حمل مصاحف


فهرس القرآن الكريم الكريمmp3 القرآن الكريم مكتوب

9مصاحف
/ / / /  / / /

شكرا للفريق المجتهد

شكرا لبلوجر وفريقه المحترمين- Thanks to blogger and his respected team

الأربعاء، 23 نوفمبر 2022

ج1.وج2. كتاب : الجواهر الحسان في تفسير القرآن عبد الرحمن بن محمد بن مخلوف الثعالبي

 

ج1.وج2. كتاب : الجواهر الحسان في تفسير 

 القرآن عبد الرحمن بن محمد بن مخلوف 

 الثعالبي.

ج1. كتاب : الجواهر الحسان في تفسير القرآن عبد الرحمن بن محمد بن مخلوف الثعالبي



تفسير الثعالبي الموسوم بجواهر الحسان

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما
يقول العبد الفقير إلى الله المعترف بذنبه الراجي رحمة ربه عبد الرحمن ابن محمد بن مخلوف الثعالبي لطف الله به في الدارين وبسائر المؤمنين
الحمد لله رب العالمين وصلوات ربنا وسلامه على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه السادة المكرمين والحمد لله الذي من علينا بالإيمان وشرفنا بتلاوة القرآن فأشرقت علينا بحمد الله أنواره وبدت لذوي المعارف عند التلاوة أسراره وفاضت على العارفين عند التدبر والتأمل بحاره فسبحان من أنزل على عبده الكتاب وجعله لأهل الفهم المتمسكين به من أعظم الأسباب كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب
أما بعد أيها الأخ أشرق الله قلبي وقلبك بأنوار اليقين وجعلني وإياك من أوليائه المتقين الذين شرفهم بنزل

قدسه وأوحشهم من الخليقة بأنسه وخصهم من معرفته ومشاهدة عجائب ملكوته وآثار قدرته بما ملأ قلوبهم حبره ووله عقولهم في عظمته حيره فجعلوا همهم به واحدا ولم يروا في الدارين غيره فهم بمشاهدة كماله وجلاله يتنعمون وبين آثار قدرته وعجائب عظمته يترددون وبالانقطاع إليه والتوكل عليه يتعززون لهجين بصادق قوله قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون فإني جمعت لنفسي ولك في هذا المختصر ما ارجو أن يقر الله به عيني وعينك في الدارين فقد ضمنته بحمد الله المهم مما اشتمل عليه تفسير ابن عطية وزدته فوائد جمة من غيره من كتب الأئمة وثقات أعلام هذه الأمة حسبما رأيته أو رويته عن الاثبات وذلك قريب من مائة تأليف وما منها تأليف إلا وهو منسوب لإمام مشهور بالدين ومعدود في المحققين وكل من نقلت عنه من المفسرين شيئا فمن تأليفه نقلت وعلى لفظ صاحبه عولت ولم أنقل شيئا من ذلك بالمعنى خوف الوقوع في الزلل وإنما هي عبارات وألفاظ لمن أعزوها إليه وما انفردت بنقله عن الطبري فمن اختصار الشيخ أبي عبد الله محمد بن عبد الله بن أحمد اللخمي النحوي لتفسير الطبري نقلت لأنه اعتنى بتهذيبه وقد أطنب أبو بكر بن الخطيب في حسن الثناء على الطبري ومدح تفسيره وأثنى عليه غاية نسأل الله تعالى أن يعاملنا وإياهم برحمته وكل ما في آخره انتهى فليس هو من كلام ابن عطية بل ذلك مما انفردت بنقله عن غيره ومن أشكل عليه لفظ في هذا المختصر فليراجع الأمهات المنقول منها فليصلحه منها ولا يصلحه برأيه وبديهة عقله فيقع في الزلل من حيث لا يشعر وجعلت علامة

التاء لنفسي بدلا من قلت ومن شاء كتبها قلت وأما العين فلابن عطية وما نقلته من الأعراب عن غير ابن عطية فمن الصفاقسي مختصر أبي حيان غالبا وجعلت الصاد علامة عليه وربما نقلت عن غيره معزوا لمن عنه نقلت وكل ما نقلته عن ابي حيان فإنما نقلي له بواسطة الصفاقسي غالبا قال الصقاقسي وجعلت علامة ما زدته على أبي حيان م وما يتفق لي إن أمكن فعلامته قلت وبالجملة فحيث أطلق فالكلام لأبي حيان وما نقلته من الأحاديث الصحاح والحسان عن غير البخاري ومسلم وأبي داوود والترمذي في باب الأذكار والدعوات فأكثره من النووي وسلاح المؤمن وفي الترغيب والترهيب وأحوال الآخرة فمعظمه من التذكرة للقرطبي والعاقبة لعبد الحق وربما زدت زيادات كثيرة من مصابيح البغوي وغيره كما ستقف عليه إن شاء الله تعالى كل ذلك معزو لمحاله وبالجملة فكتابي هذا محشو بنفائس الحكم وجواهر السنن الصحيحة والحسان المأثورة عن سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم وقد قال أبو عمر بن عبد البر في كتاب التقصي وأولى الأمور بمن نصح نفسه والهم رشده معرفة السنن التي هي البيان لمجمل القرآن بها يوصل إلى مراد الله تعالى من عباده فيما تعبدهم به من شرائع دينه الذي به الابتلاء وعليه الجزاء في دار الخلود والبقاء التي لها يسعى الالباء العقلاء والعلماء الحكماء فمن من الله عليه بحفظ السنن والقرآن فقد جعل بيده لواء الإيمان فإن فقه وفهم واستعمل ما علم دعي في ملكوت السماوات عظيما ونال فضلا جسيما انتهى والله اسأل أن يجعل هذا السعي خالصا لوجهه وعملا صالحا يقربنا إلى مرضاته وحسبنا الله ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

وسميته بالجواهر الحسان في تفسير القرآن
سأل الله أن ينفع به كل من حصله وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا عدد ما ذكره الذاكرون وغفل عن ذكره الغافلون وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وها أنا إن شاء الله أشرع في المقصود والتقط من كلام ابن عطية رحمه الله ما ستقف عليه من النبذ الحسنة المختارة ما تقر به العين وإذا نقلت شيئا من غيره عزوته لصاحبه كما تقدم قال ع رحمه الله بعد كلام في اثناء خطبته ولما أردت أن أختار لنفسي وانظر في علم أعد أنواره لظلم رمسى سبرت العلوم بالتنويع والتقسيم وعلمت أن شرف العلم على قدر شرف المعلوم فوجدت أمتنها حبالا وأرسخها جبالا وأجملها آثارا واسطعها أنوارا علم كتاب الله جلت قدرته وتقدست أسماؤه الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد الذي استقل بالسنة والفرض ونزل به أمين السماء إلى أمين الأرض وأيقنت أنه أعظم العلوم تقريبا إلى الله تعالى وتخليصا للنيات ونهيا عن الباطل وحضا على الصالحات إذ ليس من علوم الدنيا فيختل حامله من منازلها صيدا ويمشي في التلطف لها رويدا ورجوت أن الله تعالى يحرم على النار فكرا عمرته أكثر عمره معانيه ونفسا ميزت براعة رصفه ومبانيه ثم قال قال الله تعالى انا سنلقى عليك قولا ثقيلا قال المفسرون ايى علم معانيه والعمل بها وقد قال النبي صلى الله عليه و سلم قيدوا العلم بالكتب ففزعت إلى تعليق ما يتنخل لي في المناظرة من علم التفسير قال ولنقدم بين يدي القول في التفسير أشياء قد قدم أكثرها المفسرون وأشياء ينبغي أن تكون راسخة في حفظ الناظر في هذا العلم مجتمعة لذهنه

باب في فضل القرآن
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم أنها ستكون فتن كقطع الليل المظلم قيل فما النجاة منها يا رسول الله قال كتاب الله تبارك وتعالى فيه نبأ من قبلكم وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم وهو فصل ليس بالهزل من تركه تجبرا قصمه الله ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله وهو حبل الله المتين ونوره المبين والذكر الحكيم والصراط المستقيم هو الذي لا تزيغ به الاهواء ولا تتشعب معه الآراء ولا يشبع منه العلماء ولا يمله الأتقياء من علم علمه سبق ومن عمل به اجر ومن حكم به عدل ومن اعتصم به فقد هدي إلى صراط مستقيم وقال رسول الله صلى الله عليه و سلم من أراد علم الأولين والآخرين فليثور القرآن وقال صلى الله عليه و سلم ان الذي يتعاهد القرآن ويشتد عليه له أجران والذي يقرأه وهو خفيف عليه مع السفرة الكرام البررة وقال صلى الله عليه و سلم اتلوا هذا القرآن فان الله ياجركم بالحرف منه عشر حسنات أما أنى لا أقول ألم حرف ولكن الألف حرف واللام حرف والميم حرف وقال صلى الله عليه و سلم ما من شفيع افضل عند الله من القرآن لا نبي ولا ملك وقال صلى الله عليه ولم افضل عبادة امتي القرآن وحدث انس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه و سلم انه قال من قرأ مائة آية كتب من القانتين ومن قرأ مائتي آية لم يكتب من الغافلين ومن قرأ ثلاثمائة آية لم يحاجه القرآن قال الشيخ يحيى بن شرف النووي اعلم ان قراءة القرآن اكد الاذكار وافضلها فينبغي المداومة عليها فلا يخلو عنها يوما وليلة ويحصل له اصل القراءة بقراءة الآيات القليلة والمطلوب القراءة بالتدبر والخشوع والخضوع وقد روينا في كتاب ابن السني عن انس عن النبي صلى الله عليه

وسلم انه قال من قرأ خمسين آية لم يكتب من الغافلين ومن قرأ مائة آية كتب من القانتين ومن قرأ مائتي آية لم يحاجه القرآن يوم القيامة ومن قرأ خمسمائة آية كتب له قنطار من الاجر وفي رواية من قرأ أربعين آية بدل خمسين وفي رواية عشرين آية وفي رواية عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم من قرأ عشر آيات لم يكتب من الغافلين وجاء في الباب أحاديث كثيرة بنحو هذا انتهى من الحلية وروى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال اشراف امتي حملة القرآن وروى انس بن مالك ان رسول الله صلى الله عليه و سلم قال القرآن شافع مشفع وما حل مصدق ومن شفع له القرآن نجا ومن محل به القرآن يوم القيامة كبه الله لوجهه في النار واحق من شفع له القرآن اهله وحملته واولى من محل به من عدل عنه وضيعه وقال قوم من الأنصار للنبي صلى الله عليه و سلم الم تر يا رسول الله ثابت بن قيس لم تزل داره البارحة يزهر فيها وحولها أمثال المصابيح فقال لهم فلعله قرأ سورة البقرة فسئل ثابت ابن قيس فقال نعم قرأت سورة البقرة وفي هذا المعنى حديث صحيح عن اسيد ابن حضير في تنزل الملائكة في الظلة لصوته بقراءة سورة البقرة قلت وفي رواية سورة الكهف وهذا الحديث خرجه البخاري ومسلم والترمذي والنساءي انتهى وقال عقبة بن عامر عهد الينا رسول الله صلى الله عليه و سلم في حجة الوداع فقال عليكم بالقرآن وقال عبد الله بن عمرو بن العاص ان من اشراط الساعة ان يبسط القول ويخزن الفعل ويرفع الاشرار ويوضع الاخيار وان تقرأ المثناة على رءوس الناس لا تغير قيل وماالمثناة قال ما استكتب من غير كتاب الله قيل له فكيف بما جاء من حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم قال ما اخذتموه عن من تامنونه على نفسه ودينه فاعقلوه وعليكم بالقرآن فتعلموه وعلموه ابناءكم

فانكم عنه تسألون وبه تجزون وكفى به واعظا لمن عقل وقال رجل لعبد الله ابن مسعود اوصني فقال إذا سمعت الله تعالى يقول يا ايها الذين ءامنوا فارعها سمعك فإنه خير يأمر به او شر ينهى عنه وروى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم سئل عن احسن الناس قراءة أو صوتا بالقرآن فقال الذي إذا سمعته رأيته يخشى الله تعالى وقال صلى الله عليه و سلم اقرءوا القرآن قبل ان يجيء قوم يقيمونه كما يقام القدح ويضيعون معانيه يتعجلون اجره ولا يتأجلونه وروي أن أهل اليمن لما قدموا أيام أبي بكر الصديق رضي الله عنه سمعوا القرآن فجعلوا يبكون فقال أبو بكر هكذا كنا ثم قست القلوب وروي ان عمر بن الخطاب رضي الله عنه قرأ مرة ان عذاب ربك لواقع ما له من دافع فأن أنة عيد منها عشرين يوما قال القرطبي في التذكرة وما تقرب المتقربون إلى الله تعالى بشيء مثل القرآن قال صلى الله عليه و سلم يقول الرب تبارك وتعالى من شغله قراءة القرآن عن مسألتي اعطيته افضل ما اعطى السائلين رواه الترمذى انتهى قلت ولفظ الترمذى عن أبي سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول الرب عز و جل من شغله القرآن وذكري عن مسألتي اعطيته افضل ما اعطي السائلين وفضل كلام الله على سائر الكلام كفضل الله على خلقه قال أبو عيسى هذا حديث حسن غريب وعن عبدالله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه و سلم قال لم يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح انتهى وعماد الامر التدبر والتفهم فقلة القراءة مع التفهم افضل من كثرتها من غير تفهم وهذا الذي عليه المحققون وهو الذي يدل عليه القرآن وصحيح الآثار ولولا الاطالة لاتينا من ذلك بما يثلج له الصدر وقد ذكر بعض شراح الرسالة في الذي يقرأ القرآن من غير تأمل ولا تفهم هل له أجر أم لا قولان وهذا

الخلاف والله اعلم في غير المتعلم والقول بعدم الاجر على ضعفه هو ظاهر ما حكاه عياض في المدارك عن الشلبي في قصته مع الامام المقرىء وبالجملة فالتدبر والتفهم هو الذي يحصل معه الانابة والخشوع وكل خير ونقل الباجى في سنن الصالحين عن محمد بن كعب القرظي قال لان اقرأ في ليلى حتى أصبح بإذا زلزلت وبالقارعة لا أزيد عليها واتردد فيها واتفكر احب إلى من أن اهذ القرآن ليلى هذا أو قال انثره نثرا ونحوه عن مجاهد وغيره وعن ابن عباس قال ركعتان مقتصدتان في تفكر خير من قيام ليلة والقلب ساه انتهى قال ابن ابي جمرة والمرغب فيه التدبر في القراءة وان قلت وهو خير من كثرة القراءة بلا تدبر وفائدة التدبر هو أن تعرف معنى ما تتلوه من الآي انتهى وقال الحسن بن أبي الحسن انكم اتخذتم قراءة القرآن مراحل وجعلتم الليل جملا تركبونه فتقطعون به المراحل وان من كان قبلكم رأوه رسائل اليهم من ربهم فكانوا يتدبرونه بالليل وينفذونه بالنهار وكان ابن مسعود رضي الله عنه يقول انزل عليهم القرآن ليعملوا به فاتخذوا درسه عملا ان احدهم ليتلو القرآن من فاتحته إلى خاتمته ما يسقط منه حرفا وقد اسقط العمل به قال ع قال الله تعالى ولقد يسرنا القرآن للذكر وقال تعال انا سنلقي عليكم قولا ثقيلا أي علم معانيه والعمل به والقيام بحقوقه ثقيل فمال الناس إلى الميسر وتركوا الثقيل وهو المطلوب منهم وقيل ليوسف بن اسباط بأي شيء تدعوا إذا ختمت القرآن فقال استغفر الله من تلاوتي لأني إذا ختمته ثم تركت ما فيه من الاعمال خشيت المقت فاعدل إلى الاستغفار والتسبيح وقرأ رجل القرآن على بعض العلماء قال فلما ختمته اردت الرجوع من اوله فقال لي اتخذت القراءة علي عملا اذهب فاقرأه على الله تعال في ليلك وانظر ماذا يفهمك منه قال الغزالي في كتاب

التفكر واما طريق الفكر الذي تطلب به العلوم التي تثمر اجتلاب احوال محمودة أو التنزه عن صفات مذمومة فلا يوجد فيه انفع من تلاوة القراءن بالفكر فانه جامع لجميع المقامات والاحوال وفيه شفاء للعالمين وفيه ما يورث الخوف والرجاء والصبر والشكر والمحبة والشوق وسائر الاحوال المحمودة وفيه ما يزجر عن سائر الصفات المذمومة فينبغي ان يقرأه العبد ويردد الآية التي هو محتاج إلى التفكر فيها مرة بعد أخرى ولو ليلة كاملة فقراءة آية بتفكر وفهم خير من ختمة من غير تدبر وفهم فان تحت كل كلمة منه اسرارا لا تنحصر ولا يوقف عليها الا بدقيق الفكر عن صفاء القلب بعد صدق المعاملة وكذلك حكم مطالعة اخبار رسول الله صلى الله عليه و سلم فقدة اوتي عليه السلام جوامع الكلم فكل كلمة من كلماته بحر من بحور الحكمة لو تأمله العالم حق تأمله لم ينقطع فيه نظره طول عمره وشرح ءاحاد الآيات والاخبار يطول وانظر قوله صلى الله عليه و سلم ان روح القدس نفث في روعى احبب من احببت فانك مفارقه وعش ما شئت فانك ميت واعمل ما شئت فانك مجزي به فان هذه الكلمات جامعة لحكم الاولين والآخرين وهي كافية للمتأملين ولو وقفوا على معانيها وغلبت على قلوبهم غلبة يقين لاستغرقتهم ولجالت بينهم وبين التلفت إلى الدنيا بالكلية انتهى من الاحياء باب في فضل تفسير القرآن واعرابه
قال النبي صلى الله عليه و سلم اعربوا القرآن والتمسوا غرائبه فان الله تعالى يحب ان يعرب قال أبو العالية في تفسير قوله عز و جل ومن يوت الحكمة فقد اوتي خيرا كثيرا قال الحكمة الفهم في القرآن وقال قتادة الحكمة القرآن والفقه

فيه وقال غيره الحكمة تفسير القرآن وقال الشعبي رحل مسروق إلى البصرة في تفسير آية فقيل له ان الذي يفسرها رحل إلى الشام فتجهز ورحل اليه حتى علم تفسيرها وذكر علي بن أبي طالب رضي الله عنه جابر بن عبد الله فوصفه بالعلم فقال له رجل جعلت فداك تصف جابرا بالعلم وانت انت فقال انه كان يعرف تفسير قوله تعالى ان الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد وقال اياس ابن معاوية مثل الذين يقرءون القرآن وهم لا يعلمون تفسيره كمثل قوم جاءهم كتاب من ملكهم ليلا وليس عندهم مصباح فتداخلتهم روعة لا يدرون ما في الكتاب ومثل الذي يعلم التفسير كرجل جاءهم بمصباح فقرءوا ما في الكتاب وقال ابن عباس الذي يقرأ ولا يفسر كالاعرابي الذي يهذ الشعر وقال مجاهد احب الخلق إلى الله اعلمهم بما انزل الله وقال الحسن والله ما انزل الله آية الا احب ان يعلم فيمن انزلت وما يعنى بها وقال النبي صلى الله عليه و سلم لا يفقه الرجل كل الفقه حتى يرى للقرءان وجوها كثيرة
فصل فيما قيل في الكلام في تفسير القرآن والجرءة عليه ومراتب المفسرين
روي عن عائشة رضي الله عنها انها قالت ما كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يفسر من كتاب الله تعالى الا ءايا بعدد علمهن اياه جبريل عليه السلام قال ع ومعنى هذا الحديث في مغيبات القرآن وتفسير مجمله ونحو هذا مما لا سبيل اليه الا بتوقيف من الله تعالى ومن جملة مغيباته ما لم يعلم الله به عباده كوقت قيام الساعة ونحوها ومنها ما يستقرأ من الفاظه كعدد النفخات في الصور وكرتبة خلق السموات والأرض وروي ان رسول الله صلى الله عليه و سلم قال من

تكلم في القرآن برأيه فاصاب فقد أخطأ ومعنى هذا أن يسأل الرجل عن معنى في كتاب الله فيتسور عليه برأيه دون نظر فيما قال العلماء أو اقتضته قوانين العلوم كالنحو والأصول وليس يدخل في هذا الحديث أن يفسر اللغويون لغته والنحاة نحوه والفقهاء معانيه ويقول كل واحد باجتهاده المبني على قوانين علم ونظر فإن هذا القائل على هذه الصفة ليس قائلا بمجرد رأيه وكان جلة من السلف كسعيد ابن المسيب وعامر الشعبي وغيرهما يعظمون تفسير القرآن ويتوقفون عنه تورعا واحتياطا لأنفسهم مع إدراكهم وتقدمهم وكان جلة من السلف كثير عددهم يفسرونه وهم ابقوا على المسلمين في ذلك رضي الله عن جميعهم ت وخرج أبو عيسى الترمذي في جامعه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح وخرج أيضا عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه و سلم قال اتقوا الحديث عني إلا ما علمتم فمن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ومن قال في القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار قال ابو عيسى هذا حديث حسن وخرج عن جندب قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من قال في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ قال أبو عيسى هكذا روي عن بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم وغيرهم أنهم شددوا في هذا في أن يفسر القرآن بغير علم وأما الذي روي عن مجاهد وقتادة وغيرهما من أهل العلم أنهم فسروا القرآن فليس الظن بهم أنهم قالوا في القرآن أو فسروه بغير علم أو من قبل انفسهم وقد روي عنهم ما يدل على ما قلنا أنهم لم يقولوا من قبل أنفسهم بغير علم حدثنا الحسين بن مهدي البصري حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال ما في القرآن آية الا وقد سمعت فيها بشيء وحدثنا ابن

أبى عمر حدثنا سفيان بن عيينه عن الاعمش قال قال مجاهد لو كنت قرأت قراءة ابن مسعود لم أحتج إلى أن أسأل ابن عباس عن كثير من القرآن مما سألت انتهى ما نقلته من الترمذي ثم قال ع فأما صدر المفسرين والمؤيد فيهم فعلي بن أبي طالب رضي الله عنه ويتلوه عبد الله بن عباس رضي الله عنهما وهو تجرد للأمر وكمله وتتبعه العلماء عليه كمجاهد وسعيد بن جبير وغيرهما والمحفوظ عنه في ذلك اكثر من المحفوظ عن علي بن ابي طالب وقال ابن عباس ما اخذت من تفسير القرآن فعن علي بن أبي طالب وكان علي بن أبي طالب يثني على تفسير ابن عباس ويحض على الأخذ عنه وكان عبد الله ابن مسعود يقول نعم ترجمان القرآن عبد الله بن عباس وهو الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه و سلم اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل وحسبك بهذه الدعوة ويتلوه عبد الله بن مسعود وأبي بن كعب وزيد بن ثابت وعبد الله بن عمرو بن العاص وكل ما اخذ عن الصحابة فحسن متقدم ومن المبرزين في التابعين الحسن بن أبي الحسن ومجاهد وسعيد بن جبير وعلقمة وقد قرأ مجاهد على ابن عباس قراءة تفهم ووقوف عند كل آية ويتلوهم عكرمة والضحاك بن مزاحم وان كان لم يلق ابن عباس وانما اخذ عن ابن جبير وأما السدى رحمه الله تعالى فكان عامر الشعبي يطعن عليه وعلى أبى صالح لأنه كان يراهما مقصرين في النظر ثم حمل تفسير كتاب الله عز و جل عدول كل خلف والف الناس فيه كعبد الزراق والمفضل وعلي بن أبي طلحة والبخاري وغيرهم ثم أن محمد بن جرير الطبري رحمه الله جمع علىالناس اشتات التفسير وقرب البعيد وشفى في الاسناد ومن المبرزين في المتأخرين أبو إسحاق الزجاج وأبو علي الفارسي فإن كلامهما منخول وأما أبو بكر النقاش وأبو جعفر النحاس رحمهما الله فكثيرا ما

استدرك الناس عليهما وعلى سننهما مكي بن أبي طالب رحمه الله وأبو العباس المهدوي رحمه الله متقن التأليف وكلهم مجتهد ماجور رحمهم الله ونضر وجوههم
فصل
واختلف الناس في معنى قوله صلى الله عليه و سلم انزل القرآن على سبعة احرف فاقرءوا ما تيسر منه ثم قال ع بعد كلام والذي مال إليه كثير من أهل العلم كأبي عبيد وغيره أن معنى الحديث أنه أنزل على سبع لغات لسبع قبائل ثم اختلفوا في تعيينهم وانا الخص الغرض جهدي بحول الله فأصل ذلك وقاعدته قريش ثم بنو سعد بن بكر لأن النبي صلى الله عليه و سلم قرشي واسترضع في بني سعد ونشأ فيهم ثم ترعرع وشب وهو يخالط في اللسان كنانة وهذيلا وثقيفا وخزاعة وأسد وضبة والفافها لقربهم من مكة وتكرارهم عليها ثم بعد هذه تميما وقيسا ومن انضاف إليهم وسط جزيرة العرب فلما بعثه الله تعالى ويسر عليه أمر الأحرف أنزل عليه القرآن بلغة هذه الجملة المذكورة وهي التي قسمها على سبعة لها السبعة الأحرف وهي اختلافها في العبارة قال ثابت بن قاسم لو قلنا من هذه الأحرف لقريش ومنها لكنانة ومنها لأسد ومنها لهذيل ومنها لتميم ومنها لضبة والفافها ومنها لقيس لكان قداتي على قبائل مضر فى مراتب سبعة تستوعب اللغات التي نزل بها القرآن وهذا نحو ما ذكرناه وهذه الجملة هي التي انتهت إليها الفصاحة وسلمت لغاتها من الدخل ويسرها الله لذلك ليظهر آية نهيه بعجزها عن معارضة ما أنزل عليه وسبب سلامتها أنها في وسط جزيرة العرب في الحجاز ونجد وتهامة فلم تطرقها الأمم فأما اليمن وهو جنوبي الجزيرة فأفسدت كلام عربه خلطة الحبشة والهنود على أن أبا عبيد القاسم بن سلام وأبا العباس المبرد قد ذكرا أن عرب اليمن من القبائل التي نزل القرآن بلغاتها قال ع وذلك عندي إنما هو فيما استعملته

عرب الحجاز من لغة اليمن كالعرم والفتاح فأما ما انفردوا به كالزخيخ والقلوب فليس في كتاب الله منه شيء وأما ما وإلى العراق من جزيرة العرب وهي بلاد ربيعة وشرقي الجزيرة فأفسدت لغتها مخالطة الفرس والنبط ونصارى الحيرة وغير ذلك وأما الذي يلي الشام وهو شمالي الجزيرة وهي بلاد ءال جفنة وغيرهم فأفسدها مخالطة الروم وكثير من بني اسرائل وأما غربي الجزيرة فهي جبال تسكن بعضها هذيل وغيرهم وأكثرها غير معمور فبقيت القبائل المذكورة سليمة اللغات لم تكدر صفو كلامها أمة من العجم ويقوى هذا المنزع أنه لما أتسع نطاق الإسلام وداخلت الأمم العرب وتجرد أهل المصرين البصرة والكوفة لحفظ لسان العرب وكتب لغتها لم يأخذوا إلا من هذه القبائل الوسيطة المذكورة ومن كان معها وتجنبوا اليمن والعراق والشام فلم يكتب عنهم حرف واحد وكذلك تجنبوا حواضر الحجاز مكة والمدينة والطائف لأن السبي والتجار من الأمم كثروا فيها فأفسدوا اللغة وكانت هذه الحواضر في مدة النبي صلى الله عليه و سلم سليمة لقلة المخالطة فمعنى قول النبي صلى الله عليه و سلم أنزل القرآن على سبعة أحرف أي فيه عبارات سبع قبائل بلغة جملتها نزل القرآن فيعبر عن المعنى فيه مرة بعبارة قريش ومرة بعبارة هذيل ومرة بغير ذلك بحسب الأفصح والأوجز في اللفظة الا ترى أن فطر معناها عند غير قريش ابتداء خلق الشيء وعمله فجاءت في القرآن فلم تتجه لابن عباس حتى اختصم إليه أعرابيان في بئر فقال أحدهما أنا فطرتها قال ابن عباس ففهمت حينئذ موقع قوله سبحانه فاطر السماوات والأرض وقال أيضا ما كنت أدري معنى قوله تعالى ربنا افتح بيننا وبين قومنا حتى سمعت بنت ذي جدن تقول لزوجها تعال افاتحك أي أحاكمك وكذلك قال عمر بن الخطاب رضي الله

عنه وكان لا يفهم معنى قوله تعالى أو يأخذهم على تخوف فوقف به فتى فقال ان أبي يتخوفني حقي فقال عمر الله اكبر أو يأخذهم على تخوف أي على تنقص لهم وكذلك اتفق لقطبة بن مالك إذ سمع النبي صلى الله عليه و سلم يقرأ في الصلاة والنحل باسقات ذكره مسلم في باب القراءة في صلاة الفجر إلى غير هذا من الأمثلة فأباح الله تعالى لنبيه عليه السلام هذه الحروف السبعة وعارضه بها جبريل في عرضاته على الوجه الذي فيه الإعجاز وجودة الرصف ولم تقع الإباحة في قوله فاقرءوا ما تيسر منه بأن يكون كل واحد من الصحابة إذا أراد أن يبدل اللفظة من بعض هذه اللغات جعلها من تلقاء نفسه ولو كان هذا لذهب إعجاز القرآن وكان معرضا أن يبدل هذا وهذا حتى يكون غير الذي نزل من عند الله وإنما وقعت الإباحة في الحروف السبعة للنبي صلى الله عليه و سلم ليوسع بها على أمته فقرأ مرة لأبي بما عارضه به جبريل ومرة لابن مسعود بما عارضه به أيضا وفي صحيح البخاري عن النبي صلى الله عليه و سلم قال أقرأني جبريل على حرف فراجعته فلم أزل أستزيده ويزيدني حتى انتهى إلى سبعة أحرف
فصل في ذكر الألفاظ التي في القرآن مما للغات العجم بها تعلق
اختلف الناس في هذه المسألة فقال أبو عبيدة وغيره أن في كتاب الله تعالى من كل لغة وذهب الطبري وغيره إلى أن القرآن ليس فيه لفظة إلا وهي عربية صريحة وأن الأمثلة والحروف التي تنسب إلى سائر اللغات إنما اتفق فيها توارد اللغتين فتكلمت العرب والفرس أو الحبشة بلفظ واحد وذلك مثل قوله

تعالى إن ناشئة الليل قال ابن عباس نشأ بلغة الحبشة قام من الليل ومنه قوله تعالى يؤتكم كفلين من رحمته قال أبو موسى الأشعري كفلان ضعفان من الأجر بلسان الحبشة وكذلك قال ابن عباس في القسورة أنه الأسد بلغة الحبشة إلى غير هذا من الأمثلة قال ع والذي أقوله أن القاعدة والعقيدة هي أن القرآن بلسان عربي مبين وليس فيه لفظة تخرج عن كلام العرب فلا تفهمها الا من لسان ءاخر فاما هذه الالفاظ وما جرى مجراها فانه قد كان للعرب العاربة التي نزل القرآن بلسانها بعض مخالطة لسائر الألسنة بتجارات وسفر إلى الشام وأرض الحبشة فعلقت العرب بهذا كله الفاظا أعجمية غيرت بعضها بالنقص من حروفها وجرت إلى تخفيف ثقل العجمة واستعملتها في أشعارها ومحاوراتها حتى جرت مجرى العربي الصريح ووقع بها البيان وعلى هذا الحد نزل بها القرآن فإن جهلها عربي ما فكجهله الصريح مما في لغة غيره كما لم يعرف ابن عباس معنى فاطر إلى غير ذلك فحقيقة العبارة عن هذه الألفاظ أنها في الأصل أعجمية لكن استعملتها العرب وعربتها فهي عربية بهذا الوجه وما ذهب إليه الطبري من أن اللغتين اتفقتا في لفظة لفظة فذلك بعيد بل إحداهما أصل والأخرى فرع في الأكثر لأنا لا ندفع أيضا جواز الاتفاق قليلا شاذا باب تفسير أسماء القرآن وذكر السورة والآية
هو القرآن وهو الكتاب وهو الفرقان وهو الذكر فالقرآن مصدر من قولك قرأ الرجل إذا تلا يقرأ قرءانا وقراءة وقال قتادة القرآن معناه التأليف قرأ الرجل إذا جمع وألف قولا وبهذا فسر قتادة قوله تعالى إن علينا جمعه وقرآنه أي تأليفه

والقول الأول أن القرآن مصدر من قرأ إذا تلا ومنه قول حسان بن ثابت يرثي عثمان بن عفان رضي الله عنه ... ضحوا باشمط عنوان السجود به ... يقطع الليل تسبيحا وقرءانا ...
أي وقراءة وأما الكتاب فهو مصدر من كتب إذا جمع ومنه قيل كتيبة لاجتماعها ومنه قول الشاعر ... واكتبها باسيار ...
أي اجمعها وأما الفرقان فهو أيضا مصدر لأنه فرق بين الحق والباطل والمؤمن والكافر فرقانا وفرقانا وأما الذكر فسمي بذلك لأنه ذكر به الناس ءاخرتهم وإلاههم وما كانوا في غفلة عنه فهو ذكر لهم وقيل سمي بذلك لأن فيه ذكر الأمم الماضية والأنبياء وفيل سمي بذلك لأنه ذكر وشرف لمحمد صلى الله عليه و سلم وقومه وسائر العلماء به وأما السورة فإن قريشا كلها ومن جاورها من قبائل العرب كهذيل وسعد بن بكر وكنانة يقولون سورة بغير همز وتميم كلها وغيرهم يهمزون فأما من همز فهي عنده كالبقية من الشيء والقطعة منه التي هي سؤر وسؤرة من اسأر إذا ابقى ومنه سؤر الشراب وأما من لا يهمز فمنهم من يراها من المعنى المتقدم إلا أنها سهلت همزتها ومنهم من يراها مشبهة بسورة البناء أي القطعة منه لأن كل بناء فإنما بني قطعة بعد قطعة فكل قطعة منها سورة فكان سور القرآن هي قطعة بعد قطعة حتى كمل منها القرآن ويقال أيضا للرتبة الرفيعة من المجد والملك سورة ومنه قول النابغة الذبياني للنعمان بن المنذر ... ألم تر ان الله أعطاك سورة ... ترى كل ملك دونها يتذبذب ...
فكأن الرتبة انبنت حتى كملت وأما الآية فهي العلامة في كلام العرب ولما كانت الجملة التامة من القرآن علامة على صدق الآتي بها وعلى عجز المتحدى بها سميت آية هذا قول بعضهم وقيل سميت آية لما كانت جملة وجماعة كلام كما تقول العرب جئنا بآيتنا أي بجماعتنا وقيل لما كانت علامة للفصل بين ما قبلها

وما بعدها سميت آية ت وقوله صلى الله عليه و سلم في الصحيح آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب الحديث وآية الإيمان حب الأنصار وآية ما بيننا وبين المنافقين شهود العشاء يقوى القول الأول والله أعلم وهذا هو الراحج في مختصر الطبري قال والآية العلامة وذلك أطهر في العربية والقرآن واصح القول أن آيات القرآن علامات للإيمان وطاعة الله تعالى ودلالات على وحدانيته وإرسال رسله وعلى البعث والنشور وأمور الآخرة وغير ذلك مما تضمنته علوم القرآن انتهى باب في الاستعاذة
قال الله عز و جل فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم معناه إذا أردت أن تقرأ فأوقع الماضي موقع المستقبل لثبوته وأجمع العلماء على أن قول القارىء اعوذ بالله من الشيطان الرجيم ليس بآية من كتاب الله واجمعوا على استحسان ذلك والتزامه عند كل قراءة في غير صلاة واختلفوا في التعوذ في الصلاة فابن سيرين والنخعي وقوم يتعوذون في كل ركعة ويمتثلون أمر الله سبحانه بالاستعاذة على العموم في كل قراءة وابو حنيفة والشافعي يتعوذان في الركعة الأولى من الصلاة ويريان قراءة الصلاة كلها كقراءة واحدة ومالك رحمه الله لا يرى التعوذ في الصلاة المفروضة ويراه في قيام رمضان ولم يحفظ عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه تعوذ في صلاة وأما لفظ الاستعاذة فالذي عليه جمهور الناس وهو لفظ كتاب الله تعالى أعوذ بالله من الشيطان الرجيم وأما المقرءون فأكثروا في هذا من تبديل الصفة في اسم الله وفي الجهة الأخرى كقول بعضهم أعوذ بالله المجيد من الشيطان المريد ونحو هذا مما هذا مما لا أقول فيه نعمت البدعة ولا أقول أنه لا يجوز

ومعنى الاستعاذة الاستجارة والتحيز إلى الشيء على وجه الامتناع به من المكروه وأما الشيطان فاختلف في اشتقاقه فقال المحذاق هو فيعال من شطن إذا بعد لأنه بعد عن الخير والرحمة وأما الرجيم فهو فعيل بمعنى مفعول كقتيل وجريح ومعناه أنه رجم باللغة والمقت وعدم الرحمة باب في تفسير بسم الله الرحمن الرحيم
روي أن رجلا قال بحضرة النبي صلى الله عليه و سلم تعس الشيطان فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لا تقل ذلك فإنه يتعاظم عنده ولكن قل بسم الله الرحمن الرحيم فإنه يصغر حتى يصير اقل من الذباب والبسملة تسعة عشر حرفا قال بعض الناس إن رواية بلغتهم أن ملائكة النار الذين قال الله فيهم عليها تسعة عشر إنما ترتب عددهم على حروف بسم الله الرحمن الرحيم لكل حرف ملك وهم يقولون في كل أفعالهم بسم الله الرحمن الرحيم فمن هنالك هي قوتهم وباسم الله استضلعوا قال ع وهذا من ملح التفسير وليس من متين العلم ت ولا يخفي عليك لين ما بلغ هؤلاء ولقد أغنى الله تعالى بصحيح الأحاديث وحسنها عن موضوعات الوراقين فجزى الله نقاد الأمة عنا خيرا وما جاء من الأثر عن جابر وأبي هريرة مما يقتضي بظاهره أن البسملة آية من الفاتحة يرده صحيح الأحاديث كحديث أنس وأبي بن كعب وحديث قسمت الصلاة بيني وبين عبدي ونحوها ولم يحفظ قط عن النبي صلى الله عليه و سلم ولا عن الخلفاء بعده أنهم يبسملون في الصلاة ع ولباء في بسم الله متعلقة عند نحاة البصرة باسم تقديره ابتداءى مستقر أو ثابت بسم الله وعند نحاة الكوفة بفعل تقديره ابتدأت بسم الله واسم اصله سمو بكسر السين أو سمو بضمها وهو عند

