهم ابن عسكر كعب بن الأشرف وفنحاصا
5804 - لكن الراسخون في العلم قال ابن عباس هم عبد الله بن سلام وأصحابه
5805 - يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة سمي منهم جابر بن عبد الله
5806 - ولا آمين البيت الحرام سمي منهم الحطم بن هند البكري
5807 - يسألونك ماذا أحل لهم سمي منهم عدي بن حاتم وزيد بن المهلهل الطائيان وعاصم بن عدي وسعد بن خيثمة وعويمر بن ساعدة
5808 - إذ هم قوم أن يبسطوا سمي منهم كعب بن الأشرف وحيي بن أخطب
5809 - ولتجدن أقربهم مودة . . ألايات نزلت في الوفد الذين جاءوا من عند النجاشي وهم اثنا عشر وقيل ثلاثون وقيل سبعون وسمي منهم إدريس وإبراهيم والأشرف وتميم وتمام ودريد
5810 - وقالوا لولا أنزل عليه ملك سمي منهم زمعة بن الأسود والنضر ابن الحارث بن كلدة وأبي بن خلف والعاصي بن وائل
5811 - ولا تطرد الذين يدعون ربهم سمي منهم صهيب وبلال وعمار وخباب وسعد بن أبي وقاص وابن مسعود وسلمان الفارسي
5812 - إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء سمي منهم فنحاص ومالك بن الضيف
5813 - قالوا لن نؤمن حتى نؤتي مثل ما أوتي رسل الله سمي منهم أبو جهل والوليد بن المغيرة

5814 - يسألونك عن الساعة سمي منهم حمل بن قشير وشمويل بن زيد
5815 - يسألونك عن الأنفال سمي منهم سعد بن أبي وقاص
5816 - وإن فريقا من المؤمنين لكارهون سمي منهم أبو أيوب الأنصاري ومن الذين لم يكرهوا المقداد
5817 - إن تستفتحوا سمي منهم أبو جهل
5818 - وإذ يمكر بك الذين كفروا هم أهل دار الندوة سمي منهم عتبة وشيبة ابنا ربيعة وأبو سفيان وأبو جهل وجبير بن مطعم وطعيمة بن عدي والحارث بن عامر والنضر بن الحارث وزمعة بن الأسود وحكيم بن حزام وأمية بن خلف
5819 - وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق . . الآية سمي منهم أبو جهل والنضر بن الحارث
5820 - إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض غر هؤلاء دينهم سمي منهم عتبة بن ربيعة وقيس بن الوليد وأبو قيس بن الفاكه والحارث بن زمعة والعاصي ابن منبه
5821 - قل لمن في أيديكم من الأسرى كانوا سبعين منهم العباس وعقيل ونوفل بن الحارث وسهيل بن بيضاء
5822 - وقالت اليهود عزيز ابن الله سمي منهم سلام بن مشكم ونعمان بن أوفى ومحمد بن دحية وشأس بن قيس ومالك بن الصيف
5823 - الذين يلمزون المطوعين سمي من المطوعين عبد الرحمن بن عوف وعاصم بن عدي
5824 - والذين لا يجدون إلا جهدهم أبو عقيل ورفاعة بن سعد

5825 - ولا على الذين إذا ما أتوك سمي منهم العرباض بن سارية وعبد الله بن مغفل المزني وعمرو المزني وعبد الله بن الأزرق الأنصاري وأبو ليلى الأنصاري
5826 - فيه رجال يحبون أن يتطهروا سمي منهم عويم بن ساعدة
5827 - إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان نزلت في جماعة منهم عمار بن ياسر وعياش بن أبي ربيعة
5828 - بعثنا عليكم عبادا لنا هم طالوت وأصحابه
5829 - وإن كادوا ليفتنونك قال ابن عباس نزلت في رجال من قريش منهم أبو جهل وأمية بن خلف
5830 - وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا سمى ابن عباس من قائلي ذلك عبد الله بن أبي أمية
وذريته سمي من أولاد إبليس شبر والأعور وزلنبور ومسوط واسم
5831 - وقالوا إن نتبع الهدى معك سمي منهم الحارث بن عامر بن نوفل
5832 - أحسب الناس أن يتركوا هم المؤذون على الإسلام بمكة منهم عمار بن ياسر
5833 - وقال الذين كفروا للذين آمنوا اتبعوا سبيلنا سمي منهم الوليد بن المغيرة
5834 - ومن الناس من يشتري لهو الحديث سمي منهم النضر بن الحارث
5835 - فمنهم من قضى نحبه سمي منهم أنس بن النضر
5836 - قالوا الحق أول من يقول جبريل فيتبعونه

5837 - وانطلق الملأ سمي منهم عقبة بن أبي معيط وأبو جهل والعاصي بن وائل والأسود بن المطلب والأسود بن يغوث
5838 - وقالوا ما لنا لا نرى رجالا سمي من القائلين أبو جهل ومن الرجال عمار وبلال
5839 - نفرا من الجن سمى منهم زوبعة وحسي ومسي وشاصر وماصر والأرد وإنيان والأحقم وسرق
5840 - إن الذين ينادونك من وراء الحجرات سمي منهم الأقرع بن حابس والزبرقان بن بدر وعيينة بن حصن وعمرو بن الأهتم
5841 - ألم تر إلى الذين تولوا قوما قال السدي نزلت في عبد الله بن نفيل من المنافقين
5842 - لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم نزلت في قتيلة أم أسماء بنت أبي بكر
5843 - إذا جاءكم المؤمنات سمي منهم أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط وأميمة بنت بشر
5844 - يقولون لا تنفقوا يقولون لئن رجعنا سمي منهم عبدالله بن أبي
5845 - ويحمل عرش ربك . . الآية سمي من حملة العرش إسرافيل ولبنان وروفيل
5846 - أصحاب الأخدود ذو نواس وزرعة بن أسد الحميري وأصحابه
5847 - بأصحاب الفيل هم الحبشة قائدهم أبرهة الأشرم ودليلهم أبو رغال
5848 - قل يا أيها الكافرون نزلت في الوليد بن المغيرة والعاصي بن

وائل والأسود ابن المطلب وأمية بن خلف
5849 - النفاثات بنات لبيد بن الأعصم
5850 - وأما مبهمات الأقوام والحيوانات والأمكنة والأزمنة ونحو ذلك فقد استوفيت الكلام عليها في تأليفنا المشار إليه


النوع الحادي والسبعون
في أسماء من نزل فيهم القرآن 5851 - رأيت فيهم تأليفا مفردا لبعض القدماء لكنه غير محرر وكتاب أسباب النزول والمبهمات يغنيان عن ذلك وقد قال ابن أبي حاتم ذكر عن الحسين بن زيد الطحان أنبأنا إسحاق بن منصور أنبأنا قيس عن الأعمش عن المنهال عن عباد بن عبد الله قال قال علي ما في قريش أحد إلا ونزلت فيه آية قيل له ما نزلت فيك قال ويتلوه شاهد منه
5852 - ومن أمثلته ما أخرجه أحمد والبخاري في الأدب عن سعد بن أبي وقاص قال نزلت في أربع آيات يسألونك عن الأنفال ووصينا الإنسان بوالديه حسنا وآية تحريم الخمر وآية الميراث
5853 - وأخرج ابن أبي حاتم عن رفاعة القرظي قال نزلت ولقد وصلنا لهم القول في عشرة أنا أحدهم
5854 - وأخرج الطبراني عن أبي جمعه جنيد بن سبع وقيل حبيب بن سباع قال فينا نزلت ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات وكنا تسعة نفر سبعة رجال وامرأتين


النوع الثاني والسبعون
في فضائل القرآن 5855 - أفرده بالتصنيف أبو بكر بن أبي شيبة والنسائي وأبو عبيد القاسم بن سلام وابن الضريس وآخرون وقد صح فيه أحاديث باعتبار الجملة وفي بعض السور على التعيين ووضع في فضائل القرآن أحاديث كثيرة ولذلك صنفت كتابا سميته خمائل الزهر في فضائل السور حررت فيه ما ليس بموضوع
وأنا أورد في هذا النوع فصلين
الفصل الأول
فيما ورد في فضله على الجملة 5856 - أخرج الترمذي والدارمي وغيرهما من طريق الحارث الأعور عن علي سمعت رسول الله يقول ستكون فتن قلت فما المخرج منها يا رسول الله قال كتاب الله فيه نبأ ما قبلكم وخبر ما بعدكم هو الحبل المتين وهو الذكر الحكيم وحكم ما بينكم وهو الفصل ليس بالهزل من تركه من جبار قصمه الله ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله وهو الصراط المستقيم وهو الذي لا تزيغ به الأهواء ولا تلتبس به الألسنة ولا تشبع منه العلماء ولا يخلق على كثرة الرد ولا تنقضي عجائبه من قال به صدق ومن عمل به أجر ومن حكم به عدل ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم
5857 - وأخرج الدارمي من حديث عبد الله بن عمرو مرفوعا القرآن أحب إلى الله من السموات والأرض ومن فيهن
5858 - وأخرج أحمد والترمذي من حديث شداد بن أوس ما من مسلم يأخذ مضجعه فيقرأ سورة من كتاب الله تعالى إلا وكل الله به ملكا يحفظه فلا يقربه شيء يؤذيه حتى يهب متى يهب

5859 - وأخرج الحاكم وغيره من حديث عبد الله بن عمرو من قرأ القرآن فقد استدرج النبوة بين جنبيه غير أنه لا يوحى إليه لا ينبغي لصاحب القرآن أن يجد مع من يجد ولا يجهل مع من يجهل وفي جوفه كلام الله
5860 - وأخرج البزار من حديث أنس أن البيت الذي يقرأ فيه القرآن يكثر خيره والبيت الذي لا يقرأ فيه القرآن يقل خيره
5861 - وأخرج الطبراني من حديث ابن عمر ثلاثة لا يهولهم الفزع الأكبر ولا ينالهم الحساب هم على كثيب من مسك حتى يفرغ من حساب الخلائق رجل قرأ القرآن ابتغاء وجه الله وأم به قوما وهم به رضوان . . الحديث
5862 - وأخرج أبو يعلى والطبراني من حديث أبي هريرة القرآن غنى لا فقر بعده ولا غنى دونه
5863 - وأخرج أحمد وغيره من حديث عقبة بن عامر لو كان القرآن في إهاب ما أكلته النار
قال أبو عبيد أراد بالإهاب قلب المؤمن وجوفه الذي قد وعى القرآن
وقال غيره معناه من جمع القرآن ثم دخل النار فهو شر من الخنزير
وقال ابن الأنباري معناه أن النار لا تبطله ولا تقلعه من الأسماع التي وعته والأفهام التي حصلته كقوله في الحديث الآخر أنزلت عليك كتابا لا يغسله الماء أي لا يبطله ولا يقلعه من أوعيته الطيبة ومواضعه لأنه وإن غسله الماء في الظاهر لا يغسله بالقلع من القلوب
5864 - وعند الطبراني من حديث عصمة بن مالك لو جمع القرآن في إهاب ما أحرقته النار
وعنده من حديث سهل بن سعد لو كان القرآن في إهاب ما مسته النار
5865 - وأخرج الطبراني في الصغير من حديث أنس من قرأ القرآن يقوم به آناء الليل والنهار يحل حلاله ويحرم حرامه حرم الله لحمه ودمه على النار وجعله رفيق السفرة الكرام البررة حتى إذا كان يوم القيامة كان القرآن حجة له
5866 - وأخرج أبو عبيد عن أنس مرفوعا القرآن شافع مشفع وماجد مصدق من جعله إمامه قاده إلى الجنة ومن جعله خلفه ساقه إلى النار
5867 - وأخرج الطبراني من حديث أنس
حملة القرآن عرفاء أهل الجنة

5868 - وأخرج النسائي وابن ماجه والحاكم من حديث أنس قال أهل القرآن هم أهل الله وخاصته
5869 - وأخرج مسلم وغيره من حديث أبي هريرة أن رسول الله قال أيحب أحدكم إذا رجع إلى أهله أن يجد فيه ثلاث خلفات عظام سمان قلنا نعم قال فثلاث آيات يقرآ بهن أحدكم في صلاته خير له من ثلاث خلفات عظام سمان
5870 - وأخرج مسلم من حديث جابر بن عبد الله خير الحديث كتاب الله
5871 - وأخرج أحمد من حديث معاذ بن أنس من قرأ القرآن في سبيل الله كتب مع الصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا
5872 - وأخرج الطبراني في الأوسط من حديث أبي هريرة ما من رجل يعلم ولده القرآن إلا توج يوم القيامة بتاج في الجنة
5873 - وأخرج أبو داود وأحمد والحاكم من حديث معاذ بن أنس من قرأ القرآن فأكمله وعمل به ألبس والده تاجا يوم القيامة ضوءه أحسن من ضوء الشمس في بيوت الدنيا لو كانت فيكم فما ظنكم بالذي عمل بهذا
5874 - وأخرج الترمذي وابن ماجه وأحمد من حديث علي من قرأ القرآن فاستظهره فأحل حلاله وحرم حرامه أدخله الله الجنة وشفعه في عشرة من أهل بيته كلهم قد وجبت لهم النار
5875 - وأخرج الطبراني من حديث أبي أمامة من تعلم آية من كتاب الله استقبلته يوم القيامة تضحك في وجهه
5876 - وأخرج الشيخان وغيرهما من حديث عائشة الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام والبررة والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران
5877 - وأخرج الطبراني في الأوسط من حديث جابر من جمع القرآن كانت له عند الله دعوة مستجابة إن شاء عجلها في الدنيا وإن شاء ادخرها في الآخرة
5878 - وأخرج الشيخان من حديث أبي موسى مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأترجة طعمها طيب وريحها طيب ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن كمثل التمرة طعمها طيب ولا ريح لها ومثل الفاجر الذي يقرأ القرآن كمثل

الريحانة ريحها طيب وطعمها مر ومثل الفاجر الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة طعمها مر ولا ريح لها
5879 - وأخرج الشيخان من حديث عثمان خيركم وفي لفظ إن أفضلكم من تعلم القرآن وعلمه زاد البيهقي في الأسماء وفضل القرآن على سائر الكلام كفضل الله على خلقه
5880 - وأخرج الترمذي والحاكم من حديث ابن عباس إن الذي ليس في جوفه شيء من القرآن كالبيت الخرب
5881 - وأخرج ابن ماجه من حديث أبي ذر لأن تغدو فتتعلم آية من كتاب الله خير لك من أن تصلي مائة ركعة
5882 - وأخرج الطبراني من حديث ابن عباس من تعلم كتاب الله ثم اتبع ما فيه هداه الله به من الضلالة ووقاه يوم القيامة سوء الحساب
5883 - وأخرج ابن أبي شيبة من حديث أبي شريح الخزاعي أن هذا القرآن سبب طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم فتمسكوا به فإنكم لن تضلوا ولن تهلكوا بعده أبدا
5884 - وأخرج الديلمي من حديث علي حملة القرآن في ظل الله يوم لا ظل إلا ظله
5885 - وأخرج الحاكم من حديث أبي هريرة يجيء صاحب القرآن يوم القيامة فيقول القرآن يا رب حله فيلبس تاج الكرامة ثم يقول يا رب زده يا رب ارض عنه فيرضى عنه ويقال له اقره وارقه ويزاد له بكل آية حسنة
5886 - وأخرج من حديث عبد الله بن عمر الصيام والقرآن يشفعان للعبد
5887 - وأخرج من حديث أبي ذر إنكم لا ترجعون إلى الله بشيء أفضل مما خرج منه يعني القرآن
الفصل الثاني
فيما ورد في فضل سور بعينها ما ورد في الفاتحة 5888 - أخرج الترمذي والنسائي والحاكم من حديث أبي بن كعب مرفوعا

ما أنزل الله في التوراة ولا في الإنجيل مثل أم القرآن وهي السبع المثاني
5889 - وأخرج أحمد وغيره من حديث عبد الله بن جابر أخير سورة في القرآن الحمد لله رب العالمين
5890 - وللبيهقي في الشعب والحاكم من حديث أنس أفضل القرآن الحمد لله رب العالمين
5891 - وللبخاري من حديث أبي سعيد بن المعلى أعظم سورة في القرآن الحمد لله رب العالمين
5892 - وأخرج عبد الله في مسنده من حديث ابن عباس فاتحة الكتاب تعدل ثلثي القرآن
ما ورد في البقرة وآل عمران 5893 - أخرج أبو عبيد من حديث أنس أن الشيطان يخرج من البيت إذا سمع سورة البقرة تقرأ فيه
5894 - وفي الباب عن ابن مسعود وأبي هريرة وعبد الله بن مغفل
5895 - وأخرج مسلم والترمذي من حديث النواس بن سمعان يؤتى بالقرآن يوم القيامة وأهله الذين كانوا يعملون به تقدمهم سورة البقرة وآل عمران
وضرب لهما رسول الله ثلاثة أمثال ما نسيتهن بعد قال كأنهما غمامتان أو غيايتان أو ظلتان سوداوان بينهما شرق أو كأنهما حزقان من طير صواف تحاجان عن صاحبهما
5896 - وأخرج أحمد من حديث بريدة تعلموا سورة البقرة فإن أخذها بركة وتركها حسرة ولا تستطيعها البطلة تعلموا سورة البقرة وآل عمران فإنهما الزهراوان تظلان صاحبهما يوم القيامة كأنهما غمامتان أو غيايتان أو فرقان من طير صواف

5897 - وأخرج ابن حبان وغيره من حديث سهل بن سعد إن لكل شيء سناما وسنام القرآن سورة البقرة من قرأها في بيته نهارا لم يدخله الشيطان ثلاثة أيام
ومن قرأها في بيته ليلا لم يدخله الشيطان ثلاث ليال
5898 - وأخرج البيهقي في الشعب من طريق الصلصال من قرأ سورة البقرة توج بتاج في الجنة
5899 - وأخرج أبو عبيد عن عمر بن الخطاب موقوفا من قرأ البقرة وآل عمران في ليلة كتب من القانتين
5900 - وأخرج البيهقي من مرسل مكحول من قرأ سورة البقرة وسورة آل عمران يوم الجمعة صلت عليه الملائكة إلى الليل
فصل
ما ورد في آية الكرسي 5901 - أخرج مسلم من حديث أبي بن كعب أعظم آية في كتاب الله آية الكرسي
5902 - وأخرج الترمذي والحاكم من حديث أبي هريرة إن لكل شيء سناما وإن سنام القرآن البقرة وفيها أية هي سيدة آي القرآن آية الكرسي
5903 - وأخرج الحارث بن أبي أسامة عن الحسن مرسلا أفضل القرآن سورة البقرة وأعظم آية فيها آية الكرسي
5904 - وأخرج ابن حبان والنسائي من حديث أبي أمامة من قرأ آية الكرسي دبر كل صلاة مكتوبة لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت
5905 - وأخرج أحمد من حديث أنس آية الكرسي ربع القرآن
ما ورد في خواتيم البقرة 5906 - أخرج الأئمة الستة من حديث أبي مسعود من قرأ الآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه
5907 - وأخرج الحاكم من حديث النعمان بن بشير إن الله كتب كتابا قبل أن

يخلق السموات والأرض بألقي عام وأنزل منه آيتين ختم بهما سورة البقرة ولا يقرءان في دار فيقربها شيطان ثلاث ليال
ما ورد في آخر آل عمران 5908 - أخرج البيهقي من حديث عثمان بن عفان من قرأ آخر آل عمران في ليلة كتب له قيام ليلة
ما ورد في الأنعام 5909 - أخرج الدارمي وغيره عن عمر بن الخطاب موقوفا الأنعام من نواجب القرآن
ما ورد في السبع الطوال 5910 - أخرج أحمد والحاكم من حديث عائشة من أخذ السبع الطوال فهو خير
ما ورد في هود 5911 - أخرج الطبراني في الأوسط بسند واه من حديث علي لا يحفظ منافق سورا براءة وهود ويس والدخان وعم يتساءلون
ما ورد في آخر الإسراء 5912 - أخرج أحمد من حديث معاذ بن أنس آية العز وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك إلى آخر السورة
ما ورد في الكهف 5913 - أخرج الحاكم من حديث أبي سعيد من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة أضاء له من النور ما بينه وبين الجمعتين
5914 - وأخرج مسلم من حديث أبي الدرداء من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من الدجال
5915 - وأخرج أحمد من حديث معاذ بن أنس من قرأ أول سورة الكهف