البصريين مشتق من السمو ت وهو العلو والارتفاع قال ص والاسم هو الدال بالوضع على موجود في العيان أن كان محسوسا وفي الأذهان إن كان معقولا من غير تعرض ببنيته للزمان ومدلوله هو المسمى والتسمية جعل ذلك اللفظ دليلا على المعنى فهي أمور ثلاثة متباينة فإذا أسندت حكما إلى لفظ اسم فتارة يكون حقيقة نحو زيد اسم ابنك وتارة يكون مجازا وهو حيث يطلق الاسم ويراد به المسمى كقوله تعالى تبارك اسم ربك وسبح اسم ربك وتأول السهيلي سبح اسم ربك على إقحام الاسم أي سبح ربك وإنما ذكر الاسم حتى لا يخلو التسبيح من اللفظ باللسان لأن الذكر بالقلب متعلقه المسمى والذكر باللسان متعلقه اللفظ وتأول قوله تعالى ما تعبدون من دونه إلا أسماء بأنها أسماء كاذبة غير واقعة على الحقيقة فكأنهم لم يعبدوا إلا الأسماء التي اخترعوها انتهى وقال الكوفيون أصل اسم وسم من السمة وهي العلامة لأن الاسم علامة لمن وضع له والمكتوبة التي لفظها الله ابهر أسمائه تعالى وأكثرها استعمالا وهو المتقدم لسائرها في الأغلب وإنما تجيء الأخر أوصافا وحذفت الألف الأخيرة من الله ليلا يشكل بخط اللات وقيل طرحت تخفيفا والرحمن صفة مبالغة من الرحمة معناها أنه انتهى إلى غاية الرحمن وهي صفة تختص بالله تعالى ولا تطلق على البشر وهي ابلغ من فعيل وفعيل ابلغ من فاعل لأن راحما يقال لمن رحم ولو مرة واحدة ورحيما يقال لمن كثر منه ذلك والرحمن النهاية في الرحمة
تفسير فاتحة الكتاب بحول الله تعالى وقوته
قال ابن عباس وغيره أنها مكية ويؤيد هذا أن في سورة الحجر ولقد آتيناك سبعا من المثاني والحجر مكية بإجماع وفي حديث أبي بن كعب أنها السبع المثاني

ولا خلاف أن فرض الصلاة كان بمكة وما حفظ انه كانت قط في الإسلام صلاة بغير الحمد لله رب العالمين وروي عن عطاء بن يسار وغيره أنها مدينة وأما أسماؤها فلا خلاف أنه يقال لها فاتحة الكتاب واختلف هل يقال لها أم الكتاب فكره ذلك الحسن بن أبي الحسن وأجازه ابن عباس وغيره وفي تسميتها بأم الكتاب حديث رواه أبو هريرة واختلف هل يقال لها أم القرآن فكره ذلك ابن سيرين وجوزه جمهور العلماء وسميت المثاني لأنها تثنى في كل ركعة وقيل لأنها استثنيت لهذه الأمة وأما فضل هذه السورة فقد قال رسول الله صلى الله عليه و سلم في حديث أبي بن كعب أنها لم ينزل في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الفرقان مثلها وروي أنها تعدل ثلثي القرآن وهذا العدل إما أن يكون في المعاني وإما أن يكون تفضيلا من الله تعالى لا يعلل وكذلك يجيء عدل قل هو الله أحد وعدل إذا زلزلت وغيره ت ونحو حديث أبي حديث أبي سعيد بن المعلى إذ قال له صلى الله عليه و سلم ألا أعلمك أعظم سورة في القرآن الحمد الله رب العالمين هي سبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته رواه البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجه انتهى من سلاح المؤمن تأليف الشيخ المحدث أبي الفتح تقي الدين محمد بن علي بن همام رحمه الله الحمد معناه الثناء الكامل والألف واللام فيه لاستغراق الجنس من المحامد وهو أعم من الشكر لأن الشكر إنما يكون على فعل جميل يسدى إلى الشاكر والحمد المجرد هو ثناء بصفات المحمود قال ص وهل الحمد بمعنى الشكر أو الحمد أعم أو الشكر ثناء على الله بأفعاله والحمد ثناء عليه بأوصافه ثلاثة أقوال انتهى قال الطبري الحمد لله ثناء اثنى به على نفسه تعالى وفي ضمنه أمر عبادة أن يثنوا به عليه فكأنه قال قولوا الحمد لله وعلى هذا يجيء قولوا إياك واهدنا قال وهذا

من حذف العرب ما يدل ظاهر الكلام عليه وهو كثير والرب في اللغة المعبود والسيد المالك والقائم بالأمور المصلح لما يفسد منها فالرب على الإطلاق هو رب الأرباب على كل جهة وهو الله تعالى والعالمون جمع عالم وهو كل موجود سوى الله تعالى يقال لجملته عالم ولأجزائه من الإنس والجن وغير ذلك عالم عالم وبحسب ذلك يجمع على العالمين ومن حيث عالم الزمان متبدل في زمان آخر حسن جمعها ولفظة العالم جمع لا واحد له من لفظه وهو مأخوذ من العلم والعلامة لأنه يدل على موجده كذا قال الزجاج قال أبو حيان الألف واللام في العالمين للاستغراق وهو جمع سلامة مفرده عالم اسم جمع وقياسه ألا يجمع وشذ جمعه أيضا جمع سلامة لأنه ليس بعلم ولا صفة م وذهب ابن مالك في شرح التسهيل إلى أن عالمين اسم جمع لمن يعقل وليس جمع عالم لأن العالم عام وعالمين خاص قلت وفيه نظر انتهى وقد تقدم القول في الرحمن الرحيم ملك يوم الدين الدين في كلام العرب على أنحاء وهو هنا الجزاء يوم الدين أي يوم الجزاء على الأعمال والحساب بها قاله ابن عباس وغيره مدينين محاسبين وحكى أهل اللغة دنته بفعله دينا بفتح الدال ودينا بكسرها جزيته ومنه قول الشاعر ... واعلم يقينا أن ملكك زائل ... واعلم بأن كما تدين تدان ...
إياك نعبد نطق المؤمن به إقرار بالربوبية وتذلل وتحقيق لعبادة الله وقدم إياك على الفعل اهتماما وشأن العرب تقديم الأهم واختلف النحويون في إياك فقال الخليل إيا اسم مضمر أضيف إلى ما بعده للبيان لا للتعريف وحكي عن العرب إذا بلغ الرجل الستين فإياه وإيا الشواب وقال المبرد إيا اسم مبهم أضيف للتخصيص لا للتعريف وحكى ابن كيسان عن بعض الكوفيين أن

إياك بكماله اسم مضمر ولا يعرف اسم مضمر يتغير آخره غيره وحكي عن بعضهم أنه قال الكاف والهاء والياء هو الاسم المضمر لكنها لا تقوم بأنفسها ولا تكون إلا متصلات فإذا تقدمت الأفعال جعل إيا عمادا لها فيقال إياك وإياه وإياي فإذا تأخرت اتصلت بالأفعال واستغني عن إيا و نعبد معناه نقيم الشرع والأوامر مع تذلل واستكانة والطريق المذللل يقال له معبد وكذلك البعير و نستعين معناه نطلب العون منك في جميع أمورنا وهذا كله تبر من الأصنام وقوله تعالى اهدنا رغبة لأنها من المربوب إلى الرب وهكذا صيغ الأمر كلها فإذا كانت من الأعلى فهي أمر والهداية في اللغة الإرشاد لكنها تتصرف على وجوه يعبر عنها المفسرون بغير لفظ الإرشاد وكلها إذا تأملت راجعة إلى الإرشاد فالهدى يجيء بمعنى خلق الإيمان في القلب ومنه قوله تعالى أولئك على هدى من ربهم و يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم و إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء فمن يرد الله أن يهديه الآية قال أبو المعالي فهذه الآيات لا يتجه حملها إلا على خلق الإيمان في القلب وهو محض الإرشاد وقد جاء الهدى بمعنى الدعاء كقوله تعالى ولكل قوم هاد أي داع وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم وقد جاء الهدى بمعنى الإلهام من ذلك قوله تعالى أعطى كل شيء خلقه ثم هدى قال المفسرون الهم الحيوانات كلها إلى منافعها وقد جاء الهدى بمعنى البيان من ذلك قوله تعالى وأما ثمود فهديناهم قال المفسرون معناه بينا لهم قال أبو المعالي معناه دعوناهم وقوله تعالى إن علينا للهدى أي علينا أن نبين في هذا كله معنى الإرشاد قال أبو المعالي وقد ترد الهداية والمراد بها إرشاد المؤمنين إلى مسالك الجنان والطرق المفضية إليها كقوله تعالى في صفة المجاهدين فلن يضل أعمالهم سيهديهم ويصلح بالهم ومنه قوله

تعالى فاهدوهم إلى صراط الجحيم معناه فاسلكوهم إليها قال ع وهذه الهداية بعينها هي التي تقال في طرق الدنيا وهي ضد الضلال وهي الواقعة في قوله تعالى إهدنا الصراط المستقيم على صحيح التأويلات وذلك بين من لفظ الصراط والصراط في اللغة الطريق الواضح ومن ذلك قول جرير ... أمير المؤمنين على صراط ... إذا اعوج الموارد مستقيم ...
واختلف المفسرون في المعنى الذي استعير له الصراط في هذا الموضع فقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه الصراط المستقيم هنا القرآن وقال جابر هو الإسلام يعني الحنيفية وقال محمد بن الحنفية هو دين الله الذي لا يقبل من العباد غيره وقال أبو العالية هو رسول الله صلى الله عليه و سلم وصاحباه أبو بكر وعمر أي الصراط المستقيم طريق محمد صلى الله عليه و سلم وأبي بكر وعمر وهذا قوي في المعنى إلا أن تسمية أشخاصهم طريقا فيه تجوز ويجتمع من هذه الأقوال كلها أن الدعوة هي أن يكون الداعي على سنن المنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين في معتقداته وفي التزامه لأحكام شرعه وذلك هو مقتضى القرآن والإسلام وهو حال رسول الله صلى الله عليه و سلم وصاحبيه وهذا الدعاء إنما أمر به المؤمنون وعندهم المعتقدات وعند كل واحد بعض الأعمال فمعنى قوله اهدنا فيما هو حاصل عندهم التثبيت والدوام وفيما ليس بحاصل إما من جهة الجهل به أو التقصير في المحافظة عليه طلب الإرشاد إليه فكل داع به إنما يريد الصراط بكماله في أقواله وأفعاله ومعتقداته واختلف في المشار إليهم بأنه سبحانه أنعم عليهم وقول ابن عباس وجمهور من المفسرين أنه أراد صراط النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وانتزعوا ذلك من قوله تعالى ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم الآية إلى قوله

رفيقا وقوله تعالى غير المغضوب عليهم ولا الضالين اعلم أن حكم كل مضاف إلى معرفة أن يكون معرفة وإنما تنكرت غير ومثل مع إضافتهما إلى المعارف من أجل معناهما وذلك إذا قلت رأيت غيرك فكل شيء سوى المخاطب فهو غيره وكذلك إن قلت رأيت مثلك فما هو مثله لا يحصى لكثرة وجوه المماثلة و المغضوب عليهم اليهود و الضالون النصارى قاله ابن مسعود وابن عباس ومجاهد والسدي وابن زيد وروى ذلك عدي بن حاتم عن النبي صلى الله عليه و سلم وذلك بين من كتاب الله لأن ذكر غضب الله على اليهود متكرر فيه كقوله وباءوا بغضب من الله قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله الآية وغضب الله تعالى عبارة عن إظهاره عليهم محنا وعقوبات وذلة ونحو ذلك مما يدل على أنه قد أبعدهم عن رحمته بعدا مؤكدا مبالغا فيه والنصارى كان محققوهم على شرعة بل ورود شرع محمد صلى الله عليه سلم فلما ورد ضلوا وأما غير متحققيهم فضلالتهم متقررة منذ تفرقت أقوالهم في عيسى عليه السلام وقد قال الله تعالى فيهم ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل وأجمع الناس على أن عدد آي سورة الحمد سبع آيات العالمين آية الرحيم آية الدين آية نستعين آية المستقيم آية أنعمت عليهم آية ولا الضالين آية وقد ذكرنا عند تفسر بسم الله الرحمن الرحيم أن ما ورد من خلاف في ذلك ضعيف
القول في آمين
روى أبو هريرة وغيره عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال إذا قال الإمام ولا الضالين فقولوا آمين فإن الملائكة في السماء تقول آمين فمن وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه ت وخرج مسلم وأبو داود والنسائي من طريق أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله

عليه وسلم قال إذا صليتم فأقيموا صفوفكم ثم ليؤمكم أحدكم فإذا كبر فكبروا وإذا قال غير المغضوب عليهم ولا الضالين فقولوا آمين يجبكم الله الحديث انتهى ومعنى آمين عند أكثر أهل العلم اللهم استجب أو أجب يا رب ومقتضى الآثار أن كل داع ينبغي له في آخر دعاءه أن يقول آمين وكذلك كل قارىء للحمد في غير صلاة وأما في الصلاة فيقولها المأموم والفذ وفي الإمام في الجهر اختلاف واختلف في معنى قوله صلى الله عليه و سلم فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة فقيل في الإجابة وقيل في خلوص النية وقيل في الوقت والذي يترجح أن المعنى فمن وافق في الوقت مع خلوص النية والإقبال على الرغبة إلى الله بقلب سليم والإجابة تتبع حينئذ لأن من هذه حاله فهو على الصراط المستقيم وفي صحيح مسلم وغيره عن أبي هريرة قال سمعت النبي صلى الله عليه و سلم يقول قال الله عز و جل قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين فنصفها لي ونصفها لعبدي ولعبدي ما سأل فإذا قال العبد الحمد لله رب العالمين قال الله حمدني عبدي فإذا قال الرحمن الرحيم قال الله أثنى علي عبدي وإذا قال ملك يوم الدين قال مجدني عبدي فإذا قال إياك نعبد وإياك نستعين قال هذا بيني وبين عبدي ولبعدي ما سأل فإذا قال اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين قال هذا لعبدي ولعبدي ما سأل انتهى وعند مالك فهؤلاء لعبدي واسند أبو بكر بن الخطيب عن نافع عن ابن عمر قال قال النبي صلى الله عليه و سلم من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة انتهى من تاريخ بغداد ولم يذكر في سنده مطعنا وقال ابن العربي في أحكامه والصحيح عندي وجوب قراءتها على المأموم فيما اسر فيه وتحريمها فيما جهر فيه إذا سمع الإمام لما عليه من وجوب الإنصات والاستماع فإن بعد عن الإمام فهو بمنزلة صلاة السر انتهى نجز تفسير سورة الحمد والحمد

لله بجميع بمحامده كلها ما علمت منها وما لم أعلم
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما
تفسير سورة البقرة بحول الله ومعونته
هذه السورة مدنية نزلت في مدد شتى وفيها آخر آية نزلت على رسول الله صلى الله عليه و سلم وهي واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون ويقال لسورة البقرة فسطاط القرآن وذلك لعظمها وبهائها وما تضمنت من الأحكام والمواعظ وفيها خمسمائة حكم وخمسة عشرة مثلا وروي أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال أعطيت سورة البقرة من الذكر الأول وأعطيت طه والطواسين من الواح موسى وأعطيت فاتحة الكتاب وخواتم سورة البقرة من تحت العرش ت وها أنا إن شاء الله أذكر أصل الحدث بكماله لما اشتمل عليه من الفوائد العظيمة خرج الحاكم أبو عبد الله في المستدرك على الصحيحين عن معقل بن يسار رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم اعملوا بالقرآن أحلوا حلاله وحرموا حرامه واقتدوا به ولا تكفروا بشيء منه وما تشابه عليكم منه فردوه إلى الله وإلى أولي العلم من بعدي كي ما يخبرونكم وآمنوا بالتوراة والإنجيل والزبور وما أوتي النبيون من ربهم وليسعكم القرآن وما فيه من البيان فإنه شافع مشفع وما حل مصدق وإني أعطيت سورة البقرة من الذكر الأول وأعطيت طه والطواسين والحواميم من الواح موسى وأعطيت فاتحة الكتاب من تحت العرش ما حل بالمهملة أي ساع وقيل خصم انتهى من السلاح وفي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال تجيء

البقرة وآل عمران يوم القيامة كأنهما غيايتان بينهما شرق أو غمامتان سوداوان أو كأنهما ظلة من طير صواف تجادلان عن صاحبهما ت أصل الحديث في صحيح مسلم عن أبي امامة الباهلي رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه اقرؤوا الزهراوين البقرة وآل عمران فإنهما يأتيان كأنهما غمامان أو كأنهما غيايتان أو كأنهما فرقان من طير صواف يحاجان عن أصحابهما اقرؤوا سورة البقرة فإن اخذها بركة وتركها حسرة ولا تستطيعها البطلة قال معاوية بلغني أن البطلة السحرة فقوله صلى الله عليه و سلم غمامتان يعني سحابتين بيضاوين والغيايتان بالغين المعجمة أبو عبيد الغياية كل شيء أطل الإنسان فوق رأسه وهو مثل السحابة وفرقان بكسر الفاء أي جماعتان انتهى من السلاح وروى أبو هريرة عنه صلىالله عليه وسلم أنه قال لكل شيء سنام وسنام القرآن سورة البقرة فيها آية هي سيدة آي القرآن هي آية الكرسي وفي البخاري أنه صلى الله عليه و سلم قال من قرأ بالآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه وروى أبو هريرة عنه صلى الله عليه و سلم أنه قال البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة لا يدخله الشيطان ت وعن ابن عباس قال بينما جبريل قاعد عند النبي صلى الله عليه و سلم سمع نقيضا من فوقه فقال له هذا ملك نزل إلى الأرض لم ينزل قط إلا اليوم وقال ابشر بنورين أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك فاتحة الكتاب وخواتم سورة البقرة لن تقرأ بحرف منها إلا أعطيته رواه مسلم والنسائي والنقيض بالنون والقاف هو الصوت انتهى من السلاح وعدد آي سورة البقرة مائتان وخمس وثمانون آية وقيل وست وثمانون آية وقيل وسبع وثمانون قوله تعالى الم اختلف في الحروف التي في أوائل السور على قولين فقال الشعبي وسفيان الثوري وجماعة

من المحدثين هي سر الله في القرآن وهي من المتشابه الذي انفرد الله بعلمه ولا يجب أن يتكلم فيها ولكن يؤمن بها وتمر كما جاءت وقال الجمهور من العلماء بل يجب أن يتكلم فيها وتلتمس الفوائد التي تحتها والمعاني التي تتخرج عليها واختلفوا في ذلك على اثني عشر قولا فقال علي وابن عباس رضي الله عنهما الحروف المقطعة في القرآن هي اسم الله الأعظم إلا أنا لا نعرف تأليفه منها وقال ابن عباس أيضا هي أسماء الله أقسم بها وقال أيضا هي حروف تدل على أنا الله أعلم أنا الله أرى وقال قوم هي حساب أبى جاد لتدل على مدة ملة محمد صلى الله عليه ولم كما ورد في حديث حيي بن اخطب وهو قول أبي العالية وغيره ت وإليه مال السهيلي في الروض الأنف فانظره قوله تعالى ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين الاسم من ذلك الذال والألف واللام لبعد المشار إليه والكاف للخطاب واختلف في ذلك هنا فقيل هو بمعنى هذا وتكون الإشارة إلى هذه الحروف من القرآن وذلك أنه قد يشار بذلك إلى حاضر تعلق به بعض غيبة وقيل هو على بابه إشارة إلى غائب واختلفوا في ذلك الغائب فقيل ما قد كان نزل من القرآن وقيل غير ذلك انظره ولا ريب فيه معناه لا شك فيه وهدى معناه إرشاد وبيان وقوله للمتقين اللفظ مأخوذ من وقى والمعنى الذين يتقون الله تعالى بامتثال أوامره واجتناب معاصيه كان ذلك وقاية بينهم وبين عذابه قوله تعالى الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقانهم ينفقون يؤمنون معناه يصدقون وقوله بالغيب قالت طائفة معناه يصدقون إذا غابوا وخلوا لا كالمنافقين الذين يؤمنون إذا حضروا ويكفرون إذا غابوا وقال آخرون معناه يصدقون بما غاب عنهم مما أخبرت به الشرائع وقوله يقيمون الصلاة معناه يظهرونها ويثبتونها كما يقال أقيمت السوق ت وقال

أبو عبد الله النحوي في اختصاره لتفسير الطبري إقامة الصلاة إتمام الركوع والسجود والتلاوة والخشوع والإقبال عليها انتهى قال ص يقيمون الصلاة من التقويم ومنه أقمت العود أو الإدامة ومنه قامت السوق أو التشمير والنهوض ومنه قام بالأمر انتهى وقوله تعالى ومما رزقناهم ينفقون الرزق عند أهل السنة ما صح الانتفاع به حلالا كان أو حراما وينفقون معناه هنا يؤتون ما الزمهم الشرع من زكاة وما ندبهم إليه من غير ذلك قوله تعالى والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون اختلف المتأولون من المراد بهذه الآية والتي قبلها فقال قوم الآتيان جميعا في جميع المؤمنين وقال آخرون هما في مؤمني أهل الكتاب وقال آخرون الآية الأولى في مؤمني العرب والثانية في مؤمني أهل الكتاب كعبد الله بن سلام وفيه نزلت وقوله بما انزل إليك يعني القرآن وما انزل من قبلك يعني الكتب السالفة و يوقنون معناه يعلمون علما متمكنا في نفوسهم واليقين أعلى درجات العلم وقوله تعالى أولئك على هدى من ربهم إشارة إلى المذكورين والهدى هنا الإرشاد والفلاح الظفر بالبغية وإدراك الأمل قوله تعالى إن الذين كفروا سواء عليهم ءأنذرتهم إلى عظيم اختلف فيمن نزلت هذه الآية بعد الاتفاق على أنها غير عامة لوجود الكفار قد أسلموا بعدها فقال قوم هي فيمن سبق في علم الله أنه لا يؤمن وقال ابن عباس نزلت في حيي بن اخطب وأبي ياسر بن اخطب وكعب بن الاسرف ونظرائهم والقول الأول هو المعتمد عليه وقوله سواء عليهم معناه معتدل عندهم والإنذار إعلام بتخويف هذا حده وقوله تعالى ختم مأخوذ من الختم وهو الطبع والخاتم الطابع قال في مختصر الطبري والصحيح أن هذا الطبع حقيقة لا أنه مجاز

فقد جاء عن النبي صلى الله عليه و سلم أن العبد إذا أذنب ذنبا نكتت نكتة سوداء في قلبه فإن تاب ونزع واستغفر صقل قلبه وإن زاد زادت حتى تغلق قلبه فذلك البران الذي قال الله تعالى كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون انتهى والغشاوة الغطاء المغشي الساتر وقوله تعالى ولهم عذاب عظيم معناه لمخالفتك يا محمد وكفرهم بالله وعظيم معناه بالإضافة إلى عذاب دونه وقوله تعالى ومن الناس من يقول آمنا بالله إلى وما يشعرون هذه الآية نزلت في المنافقين وسمى الله تعالى يوم القيامة اليوم الآخر لأنه لا ليل بعده ولا يقال يوم إلا لما تقدمه ليل واختلف المتأولون في قوله يخادعون الله فقال الحسن بن أبي الحسن المعنى يخادعون رسول الله فأضاف الأمر إلى الله تجوزا لتعلق رسوله به ومخادعتهم هي تحيلهم في أن يفشي رسول الله صلى الله عليه و سلم والمؤمنون إليهم أسرارهم ع تقول خادعت الرجل بمعنى أعملت التحيل عليه فخدعته بمعنى تمت عليه الحيلة ونفذ فيه المراد وقال جماعة بل يخادعون الله والمؤمنين باظهارهم من الإيمان خلاف ما ابطنوا من الكفر وإنما خدعوا أنفسهم لحصولهم في العذاب وما يشعرون بذلك معناه وما يعلمون علم تفطن وتهد وهي لفظة مأخوذة من الشعار كأن الشيء المتفطن له شعار للنفس وقولهم ليت شعري معناه ليت فطنتي تدرك واختلف ما الذي نفى الله عنهم أن يشعروا له فقالت طائفة وما يشعرون أن ضرر تلك المخادعة راجع عليهم لخلودهم في النار وقال آخرون وما يشعرون أن الله يكشف لك سرهم ومخادعتهم في قولهم آمنا قوله تعالى في قلوبهم مرض أي في عقائدهم فساد وهم المنافقون وذلك إما أن يكون شكا وإما جحدا بسبب حسدهم مع علمهم بصحة ما يجحدون وقال قوم المرض غمهم

بظهوره صلى الله عليه و سلم فزادهم الله مرضا قيل هو دعاء عليهم وقيل هو خبر أن الله قد فعل بهم ذلك وهذه الزيادة هي بما ينزل من الوحي ويظهر من البراهين ت لما تكلم ع على تفسير قوله تعالى عليهم دائرة السوء قال كل ما كان بلفظ دعاء من جهة الله عز و جل فإنما هو بمعنى إيجاب الشيء لأن الله تعالى لا يدعو على مخلوقاته وهي في قبضته ومن هذا ويل لكل همزة ويل للمطففين وهي كلها أحكام تامة تضمنها خبره تعالى ولهم عذاب أليم أي مؤلم وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض أي بالكفر وموالاة الكفر ولقول المنافقين إنما نحن مصلحون ثلاث تأويلات أحدها جحد انهم يفسدون وهذا استمرار منهم على النفاق والثاني أن يقروا بموالاة الكفار ويدعون أنها صلاح من حيث هم قرابة توصل والثالث أنهم يصلحون بين الكفار والمؤمنين وإلا استفتاح كلام ولكن حرف استدراك ويحتمل أن يراد هنا لا يشعرون أنهم مفسدون ويحتمل أن يراد لا يشعرون أن الله يفضحهم قوله تعالى وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس الآية المعنى صدقوا بمحمد وشرعه كما صدق المهاجرون والمحققون من أهل يثرب قالوا انكون كالذين خفت عقولهم والسفه الخفة والرقة الداعية إلى الخفة يقال ثوب سفيه إذا كان رقيقا هلهل النسج وهذا القول إنماكانوا يقولونه في خفاء فأطلع الله عليه نبيه عليه السلام والمؤمنين وقرران السفه ورقة الحلوم وفساد البصائر إنما هو في حيزهم وصفة لهم وأخبر أنهم لا يعلمون أنهم السفهاء للرين الذي على قلوبهم وقوله تعالى وإذا لقوا الذين آمنوا الآية هذه كانت حال المنافقين إظهار الإيمان للمؤمنين وإظهار الكفر في خلواتهم وكان رسول الله صلى الله عليه و سلم يعرض عنهم ويدعهم في غمرة الإشتباه مخافة أن يتحدث الناس عنه أنه يقتل أصحابه حسبما وقع في قصة عبد الله بن

أبي بن سلول قال مالك النفاق في عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم هو الزندقة اليوم واختلف المفسرون في المراد بشياطينهم فقال ابن عباس رضي الله عنه هم رؤساء الكفر وقيل الكهان قال البخاري قال مجاهد إلى شياطينهم أي أصحابهم من المنافقين والمشركين قال ص شياطينهم جمع شيطان وهو كل متمرد من الجن والإنس والدواب قاله ابن عباس وانثاه شيطانة انتهى ت ويجب على المؤمن أن يجتنب هذه الأخلاق الذميمة وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال من شر الناس ذو الوجهين الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه رواه أبو داود وفيه عنه صلى الله عليه و سلم من كان له وجهان في الدنيا كان له يوم القيامة لسانان من نار انتهى من سنن أبي داود الله يستهزىء بهم اختلف المفسرون في هذا الاستهزاء فقال جمهور العلماء هي تسمية العقوبة باسم الذنب والعرب تستعمل ذلك كثيرا وقال قوم أن الله سبحانه يفعل بهم أفعالا هي في تأمل البشر هزء روي أن النار تجمد كما تجمد الاهالة فيمشون عليها ويظنون أنها منجاة فتخسف بهم وما روي أن أبواب النار تفتح لهم فيذهبون إلى الخروج نحا هذا المنحى ابن عباس والحسن ت وقوله تعالى قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا يقوى هذا المنحنى وهكذا نص عليه في اختصار الطبري انتهى وقيل استهزاؤه بهم هو استدراجهم بدرور النعم الدنيوية ويمدهم أي يزيدهم في الطغيان وقال مجاهد معناه يملي لهم والطغيان الغلو وتعدى الحد كما يقال طغى الماء وطغت النار ويعمهون معناه يترددون حيرة والعمه الحيرة من جهة النظر والعامة الذي كأنه لا يبصر قوله تعالى مثلهم كمثل الذي استوقد نارا إلى قوله يا أيها الناس قال الفخر اعلم أن المقصود من ضرب المثال أنه يؤثر في القلوب

ما لا يؤثره وصف الشيء في نفسه لأن الغرض من المثل تشبيه الخفي بالجلي والغائب بالشاهد فيتأكد الوقوف على ماهيته ويصير الحس مطابقا للعقل وذلك هو النهاية في الإيضاح ألا ترى أن الترغيب والترهيب إذا وقع مجردا عن ضرب مثل لم يتأكد وقوعه في القلب كتأكده مع ضرب المثل ولهذا أكثر الله تعالى في كتابه المبين وفي سائر كتبه الأمثال قال تعالى وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون انتهى والمثل والمثل والمثيل واحد معناه الشبيه قاله أهل اللغة واستوقد قيل معناه أوقد واختلف المتأولون في فعل المنافقين الذي يشبه فعل الذي استوقد نارا فقالت فرقة هي فيمن كان آمن ثم كفر بالنفاق فإيمانه بمنزلة النار أضاءت وكفره بعد بمنزلة انطفائها وذهاب النور وقالت فرقة منهم قتادة نطقهم بلا اله إلا الله والقرآن كإضاءة النار واعتقادهم الكفر بقلوبهم كانطفائها قال جمهور النحاة جواب لما ذهب ويعود الضمير من نورهم على الذي وعلى هذا القول يتم تمثيل المنافق بالمستوقد لأن بقاء المستوقد في ظلمات لا يبصر كبقاء المنافق على الخلاف المتقدم وقال قوم جواب لما مضمر وهو ظفئت فالضمير في نورهم على هذا للمنافقين والإخبار بهذا هو عن حال لهم تكون في الآخرة وهو قوله تعالى فضرب بينهم بسور له باب الآية وهذا القول غير قوي والأصم الذي لا يسمع والأبكم الذي لا ينطق ولا يفهم فإذا فهم فهو الأخرس وقيل الأبكم والأخرس واحد ووصفهم بهذه الصفات إذ أعمالهم من الخطأ عدم الإجابة كأعمال من هذه صفته وصم رفع على خبر الابتداء إما على تقدير تكرير أولئك أو إضمارهم وقوله تعالى فهم لا يرجعون قيل معناه لا يؤمنون بوجه وهذا إنما يصح أن لو كانت الآية في معينين وقيل معناه فهم لا يرجعون ما داموا على الحال التي وصفهم بها وهذا هو الصحيح أو كصيب أو للتخيير معناه مثلوهم بهذا أو بهذا والصيب المطر من

صاب يصوب إذا انحط من علو إلى سفل وظلمات بالجمع إشارة إلى ظلمة الليل وظلمة الدجن ومن حيث تتراكب وتتزيد جمعت وكون الدجن مظلما هول وغم للنفوس بخلاف السحاب والمطر إذا انجلى دجنه فإنه سار جميل واختلف العلماء في الرعد فقال ابن عباس ومجاهد وشهر بن حوشب وغيرهم هو ملك يزجر السحاب بهذا الصوت المسموع كلما خالفت سحابة صاح بها فإذا اشتد غضبه طارت النار من فيه فهي الصواعق واسم هذا الملك الرعد وقيل الرعد ملك وهذا الصوت تسبيحه وقيل الرعد اسم الصوت المسموع قاله علي بن أبي طالب واكثر العلماء على أن الرعد ملك وذلك صوته يسبح ويزجر السحاب واختلفوا في البرق فقال علي بن أبي طالب وروي عن النبي صلى الله عليه و سلم هو مخراق حديد بيد الملك يسوق به السحاب وهذا اصح ما روي فيه وقال ابن عباس هو سوط نور بيد الملك يزجى به السحاب وروي عنه أن البرق ملك يتراءى واختلف المتأولون في المقصد بهذا المثل وكيف تترتب أحوال المنافقين الموازنة لما في المثل من الظلمات والرعد والبرق والصواعق فقال جمهور المفسرين مثل الله تعالى القرآن بالصيب فما فيه من الأشكال عليهم والعمى هو الظلمات وما فيه من الوعيد والزجر هو الرعد وما فيه من النور والحجج الباهرة هو البرق وتخوفهم وروعهم وحذرهم هو جعل أصابعهم في آذانهم وفضح نفاقهم واشتهار كفرهم وتكاليف الشرع التي يكرهونها من الجهاد والزكاة ونحوه هي الصواعق وهذا كله صحيح بين وقال ابن مسعود أن المنافقين في مجلس رسول الله صلى الله عليه و سلم كانوا يجعلون أصابعهم في آذانهم لئلا يسمعوا القرآن فضرب الله المثل لهم وهذا وفاق لقول الجمهور ومحيط بالكافرين معناه بعقابهم يقال أحاط السلطان بفلان إذا أخذه أخذ حاصرا من كل جهة ومنه قوله تعالى وأحيط بثمره

ويكاد فعل ينفي المعنى مع إيجابه ويوجبه مع النفي فهنا لم يخطف البرق الأبصار والخطف الإنتزاع بسرعة ومعنى يكاد البرق يخطف أبصارهم تكاد حجج القرآن وبراهينه وآياته الساطعة تبهرهم ومن جعل البرق في المثل الزجر والوعيد قال يكاد ذلك يصيبهم وكلما ظرف والعامل فيه مشوا وقاموا معناه ثبتوا ومعنى الآية فيما روي عن ابن عباس وغيره كلما سمع المنافقون القرآن وظهرت لهم الحجج انسوا ومشوا معه فإذا نزل من القرآن ما يعمهون فيه ويضلون به أو يكلفونه قاموا أي ثبتوا على نفاقهم وروي عن ابن مسعود أن معنى الآية كلما صلحت أحوالهم في زروعهم ومواشيهم وتوالت عليهم النعم قالوا دين محمد دين مبارك وإذا نزلت بهم مصيبة أو أصابتهم شدة سخطوه وثبتوا في نفاقهم ووحد السمع لأنه مصدر يقع للواحد والجمع وقوله سبحانه على كل شيء قدير لفظه العموم ومعناه عند المتكلمين فيما يجوز وصفه تعالى بالقدرة عليه و قدير بمعنى قادر وفيه مبالغة وخص هنا سبحانه صفته التي هي القدرة بالذكر لأنه قد تقدم ذكر فعل مضمنه الوعيد والإخافة فكان ذكر القدرة مناسبا لذلك قوله تعالى يا أيها الناس اعبدوا ربكم الآية يا حرف نداء وفيه تنبيه وايى هو المنادى قال مجاهد يا أيها الناس حيث وقع في القرءان مكي ويا ايها الذين ءامنوا مدني قال ع قد تقدم وأما قوله في يا أيها الذين آمنوا فصحيح اعبدوا ربكم معناه في اول السورة انها كلها مدنية وقد يجيء فى المدنى يا ايها الناس وحدوه وخصوه بالعبادة وذكر تعالى خلقه لهم إذ كانت العرب مقرة بأن الله خلقها فذكر ذلك سبحانه حجة عليهم ولعل في هذه الآية قال فيها كثير من المفسرين هي بمعنى إيجاب التقوى وليست من الله تعالى بمعنى ترج وتوفع وفي مختصر الطبري لعلكم تتقون عن مجاهد أي لعلكم تطيعون والتقوى التوقى من عذاب الله

بعبادته وهي من الوقاية وأما لعل هنا فهي بمعنى كي أو لام كي أي لتتقوا أو تتقوا وليست هنا من الله تعالى بمعنى الترجي وإنما هي بمعنى كي وقد تجيء بمعنى كي في اللغة قال الشاعر ... وقلتم لنا كفوا الحروب لعلنا ... نكف ووثقتم لنا كل موثق ...
انتهى قال ع وقال سيبويه ورؤساء اللسان هي على بابها والترجي والتوقع إنما هو في حيز البشر أي إذا تأملتم حالكم مع عبادة ربكم رجوتم لأنفسكم التقوى ولعل متعلقة بقوله اعبدوا وينجه تعلقها بخلقكم أي لما ولد كل مولد على الفطرة فهو أن تأمله متأمل توقع له ورجا أن يكون متقيا وتتقون مأخوذ من الوقاية وجعل بمعنى صير في هذه الآية لتعديها إلى مفعولين وفراشا معناه تفترشونها والسماء قيل هو اسم مفرد جمعه سماوات وقيل هو جمع واحده سماوة وكل ما ارتفع عليك في الهواء فهو سماء وأنزل من السماء يريد السحاب سمي بذلك تجوزا لما كان يلي السماء وقد سموا المطر سماء للمجاورة ومنه قول الشاعر ... إذا نزل السماء بأرض قوم ... رعيناه وإن كانوا غضابا ...
فتجوز أيضا في رعيناه وواحد الأنداد وهو المقاوم والمضاهي واختلف المتأولون من المخاطب بهذه الآية فقالت جماعة من المفسرين المخاطب جميع المشركين فقوله سبحانه على هذا وانتم تعلمون يريد العلم الخاص في أنه تعالى خلق وأنزل الماء وأخرج الرزق وقيل المراد كفار بني إسرائيل فالمعنى وأنتم تعلمون من الكتب التي عندكم أن الله لا ند له وقال ابن فورك يحتمل أن تتناول الآية المؤمنين قوله تعالى وإن كنتم في ريب أي في شك فأتوا بسورة من مثله الضمير في مثله عند الجمهور عائد على القرآن وادعوا شهدائكم أي من شهدكم وحضركم من عون ونصير قاله ابن عباس إن كنتم صادقين أي فيما قلتم من انكم