وآخرها كانت له نورا من قدمه إلى رأسه ومن قرأها كلها كانت له نورا ما بين الأرض والسماء
5916 - وأخرج البزار من حديث عمر من قرأ في ليلة فمن كان يرجو لقاء ربه . . الآية كان له نور من عدن أبين إلى مكة حشوه الملائكة
ما ورد في آلم السجدة 5917 - أخرج أبو عبيد من مرسل المسيب بن رافع تجيء ألم السجدة يوم القيامة لها جناحان تظل صاحبها فتقول لا سبيل عليك لا سبيل عليك
5918 - وأخرج عن ابن عمر موقوفا قال في تنزيل السجدة وتبارك الملك فضل ستين درجة على غيرهما من سورة القرآن
ما ورد في يس 5919 - أخرج أبو داود والنسائي وابن حبان وغيرهم من حديث معقل بن يسار يس قلب القرآن لا يقرؤها رجل يريد الله والدار الآخرة إلا غفر له اقرءوها على موتاكم
5920 - وأخرج الترمذي والدارمي من حديث أنس إن لكل شيء قلبا وقلب القرآن يس ومن قرأ يس كتب الله له بقراءتها قراءة القرآن عشر مرات
5921 - وأخرج الدارمي والطبراني من حديث أبي هريرة من قرأ يس في ليلة ابتغاء وجه الله غفر له
5922 - وأخرج الطبراني من حديث أنس من دام على قراءة يس كل ليلة ثم مات مات شهيدا
ما ورد في الحواميم 5923 - أخرج أبو عبيد عن ابن عباس موقوفا إن لكل شيء لبابا ولباب القرآن الحواميم
5924 - وأخرج الحاكم عن ابن مسعود موقوفا الحواميم ديباج القرآن
ما ورد في الدخان 5925 - أخرج الترمذي وغيره من حديث أبي هريرة من قرأ حم الدخان في ليلة أصبح يستغفر له سبعون ألف ملك


ما ورد في المفصل 5926 - أخرج الدارمي عن ابن مسعود موقوفا إن لكل شيء لبابل ولباب القرآن المفصل
الرحمن 5927 - أخرج البيهقي من حديث علي مرفوعا لكل شيء عروس وعروس القرآن الرحمن
المسبحات 5928 - أخرج أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي عن عرباض بن سارية أن النبي كان يقرأ المسبحات كل ليلة قبل أن يرقد ويقول فيهن آية خير من ألف أية
قال ابن كثير في تفسير الآية المشار إليها قوله هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم
5929 - وقد أخرج ابن السني عن أنس أن النبي أوصى رجلا إذ أتى مضجعه أن يقرأ سورة الحشر وقال إن مت مت شهيدا
5930 - وأخرج الترمذي من حديث معقل بن يسار من قرأ حين يصبح ثلاث آيات من آخر سورة الحشر وكل الله به سبعين ألف ملك يصلون عليه حتى يمسي وإن مات في ذلك اليوم مات شهيدا ومن قالها حين يمسي كان بتلك المنزلة
5931 - وأخرج البيهقي من حديث أبي أمامة من قرأ خواتيم الحشر في ليل أو نهار فمات في يومه أو ليلته فقد أوجب الله له الجنة
تبارك 5932 - أخرج الأربعة وابن حبان والحاكم من حديث أبي هريرة في القرآن سورة ثلاثون آية شفعت لرجل حتى غفر له تبارك الذي بيده الملك
5933 - وأخرج الترمذي من حديث ابن عباس هي المانعة هي المنجية تنجي من عذاب القبر

5934 - وأخرج الحاكم من حديثه وددت أنها في قلب كل مؤمن تبارك الذي بيده الملك
5935 - وأخرج النسائي من حديث ابن مسعود من قرأ تبارك الذي بيده الملك كل ليلة منعه الله بها من عذاب القبر
الأعلى 5936 - أخرج أبو عبيد عن أبي تميم قال قال رسول الله إني نسيت أفضل المسبحات فقال أبي بن كعب لعلها سبح اسم ربك الأعلى قال نعم
القيمة 5937 - أخرج أبو نعيم في الصحابة من حديث إسماعيل بن أبي حكيم المزني الصحابي مرفوعا إن الله ليسمع قراءة لم يكن الذين كفروا فيقول أبشر عبدي فوعزتي لأمكنن لك في الجنة حتى ترضى
الزلزلة 5938 - أخرج الترمذي من حديث أنس من قرأ إذا زلزلت عدلت له بنصف القرآن
العاديات 5939 - أخرج أبو عبيد من مرسل الحسن إذا زلزلت تعدل بنصف القرآن والعاديات تعدل بنصف القرآن
ألهاكم 5940 - أخرج الحاكم من حديث ابن عمر مرفوعا ألا يستطيع أحدكم أن يقرأ ألف آية في كل يوم قالوا ومن يستطيع أن يقرأ ألف آية قال أما يستطيع أحدكم أن يقرأ ألهاكم التكاثر
الكافرون 5941 - أخرج الترمذي من حديث أنس قل يا أيها الكافرون ربع القرآن
5942 - وأخرج أبو عبيد من حديث ابن عباس قل يا أيها الكافرون تعدل بربع القرآن

5943 - وأخرج أحمد والحاكم من حديث نوفل بن معاوية اقرأ قل يا أيها الكافرون ثم نم على خاتمتها فإنها براءة من الشرك
5944 - وأخرج أبو يعلى من حديث ابن عباس ألا أدلكم على كلمة تنجيكم من الإشراك بالله تقرءون قل يا أيها الكافرون عند منامكم
النصر 5945 - أخرج الترمذي من حديث أنس إذا جاء نصر الله والفتح ربع القرآن
الإخلاص 5946 - أخرج مسلم وغيره من حديث أبي هريرة قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن وفي الباب عن جماعة من الصحابة وأخرج الطبراني في الأوسط من حديث عبد الله بن الشخير ومن قرأ قل هو الله أحد في مرضه الذي يموت فيه لم يفتن في قبره وأمن من ضغطة القبر وحملته الملائكة يوم القيامة بأكفها حتى تجيزه الصراط إلى الجنة
5947 - وأخرج الترمذي من حديث أنس من قرأ قل هو الله أحد كل يوم مائتي مرة محي عنه ذنوب خمسين سنة إلا أن يكون عليه دين ومن أراد أن ينام على فراشه فنام على يمينه ثم قرأ قل هو الله أحد مائة مرة فإذا كان يوم القيامة يقول له الرب يا عبدي ادخل عن يمينك الجنة
5948 - وأخرج الطبراني من حديث ابن الديلمي من قرأ قل هو الله أحد مائة مرة في الصلاة أو غيرها كتب الله له براءة من النار
5949 - وأخرج في الأوسط من حديث أبي هريرة من قرأ قل هو الله أحد عشر مرات بني له قصر في الجنة ومن قرأها عشرين مرة بني له قصران ومن قرأها ثلاثين مرة بني له ثلاثة
5950 - وأخرج في الصغير من حديثه من قرأ قل هو الله أحد بعد صلاة الصبح اثنتي عشرة مرة فكأنما قرأ القرآن أربع مرات وكان أفضل أهل الأرض يومئذ إذا اتقى


المعوذتان 5951 - أخرج أحمد من حديث عقبة أن النبي قال له ألا أعلمك سورا ما أنزل في التوراة ولا في الزبور ولا في الإنجيل ولا في الفرقان مثلها قلت بلى قال قل هو الله أحد وقل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس
5952 - وأخرج أيضا من حديث ابن عباس أن النبي قال له ألا أخبرك بأفضل ما تعوذ به المتعوذون قال بلى قال قل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس
5953 - وأخرج أبو داود والترمذي عن عبد الله بن خبيب قال قال رسول الله اقرأ قل هو الله أحد والمعوذتين حين تمسي وحين تصبح ثلاث مرات تكفيك من كل شيء
5954 - وأخرج ابن السني من حديث عائشة من قرأ بعد صلاة الجمعة قل هو الله أحد وقل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس سبع مرات أعاذه الله من السوء إلى الجمعة الأخرى
5955 - وبقيت أحاديث من هذا الفصل أخرتها إلى نوع الخواص
تنبيه 5956 - أما الحديث الطويل في فضائل القرآن سورة سورة فإنه موضوع كما أخرج الحاكم في المدخل بسنده إلى أبي عمار المروزي أنه قيل لأبي عصمة الجامع من أين لك عن عكرمة عن ابن عباس في فضائل القرآن سورة سورة وليس عند أصحاب عكرمة هذا فقال أني رأيت الناس قد أعرضوا عن القرآن واشتغلوا بفقه أبي حنيفة ومغازي ابن إسحاق فوضعت هذا الحديث حسبة
5957 - وروى ابن حبان في مقدمة تاريخ الضعفاء عن ابن مهدي قال قلت لميسرة بن عبد ربه من أين حئت بهذه الأحاديث من قرأ كذا فله كذا قال وضعتها أرغب الناس فيها
5958 - وروينا عن المؤمل بن إسماعيل قال حدثني شيخ بحديث أبي بن كعب في فضائل سور القرآن سورة سورة فقال حدثني رجل بالمدائن وهو حي فصرت إليه فقلت له من حدثك قال حدثني شيخ بواسط وهو حي فصرت

إليه فقلت له من حدثك قال حدثني شيخ بالبصرة فصرت إليه فقلت له من حدثك قال حدثني شيخ بعبادان فصرت إليه فأخذ بيدي فأدخلني بيتا فإذا فيه قوم من المتصوفة ومعهم شيخ فقال هذا الشيخ حدثني فقلت يا شيخ من حدثك فقال لم يحدثني أحد ولكننا رأينا الناس قد رغبوا عن القرآن فوضعنا لهم هذا الحديث ليصرفوا قلوبهم إلى القرآن
5959 - قال ابن الصلاح ولقد أخطأ الواحدي المفسر ومن ذكره من المفسرين في إيداعه تفاسيرهم


النوع الثالث والسبعون
في أفضل القرآن وفاضله 5960 - اختلف الناس هل في القرآن شيء أفضل من شيء فذهب الإمام أبو الحسن الأشعري والقاضي أبو بكر الباقلاني وابن حبان إلى المنع لأن الجميع كلام الله ولئلا يوهم التفضيل نقص المفضل عليه
وروي هذا القول عن مالك قال يحيى بن يحيى تفضيل بعض القرآن على بعض خطأ ولذلك كره مالك أن تعاد سورة أو تردد دون غيرها
5961 - وقال ابن حبان في حديث أبي بن كعب ما أنزل الله في التوراة ولا في الإنجيل مثل أم القرآن إن الله لا يعطي لقارئ التوراة والإنجيل من الثواب مثل ما يعطي القارئ أم القرآن إذ الله سبحانه وتعالى بفضله فضل هذه الأمة على غيرها من الأمم وأعطاها من الفضل على قراءة كلامه أكثر مما أعطى غيرها من الفضل على قراءة كلامه قال وقوله أعظم سورة أراد به الأجر لا أن بعض القرآن أفضل من بعض
5962 - وذهب آخرون إلى التفضيل لظواهر الأحاديث منهم إسحاق بن راهوية وأبو بكر بن العربي والغزالي
5963 - وقال القرطبي إنه الحق ونقله عن جماعة من العلماء والمتكلمين
5964 - وقال الغزالي في جواهر القرآن لعلك أن تقول قد أشرت إلى تفضيل بعض آيات القرآن على بعض والكلام كلام الله فكيف يفارق بعضها بعضا وكيف يكون بعضها أشرف من بعض فاعلم أن نور البصيرة إن كان لا يرشدك إلى الفرق بين آية الكرسي وآية المداينات وبين سورة الإخلاص وسورة تبت وترتاع على اعتقاد الفرق نفسك الخوارة المستغرقة بالتقليد فقلد صاحب الرسالة فهو الذي أنزل عليه القرآن وقال يس قلب القرآن وفاتحة الكتاب أفضل سور القرآن وآية الكرسي سيده آي القرآن وقل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن والأخبار الواردة في

فضائل القرآن وتخصيص بعض السور والآيات بالفضل وكثرة الثواب في تلاوتها لا تحصى
انتهى
5965 - وقال ابن الحصار العجب ممن يذكر الاختلاف في ذلك مع النصوص الواردة بالتفضيل
5966 - وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام كلام الله في الله أفضل من كلامه في غيره فقل هو الله أحد أفضل من تبت يدا أبي لهب
5967 - وقال الخويي كلام الله أبلغ ن كلام المخلوقين وهل يجوز أن يقال بعض كلامه أبلغ من بعض الكلام جوزه قوم لقصور نظرهم
5968 - وينبغي أن تعلم أن معنى قول القائل هذا الكلام أبلغ من هذا أن هذا في موضعه له حسن ولطف وذاك في موضعه له حسن ولطف وهذا الحسن في موضعه أكمل من ذاك في موضعه
قال فإن من قال إن قل هو الله أحد أبلغ من تبت يدا أبي لهب يجعل المقابلة بين ذكر الله وذكر أبي لهب وبين التوحيد والدعاء على الكافر وذلك غير صحيح بل ينبغي أن يقال تبت يدا أبي لهب دعاء عليه بالخسران فهل توجد عبارة للدعاء بالخسران أحسن من هذه وكذلك في قل هو الله أحد لا توجد عبارة تدل على الوحدانية أبلغ منها فالعالم إذا نظر إلى تبت يدا أبي لهب في باب الدعاء بالخسران ونظر إلى قل هو الله أحد في باب التوحيد لا يمكنه أن يقول أحدهما أبلغ من الآخر
انتهى
5969 - وقال غيره اختلف القائلون بالتفضيل فقال بعضهم الفضل راجع إلى عظم الأجر ومضاعفة الثواب بحسب انفعالات النفس وخشيتها وتدبرها وتفكرها عند ورود أوصاف العلا
5970 - وقيل بل يرجع لذات اللفظ وأن ما تضمنه قوله تعالى وإلهكم إله واحد . . الآية وآية الكرسي وآخر سورة الحشر وسورة الإخلاص من الدلالات على وحدانيته وصفاته ليس موجودا مثلا في تبت يدا أبي لهب وما كان مثلها فالتفضيل إنما هو بالمعاني العجيبة وكثرتها
5971 - وقال الحليمي ونقله عنه البيهقي معنى التفضيل يرجع إلى أشياء
أحدها أن يكون العمل بآية أولى من العمل بأخرى وأعود على الناس

وعلى هذا يقال آيات الأمر والنهي والوعد والوعيد خبر من آيات القصص لأنها إنما أريد بها تأكيد الأمر والنهي والإنذار والتبشير ولا غنى بالناس عن هذه الأمور وقد يستغنون عن القصص فكان ما هو أعود عليهم وأنفع لهم مما يجري مجرى الأصول خيرا لهم مما يجعل تبعا لما لا بد منه
الثاني أن يقال الآيات التي تشتمل على تعديد أسماء الله تعالى وبيان صفاته والدلالة على عظمته أفضل بمعنى أن مخبراتها أسنى وأجل قدرا
الثالث أن يقال سورة خير من سورة أو آية خير من آية بمعنى أن القارئ يتعجل له بقراءتها فائدة سوى الثواب الآجل ويتأدى منه بتلاوتها عبادة كقراءة آية الكرسي والإخلاص والمعوذتين فإن قارئها يتعجل بقراءتها الاحتراز مما يخشى والاعتصام بالله ويتأدى بتلاوتها عبادة الله لما فيها من ذكره سبحانه وتعالى بالصفات العلا على سبيل الاعتقاد لها وسكون النفس إلى فضل ذلك بالذكر وبركته فأما آيات الحكم فلا يقع بنفس تلاوتها إقامة حكم وإنما يقع بها علم
5972 - ثم لو قيل في الجملة إن القرآن خير من التوراة والإنجيل والزبور بمعنى أن التعبد بالتلاوة والعمل واقع به دونها والثواب بحسب قراءته لا بقراءتها أو أنه من حيث الإعجاز حجة النبي المبعوث وتلك الكتب لم تكن معجزة ولا كانت حجج أولئك الأنبياء بل كانت دعوتهم والحجج غيرها لكان ذلك أيضا نظير ما مضى
وقد يقال إن سورة أفضل من سورة لأن الله جعل قراءتها كقراءة أضعافها مما سواها وأوجب بها من الثواب ما لم يوجب بغيرها وإن كان المعنى الذي لأجله بلغ بها هذا المقدار لا يظهر لنا كما يقال إن يوما أفضل من يوم وشهرا أفضل من شهر بمعنى العبادة فيه تفضل على العبادة في غيره والذنب فيه أعظم منه في غيره وكما يقال إن الحرم أفضل من الحل لأنه يتأدى فيه من المناسك ما لا يتأدى في غيره والصلاة فيه تكون كصلاة مضاعفة مما تقام في غيره
انتهى كلام الحليمي
5973 - وقال ابن التين في حديث البخاري لأعلمنك سورة هي أعظم السور معناه أن ثوابها أعظم من غيرها
5974 - وقال غيره إنما كانت أعظم السور لأنها جمعت جميع مقاصد القرآن ولذلك سميت أم القرآن

5975 - وقال الحسن البصري إن الله أودع علوم الكتب السابقة في القرآن ثم أودع علوم القرآن الفاتحة فمن علم تفسيرها كان كمن علم تفسير جميع الكتب المنزلة
أخرجه البيهقي
وبيان اشتمالها على علوم القرآن قرره الزمخشري باشتمالها على الثناء على الله تعالى بما هو أهله وعلى التعبد بالأمر والنهي وعلى الوعد والوعيد وآيات القرآن لا تخلو عن أحد هذه الأمور
5976 - وقال الإمام فخر الدين المقصود من القرآن كله تقرير أمور أربعة الإلهيات والمعاد والنبوات وإثبات القضاء والقدر لله تعالى فقوله الحمد لله رب العالمين يدل على الإلهيات وقوله مالك يوم الدين يدل على المعاد وقوله إياك نعبد وإياك نستعين . . يدل على نفي الجبر وعلى إثبات أن الكل بقضاء الله وقدره وقوله اهدنا الصراط المستقيم إلى آخر السورة يدل على إثبات قضاء الله وعلى النبوات
فلما كان المقصد الأعظم من القرآن هذه المطالب الآربعة وهذه السورة مشتملة عليها سميت أم القرآن
5977 - وقال البيضاوي هي مشتملة على الحكم النظرية والأحكام العملية التي هي سلوك الطريق المستقيم والاطلاع على مراتب السعداء ومنازل الأشقياء
5978 - وقال الطيبي هي مشتملة على أربعة أنواع من العلوم التي هي مناط الدين
أحدها علم الأصول ومعاقده معرفة الله تعالى وصفاته وإليها الإشارة بقوله الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم ومعرفة النبوة وهي المرادة بقوله أنعمت عليهم ومعرفة المعاد وهو المومي إليه قوله مالك يوم الدين
وثانيها علم الفروع وأسه العبادات وهو المراد بقوله إياك نعبد
وثالثها علم ما يحصل به الكمال وهو علم الأخلاق وأجله الوصول إلى الحضرة الصمدانية والالتجاء إلى جناب الفردانية والسلوك لطريقه والاستقامة فيها وإليه الإشارة بقوله وإياك نستعين اهدنا الصراط المستقيم
ورابعها علم القصص والأخبار عن الأمم السالفة والقرون الخالية السعداء منهم والأشقياء وما يتصل بها من وعد محسنهم ووعيد مسيئهم وهو المراد بقوله

أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين
5979 - وقال الغزالي مقاصد القرآن سنة ثلاثة مهمة وثلاثة متمة الأولى تعريف المدعو إليه كما أشير إليه بصدرها وتعريف الصراط المستقيم وقد صرح به فيها وتعريف الحال عند الرجوع إليه تعالى وهو الآخرة كما أشير إليه مالك يوم الدين
والأخرى تعريف أحوال المطيعين كما أشير إليه بقوله الذين أنعمت عليهم وحكاية أقوال الجاحدين وقد أشير إليها ب المغضوب عليهم ولا الضالين وتعريف منازل الطريق كما أشير إليه بقوله إياك نعبد وإياك نستعين انتهى
ولا ينافي هذا وصفها في الحديث الآخر بكونها ثلثي القرآن لأن بعضهم وجهه بأن دلالات القرآن الكريم إما أن تكون بالمطابقة أو بالتضمن أو بالالتزام وهذه السورة تدل على جميع مقاصد القرآن بالتضمن والالتزام دون المطابقة والاثنان من الثلاثة ثلثان ذكره الزركشي في شرح التنبيه وناصر الدين بن الميلق قال وأيضا الحقوق ثلاثة حق الله على عباده وحق العباد على الله وحق بعض العباد على بعض وقد اشتملت الفاتحة صريحا على الحقين الأولين فناسب كونها بصريحها ثلثين
وحديث قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين شاهد لذلك
5980 - قلت ولا تنافي أيضا بين كون الفاتحة أعظم السور وبين الحديث الآخر أن البقرة أعظم السور لأن المراد به ما عدا الفاتحة من السور التي فصلت فيها الأحكام وضربت الأمثال وأقيمت الحجج إذ لم تشتمل سورة على ما اشتملت عليه ولذلك سميت فسطاط القرآن
5981 - قال ابن العربي في أحكامه سمعت بعض أشياخي يقول فيها ألف أمر وألف نهي وألف حكم وألف خبر ولعظيم فقهها أقام ابن عمر ثماني سنين على تعليمها
أخرجه مالك في الموطأ
5982 - وقال ابن العربي أيضا إنما صارت آية الكرسي أعظم الآيات لعظم مقتضاها فإن الشيء إنما يشرف بشرف ذاته ومقتضاه وتعلقاته وهي في آي القرآن كسورة الإخلاص في سورة إلا أن سورة الإخلاص تفضلها بوجهين
أحدهما أنها سورة وهذه آية والسورة أعظم لأنه وقع التحدي بها فهي أفضل من الآية التي لم يتحد بها

والثاني أن سورة الإخلاص اقتضت التوحيد في خمسة عشر حرفا وآية الكرسي اقتضت التوحيد في خمسين حرفا فظهرت القدرة في الإعجاز بوضع معنى معبر عنه بخمسين حرفا ثم يعبر عنه بخمسة عشر وذلك بيان لعظيم القدرة والانفراد بالوحدانية
5983 - وقال ابن المنير اشتملت آية الكرسي على ما لم تشمل عليه آية من أسماء الله تعالى وذلك أنها مشتملة على سبعة عشر موضعا فيها اسم الله تعالى ظاهرا في بعضها ومستكنا في بعض وهي الله هو الحي القيوم ضمير لا تأخذه و له وعنده و بإذنه و يعلم و علمه و شاء و كرسيه و يؤده ضمير حفظهما المستتر الذي هو فاعل المصدر وهو العلي العظيم
وإن عددت الضمائر المتحملة في الحي القيوم العلي العظيم والضمير المقدر قبل الحي على أحد الأعاريب صارت اثنين وعشرين
5984 - وقال الغزالي إنما كانت آية الكرسي سيدة الآيات لأنها اشتملت على ذات الله وصفاته وأفعاله فقط ليس فيها غير ذلك ومعرفة ذلك هي المقصد الأقصى في العلوم وما عداه تابع له والسيد اسم للمتبوع المقدم فقوله الله إشارة إلى الذات لا إله إلا هو إشارة إلى توحيد الذات الحي القيوم إشارة إلى صفة الذات وجلاله فإن معنى القيوم الذي يقوم بنفسه ويقوم به غيره وذلك غاية الجلال والعظمة
لا تأخذه سنة ولا نوم تنزيه وتقديس له عما يستحيل عليه من أوصاف الحوادث والتقديس عما يستحيل أحد أقسام المعرفة له ما في السموات وما في الأرض إشارة إلى الأفعال كلها وإن جميعها منه وإليه من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه إشارة إلى انفراده بالملك والحكم والأمر وأن من يملك الشفاعة إنما يملكها بتشريفه إياه والإذن فيها وهذا نفي الشركة عنه في الحكم والأمر يعلم ما بين أيديهم إلى قوله شاء إشارة إلى صفة العلم وتفضيل بعض المعلومات والانفراد بالعلم حتى لا علم لغيره إلا ما أعطاه ووهبه على قدر مشيئته وإرادته وسع كرسية السموات والأرض إشارة إلى عظمة ملكه وكمال قدرته ولا يؤده حفظهما إشارة إلى صفة القدرة وكمالها وتنزيهها عن الضعف والنقصان وهو العلي العظيم إشارة إلى أصلين عظيمين في الصفات
فإذا تأملت هذه المعاني ثم تلوت جميع آي القرآن لم تجد جملتها مجموعة

في آية واحدة فإن شهد الله فيها إلا التوحيد وسورة الإخلاص ليس فيها إلا التوحيد والتقديس و قل اللهم مالك الملك ليس فيها إلا الأفعال والفاتحة فيها الثلاثة لكن غير مشروحة بل مرموزة والثلاثة مجموعة مشروحة في آية الكرسي
والذي يقرب منها في جمعها آخر الحشر وأول الحديد ولكنها آيات لا آية واحدة فإذا قابلت آية الكرسي بأحد تلك الآيات وجدتها أجمع للمقاصد فلذلك استحقت السيادة على الآي كيف وفيها الحي القيوم وهو الاسم الأعظم كما ورد به الخبر انتهى كلام الغزالي
ثم قال إنما قال في الفاتحة أفضل وفي آية الكرسي سيدة لسر وهو أن الجامع بين فنون الفضل وأنواعها الكثيرة يسمى أفضل فإن الفضل هو الزيادة والأفضل هو الأزيد وأما السؤدد فهو رسوخ معنى الشرف الذي يقتضي الاستتباع ويأبى التبعية والفاتحة تتضمن التنبيه على معان كثيرة ومعارف مختلفة فكانت أفضل وآية الكرسي تشتمل على المعرفة العظمى التي هي المقصودة المتبوعة التي يتبعها سائر المعارف فكان اسم السيد بها أليق
انتهى
ثم قال في حديث قلب القرآن يس إن ذلك لأن الإيمان صحته بالاعتراف بالحشر والنشر وهو مقرر في هذه السورة بأبلغ وجه فجعلت قلب القرآن لذلك واستحسنه الإمام فخر الدين
5985 - وقال النسفي يمكن أن يقال إن هذه السورة ليس فيها إلا تقرير الأصول الثلاثة الوحدانية والرسالة والحشر وهو القدر الذي يتعلق بالقلب والجنان وأما الذي باللسان وبالأركان ففي غير هذه السورة فلما كان فيها أعمال القلب لا غير سماها قلبا ولهذا أمر بقراءتها عند المحتضر لأن في ذلك الوقت يكون اللسان ضعيف القوة والأعضاء ساقطة لكن القلب قد أقبل على الله تعالى ورجع عما سواه فيقرأ عنده ما يزداد به قوة في قلبه ويشتد تصديقه بالأصول الثلاثة
انتهى
5986 - واختلف الناس في معنى كون سورة الإخلاص تعدل ثلث القرآن فقيل كأنه سمع شخصا يكررها تكرار من يقرأ ثلث القرآن فخرج الجواب على هذا
وفيه بعد عن ظاهر الحديث وسائر طرق الحديث ترده
5987 - وقيل لأن القرآن يشتمل على قصص وشرائع وصفات وسورة

الإخلاص كلها صفات فكانت ثلثا بهذا الاعتبار
5988 - وقال الغزالي في الجواهر معارف القرآن المهمة ثلاثة معرفة التوحيد والصراط المستقيم والآخرة
وهي مشتملة على الأول فكانت ثلثا
وقال أيضا فيما نقله عنه الرازي القرآن مشتمل على البراهين القاطعة على وجود الله تعالى ووحدانيته وصفاته إما صفات الحقيقة وإما صفات الفعل وإما صفات الحكم فهذه ثلاثة أمور وهذه السورة تشتمل على صفات الحقيقة فهي ثلث
5989 - وقال الخويي المطالب التي في القرآن معظمها الأصول الثلاثة التي بها يصح الإسلام ويحصل الإيمان وهي معرفة الله والاعتراف بصدق رسوله واعتقاد القيام بين يدي الله تعالى فإن من عرف أن الله واحد وأن النبي صادق وأن الدين واقع صار مؤمنا حقا ومن أنكر شيئا منها كفر قطعا
وهذه السورة تفيد الأصل الأول فهي ثلث القرآن من هذا الوجه
5990 - وقال غيره القرآن قسمان خبر وإنشاء والخبر قسمان خبر عن الخالق وخبر عن المخلوق فهذه ثلاثة أثلاث وسورة الإخلاص أخلصت الخبر عن الخالق فهي بهذا الاعتبار ثلث وقيل تعدل في الثواب وهو الذي يشهد له ظاهر الحديث والأحاديث الواردة في سورة الزلزلة والنصر والكافرين لكن ضعف ابن عقيل ذلك وقال لا يجوز أن يكون المعنى فله أجر ثلث القرآن لقوله من قرأ القرآن فله بكل حرف عشر حسنات
5991 - قال ابن عبد البر السكوت في هذه المسألة أفضل من الكلام فيها وأسلم ثم أسند إلى إسحاق بن منصور قلت لأحمد بن حنبل قوله قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن ما وجهه فلم يقل لي فيها على أمر وقال لي إسحاق بن راهويه معناه أن الله لما فضل كلامه على سائر الكلام جعل لبعضه أيضا فضلا في الثواب لمن قرأه تحريضا على تعليمه لا أن من قرأ قل هو الله أحد ثلاث مرات كان كمن قرأ القرآن جميعه هذا لا يستقيم ولو قرأها مائتي مرة
قال ابن عبد البر فهذان إمامان بالسنة ما قاما ولا قعدا في هذه المسألة
5992 - وقال ابن الميلق في حديث إن الزلزلة نصف القرآن لأن أحكام القرآن تنقسم إلى أحكام الدنيا وأحكام الآخرة وهذه السورة تشتمل على أحكام