تقدرون على معارضته ويؤيد هذا القول ما حكي عنهم في آية أخرى لو نشاء لقلنا مثل هذا وفي قوله جل وعلا ولن تفعلوا إثارة لهممهم وتحريك لنفوسهم ليكون عجزهم بعد ذلك أبدع وهو أيضا من الغيوب التي أخبر بها القرآن وقوله تعالى فاتقوا النار أمر بالإيمان وطاعة الله قال الفخر ولما ظهر عجزهم عن المعارضة صح عندهم صدق النبي صلى الله عليه و سلم وإذا صح ذلك ثم لزموا العناد استوجبوا العقاب بالنار واتقاء النار يوجب ترك العناد فاقيم قوله فأتقوا النار مقام قوله واتركوا العناد ووصف النار بأنها تتقد بالناس والحجارة وذلك يدل على قوتها نجانا الله منها برحمته الواسعة وقرن الله سبحانه الناس بالحجارة لأنهم اتخذوها في الدنيا أصناما يعبدونها قال تعالى إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون فإحدى الآيتين مفسرة للأخرى وهذا كتعذيب مانعي الزكاة بنوع ما منعوا انتهى قوله تعالى وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات الآية بشر مأخوذ من البشرة لأن ما يبشر به الإنسان من خير أو شر يظهر عنه أثر في بشرة الوجه والأغلب استعمال البشارة في الخير وقد تستعمل في الشر مقيدة به كما قال تعالى فبشرهم بعذاب أليم ومتى أطلق لفظ البشارة فإنما يحمل على الخير وفي قوله تعالى وعملوا الصالحات رد على من يقول أن لفظة الإيمان بمجردها تقتضي الطاعات لأنه لو كان كذلك ما أعادها و جنات جمع جنة وهي بستان الشجر والنخل وبستان الكرم يقال له الفردوس وروى النسائي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم ان ثياب الجنة تشقق عنها ثمر الجنة وروى الترمذي عن ابى هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال ما في الجنة شجرة إلا وساقها من ذهب قال أبو عيسى هذا حديث حسن انتهى من التذكرة ت وفي الباب عن ابن عباس وجرير بن عبد الله وغيرهما وسميت الجنة جنة

لأنها تجن من دخلها أي تستره ومنه المجن والجنن وجن الليل ومن تحتها معناه من تحت الأشجار التي يتضمنها ذكر الجنة ت ومن أعظم البشارات أن هذه الأمة هم ثلثا أهل الجنة وقد خرج أبو بكر بن أبي شيبة عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال إن أمتي يوم القيامة ثلثا أهل الجنة إن أهل الجنة يوم القيامة عشرون ومائة صف وأن أمتي من ذلك ثمانون صفا وخرج ابن ماجه والترمذي عن بريدة بن حصيب قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم أهل الجنة عشرون ومائة صف ثمانون منها من هذه الأمة وأربعون من سائر الأمم قال أبو عيسى هذا حديث حسن انتهى من التذكرة للقرطبي و الأنهار المياه في مجاريها المتطاولة الواسعة مأخوذة من أنهرت أي وسعت ومنه قول النبي صلى الله عليه و سلم ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوه معناه ما وسع الذبح حتى جرى الدم كالنهر ونسب الجري إلى النهر وإنما يجري الماء تجوزا كما قال سبحانه واسأل القرية وروي أن أنهار الجنة ليست في أخاديد إنما تجري على سطح ارض الجنة منضبطة وقولهم هذا الذي رزقنا من قبل إشارة إلى الجنس أي هذا من الجنس الذي رزقنا منه من قبل والكلام يحتمل أن يكون تعجبا منهم وهو قول ابن عباس ويحتمل أن يكون خبرا من بعضهم لبعض قاله جماعة من المفسرين وقال الحسن ومجاهد يرزقون الثمرة ثم يرزقون بعدها مثل صورتها والطعم مختلف فهم يتعجبون لذلك ويخبر بعضهم بعضا وقال ابن عباس ليس في الجنة شيء مما في الدنيا سوى الأسماء وأما الذوات فمتباينة وقال بعض المتأولين المعنى أنهم يرون الثمر فيميزون أجناسه حين أشبه منظره ما كان في الدنيا فيقولون هذا الذي رزقنا من قبل في الدنيا وقال قوم إن ثمر الجنة إذا قطف منه شيء خرج في الحين في موضعه مثله فهذا إشارة إلى الخارج في موضع المجنى

وقوله تعالى متشابها قال ابن عباس وغيره معناه يشبه بعضه بعضا في المنظر ويختلف في الطعم و أزواج جمع زوج ويقال في المرأة زوجة والأول أشهر و مطهرة أبلغ من طاهرة أي مطهرة من الحيض والبزاق وسائر أقذار الآدميات و الخلود الدوام وخرج ابن ماجه عن أسامة بن زيد قال قال النبي صلى الله عليه و سلم ذات يوم لأصحابه إلا مشمر للجنة فإن الجنة لاخطر لها هي ورب الكعبة نور تتلألأ وريحانة تهتز وفصر مشيد ونهر مطرد وفاكهة كثيرة نضيجة وزوجة حسناء جميلة وحلل كثيرة في مقام أبد في حبرة ونضرة في دار عالية سليمة بهية قالوا نحن المشمرون لها يا رسول الله قال قولوا إن شاء الله ثم ذكر الجهاد وحض عليه وانتهى من التذكرة وقوله لا خطر لها بفتح الطاء قيل معناه لا عوض لها وقوله تعالى إن الله لا يستحي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها لما كان الجليل القدر في الشاهد لا يمنعه من الخوض في نازل القول إلا الحياء من ذلك رد الله بقوله إن الله لا يستحي أن يضرب مثلا ما على القائلين كيف يضرب الله مثلا بالذباب ونحوه واختلف في قوله تعالى يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا هل هو من قول الكافرين أو خبر من الله تعالى ولا خلاف أن قوله تعالى وما يضل به إلا الفاسقين من قوله تعالى والفسق الخروج عن الشيء يقال فسقت الفارة إذا خرجت من جحرها والرطبة إذا خرجت من قشرها والفسق في عرف استعمال الشرع الخروج من طاعة الله عز و جل بكفر أو عصيان قوله تعالى الذين ينقضون عهد الله النقض رد ما ابرم على أوله غير مبرم والعهد في هذه الآية التقدم في الشيء والوصاة به وظاهر مما قبل وبعد أنه في جميع الكفار ع وكل عهد جائز بين المسلمين فنقضه لا يحل بهذه الآية والخاسر الذي نقص نفسه حظها من الفلاح والفوز والخسران النقص كان في ميزان أو غيره قوله تعالى كيف

تكفرون بالله هو تقرير وتوبيخ أي كيف تكفرون ونعمه عليكم وقدرته هذه والواو في قوله وكنتم واو الحال واختلف في قوله تعالى وكنتم أمواتا الآية فقال ابن عباس وابن مسعود ومجاهد المعنى كنتم أمواتا معدومين قبل أن تخلقوا دارسين كما يقال للشيء الدارس ميت ثم خلقكم وأخرجكم إلى الدنيا فأحياكم ثم يميتكم الموت المعهود ثم يحييكم للبعث يوم القيامة وهذا التأويل هو أولى ما قيل لأنه هو الذي لا محيد للكفار عن الإقرار به والضمير في إليه عائد على الله تعالى أي إلى ثوابه أو عقابه و خلق معناه اخترع وأوجد بعد العدم و لكم معناه للاعتبار ويدل عليه ما قبله وما بعده من نصب العبر الإحياء والإماتة والاستواء إلى السماء وتسويتها وقوله تعالى ثم استوى إلى السماء ثم هنا لترتيب الأخبار لا لترتيب الأمر في نفسه و استوى قال قوم معناه علا دون كيف ولا تحديد هذا اختيار الطبري والتقدير علا أمره وقدرته وسلطانه وقال ابن كيسان معناه قصد إلى السماء ع أي بخلقه واختراعه والقاعدة في هذه الآية ونحوها منع النقلة وحلول الحوادث ويبقى استواء القدرة والسلطان وسواهن قيل جعلهن سواء وقيل سوى سطوحهن بالاملاس وقال الثعالبي فسواهن أي خلقهن انتهى وهذه الآية تقتضي أن الأرض وما فيها خلق قبل السماء وذلك صحيح ثم دحيت الأرض بعد خلق السماء وبهذا تتفق معاني الآيات هذه والتي في سورة المؤمن وفي النازعات وقوله تعالى وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة إذ ليست بزائدة عند الجمهور وإنما هي معلقة بفعل مقدر تقديره واذكر إذ قال وإضافة رب إلى محمد صلى الله عليه و سلم ومخاطبته بالكاف تشريف منه سبحانه لنبيه وإظهار لاختصاصه به الملائكة واحدها ملك والهاء في ملائكة لتأنيث الجموع غير حقيقي وقل هي للمبالغة كعلامة ونسابه والأول أبين و جاعل

في هذه الآية بمعنى خالق وقال الحسن وقتادة جاعل بمعنى فاعل وقال ابن سابط عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال إن الأرض هنا هي مكة لأن الأرض دحيت من تحتها ولأنها مقر من هلك قومه من الأنبياء وأن قبر نوح وهود وصالح بين المقام والركن و خليفة معناه من يخلف قال ابن عباس كانت الجن قبل بني آدم في الأرض فأفسدوا وسفكوا الدماء فبعث الله إليهم قبيلا من الملائكة قتلهم والحق فلهم بجزائر البحار ورؤوس الجبال وجعل آدم وذريته خليفة وقال ابن مسعود إنما معناه خليفة مني في الحكم وقوله تعالى أتجعل فيها من يفسد فيها الآية قد علمنا قطعا أن الملائكة لا تعلم الغيب ولا تسبق بالقول وذلك عام في جميع الملائكة لأن قوله تعالى لا يسبقونه بالقول خرج على جهة المدح لهم قال القاضي ابن الطيب فهذه قرينة العموم فلا يصح مع هذين الشرطين إلا أن يكون عندهم من إفساد الخليفة نبأ ومقدمة قال ابن زيد وغيره إن الله تعالى أعلمهم أن الخليفة سيكون من ذريته قوم يفسدون ويسفكون الدماء فقالوا لذلك هذه المقالة إما على طريق التعجب من استخلاف الله من يعصيه أو من عصيان من يستخلفه الله في أرضه وينعم عليه بذلك وإما على طريق الاستعظام والإكبار للفصلين جميعا الاستخلاف والعصيان وقال أحمد بن يحيى ثعلب وغيره إنما كانت الملائكة قد رأت وعلمت ما كان من إفساد الجن وسفكهم الدماء في الأرض فجاء قولهم أتجعل فيها الآية على جهة الاستفهام المحض هل هذا الخليفة يا ربنا على طريقة من تقدم من الجن أم لا وقال آخرون كان الله تعالى قد أعلم الملائكة أنه يخلق في الأرض خلقا يفسدون ويسفكون الدماء فلما قال لهم سبحانه بعد ذلك إني جاعل قالوا ربنا أتجعل فيها الآية على جهة الاسترشاد والاستعلام هل هذا الخليفة هو الذي كان أعلمهم به سبحانه قبل أو

غيره ونحو هذا في مختصر الطبري قال وقولهم أتجعل فيها ليس بإنكار لفعله عز و جل وحكمه بل استخبار هل يكون الأمر هكذا وقد وجهه بعضهم بأنهم استعظموا الإفساد وسفك الدماء فكأنهم سألوا عن وجه الحكمة في ذلك إذ علموا أنه عز و جل لا يفعل إلا حكمة انتهى ت والعقيدة أن الملائكة معصومون فلا يقع منهم مايوجب نقصانا من رتبتهم وشريف منزلتهم صلوات الله وسلامه على جميعهم والسفك صب الدم هذا عرفه وقولهم ونحن نسبح بحمدك قال بعض المتأولين هو على جهة الاستفهام كانهم ارادوا ونحن نسبح بحمدك الآية أم نتغير عن هذه الحال قال ع وهذا يحسن مع القول بالاستفهام المحض في قولهم أتجعل وقال آخرون معناه التمدح ووصف حالهم وذلك جائز لهم كما قال يوسف إني حفيظ عليم وهذا يحسن مع التعجب والاستعظام لأن يستخلف الله من يعصيه في قولهم أتجعل وعلى هذا أدبهم بقوله تعالى إني أعلم ما لا تعلمون ومعنى نسبح بحمدك ننزهك عما لا يليق بصفاتك وقال ابن عباس وابن مسعود تسبيح الملائكة صلاتهم لله سبحانه وقال قتادة تسبيحهم قولهم سبحان الله على عرفه في اللغة و بحمدك معناه نصل التسبيح بالحمد ويحتمل أن يكون قولهم بحمدك اعتراضا بين الكلامين كأنهم قالوا ونحن نسبح ونقدس وأنت المحمود في الهداية إلى ذلك وخرج مسلم في صحيحه عن أبي ذر قال قال لي رسول الله صلى الله عليه و سلم ألا أخبرك بأحب الكلام إلى الله تعالى إن أحب الكلام إلى الله تعالى سبحان الله وبحمده وفي رواية سئل صلى الله عليه و سلم أي الكلام أفضل قال ما اصطفى الله لملائكته أو لعباده سبحان الله وبحمده وفي صحيحي البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان

إلى الرحمن سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم وهذا الحديث به ختم البخاري رحمه الله انتهى ونقدس لك قال الضحاك وغيره معناه نطهر أنفسنا لك ابتغاء مرضاتك والتقديس التطهير بلا خلاف ومنه الأرض المقدسة أي المطهرة وقال آخرون ونقدس لك معناه نقدسك أي نعظمك ونطهر ذكرك مما لا يليق به قاله مجاهد وغيره وقوله تعالى إني أعلم مالا تعلمون قال ابن عباس كان إبليس لعنه الله قد أعجب بنفسه ودخله الكبر لما جعله الله خازن السماء الدنيا واعتقد أن ذلك لمزية له فلما قالت الملائكة ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك وهي لا تعلم أن في نفس إبليس خلاف ذلك قال الله سبحانه إني أعلم مالا تعلمون يعني ما في نفس إبليس وقال قتادة لما قالت الملائكة أتجعل فيها من يفسد فيها وقد علم الله أن في من يستخلف في الأرض أنبياء وفضلاء وأهل طاعة قال لهم إني أعلم مالا تعلمون يعني أفعال الفضلاء وقوله تعالى وعلم آدم الأسماء كلها معناه عرف وتعليم آدم هنا عند قوم الهام علمه ضرورة وقال قوم بل تعليم بقول إما بواسطة ملك أو بتكليم قبل هبوطه الأرض فلا يشارك موسى عليه السلام في خاصة ت قال الشيخ العارف بالله عبد الله بن أبي جمرة تعليمه سبحانه لآدم الأسماء كلها إنما كان بالعلم اللدني بلا واسطة انتهى من كتابه الذي شرح فيه بعض أحاديث البخاري وكل ما انقله عنه فمنه واختلف المتأولون في قوله الأسماء فقال جمهور الأمة علمه التسميات وقال قوم عرض عليه الأشخاص والاول أبين ولفظه علم تعطى ذلك ثم اختلف الجمهور في أي الأسماء علمه فقال ابن عباس وقتادة ومجاهد علمه اسم كل شيء من جميع المخلوقات دقيقها وجليلها وقال الطبري علمه أسماء ذريته والملائكة ورجحه بقوله تعالى ثم عرضهم وقال أكثر

العلماء علمه تعالى منافع كل شيء ولما يصلح وقيل غير هذا واختلف المتأولون هل عرض على الملائكة أشخاص الأسماء أو الأسماء دون الأشخاص وأنبؤني معناه أخبروني والنبأ الخبر وقال قوم يخرج من هذا الأمر بالإنباء تكليف ما لا يطاق ويتقرر جوازه لأنه سبحانه علم انهم لا يعلمون وقال المحققون من أهل التأويل ليس هذا على جهة التكليف إنما هو على جهة التقرير والتوقيف وقوله تعالى هؤلاء ظاهره حضور أشخاص وذلك عند العرض على الملائكة وليس في هذه الآية ما يدل أن الاسم هو المسمى كما ذهب إليه مكي والمهدوي والذي يظهر أن الله تعالى علم آدم الأسماء وعرض مع ذلك عليه الأجناس اشخاصا ثم عرض تلك على الملائكة وسألهم عن تسمياتها التي قد تعلمها آدم ثم أن آدم قال لهم هذا اسمه كذا وهذا اسمه كذا وهؤلاء مبني على الكسر وكنتم في موضع الجزم بالشرط والجواب عن سيبويه فيما قبله وعند المبرد محذوف تقديره إن كنتم صادقين فأنبوني وقال ابن عباس وابن مسعود وناس من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم معنى الآية إن كنتم صادقين في أن الخليفة يفسد ويسفك ت وفي النفس من هذا القول شيء والملائكة منزهون معصومون كما تقدم والصواب ما تقدم من التفسير عند قوله تعالى أتجعل فيها الآية وقال آخرون إن كنتم صادقين في أنى أن استخلفتكم سبحتم بحمدي وقدستم لي وقال قوم معناه أن كنتم صادقين جواب السؤال عالمين بالاسماء و سبحانك معناه تنزيها لك وتبرئة أن يعلم أحد من علمك إلا ما علمته والعليم معناه العالم ويزيد عليه معنى من المبالغة والتكثير في المعلومات و الحكيم معناه الحاكم وبينهما مزية المبالغة وقيل معناه المحكم وقال قوم الحيكم المانع من الفساد ومنه حكمه الفرس مانعته وقوله تعالى قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم أنبئهم معناه أخبرهم

والضمير في أنبئهم عائد على الملائكة بإجماع والضمير في أسمائهم مختلف فيه حسب الاختلاف في الاسماء التي علمها آدم قال بعض العلماء إن في قوله تعالى فلما أنبأهم نبوءة لآدم عليه السلام إذ أمره الله سبحانه أن ينبىء الملائكة بما ليس عندهم من علم الله عز و جل وقوله تعالى اعلم غيب السموات والارض معناه ما غاب عنكم لان الله تعالى لا يغيب عنه شيء الكل معلوم له واختلف في قوله تعالى ما تبدون وما كنتم تكتمون فقالت طائفة ذلك على معنى العموم في معرفة أسرارهم وظواهرهم وبواطنهم أجمع واذ من قوله وإذ قلنا للملائكة معطوفه على إذ المتقدمة وقول الله تعالى وخطابه للملائكة متقرر قديم في الأزل بشرط وجودهم وفهمهم وهذا هو الباب كله في أوامر الله تعالى ونواهيه ومخاطباته ت ما ذكره رحمه الله هو عقيدة أهل السنة وها أنا انقل من كلام الأئمة إن شاء الله ما يتبين به كلامه ويزيده وضوحا قال ابن رشد قوله صلى الله عليه و سلم اعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لا يفهم منه إن لله عز و جل كلمات غير تامات لأن كلماته هي قوله وكلامه هو صفة من صفات ذاته يستحيل عليها النقص وفي الحديث بيان واضح على أن كلماته عز و جل غير مخلوقة إذ لا يستعاذ بمخلوق وهذا هو قول أهل السنة والحق أن كلام الله عز و جل صفة من صفات ذاته قديم غير مخلوق لأن الكلام هو المعنى القائم في النفس والنطق به عبارة عنه قال الله عز و جل ويقولون في أنفسهم فأخبر أن القول معنى يقوم في النفس وتقول في نفسي كلام أريد أن أعلمك به فحقيقة كلام الرجل هو المفهوم من كلامه وأما الذي تسمعه منه فهو عبارة عنه وكذلك كلام الله عز و جل القديم الذي هو صفة من صفات ذاته هو المفهوم من قراءة القارىء لا نفس قراءته التي تسمعها لأن نفس قراءته التي تسمعها محدثة لم تكن حتى قرأ بها فكانت وهذا كله بين إلا لمن

أعمى الله بصيرته انتهى بلفظه من البيان وقال الغزالي بعد كلام له نحو ما تقدم لابن رشد وكما عقل قيام طلب التعلم وإرادته بذات الوالد قبل أن يخلق ولده حتى إذا خلق ولده وعقل وخلق الله سبحانه له علما بما في قلب أبيه من الطلب صار مأمورا بذلك الطلب الذي قام بذات أبيه ودام وجوده إلى وقت معرفة ولده فليعقل قيام الطلب الذي دل عليه قوله عز و جل فاخلع نعليك بذات الله تعالى ومصير موسى عليه السلام سامعا لذلك الكلام مخاطبا به بعد وجوده اذ خلقت له معرفة بذلك الطلب ومعرفة بذلك الكلام القديم انتهى بلفظه من الأحياء وقوله للملائكة عموم فيهم والسجود في كلام العرب الخضوع والتذلل وغايته وضع الوجه بالأرض والجمهور على أن سجود الملائكة لآدم إيماء وخضوع ولا تدفع الآية أن يكونوا بلغوا غاية السجود وقوله تعالى فقعوا له ساجدين لا دليل فيه لأن الجاثي على ركبتيه واقع واختلف في حال السجود لآدم فقال ابن عباس تعبدهم الله بالسجود لآدم والعبادة في ذلك لله وقال علي بن أبي طالب وابن مسعود وابن عباس أيضا كان سجود تحية كسجود أبوي يوسف عليه السلام له لا سجود عبادة وقال الشعبي إنما كان آدم كالقبلة ومعنى لآدم إلى آدم ع وفي هذه الوجوه كلها كرامة لآدم عليه السلام وقوله تعالى إلا إبليس نصب على الاستثناء المتصل لآنه من الملائكة على قول الجمهور وهو ظاهر الآية وكان خازنا وملكا على سماء الدنيا والأرض واسمه عزازيل قاله ابن عباس وقال ابن زيد والحسن هو أبو الجن كما آدم أبو البشر ولم يك قط ملكا وقد روي نحوه عن ابن عباس أيضا قال واسمه الحارث وقال شهر بن حوشب كان من الجن الذين كانوا في الأرض وقاتلتهم الملائكة فسبوه صغيرا وتعبد مع الملائكة وخوطب معها وحكاه الطبري عن ابن مسعود والاستثناء على هذه الأقوال منقطع واحتج بعض

أصحاب هذا القول بأن الله تعالى قال في صفة الملائكة لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ورجح الطبري قول من قال إن إبليس كان من الملائكة وقال ليس في خلقه من نار ولا في تركيب الشهوة والنسل فيه حين غضب عليه ما يدفع أنه كان من الملائكة وقوله تعالى كان من الجن ففسق عن أمر ربه يتخرج على أنه عمل عملهم فكان منهم في هذا أو على أن الملائكة قد تسمى جنا لاستتارها قال الله تعالى وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا وقال الأعشى في ذكر سليمان عليه السلام
وسخر من جن الملائك تسعة قياما لديه يعملون بلا أجر أو على أن يكون نسبه إلى الجنة كما ينسب إلى البصرة بصرى قال عياض ومما يذكرونه قصة إبليس وأنه كان من الملائكة ورئيسا فيهم ومن خزان الجنة إلى ما حكوه وهذا لم يتفق عليه بل الأكثر ينفون ذلك وأنه أبو الجن انتهى من الشفا وإبليس لا ينصرف لأنه اسم أعجمي قال الزجاج ووزنه فعليل وقال ابن عباس وغيره هو مشتق من إبليس إذا أبعد عن الخير ووزنه على هذا افعيل ولم تصرفه هذه الفرقة لشذوذه وقلته ومنه قوله تعالى فإذا هم مبلسون أي يائسون من الخير مبعدون منه فيما يرون وأبى معناه امتنع من فعل ما أمر به واستكبر دخل في الكبرياء والإباية مقدمة على الاستكبار في ظهورهما عليه والاستكبار وألانفة مقدمة في معتقده وروى ابن القاسم عن مالك أنه قال بلغني أن أول معصية كانت الحسد والكبر والشح حسد إبليس آدم وتكبر وشح آدم في أكله من شجرة قد نهي عن قربها ت إطلاق الشح على آدم فيه ما لا يخفى عليك والواجب اعتقاد تنزيه الأنبياء عن كل ما يحط من رتبتهم وقد قال الله تعالى في حق آدم ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما وقوله تعالى وكان من

الكافرين قالت فرقة معناه وصار من الكافرين ورده ابن فورك وقال جمهور المتأولين معنى وكان من الكافرين أي في علم الله تعالى وقال أبو العالية معناه من العاصين وذهب الطبري إلى أن الله تعالى أراد بقصة إبليس تقريع اشباهه من بني آدم وهم اليهود الذين كفروا بمحمد صلى الله عليه و سلم مع علمهم بنبوءته ومع تقدم نعم الله عليهم وعلى أسلافهم ت ولفظ الطبري وفي هذا تقريع لليهود إذ أبوا من الإسلام مع علمهم بنبوءة رسول الله صلى الله عليه و سلم من التوراة والكتب حسدا له ولبني إسماعيل كما امتنع إبليس من السجود حسدا لآدم وتكبرا عن الحق وقبوله فاليهود نظراء إبليس في كفرهم وكبرهم وحسدهم وتركهم الانقياد لأمر الله تعالى انتهى من مختصر الطبري لأبي عبد الله اللخمي النحوي واختلف هل كفر إبليس جهلا أو عنادا على قولين بين أهل السنة ولا خلاف أنه كان عالما بالله قبل كفره ولا خلاف أن الله تعالى أخرج إبليس عند كفره وأبعده عن الجنة وبعد إخراجه قال لآدم اسكن قوله تعالى وقلنا يا آدم أسكن أنت وزوجك الجنة أسكن معناه لازم الإقامة ولفظه لفظ الأمر ومعناه الأذن واختلف في الجنة التي أسكنها آدم عليه السلام هل هي جنة الخلد أو جنة أخرى ت والأول هو مذهب أهل السنة والجماعة وكلا منها أي من الجنة والرغد العيش الدار الهني وحيث مبنية على الضم وقوله تعالى ولا تقربا هذه الشجرة معناه لا تقرباها بأكل والهاء في هذه بدل من الياء وتحتمل هذه الإشارة أن تكون إلى شجرة معينة واحدة واختلف في هذه الشجرة ما هي فقال ابن عباس وابن مسعود هي الكرم وقيل هي شجرة التين وقيل السنبلة وقيل غير ذلك وقوله فتكونا من الظالمين الظالم في اللغة الذي يضع الشيء في غير موضعه والظلم في أحكام الشرع على مراتب أعلاها الشرك ثم ظلم المعاصي وهي

مراتب وأزلهما مأخوذ من الزلل وهي في الآية مجاز لأنه في الرأي والنظر وإنما حقيقة الزلل في القدم وقرأ حمزة فأزالهما مأخوذ من الزوال ولا خلاف بين العلماء أن إبليس اللعين هو متولي إغواء آدم عليه السلام واختلف في الكيفية فقال ابن عباس وابن مسعود وجمهور العلماء أغواهما مشافهة بدليل قوله تعالى وقاسمهما والمقاسمة ظاهرها المشافهة وقال طائفة أن إبليس لم يدخل الجنة بعد أن اخرج منها وإنما أغوى آدم بشيطانه وسلطانه ووساوسه التي أعطاه الله تعالى كما قال النبي صلى الله عليه و سلم أن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم ت وإلى هذا القول نحا المازري في بعض أجوبته ومن ابتلى بشيء من وسوسة هذا اللعين فأعظم الأدوية له الثقة بالله والتعوذ به والإعراض عن هذا اللعين وعدم الالتفات إليه ما أمكن قال ابن عطاء الله في لطائف المنن كان بي وسواس في الوضوء فقال لي الشيخ أبو العباس المرسي إن كنت لا تترك هذه الوسوسة لا تعد تأتنا فشق ذلك علي وقطع الله الوسواس عني وكان الشيخ أبو العباس يلقن للوسواس سبحان الملك الخلاق إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد وما ذلك على الله بعزيز انتهى قال عياض في الشفا وأما قصة آدم عليه السلام وقوله تعالى فاكلا منها بعد قوله ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين وقوله تعالى ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وتصريحه تعالى عليه بالمعصية بقوله وعصى آدم ربه فغوى أي جهل وقيل أخطأ فإن الله تعالى قد أخبر بعذره بقوله ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما قال ابن عباس نسي عداوة إبليس وما عهد الله إليه من ذلك بقوله إن هذا عدو لك ولزوجك الآية وقيل نسي ذلك بما أظهر لهما وقال ابن عباس إنما سمي الإنسان إنسانا لأنه عهد إليه فنسي وقيل لم يقصد المخالفة استحلالا لها ولكنهما اغترا بحلف

إبليس لهما إنى لكما لمن الناصحين وتوهما أن احدا لا يحلف بالله حانثا وقد روي عذر آدم مثل هذا في بعض الآثار وقال ابن جبير حلف بالله لهما حتى غرهما والمؤمن يخدع وقد قيل نسي ولم ينو المخالفة فلذلك قال تعالى ولم نجد له عزما أي قصدا للمخالفة واكثر المفسرين على أن العزم هنا الحزم والصبر وقال ابن فورك وغيره أنه يمكن أن يكون ذلك قبل النبوءة ودليل ذلك قوله تعالى وعصى آدم ربه فغوى ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى فذكر ان الاجتباء والهداية كانا بعد العصيان وقيل بل اكلها وهو متأول وهو لا يعلم أنها الشجرة التي نهي عنها لانه تأول نهي الله تعالى عن شجرة مخصوصة لا على الجنس ولهذا قيل إنما كانت التوبة من ترك التحفظ لا من المخالفة وقيل تأول أن الله تعالى لم ينهه عنها نهي تحريم انتهى بلفظه فجزاه الله خيرا ولقد جعل الله في شفاه شفاء والضمير في عنها يعود على الجنة وهنا محذوف يدل عليه الظاهر تقديره فأكلا من الشجرة وقوله تعالى فأخرجهما مما كانا فيه قيل معناه من نعمة الجنة إلى شقاء الدنيا وقيل من رفعة المنزلة الى سفل مكانة الذنب ت وفي هذا القول ما فيه بل الصواب ما أشار إليه صاحب التنوير بأن إخراج آدم لم يكن اهانة له بل لما سبق في علمه سبحانه من إكرام آدم وجعله في الأرض خليفة هو واخيار ذريته قائمين فيها بما يجب لله من عبادته والهبوط النزول من علو الى سفل واختلف من المخاطب بالهبوط فقال السدي وغيره آدم وحواء وإبليس والحية التي ادخلت إبليس في فمها وقال الحسن آدم وحواء والوسوسة وبعضكم لبعض عدو جملة في موضع الحال ولكم في الأرض مستقر أي موضع استقرار وقيل المراد الاستقرار في القبور والمتاع ما يستمتع به من أكل ولبس وحديث وانس وغير ذلك واختلف في الحين هنا فقالت فرقة إلى

الموت وهذا قول من يقول المستقر هو المقام في الدنيا وقالت فرقة إلى حين إلى يوم القيامة وهذا هو قول من يقول المستقر هو في القبور والحين المدة الطويلة من الدهر أقصرها في الإيمان والالتزامات سنة قال الله تعالى تؤتى اكلها كل حين وقيل اقصرها ستة اشهر لأن من النخل ما يطعم في كل ستة اشهر وفي قوله تعالى الى حين فائدة لآدم عليه السلام ليعلم انه غير باق فيها ومنتقل الى الجنة التي وعد بالرجوع اليها وهي لغير آدم دالة على المعاد وروي أن آدم نزل على جبل من جبال سرنديب وأن حواء نزلت بجدة وان الحية نزلت باصبهان وقيل بميسان وأن إبليس نزل عند الابلة قوله تعالى فتلقى آدم من ربه كلمات المعنى فقال الكلمات فتاب الله عليه عند ذلك وقرأ ابن كثير آدم بالنصب من ربه كلمات بالرفع واختلف المتأولون في الكلمات فقال الحسن بن ابي الحسن هي قوله تعالى ربنا ظلمنا أنفسنا الآية وقالت طائفة أن آدم رأى مكتوبا على ساق العرش محمد رسول الله فتشفع به فهي الكلمات وسئل بعض سلف المسلمين عما ينبغي أن يقوله المذنب فقال يقول ما قاله ابواه ربنا ظلمنا انفسنا وما قاله موسى رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي وما قال يونس لا اله إلا أنت سبحانك إنى كنت من الظالمين وتاب عليه معناه راجع به والتوبة من الله تعالى الرجوع على عبده بالرحمة والتوفيق والتوبة من العبد الرجوع عن المعصية والندم على الذنب مع تركه فيما يستأنف ت يعني مع العزم على تركه فيما يستقبل وإنما خص الله تعالى آدم بالذكر في التلقي والتوبة وحواء مشاركة له في ذلك باجماع لأنه المخاطب في أول القصة فكملت القصة بذكره وحذه وايضا فلأن المرأة حرمة ومستورة فأراد الله تعالى الستر لها ولذلك لم يذكرها في المعصية في قوله وعصى آدم ربه وبنية التواب

للمبالغة والتكثير وفي قوله تعالى هو التواب تأكيد فائدته أن التوبة على العبد انما هي نعمة من الله تعالى لا من العبد وحده لئلا يعجب التائب بل الواجب عليه شكر الله تعالى في توبته عليه وكرر الأمر بالهبوط لما علق بكل أمر منهما حكما غير حكم الآخر فعلق بالأول العداوة وبالثاني اتيان الهدى ت وهذه الآية تبين أن هبوط آدم كان هبوط تكرمة لما ينشأ عن ذلك من أنواع الخيرات وفنون العبادات وجميعا حال من الضمير في اهبطوا واختلف في المقصود بهذا الخطاب فقيل آدم وحواء وإبليس وذريتهم وقيل ظاهره العموم ومعناه الخصوص في آدم وحواء لان إبليس لا ياتيه هدى والاول اصح لان إبليس مخاطب بالإيمان باجماع وان في قوله فأما هي للشرط دخلت ما عليها مؤكدة ليصح دخول النون المشددة واختلف في معنى قوله هدى فقيل بيان وإرشاد والصواب أن يقال بيان ودعاء وقالت فرقة الهدى الرسل وهي إلى آدم من الملائكة والى بنيه من البشر هو فمن بعده وقوله تعالى فمن تبع هداي شرط جوابه فلا خوف عليهم قال سيبويه والتشرط الثاني وجوابه هما جواب في قوله فإما يأتينكم وقوله تعالى فلا خوف عليهم يحتمل فيما بين أيديهم من الدنيا ولا هم يحزنون على ما فاتهم منها ويحتمل لا خوف عليهم يوم القيامة ولا هم يحزنون فيه ت وهذا هو الظاهر وعليه اقتصر في اختصار الطبري ولفظه عن ابن زيد فلا خوف عليهم أي لا خوف عليهم امامهم قال وليس شيء اعظم في صدر من يموت مما بعد الموت فامنهم سبحانه منه وسلاهم عن الدنيا انتهى وقوله تعالى والذين كفروا الآية لما كانت لفظة الكفر يشترك فيها كفر النعم وكفر المعاصى ولا يجب بهذا خلود بين سبحانه أن الكفر هنا هو الشرك بقوله وكذبوا بآياتنا

والآيات هنا يحتمل أن يريد بها المتلوة ويحتمل أن يريد العلامات المنصوبة والصحبة الا قتران بالشيء في حالة ما زمنا قوله تعالى يا بني إسرائيل أذكروا نعمتي إسرائيل هو يعقوب بن إسحاق بن ابراهيم عليهم السلام وإسرا هو بالعبرانية عبد وإيل اسم الله تعالى فمعناه عبد الله والذكر في كلام العرب على انحاء وهذا منها ذكر القلب الذي هو ضد النسيان والنعمة هنا أسم جنس فهي مفردة بمعنى الجمع قال ابن عباس وجمهور العلماء الخطاب لجميع بني إسرائيل في مدة النبي صلى الله عليه و سلم وقوله تعالى واوفوا بعهدى اوف بعهدكم أمر وجوابه وهذا العهد في قول جمهور العلماء عام في جميع أوامره سبحانه ونواهيه ووصاياه لهم فيدخل في ذلك ذكر محمد صلى الله عليه و سلم الذي في التوراة والرهبة يتضمن الأمر بها معنى التهديد واسند الترمذى الحكيم في نوادر الاصول له عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال قال ربكم سبحانه لا اجمع على عبدي خوفين ولا اجمع له امنين فمن خافنى في الدنيا امنته في الآخرة ومن امننى في الدنيا اخفته في الآخرة انتهى من التذكرة للقرطبي ورواه ابن المبارك في رقائقه من طريق الحسن البصري وفيه قال الله وعزتي لا اجمع على عبدى خوفين ولا اجمع له أمنين فإذا امننى في الدنيا اخفته يوم القيامة وإذا خافنى في الدنيا امنته يوم القيامة انتهى ورواه أيضا الترمذي الحكيم في كتاب ختم الأولياء قال صاحب الكلم الفارقية والحكم الحقيقية بقدر ما يدخل القلب من التعظيم والحرمة تنبعث الجوارح في الطاعة والخدمة انتهى وءامنوا معناه صدقوا ومصدقا نصب على الحال من الضمير في أنزلت وما أنزلت كناية عن القرآن ولما معكم يعنى التوراة وقوله ولا تكونوا أول كافر به هذا من مفهوم الخطاب الذي المذكور فيه والمسكوت عنه حكمهما واحد وحذروا البدار الى الكفر به إذا على الأول كفل

من فعل المقتدى به ونصب اول على خبر كان ع وقد كان كفر قبلهم كفار قريش وانما معناه من اهل الكتاب إذ هم منظور إليهم في مثل هذا واختلف في الضمير في به فقيل يعود على محمد صلى الله عليه و سلم وقيل على القرآن وقيل على التوراة واختلف في الثمن الذي نهوا أن يشتروه بالآيات فقالت طائفة أن الأحبار كانوا يعلمون دينهم بالأجرة فنهوا عن ذلك وفي كتبهم علم مجانا كما علمت مجانا أي باطلا بغير أجرة وقيل كانت للأحبار مأكلة يأكلونها على العلم وقال قوم أن الأحبار أخذوا رشى على تغيير صفة محمد صلى الله عليه و سلم في التوراة فنهوا عن ذلك وقال قوم معنى الآية ولا تشتروا بأوامرى ونواهي وآياتي ثمنا قليلا يعنى الدنيا ومدتها والعيش الذي هو نزر لا خطر له وقد تقدم نظير قوله وإياي فاتقون وبين اتقون وارهبون فرق أن الرهبة مقرون بها وعيد بالغ وقوله تعالى ولا تلبسوا الحق بالباطل أي لا تخلطوا قال أبو العالية قالت اليهود محمد نبي مبعوث لكن إلى غيرنا فإقرارهم ببعثه حق وقولهم إلى غيرنا باطل وتكتموا الحق أي أمر محمد صلى الله عليه و سلم وفي هذه الألفاظ دليل على تغليظ الذنب على من وقع فيه مع العلم به وأنه أعصى من الجهل وأنتم تعلمون جملة في موضع الحال قال ص وتكتموا مجزوم معطوف على تلبسوا والمعنى النهي عن كل من الفعلين انتهى وأقيموا الصلاة معناه اظهروا هيئتها وأديموها بشروطها والزكوة في هذه الآية هي المفروضة وهي مأخوذة من النماء وقيل من التطهير وقوله تعالى واركعوا مع الراكعين قيل إنما خص الركوع بالذكر لان بنى إسرائيل لم يكن في صلاتهم ركوع ت وفي هذا القول نظر وقد قال تعالى في مريم اسجدي واركعي وقالت فرقة إنما قال مع لأن الأمر بالصلاة أولا لم يقتض شهود الجماعة فأمرهم بقوله مع شهود