الآخرة كلها إجمالا وزادت على القارعة بإخراج الأثقال وتحديث الأخبار وأما تسميتها في الحديث الآخر ربعا فلأن الإيمان بالبعث ربع الإيمان في الحديث الذي رواه الترمذي لا يؤمن عبد حتى يؤمن بأربع يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله بعثني بالحق ويؤمن بالموت ويؤمن بالبعث بعد الموت ويؤمن بالقدر فاقتضى هذا الحديث أن الإيمان بالبعث الذي قررته هذه السورة ربع الإيمان الكامل الذي دعا إليه القرآن
5993 - وقال أيضا في سر كون ألهاكم تعدل ألف آية إن القرآن ستة آلاف آية ومائتا آية وكسر فإذا تركنا الكسر كان الألف سدس القرآن وهذه السورة تشتمل على سدس مقاصد القرآن فإنها فيما ذكره الغزالي ستة ثلاث مهمة وثلاث متمة وتقدمت وأحدها معرفة الآخرة المشتمل عليه السورة والتعبير عن هذا المعنى بألف آية أفخم وأجل وأضخم من التعبير بالسدس
5994 - وقال أيضا في سر كون سورة الكافرين ربعا وسورة الإخلاص ثلثا مع أن كلا منهما يسمى الإخلاص أن سورة الإخلاص اشتملت من صفات الله على ما لم تشتمل عليه الكافرون وأيضا فالتوحيد إثبات إلهية المعبود وتقديسه ونفي إلهية ما سواه وقد صرحت الإخلاص بالإثبات والتقديس ولوحت إلى نفي عبادة غيره والكافرون صرحت بالنفي ولوحت بالإثبات والتقديس فكان بين الرتبتين من التصريحين والتلويحين ما بين الثلث والربع
انتهى
تذنيب 5995 - ذكر كثيرون في أثر أن الله جمع علوم الأولين والآخرين في الكتب الآربعة وعلومها في القرآن وعلومه في الفاتحة فزادوا علوم الفاتحة في البسملة وعلوم البسملة في بائها
ووجه بأن المقصود من كل العلوم وصول العبد إلى الرب وهذه الباء باء الإلصاق فهي تلصق العبد بجناب الرب وذلك كمال المقصود
ذكره الإمام الرازي وابن النقيب في تفسيرهما


النوع الرابع والسبعون
في مفردات القرآن 5996 - أخرج السلفي في المختار من الطيوريات عن الشعبي قال لقي عمر بن الخطاب ركبا في سفر فيهم ابن مسعود فأمر رجلا يناديهم من أين القوم قالوا أقبلنا من الفج العميق نريد البيت العتيق فقال عمر إن فيهم لعالما وأمر رجلا أن يناديهم أي القرآن أعظم فأجابه عبد الله الله لا إله إلا هو الحي القيوم قال نادهم أي القرآن أحكم فقال ابن مسعود إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى قال نادهم أي القرآن أجمع فقال فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره فقال نادهم أي القرآن أحزن فقال من يعمل سوءا يجز به فقال نادهم أي القرآن أرجى فقال قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم . . الآية فقال أفيكم ابن مسعود قالوا نعم
أخرجه عبد الرزاق في تفسيره بنحوه
5997 - وأخرج عبد الرزاق أيضا عن ابن مسعود قال أعدل آية في القرآن إن الله يأمر بالعدل والإحسان وأحكم آية فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره إلى اخرها
وأخرج الحاكم عنه قال إن أجمع آية في القرآن للخير والشر إن الله يأمر بالعدل والإحسان
5998 - وأخرج الطبراني عنه قال ما في القرآن آية أعظم فرجا من آية في سورة الغرف قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم . . الآية وما في القرآن آية أكثر

تفويضا من آية في سورة النساء القصرى ومن يتوكل على الله فهو حسبه . . ألاية
5999 - وأخرج أبو ذر الهروي في فضائل القرآن من طريق يحيى بن يعمر عن ابن مسعود قال سمعت رسول الله يقول إن أعظم آية في القرآن الله لا إله إلا هو الحي القيوم . . وأعدل آية في القرآن إن الله يأمر بالعدل والإحسان . . إلى آخرها وأخوف أية في القرآن فمن يعمل مثال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره وأرجى آية في القرآن قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله . . إلى آخرها
6000 - وقد اختلف في أرجى آية في القرآن على بضعة عشر قولا
أحدها آية الزمر
6001 - والثاني أو لم تؤمن قال بلى أخرجه الحاكم في المستدرك وأبو عبيد عن صفوان بن سليم قالا التقى ابن عباس وابن عمر فقال ابن عباس أي آية في كتاب الله أرجى فقال عبد الله بن عمر قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم . . ألاية فقال ابن عباس لكن قول الله وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى قال أو لم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي قال فرضى منه قوله بلى قال فهذا لما يعترض في الصدر مما يوسوس به الشيطان
6002 - الثالث ما أخرجه أبو نعيم في الحلية عن علي بن أبي طالب أنه قال إنكم يا معشر أهل العراق تقولون أرجى آية في القرآن قل يا عبادي الذين أسرفوا . . الآية لكنا أهل البيت نقول أن أرجى آية في كتاب الله ولسوف يعطيك ربك فترضى وهي الشفاعة
6003 - الرابع ما أخرجه الواحدي عن علي بن الحسين قال أشد آية على أهل النار فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذابا وأرجى آية في القرآن لأهل التوحيد إن الله لا يغفر أن يشرك به . . الآية
6004 - وأخرج الترمذي وحسنه عن علي قال أحب آية إلي في القرآن إن الله لا يغفر أن يشرك به . . الآية

6005 - الخامس ما أخرجه مسلم في صحيحه عن ابن المبارك أن أرجى آية في القرآن قوله تعالى ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة إلى قوله ألا تحبون أن يغفر الله لكم
6006 - السادس ما أخرجه ابن أبي الدنيا في كتاب التوبة عن أبي عثمان النهدي قال ما في القرآن آية أرجى عندي لهذه الأمة من قوله وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا
6007 - السابع والثامن قال أبو جعفر النحاس في قوله فهل يهلك إلا القوم الفاسقون إن هذه الآية عندي أرجى آية في القرآن إلا أن ابن عباس قال أرجى آية في القرآن وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم وكذا حكاه عنه مكي ولم يقل على إحسانهم
6008 - التاسع روى الهروي في مناقب الشافعي عن ابن عبد الحكم قال سألت الشافعي أي آية أرجى قال قوله يتيما ذا مقربة أو مسكينا ذا متربة قال وسألته عن أرجى حديث للمؤمن قال إذا كان يوم القيامة يدفع إلى كل مسلم رجل من الكفار فداؤه
6009 - العاشر قل كل يعمل على شاكلته
6010 - الحادي عشر وهل نجازي إلا الكفور
6011 - الثاني عشر إنا قد أوحي إلينا أن العذاب على من كذب وتولى حكاه الكرماني في العجائب
6012 - الثالث عشر وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير
6013 - حكى هذه الأقوال الأربعة النووي في رءوس المسائل والأخير ثابت عن علي ففي مسند أحمد عنه قال ألا أخبركم بأفضل آية في كتاب الله تعالى حدثنا بها رسول الله وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير وسأفسرها لك يا علي ما أصابكم من مرض أو عقوبة أو بلاء في الدنيا

فبما كسبت أيديكم والله أكرم من أن يثني العقوبة وما عفا الله عنه في الدنيا فالله أحلم من أن يعود بعد عفوه
6014 - الرابع عشر قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف قال الشبلي إذا كان الله أذن للكافر بدخول الباب إذا أتى بالتوحيد والشهادة أفتراه يخرج الداخل فيها والمقيم عليها
6015 - الخامس عشر آية الدين ووجهه أن الله أرشد عباده إلى مصالحهم الدنيوية حتى انتهت العناية بمصالحهم إلى أمرهم بكتابة الدين الكثير والحقير فمقتضى ذلك ترجى عفوه عنهم لظهور العناية العظيمة بهم
6016 - قلت ويلحق بهذا ما أخرجه ابن المنذر عن ابن مسعود أنه ذكر عنده بنو إسرائيل وما فضلهم الله به فقال كان بنو إسرائيل إذا أذنب أحدهم ذنبا أصبح وقد كتبت كفارته على أسكفة بابه وجعلت كفارة ذنوبكم قولا تقولونه تستغفرون الله فيغفر لكم والذي نفسي بيده لقد أعطانا الله آية لهي أحب إلي من الدنيا وما فيها والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله . . الآية
6017 - وما أخرجه ابن أبي الدنيا في كتاب التوبة عن ابن عباس قال ثماني آيات نزلت في سورة النساء هن خير لهذه الأمة مما طلعت عليه الشمس وغربت أولهن يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم والثانية والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات والثالثة يريد الله أن يخفف عنكم . . الآية والرابعة إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه . . الآية والخامسة إن الله لا يظلم مثقال ذرة . . الآية والسادسة ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله . . الآية والسابعة إن الله لا يغفر أن يشرك به . . الآية والثامنة والذين آمنوا بالله ورسله ولم يفرقوا بين أحد منهم . . الآية
6018 - وما أخرجه ابن حاتم عن عكرمة قال سئل ابن عباس أي آية أرجى في كتاب الله قال قوله إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا على شهادة أن لا إله إلا الله

6019 - أشد آية ما أخرجه ابن راهويه في مسنده أنبأنا أبو عمرو العقدي أنبأنا عبد الجليل بن عطية عن محمد بن المنتشر قال قال رجل لعمر بن الخطاب إني لأعرف أشد آية في كتاب الله تعالى فأهوى عمر فضربه بالدرة وقال مالك نقبت عنها حتى علمتها ما هي قال من يعمل سوءا يجز به فما منا أحد يعمل سوءا إلا جزي به فقال عمر لبثنا حين نزلت ما ينفعنا طعام ولا شراب حتى أنزل الله بعد ذلك ورخص ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما
6020 - وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال سألت أبا برزة الأسلمي عن أشد آية في كتاب الله تعالى على أهل النار فقال فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذابا
6021 - وفي صحيح البخاري عن سفيان قال ما في القرآن آية أشد علي من لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم
6022 - وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال ما في القرآن أشد توبيخا من هذه الآية لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت . . الآية
6023 - وأخرج ابن المبارك في كتاب الزهد عن الضحاك بن مزاحم قرأ في قول الله لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت قال والله ما في القرآن آية أخوف عندي منها
6024 - وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال ما أنزلت على النبي آية كانت أشد عليه من قوله وتخفي في نفسك ما الله مبديه . . الآية
6025 - وأخرج ابن المنذر عن ابن سيرين لم يكن شيء عندهم أخوف من هذه الآية ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين
6026 - وعن أبي حنيفة أخوف آية في القرآن واتقوا النار التي أعدت للكافرين

6027 - وقال غيره سنفرغ لكم أيها الثقلان ولهذا قال بعضهم لو سمعت هذه الكلمة من خفير الحارة لم أنم
6028 - وفي النوادر لأبي زيد قال مالك أشد آية على أهل الأهواء قوله يوم تبيض وجوه وتسود وجوه . . الآية فتأولها على أهل الأهواء
انتهى
6029 - وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية قال آيتان في كتاب الله ما أشدهما على من يجادل فيه ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا وإن الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد
6030 - وقال السعيدي سورة الحج من أعاجيب القرآن فيها مكي ومدني وحضري وسفري وليلي ونهاري وحربي وسلمي وناسخ ومنسوخ فالمكي من رأس الثلاثين إلى آخرها والمدني من رأس خمس عشرة إلى رأس الثلاثين والليلي خمس آيات من أولها والنهاري من رأس تسع آيات إلى رأس اثنتي عشرة والحضري إلى رأس العشرين
6031 - قلت والسفري أولها والناسخ أذن للذين يقاتلون . . الآية والمنسوخ الله يحكم بينكم . . الآية نسختها آية السيف وقوله وما أرسلنا من قبلك . . نسختها سنقرؤك فلا تنسى
6032 - وقال الكرماني ذكر المفسرون أن قوله تعالى يأيها الذين آمنوا شهادة بينكم . . الآية من أشكل آية في القرآن حكما ومعنى وإعرابا
6033 - وقال غيره قوله تعالى يا بني آدم خذوا زينتكم . . الآية جمعت أصول أحكام الشريعة كلها الأمر والنهي والإباحة والخبر
6034 - وقال الكرماني في العجائب في قوله تعالى نحن نقص عليك أحسن القصص قيل هو قصة يوسف وسماها أحسن القصص لاشتمالها على ذكر حاسد ومحسود ومالك ومملوك وشاهد ومشهود وعاشق ومعشوق وحبس

وإطلاق وسجن وخلاص وخصب وجدب وغيرها مما يعجز عن بيانها طوق الخلق
7035 - وقال ذكر أبو عبيدة عن رؤبة ما في القرآن أعرب من قوله فاصدع بما تؤمر
6036 - وقال ابن خالويه في كتاب ليس ليس في كلام العرب لفظ جمع لغات ما النافية إلا حرف واحد في القرآن جمع اللغات الثلاث وهو قوله ما هن أمهاتهم قرأ الجمهور بالنصب وقرأ بعضهم بالرفع وقرأ ابن مسعود ماهن بأمهاتهم بالباء قال وليس في القرآن لفظ على افعوعل إلا في قراءة ابن عباس ألا إنهم يثنوني صدورهم
6037 - وقال بعضهم أطول سورة في القرآن البقرة وأقصرها الكوثر وأطول آية فيه آية الدين وأقصر أية فيه والضحى والفجر وأطول كلمة فيه رسما فأسقيناكموه
6038 - وفي القرآن آيتان جمعت كل منهما حروف المعجم ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة . . الآية محمد رسول الله . . الآية
6039 - وليس فيه حاء بعد حاء بلا حاجز إلا في موضعين عقدة النكاح حتى لا أبرح حتى
6040 - ولا كافان كذلك إلا مناسككم ما سلككم
6041 - ولا غينان كذلك إلا ومن يبتغ غير الإسلام
6042 - ولا آية فيها ثلاثة وعشرون كافا إلا آية الدين
6043 - ولا آيتان فيهما ثلاثة عشر وقفا إلا آيتا المواريث
6044 - ولا سورة ثلاث آيات فيها عشر واوات إلا والعصر إلى آخرها

6045 - ولا سورة إحدى وخمسون آية فيها اثنان وخمسون وقفا إلا سورة الرحمن
ذكر أكثر ذلك ابن خالويه
6046 - وقال أبو عبد الله الخبازي المقرئ أول ما وردت على السلطان محمود بن ملكشاه سألني عن آية أولها غين فقلت ثلاثة غافر الذنب وآيتان بخلف غلبت الروم غير المغضوب عليهم
6047 - ونقلت من خط شيخ الإسلام ابن حجر في القرآن أربع شدات متوالية في قوله
نسيا رب السموات
في بحر لجي يغشاه موج
قولا من رب رحيم
ولقد زينا السماء


النوع الخامس والسبعون
في خواص القرآن 6048 - أفرده بالتصنيف جماعة منهم التميمي وحجة الإسلام الغزالي ومن المتأخرين اليافعي وغالب ما يذكر في ذلك كان مستنده تجارب الصالحين وها أنا أبدأ بما ورد من ذلك في الحديث ثم ألتقط عيونا مما ذكره السلف والصالحون
6049 - أخرج ابن ماجه وغيره من حديث ابن مسعود عليكم بالشفاءين العسل والقرآن
6050 - وأخرج أيضا من حديث علي خير الدواء القرآن
6051 - وأخرج أبو عبيد عن طلحة بن مصرف قال كان يقال إذا قرئ القرآن عند المريض وجد لذلك خفة
6052 - وأخرج البيهقي في الشعب عن واثلة بن الأسقع أن رجلا شكا إلى النبي وجع حلقه قال عليك بقراءة القرآن 6053 وأخرج ابن مردويه عن أبي سعيد الخدري قال جاء رجل إلى النبي فقال إني أشتكي صدري قال اقرأ القرآن لقول الله تعالى وشفاء لما في الصدور
6054 - وأخرج البيهقي وغيره من حديث عبد الله بن جابر في فاتحة الكتاب شفاء من كل داء
6055 - وأخرج الخلعي في فوائده من حديث جابر بن عبد الله فاتحة الكتاب شفاء من كل شيء إلا السام والسام الموت
6056 - وأخرج سعيد بن منصور والبيهقي وغيرهما من حديث أبي سعيد الخدري فاتحة الكتاب شفاء من السم

6057 - وأخرج البخاري من حديثه أيضا قال كنا في مسير لنا فنزلنا فجاءت جارية فقالت إن سيد الحي سليم فهل معكم راق فقام معها رجل فرقاه بأم القرآن فبرئ فذكر للنبي فقال وما كان يدريه أنها رقية
6058 - وأخرج الطبراني في الأوسط عن السائب بن يزيد قال عوذني رسول الله بفاتحة الكتاب تفلا
6059 - وأخرج البزار من حديث أنس إذا وضعت جنبك على الفراش وقرأت فاتحة الكتاب وقل هو الله أحد فقد أمنت من كل شيء إلا الموت
6060 - وأخرج مسلم من حديث أبي هريرة إن البيت الذي تقرأ فيه البقرة لا يدخله الشيطان
6061 - وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد المسند بسند حسن عن أبي بن كعب قال كنت عند النبي فجاء أعرابي فقال يا نبي الله إن لي أخا وبه وجع قال وما وجعه قال به لمم قال فاتني به فوضعه بين يديه فعوذه النبي بفاتحة الكتاب وأربع آيات من أول سورة البقرة وهاتين الآيتين وإلهكم إله واحد وآية الكرسي وثلاث آيات من آخر سورة البقرة وآية من آل عمران شهد الله أنه لا إله إلا هو وآية من الأعراف إن ربكم الله وآخر سورة المؤمنين فتعالى الله الملك الحق وآية من سورة الجن وأنه تعالى جد ربنا وعشر آيات من أول الصافات وثلاث آيات من آخر سورة الحشر وقل هو الله أحد والمعوذتين فقام الرجل كأنه لم يشك قط
6062 - وأخرج الدارمي عن ابن مسعود موقوفا من قرأ أربع آيات من أول سورة البقرة وآية الكرسي وآيتين بعد آية الكرسي وثلاثا من آخر سورة البقرة لم يقربه ولا أهله يومئذ شيطان ولا شيء يكرهه ولا يقرأن على مجنون إلا أفاق 6063 وأخرج البخاري عن أبي هريرة في قصة الصدقة إن الجني قال له إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي فإنك لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح فقال النبي أما إنه صدقك وهو كذوب