الجماعة ت وهذا القول هو الذي عول عليه ع في قصة مريم عليها السلام والركوع الانحناء بالشخص وقوله تعالى أتامرون خرج مخرج الاستفهام ومعناه التوبيخ والبر يجمع وجوه الخير والطاعات وتنسون معناه تتركون أنفسكم قال ابن عباس كان الأحبار يأمرون أتباعهم ومقلديهم باتباع التوراة وكانوا هم يخالفونها في جحدهم منها صفة محمد صلى الله عليه و سلم وقالت فرقة كان الأحبار إذا استرشدهم أحد من العرب في اتباع محمد صلى الله عليه و سلم دلوه على ذلك وهم لا يفعلونه ت وخرج الحافظ أبو نعيم أحمد ابن عبد الله الأصبهاني في كتاب رياضة المتعلمين قال حدثنا أبو بكر بن خلاد حدثنا الحارث بن أبي أسامة حدثنا أبو النضر حدثنا محمد بن عبد الله بن على ابن زيد عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم رأيت ليلة اسري بي رجالا تقرض ألسنتهم وشفاههم بمقاريض من نار فقلت يا جبريل من هؤلاء قال الخطباء من أمتك الذين يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم وهم يتلون الكتاب أفلا يعقلون انتهى واستعينوا بالصبر والصلاة قال مقاتل معناه على طلب الآخرة وقيل استعينوا بالصبر على الطاعات وعن الشهوات على نيل رضوان الله سبحانه وبالصلاة على نيل رضوان الله وحط الذنوب وعلى مصائب الدهر أيضا ومنه الحديث كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة ومنه ما روي أن عبد الله بن عباس نعي له أخوه قثم وهو في سفر فاسترجع وتنحى عن الطريق وصلى ثم انصرف إلى راحلته وهو يقرأ واستعينوا بالصبر والصلاة وقال مجاهد الصبر في هذه الآية الصوم ومنه قيل لرمضان شهر الصبر وخص الصوم والصلاة على هذا القول بالذكر لتناسبهما في أن الصيام يمنع الشهوات ويزهد في الدنيا والصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر

وتخشع ويقرأ فيها القرآن الذي يذكر بالآخرة وقال قوم الصبر على بابه والصلاة الدعاء وتجيء الآية على هذا القول مشبهة لقوله تعالى إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله لأن الثبات هو الصبر وذكر الله هو الدعاء وروى ابن المبارك في رقائقه قال أخبرنا حماد بن سلمة عن ثابت البناني عن صلة بن اشيم قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من صلى صلاة لم يذكر فيها شيأ من أمر الدنيا لم يسأل الله شيأ إلا أعطاه أياه واسند ابن المبارك عن عقبة بن عامر الجهني قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول من توضأ فأحسن وضوءه ثم صلى صلاة غير ساه ولالاه كفر عنه ما كان قبلها من شيء انتهى وهذان الحديثان يبينان ما جاء في صحيح البخاري عن عثمان حيث توضأ ثلاثا ثلاثا ثم قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من توضأ نحو وضوءى هذا ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر له ما تقدم من ذنبه انتهى والضمير في قوله تعالى وأنها قيل يعود على الصلاة وقيل على العبادة التي تضمنها بالمعنى ذكر الصبر والصلاة قال ص وأنها الضمير للصلاة وهو القاعدة في أن ضمير الغائب لا يعود على غير الأقرب إلا بدليل انتهى ثم ذكر أبو حيان وجوها أخر نحو ما تقدم وكبيرة معناه ثقيلة شاقة والخاشعون المتواضعون المخبتون والخشوع هيئة في النفس يظهر منها على الجوارح سكون وتواضع ويظنون في هذه الآية قال الجمهور معناه يوقنون والظن في كلام العرب قاعدته الشك مع ميل إلى أحد معتقديه وقد يقع موقع اليقين لكنه لا يقع فيما قد خرج إلى الحس لا تقول العرب في رجل مرءي أظن هذا إنسانا وإنما تجد الاستعمال فيما لم يخرج إلى الحس كهذه الآية وكقوله تعالى فطنوا أنهم مواقعوها قال ص قلت وما ذكره ابن عطية هو معنى ما ذكره الزجاج في معانيه عن بعض أهل العلم أن

الظن يقع في معنى العلم الذي لم تشاهده وإن كان قد قامت في نفسك حقيقته قال وهذا مذهب إلا أن أهل اللغة لم يذكروه قال وسمعته من أبي إسحاق إسماعيل بن إسحاق القاضي رواه عن زيد بن أسلم انتهى والملاقاة هي للثواب أو العقاب ويصح أن تكون الملاقاة هنا بالرؤية التي عليها أهل السنة وورد بها متواتر الحديث وراجعون قيل معناه بالموت وقيل بالحشر والخروج إلى الحساب والعرض ويقوى هذا القول الآية المتقدمة قوله تعالى ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون قوله تعالى يا بني إسرائيل الآية قد تكرر هذا النداء والتذكير بالنعمة وفائدة ذلك أن الخطاب الأول يصح أن يكون للمؤمنين ويصح أن يكون للكافرين منهم وهذا المتكرر إنما هو للكافرين بدلالة ما بعده وأيضا فإن فيه تقوية التوقيف وتأكيد الحض على أيادي الله سبحانه وحسن خطابهم بقوله سبحانه فضلتكم على العالمين لأن تفضيل آبائهم وأسلافهم تفضيل لهم وفي الكلام أتساع قال قتادة وغيره المعنى على عالم زمانهم الذي كانت فيه النبوءة المتكررة لأن الله تعالى يقول لأمة محمد صلى الله عليه و سلم كنتم خير أمة أخرجت للناس واتقوا يوما أي عذاب يوم أو هول يوم ويصح أن يكون يوما نصبه على الظرف ولا تجزى معناه لا تغنى وقال السدي معناه لا تقضي ويقويه قوله شيأ وفي الكلام حذف التقدير لا تجزى فيه وفي مختصر الطبري أي واتقوا يوما لا تقضي نفس عن نفس شيأ ولا تغنى غناء وأحدنا اليوم قد يقضي عن قريبه دينا وأما في الآخرة فيسر المرء أن يترتب له على قريبه حق لأن القضاء هناك من الحسنات والسيآت كما أخبر النبي صلى الله عليه و سلم انتهى والشفاعة مأخوذة من الشفع وهما الاثنان لان الشافع والمشفوع له شفع وسبب هذه الآية أن بنى إسرائيل قالوا نحن أبناء أنبياء الله وسيشفع لنا ءاباؤنا وهذا إنما

هو في حق الكافرين للإجماع وتواتر الأحاديث بالشفاعة في المؤمنين وقوله تعالى ولا يؤخذ منها عدل قال أبو العالية العدل الفدية قال ع عدل الشيء هو الذي يساويه قيمة وقدرا وإن لم يكن من جنسه والعدل بكسر العين هو الذي يساوي الشيء من جنسه وفي جرمه والضمير في قوله ولا هم عائد على الكافرين الذين اقتضتهم الآية ويحتمل أن يعود على النفسين المتقدم ذكرهما لأن اثنين جمع أو لأن النفس للجنس وهو جمع وحصرت هذه الآية المعاني التي اعتادها بنو آدم في الدنيا فإن الواقع في شدة مع ءادمي لا يتخلص إلا بأن يشفع له أو ينصر أو يفتدى ت أو يمن عليه إلا أن الكافر ليس هو بأهل لأن يمن عليه وقوله تعالى وإذ نجيناكم من ءال فرعون أي خلصناكم وءال أضله أهل قلبت الهاء الفا ولذلك ردها التصغير إلى الأصل فقيل أهيل وءال الرجل قرابته وشيعته وأتباعه وفرعون اسم لكل من ملك من العمالقة بمصر وفرعون موسى قيل اسمه مصعب بن الريان وقال ابن إسحاق اسمه الوليد بن مصعب وروي أنه كان من أهل اصطخر ورد مصر فاتفق له فيها الملك وكان أصل كون بنى إسرائيل بمصر نزول إسرائيل بها زمن ابنه يوسف عليهما السلام ويسومونكم معناه يأخذونكم به ويلزمونكم إياه والجملة في موضع نصب على الحال أي سائمين لكم سوء العذاب وسوء العذاب أشده وأصعبه وكان فرعون على ما روي قد رأى في منامه نارا خرجت من بيت المقدس فأحرقت بيوت مصر فأولت له رؤياه أن مولودا من بني إسرائيل ينشأ فيخرب ملك فرعون على يديه وقال ابن إسحاق وابن عباس وغيرهما إن الكهنة والمنجمين قالوا لفرعون قد أظلك زمان مولود من بني إسرائيل يخرب ملكك ويذبحون بدل من يسومون وفي ذلك إشارة إلى جملة الأمر وبلاء معناه

امتحان واختبار ويكون البلاء في الخير والشر وحكى الطبري وغيره في كيفية نجاتهم أن موسى عليه السلام أوحي إليه أن يسري من مصر ببني إسرائيل فأمرهم موسى أن يستعيروا الحلي والمتاع من القبط واحل الله ذلك لبني إسرائيل ويروى انهم فعلوا ذلك دون رأي موسى عليه السلام وهو الاشبه به فسرى بهم موسى من أول الليل فأعلم بهم فرعون فقال لا يتبعهم أحد حتى تصيح الديكة فلم يصح تلك الليلة بمصر ديك حتى أصبح وأمات الله تلك الليلة كثيرا من أبناء القبط فأشتغلوا بالدفن وخرجوا في الأتباع مشرقين وذهب موسى عليه السلام إلى ناحية البحر حتى بلغه وكانت عدة بنى إسرائيل نيفا على ستمائة الف وكانت عدة فرعون الف الف ومائتي الف وحكي غير هذا مما اختصرته لقلة ثبوته فلما لحق فرعون موسى ظن بنو إسرائيل أنهم غير ناجين فقال يوشع بن نون لموسى أين أمرت فقال هكذا وأشار إلى البحر فركض يوشع فرسه حتى بلغ الغمر ثم رجع فقال لموسى أين أمرت فوالله ما كذبت ولا كذبت فأشار إلى البحر وأوحى الله تعالى إليه أن اضرب بعصاك البحر وأوحى الله إلى البحر أن انفرق لموسى إذا ضربك فبات البحر تلك الليلة يضطرب فحين أصبح ضرب موسى البحر وكناه أبا خالد فانفلق وكان ذلك في يوم عاشوراء وقوله تعالى وإذ فرقنا بكم البحر الآية فرقنا معناه جعلناه فرقا ومعنى بكم أي بسببكم والبحر هو بحر القلزم ولم يفرق البحر عرضا من ضفة إلى ضفة وإنما فرق من موضع إلى موضع آخر في ضفة واحدة وكان ذلك الفرق يقرب موضع النجاة ولا يلحق في البر إلا في أيام كثيرة بسبب جبال واوغار حائلة وقيل انفرق البحر عرضا على اثني عشر طريقا طريق لكل سبط فلما دخلوها قالت كل طائفة غرق أصحابنا وجزعوا فقال موسى عليه السلام اللهم

أعنى على أخلاقهم السيئة فأوحى الله إليه أن أدر عصاك على البحر فأدارها فصار في الماء فتوح كالطاق يرى بعضهم بعضا وجازوا وجبريل في ساقتهم على ما ذيانة يحث بني إسرائيل ويقول لآل فرعون مهلا حتى يلحق ءاخركم أولكم فلما وصل فرعون إلى البحر أراد الدخول فنفر فرسه فتعرض له جبريل بالرمكة فاتبعها الفرس ودخل ءال فرعون وميكائل يحثهم فلما لم يبق إلا ميكائل في ساقتهم على الضفة وحده انطبق البحر عليهم فغرقوا وتنظرون قيل معناه بأبصاركم لقرب بعضهم من بعض وقيل ببصائركم للاعتبار لأنهم كانوا في شغل قال الطبري وفي أخبار القرآن على لسان النبي صلى الله عليه و سلم بهذه المغيبات التي لم تكن من علم العرب ولا وقعت إلا في خفي علم بني إسرائيل دليل واضح عند بني إسرائيل وقائم عليهم بنبوءة نبينا محمد صلى الله عليه و سلم وموسى اسم أعجمي قال ابن إسحاق هو موسى بن عمران بن يصهر ابن قاهث بن لاوى بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل صلى الله عليه و سلم وخص الليالي بالذكر في قوله تعالى وإذ واعدنا موسى أربعين ليلة إذ الليلة أقدم من اليوم وقبله في الرتبة ولذلك وقع بها التاريخ قال النقاش وفي ذلك إشارة إلى صلة الصوم لأنه لو ذكر الأيام لأمكن أن يعتقد أنه كان يفطر بالليل فلما نص على الليالي اقتضت قوة الكلام أنه عليه السلام واصل أربعين ليلة بأيامها قال ع حدثني أبي رضي الله عنه قال سمعت الشيخ الزاهد الإمام الواعظ أبا الفضل بن الجوهري رحمه الله يعظ الناس بهذا المعنى في الخلوة بالله سبحانه والدنو منه في الصلاة ونحوه وإن ذلك يشغل عن كل طعام وشراب ويقول أين حال موسى في القرب من الله ووصال ثمانين من الدهر من قوله حين سار إلى الخضر لفتاه في بعض يوم ءاتنا غداءنا ت

وأيضا في الأثر أن موسى لم يصبه أو لم يشك ما شكاه من النصب حتى جاوز الموضع الذي وعد فيه لقاء الخضر عليهما السلام قال ع وكل المفسرين على أن الأربعين كلها ميعاد وقوله تعالى ثم اتخذتم العجل أي إلاها والضمير في بعده يعود على موسى وقيل على انطلاقه للتكليم إذ المواعدة تقتضيه وقصص هذه الآية أن موسى عليه السلام لما خرج ببني إسرائيل من مصر قال لهم أن الله تعالى سينجيكم من ءال فرعون وينفلكم عليهم ويروى أن استعارتهم للحلي كانت بغير إذن موسى عليه السلام وهو الاشبه به ويؤيده ما في سورة طه في قولهم لموسى ولكنا حملنا أو زارا فظاهره أنهم أخبروه بما لم يتقدم له به شعور ثم قال لهم موسى أنه سينزل الله علي كتابا فيه التحليل والتحريم والهدى لكم فلما جاوزا البحر طلبوا موسى بما قال لهم من أمر الكتاب فخرج لميعاد ربه وحده وقد أعلمهم بالأربعين ليلة فعدوا عشرين يوما بعشرين ليلة وقالوا هذه أربعون من الدهر وقد أخلفنا الموعد وبدأ تعنتهم وخلافهم وكان السامري رجلا من بني إسرائيل يسمى موسى بن ظفر ويقال أنه ابن خال موسى وقيل لم يكن من بني إسرائيل بل كان غريبا فيهم والأول أصح وكان قد عرف جبريل عليه السلام وقت عبورهم قالت طائفة أنكر هيئته فعرف أنه ملك وقالت طائفة كانت أم السامري ولدته عام الذبح فجعلته في غار وأطبقت عليه فكان جبريل عليه السلام يغذوه بإصبع نفسه فيجد في إصبع لبنا وفي إصبع عسلا وفي إصبع سمنا فلما رءاه وقت جواز البحر عرفه فأخذ من تحت حافر فرسه قبضة تراب والقى في روعه أنه لن يلقيها على شيء ويقول له كن كذا إلا كان فلما خرج موسى لميعاده قال هارون لبني إسرائيل أن ذلك الحلي والمتاع الذي استعرتم من القبط لا يحل لكم فجيئوا به حتى تأكله النار التي كانت العادة أن تنزل على القرابين

وقيل بل أوقد لهم نارا وأمرهم بطرح جميع ذلك فيها فجعلوا يطرحون وقيل بل أمرهم أن يضعوه في حفرة دون نار حتى يجيء موسى وروي وهو الأصح الأكثر أنه القى الناس الحلي في حفرة أو نحوها وجاء السامري فطرح القبضة وقال كن عجلا وقيل أن السامري كان في أصله من قوم يعبدون البقر وكان يعجبه ذلك وقيل بل كانت بنو إسرائيل قد مرت مع موسى على قوم يعبدون البقر ت والذي في القرآن يعكفون على أصنام لهم قيل كانت على صور البقر فقالوا يا موسى أجعل لنا إلاها كمالهم ءالهة فوعاها السامري وعلم أن من تلك الجهة يفتنون ففتنت بنو إسرائيل بالعجل وظلت منهم طائفة يعبدونه فاعتزلهم هارون بمن تبعه فجاء موسى من ميعاده فغضب حسبما يأتي قصصه في مواضعه إن شاء الله تعالى ثم أوحى الله إليه أنه لن يتوب على بني إسرائيل حتى يقتلوا أنفسهم ففعلت بنو إسرائيل ذلك فروي أنهم لبسوا السلاح من عبد منهم ومن لم يعبد وألقى الله عليهم الظلام فقتل بعضهم بعضا يقتل الأب أبنه والأخ أخاه فلما أستحر فيهم القتل وبلغ سبعين الفا عفا الله عنهم وجعل من مات شهيدا وتاب على البقية فذلك قوله سبحانه ثم عفونا عنكم وقال بعض المفسرين وقف الذين عبدوا العجل صفا ودخل الذين لم يعبدوه عليهم بالسلاح فقتلوهم وقالت طائفة جلس الذين عبدوا بالأفنية وخرج يوشع بن نون ينادي ملعون من حل حبوته وجعل الذين لم يعبدوه يقتلونهم وموسى صلى الله عليه و سلم في خلال ذلك يدعو لقومه ويرغب في العفو عنهم وإنما عوقب الذين لم يعبدوا بقتل أنفسهم على أحد الأقوال لأنهم لم يغيروا المنكر حين عبد العجل وأنتم ظالمون ابتداء وخبر في موضع الحال والعفو تغطية الأثر وإذهاب الحال الأول من الذنب أو غيره ت ومنه الحديث فجعلت أم إسماعيل تعفي أثرها قال ع ولا يستعمل

العفو بمعنى الصفح إلا في الذنب والكتاب هنا هو التوراة بإجماع واختلف في الفرقان هنا فقال الزجاج وغيره هو التوراة أيضا كرر المعنى لاختلاف اللفظ وقال ءاخرون الكتاب التوراة والفرقان سائر الآيات التي أوتي موسى عليه السلام لأنها فرقت بين الحق والباطل واختلف هل بقي العجل من ذهب فقال ذلك الجمهور وقال الحسن بن أبي الحسن صار لحما ودما والأول أصح ت وقوله تعالى فتوبوا إلى بارئكم عن أبي العالية إلى خالقكم من برأ الله الخلق أي خلقهم فالبريئة فعيلة بمعنى مفعولة انتهى من مختصر أبي عبد الله اللخمي النحوي للطبري وقوله تعالى وإذ قلتم يا موسى يريد السبعين الذين أختارهم موسى واختلف في وقت اختيارهم فحكى أكثر المفسرين أن ذلك بعد عبادة العجل فاختارهم ليستغفروا لبني إسرائيل وحكى النقاش وغيره أنه اختارهم حين خرج من البحر وطلب بالميعاد والأول أصح وقصة السبعين أن موسى عليه السلام لما رجع من تكليم الله تعالى ووجد العجل قد عبد قالت له طائفة ممن لم يعبد العجل نحن لم نكفر ونحن أصحابك ولكن اسمعنا كلام ربك فأوحى الله إليه أن اختر منهم سبعين فلم يجد إلا ستين فأوحى إليه أن اختر من الشباب عشرة ففعل فأصبحوا شيوخا وكان قد اختار ستة من كل سبط فزادوا أثنين على السبعين فتشاحوا فيمن يتأخر فأوحى إليه أن من تأخر له أجر من مضى فتأخر يوشع بن نون وكالوث بن يوفنا وذهب موسى عليه السلام بالسبعين بعد أن أمرهم أن يتجنبوا النساء ثلاثا ويغتسلوا في اليوم الثالث واستخلف هارون على قومه ومضى حتى أتى الجبل فألقى عليهم الغمام قال النقاش غشيتهم سحابة وحيل بينهم وبين موسى بالنور فوقعوا سجودا قال السدي وغيره وسمعوا كلام الله

يأمر وينهي فلم يطيقوا سماعه واختلطت أذهانهم ورغبوا أن يكون موسى يسمع ويعبر لهم ففعل فلما فرغوا وخرجوا بدلت منهم طائفة ما سمعت من كلام الله فذلك قوله تعالى وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه واضطرب إيمانهم وامتحنهم الله تعالى بذلك فقالوا لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة ولم يطلبوا من الرؤية محالا أما أنه عند أهل السنة ممتنع في الدنيا من طريق السمع فأخذتهم حينئذ الصاعقة فاحترقوا وماتوا موت همود يعتبر به الغير وقال قتادة ماتوا وذهبت أرواحهم ثم ردوا لاستيفاء ءاجالهم فحين حصلوا في ذلك الهمود جعل موسى يناشد ربه فيهم ويقول أي رب كيف أرجع إلى بني إسرائيل دونهم فيهلكون ولا يؤمنون بي أبدا وقد خرجوا وهم الأخيار قال ع يعني هم بحال الخير وقت الخروج وقال قوم بل ظن موسى أن السبعين إنما عوقبوا بسبب عبادة العجل فذلك قوله أتهلكنا يعني السبعين بما فعل السفهاء منا يعني عبدة العجل وقال ابن فورك يحتمل أن تكون معاقبة السبعين لإخراجهم طلب الرؤية عن طريقه بقولهم لموسى أرنا وليس ذلك من مقدور موسى عليه السلام قال ع ومن قال أن السبعين سمعوا ما سمع موسى فقد أخطأ وأذهب فضيلة موسى واختصاصه بالتكليم وجهرة مصدر في موضع الحال والجهر العلانية ومنه الجهر ضد السر وجهر الرجل الأمر كشفه وفي مختصر الطبري عن ابن عباس جهرة قال علانية وعن الربيع جهرة عيانا انتهى وقوله تعالى ثم بعثناكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون اجاب الله تعالى فيهم رغبة موسى عليه السلام وأحياهم من ذلك الهمود أو الموت ليستوفوا ءاجالهم وتاب عليهم والبعث هنا الإثارة ولعلكم تشكرون أي على هذه النعمة والترجي إنما هو في حق البشر وذكر المفسرون في تظليل الغمام أن بني إسرائيل لما كان من أمرهم ما كان

من القتل وبقي منهم من بقي حصلوا في فحص التيه بين مصر والشام فأمروا بقتال الجبارين فعصوا وقالوا اذهب أنت وربك فقاتلا فدعا موسى عليهم فعوقبوا بالبقاء في ذلك الفحص أربعين سنة يتيهون في مقدار خمسة فراسخ أو ستة روي أنهم كانوا يمشون النهار كله وينزلون للمبيت فيصبحون حيث كانوا بكرة أمس فندم موسى على دعائه عليهم فقيل له لا تأس على القوم الفاسقين وروي أنهم ماتوا بأجمعهم في فحص التيه ونشأ بنوهم على خير طاعة فهم الذين خرجوا من فحص التيه وقاتلوا الجبارين وإذ كان جميعهم في التيه قالوا لموسى من لنا بالطعام قال الله فأنزل الله عليهم المن والسلوى قالوا من لنا من حر الشمس فظلل عليهم الغمام قالوا بم نستصبح بالليل فضرب لهم عمود نور في وسط محلتهم وذكر مكي عمود نار قالوا من لنا بالماء فأمر موسى بضرب الحجر قالوا من لنا باللباس فأعطوا أن لا يبلى لهم ثوب ولا يخلق ولا يدرن وإن تنمو صغارها حسب نمو الصبيان والمن صمغة حلوة هذا قول فرقة وقيل هو عسل وقيل شراب حلو وقيل الذي ينزل اليوم على الشجر وروي ان المن كان ينزل عليهم من طلوع الفجر الى طلوع الشمس كالثلج فيأخذ منه الرجل ما يكفيه ليومه فإن ادخر فسد عليه إلا في يوم الجمعة فإنهم كانوا يدخرون ليوم السبت فلا يفسد عليهم لان يوم السبت يوم عبادة والسلوى طير بإجماع المفسرين فقيل هو السمانا وقيل طائر مثل السمانا وقيل طائر مثل الحمام تحشره عليهم الجنوب ص قال ابن عطية وغلط الهذلي في إطلاقه السلوى على العسل حيث قال ... وقاسمها بالله عهدا لأنتم ... الذ من السلوى إذا ما نشورها ...
ت قد نقل صاحب المختصر أنه يطلق على العسل لغة فلا وجه

لتغليطه لأن إجماع المفسرين لا يمنع من إطلاقه لغة بمعنى آخر في غير الآية انتهى وقوله تعالى كلوا الآية معناه وقلنا كلوا فحذف اختصارا لدلالة الظاهر عليه والطيبات هنا جمعت الحلال واللذيذ ص وقوله وما ظلمونا قدر ابن عطية قبل هذه الجملة محذوفا أي فعصوا وما ظلمونا وقدر غيره فظلموا وما ظلمونا ولا حاجة إلى ذلك لأن ما تقدم عنهم من القبائح يغنى عنه انتهى ت وقول أبي حيان لا حاجة إلى هذا التقدير إلى آخره يرد بأن المحذوفات في الكلام الفصيح هذا شانها لا بد من دليل في اللفظ يدل عليها إلا أنه يختلف ذلك في الوضوح والخفاء فأما حذف ما لا دليل عليه فإنه لا يجوز وقوله تعالى وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية فكلوا منها حيث شئتم رغدا وادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة يغفر لكم خطاياكم وسنزيد المحسنين فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم فأنزلنا على الذين ظلموا رجزا من السماء بما كانوا يفسقون وإذ استسقى موسى لقومه القرية المدينة سميت بذلك لأنها تقرت أي اجتمعت ومنه قريت الماء في الحوض أي جمعته والإشارة بهذه إلى بيت المقدس في قول الجمهور وقيل إلى اريحاء وهي قريب من بيت المقدس قال عمر بن صة كانت قاعدة ومسكن ملوك ولما خرج ذرية بني إسرائيل من التيه أمروا بدخول القرية المشار إليها وأما الشيوخ فماتوا فيه وروي أن موسى وهارون عليهما السلام ماتا في التيه وحكى الزجاج عن بعضهم أنهما لم يكونا في التيه لأنه عذاب والأول أكثر ت لكن ظاهر قوله فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين يقوى ما حكاه الزجاج وهكذا قال الإمام الفخر انتهى وكلوا إباحة وتقدم معنى الرغد وهي أرض مباركة عظيمة الغلة فلذلك قال رغد والباب قال مجاهد هو باب في مدينة بيت المقدس يعرف إلى اليوم بباب حطة وسجدا قال ابن

عباس معناه ركوعا وقيل متواضعين خضوعا والسجود يعم هذا كله وحطة فعلة من حط يحط ورفعه على خبر ابتداء كأنهم قالوا سؤالنا حطة لذنوبنا قال عكرمة وغيره أمروا أن يقولوا لا اله إلا الله لتحط بها ذنوبهم وقال ابن عباس قيل لهم استغفروا وقولوا ما يحط ذنوبكم ت وقال أحمد بن نصر الداودي في تفسيره وروى أن النبي صلى الله عليه و سلم سار مع أصحابه في سفر فقال قولوا نستغفر الله ونتوب إليه فقالوا ذلك فقال والله إنها للحطة التي عرضت على بني إسرائيل فلم يقولوها انتهى وحكى عن ابن مسعود وغيره انهم امروا بالسجود وان يقولوا حطة فدخلوا يزحفون على أستاههم ويقولون حنطة حبة حمراء في شعرة ويروى غير هذا من الألفاظ وقوله تعالى سنزيد المحسنين عدة المعنى إذا غفرت الخطايا بدخولكم وقولكم زيد بعد ذلك لمن أحسن وكان من بنى إسرائيل من دخل كما أمر وقال لا إله إلا الله فقيل هم المراد بالمحسنين هنا وقوله تعالى فبدل الذين ظلموا الآية روي أنهم لما جاءوا الباب دخلوا من قبل ادبارهم القهقرى وفي الحديث أنهم دخلوا يزحفون على استاههم وبدلوا فقالوا حبة في شعرة وقيل قالوا حنطة حبة حمراء في شعرة وقيل شعيرة وحكى الطبري أنهم قالوا هطى شمقاثا أزبه وتفسيره ما تقدم وفي اختصار الطبري وعن مجاهد قال أمر موسى قومه أن يدخلوا الباب سجدا ويقولوا حطة وطؤطئ لهم الباب ليسجدوا فلم يسجدوا ودخلوا على أدبارهم وقالوا حنطة وذكر عز و جل فعل سلفهم تنبيها أن تكذيبهم لمحمد صلى الله عليه و سلم جار على طريق سلفهم في خلافهم على أنبيائهم واستخفافهم بهم واستهزائهم بأمر ربهم انتهى والرجز العذاب قال ابن زيد وغيره فبعث الله على الذين بدلوا الطاعون فأذهب منهم سبعين آلفا وقال ابن عباس أمات الله منهم في ساعة واحدة نيفا على عشرين آلفا واستسقى

معناه طلب السقيا وعرف استفعل طلب الشيء وقد جاء في غير ذلك كقوله تعالى واستغنى الله وكان هذا الاستسقاء في فحص التيه فأمره الله تعالى بضرب الحجر آية منه وكان الحجر من جبل الطور على قدر رأس الشاة يلقى في كسر جوالق ويرحل به فإذا نزلوا وضع في وسط محلتهم وضربه موسى وذكر إنهم لم يكونوا يحملون الحجر لكنهم كانوا يجدونه في كل مرحلة في منزلته من المرحلة الأولى وهذا أعظم في الآية ولا خلاف أنه كان حجرا مربعا منفصلا تطرد من كل جهة منه ثلاث عيون إذا ضربه موسى وإذا استغنوا عن الماء ورحلوا جفت العيون وفي الكلام حذف تقديره فضربه فانفجرت والانفجار انصداع شيء عن شيء ومنه الفجر والانبجاس في الماء أقل من الانفجار وأناس اسم جمع لا واحد له من لفظه ومعناه هنا كل سبط لان الاسباط في بني إسرائيل كالقبائل في العرب وهم ذرية الاثني عشر أولاد يعقوب عليه السلام وقوله سبحانه كلوا واشربوا من رزق الله الآية ت روينا من طريق أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال أن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها أو يشرب الشربة فيحمده عليها رواه مسلم والترمذي والنساءي انتهى والمشرب موضع الشرب وكان لكل سبط عين من تلك العيون لا يتعداها ولا تعثوا معناه ولا تفرطوا في الفساد ص مفسدين حال مؤكدة لان لا تعثوا معناه لا تفسدوا انتهى وقوله تعالى وإذ قلتم يا موسى لن نصبر على طعام واحد الآية كان هذا القول منهم في التيه حين ملوا المن والسلوى وتذكروا عيشهم الأول بمصر قال ابن عباس واكثر المفسرين الفوم الحنطة وقال قتادة وعطاء الفوم جميع الحبوب التي يمكن أن تختبز وقال الضحاك الفوم الثوم وهو قراءة عبد الله بن مسعود وروى ذلك عن ابن عباس والثاء تبدل من الفاء كما قالوا

مغاثير ومغافير ت قال أحمد بن نصر الداودي وهذا القول أشبه لما ذكر معه أي من العدس والبصل انتهى وادنى قال علي بن سليمان الأخفش مأخوذ من الدنيء البين الدناءة بمعنى إلا خس إلا أنه خففت همزته وقال غيره هو مأخوذ من الدون أي الأحط فأصله أدون ومعنى الآية أتستبدلون البقل والقثاء والفوم والعدس والبصل التي هي ادني بالمن والسلوى الذي هو خير وجمهور الناس يقرءون مصرا بالتنوين قال مجاهد وغيره أراد مصرا من الأمصار غير معين واستدلوا بما اقتضاه القرءان من أمرهم بدخول القرية وبما تظاهرت به الروايات أنهم سكنوا الشام بعد التيه وقالت طائفة أراد مصر فرعون بعينها واستدلوا بما في القرآن من أن الله أورث بني إسرائيل ديار آل فرعون وآثارهم قال في مختصر الطبري وعلى أن المراد مصر التي خرجوا منها فالمعنى أن الذي تطلبون كان في البلد الذي كان فيه عذابكم واستعبادكم وأسركم ثم قال والأظهر أنهم مذ خرجوا من مصر لم يرجعوا إليها والله أعلم انتهى وقوله تعالى فإن لكم ما سألتم يقتضي أنه وكلهم إلى أنفسهم وضربت عليهم الذلة والمسكنة معناه الزموها كما قالت العرب ضربة لازب وباءوا بغضب معناه مروا متحملين له قال الطبري باءوا به أي رجعوا به واحتملوه ولا بد أن يوصل باء بخير أو بشر انتهى وقوله تعالى ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير الحق الإشارة بذلك إلى ضرب الذلة وما بعده وقوله تعالى بغير الحق تعظيم للشنعة والذنب ولم يجرم نبيء قط ما يوجب قتله وإنما التسليط عليهم بالقتل كرامة لهم وزيادة لهم في منازلهم صلى الله عليهم كمثل من يقتل في سبيل الله من المؤمنين والباء في بما باء السبب ويعتدون معناه يتجاوزون الحدود والاعتداء هو تجاوز الحد وقوله تعالى أن الذين

ءامنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين الآية اختلف في المراد بالذين ءامنوا في هذه الآية فقالت فرقة الذين ءامنوا هم المؤمنون حقا بنبينا محمد صلى الله عليه و سلم وقوله من آمن بالله يكون فيهم بمعنى من ثبت ودام وفي سائر الفرق بمعنى من دخل فيه وقال السدي هم أهل الحنيفية ممن لم يلحق محمدا صلى الله عليه و سلم والذين هادوا ومن عطف عليهم كذلك ممن لم يلحق محمدا صلى الله عليه و سلم والذين هادوا هم اليهود وسموا بذلك لقولهم هدنا إليك أي تبنا والنصارى لفظة مشتقة من النصر قال ص والصابين قرأ الأكثر بالهمز من صبأ النجم والسن إذا خرج أي خرجوا من دين مشهور إلى غيره وقرأ نافع بغير همز فيحتمل أن يكون من المهموز المسهل فيكون بمعنى الأول ويحتمل أن يكون من صبا غير مهموز أي مال ومنه ... إلى هند صبا قلبي ... وهند مثلها يصبى ...
انتهى قال ع والصابى في اللغة من خرج من دين إلى دين وأما المشار إليهم في قوله تعالى والصابين فقال السدي هم فرقة من أهل الكتاب وقال مجاهد هم قوم لا دين لهم وقال ابن جريج هم قوم تركب دينهم بين اليهودية والمجوسية وقال ابن زيد هم قوم يقولون لا إله إلا الله وليس لهم عمل ولا كتاب كانوا بجزيرة الموصل وقال الحسن بن أبي الحسن وقتادة هم قوم يعبدون الملائكة ويصلون الخمس إلى القبلة ويقرءون الزبور رءاهم زياد بن أبي سفيان فأراد وضع الجزية عنهم حتى عرف أنهم يعبدون الملائكة وقوله تعالى ورفعنا فوقكم الطور الآية الطور اسم الجبل الذي نوجي موسى عليه السلام عليه قاله ابن عباس وقال مجاهد وغيره الطور اسم لكل جبل وقصص هذه الآية أن موسى عليه السلام لما جاء إلى بني إسرائيل من عند الله تعالى بالألواح فيها التوراة

قال لهم خذوها والتزموها فقالوا لا إلا أن يكلمنا الله بها كما كلمك فصعقوا ثم أحيوا فقال لهم خذوها فقالوا لا فأمر الله الملائكة فاقتلعت جبلا من جبال فلسطين طوله فرسخ في مثله وكذلك كان عسكرهم فجعل عليهم مثل الظلة واخرج الله تعالى البحر من ورائهم وأضرم نارا من بين أيديهم فأحاط بهم غضبه وقيل لهم خذوها وعليكم الميثاق ولا تضيعوها وإلا سقط عليكم الجبل وأغرقكم البحر وأحرقتكم النار فسجدوا توبة لله سبحانه واخذوا التوراة بالميثاق قال الطبري عن بعض العلماء لو أخذوها أول مرة لم يكن عليهم ميثاق وكانت سجدتهم على شق لأنهم كانوا يرقبون الجبل خوفا فلما رحمهم الله سبحانه قالوا لا سجدة أفضل من سجدة تقبلها الله ورحم بها فأمروا سجودهم على شق واحد قال ع والذي لا يصح سواه أن الله تعالى اخترع وقت سجودهم الإيمان في قلوبهم لا أنهم ءامنوا كرها وقلوبهم غير مطمئنة قال وقد اختصرت ما سرد في قصص هذه الآية وقصدت أصحه الذي تقتضيه الفاظ الآية وخلط بعض الناس صعقة هذه القصة بصعقة السبعين وبقوة قال ابن عباس معناه بجد واجتهاد وقال ابن زيد معناه بتصديق وتحقيق واذكروا ما فيه أي تدبروه واحفظوا أوامره ووعيده ولا تنسوه ولا تضيعوه وقوله تعالى ثم توليتم الآية تولى أصله الإعراض والإدبار عن الشيء بالجسم ثم استعمل في الإعراض عن الأمور والأديان والمعتقدات اتساعا ومجازا وتوليهم من بعد ذلك إما بالمعاصي فكان فضل الله بالتوبة والإمهال إليها وإما أن يكون توليهم بالكفر فلم يعاجلهم سبحانه بالهلاك ليكون من ذريتهم من يؤمن وقوله تعالى ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت الآية علمتم معناه عرفتم والسبت مأخوذ من السبوت الذي هو الراحة والدعة وإما من السبت وهو القطع لأن الأشياء فيه سبتت وتمت خلقتها وقصة اعتدائهم فيه أن الله

عز و جل أمر موسى عليه السلام بيوم الجمعة وعرفه فضله كما أمر به سائر الأنبياء صلوات الله عليهم فذكر موسى ذلك لبني إسرائيل عن الله سبحانه وأمرهم بالتشرع فيه فأبوا وتعدوه إلى يوم السبت فأوحى الله إلى موسى أن دعهم وما اختاروا من ذلك وامتحنهم بأن أمرهم بترك العمل فيه وحرم عليهم صيد الحيتان وشدد عليهم المحنة بأن كانت الحيتان تأتي يوم السبت حتى تخرج إلى الأفنية قاله الحسن بن أبي الحسن وقيل حتى تخرج خراطيمها من الماء وذلك إما بإلهام من الله تعالى أو بأمر لا يعلل وإما بأن الهمها معنى الأمنة التي في اليوم مع تكراره كما فهم حمام مكة الامنة وكان أمر بني إسرائيل بأيلة على البحر فإذا ذهب السبت ذهبت الحيتان فلم تظهر إلى السبت الآخر فبقوا على ذلك زمانا حتى اشتهوا الحوت فعمد رجل يوم السبت فربط حوتا بخزمة وضرب له وتدا بالساحل فلما ذهب السبت جاء فأخذه فسمع قوم بفعله فصنعوا مثل ما صنع وقيل بل حفر رجل في غير السبت حفيرا يخرج إليه البحر فإذا كان يوم السبت خرج الحوت وحصل في الحفير فإذا جزر البحر ذهب الماء من طريق الحفير وبقي الحوت فجاء بعد السبت فأخذه ففعل قوم مثل فعله وكثر ذلك حتى صادوه يوم السبت علانية وباعوه في الأسواق فكان هذا من أعظم الاعتداء وكانت من بني إسرائيل فرقة نهت عن ذلك فنجت من العقوبة وكانت منهم فرقة لم تعص ولم تنه فقيل نجت مع الناهين وقيل هلكت مع العاصين وكونوا لفظة أمر وهو أمر التكوين كقوله تعالى لكل شيء كن فيكون قال ابن الحاجب في مختصره الكبير المسمى بمنتهى الوصول صيغة افعل وما في معناها قد صح إطلاقها بإزاء خمسة عشر محملا الوجوب أقم الصلاة والندب فكاتبوهم والإرشاد وأشهدوا إذا تبايعتم والإباحة فاصطادوا والتأديب كل مما يليك

والامتنان كلوا مما رزقكم الله والإكرام ادخلوها بسلام والتهديد اعملوا ما شئتم والإنذار تمتعوا والتسخير كونوا قردة والإهانة كونوا حجارة والتسوية فاصبروا أو لا تصبروا والدعاء اغفر لنا والتمني ألا انجلى وكمال القدرة كن فيكون انتهى وزاد غيره كونها للتعجيز اعني صيغة أفعل قال ابن الحاجب وقد اتفق على أنها مجاز فيما عدا الوجوب والندب والإباحة والتهديد ثم الجمهور على أنها حقيقة في الوجوب انتهى وخاسئين معناه مبعدين أذلاء صاغرين كما قال للكلب وللمطرود اخسأ وروي في قصصهم أن الله تعالى مسخ العاصين قردة في الليل فأصبح الناجون إلى مساجدهم ومجتمعاتهم فلم يروا أحدا من الهالكين فقالوا أن للناس لشانا ففتحوا عليهم الأبواب لما كانت مغلقة بالليل فوجدوهم قردة يعرفون الرجل والمرأة وقيل أن الناجين كانوا قد قسموا بينهم وبين العاصين القرية بجدار تبريا منهم فأصبحوا ولم تفتح مدينة الهالكين فتسوروا عليهم الجدار فإذا هم قردة يثب بعضهم على بعض وروي عن النبي صلى الله عليه و سلم وثبت أن المسوخ لا تنسل ولا تأكل ولا تشرب ولا تعيش أكثر من ثلاثة أيام ووقع في كتاب مسلم عنه صلى الله عليه و سلم أن أمة من الأمم فقدت وأراها الفار وظاهر هذا أن المسوخ تنسل فإن كان أراد هذا فهو ظن منه صلى الله عليه و سلم في أمر لا مدخل له في التبليغ ثم أوحي إليه بعد ذلك أن المسوخ لا تنسل ونظير ما قلناه نزوله صلى الله عليه و سلم على مياه بدر وأمره باطراح تذكير النخل وقد قال صلى الله عليه و سلم إذا أخبرتكم عن الله تعالى فهو كما أخبرتكم وإذا أخبرتكم برأي في أمور الدنيا فإنما أنا بشر مثلكم والضمير في جعلناها يحتمل عوده على المسخة والعقوبة ويحتمل على الأمة التي مسخت ويحتمل على القردة ويحتمل على القرية إذ معنى الكلام يقتضيها والنكال الزجر بالعقاب ولما بين يديها قال السدي

ما بين يدي المسخة ما قبلها من ذنوب القوم وما خلفها لمن يذنب بعدها مثل تلك الذنوب وقال غيره ما بين يديها من حضرها من الناجين وما خلفها أي لمن يجيء بعدها وقال ابن عباس لما بين يديها وما خلفها من القرى وموعظة من الاتعاظ والازدجار وللمتقين معناه الذين نهوا ونجوا وقالت فرقة معناه لأمة محمد صلى الله عليه و سلم واللفظ يعم كل متق من كل أمة وقوله تعالى وإذ قال موسى لقومه ان الله يأمركم الآية المراد تذكيرهم بنقض سلفهم للميثاق وسبب هذه القصة على ما روي أن رجلا من بني إسرائيل أسن وكان له مال فاستبطأ ابن أخيه موته وقيل أخوه وقيل ابنا عمه وقيل ورثة غير معينين فقتله ليرثه وألقاه في سبط آخر غير سبطه ليأخذ ديته ويلطخهم بدمه وقيل كانت بنو إسرائيل في قريتين متجاورتين فألقاه إلى باب إحدى القريتين وهي التي لم يقتل فيها ثم جعل يطلبه هو وسبطه حتى وجده قتيلا فتعلق بالسبط أو بسكان المدينة التي وجد القتيل عندها فأنكروا قتله فوقع بين بني إسرائيل في ذلك لحاء حتى دخلوا في السلاح فقال أهل النهي منهم أنقتتل ورسول الله معنا فذهبوا إلى موسى عليه السلام فقصوا عليه القصة وسألوه البيان فأوحى الله تعالى إليه أن يذبحوا بقرة فيضرب القتيل ببعضها فيحي ويخبر بقاتله فقال لهم إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة فكان جوابهم أن قالوا أتتخذنا هزوا وهذا القول منهم ظاهره فساد اعتقاد ممن قاله ولا يصح إيمان من يقول لنبي قد ظهرت معجزته وقال إن الله يأمر بكذا أتتخذنا هزوا ولو قال ذلك اليوم أحد عن بعض أقوال النبي صلى الله عليه و سلم لوجب تكفيره وذهب قوم إلى أن ذلك منهم على جهة غلظ الطبع والجفاء وقول موسى عليه السلام أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين يحتمل معنيين أحدهما الاستعاذة من الجهل في أن يخبر عن الله تعالى مستهزئا والآخر من

الجهل كما جهلوا في قولهم وقوله تعالى قالوا ادع لنا ربك الآية هذا تعنيت منهم وقلة طواعية ولو امتثلوا الأمر فاستعرضوا بقرة فذبحوها لقضوا ما أمروا به ولكن شددوا فشدد الله عليهم قاله ابن عباس وغيره والفارض المسنة الهرمة والبكر من البقر التي لم تلد من الصغر ورفعت عوان على خبر ابتداء مضمر تقديره هي عوان والعوان التي قد ولدت مرة بعد مرة قال م قال الجوهري والعوان النصف في سنها من كل شيء والجمع عون انتهى ت قال الشيخ زين الدين عبد الرحيم بن حسين العراقي في نظمه لغريب القرآن جمع أبي حيان ... معنى عوان نصف بين الصغر ... وبين ما قد بلغت سن الكبر ...
وكل ما نقلته عن العراقي منظوما فمن أرجوزته هذه وقوله فافعلوا ما تؤمرون تجديد للأمر وتأكيد وتنبيه على ترك التعنت فما تكروه قال ابن زيد وجمهور الناس في قوله صفراء أنها كانت كلها صفراء وفي مختصر الطبري فاقع لونها أي صاف لونها انتهى والفقوع مختص بالصفرة كما خص أحمر بقانىء وأسود بحالك وأبيض بناصع وأخضر بناضر قال ابن عباس وغيره الصفرة تسر النفس وسألوا بعد هذا كله عن ما هي سؤال متحيرين قد أحسوا مقت المعصية وفي استثنائهم في هذا السؤال الأخير انابة ما وانقياد ودليل ندم وحرص على موافقة الأمر وروي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال لو لا ما استثنوا ما اهتدوا إليها أبدا وقوله لا ذلول تثير الأرض أي غير مذللة بالعمل والرياضة وتثير الأرض معناه بالحراثة وهي عند قوم جملة في موضع رفع على صفة البقرة أي لا ذلول مثيرة وقال قوم تثير فعل مستأنف والمعنى إيجاب الحرث وأنها كانت تحرث ولا تسقي ومسلمة بناء مبالغة من السلامة قال ابن عباس وغيره معناه من العيوب وقال مجاهد معناه من الشيات والألوان وقيل من العمل ولاشية فيها أي لا خلاف في لونها هي

صفراء كلها قاله ابن زيد وغيره والموشى المختلط الألوان ومنه وشي الثوب تزينه بالألوان والثور الأشيه الذي فيه بلقة يقال فرس أبلق وكبش أخرج وتيس أبرق وكلب أبقع وثور اشيه كل ذلك بمعنى البلقة وهذه الأوصاف في البقرة سببها أنهم شددوا فشدد الله عليهم ودين الله يسر والتعمق في سؤال الأنبياء مذموم وقصة وجود هذه البقرة على ما روي أن رجلا من بني إسرائيل ولد له ابن وكانت له عجلة فأرسلها في غيضة وقال اللهم إني قد استودعتك هذه العجلة لهذا الصبي ومات الرجل فلما كبر الصبي قالت له أمه إن أباك كان قد استودع الله عجلة لك فاذهب فخذها فلما رأته البقرة جاءت إليه حتى أخذ بقرنيها وكانت مستوحشة فجعل يقودها نحو أمه فلقيه بنو إسرائيل ووجدوا بقرته على الصفة التي أمروا بها فلما وجدت البقرة ساموا صاحبها فاشتط عليهم فأتوا به موسى عليه السلام وقالوا له إن هذا اشتط علينا فقال لهم أرضوه في ملكه فاشتروها منه بوزنها مرة قاله عبيد السلماني وقيل بوزنها مرتين وقيل بوزنها عشر مرات وقال مجاهد كانت لرجل يبر أمه وأخذت منه بملء جلدها دنانير والآن مبني على الفتح معناه هذا الوقت وهو عبارة عما بين الماضي والمستقبل وجئت بالحق معناه عن من جعلهم عصاة بينت لنا غاية البيان وهذه الآية تعطى أن الذبح أصل في البقر وإن نحرت اجزأ وقوله تعالى وما كادوا يفعلون عبارة عن تثبطهم في ذبحها وقلة مبادرتهم إلى أمر الله تعالى وقال محمد بن كعب القرظي كان ذلك منهم لغلاء البقر وقيل كان ذلك خوف الفضيحة في أمر القاتل وادارأتم معناه تدافعتم قتل القتيل وفيها أي في النفس وقوله تعالى اضربوه ببعضها اية من الله تعالى على يدي موسى عليه السلام أن أمرهم أن يضربوا ببعض البقرة القتيل فيحي ويخبر بقاتله فقيل

ضربوه وقيل ضربوا قبره لأن ابن عباس ذكر أن أمر القتيل وقع قبل جواز البحر وأنهم داموا في طلب البقرة أربعين سنة وقوله تعالى كذلك يحي الله الموتى الآية في هذه الآية حض على العبرة ودلالة على البعث في الآخرة وظاهرها أنها خطاب لبني إسرائيل حينئذ حكي لمحمد صلى الله عليه و سلم ليعتبر به إلى يوم القيامة وذهب الطبري إلى أنها خطاب لمعاصري محمد صلى الله عليه و سلم وأنها مقطوعة من قوله اضربوه ببعضها وروي أن هذا القتيل لما حيي وأخبر بقاتله عاد ميتا كما كان وقوله تعالى ثم قست قلوبكم الآية أي صلبت وجفت وهي عبارة عن خلوها من الإنابة والإذعان لآيات الله تعالى قال قتادة وغيره المراد قلوب بني إسرائيل جميعا في معاصيهم وما ركبوه بعد ذلك واو لا يصح أن تكون هنا للشك فقيل هي بمعنى الواو وقيل للإضراب وقيل للإبهام وقيل غير ذلك وقوله تعالى وان من الحجارة الآية معذرة للحجارة وتفضيل لها على قلوبهم قال قتادة عذر الله تعالى الحجارة ولم يعذر شقي بني آدم ت وروى البزار عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال أربعة من الشقاء جمود العين وقساوة القلب وطول الأمل والحرص على الدنيا انتهى من الكوكب الدري لأبي العباس أحمد بن سعد التجيبي قال الغزالي في المنهاج واعلم أن أول الذنب قسوة وآخره والعياذ بالله شؤم وشقوة وسواد القلب يكون من الذنوب وعلامة سواد القلب أن لا تجد للذنوب مفزعا ولا للطاعات موقعا ولا للموعظة منجعا انتهى وقيل في هبوط الحجارة تفيؤ ظلالها وقيل أن الله تعال يخلق في بعض الأحجار خشية وحياة يهبط بها من علو تواضعا وقال مجاهد ما تردى حجر من رأس جبل ولا تفجر نهر من حجر ولا خرج ماء منه إلا من خشية الله عز و جل نزل بذلك القرآن وقال مثله ابن جريج وقوله تعالى افتطمعون أن يؤمنوا لكم الآية

الخطاب للمؤمنين من أصحاب محمد صلى الله عليه و سلم وذلك أن الأنصار كان لهم حرص على إسلام اليهود للحلف والجوار الذي كان بينهم ومعنى هذا الخطاب التقرير على أمر فيه بعد إذ قد سلف لأسلاف هؤلاء اليهود أفاعيل سوء وهؤلاء على ذلك السنن وتحريف الشيء إمالته من حال إلى حال وذهب ابن عباس إلى أن تحريفهم وتبديلهم إنما هو بالتأويل ولفظ التوراة باق وذهب جماعة من العلماء إلى أنهم بدلوا ألفاظا من تلقائهم وأن ذلك ممكن في التوراة لأنهم استحفظوها وغير ممكن في القرآن لأن الله تعالى ضمن حفظه قلت وعن ابن إسحاق أن المراد بالفريق هنا طائفة من السبعين الذين سمعوا كلام الله مع موسى انتهى من مختصر الطبري وهذا يحتاج إلى سند صحيح وقوله تعالى وإذا لقوا الذين ءامنوا قالوا ءامنا الآية المعنى وهم أيضا إذا لقوا يفعلون هذا فكيف يطمع في إيمانهم ويحتمل أن يكون هذا الكلام مستأنفا فيه كشف سرائرهم ورد في التفسير أن النبي صلى الله عليه و سلم قال لا يدخلن علينا قصبة المدينة إلا مؤمن فقال كعب بن الأشرف واشباهه أذهبوا وتحسسوا أخبار من آمن بمحمد وقولوا لهم آمنا واكفروا إذا رجعتم فنزلت هذه الآية وقال ابن عباس نزلت في المنافقين من اليهود وروي عنه أيضا أنها نزلت في قوم من اليهود قالوا لبعض المؤمنين نحن نؤمن أنه نبي ولكن ليس إلينا وإنما هو إليكم خاصة فلما خلوا قال بعضهم لم تقرون بنبوته وقال أبو العالية وقتادة أن بعض اليهود تكلم بما في التوراة من صفة النبي صلى الله عليه و سلم فقال لهم كفرة الأحبار أتحدثونهم بما فتح الله عليكم أي عرفكم من صفة محمد صلى الله عليه و سلم ويحاجوكم من الحجة وعند ربكم معناه في الآخرة وقوله تعالى أفلا تعقلون قيل هو من قول الأحبار للاتباع وقيل هو خطاب من الله تعالى للمؤمنين أي أفلا تعقلون أن بني إسرائيل لا يؤمنون وهم

بهذه الأحوال وأميون هنا عبارة عن عامة اليهود وجهلتهم أي أنهم لا يطمع في إيمانهم لما غمرهم من الضلال والأمي في اللغة الذي لا يكتب ولا يقرأ في كتاب نسب إلى الأم إما لأنه بحال أمه من عدم الكتب لا بحال أبيه إذ النساء ليس من شغلهن الكتب قاله الطبري وإما لأنه بحال ولدته أمه فيها لم ينتقل عنها والكتاب التوراة والأماني جمع أمنية واختلف في معنى أماني فقالت طائفة هي هاهنا من تمنى الرجل إذا ترجى فمعناه أن منهم من لا يكتب ولا يقرأ وإنما يقول بظنه شيئا سمعه فيتمنى أنه من الكتاب قال آخرون هي من تمنى إذا تلا ومنه قول الشاعر ... تمنى كتاب الله أول ليلة ... وآخره لاقى حمام المقادر ...
فمعنى الآية أنهم لا يعلمون الكتاب إلا سماع شيء يتلى لا علم لهم بصحته وقال الطبري هي من تمنى الرجل إذا حدث بحديث مختلق كذب أي لا يعلمون الكتاب الا سماع أشياء مختلقة من أحبارهم يظنونها من الكتاب ص وان هم الا يظنون ان نافية بمعنى ما انتهى وقوله تعالى فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله الآية قال الخليل الويل شدة الشر وهو مصدر لا فعل له ويجمع على ويلات والأحسن فيه إذا انفصل الرفع لأنه يقتضي الوقوع ويصح النصب على معنى الدعاء أي الزمه الله ويلا وويل وويح وويس تتقارب في المعنى وقد فرق بينها قوم وروى سفيان وعطاء بن يسار أن الويل في هذه الآية واد يجري بفناء جهنم من صديد أهل النار وروى أبو سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه واد في جهنم بين جبلين يهوي فيه الهاوي أربعين خريفا وروى عثمان بن عفان عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه جبل من جبال النار والذين يكتبون هم الأحبار

والرؤساء وبأيديهم قال ابن السراج هي كناية عن أنه من تلقائهم دون أن ينزل عليهم والذي بدلوه هو صفة النبي صلى الله عليه و سلم ليستديموا رياستهم ومكاسبهم وذكر السدي أنهم كانوا يكتبون كتبا يبدلون فيها صفة النبي صلى الله عليه و سلم ويبيعونها من الأعراب ويبثونها في اتباعهم ويقولون هي من عند الله والثمن قيل عرض الدنيا وقيل الرشى والمآكل التي كانت لهم ويكسبون معناه من المعاصي وقيل من المال الذي تضمنه ذكر الثمن وقوله تعالى وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة الآية روى ابن زيد وغيره ان سببها أن النبي صلى الله عليه و سلم قال لليهود من أهل النار فقالوا نحن ثم تخلفونا أنتم فقال لهم كذبتم لقد علمتم أنا لا نخلفكم فنزلت هذه الآية قال أهل التفسير العهد في هذه الآية الميثاق والموعد وبلى رد بعد النفي بمنزلة نعم بعد الإيجاب وقالت طائفة السيئة هنا الشرك كقوله تعالى ومن جاء بالسيئة فكبت وجوههم في النار والخطيئات كبائر الذنوب قال الحسن بن أبي الحسن والسدي كل ما توعد الله عليه بالنار فهي الخطيئة المحيطة والخلود في هذه الآية على الإطلاق والتأبيد في الكفار ومستعار بمعنى الطول في العصاة وإن علم انقطاعه قال محمد بن عبد الله اللخمي في مختصره للطبري أجمعت الأمة على تخليد من مات كافرا وتظاهرت الروايات الصحيحة عن الرسول صلى الله عليه و سلم والسلف الصالح بأن عصاة أهل التوحيد لا يخلدون في النار ونطق القرآن بأن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء لكن من خاف على لحمه ودمه اجتنب كل ما جاء فيه الوعيد ولم يتجاسر على المعاصي اتكالا على ما يرى لنفسه من التوحيد فقد كان السلف وخيار الأمة يخافون سلب الإيمان على أنفسهم ويخافون النفاق عليها وقد تظاهرت بذلك عنهم الأخبار انتهى

وقوله تعالى والذين ءامنوا الآية يدل هذا التقسيم على أن قوله تعالى بلى من كسب سيئة الآية في الكفار لا في العصاة ويدل على ذلك أيضا قوله وأحاطت لأن العاصي مؤمن فلم تحط به خطيئاته ويدل على ذلك أيضا أن الرد كان على كفار ادعوا ان النار لا تمسهم إلا أياما معدودة فهم المراد بالخلود والله أعلم وقوله تعالى وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل الآية أخذ الله سبحانه الميثاق عليهم على لسان موسى عليه السلام وغيره من أنبيائهم وأخذ الميثاق قول فالمعنى قلنا لهم لا تعبدون إلا الله الآية قال سيبويه لا تعبدون متلق لقسم والمعنى وإذ استحلفناهم والله لا تعبدون إلا الله وفي الإحسان تدخل أنواع بر الوالدين كلها واليتم في بني آدم فقد الأب وفي البهائهم فقد الأم وقال صلى الله عليه و سلم لا يتم بعد بلوغ والمسكين الذي لا شيء له وقيل هو الذي له بلغة والآية تتضمن الرأفة باليتامى وحيطة أموالهم والحض على الصدقة والمواساة وتفقد المساكين وقوله تعالى وقولوا للناس حسنا أمر عطف على ما تضمنه لا تعبدون إلا الله وما بعده وقرأ حمزة والكسائي حسنا بفتح الحاء والسين قال الأخفش وهما بمعنى واحد وقال الزجاج وغيره بل المعنى في القراءة الثانية وقولوا قولا حسنا بفتح الحاء والسين أو قولا ذا حسن بضم الحاء وسكون السين في الأولى قال ابن عباس معنى الكلام قولوا للناس لا إله إلا الله ومروهم بها وقال ابن جريج قولوا لهم حسنا في الإعلام بما في كتابكم من صفة محمد صلى الله عليه و سلم وقال سفيان الثوري معناه مروهم بالمعروف وانهوهم عن المنكر وقال أبو العالية قولوا لهم الطيب من القول وحاوروهم بأحسن ما تحبون ان تحاوروا به وهذا حض على مكارم الأخلاق وزكاتهم هي التي كانوا يضعونها وتنزل النار على ما تقبل منها دون ما لم يتقبل وقوله تعالى ثم توليتم الآية خطاب لمعاصري النبي صلى

الله عليه وسلم أسند إليهم تولي أسلافهم إذ هم كلهم بتلك السبيل قال نحوه ابن عباس وغيره والمراد بالقليل المستثنى جميع مؤمنيهم قديما من أسلافهم وحديثا كابن سلام وغيره والقلة على هذا هي في عدد الأشخاص ويحتمل أن تكون القلة في الإيمان والأول أقوى ص إلا قليلا منصوب على الاستثناء وهو الأفصح لأنه استثناء من موجب وروى عن أبي عمرو إلا قليل بالرفع ووجهه ابن عطية على بدل قليل من ضمير توليتم على أن معنى توليتم النفي أي لم يف بالميثاق إلا قليل ورد بمنع النحويين البدل من الموجب لأن البدل يحل محل المبدل منه فلو قلت قام إلا زيد لم يجز لأن إلا لا تدخل في الموجب وتأويله الإيجاب بالنفي يلزم في كل موجب باعتبار نفي ضده أو نقيضه فيجوز إذن قام القوم إلا زيد على تأويل لم يجلسوا إلا زيد ولم تبن العرب على ذلك كلامها وإنما جازوا قام القوم إلا زيد بالرفع على الصفة وقد عقد سيبويه لذلك بابا في كتابه انتهى ودمائكم جمع دم وهو اسم منقوص أصله دمي ولا تخرجون أنفسكم من دياركم معناه ولا ينفى بعضكم بعضا بالفتنة والبغي وكذلك حكم كل جماعة تخاطب بهذا اللفظ في القول وقوله تعالى ثم أقررتم أي خلفا بعد سلف ان هذا الميثاق أخذ عليكم وقوله وأنتم تشهدون قيل الخطاب يراد به من سلف منهم والمعنى وأنتم شهود أي حضور أخذ الميثاق والإقرار وقيل المراد من كان في مدة محمد صلى الله عليه و سلم والمعنى وأنتم شهداء أي بينة أن الميثاق أخذ على أسلافكم فمن بعدهم منكم وقوله تعالى ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم الآية هؤلاء دالة على أن المخاطبة للحاضرين لا تحتمل ردا إلى الأسلاف قيل تقدير الكلام يا هؤلاء فحذف حرف النداء ولا يحسن حذفه عند سيبويه مع المبهمات وقال الأستاذ الأجل أبو الحسن ابن أحمد شيخنا هؤلاء رفع بالابتداء

وأنتم خبر وتقتلون حال بها تم المعنى وهي المقصود ص قال الشيخ أبو حيان ما نقله ابن عطية عن شيخه أبي الحسن بن البادش من جعله هؤلاء مبتدأ وأنتم خبر مقدم لا أدري ما العلة في ذلك وفي عدوله عن جعل أنتم مبتدأ وهؤلاء الخبر إلى عكسه انتهى ت قيل العلة في ذلك دخول هاء التنبيه عليه لاختصاصها بأول الكلام ويدل على ذلك قولهم ها أنا ذا قائما ولم يقولوا أنا هذا قائما قال معناه ابن هشام فقائما في المثال المتقدم نصب على الحال انتهى وهذه الآية خطاب لقريظة والنضير وبني قينقاع وذلك أن النضير وقريظة حالفت الأوس وبني قينقاع حالفت الخزرج فكانوا إذا وقعت الحرب بين بني قيلة ذهبت كل طائفة من بني إسرائيل مع أحلافها فقتل بعضهم بعضا وأخرج بعضهم بعضا من ديارهم وكانوا مع ذلك يفدى بعضهم أسرى بعض اتباعا لحكم التوراة وهم قد خالفوها بالقتال والاخراج والديار مباني الإقامة وقال الخليل محلة القوم دارهم ومعنى تظاهرون تتعاونون والعدوان تجاوز الحدود والظلم وقرأ حمزة أسرى تفدوهم وأسارى جمع أسير مأخوذ من الأسر وهو الشد ثم كثر استعماله حتى لزم وان لم يكن ثم ربط ولا شد وأسير فعيل بمعنى مفعول وتفادوهم معناه في اللغة تطلقونهم بعد أن تأخذوا عنهم شيئا وقال الثعلبي يقال فدى إذا أعطى مالا وأخذ رجلا وفادى إذا أعطى رجلا وأخذ رجلا فتفدوهم معناه بالمال وتفادوهم أي مفادات الأسير بالأسير انتهى ت وفي الحديث من قول العباس رضي الله عنه فإني فاديت نفسي وعقيلا وظاهره لا فرق بينهما وقوله تعالى افتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض الآية والذي آمنوا به فداء الأسارى والذي كفروا به قتل بعضهم بعضا وإخراجهم من ديارهم وهذا توبيخ لهم وبيان لقبح فعلهم والخزي الفضيحة والعقوبة فقيل خزيهم ضرب الجزية عليهم غابر

الدهر وقيل قتل قريظة واجلاء النضير وقيل الخزي الذي تتوعد به الأمة من الناس هو غلبة العدو والدنيا مأخوذة من دنا يدنو وأصل الياء فيها واو ولكن أبدلت فرقا بين الأسماء والصفات وأشد العذاب الخلود في جهنم وقوله تعالى وما الله بغافل عما يعملون قرأ نافع وابن كثير بياء على ذكر الغائب فالخطاب بالآية لأمة محمد صلى الله عليه و سلم والآية واعظة لهم بالمعنى إذ الله تعالى بالمرصاد لكل كافر وعاص وقرأ الباقون بتاء على الخطاب لمن تقدم ذكره في الآية قبل هذا وهو قوله أفتؤمنون ببعض الكتاب الآية وهو الأظهر ويحتمل أن يكون لأمة محمد صلى الله عليه و سلم فقد روي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال ان بني إسرائيل قد مضوا وأنتم الذين تعنون بهذا يا أمة محمد يريد هذا وما يجرى مجراه وقوله تعالى اولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة الآية جعل الله ترك الآخرة وأخذ الدنيا عوضا عنها مع قدرتهم على التمسك بالآخرة بمنزلة من أخذها ثم باعها بالدنيا فلا يخفف عنهم العذاب في الآخرة ولا ينصرون لا في الدنيا ولا في الآخرة ص ولقد آتينا موسى الكتاب اللام في لقد يحتمل أن تكون توكيدا ويحتمل أن تكون جواب قسم وموسى هو المفعول الأول والكتاب الثاني وعكس السهيلي ومريم معناه في السريانية الخادم وسميت به أم عيسى فصار علما عليها انتهى والكتاب التوراة وقفينا مأخوذ من القفا تقول قفيت فلانا بفلان إذا جئت به من قبل قفاه ومنه قفا يقفو إذا اتبع وكل رسول جاء بعد موسى فإنما جاء باثبات التوراة والأمر بلزومها إلى عيسى عليه السلام والبينات الحجج التي أعطاها الله عيسى وقيل هي آياته من أحياء وإبراء وخلق طير وقيل هي الإنجيل والآية تعم ذلك وايدناه معناه قويناه والأيد القوة قال ابن عباس روح القدس هو الاسم الذي كان يحي به الموتى وقال ابن

زيد هو الإنجيل كما سمى الله تعالى القرآن روحا وقال السدي والضحاك والربيع وقتادة روح القدس جبريل عليه السلام وهذا أصح الأقوال وقد قال النبي صلى الله عليه و سلم لحسان أهج قريشا وروح القدس معك ومرة قال له جبريل معك وكلما ظرف والعامل فيه استكبرتم وظاهر الكلام الاستفهام ومعناه التوبيخ روي أن بني إسرائيل كانوا يقتلون في اليوم ثلاثمائة نبي ثم تقوم سوقهم آخر النهار وروي سبعين نبينا ثم تقوم سوق بقلهم آخر النهار والهوى أكثر ما يستعمل فيما ليس بحق وهو في هذه الآية من ذلك لأنهم إنما كانوا يهوون الشهوات ومعنى قلوبنا غلف أي عليها غشاوات فهي لا تفقه قاله ابن عباس ثم بين تعالى سبب نفورهم عن الإيمان إنما هو أنهم لعنوا بما تقدم من كفرهم واجترامهم وهذا هو الجزاء على الذنب بذنب اعظم منه واللعن الابعاد والطرد وقليلا نعت لمصدر محذوف تقديره فإيمانا قليلا ما يؤمنون والضمير في يؤمنون لحاضري محمد صلى الله عليه و سلم منهم وما في قوله ما يؤمنون زائدة مؤكدة وقوله تعالى ولما جاءهم كتاب من عند الله الآية الكتاب القرآن ومصدق لما معهم يعني التوراة ويستفتحون معناه أن بني إسرائيل كانوا قبل مبعث رسول الله صلى الله عليه و سلم قد علموا خروجه بما علموا عندهم من صفته وذكر وقته وظنوا أنه منهم فكانوا إذا حاربوا الأوس والخزرج فغلبتهم العرب قالوا لهم لو قد خرج النبي الذي أضل وقته لقاتلناكم معه واستنصرنا عليكم به ويستفتحون معناه يستنصرون قال أحمد بن نصر الداودي ومنه عسى الله أن يأتي بالفتح أي بالنصر انتهى وروى أبو بكر محمد بن حسين الا جرى عن ابن عباس قال كانت يهود خيبر يقاتلون غطفان فكلما التقوا هزمت اليهود فعاذ اليهود يوما بالدعاء فقالوا اللهم إنا نسألك بحق محمد النبي الأمي الذي وعدتنا أن تخرجه لنا

في آخر الزمان الا نصرتنا عليهم فكانوا إذا التقوا دعوا بهذا الدعاء فهزموا غطفان فلما بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم كفروا به فأنزل الله عز جل وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا والاستفتاح الاستنصار وقع ليهود المدينة نحو هذا مع الأنصار قبيل الإسلام انتهى من تأليف حسن بن علي بن عبد الملك الرهوني المعروف بابن القطان وهو كتاب نفيس جدا ألفه في معجزات النبي صلى الله عليه و سلم وآيات نبوءته وروي أن قريظة والنضير وجميع يهود الحجاز في ذلك الوقت كانوا يستفتحون على سائر العرب وبسبب خروج النبي المنتظر كانت نقلتهم إلى الحجاز وسكناهم به فإنهم كانوا علموا صقع المبعث وما عرفوا هو محمد صلى الله عليه و سلم وشرعه ويظهر من هذه الآية العناد منهم وأن كفرهم كان مع معرفة ومعاندة ولعنة الله إبعاده لهم وخزيهم لذلك وبيس أصله بئس سهلت الهمزة ونقلت حركتها إلى الباء وما عند سيبويه فاعلة ببيس والتقدير بيس الذي اشتروا به أنفسهم واشتروا بمعنى باعوا وما أنزل الله يعني به القرآن ويحتمل التوراة ويحتمل أن يراد الجميع من توراة وإنجيل وقرآن لأن الكفر بالبعض يستلزم الكفر بالكل ومن فضله يعني من النبوءة والرسالة ومن يشاء يعني به محمدا صلى الله عليه و سلم لأنهم حسدوه لما لم يكن منهم وكان من العرب ويدخل في المعنى عيسى صلى الله عليه و سلم لأنهم كفروا به بغيا والله قد تفضل عليه وباءوا معناه مضوا متحملين لما يذكر أنهم باءوا به وقال البخاري قال قتادة باءوا معناه انقلبوا انتهى وبغضب معناه من الله تعالى لكفرهم بمحمد صلى الله عليه و سلم على غضب متقدم من الله تعالى عليهم قيل لعبادتهم العجل وقيل لكفرهم بعيسى عليه السلام فالمعنى على غضب فدباء به أسلافهم حظ هؤلاء منه وافر بسبب رضاهم بتلك الأفعال وتصويبهم لها ومهين مأخوذ من الهوان وهو الخلود

في النار لأن من لا يخلد من عصاة المسلمين إنما عذابه كعذاب الذي يقام عليه الحد لا هوان فيه بل هو تطهير له وقوله تعالى وإذا قيل لهم يعني لليهود آمنوا بما أنزل الله على محمد صلى الله عليه و سلم وهو القرآن قالوا نؤمن بما أنزل علينا يعنون التوراة ويكفرون بما وراءه قال قتادة أي بما بعده قال الفراء أي بما سواه ويعني به القرآن ووصف تعالى القرآن بأنه الحق ومصدقا حال مؤكدة عند سيبويه وقوله تعالى قل فلم تقتلون أنبياء الله من قبل إن كنتم مؤمنين رد من الله تعالى عليهم وتكذيب لهم في ذلك واحتجاج عليهم وقوله تعالى ولقد جاءكم موسى بالبينات البينات التوراة والعصا وفرق البحر وسائر الآيات وخذوا ما ءاتيناكم يعني التوراة والشرع بقوة أي بعزم ونشاط وجد واشربوا في قلوبهم العجل أي حب العجل والمعنى جعلت قلوبهم تشربه وهذا تشبيه ومجاز عبارة عن تمكن أمر العجل في قلوبهم وقوله تعالى قل بيسما يأمركم به إيمانكم أمر لمحمد صلى الله عليه و سلم أن يوبخهم لأنه بيس هذه الأشياء التي فعلتم وأمركم بها إيمانكم الذي زعمتم في قولكم نؤمن بما أنزل علينا وقوله تعالى قل إن كانت لكم الدار الآخرة الآية أمر لمحمد صلى الله عليه و سلم أن يوبخهم والمعنى إن كان لكم نعيما وحظوتها وخيرها فذلك يقتضي حرصكم على الوصول إليها فتمنوا الموت والدار اسم كان وخالصة خبرها ومن دون الناس يحتمل أن يراد بالناس محمد صلى الله عليه و سلم ومن تبعه ويحتمل أن يراد العموم وهذه آية بينة أعطاها الله رسوله محمد صلى الله عليه و سلم لأن اليهود قالت نحن أبناء الله وأحباؤه وشبه ذلك من القول فأمر الله نبيه أن يدعوهم إلى تمني الموت وأن يعلمهم أنه من تمناه منهم مات ففعل

النبي صلى الله عليه و سلم ذلك فعلموا صدقه فأحجموا عن تمنيه فرقا من الله لقبح أفعالهم ومعرفتهم بكذبهم وحرصا منهم على الحياة وقيل أن الله تعالى منعهم من التمني وقصرهم على الإمساك عنه لتظهر الآية لنبيه صلى الله عليه و سلم ت وقال عياض ومن الوجوه البينة في إعجاز القرآن أي وردت بتعجيز قوم في قضايا واعلامهم أنهم لا يفعلونها فما فعلوا ولا قدروا على ذلك كقوله تعالى لليهود قل ان كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة الآية قال أبو إسحاق الزجاج في هذه الآية أعظم حجة وأظهر دلالة على صحة الرسالة لأنه قال لهم فتنموا الموت واعلمهم أنهم لن يتمنوه أبدا فلم يتمنه واحد منهم وعن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم والذي نفسي بيده لا يقولها رجل منهم إلاغص بريقه يعني يموت مكانه قال أبو محمد الأصيلي من أعجب أمرهم أنه لا توجد منهم جماعة ولا واحد من يوم أمر الله تعالى بذلك نبيه يقدم عليه ولا يجيب إليه وهذا موجود مشاهد لمن أراد أن يمتحنه منهم انتهى من الشفا والمراد بقوله تمنوا أريدوه بقلوبكم واسألوه هذا قول جماعة من المفسرين وقال ابن عباس المراد به السؤال فقط وان لم يكن بالقلب ثم أخبر تعالى عنهم بعجزهم وأنهم لا يتمنونه أبدا وأضاف ذنوبهم واجترامهم إلى الأيدي إذ الأكثر من كسب العبد الخير والشر إنما هو بيديه فحمل جميع الأشياء على ذلك وقوله تعالى والله عليم بالظالمين ظاهره الخبر ومضمنه الوعيد لأن الله سبحانه عليم بالظالمين وغيرهم فائدة تخصيصهم حصول الوعيد وقوله تعالى ولتجدنهم أحرص الناس على حياة الآية وحرصهم على الحياة لمعرفتهم بذنوبهم وأن لا خير لهم عند الله تعالى وقوله تعالى ومن الذين أشركوا قيل المعنى واحرص من الذين أشركوا لأن مشركي العرب لا يعرفون إلا هذه الحياة الدنيا والضمير في أحدهم يعود في