6064 - وأخرج المحاملي في فوائده عن ابن مسعود قال قال رجل يا رسول الله علمني شيئا ينفعني الله به قال اقرأ آية الكرسي فإنه يحفظك وذريتك وحفظ دارك حتى الدويرات حول دارك
6065 - وأخرج الدينوري في المجالسة عن الحسن أن النبي قال إن جبريل أتاني فقال إن عفريتا من الجن يكيدك فإذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي
6066 - وفي الفردوس من حديث أبي قتادة من قرأ آية الكرسي عند الكرب أغاثه الله
6067 - وأخرج الدارمي عن المغيرة بن سبيع وكان من أصحاب عبد الله قال من قرأ عشر آيات من البقرة عند منامه لم ينس القرآن أربع من أولها وآية الكرسي وآيتان بعدها وثلاث من آخرها
6068 - وأخرج الديلمي من حديث أبي هريرة مرفوعا آيتان هما قرآن وهما يشفيان وهما مما يحبهما الله الآيتان من آخر سورة البقرة
6069 - وأخرج الطبراني عن معاذ أن النبي قال له ألا أعلمك دعاء تدعو به لو كان عليك من الدين مثل صبر أداه الله عنك قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء إلى قوله بغير حساب رحمان الدنيا والآخرة ورحيمهما تعطي من تشاء منهما وتمنع من تشاء ارحمني رحمة تغنيني بها عن رحمة من سواك
6070 - وأخرج البيهقي في الدعوات عن ابن عباس إذ استصعبت دابة أحدكم أو كانت شموسا فليقرأ هذه الآية في أذنيها أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السموات والأرض طوعا وكرها وإليه يرجعون
6071 - وأخرج البيهقي في الدعوات
6072 - وأخرج البيهقي في الشعب بسند فيه من لا يعرف عن علي موقوفا سورة الأنعام ما قرئت على عليل إلا شفاه الله

6073 - وأخرج ابن السني عن فاطمة أن رسول الله لما دنا ولادها أمر أم سلمة وزينب بنت جحش أن يأتيا فيقرآ عندها آية الكرسي و إن ربكم الله . . ألاية ويعوذاها بالمعوذتين
6074 - وأخرج ابن السني أيضا من حديث الحسين بن علي أمان لأمتي من الغرق إذا ركبوا أن يقولوا بسم الله مجراها ومرساها إن ربي لغفور رحيم وما قدروا الله حق قدره . . الآية
6075 - وأخرج ابن أبي حاتم عن ليث قال بلغني أن هؤلاء الآيات شفاء من السحر يقرأن في إناء فيه ماء ثم يصب على رأس المسحور الآية التي في سورة يونس فلما ألقوا قال موسى ما جئتم به السحر إلى قوله المجرمون وقوله فوقع الحق وبطل ما كانوا يعملون إلى آخر أربع آيات وقوله إنما صنعوا كيد ساحر . . . الآية
6076 - وأخرج الحاكم وغيره من حديث أبو هريرة ما كربني أمر إلا تمثل لي جبريل فقال يا محمد قل توكلت على الحي الذي لا يموت و وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيرا
6077 - وأخرج الصابوني في المائتين من حديث ابن عباس مرفوعا هذه الآية أمان من السرق قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن . . إلى آخر السورة
6078 - وأخرج البيهقي في الدعوات من حديث أنس ما أنعم الله على عبد نعمة في أهل ولا مال ولا ولد فيقول ما شاء الله لا قوة إلا بالله فيرى فيه آفة دون الموت
6079 - وأخرج الدارمي وغيره من طريق عبدة بن أبي لبابة عن زر بن حبيش قال من قرأ آخر سورة الكهف لساعة يريد أن يقومها من الليل قامها
قال عبده فجربناه فوجدناه كذلك

6080 - وأخرج الترمذي والحاكم عن سعد بن أبي وقاص دعوة ذي النون إذ دعا وهو في بطن الحوت لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين لم يدع بها رجل مسلم في شيء إلا استجاب الله له
6081 - وعن ابن السني إني لأعلم كلمة لا يقولها مكروب إلا فرج عنه كلمة أخي يونس فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين
6082 - وأخرج البيهقي وابن السني وأبو عبيد عن ابن مسعود أنه قرأ في أذن مبتلى فأفاق فقال رسول الله ما قرأت في أذنه قال أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا . . إلى آخر السورة فقال لو أن رجلا مؤمنا قرأ بها على جبل لزال
6083 - وأخرج الديلمي وأبو الشيخ بن حيان في فضائله من حديث أبي ذر ما من ميت يموت فيقرأ عنده يس إلا هون الله عليه
6084 - وأخرج المحاملي في أماليه من حديث عبد الله بن الزبير من جعل يس أمام حاجة قضيت له
وله شاهد مرسل عن الدارمي
6085 - وفي المستدرك عن أبي جعفر محمد بن علي قال من وجد في قلبه قسوة فليكتب يس في جام بماء ورد وزعفران ثم يشربه
6086 - وأخرج ابن الضريس عن أبي سعيد بن جبير أنه قرأ على رجل مجنون سورة يس فبرئ
6087 - وأخرج ايضا عن يحيى بن أبي كثير قال من قرأ يس إذا أصبح لم يزل في فرح حتى يمسى ومن قرأها إذا أمسى لم يزل في فرح حتى يصبح أخبرنا من جرب ذلك
6088 - وأخرج الترمذي من حديث أبي هريرة من قرأ الدخان كلها وأول غافر إلى إليه المصير وآية الكرسي حين يمسى حفظ بها حتى يصبح ومن قرأها حين يصبح حفظ بها حتى يمسى
رواه الدارمي بلفظ لم ير شيئا يكرهه
6089 - وأخرج البيهقي والحارث بن أبي أسامة وأبو عبيد عن ابن مسعود

من قرأ كل ليلة سورة الواقعة لم تصبه فاقة أبدا
6090 - وأخرج البيهقي في الدعوات عن ابن عباس موقوفا في المرأة يعسر عليها ولادها قال يكتب في قرطاس ثم تسقى باسم الله الذي لا إله إلا هو الحليم الكريم سبحان الله وتعالى رب العرش العظيم الحمد لله رب العالمين كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار بلاغ فهل يهلك إلا القوم الفاسقون
6091 - وأخرج أبو داود عن ابن عباس قال إذا وجدت في نفسك شيئا يعني الوسوسة فقل هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم
6092 - وأخرج الطبراني عن علي قال لدغت النبي عقرب فدعا بماء وملح وجعل يمسح عليها ويقرأ قل يأيها الكافرون و قل أعوذ برب الفلق و قل أعوذ برب الناس 6093 وأخرج أبو داود والنسائي وابن حبان والحاكم عن ابن مسعود أن النبي كان يكره الرقى إلا بالمعوذات
6094 - وأخرج الترمذي والنسائي عن أبي سعيد كان رسول الله يتعوذ من الجان وعين الإنسان حتى نزلت المعوذتان فأخذها وترك ما سواها
6095 - فهذا ما وقفت عليه في الخواص من الأحاديث التي لم تصل إلى حد الوضع ومن الموقوفات عن الصحابة والتابعين
6096 - وأما مالم يرد به أثر فقد ذكر الناس من ذلك كثيرا جدا الله أعلم بصحته
6097 - ومن لطيف ما حكاه ابن الجوزي عن ابن ناصر عن شيوخه عن ميمونة بنت شاقول البغدادية قالت آذانا جار لنا فصليت ركعتين وقرأت من فاتحة كل سورة آية حتى ختمت القرآن وقلت اللهم اكفنا أمره ثم نمت وفتحت عيني وإذا به قد نزل وقت السحر فزلت قدمه فسقط ومات
تنبيه 6098 - قال ابن التين الرقي بالمعوذات وغيرها من أسماء الله تعالى هو

الطب الروحاني إذا كان على لسان الأبرار من الخلق حصل الشفاء بإذن الله
فلما عز هذا النوع فزع الناس إلى الطب الجثماني
6099 - قلت ويشير إلى هذا قوله لو أن رجلا موقنا قرأ بها على جبل لزال
6100 - وقال القرطبي تجوز الرقية بكلام الله وأسمائه فإن كان مأثورا استحب
6101 - وقال الربيع سألت الشافعي عن الرقية فقال لا بأس أن يرقى بكتاب الله وما يعرف من ذكر الله
6102 - وقال ابن بطال في المعوذات سر ليس في غيرها من القرآن لما اشتملت عليه من جوامع الدعاء التي تعم أكثر المكروهات من السحر والحسد وشر الشيطان ووسوسته وغير ذلك فلهذا كان يكتفي بها
6103 - وقال ابن القيم في حديث الرقية بالفاتحة إذا ثبت أن لبعض الكلام خواص ومنافع فما الظن بكلام رب العالمين ثم بالفاتحة التي لم ينزل في القرآن ولا غيره من الكتب مثلها لتضمنها جميع ما في الكتاب فقد اشتملت على ذكر أصول أسماء الله ومجامعها وإثبات المعاد وذكر التوحيد والافتقار إلى الرب في طلب الإعانة به والهداية منه وذكر أفضل الدعاء وهو طلب الهداية إلى الصراط المستقيم المتضمن كمال معرفته وتوحيده وعبادته بفعل ما أمر به واجتناب ما نهى عنه والاستقامة عليه ولتضمنها ذكر أصناف الخلائق وقسمتهم إلى منعم عليه لمعرفته بالحق والعمل به ومغضوب عليه لعدوله عن الحق بعد معرفته وضال لعدم معرفته له مع ما تضمنته من إثبات القدر والشرع والأسماء والمعاد والتوبة وتزكية النفس وإصلاح القلب والرد على جميع أهل البدع
وحقيق بسورة هذا بعض شأنها أن يستشفى بها من كل داء انتهى
مسألة 6104 - قال النووي في شرح المهذب لو كتب القرآن في إناء ثم غسله وسقاه المريض فقال الحسن البصري ومجاهد وأبو قلابة والأوزاعي لا بأس به وكرهه

النخعي قال ومقتضى مذهبنا أنه لا بأس به فقد قال القاضي حسين والبغوي وغيرهما لو كتب على حلوى وطعام فلا بأس بأكله
انتهى
6105 - قال الزركشي ممن صرح بالجواز في مسألة الإناء العماد النيهي مع تصريحه بأنه لا يجوز ابتلاع ورقة فيها آية لكن أفتى ابن عبد السلام بالمنع من الشرب أيضا لأنه تلاقيه نجاسة الباطن
وفيه نظر 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ج22.تذكرة الحفاظ/شيوخ صاحب التذكرة الجزء الاخير

شيوخ صاحب تذكرة الحفاظ ج22. 1- ولقد انتفعت وتخرجت بشيخنا الإمام العالم المحدث الحافظ الشهيد أبي الحسين علي ابن الشيخ الفقيه ببعلبك ولز...