هذا القول على اليهود وقيل أن الكلام تم في حياة ثم استؤنف الأخبار عن طائفة من المشركين أنهم يود أحدهم لو يعمر ألف سنة والزحزحة الإبعاد والتنحية وفي قوله تعالى والله بصير بما يعلمون وعيد وقوله تعالى قل من كان عدوا لجبريل الآية أجمع أهل التفسير أن اليهود قالت جبريل عدونا واختلف في كيفية ذلك فقيل أن يهود فدك قالوا للنبي صلى الله عليه و سلم نسألك عن أربعة أشياء فإن عرفتها اتبعناك فسألوه عما حرم إسرائيل على نفسه فقال لحوم الإبل وألبانها وسألوه عن الشبه في الولد فقال أي ماء علا كان له الشبه وسألوه عن نومه فقال تنام عيني ولا ينام قلبي وسألوه عن من يجيئه من الملائكة فقال جبريل فلما ذكره قالوا ذاك عدونا لأنه ملك الحرب والشدائد والجدب ولو كان الذي يجيئك ميكائل ملك الرحمة والخصب والأمطار لاتبعناك وفي جبريل لغات جبريل بكسر الجيم والراء من غير همز وبها قرأ نافع وجبريل بفتح الجيم وكسر الراء من غير همز وبها قرأ ابن كثير وروي عنه أنه قال رأيت النبي صلى الله تعالى عليه وسلم في النوم وهو يقرأ جبريل وميكال فلا أزال أقرأها أبدا كذلك ت يعني والله أعلم مع اعتماده على روايتها قال الثعلبي والصحيح المشهور عن ابن كثير ما تقدم من فتح الجيم لا ما حكي عنه في الرؤيا من كسرها انتهى وذكر ابن عباس وغيره أن جبروميك واسراف هي كلها بالأعجمية بمعنى عبد ومملوك وايل الله وقوله تعالى فإنه نزله على قلبك الضمير في أنه عائد على الله تعالى وفي نزله عائد على جبريل أي بالقرآن وسائر الوحي وقيل الضمير في أنه عائد على جبريل وفي نزله عائد على القرآن وخص القلب بالذكر لأنه موضع العقل والعلم وتلقي المعارف وبإذن الله معناه بعلمه وتمكينه إياه من هذه المنزلة ومصدقا حال من ضمير القرآن

في نزله وما بين يديه ما تقدمه من كتب الله تعالى وهدى أي إرشاد وقوله تعالى من كان عدوا لله الآية وعيد وذم لمعادي جبريل وإعلام أن عداوة البعض تقتضي عداوة الله لهم وعطف جبريل وميكائل على الملائكة وقد كان ذكر الملائكة عمهما تشريفا لهما قيل خصا لأن اليهود ذكروهما ونزلت الآية بسببهما فذكرا ليلا تقول اليهود أنا لم نعاد الله وجميع ملائكته وعداوة العبد لله هي معصيته وترك طاعته ومعاداة أوليائه وعداوة الله للعبد تعذيبه وإظهار أثر العداوة عليه وقوله تعالى أو كلما عاهدوا عهدا الآية قال سيبويه الواو للعطف دخلت عليها ألف الاستفهام والنبذ الطرح ومنه المنبوذ والعهد الذي نبذوه هو ما أخذ عليهم في التوراة من أمر النبي صلى الله عليه و سلم ولما جاءهم رسول من عند الله هو محمد صلى الله عليه و سلم ومصدق نعت لرسول وكتاب الله القرآن وقيل التوراة لأن مخالفتها نبذ لها ووراء ظهورهم مثل لأن ما يجعل ظهريا فقد زال النظر إليه جملة والعرب تقول جعل هذا الأمر وراء ظهره ودبر أذنه وكأنهم لا يعلمون تشبيه بمن لا يعلم فيجيء من اللفظ أنهم كفروا على علم وقوله تعالى واتبعوا ما تتلوا الشياطين الآية يعني اليهود وتتلوا قال عطاء معناه تقرأ وقال ابن عباس تتلوا تتبع وعلى ملك سليمان أي على عهد ملك سليمان وقال الطبري اتبعوا بمعنى فضلوا وعلى ملك سليمان أي على شرعه ونبوءته والذي تلته الشياطين قيل أنهم كانوا يلقون إلى الكهنة الكلمة من الحق معها المائة من الباطل حتى صار ذلك علمهم فجمعه سليمان ودفنه تحت كرسيه فلما مات أخرجته الشياطين وقالت إن ذلك كان علم سليمان وروي أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لما ذكر سليمان عليه السلام في الأنبياء قال بعض اليهود انظروا إلى محمد يذكر سليمان في الأنبياء وما كان إلا ساحرا وقوله تعالى وما كفر سليمان تبرئة من الله تعالى

لسليمان عليه السلام والسحر والعمل به كفر ويقتل الساحر عند مالك كفرا ولا يستتاب كالزنديق وقال الشافعي يسأل عن سحره فإن كان كفرا استتيب منه فإن تاب وإلا قتل وقال مالك فيمن يعقد الرجال عن النساء يعاقب ولا يقتل والناس المعلمون اتباع الشياطين من بني إسرائيل وما أنزل على الملكين ما عطف على السحر فهي مفعولة وهذا على القول بأن الله تعالى أنزل السحر على الملكين ليكفر به من اتبعه ويؤمن به من تركه أو على قول مجاهد وغيره أن الله تعالى أنزل على الملكين الشيء الذي يفرق به بين المرء وزوجه دون السحر أو على القول أن الله تعال أنزل السحر عليهما ليعلم على جهة التحذير منه والنهي عنه قال ع والتعليم على هذا القول إنما هو تعريف يسير بمباديه وقيل إنما عطف على ما في قوله ما تتلوا وقيل ما نافية رد على قوله وما كفر سليمان وذلك أن اليهود قالوا أن الله تعالى أنزل جبريل وميكائل بالسحر فنفى الله ذلك ت قال عياض والقراءة بكسر اللام من الملكين شاذة وبابل قطر من الأرض وهاروت وماروت بدل من الملكين وما يذكر في قصتهما مع الزهرة كله ضعيف وكذا قال ع ت قال عياض وأما ما ذكره أهل الأخبار ونقله المفسرون في قصة هاروت وماروت وما روي عن علي وابن عباس رضي الله عنهما في خبرهما وابتلائهما فاعلم أكرمك الله أن هذه الأخبار لم يرو منها سقيم ولا صحيح عن رسول الله صلى الله عليه و سلم وليس هو شيئا يؤخذ بقياس والذي منه في القرآن اختلف المفسرون في معناه وأنكر ما قال بعضهم فيه كثير من السلف وهذه الأخبار من كتب اليهود وافترائهم كما نصه الله أول الآيات انتهى أنظره وقوله تعالى وما يعلمان الآية ذكر ابن الأعرابي في الياقوتة أن يعلمان بمعنى يعلمان ويشعران كما قال كعب بن زهير

تعلم رسول الله أنك مدركي ... وأن وعيدا منك كالأخذ باليد ...
وحمل هذه الآية على أن الملكين إنما نزلا يعلمان بالسحر وينهيان عنه وقال الجمهور بل التعليم على عرفه ص وقوله تعالى من أحد من هنا زائدة مع المفعول لتأكيد استغراق الجنس لأن أحدا من ألفاظ العموم انتهى ويفرقون معناه فرقة العصمة وقيل معناه يؤخذون الرجل عن المرأة حتى لا يقدر على وطئها فهي أيضا فرقة وبإذن الله معناه بعلمه وتمكينه ويضرهم معناه في الآخرة والضمير في علموا عائد على بني إسرائيل وقال اشتراه لأنهم كانوا يعطون الأجرة على أن يعلموا والخلاق النصيب والحظ وهو هنا بمعنى الجاه والقدر واللام في قوله لمن للقسم المؤذنة بأن الكلام قسم لا شرط م ولبيس ما أبو البقاء جواب قسم محذوف والمخصوص بالذم محذوف أي السحر أو الكفر والضمير في به عائد على السحر أو الكفر انتهى وشروا معناه باعوا والضمير في يعلمون عائد على بني إسرائيل اتفاقا ولو انهم آمنوا يعني الذين اشتروا السعر وجواب لو لمثوبة والمثوبة عند الجمهور بمعنى الثواب وقوله سبحانه لو كانوا يعلمون يحتمل نفي العلم عنهم ويحتمل لو كانوا يعلمون علما ينفع وقرأ جمهور الناس راعنا من المراعاة بمعنى فاعلنا أي أرعنا نرعك وفي هذا جفاء أن يخاطب به أحد نبيه وقد حض الله تعالى على خفض الصوت عنده وتعزيره وتوقيره وقالت طائفة هي لغة للعرب فكانت اليهود تصرفها إلى الرعونة يظهرون أنهم يريدون المراعاة ويبطنون أنهم يريدون الرعونة التي هي الجهل فنهى الله المؤمنين عن هذا القول سدا للذريعة ليلا يتطرق منه اليهود إلى المحظور وأنظرنا معناه انتظرنا وأمهل علينا ويحتمل أن يكن المعنى تفقدنا من النظر والظاهر عندي استدعاء نظر العين المقترن بتدبر الحال ولما نهى الله تعالى في هذه الآية وأمر حض بعد على السمع الذي في ضمنه الطاعة واعلم

أن لمن خالف أمره فكفر عذابا أليما وهوالمؤلم واسمعوا معطوف على قولوا لا على معمولها وقوله سبحانه ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب الآية يتناول لفظ الآية كل خير والرحمة في هذه الآية عامة لجميع أنواعها وقال قوم الرحمة القرآن وقوله تعالى ما ننسخ من آية أو ننسها الآية النسخ في كلام العرب على وجهين أحدهما النقل كنقل كتاب من آخر وهذا لا مدخل له في هذه الآية وورد في كتاب الله تعالى في قوله انا كنا نستنسخ ما كنتم تعلمون الثاني الإزالة وهو الذي في هذه الآية وهو منقسم في اللغة على ضربين أحدهما يثبت الناسخ بعد المنسوخ كقولهم نسخت الشمس الظل والآخر لا يثبت كقولهم نسخت الريح الأثر وورد النسخ في الشرع حسب هذين الضربين وحد الناسخ عند حذاق أهل السنة الخطاب الدال على ارتفاع الحكم الثابت بالخطاب المتقدم على وجه لولاه لكان ثابتا مع تراخيه عنه ت قال ابن الحاجب والنسخ لغة الإزالة وفي الاصطلاح رفع الحكم الشرعي بدليل شرعي متأخر انتهى من مختصره الكبير والنسخ جائز على الله تعالى عقلا لأنه لا يلزم عنه محال ولا تغيير صفة من صفاته تعالى وليست الأوامر متعلقة بالإرادة فيلزم من النسخ أن الإرادة تغيرت ولا النسخ لطرو علم بل الله تعالى يعلم إلى أي وقت ينتهي أمره بالحكم الأول ويعلم نسخه له بالثاني والبدأ لا يجوز على الله تعالى لأنه لا يكون إلا لطرو علم أو لتغير إرادة وذلك محال في جهة الله تعالى وجعلت اليهود النسخ والبدأ واحدا فلم يجوزوه فضلوا والمنسوخ عند أئمتنا الحكم الثابت نفسه لا ما ذهبت إليه المعتزلة من أنه مثل الحكم الثابت فيما يستقبل والذي قادهم إلى ذلك مذهبهم في أن الأوامر مراده وأن الحسن صفة نفسية للحسن ومراد الله تعالى حسن وقد قامت الأدلة على أن الأوامر لا ترتبط بالإرادة وعلى أن الحسن

والقبح في الأحكام إنما هو من جهة الشرع لا بصفة نفسية والتخصيص من العموم يوهم أنه نسخ وليس به لأن المخصص لم يتناوله العموم قط وقول تناوله العموم لكان نسخا والنسخ لا يجوز في الأخبار وإنما هو مختص بالأوامر والنواهي ورد بعض المعترضين الأمر خبرا بأن قال أليس معناه واجب عليكم أن تفعلوا كذا فهذا خبر والجواب أن يقال أن في ضمن المعنى إلا أن انسخه عنكم وأرفعه فكما تضمن لفظ الأمر ذلك الأخبار كذلك تضمن هذا الاستثناء وصور النسخ تختلف فقد ينسخ الأثقل إلى الأخف وبالعكس وقد ينسخ المثل بمثله ثقلا وخفة وقد ينسخ الشيء لا إلى بدل وقد تنسخ التلاوة دون الحكم وبالعكس والتلاوة والحكم حكمان فجائز نسخ أحدهما دون الآخر ونسخ القرآن بالقرآن وينسخ خبر الواحد بخبر الواحد وهذا كله متفق عليه وحذاق الأئمة على أن القرآن ينسخ بالسنة وذلك موجود في قوله عليه السلام لا وصية لوارث وهو ظاهر مسائل مالك ت ويعنى بالسنة الناسخة للقرآن الخبر المتواتر القطعي وقد أشار إلى أن هذا الحديث متواتر ذكره عند تفسير قوله تعالى إذا حضر أحدكم الموت واختلف القراء في قراءة قوله تعالى أو نسنها فقرأ ابن كثير وأبو عمرو ننسأها بنون مفتوحة وأخرى ساكنة وسين مفتوحة وألف بعدها مهموزة وهذه بمعنى التأخير وأما قراءة نافع والجمهور ننسها من النسيان وقرأت ذلك فرقة إلا أنها همزت بعد السين فهذه بمعنى التأخير والنسيان في كلام العرب يجيء في الأغلب ضد الذكر وقد يجيء بمعنى الترك فالمعاني الثلاثة مقولة في هذه القراءات فما كان منها يترتب في لفظه النسيان الذي هو ضد الذكر فمعنى الآية به ما نسخ من آية أو نقدر نسيانك لها فانا نأتي بخير منها لكم أو مثلها في المنفعة وما كان على معنى الترك أو على معنى التأخير فيترتب فيه معان أنظرها ان شئت فاني آثرت

الاختصار ع والصحيح أن نسيان النبي صلى الله عليه و سلم لما أراد الله أن ينساه ولم يرد أن يثبته قرآنا جائز فأما النسيان الذي هو آفة في البشر فالنبي صلى الله عليه و سلم معصوم منه قبل التبليغ وبعد التبليغ ما لم يحفظه أحد من أصحابه وأما بعد أن يحفظ فجائز عليه ما يجوز على البشر لأنه صلى الله عليه و سلم قد بلغ وأدى الأمانة ومنه الحديث حين اسقط آية فلما فرغ من الصلاة قال أفي القوم أبي قال نعم يا رسول الله قال فلم لم تذكرني قال حسبت أنها رفعت فقال النبي صلى الله عليه و سلم لم ترفع ولكني نسيتها وقوله تعالى ألم تعلم معناه التقرير ومعنى الآية أن الله تعالى ينسخ ما شاء ويثبت ما شاء ويفعل في أحكامه ما شاء هو قدير على ذلك وعلى كل شيء وهذا لإنكار اليهود النسخ وقوله على كل شيء عموم معناه الخصوص إذ لا تدخل فيه الصفات القديمة بدليل العقل ولا المحالات لأنها ليست بأشياء والشيء في كلام العرب الموجود وقدير اسم فاعل على المبالغة قال القشيري وان من علم ان مولاه قدير على ما يريد قطع رجاءه عن الاغيار كما قال تعالى عن إبراهيم عليه السلام ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع قال أهل الإشارة معناه سهلت طريقهم إليك وقطعت رجاءهم عن سواك ثم قال ليقيموا الصلاة أي شغلتهم بخدمتك وأنت أولى بهم فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم أي إذا احتاجوا شيئا فذلل عبادك لهم وأوصل بكرمك رعايتهم إليهم فإنك على ذلك قدير وان من لزم بابه اوصل إليه محابه وكفاه أسبابه وذل له كل صعب وأورده كل سهل عذب من غير قطع شقة ولا تحمل مشقة انتهى من التجبير وقوله تعالى ألم تعلم أن الله له ملك السموات والأرض الآية الملك السلطان ونفوذ الأمر والإرادة وجمع الضمير في لكم دال على أن المراد بخطاب النبي صلى الله عليه و سلم خطاب أمته وقوله تعالى أم

تريدون أن تسألوا رسولكم الآية قال أبو العالية أن هذه الآية نزلت حين قال بعض الصحابة للنبي صلى الله عليه و سلم ليت ذنوبنا جرت مجرى ذنوب بني إسرائيل في تعجيل العقوبة في الدنيا فقال النبي صلى الله عليه و سلم قد أعطاكم الله خيرا مما أعطى بني إسرائيل وتلا ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما وقال ابن عباس سببها ان رافع بن حريملة اليهودي سأل النبي صلى الله عليه و سلم تفجير عيون وغير ذلك وقيل غير هذا وما سئل موسى عليه السلام هو أن يرى الله جهرة وكنى عن الإعراض عن الإيمان والإقبال على الكفر بالتبدل وضل أخطأ الطريق والسواء من كل شيء الوسط والمعظم ومنه سواء الجحيم وقال حسان بن ثاب في رثاء النبي صلى الله عليه و سلم ... يا ويح انصار النبي ورهطه ... بعد المغيب في سواء الملحد ...
والسبيل عبارة عن الشريعة التي أنزلها الله تعالى لعباده وقوله تعالى ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا الآية قال ابن عباس المراد ابنا اخطب حيي وأبو ياسر أي واتباعهما واختلف في سبب هذه الآية فقيل ان حذيفة بن اليمان وعمار بن ياسر أتيا بيت المدراس فأراد اليهود صرفهما عن دينها فثبتا عليه ونزلت الآية وقيل أن هذه الآية تابعة في المعنى لما تقدم من نهي الله عز و جل عن متابعة أقوال اليهود في راعنا وغيره وأنهم لا يودون أن ينزل على المؤمنين خير ويودون أن يردوهم كفارا من بعد ماتبين لهم الحق وهو نبوة محمد صلى الله عليه و سلم ت وقد جاءت أحاديث صحيحة في النهي عن الحسد فمنها حديث مالك في الموطأ عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لا تباغضوا ولا تدابروا ولا تحاسدوا وكونوا عباد الله إخوانا ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث وأسند أبو عمر بن عبد البر عن الزبير قال قال رسول

الله صلى الله عليه و سلم دب إليكم داء الأمم قبلكم الحسد والبغضاء حالقتا الدين لا حالقتا الشعر انتهى من التمهيد والعفو ترك العقوبة والصفح الإعراض عن المذنب كأنه يولى صفحة العنق قال ابن عباس هذه الآية منسوخة بقوله تعالى قاتلوا الذين لا يؤمنون الآية إلى قوله صاغرون وقيل بقوله اقتلوا المشركين وقال قوم ليس هذا حد المنسوخ لأن هذا في نفس الأمر كان التوقيف على مدته ت وينبغي للمؤمن أن يتأدب بآداب ذه الآية وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال ألا أدلكم على ما يرفع الله به الدرجات قالوا نعم يا رسول الله قال تحلم على من جهل عليك وتعفو عمن ظلمك وتعطي من حرمك وتصل من قطعك خرجه النسائي انتهى من الكوكب الدري لأبي العباس أحمد بن سعد التجيبي وقوله تعالى ان الله على كل شيء قدير مقتضاه في هذا الموضع وعد للمؤمنين وقوله تعالى واقيموا الصلاة الآية قال الطبري إنما أمر الله المؤمنين هنا بالصلاة والزكاة ليحط ما تقدم من ميلهم إلى قول اليهود راعنا لأن ذلك نهي عن نوعه وقوله تجدوه أي تجدوا ثوابه وروى ابن المبارك في رقائقه بسنده قال جاء رجل من الأنصار إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال يا رسول الله مالي لا أحب الموت فقال هل لك مال قال نعم يا رسول الله قال فقدم مالك بين يديك فإن المرء مع ماله إن قدمه أحب أن يلحقه وإن خلفه أحب التخلف انتهى وقوله تعالى ان الله بما تعلمون بصير خبر في اللفظ معناه الوعد والوعيد وقوله تعالى وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى معناه قال اليهود لن يدخل الجنة إلا من كان هودا وقال النصارى لن يدخل الجنة إلا من كان نصارى فجمع قولهم ودل تفريق نوعيهم على تفريق قوليهم وهذا هو الإيجاز واللف وهودا جمع هائد ومعناه التائب الراجع وكذبهم الله

تعالى وجعل قولهم أمنية وأمر نبيه عليه السلام بدعائهم إلى إظهار البرهان وهو الدليل الذي يوقع اليقين وقولهم لن نفي حسنت بعده بلى إذ هي رد بالإيجاب في جواب النفي حرف مرتجل لذلك وأسلم معناه استسلم وخضع ودان وخص الوجه بالذكر لكونه أشرف الأعضاء وفيه يظهر أثر العز والذل وهو محسن جملة في موضع الحال وقوله تعالى وقالت اليهود الآية معناه أنه ادعى كل فريق أنه أحق برحمة الله من الآخر وسبب الآية أن نصارى نجران اجتمعوا مع يهود المدينة عند النبي صلى اله عليه وسلم فتسابوا وكفر اليهود بعيسى وبملته وبالإنجيل وكفر النصارى بموسى وبالتوراة ع وفي هذا من فعلهم كفر كل طائفة بكتابها لأن الإنجيل يتضمن صدق موسى وتقرير التوراة والتوراة تتضمن التبشير بعيسى وكلاهما يتضمن صدق النبي صلى الله عليه و سلم فعنفهم الله تعالى على كذبهم وفي كتبهم خلاف ما قالوا وفي قوله تعالى وهم يتلون الكتاب تنبيه لأمة محمد صلى الله عليه و سلم على ملازمة القرآن والوقوف عند حدوده والكتاب الذي يتلونه قيل هو التوراة والإنجيل فالألف واللام للجنس وقيل التوراة لأن النصارى تمتثلها وقوله تعالى كذلك قال الذين لا يعلمون يعني كفار العرب لأنهم لا كتاب لهم فالله يحكم بينهم يوم القيامة الآية أي فيثيب من كان على شيء ويعاقب من كان على غير شيء ومن أظلم ممن منع مساجد الله الآية أي لا أحد أظلم من هؤلاء قال ابن عباس وغيره المراد النصارى الذين كانوا يؤذون من يصلي ببيت المقدس وقال ابن زيد المراد كفار قريش حين صدوا رسول الله صلى الله عليه و سلم عن المسجد الحرام وهذه الآية تتناول كل من منع من مسجد إلى يوم القيامة وقوله سبحانه اولئك ما كان لهم ان يدخلوها إلا خائفين الآية فمن جعل الآية في النصارى

روى أنه مر زمن بعد ذلك لا يدخل نصراني بيت المقدس إلا أوجع ضربا قاله قتادة والسدي ومن جعلها في قريش قال كذلك نودي بأمر النبي ص - ألا يحج مشرك وألا يطوف بالبيت عريان وأينما شرط وتولوا جزم به وثم جوابه ووجه الله معناه الذي وجهنا إليه كما تقول سافرت في وجه كذا أي في جهة كذا ويتجه في بعض المواضع من القرءان كهذه الآية أن يراد بالوجه الجهة التي فيها رضاه وعليها ثوابه كما تقول تصدقت لوجه الله ويتجه في هذه الآية خاصة أن يراد بالوجه الجهة التي وجهنا إليها في القبلة واختلف في سبب نزول هذه الآية فقال ابن عمر نزلت هذه الآية في صلاة النافلة في السفر حيث توجهت بالإنسان دابته وقال النخعي الآية عامة أينما تولوا في متصرفاتكم ومساعيكم فثم وجه الله أي موضع رضاه وثوابه وجهة رحمته التي يوصل إليها بالطاعة وقال عبد الله بن عامر بن ربيعة نزلت فيمن اجتهد في القبلة فأخطأ وورد في ذلك حديث رواه عامر بن ربيعة قال كنا مع النبي ص - في سفر في ليلة مظلمة فتحرى قوم القبلة وأعلموا علامات فلما أصبحوا رأوا أنهم قد أخطؤها فعرفوا رسول الله ص - بذلك فنزلت هذه الآية وقيل نزلت الآية حين صد رسول الله ص - عن البيت وواسع معناه متسع الرحمة عليم أين يضعها وقيل واسع معناه هنا أنه يوسع على عباده في الحكم دينه يسر عليم بالنيات التي هي ملاك العمل
وقوله تعالى وقالوا اتخذ الله ولدا سبحانه الآية اختلف على من يعود ضمير قالوا فقيل على النصارى وهو الأشبه وقيل على اليهود لأنهم قالوا عزير بن الله وقيل على كفرة العرب لأنهم قالوا الملائكة بنات الله
ت
وقال أبو عبد الله اللخمي ويحتمل أن يعني بالآية كل من تقدم ذكره من الكفرة وقد تقدم ذكر اليهود

والنصارى والذين لا يعلمون وهم المشركون وكلهم قد ادعى لله ولدا تعالى الله عن قولهم انتهى من مختصر الطبري وسبحانه مصدر معناه تنزيها له وتبرئة مما قالوا والقنوت في اللغة الطاعة والقنوت طول القيام فمعنى الآية أن المخلوقات تقنت لله أي تخشع وتطيع والكفار قنوتهم في ظهور الصنعة عليهم وفيهم وقيل الكافر يسجد ظله وهو كاره وبديع مصروف من مبدع والمبدع المخترع المنشئ وخص السماوات والأرض بالذكر لأنها أعظم ما نرى من مخلوقاته جل وعلا وقضى معناه قدر وقد يجيء بمعنى امضى ويتجه في هذه الآية المعنيان والأمر واحد الأمور وليس هو هنا بمصدر أمر يأمر وتلخيص المعتقد في هذه الآية أن الله عز و جل لم يزل آمرا للمعدومات بشرط وجودها قادرا مع تأخر المقدورات عالما مع تأخر وقوع المعلومات فكل ما في الآية مما يقتضي الاستقبال فهو بحسب المأمورات إذ المحدثات تجيئ بعد أن لم تكن وكل ما يستند إلى الله تعالى من قدرة وعلم وأمر فهو قديم لم يزل والمعنى الذي تقتضيه عبارة كن هو قديم قائم بالذات والوضوح التام في هذه المسألة يحتاج أكثر من هذا البسط
ت
وقد قدمنا ما يزيد هذا المعنى وضوحا عند قوله تعالى وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فانظره
وقوله تعالى وقال الذين لا يعلمون لولا يكلمنا الله الآية قال الربيع والسدي هم كفار العرب وقد طلب عبد الله بن أمية وغيره من النبي ص - نحو هذا وقال مجاهد هم النصارى وقال ابن عباس المراد من كان على عهد النبي ص - من اليهود لأن رافع بن حريملة قال للنبي ص - أسمعنا كلام الله وقيل الإشارة إلى جميع هذه الطوائف لأنهم كلهم قالوا هذه المقالة ولولا تحضيض بمعنى هلا والآية هنا العلامة الدالة والذين من قبلهم هم اليهود والنصارى في قول من جعل الذين لا يعلمون كفار العرب وهم

اليهود في قول من جعل الذين لا يعلمون النصارى وهم الأمم السالفة في قول من جعل الذين لا يعلمون العرب والنصارى واليهود وتشابه القلوب هنا في طلب ما لا يصح أو في الكفر
وقوله تعالى قد بينا الآيات لقوم يوقنون قرينة تقتضي أن اليقين صفة لعلمهم وقرينة أخرى أن الكلام مدح لهم
وقوله تعالى إنا أرسلناك بالحق بشيرا أي لمن آمن ونذيرا لمن كفر وقرأ نافع وحده ولا تسأل أي لا تسأل عن شدة عذابهم كما تقول فلان لا تسأل عنه تعني أنه في نهاية تشهره من خير أو شر
ت
وزاد في مختصر الطبري قال وتحتمل هذه القراءة معنى آخر وهو والله أعلم أظهر أي ولا تسأل عنهم سؤال مكترث بما أصابهم أو بما هم عليه من الكفر الذي يوردهم الجحيم نظير قوله عز و جل فلا تذهب نفسك عليهم حسرات وأما ما روي عن محمد بن كعب القرطي ومن وافقه من أن النبي ص - سأل ما فعل أبواي فنزلت الآية في ذلك فهو بعيد ولا يتصل أيضا بمعنى ما قبله وانتهى وقرأ باقي السبعة ولا تسال بضم التاء واللام والجحيم إحدى طبقات النار وقوله تعالى قل إن هدى الله هو الهدى أي ما أنت عليه يا محمد من هدى الله هو الهدى الحقيقى لا ما يدعيه هؤلاء ثم قال تعالى لنبيه ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم مالك من الله من ولي ولا نصير فهذا شرط خوطب به النبي ص - وأمته معه داخلة فيه
ت والأدب أن يقال خوطب به ص - والمراد أمته لوجود عصمته ص - وكذلك الجواب في سائر ما أشبه هذا المعنى من الآي وقد نبه رحمه الله على هذا المعنى في نظيرتها كما سيأتي وكان الأولى أن ينبه على ذلك هنا أيضا وقد أجاب عياض عن الآى الواردة في القرآن مما يوهم ظاهره أشكالا فقال رحمه الله اعلم وفقنا الله

وإياك أنه عليه السلام لا يصح ولا يجوز عليه أن لا يبلغ وأن يخالف أمر ربه ولا إن يشرك ولا أن يتقول على الله ما لا يجب أو يفتري عليه أو يضل أو يختم على قلبه أو يطيع الكافرين لكن الله أمره بالمكاشفة والبيان في البلاغ للمخالفين وأن إبلاغه إن لم يكن بهذا البيان فكان ما بلغ وطيب نفسه وقوى قلبه بقوله تعالى والله يعصمك من الناس كما قال لموسى وهارون عليهما السلام لا تخافا لتشد بصائرهم في الإبلاغ وإظهار دين الله ويذهب عنهم خوف العدو المضعف لليقين وأما قوله تعالى ولو تقول علينا بعض الأقاويل الآية وقوله إذا لأذقناك ضعف الحياة فمعناه أن هذا جزاء من فعل هذا وجزاؤك لو كنت ممن يفعله وهو ص - لا يفعله وكذلك قوله تعالى وإن تطع أكثر من في الأرض فالمراد غيره كما قال أن تطيعوا الذين كفروا الآية وقوله أن يشأ الله يختم على قلبك ولئن أشركت ليحبطن عملك وما أشبهه فالمراد غيره وأن هذا حال من أشرك والنبي ص - لا يجوز عليه هذا وقوله تعالى اتق الله ولا تطع الكافرين فليس فيه إنه أطاعهم والله ينهاه عما يشاء ويأمره بما يشاء كما قال تعالى ولا تطرد الذين يدعون ربهم الآية و وما كان طردهم عليه السلام ولا كان من الظالمين انتهى من الشفا
ص
ولئن هذه اللام هي الموطئة والمؤذنة وهي مشعرة بقسم مقدر قبلها انتهى
وقوله تعالى الذين أتيناهم الكتاب يتلونه الآية قال قتادة المراد بالذين في هذا الموضع من أسلم من أمة النبي ص - والكتاب على هذا التأويل القرءان وقال ابن زيد المراد من أسلم من بني إسرائيل والكتاب على هذا التأويل التوراة وءاتيناهم معناه أعطيناهم ويتلونه معناه يتبعونه حق اتباعه بامتثال الأمر والنهي قال أحمد بن نصر الداودي وهذا قول ابن عباس قال عكرمة يقال فلان يتلو فلانا أي يتبعه ومنه والقمر إذا

تلاها أي تبعها انتهى ولله در من اتبع كلام ربه واقتفى سنة نبيه وإن قل علمه قال القضاعي في اختصاره للمدارك قال في ترجمة سحنون كان سحنون يقول مثل العلم القليل في الرجل الصالح مثل العين العذبة في الأرض العذبة يزرع عليها صاحبها ما ينتفع به ومثل العلم الكثير في الرجل الطالح مثل العين الخرارة في السبخة تهر الليل والنهار ولا ينتفع بها انتهى وقيل يتلونه يقرءونه حق قراءته وهذا أيضا يتضمن الاتباع والامتثال وحق مصدر وهو بمعنى افعل والضمير في به عائد على الكتاب وقيل يعود على محمد ص - لان متبعي التوراة يجدونه فيها فيؤمنون به والضمير في يكفر به يحتمل من العود ما ذكر في الأول
وقوله تعالى يا بني إسرائيل الآية تقدم بيان نظيرها ومعنى لا تنفعها شفاعة أنه ليست ثم وليس المعنى أنه يشفع فيهم أحد فيرد وأما الشفاعة التي هي في تعجيل الحساب فليست بنافعة لهؤلاء الكفرة
ت
ولم ينبه رحمه الله على هذا في التي تقدمت أول السورة وابتلى معناه اختبر وفي مختصر الطبري ابتلى أي اختبر والاختبار من الله عز و جل لعباده على علم منه سبحانه بباطن أمرهم وظاهره وإنما يبتليهم ليظهر منهم سابق علمه فيهم وقد روي ذلك عن علي رضي الله عنه في قوله عز و جل ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم فقال رضي الله عنه أن الله عز و جل لم يزل عالما بأخبارهم وخبرهم وما هم عليه وإن قوله ولنبلوكم حتى نعلم أي حتى نسوقكم إلى سابق علمي فيكم انتهى وهو كلام حسن وقد نبه
ع
على هذا المعنى فيما يأتي والعقيدة إن علمه سبحانه قديم علم كل شيء قبل كونه فجرى على قدره لا يكون من عباده قول ولا عمل إلا وقد قضاه وسبق علمه به سبحانه لا إله إلا هو وإبراهيم يقال أن تفسيره بالعربية أب رحيم واختلف أهل التأويل في الكلمات فقال ابن عباس هي ثلاثون سهما

هي الإسلام كله لم يتمه أحد كاملا إلا إبراهيم عليه السلام عشرة منها في براءة التائبون العابدون الآية وعشرة في الأحزاب أن المسلمين والمسلمات الآية وعشرة في سأل سائل
ت
وقيل غير هذا وفي البخاري أنه اختتن وهو ابن ثمانين سنة بالقدوم قال الراوي فأوحى الله إليه أني جاعلك للناس إماما والإمام القدوة وإنما سميت هذه الخصال كلمات لأنها اقترنت بها أوامر هي كلمات وروي أن إبراهيم لما أتم هذه الكلمات أو أتمها الله عليه كتب الله له البراءة من النار فذلك قوله تعالى وإبراهيم الذي وفى
وقول إبراهيم عليه السلام ومن ذريتي هو على جهة الرغباء إلى الله أي ومن ذريتي يا رب فاجعل
وقوله تعالى قال لا ينال عهدي الظالمين أي قال الله والعهد فيما قال مجاهد الإمامة وقوله تعالى وإذ جعلنا البيت أي الكعبة مثابة يحتمل من ثاب إذا رجع ويحتمل أن تكون من الثواب أي يثابون هناك وآمنا للناس والطير والوحوش إذ جعل الله لها حرمة من النفوس بحيث يلقى الرجل بها قاتل أبيه فلا يهيجه وقرأ جمهور الناس واتخذوا بكسر الخاء على جهة الأمر لأمة محمد ص - وقرأ نافع وابن عامر واتخذوا بفتح الخاء على جهة الخبر عن من اتخذه من متبعي إبراهيم عليه السلام ومقام إبراهيم في قول ابن عباس وقتادة وغيرهما وخرجه البخاري هو الحجر الذي ارتفع عليه إبراهيم حين ضعف عن رفع الحجارة التي كان إسماعيل يناوله إياها في بناء البيت وغرقت قدماه فيه ومصلى موضع صلاة
ص
من مقام من تبعيضية على الأظهر أو بمعنى في أو زائدة على مذهب الأخفش والمقام مفعل من القيام والمراد به هنا المكان انتهى يعني المكان الذي فيه الحجر المسمى بالمقام
وقوله تعالى وعهدنا العهد على اللغة على أقسام منها الوصية بمعنى الأمر وطهرا قيل معناه ابنياه وأسساه على طهارة ونية طهارة وقال

مجاهد هو أمر بالتطهير من عبادة الأوثان وللطائفين ظاهره أهل الطواف وقاله عطاء وغيره وقال ابن جبير معناه للغرباء الطارئين على مكة والعاكفين قال ابن جبير هم أهل البلد المقيمون وقال عطاء هم المجاورون بمكة وقال ابن عباس المصلون وقال غيره المعتكفون والعكوف في اللغة الملازمة
وقوله تعالى وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلدا آمنا أي من الجبابرة والعدو المستأصل وروي أن الله تعالى لما دعاه إبراهيم أمر جبريل فاقتلع فلسطين وقيل بقعة من الأردن فطاف بها حول البيت سبعا وأنزلها بوج فسميت الطائف بسبب الطواف
وقوله تعالى قال ومن كفر فأمتعه قليلا الآية قال أبي بن كعب وابن إسحاق وغيرهما هذا القول من الله عز و جل لإبراهيم وقال ابن عباس وغيره هذا القول من إبراهيم قال
ع
فكان إبراهيم دعا للمؤمنين وعلى الكافرين وفي مختصر الطبري وقرأ بعضهم فامتعه بالجزم والقطع على الدعاء ورءاه دعاء من إبراهيم وروي ذلك عن أبي العالية كان ابن عباس يقول ذلك قول إبراهيم سأل ربه أن من كفر به فأمتعه قليلا يقول فارزقه قليلا ثم اضطره إلى عذاب النار أي الجئه انتهى وعلى هذه القراءة يجيء قول ابن عباس لا على قراءة الجمهور وقليلا معناه مدة العمر لأن متاع الدنيا قليل
وقوله تعالى وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت الآية القواعد جمع قاعدة وهي الأساس
ص
القواعد قال الكسائي والفراء هي الجدر وقال أبو عبيدة هي الأساس انتهى واختلفوا في قصص البيت فقيل إن آدم أمر ببنائه ثم دثر ودرس حتى دل عليه إبراهيم فرفع قواعده وقيل أن إبراهيم ابتدأ بناءه بأمر الله وقيل غير هذا
ع
والذي يصح من هذا كله إن الله سبحانه أمر إبراهيم برفع قواعد البيت وجائز قدمه وجائز ان يكون ذلك ابتداء ولا يرجح شيء من ذلك الا

بسند يقطع العذر وإسماعيل عطف على إبراهيم والتقدير يقولان ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم أي السميع لدعائنا العليم بنياتنا وخصا هاتين الصفتين لتناسبهما مع حالهما وقولهما اجعلنا بمعنى صيرنا مسلمين وكذلك كانا وإنما أرادا التثبيت والدوام والإسلام في هذا الموضع الإيمان والأعمال جميعا ومن في قوله ومن ذريتنا للتبعيض لأن الله تعالى قد كان أعلمه أن منهم ظالمين والأمة الجماعة وأرنا قالت طائفة من رؤية البصر وقالت طائفة من رؤية القلب وهذا لا يصح قال قتادة المناسك معالم الحج واختلف في معنى طلبهم التوبة وهم أنبياء معصومون فقالت طائفة طلبا التثبيت والدوام وقيل أرادا من بعدهما من الذرية وقيل وهو الأحسن أنهما لما عرفا المناسك وبنيا البيت أرادا أن يسنا للناس أن تلك المواطن مكان التنصل من الذنوب وطلب التوبة وقال الطبري أنه ليس أحد من خلق الله إلا بينه وبين الله معان يحب أن تكون أحسن مما هي وأجمعت الأمة على عصمة الأنبياء في معنى التبليغ ومن الكبائر ومن الصغائر التي فيها رذيلة واختلف في غير ذلك من الصغائر والذي أقول به أنهم معصومون من الجميع وأن قول النبي ص - أني لأتوب في اليوم واستغفر الله سبعين مرة إنما هو رجوعه من حالة إلى أرفع منها لتزيد علومه واطلاعه على أمر ربه فهو يتوب من منزلة إلى أعلى والتوبة هنا لغوية وقوله ربنا وابعث فيهم رسولا منهم الآية هذا هو الذي أراد النبي ص - بقوله أنا دعوة أبي إبراهيم وبشرى عيسى ومعنى منهم أي يعرفوه ويتحققوا فضله ويشفق عليهم ويحرص
ت
وقد تواترت أخبار نبينا محمد ص - وبعثته في الكتب السالفة وعلم بذلك الأحبار وأخبروا به وبتعيين الزمن الذي يبعث فيه وقد روى البيهقي

أحمد بن الحسين وغيره عن طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه قال حضرت سوق بصرى فإذا راهب في صومعة يقول سلوا أهل هذا الموسم أفيهم من هو من هذا الحرم قال قلت أنا فما تشاء قال هل ظهر أحمد بعد قلت ومن أحمد قال أحمد بن عبد الله بن عبد المطلب هذا شهره الذي يخرج فيه وهو خاتم الأنبياء مخرجه من الحرم ومهاجره إلى نخل وسباخ إذا كان فلا تسبقن إليه فوضع في قلبي ما قال وأسرعت اللحاق بمكة فسألت هل ظهر بعدي أمر فقالوا محمد الأمي قد تنبأ وتبعه أبو بكر بن أبي قحافة فمشيت إلى أبي بكر وأدخلني إلى رسول الله ص - فأسلمت وقد روى العذري وغيره عن ابي بكر رضي الله عنه أنه قال لقيت شيخا باليمن فقال لي أنت حرمي فقلت نعم فقال واحسبك قرشيا قلت نعم قال بقيت لي فيك واحدة اكشف لي عن بطنك قلت لا افعل أو تخبرني لم ذلك قال أجد في العلم الصحيح أن نبيا يبعث في الحرمين يقارنه على أمره فتى وكهل أما الفتى فخواض غمرات ودفاع معضلات وأما الكهل فأبيض نحيف على بطنه شامة وعلى فخذه اليسرى علامة وما عليك أن تريني ما سالتك عنه فقد تكاملت فيك الصفة إلا ما خفي علي قال ابو بكر فكشفت له عن بطني فراى شامة سوداء فوق سرتي فقال أنت هو ورب الكعبة إني متقدم اليك في امر قلت ما هو قال إياك والميل عن الهدى وعليك بالتمسك بالطريقة الوسطى وخف الله فيما خولك وأعطى قال أبو بكر فلما ودعته قال أتحمل عني إلى ذلك النبي أبياتا قلت نعم فأنشأ الشيخ يقول
... ألم تراني قد سئمت معاشري ... ونفسي وقد أصبحت في الحي عاهنا ...
... حييت وفي الأيام للمرء عبرة ... ثلاث مئين بعد تسعين أمنا

وقد خمدت مني شرارة قوتي ... وألفيت شيخا لا أطيق الشواحنا ...
وأنت ورب البيت تأتي محمدا ... لعامك هذا قد أقام البراهنا ...
فحي رسول الله عني فإنني ... على دينه أحيا وإن كنت قاطنا ...
قال أبو بكر فحفظت شعره وقدمت مكة وقد بعث النبي ص - فجاءني صناديد قريش وقالوا يا ابا بكر يتيم أبي طالب يزعم أنه نبي قال فجئت إلى منزل النبي ص - فقرعت عليه فخرج إلي فقلت يا محمد فقدت من منازل قومك وتركت دين آبائك فقال يا ابا بكر إني رسول الله إليك وإلى الناس كلهم فآمن بالله فقلت وما دليلك قال الشيخ الراهب الذي لقيته باليمن قلت وكم من شيخ لقيت قال ليس ذلك أريد إنما أريد الشيخ الذي افادك الأبيات قلت ومن أخبرك بها قال الروح الأمين الذي كان يأتي الأنبياء قبلي قلت مد يمينك أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله قال ابو بكر فانصرفت وما بين لبتيها أشد من رسول الله ص - فرحا بإسلامي انتهى من تأليف ابن القطان في الآيات والمعجزات ويتلوا عليهم آياتك أي آيات القرآن والكتاب القرآن قال قتادة والحكمة السنة وروى ابن وهب عن مالك أن الحكمة الفقه في الدين والفهم الذي هو سجية ونور من الله تعالى
ت
ونقل عياض في مدركه عن مالك أن الحكمة نور يقذفه الله في قلب العبد وقال أيضا يقع في قلبي أن الحكمة الفقه في دين الله وأمر يدخله الله القلوب من رحمته وفضله وقال أيضا الحكمة التفكر في أمر الله والاتباع له والفقه في الدين والعمل به انتهى وقد أشار
ع
إلى هذا عند قوله تعالى يؤت الحكمة من يشاء
ت
والظاهر أن المراد بالحكمة هنا ما قاله قتادة فتأمله ويزكيهم معناه يطهرهم وينميهم بالخير والعزيز

الذي يغلب ويتم مراده والحكيم المصيب مواقع الفعل المحكم لها
وقوله تعالى ومن يرغب عن ملة إبراهيم الآية من استفهام والمعنى ومن يزهد فيه ويربأ بنفسه عنها إلا من سفه نفسه والملة الشريعة والطريقة وسفه من السفه الذي الذي معناه الرقة والخفة واصطفى من الصفوة معناه تخير إلا صفى ومعنى هذا الاصطفاء أنه نبأه واتخذه خليلا وإنه في الآخرة لمن الصالحين قيل المعنى أنه ف عمل الآخرة لمن الصالحين فالكلام على حذف مضاف إذ قال له ربه أسلم كان هذا القول من الله تعالى حين ابتلاه بالكوكب والقمر والشمس والإسلام هنا على أتم وجوهه والضمير في بها عائد على كلمته التي هي أسلمت لرب العالمين وقيل على الملة والأول أصوب لأنه أقرب مذكور ويعقوب قيل عطف على إبراهيم وقيل مقطوع منفرد بقوله يا بني والتقدير ويعقوب قال يا بني واصطفى هنا معناه تخير صفوة الأديان وقوله فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون إيجاز بليغ وذلك أن المقصود من أمرهم بالإسلام الدوام عليه فاتى بلفظ موجز يقتضي المقصود ويتضمن وعظا وتذكيرا بالموت وذلك أن المرء يتحقق أنه يموت ولا يدري متى فإذا أمر بأمر لا يأتيه الموت إلا وهو عليه فقد توجه من وقت الأمر دائبا لازما
وقوله تعالى أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت هذا الخطاب لليهود والنصارى الذين انتحلوا الأنبياء صلوات الله عليهم ونسبوهم إلى اليهودية والنصرانية فرد الله عليهم وكذبهم وأعلمهم أنهم كانوا على الحنيفية الإسلام وقال لهم على جهة التقرير والتوبيخ أشهدتم يعقوب بما أوصى فتدعون عن علم أم لم تشهدوا بل أنتم تفترون وأم للاستفهام في صدر الكلام لغة يمانية وحكى الطبري أن ام يستفهم بها في وسط كلام قد تقدم صدره وهذا منه وشهداء جمع شاهد أي حاضر ومعنى الآية حضر يعقوب مقدمات الموت ومن بعدي أي من

بعد موتي ودخل إسماعيل في الآباء لأنه عم وقد أطلق النبي ص - على العباس اسم الأب فقال هذا بقية آباءي وقال ردوا علي أبي الحديث وقال أنا ابن الذبيحين على القول الشهير في أن إسحاق هو الذبيح
ت
وفي تشهيره نظر بل الراجح أنه إسماعيل على ما هو معلوم في موضعه وسيأتي إن شاء الله تعالى
وقوله تعالى تلك أمة قد خلت الآية يعني بالأمة الأنبياء المذكورين والمخاطب في هذه الآية اليهود والنصارى وقولهم كونوا هودا أو نصارى تهتدوا نظير قولهم لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى والحنيف في الدين الذي مال عن الأديان المكروهة إلى الحق ويجيء الحنيف في الدين بمعنى المستقيم على جميع طاعات الله
قوله تعالى قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما اوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم الآية هذا الخطاب لأمة محمد ص - وما أنزل إلينا يعني القرءان والأسباط هم ولد يعقوب وهم روبيل وشمعون ولاوي ويهوذا وريالون ويشحر ودينة بنته وأمهم ليا ثم خلف على أختها راحيل فولدت له يوسف وبن يامين وولد له من سريتين ذان وتفثا لا وجاد وأشر والسبط في بني إسراءيل بمنزلة القبيلة في ولد إسماعيل فسموا الأسباط لأنه كان من كل واحد منهم سبط ولا نفرق بين أحد منهم أي لا نومن ببعض ونكفر ببعض كما تفعلون فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به أي فإن صدقوا تصديفا مثل تصديقكم فقد اهتدوا وإن تولوا أي أعرضوا يعني اليهود والنصارى فإنما هم في شقاق أي في مشاقة ومخالفة لك هم في شق وأنت في شق وقيل شاق معناه شق كل واحد وصل ما بينه وبين صاحبه ثم وعده تعالى أنه سيكفيه إياهم ويغلبه عليهم فكان ذلك في قتل بني قينقاع وبنى قريظة وإجلاء النضير وهذا

الوعد وانتجازه من أعلام نبوءة نبينا محمد ص - والسميع لقول كل قائل والعليم بما ينفذه في عباده وصيغة الله شريعته ودينه وسنته وفطرته قال كثير من المفسرين وذلك أن النصارى لهم ماء يصبغون فيه أولادهم فهذا ينظر إلى ذلك وقيل سمي الدين صبغة استعارة من حيث تظهر أعماله وسمته على المتدين كما يظهر الصبغ في الثوب وغيره ونصب الصبغة على الإغراء
وقوله تعالى قل أتحاجوننا في الله الآية معنى الآية قل يا محمد لهؤلاء اليهود والنصارى أتحاجوننا في الله أي أتجادلوننا في دينه والقرب منه والحظوى لديه سيحانه والرب واحد وكل مجازى بعمله ثم وبخهم بقوله ونحن له مخلصون أي ولم تخلصوا أنتم فكيف تدعون ما نحن أولى به منكم وقوله تعالى أم تقولون عطف على ألف الاستفهام المتقدمة وهذه القراءة بالتاء من فوق قراءة ابن عامر وحمزة وغيرهما وقرأ نافع وغيره بالياء من أسفل وأم على هذه القراءة مقطوعة ووقفهم تعالى على موضع الانقطاع في الحجة لأنهم إن قالوا إن الأنبياء المذكورين على اليهودية والنصرانية كذبوا لأنه قد علم أن هذين الدينين حدثا بعدهم وإن قالوا لم يكونوا على اليهودية والنصرانية قيل لهم فهلموا إلى دينهم إذ تقرون بالحق
وقوله تعالى قل آنتم أعلم أم الله تقريرا على فساد دعواهم إذ لا جواب لمفطور إلا أن الله تعالى أعلم ومن أظلم ممن كتم شهادة أي لا أحد أظلم منه وإياهم أراد تعالى بكتمان الشهادة قال مجاهد وغيره فالذي كتموه هو ما كتبهم من أن الأنبياء على الحنيفية لا على ما ادعوه وقال قتادة وغيره هو ما عندهم من الأمر بتصديق النبي ص - والأول أشبه بسياق الآية ومن متعلقة بعنده ويحتمل أن تتعلق بكتم وما الله بغافل الآية فيه وعيد وإعلام أنه لا يترك أمرهم سدى والغافل الذي لا يفطن للأمور إهمالا منه مأخوذ من الأرض الغفل وهي التي لا معلم بها

وقوله تعالى تلك أمة الآية كررها عن قرب لأنها تضمنت معنى التهديد والتخويف ولترداد ذكرهم أيضا في معنى غير الأول
قوله تعالى سيقول السفهاء من الناس الآية اختلف في تعيين هؤلاء السفهاء فقال ابن عباس هم الأحبار وذلك أنهم جاءوا إلى النبي ص - فقالوا يا محمد ما ولاك عن قبلتنا ارجع إليها ونومن بك يريدون فتنته وقيل اليهود والمنافقون وقالت فرقة هم كفار قريش وولاهم معناه صرفهم ويهدي من يشاء إشارة إلى هداية الله تعالى هذه الأمة إلى قبلة إبراهيم وكذلك جعلناكم أي كما هديناكم إلى قبلة إبراهيم وشريعته جعلناكم أمة وسطا أي عدولا روي ذلك عن رسول الله ص - وتظاهرت به عبارات المفسرين والوسط الخيار والأعلى من الشيء وواسطة القلادة أنفس حجر فيها ومنه قوله تعالى قال أوسطهم وشهداء جمع شاهد والمراد بالناس هنا في قول جماعة جميع الجنس وإن أمة محمد ص - تشهد يوم القيامة للأنبياء على أممهم بالتبليغ وروي في هذا المعنى حديث صحيح عن النبي ص - وروي عنه أن أمته تشهد لكل نبي ناكره قومه
ت
وهذا الحديث خرجه البخاري وابن ماجه وابن المبارك في رقائقه وغيرهم قائلا ص - فذلك قوله تعالى وكذلك جعلناكم أمة وسطا الآية وكون الرسول شهيدا قيل معناه بأعمالكم يوم القيامة وقيل عليكم بمعنى لكم أي يشهد لكم بالإيمان وقوله تعالى وما جعلنا القبلة الآية قال قتادة وغيره القبلة هنا بيت المقدس أي إلا فتنة لنعلم من يتبعك من العرب الذين لم يالفوا إلا مسجد مكة أو من اليهود على ما قاله الضحاك الذين قالوا للنبي ص - إن صليت إلى بيت المقدس اتبعناك فأمره الله بالصلاة إليه امتحانا لهم فلم يؤمنوا وقال ابن عباس القبلة في الآية

الكعبة وكنت عليها بمعنى أنت عليها كقوله تعالى كنتم خير أمة بمعنى أنتم وما جعلناها وصرفناك إليها إلا فتنة وروي في ذلك أن رسول الله ص - لما حول إلى الكعبة أكثر في ذلك اليهود والمنافقون وارتاب بعض المؤمنين حتى نزلت الآية ومعنى لنعلم أي ليعلم رسولي والمؤمنين به والقاعدة نفي استقبال العلم بعد إن لم يكن وينقلب على عقبيه عبارة عن المرتد والرجوع على العقب أسوأ حالات الراجع
وقوله تعالى وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله الآية الضمير في كانت راجع إلى القبلة إلى بيت المقدس أو إلى التحويلة إلى الكعبة حسبما تقدم من الخلاف في القبلة وكبيرة هنا معناه شاقة صعبة تكبر في الصدور ولما حولت القبلة كانت من قول اليهود يا محمد إن كانت الأولى حقا فأنت الآن على باطل وإن كانت هذه حقا فكنت في الأولى على ضلال فوجمت نفوس بعض المؤمنين وأشفقوا على من مات قبل التحويل من صلاتهم السالفة فنزلت وما كان الله ليضيع إيمانكم أي صلاتك قاله ابن عباس وغيره وسمى الصلاة إيمانا لما كانت صادرة عن الإيمان ولأن الإيمان هو القطب الذي عليه تدور الأعمال فذكره إذ هو الأصل وليلا يندرج في اسم الصلاة صلاة المنافقين إلى بيت المقدس فذكر المعنى الذي هو ملاك الأمر وأيضا سميت إيمانا إذ هي من شعب الإيمان
ت
وفي العتبية من سماع ابن القاسم قال مالك قال الله تبارك وتعالى وما كان الله ليضيع إيمانكم قال هي صلاة المؤمنين إلى بيت المقدس قال ابن رشد وعلى هذا القول أكثر أهل التفسير وقد قيل إن المعنى في ذلك وما كان الله ليضيع إيمانكم بفرض الصلاة عليكم إلى بيت المقدس انتهى من البيان والرأفة أعلى منازل الرحمة
وقوله تعالى قد نرى تقلب وجهك في السماء الآية المقصد تقلب البصر وأيضا

فالوجه بتقلب البصر قال قتادة وغيره كان رسول الله ص - يقلب وجهه في الدعاء إلى الله تعالى أن يحوله إلى قبلة مكة ومعنى التقلب نحو السماء أن السماء جهة قد تعود العالم منها الرحمة كالمطر والأنوار والوحي فهم يجعلون رغبتهم حيث توالت النعم قال
ص
فلنولينك يدل على تقدير حال أي قد نرى تقلب وجهك في السماء طالبا قبلة غير التي أنت مستقبلها فلنولينك انتهى وترضاها معناه تحبها وكان النبي ص - يحب الكعبة والتحول عن بيت المقدس لوجوه ثلاثة رويت أحدها لقول اليهود ما علم محمد دينه حتى اتبعنا قاله مجاهد الثاني ليصيب قبلة إبراهيم عليه السلام قاله ابن عباس الثالث ليستألف العرب لمحبتها في الكعبة قاله الربيع والسدى
ع
والميزاب هو قبلة المدينة والشام وهنالك قبلة أهل الأندلس بتأريب ولا خلاف أن الكعبة قبلة من كل افق
وقوله تعالى فول وجهك الآية أمر بالتحول ونسخ لقبلة الشام وشطر نصب على الظرف ومعناه نحو وتلقاء وحيث ما كنتم فولوا أمر للأمة ناسخ وإن الذين أوتوا الكتاب الآية المعنى أن اليهود والنصارى يعلمون أن الكعبة هي قبلة إبراهيم إمام الأمم وإن استقبالها هو الحق الواجب على الجميع اتباعا لمحمد ص - الذي يجدونه في كتبهم وتضمنت الآية الوعيد
وقوله جلت قدرته ولئن أتيت الآية اعلم الله تعالى نبيه عليه السلام حين قالت له اليهود راجع بيت المقدس ونومن بك إن ذلك مخادعة منهم وإنهم لا يتبعون له قبلة يعني جملتهم لأن البعض قد اتبع كعبد الله بن سلام وغيره وإنهم لا يؤمنون بدينه أي فلا تصغ إليهم والآية هنا العلامة
وقوله جلت عظمته وما أنت بتابع قبلتهم لفظ خبر يتضمن الأمر أي فلا تركن إلى شيء من ذلك وما بعضهم الآية قال ابن زيد وغيره المعنى

ليست اليهود متبعة قبلة النصارى ولا النصارى مبتعة قبلة اليهود فهذا إعلام باختلافهم وتدابرهم وضلالهم وقبلة النصارى مشرق الشمس وقبلة اليهود بيت المقدس
وقوله تعالى ولئن اتبعت أهواءهم من بعد ما جاءك من العلم الآية خطاب للنبي ص - والمراد أمته وما ورد من هذا النوع الذي يوهم من النبي ص - ظلما متوقعا فهو محمول على إرادة أمته لعصمة النبي ص - وقطعا أن ذلك لا يكون منه وإنما المراد من يمكن أن يقع ذلك منه وخوطب النبي ص - تعظيما للأمر قال الفخر ودلت هذه الآية على أن توجه الوعيد على العلماء أشد من توجهه على غيرهم لأن قوله من بعد ما جاءك من العلم يدل على ذلك انتهى وهو حسن
ص
ولئن أتيت لام لئن مؤذنة بقسم مقدر قبلها ولهذا كان الجواب له ما تبعوا ولو كان للشرط لدخلت الفاء وجواب الشرط محذوف لدلالة جواب القسم عليه ومن ثم جاء فعل الشرط ماضيا لأنه إذا حذف جوابه وجب فعله لفظا انتهى
وقوله تعالى الذين أتيناهام الكتاب يعرفونه الآية الضمير في يعرفونه عائد على الحق في القبلة والتحول إلى الكعبة قاله ابن عباس وغيره وقال مجاهد وغيره هو عائد على محمد ص - أي يعرفون صدقه ونبوءته
ت
بل وصفاته وإن فريقا منهم ليكتمون الحق الفريق الجماعة وخص لأن منهم من أسلم ولم يكتم والإشارة بالحق إلى ما تقدم على الخلاف في ضمير يعرفونه وهم يعلمون ظاهر في صحة الكفر عنادا وقوله تعالى من ربك أي هو الحق فلا تكونن من الممترين الخطاب للنبي ص - والمراد أمته وامترى في الشيء إذا شك فيه ومنه المراء لأن هذا يشك في قول هذا
وقوله تعالى ولكل وجهة الوجهة من المواجهة كالقبلة والمعنى ولكل صاحب ملة وجهة هو موليها نفسه قاله ابن عباس وغيره

وقرأ ابن عامر هو مولاها أي الله موليها إياهم ثم أمر تعالى عباده باستباق الخيرات والبدار إلى سبيل النجاة وروى ابن المبارك في رقائقه بسنده أن النبي ص - قال من فتح له باب من الخير فلينتهزه فإنه لا يدري متى يغلق عنه انتهى ثم وعظهم سبحانه بذكر الحشر موعظة تتضمن وعيدا وتحذيرا
ص
أينما ظرف مضمن معنى الشرط في موضع خبر كان انتهى
وقوله يأت بكم الله جميعا يعني به البعث من القبور
وقوله تعالى ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وإنه للحق من ربك وما الله بغافل عما تعلمون معناه حيث كنت وإني توجهت من مشارق الأرض ومغاربها وكررت هذه الآية تأكيدا من الله سبحانه لأن موقع التحويل كان صعبا في نفوسهم جدا فأكد الأمر ليرى الناس التهمم به فيخف عليهم وتسكن نفوسهم إليه
وقوله تعالى ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره لئلا يكون للناس عليكم حجة الآية المعنى عرفتكم وجه الصواب في قبلتكم والحجة لذلك لئلا يكون للناس عليكم حجة والمراد بالناس العموم في اليهود والعرب وغيرهم إلا الذين ظلموا منهم أي من المذكورين ممن تكلم في النازلة في قولهم ما ولاهم عن قبلتهم
وقوله تعالى فلا تخشوهم واخشوني الآية فيه تحقير لشأنهم وأمر بإطراح أمرهم ومراعاة أمره سبحانه قال الفخر وهذه الآية تدل على أن الواجب على المرء في كل أفعاله وتروكه أن ينصب بين عينيه خشية ربه تعالى وأن يعلم انه ليس في أيدي الخلق شيء البتة وأن لا يكون مشتغل القلب بهم ولا ملتفت الخاطر إليهم انتهى قال
ص
إلا الذين استثناء متصل قاله ابن عباس وغيره أي لئلا تكون حجة من اليهود المعاندين القائلين ما ترك قبلتنا وتوجه للكعبة إلا حبا لبلده وقيل منقطع أي لكن الذين

ظلموا منهم فإنهم يتعلقون عليكم بالشبه وزعم أبو عبيدة معمر بن المثنى أن لا في الآية بمعنى الواو قال ومنه
... وكل أخ مفارقه أخوه ... لعمر أبيك إلا الفرقدان ...
أي والذين ظلموا والفرقدان ورد بأن إلا بمعنى الواو لا يقدم عليه دليل انتهى
وقوله تعالى فولوا وجهكم شطره أمر باستقبال القبلة وهو شرط في الفرض إلا في القتال حالة الالتحام وفي النوافل إلا في السفر الطويل للراكب والقدرة على اليقين في مصادفتها تمنع من الاجتهاد وعلى الاجتهاد تمنع من التقليد
وقوله سبحانه ولأتم نعمتي عليكم عطف على قوله ليلا وقيل هو في موضع رفع بالابتداء والخبر مضمر تقديره ولأتم نعمتي عليكم عرفتكم قبلتي ونحوه ولعلكم تهتدون ترج في حق البشر والكاف في قوله كما رد على قوله ولأتم أي إتماما كما وهذا أحسن الأقوال أي لأتم نعمتي عليكم في بيان سنة إبراهيم عيه السلام كما أرسلنا فيكم رسولا منكم إجابة لدعوته في قوله ربنا وابعث فيهم رسولا منهم وقيل الكاف من كما رد على ما تهتدون أي اهتداء كما قال الفخر وهنا تأويل ثالث وهو أن الكاف متعلقة بما بعدها أيكما أرسلنا فيكم رسولا وأوليتكم هذه النعم فاذكروني أذكركم واشكروا لي الآية انتهى
ت
وهذا التأويل نقله الداودي عن الفراء انتهى وهذه الآية خطاب لأمة محمد ص - وءاياتنا يعني القرءان ويزكيكم أي يطهركم من الكفر وينميكم بالطاعة والكتاب القرءان والحكمة ما يتلقى عنه ص - من سنة وفقه ودين وما لم تكونوا تعلمون قصص من سلف وقصص ما يأتي من الغيوب
قوله تعالى فاذكروني أذكركم الآية قال سعيد بن جبير معنى الآية اذكروني بالطاعة أذكركم بالثواب
ت
وفي تفسير أحمد بن نصر الداودي وعن ابن جبير اذكروني بطاعتي أذكركم

بمغفرتي وروي أن النبي ص - قال من أطاع الله فقد ذكر الله وإن قلت صلاته وصيامه وتلاوته القرءان ومن عصى الله فقد نسي الله وإن كثرت صلاته وصيامه وتلاوته القرءان انتهى وروى ابن المبارك في رقائقه بسنده عن أنس بن مالك قال ما من بقعة يذكر الله عليها بصلاة أو بذكر إلا افتخرت على ما حولها من البقاع واستبشرت بذكر الله إلى منتهاها من سبع أرضين وما من عبد يقوم يصلي إلا تزخرفت له الأرض قال ابن المبارك وأخبرنا المسعودي عن عون بن عبد الله قال الذاكر في الغافلين كالمقاتل خلف الفارين انتهى وقال الربيع والسدى المعنى اذكروني بالدعاء والتسبيح ونحوه وفي صحيح البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله ص - يقول الله تبارك وتعالى أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملإ خير منهم الحديث انتهى واشكروا لي أي نعمي وأيادي ولا تكفرون أي نعمي وأيادي
ت
وعن جابر قال قال رسول الله ص - ما أنعم الله على عبد من نعمة فقال الحمد لله إلا وقد أدى شكرها فإن قالها الثانية جدد الله لها ثوابها فإن قالها الثالثة غفر الله له ذنوبه رواه الحاكم في المستدرك وقال صحيح انتهى من السلاح
وقوله تعالى إن الله مع الصابرين أي بمعونته وإنجاده
وقوله تعالى ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات الآية سببها أن الناس قالوا فيمن قتل ببدر واحد من المؤمنين مات فلان مات فلان فكره الله سبحان أن تحط منزلة الشهداء إلى منزلة غيرهم فنزلت هذه الآية وأيضا فإن المؤمنين صعب عليهم فراق إخوانهم وقراباتهم فنزلت الآية مسلية لهم تعظم منزلة الشهداء وتخبر عن حقيقة حالهم فصاروا مغبوطين لا محزونا لهم ويظهر ذلك من حديث

أم حارثة في السير
ت
وخرجه البخاري في صحيحه عن أنس قال أصيب حارثة يوم بدر إصابة غرب سهم وهو غلام فجاءت أمه إلى النبي ص - فقالت يا رسول الله قد عرفت منزلة حارثة مني فإن يك في الجنة اصبر واحتسب وإن تكن الأخرى ترى ما أصنع فقال ويحك أو هبلت أوجنة واحدة هي إنها جنان كثيرة وإنه في الفردوس الأعلى الحديث انتهى
ع
والفرق بين الشهيد وغيره إنما هو الرزق وذلك أن الله تعالى فضلهم بدوام حالهم التي كانت في الدنيا فرزقهم
ت
وللشهيد أحوال شريفة منها ما خرجه الترمذي وابن ماجه عن النبي ص - قال للشهيد عند الله ست خصال يغفر له في أول دفعة ويرى مقعده من الجنة ويجار من عذاب القبر ويأمن من الفزع الأكبر ويوضع على رأسه تاج الوقار الياقوتة منه خير من الدنيا وما فيها ويزوج ثنتين وسبعين زوجة من الحور العين ويشفع في سبعين من أقربائه قال الترمذي هذا حديث حسن غريب زاد ابن ماجة ويحلى حلة الإيمان قال القرطبي في تذكرته هكذا وقع في نسخ الترمذي وابن ماجة ست خصال وهي في متن الحديث سبع وعلى ما في ابن ماجة ويحلى حلة الإيمان تكون ثمانيا وكذا ذكره أبو بكر أحمد بن سلمان النجاد بسنده عن النبي ص - قال للشهيد عند الله ثمان خصال انتهى وخرج الترمذي والنساءي عنه ص - أنه قال الشهيد لا يجد ألم القتل إلا كما يجد أحدكم ألم القرصة انتهى
ع
روي عن النبي ص - أن أراواح الشهداء في حواصل طير خضر تعلق من ثمر الجنة وروي أنهم في قبة خضراء وروي أنهم في قناديل من ذهب إلى كثير من هذا ولا محالة أنها أحوال لطوائف أو للجميع في أوقات

متغايرة
ت
وكذا ذكر شبيب بن إبراهيم في كتاب الإفصاح أن المنعمين على جهات مختلفة بحسب مقاماتهم وتفاوتهم في أعمالهم قال صاحب التذكرة وهذا قول حسن وبه يجمع بين الأخبار حتى لا تتدافع انتهى قال
ع
وجمهور العلماء على أنهم في الجنة ويؤيده قول النبي ص - لأم حارثة أنه في الفردوس الأعلى وقال مجاهد هم خارج الجنة ويعلقون من شجرها وفي مختصر الطبري قال ونهى عز و جل أن يقال لمن يقتل في سبيل الله أموات واعلم سبحانه أنهم أحياء ولكن لا شعور لنا بذلك إذ لا نشاهد باطن أمرهم وخصوا من بين سائر المؤمنين بأنهم في البرزخ يرزقون من مطاعم الجنة ما يرزق المؤمنون من اهل الجنة على انه قد ورد في الحديث إنما نسمة المؤمن طائر يعلق في شجر الجنة ومعنى يعلق يأكل ومنه قولهم ما ذقت علاقا أي ماكلا فقد عم المؤمنين بأنهم يرزقون في البرزخ من رزق الجنة ولكن لا يمتنع أن يخص الشهداء من ذلك بقدر لا يناله غيرهم والله أعلم انتهى وروى النساءي أن رجلا قال يا رسول الله ما بال المؤمنين في قبورهم إلا الشهيد قال كفى ببارقة السيوف على رأسه فتنة انتهى
ت
وحديث إنما نسمة المؤمن طائر خرجه مالك رحمه الله قال الداودي وحديث مالك هذا أصح ما جاء في الأرواح والذي روي أنها تجعل في حواصل طير لا يصح في النقل انتهى قال أبو عمر بن عبد البر في التمهيد والأشبه قول من قال كطير أو كصور طير لموافقته لحديث الموطأ هذا وأسند أبو عمر هذه الأحاديث ولم يذكر مطعنا في إسنادها انتهى ثم أعلمهم تعالى أن الدنيا دار بلاء ومحنة ثم وعد على الصبر فقال ولنبلونكم أي نمتحنكم بشيء من الخوف أي من الأعداء في الحروب ونقص من الأموال أي بالحوائج والمصائب والأنفس

بالموت والقتل بالعاهات والمراد بشيء من هذا وشيء من هذا واكتفى بالأول إيجازا ثم وصف سبحانه الصابرين الذين بشرهم بقوله الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون فجعل سبحانه هذه الكلمات ملجأ لذوي المصائب لما جمعت من المعاني المباركة من توحيد الله سبحانه والإقرار له بالعبودية والبعث من القبور واليقين بأن رجوع الأمر كله إليه كما هو له قال الفخر قال أبو بكر الوراق إنا لله إقرار منا له بالملك وإنا إليه راجعون إقرار على أنفسنا بالهلاك واعلم أن قوله إنا لله يدل على كونه راضيا بكل ما نزل به ووردت أخبار كثيرة في هذا الباب عن النبي ص - فمن استرجع عند المصيبة جبر الله مصيبته وأحسن عقباه وجعل له خلفا صالحا يرضاه انتهى وروي أن مصباح رسول الله ص - انطفأ ذات ليلة فقال إنا لله وإنا إليه راجعون فقيل أمصيبة هي يا رسول الله قال نعم كل ما أذى المؤمن فهو مصيبة قال النووي وروينا في كتاب ابن السني عن أبي هريرة قال قال رسول الله ص - ليسترجع أحدكم في كل شيء حتى في شسع نعله فإنها من المصائب انتهى من الحلية
وقوله تعالى أولئك عليهم صلوات من ربهم الآية نعم من الله تعالى على الصابرين المسترجعين وصلوات الله على عبده عفوه ورحمته وبركته وتشريفه إياه في الدنيا والآخرة وكرر الرحمة وهي من أعظم أجزاء الصلاة لما اختلف اللفظ تأكيدا منه تعالى وشهد لهم بالاهتداء
ت
وفي صحيح البخاري وقال عمر نعم العدلان ونعم العلاوة الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون إلى المهتدون قال النووي في الحلية وروينا في سنن ابن ماجه والبيهقي بإسناد حسن عن عمرو بن حزم عن النبي ص - قال ما من مؤمن يعزي أخاه بمصيبة إلا كساه الله عز و جل من حلل الكرامة يوم القيامة وروينا في كتاب الترمذي

والسنن الكبير لليبهقي عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه و سلم قال من عزى مصابا فله مثل أجره إسناده ضعيف وروينا في كتاب الترمذي أيضا عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال من عزى ثكلى كسي بردا في الجنة قال الترمذي ليس إسناده بالقوي انتهى قوله تعالى إن الصفا والمروة من شعائر الله الصفا جمع صفاة وهي الصخرة العظيمة والمروة واحدة المرو وهي الحجارة الصغار التي فيها لين ومن شعائر الله معناه معالمه ومواضع عبادته وقال مجاهد ذلك راجع إلى القول أي مما أشعركم الله بفضله مأخوذ من شعرت إذا تحسست وحج معناه قصد وتكرر واعتمر زار وتكرر مأخوذ من عمرت الموضع والجناح الإثم والميل عن الحق والطاعة ومن اللفظة الجناح لأنه في شق ومنه وإن جنحوا للسلم فاجنح لها ويطوف أصله يتطوف فقوله ان الصفا والمروة الآية خبر يقتضي الأمر بما عهد من الطواف بهما وقوله فلا جناح ليس المقصود منه إباحة الطواف لمن شاءه لأن ذلك بعد الأمر لا يستقيم وإنما المقصود رفع ما وقع في نفوس قوم من العرب من أن الطواف بينهما فيه حرج وإعلامهم أن ما وقع في نفوسهم غير صواب وفي الصحيح عن عائشة رضي الله عنها أن ذلك في الأنصار ومذهب مالك والشافعي أن السعي بينهما فرض لا يجزى تاركه إلا العودة قال ابن العربي في أحكامه والدليل على ركنيته ما روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال ان الله كتب عليكم السعي فاسعوا صححه الدارقطني ويعضده المعنى فإنه شعار أي معلم لا يخلو عنه الحج والعمرة فكان ركنا كالطواف انتهى ومن تطوع أي زاد برا بعد الواجب في جميع الأعمال وقال بعضهم معناه من تطوع بحج أو عمرة بعد حجة الفريضة ومعنى شاكر أي يبذل الثواب والجزاء عليم بالنيات والأعمال لا يضيع معه لعامل عمل وقوله سبحانه إن الذين يكتمون

ما أنزلنا الآية المراد بالذين أحبار اليهود ورهبان النصاري الذين كتموا أمر محمد صلى الله عليه و سلم وتتناول الآية بعد كل من كتم علما من دين الله يحتاج إلى بثه وذلك مفسر في قول النبي صلى الله عليه و سلم من سئل عن علم فكتمه الجم يوم القيامة بلجام من النار قال ابن العربي وللآية تحقيق وهو أن العالم إذا قصد الكتمان عصى وإذا لم يقصده لم يلزمه التبليغ إذا عرف أن معه غيره وقد كان أبو بكر وعمر لا يحدثان بكل ما سمعا من النبي صلى الله عليه و سلم إلا عند الحاجة وكان الزبير اقلهم حديثا ثم قال ابن العربي فأما من سئل فقد وجب عليه التبليغ لهذه الآية وأما إن لم يسأل فلا يلزم التبليغ إلا في القرآن وحده وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه و سلم في فضيلة التبليغ بأنه قال نضر الله أمر أسمع مقالتي فوعاها فأداها كما سمعها انتهى من أحكام القرآن والبينات والهدى أمر محمد صلى الله عليه و سلم ثم يعم بعد كل ما يكتم من خير وفي الكتاب يراد به التوراة والانجيل ويدخل القرآن في عموم الآية واختلف في اللاعنين فقال قتادة والربيع الملائكة والمؤمنون وهذا ظاهر واضح وقيل الحشرات والبهائم وقيل جميع المخلوقات ما عدا الثقلين الجن والإنس وهذان القولان لا يقتضيهما اللفظ ولا يثبتان إلا بسند يقطع العذر ثم استثنى الله سبحانه التائبين واصلحوا أي في أعمالهم وأقوالهم وبينوا أي أمر محمد صلى الله عليه و سلم وقوله تعالى إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار الآية هذه الآية محكمة في الذين وافوا على كفرهم واختلف في معنى قوله والناس أجمعين والكفار لا يلعنون أنفسهم فقال قتادة والربيع المراد بالناس المؤمنون خاصة وقال أبو العالية معنى ذلك في الآخرة وقوله خالدين فيها أي في اللعنة وقيل في النار وعاد الضمير عليها وإن لم يجر لها ذكر لثبوتها في المعنى ولاهم ينظرون أي لا يؤخرون عن العذاب

ويحتمل أن يكون من النظر نحو قوله تعالى ولا ينظر إليهم يوم القيامة والأول أظهر لأن النظر بالعين إنما يعدى بالى إلا شاذا في الشعر وقوله تعالى والهكم اله واحد الآية إعلام بالوحدانية قال عطاء لما نزلت هذه الآية بالمدينة قال كفار قريش بمكة ما الدليل على هذا وما آيته وعلامته ونحوه عن ابن المسيب فنزل عند ذلك قوله تعالى إن في خلق السموات والأرض الآية أي في اختراعها وإنشائها والنهار من طلوع الفجر إلى غروب الشمس يقضى بذلك قول النبي صلى الله عليه و سلم لعدي بن حاتم إنما هو بياض النهار وسواد الليل وهذا هو مقتضى الفقه في الإيمان ونحوها وأما على ظاهر اللغة وأخذه من السعة فهو من الأسفار وقال الزجاج في كتاب الأنواء أول النهار ذرور الشمس قال وزعم النضر بن شميل أن أول النهار ابتداء طلوع الشمس ولا يعد ما قبل ذلك من النهار قال ع وقول النبي صلى الله عليه و سلم هو الحكم والفلك السفن ومفرده وجمعه بلفظ واحد وما أنزل الله من السماء من ماء يعنى به الأمطار وبث معناه فرق وبسط ودابة تجمع الحيوان كله وتصريف الرياح إرسالها عقيما وملقحة وصرا ونصرا وهلاكا وجنوبا وشمالا وغير ذلك والرياح جمع ريح وجاءت في القرآن مجموعة مع الرحمة مفردة مع العذاب إلا في يونس في قوله سبحانه وجرين بهم بريح طيبة وهذا أغلب وقوعها في الكلام وفي الحديث كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا هبت ريح يقول اللهم اجعلها رياحا ولا تجعلها ريحا وذلك لان ريح العذاب شديدة ملتئمة الأجزاء كأنها جسم واحد وريح الرحمة لينة تجيء من هاهنا وهاهنا متقطعة فلذلك يقال هي رياح وهو معنى نشر وأفردت مع الفلك لأن ريح إجراء السفن إنما هي واحدة متصلة ثم وصفت بالطيب فزال الإشتراك بينها وبين ريح العذاب وهي لفظة من ذوات الواو يقال ريح وأرواح

ولا يقال أرياح وإنما يقال رياح من جهة الكسرة وطلب تناسب الياء معها وقد لحن في هذه اللفظة عمارة بن عقيل بن بلال بن جرير فاستعمل الأرياح في شعره ولحن في ذلك وقال له أبو حاتم إن الأرياح لا يجوز فقال أما تسمع قولهم رياح فقال أبو حاتم هذا خلاف ذلك فقال صدقت ورجع والسحاب جمع سحابه سمي بذلك لأنه ينسحب وتسخيره بعثه من مكان إلى آخر فهذه آيات وقوله تعالى ومن الناس من يتخذ من دون الله اندادا الآية الند النظير والمقاوم قال مجاهد وقتادة المراد بالأنداد الأوثان كحب الله أي كحبكم لله أو كحبكم حسبما قدر كل وجه منها فرقة ومعنى كحبهم أي يسوون بين محبة الله ومحبة الأوثان ثم أخبر أن المؤمنين أشد حبا لله لإخلاصهم وتيقنهم الحق وقوله تعالى ولو ترى الذين ظلموا أي ولو ترى يا محمد الذين ظلموا في حال رؤيتهم العذاب وفزعهم منه واستعظامهم له لأقروا أن القوة لله أو لعلمت أن القوة لله جميعا فجواب لو مضمر على التقديرين وقد كان النبي صلى الله عليه و سلم علم ذلك ولكن خوطب والمراد أمته وقرأ حمزة وغيره بالياء أي ولو يرى في الدنيا الذين ظلموا حالهم في الآخرة إذ يرون العذاب لعلموا أن القوة لله والذين اتبعوا بفتح التاء والباء هم العبدة لغير الله الضالون المقلدون لرؤسائهم أو للشياطين وتبريهم هو بأن قالوا إنا لم نضل هؤلاء بل كفروا بإرادتهم والسبب في اللغة الحبل الرابط الموصل فيقال في كل ما يتمسك به فيصل بين شيئين وقال الذي اتبعوا أي الاتباع والكرة العودة إلى حال قد كان كذلك يريهم الله أعمالهم الآية يحتمل أن يكون من رؤية البصر ويحتمل رؤية القلب أي يريهم الله أعمالهم الفاسدة التي ارتكبوها وقال ابن مسعود اعمالهم الصالحة التي تركوها والحسرة أعلى درجات الندامة والهم بما فات وهي مشتقة من

الشيء الحسير الذي انقطع وذهبت قوته وقيل من حسر إذا كشف وقوله تعالى يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا الآية الخطاب عام وما بمعنى الذي وحلالا حال من الضمير العائد على ما وطيبا نعت ويصح أن يكون حالا من الضمير في كلوا تقديره مستطيبين والطيب عند مالك الحلال فهو هنا تأكيد لاختلاف اللفظ وهو عند الشافعي المستلذ ولذلك يمنع أكل الحيوان القذر قال الفخر الحلال هو المباح الذي انحلت عقدة الحظر عنه وأصله من الحل الذي هو نقيض العقد انتهى وخطوات جمع خطوة والمعنى النهي عن اتباع الشيطان وسلوك سبله وطرائقه قال ابن عباس خطواته أعماله وقال غيره آثاره ع وكل ما عدا السنن والشرائع من البدع والمعاصي فهي خطوات الشيطان وعدو يقع للمفرد والمثنى والجمع إنما يأمركم بالسوء والفحشاء الآية إنما ها هنا للحصر وأمر الشيطان إما بقوله في زمن الكهنة وإما بوسوسته والسوء مصدر من ساء يسوء وهي المعاصي وما تسوء عاقبته والفحشاء قيل الزنا وقيل ما تفاحش ذكره واصل الفحش قبح المنظر ثم استعملت اللفظة فيما يستقبح والشرع هوالذي يحسن ويقبح فكل ما نهت عنه الشريعة فهو من الفحشاء وما لا تعملون قال الطبري يريد ما حرموا من البحيرة والسائبة ونحوها وجعلوه شرعا وإذا قيل لهم يعني كفار العرب وقال ابن عباس نزلت في اليهود والألف في قوله سبحانه أو لو كان للاستفهام لأن غاية الفساد في الالتزام أن يقولوا نتبع آباءنا ولو كانوا لا يعقلون فقروا على التزامهم هذا إذ هذه حال آبائهم وقوة ألفاظ هذه الآية تعطى إبطال التقليد وأجمعت الأمة على إبطاله في العقائد ومثل الذين كفروا الآية المراد تشبيه واعظ الكافرين وداعيهم بالراعي الذي ينعق بالغنم أو الإبل فلا تسمع إلا دعاءه ونداءه ولا تفقه ما يقول هكذا فسر

ابن عباس وعكرمة والسدي وسيبويه فذكر تعالى بعض هذه الجملة وبعض هذه ودل المذكور على المحذوف وهذه نهاية الإيجاز والنعيق زجر الغنم والصياح بها وقوله تعالى يا أيها الذين ءامنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم الآية الطيب هنا يجمع الحلال المستلذ والآية تشير بتبعيض من إلى أن الحرام رزق وحض سبحانه على الشكر والمعنى في كل حالة وفي مصابيح البغوي عن أبي داود والنسائي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال الطاعم الشاكر كالصائم الصابر انتهى قال القشيري قال أهل العلم بالأصول نعم الله تعال على ضربين نعمة نفع ونعمة دفع فنعمة النفع ما أولاهم ونعمة الدفع ما زوي عنهم وليس كل أنعامه سبحانه انتظام أسباب الدنيا والتمكن منها بل الطاف الله تعالى فيما زوى عنهم من الدنيا أكثر وإن قرب العبد من الرب تعالى على حسب تباعده من الدنيا انتهى من التحبير وقال أبو عمر بن عبد البر في كتابه المسمى ببهجة المجالس قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ما أنعم الله على عبد بنعمة فعلم أنها من عند الله إلا كتب الله له شكرها وما علم الله من عبد ندامة على ذنب إلا غفر له قبل أن يستغفره وإن الرجل ليلبس الثوب فيحمد الله فما يبلغ ركبتيه حتى يغفر له قال أبو عمر مكتوب في التوراة اشكر لمن أنعم عليك وأنعم على من شكرك فإنه لا زوال للنعم إذا شكرت ولا مقام لها إذا كفرت انتهى وإن من قوله إن كنتم إياه تعبدون شرط والمراد بهذا الشرط التثبيت وهز النفوس كما تقول أفعل كذا إن كنت رجلا وإنما هاهنا حاصرة ولفظ الميتة عموم والمعنى مخصص لأن الحوت لم يدخل قط في هذا العموم وفي مسند البزار عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال إن الله حرم الخمر وثمنها وحرم الميتة وثمنها وحرم الخنزير وثمنه انتهى من الكوكب الدري للإمام أبي

العباس أحمد بن سعد التجيبي والدم يراد به المسفوح لأن ما خالط اللحم فغير محرم بإجماع ت بل فيه خلاف شاذ ذكره ابن الحاجب وغيره والمشهور أظهر لقول عائشة رضي الله عنها لو حرم غير المسفوح لتتبع الناس ما في العروق ولقد كنا نطبخ اللحم والبرمة تعلوها الصفرة انتهى وما أهل به لغير الله قال ابن عباس وغيره المراد ما ذبح للأنصاب والأوثان وأهل به معناه صيح به ومنه استهلال المولود وجرت عادة العرب بالصياح باسم المقصود بالذبيحة وغلب ذلك في استعمالهم حتى عبر به عن النية التي هي علة التحريم فمن اضطر غير باغ ولا عاد قال قتادة وغيره معناه غير قاصد فساد وتعد بأن يجد عن هذه المحرمات مندوحة ويأكلها وأصحاب هذا القول يجيزون الأكل منها في كل سفر مع الضرورة وقال مجاهد وغيره المعنى غير باغ على المسلمين وعاد عليهم فيدخل في الباغي والعادى قطاع السبل والخارج على السلطان والمسافر في قطع الرحم والغارة على المسلمين وما شاكله ولغير هؤلاء هي الرخصة قال مالك رحمه الله يأكل المضطر شبعه وفي الموطأ وهو لكثير من العلماء أنه يتزود إذا خشي الضرورة فيما بين يديه من مفازة وقفز قال ابن العربي في أحكامه وقد قال العلماء أن من اضطر إلى أكل الميتة والدم ولحم الخنزير فلم يأكل دخل النار إلا أن يغفر الله له انتهى والمعنى أنه لم يأكل حتى مات جوعا فهو عاص وكأنه قتل نفسه وقد قال تعالى ولا تقتلوا أنفسكم الآية إلى قوله ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا قال ابن العربي وإذا دامت المخصمة فلا خلاف في جواز شبع المضطر وإن كانت نادرة ففي شبعه قولان أحدهما لمالك يأكل حتى يشبع ويتضلع وقال غيره يأكل بمقدار سد الرمق وبه قال ابن حبيب وابن الماجشون انتهى وقوله تعالى إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب

الآية قال ابن عباس وغيره المراد أحبار اليهود الذين كتموا أمر محمد صلى الله عليه و سلم والكتاب التوراة والإنجيل ع وهذه الاية وإن كانت نزلت في الأحبار فإنها تتناول من علماء المسلمين من كتم الحق مختارا لذلك بسبب دنيا يصيبها وفي ذكر البطن تنبيه على مذمتهم بأنهم باعوا آخرتهم بحظهم من المطعم الذي لا خطر له وعلى هجنتهم بطاعة بطونهم قال الربيع وغيره سمي مأكلوهم نارا لأنه يؤل بهم إلى النار وقيل يأكلون النار في جهنم حقيقة ت وينبغي لأهل العلم التنزه عن أخذ شيء من المتعلمين على تعليم العلم بل يلتمسون الأجر من الله عز و جل وقد قال تعالى لنبيه عليه السلام قل لا اسألكم عليه أجرا الآية وفي سنن أبي داود عن عبادة بن الصامت قال علمت ناسا من أهل الصفة الكتاب والقرآن وأهدى إلي رجل منهم قوسا فقلت ليست بمال وأرمي عليها في سبيل الله لآتين رسول الله صلى الله عليه و سلم فلا سألته فأتيته فقلت يا رسول الله رجل أهدى إلي قوسا ممن كنت أعلمه الكتاب والقرآن وليست بمال وأرمي عليها في سبيل الله قال ان كنت تحب أن تطوق طوقا من نار فاقبلها وفي رواية فقلت ما ترى فيها يا رسول الله قال جمرة بين كتفيك تقلدتها أو تعلقتها انتهى وقوله تعالى ولا يكلمهم الله قيل هي عبارة عن الغضب عليهم وإزالة الرضا عنهم إذ في غير موضع من القرآن ما ظاهره أن الله تعالى يكلم الكافرين وقال الطبري وغيره المعنى لا يكلمهم بما يحبونه ولا يزكيهم أي لا يطهرهم من موجبات العذاب وقيل المعنى لا يسميهم أزكياء وقوله تعالى فما أصبرهم على النار قال جمهور المفسرين ما تعجب وهو في حيز المخاطبين أي هم أهل إن تعجبوا منهم ومما يطول مكثهم في النار وفي التنزيل قتل الإنسان ما أكفره واسمع بهم وأبصر وقال قتادة والحسن وابن جبير والربيع أظهر التعجب

من صبرهم على النار لما علموا عمل من وطن نفسه عليها وتقديره ما أجرأهم على النار إذ يعملون عملا يؤدي إليها وذهب معمر بن المثنى إلى أن ما استفهام معناه أي شيء صبرهم على النار والأول أظهر وقوله سبحانه ذلك بأن الله نزل الكتاب بالحق الآية المعنى ذلك الأمر بأن الله نزل الكتاب بالحق فكفروا به والإشارة إلى وجوب النار لهم والكتاب القرآن وبالحق أي بالأخبار الحق أي الصادقة والذين اختلفوا في الكتاب هم اليهود والنصارى في قول السدي وقيل هم كفار العرب لقول بعضهم هو سحر وبعضهم أساطير وبعضهم مفترى إلى غير ذلك وبعيد هنا معناه من الحق والاستقامة وقوله تعالى ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب الآية قال ابن عباس وغيره الخطاب بهذه الآية للمؤمنين فالمعنى ليس البر الصلاة وحدها وقال قتادة والربيع الخطاب لليهود والنصارى لأنهم تكلموا في تحويل القبلة وفضلت كل فرقة توليها فقيل لهم ليس البر ما أنتم فيه ولكن البر من آمن بالله وقوله تعالى وآتى المال علىحبه الآية هذه كلها حقوق في المال سوى الزكاة قال الفخر وروت فاطمة بنت قيس أن في المال حقا سوى الزكاة وتلا وآتى المال على حبه الآية وعنه صلى الله عليه و سلم لا يؤمن بالله واليوم الآخر من بات شبعان وجاره طاويا إلى جنبه انتهى قال ابن العربي في أحكامه وإذا وقع أداء الزكاة ثم نزلت بعد ذلك حاجة فإنه يجب صرف المال إليها باتفاق من العلماء وقد قال مالك يجب على كافة المسلمين فداء أسراهم وإن استغرق ذلك أموالهم وكذلك إذا منع الوالي الزكاة فهل يجب على الأغنياء إغناء الفقراء الصحيح وجوب ذلك عليهم انتهى ومعنى آتى أعطى على حبه أي على حب المال ويحتمل أن يعود الضمير على اسم الله تعالى من قوله من آمن

بالله أي من تصدق محبة في الله وطاعته وص والظاهر أن الضمير في حبه عائد على المال لأن قاعدتهم أن الضمير لا يعود على غير الأقرب إلا بدليل انتهى قال ع والمعنى المقصود أن يتصدق المرء في هذه الوجوه وهو صحيح شحيح يخشى الفقر ويأمل الغنى كما قال صلى الله عليه و سلم والشح في هذا الحديث هو الغريزي الذي في قوله تعالى واحضرت الأنفس الشح وليس المعنى أن يكون المتصدق متصفا بالشح الذي هو البخل وفي الرقاب أي العتق وفك الأسرى والصابرين نصب على المدح أو على إضمار فعل وهذا مهيع في تكرار النعوت والبأساء الفقر والفاقة والضراء المرض ومصائب البدن وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم أول من يدعى إلى الجنة الذين يحمدون الله في السراء والضراء رواه الحاكم في المستدرك وقال صحيح على شرط مسلم انتهى من السلاح وفي صحيح مسلم عن صهيب قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إذا أصابته سراء فشكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له انتهى وحين الباس أي وقت شدة القتال هذا قول المفسرين في الألفاظ الثلاثة تقول العرب بئس الرجل إذا افتقر وبؤس إذا شجع ثم وصف تعالى أهل هذه الأفعال البرة بالصدق في أمورهم أي هم عنده الظن بهم والرجاء فيهم كما تقول صدقني المال وصدقني الرمح ووصفهم تعالى بالتقى والمعنى هم الذين جعلوا بينهم وبين عذاب الله وقاية وقوله تعالى يا أيها الذين ءامنوا كتب عليكم القصاص الآية كتب معناه فرض واثبت وصورة فرض القصاص هو أن القاتل فرض عليه إذا أراد الولي القتل الاستسلام لأمر الله وأن الولي فرض عليه الوقوف عند قتل قاتل وليه وترك التعدي على غيره فإن

وقع الرضا بدون القصاص من دية أو عفو فذلك مباح والآية معلمه أن القصاص هو الغاية عند التشاح والقصاص مأخوذ من قص الأثر فكان القاتل سلك طريقا من القتل فقص أثره فيها روي عن ابن عباس أن هذه الآية محكمة وفيها إجمال فسرته آية المائدة وأن قوله سبحانه الحر بالحر يعم الرجال والنساء وأجمعت الأمة على قتل الرجل بالمرأة والمرأة بالرجل وقوله تعالى فمن عفي له من أخيه شيء الآية فيه تأويلات أحدها أن من يراد بها القاتل وعفي تتضمن عافيا وهو ولي الدم والأخ هو المقتول وشيء هو الدم الذي يعفى عنه ويرجع إلى أخذ الدية هذا قول ابن عباس وجماعة من العلماء والعفو على هذا القول على بابه والتأويل الثاني وهو قول مالك أن من يراد بها الولي وعفى بمعنى يسر لا على بابها في العفو والأخ يراد به القاتل وشيء هي الدية والأخوة على هذا أخوة الإسلام والتأويل الثالث أن هذه الألفاظ في معنى الذين نزلت فيهم الآية وهم قوم تقاتلوا فقتل بعضهم بعضا فأمر النبي صلى الله عليه و سلم أن يصلح بينهم ويقاصهم بعضهم من بعض بالديات على استواء الأحرار بالأحرار والنساء بالنساء والعبيد بالعبيد فمعنى الآية فمن فضل له من إحدى الطائفتين على الأخرى شيء من تلك الديات وتكون عفى بمعنى فضل وقوله تعالى فاتباع تقديره فالواجب والحكم اتباع وهذا سبيل الواجبات كقوله تعالى فإمساك بمعروف وأما المندوب إليه فيأتي منصوبا كقوله تعالى فضرب الرقاب وهذه الآية حض من الله تعالى على حسن الاقتضاء من الطالب وحسن القضاء من المؤدي وقوله سبحانه ذلك تخفيف إشارة إلى ما شرعه لهذه الأمة من أخذ الدية وكانت بنو إسرائيل لا دية عندهم إنما هو القصاص فقط والاعتداء المتوعد عليه في هذه الآية هوأن يأخذ الرجل دية وليه ثم يقتل القاتل بعد سقوط

الدم واختلف في العذاب الأليم الذي يلحقه فقال فريق من العلماء منهم مالك هو كمن قتل ابتداء إن شاء الولي قتله وإن شاء عفا عنه وعذابه في الآخرة وقال قتادة وغيره يقتل البتة ولا عفو فيه وروي في ذلك حديث عن النبي صلى الله عليه و سلم وقوله تعالى ولكم في القصاص حياة المعنى أن القصاص إذا أقيم وتحقق الحكم به أزدجر من يريد قتل أحد مخافة أن يقتص منه فحييا بذلك معا وأيضا فكانت العرب إذا قتل الرجل الآخر حمي قبيلهما وتقاتلوا وكان ذلك داعيا إلى موت العدد الكثير فلما شرع الله سبحانه القصاص قنع الكل به ووقف عنده وتركوا الاقتتال فلهم في ذلك حياة وخص أولوا الألباب بالذكر تنبيها عليهم لأنهم العارفون القابلون للأوامر والنواهي وغيرهم تبع لهم وتتقون معناه القتل فتسلمون من القصاص ثم يكون ذلك داعية لأنواع التقوى في غير ذلك فإن الله سبحانه يثيب على الطاعة بالطاعة وقوله تعالى كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت الآية كتب معناه فرض واثبت وفي قوله تعالى إذا حضر مجاز لأن المعنى إذا تخوف وحضرت علاماته والخير في هذه الآية المال واختلف في هذه الآية هل هي محكمة أو منسوخة فقال ابن عباس وقتادة والحسن الآية عامة وتقرر الحكم بها برهة ونسخ منها كل من يرث بآية الفرائض وقال بعض العلماء أن الناسخ لهذه الآية هي السنة المتواترة وهو وقوله صلى الله عليه و سلم أن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث وبالمعروف معناه بالقصد الذي تعرفه النفوس دون إضرار بالورثة ولا تنزير للوصية وحقا مصدر مؤكد وخص المتقون بالذكر تشريفا للرتبة ليتبادر الناس إليها وقوله تعالى فمن بدله بعد ما سمعه الآية الضمير في بدله عائد على الإيصاء وأمر الميت وكذلك في سمعه ويحتمل

أن يعود الذي في سمعه على أمر الله تعالى في هذه الآية والأول أسبق للناظر وسميع عليم صفتان لا يخفى معهما شيء من جنف الموصين وتبديل المتعدين والجنف الميل ومعنى الآية على ما قال مجاهد من خشي أن يحيف الموصى ويقطع ميراث طائفة ويتعمد الاذاية فذلك هو الجنف في إثم وإن لم يتعمد فهو الجنف دون إثم فالمعنى من وعظه في ذلك ورده عنه وأصلح ما بينه وبين ورثته وما بين الورثة في ذاتهم فلا أثم عليه أن الله غفور رحيم بالموصي إذا عملت فيه الموعظة ورجع عما أراد من الاذاية وقال ابن عباس غيره معنى الآية من خاف أي علم ورأى بعد موت الموصي أن الموصى حاف وجنف وتعمد أذاية بعض ورثته فأصلح مابين الورثة فلا إثم عليه وإن كان في فعله تبديل ما لأنه تبديل لمصلحة والتبديل الذي فيه الإثم إنما هو تبديل الهوى قوله جلت قدرته يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام الآية كتب معناه فرض والصيام في اللغة الإمساك ومنه قوله سبحانه إني نذرت للرحمن صوما وفي الشرع إمساك عن الطعام والشراب مقترنه به قرائن من مراعاة أوقات وغير ذلك وقوله تعالى كما كتب على الذين من قبلكم أختلف في موضع التشبيه قالت فرقة التشبيه كتب عليكم كصيام قد تقدم في شرع غيركم فالذين عام في النصارى وغيرهم ولعلكم ترج في حقهم وتتقون قيل على العموم لأن الصيام كما قال صلى الله عليه و سلم جنة ووجاء وسبب تقوى لأنه يميت الشهوات وأياما معدودات قيل رمضان وقيل الثلاثة الأيام من كل شهر ويوم عاشوراء التي نسخت بشهر رمضان ص وأياما منصوب بفعل مقدر يدل عليه ما قبله أي صوموا أياما وقيل أياما نصب على الظرف انتهى وقوله سبحانه فمن كان منكم مريضا أو

على سفر التقدير فأفطر فعدة وهذا يسمونه فحوى الخطاب واختلف العلماء في حد المرض الذي يقع به الفطر فقال جمهور العلماء إذا كان به مرض يؤذيه ويؤلمه أو يخاف تماديه أو يخاف من الصوم تزيده صح له الفطر وهذا مذهب حذاق أصحاب مالك وبه يناظرون وأما لفظ مالك فهو المرض الذي يشق على المرء ويبلغ به واختلف في الأفضل من الفطر أو الصوم ومذهب مالك استحباب الصوم لمن قدر عليه وتقصير الصلاة حسن لأن الذمة تبرأ في رخصة الصلاة وهي مشغولة في أمر الصيام والصواب المبادرة بالأعمال والسفر سفر الطاعة كالحج والجهاد بإجماع ويتصل بهذين سفر صلة الرحم وطلب المعاش الضروري وأما سفر التجارة والمباحات فمختلف فيه بالمنع والجواز والقول بالجواز أرجح وأما سفر العصيان فمختلف فيه بالجواز والمنع والقول بالمنع أرجح ومسافة سفر الفطر عند مالك حيث تقصر الصلاة ثمانية وأربعون ميلا وقوله تعالى فعدة أي فالحكم أو الواجب عدة وفي وجوب تتابعها قولان وأخر لا ينصرف للعدل وقوله تعالى وعلى الذين يطيقونه فدية الآية قرأ باقي السبعة غير نافع وابن عامر فدية بالتنوين طعام مسكين بالإفراد وهي قراءة حسنة لانها بينت الحكم في اليوم واختلفوا في المراد بالآية فقال ابن عمر وجماعة كان فرض الصيام هكذا على الناس من أراد أن يصوم صام ومن أراد أن يفطر أطعم مسكينا وأفطر ثم نسخ ذلك بقوله سبحانه فمن شهد منكم الشهر فليصمه وقالت فرقة الآية في الشيوخ الذين يطيقونه بتكلف شديد والآية عند مالك إنما هي فيمن يدركه رمضان ثان وعليه صوم من المتقدم فقد كان يطيق في تلك المدة الصوم فتركه والفدية عند مالك وجماعة من العلماء مد لكل مسكين وقوله تعالى فمن تطوع خيرا فهو خير له الآية قال ابن عباس وغيره المراد من أطعم مسكينين فصاعدا

وقال ابن شهاب من زاد الإطعام مع الصوم وقال مجاهد من زاد في الإطعام على المد وخيرا الأول قد نزل منزلة مال أو نفع وخير الثاني والثالث صفة تفضيل وقوله تعالى إن كنتم تعلمون يقتضي الحض على الصوم أي فاعلموا ذلك وصوموا ت وجاء في فضل الصوم أحاديث صحيحة مشهورة وحدث أبوبكر بن الخطيب بسنده عن سهل بن سعد الساعدي عن النبي صلى الله عليه و سلم قال من صام يوما تطوعا لم يطلع عليه أحد لم يرض الله له بثواب دون الجنة قال وبهذا الإسناد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم بمثله انتهى قال ابن عبد البر في كتابه المسمى ببهجة المجالس قال أبو العالية الصائم في عبادة ما لم يغتب قال الشيخ الصالح أبو عبد الله محمد البلالي الشافعي في اختصاره للأحياء وذكر السبكى في شرحه ان الغيبة تمنع ثواب الصوم إجماعا قال البلالي وفيه نظر لمشقة الاحتراز نعم ان اكثر توجهت المقالة انتهى وهذا الشيخ البلالي لقيته ورويت عنه كتابه هذا وصح عنه صلى الله عليه و سلم أنه قال إذا دخل شهر رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب جهنم قال أبو عمر في التمهيد وذلك لأن الصوم جنة يستجن بها العبد من النار وتفتح لهم أبواب الجنة لأن أعمالهم تزكو فيه وتقبل منهم ثم أسند أبو عمر عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم أعطيت أمتي خمس خصال في رمضان لم تعطهن أمة قبلها خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك وتستغفر لهم الملائكة حتى يفطروا ويزين الله لهم كل يوم جنته ثم يقول يوشك عبادي الصائمون أن يلقوا عنهم المؤنة والأذى ثم يصيرون إليك وتصفد فيه مردة الشياطين فلا يخلصون إلى ما كانوا يخلصون إليه في غيره ويغفر لهم آخر ليلة قيل يا رسول الله أهي ليلة القدر قال لا ولكن العامل إنما يوفى أجره إذا انقضى قال أبو عمر

وفي سنده أبو المقدام فيه ضعف ولكنه محتمل فيما يرويه من الفضائل وأسند أبو عمر عن الزهري قال تسبيحة في رمضان أفضل من ألف تسبيحة في غيره انتهى ت وخرجه الترمذي عن الزهري قال تسبيحة في رمضان أفضل من ألف تسبيحة في غيره انتهى قوله تعالى شهر رمضان الذي أنزل فيه القرءان الشهر مشتق من الإشتهار قال ص الشهر مصدر شهر يشهر إذا ظهر وهو اسم للمدة الزمانية وقال الزجاج الشهر الهلال وقيل سمي الشهر باسم الهلال انتهى ورمضان علقه هذا الاسم من مدة كان فيها في الرمض وشدة الحر وكان اسمه قبل ذلك ناثرا واختلف في إنزال القرآن فيه فقال الضحاك أنزل في فرضه وتعظيمه والحض عليه وقيل بدىء بنزوله فيه على النبي صلى الله عليه و سلم وقال ابن عباس فيما يأثر انزل إلى السماء الدنيا جملة واحدة ليلة أربع وعشرين من رمضان ثم كان جبريل ينزله رسلا رسلا في الأوامر والنواهي والأسباب وروى واثلة بن الأسقع عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال نزلت صحف إبراهيم أول ليلة من شهر رمضان والتوراة لست مضين منه والإنجيل لثلاث عشرة والقرآن لأربع وعشرين وهدى في موضع نصب على الحال من القرآن فالمراد أن القرآن بجملته من محكم ومتشابه ونساخ ومنسوخ هدى ثم شرف بالذكر والتخصيص البينات منه يعني الحلال والحرام والمواعظ والمحكم كله فالألف واللام في الهدى للعهد والمراد الأول قال ص هدى

منصوب على الحال أي هاديا فهو مصدر وضع موضع اسم الفاعل وذو الحال القرآن والعامل انزل انتهى والفرقان المفرق بين الحق والباطل وشهد بمعنى حضر والتقدير من حضر المصر في الشهر فالشهر نصب على الظرف وقوله سبحانه يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر قال مجاهد والضحاك اليسر الفطر في السفر والعسر الصوم في السفر ع والوجه عموم اللفظ في جميع أمور الدين وقد فسر ذلك قول النبي صلى الله عليه و سلم دين الله يسر قلت قال ابن الفاكهاني في شرح الأربعين للنووي فإن قلت قوله تعالى إن مع العسر يسرا الآية يدل على وقوع العسر قطعا وقوله تعالى يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر يدل على نفي العسر قطعا لأن ما لا يريده تعالى لايكون بإجماع أهل السنة قلت العسر المنفي غير المثبت فالمنفي إنما هو العسر في الأحكام لا غير فلا تعارض انتهى وترجم البخاري في صحيحه قول النبي صلى الله عليه و سلم يسروا ولا تعسروا وكان يحب التخفيف واليسر على الناس ثم أسند هو ومسلم عن انس قال قال النبي صلى الله عليه و سلم يسروا ولا تعسروا وسكنوا ولا تنفروا واسند البخاري ومسلم عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال لأبي موسى ومعاذ يسرا ولا تعسرا وبشرا ولا تنفرا قال البخاري حدثنا أبو اليمان قال حدثنا حماد بن زيد عن الأزرق بن قيس قال كنا على شاطىء نهر بالأهواز قد نضب عنه الماء فجاء أبو برزة الأسلمي على فرس فصلى وخلى فرسه فانطلق الفرس فترك صلاته وتبعها حتى أدركها فأخذها ثم جاء فقضى صلاته وفينا رجل له رأي فأقبل يقول أنظروا إلى هذا الشيخ ترك صلاته من أجل فرس فأقبل فقال ما عنفني أحد منذ فارقت رسول الله صلى الله عليه و سلم قال وقال ان منزلي منزاح فلو صليت وتركته لم آت أهلى إلىالليل وذكر أنه

قد صحب النبي صلى الله عليه و سلم فرأى من تيسيره انتهى وقوله تعالى ولتكملوا العدة معناه وليكمل من أفطر في سفره أو في مرضه عدة الأيام التي أفطر فيها وقوله تعالى ولتكبروا الله حض علىالتكبير في آخر رمضان قال مالك هو من حين يخرج الرجل من منزله إلى أن يخرج الإمام إلى المصلى ولفظه عند مالك وجماعة من العلماء الله أكبر الله أكبر الله أكبر ثلاثا ومن العلماء من يكبر ويهلل ويسبح اثناء التكبير ومنهم من يقول الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا وقيل غير هذا والجميع حسن واسع مع البداءة بالتكبير وهداكم قيل المراد لما ضل فيه النصارى من تبديل صيامهم وتعميم الهدى جيد ولعلكم تشكرون ترج في حق البشر أي على نعم الله في الهدى ص ولعلكم تشكرون علة الترخيص والتيسير وهذا نوع من اللف لطيف المسلك انتهى وقوله جل وعلا وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعان الآية قال الحسن بن ابي الحسن سببها أن قوما قالوا للنبي صلى الله عليه و سلم اقريب ربنا فنناجبه أم بعيد فنناديه فنزلت الآية وأجيب قال قوم المعنى أجيب إن شئت وقال قوم إن الله تعالى يجيب كل الدعاء فأما أن تظهر الإجابة في الدنيا وإما أن يكفر عنه وإما أن يدخر له أجر في الآخرة وهذا بحسب حديث الموطأ وهو ما من داع يدعو إلا كان بين إحدى ثلاث الحديث ت وليس هذا باختلاف قول قال ابن رشد في البيان الدعاء عبادة من العبادات يؤجر فيها الأجر العظيم أجيبت دعوته فيما دعا به أو لم تجب وها أنا انقل إن شاء الله من صحيح الأحاديث في هذا المحل ما يثلج له الصدر وعن أنس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لا تعجزوا عن الدعاء فإنه لن يهلك مع الدعاء أحد رواه الحاكم أبو عبد

الله في المستدرك على الصحيحين وابن حبان في صحيحه واللفظ له وقال الحاكم صحيح الإسناد وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم الدعاء سلاح المؤمن وعماد الدين ونور السماوات والأرض رواه الحاكم في المستدرك وقال صحيح وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه و سلم قال يدعو الله بالمؤمن يوم القيامة حتى يوقف بين يديه فيقول عبدي إني أمرتك أن تدعوني ووعدتك أن أستجيب لك فهل كنت تدعوني فيقول نعم يا رب فيقول أما أنك لم تدعني بدعوة إلا استجبت لك أليس دعوتني يوم كذا وكذا لغم نزل بك أن أفرج عنك ففرجت عنك فيقول نعم يا رب فيقول فإني عجلتها لك في الدنيا ودعوتني يوم كذا وكذا لغم نزل بك أن أفرج عنك فلم تر فرجا قال نعم يا رب فيقول اني أدخرت لك بها في الجنة كذا وكذا كذا وكذا ودعوتني في حاجة اقضيها لك في يوم كذا وكذا فقضيتها فيقول نعم يا رب فيقول فإني عجلتها لك في الدنيا ودعوتني في يوم كذا وكذا في حاجة أقضيها لك فلم تر قضاءها فيقول نعم يا رب فيقول إني ادخرت لك في الجنة كذا وكذا قال رسول الله صلى الله عليه و سلم فلا يدع الله دعوة دعا بها عبده المؤمن إلا بين له إما أن يكون عجل له في الدنيا وإما أن يكون أدخر له في الآخرة قال فيقول المؤمن في ذلك المقام يا ليته لم يكن عجل له شيء من دعائه رواه الحاكم في المستدرك وعن ثوبان رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لا يرد القدر إلا الدعاء رواه الحاكم في المستدرك وابن حبان في صحيه واللفظ للحاكم وقال صحيح الاسناد قلت وقد أخرج ابن المبارك في رقائقه هذا الحديث أيضا قال حدثنا سفيان عن عبد الله بن قيس عن عبد الله بن أبي الجعد عن ثوبان قال قال رسول الله صلى

الله عليه وسلم لا يرد القضاء إلا الدعاء وأن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه انتهى وعن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لا يغنى حذر من فدر والدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل وإن البلاء لينزل من السماء فيتلقاه الدعاء فيعتلجان إلى يوم القيامة رواه الحاكم في مستدركه وقال صحيح الإسناد وقوله فيعتلجان أي يتصارعان وعن سلمان رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من سره أن يستجاب له عند الكرب والشدائد فليكثر الدعاء في الرخاء رواه الحاكم أيضا وقال صحيح الإسناد وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من فتح له في الدعاء منكم فتحت له أبواب الجنة قال الغزالي رحمه الله في كتاب الأحياء فإن قلت فما فائدة الدعاء والقضاء لا يرد فأعلم أن القضاء رد البلاء بالدعاء فالدعاء سبب لرد البلاء واستجلاب للرحمة كما أن الترس سبب لرد السهم ثم في الدعاء من الفائدة أنه يستدعي حضور القلب مع الله عز و جل وذلك منتهى العبادات فالدعاء يرد القلب إلى الله عز و جل بالتضرع والاستكانة فانظره فإني آثرت الاختصار وانظر سلاح المؤمن الذي منه نقلت هذه الأحاديث ومن جامع الترمذي عن أبي خزامة واسمه رفاعة عن أبيه قال سألت رسول الله صلى الله عليه و سلم فقلت يا رسول الله أرأيت رقى نسترقيها ودواء نتداوى به وتقاة نتقيها هل ترد من قدر الله شيئا قال هي من قدر الله قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح وانظر جواب عمر لأبي عبيدة نعم نفر من قدر لله إلى قدر الله الحديث هو من هذا المعنى انتهى والله الموفق بفضله وقوله تعالى فليستجيبوا لي قال أبو رجاء الخراساني معناه فليدعوني قال ع المعنى فليطلبوا أن أجيبهم وهذا هو باب استفعل أي طلب الشيء إلا ما شذ مثل استغنى الله وقال مجاهد وغيره

المعنى فليجيبوا لي فيما دعوتهم إليه من الإيمان أي بالطاعة والعمل فائدة قال صحاب غاية المغنم في اسم الله الأعظم وهو إمام عارف بعلم الحديث وكتابه هذا يشهد له قال ذكر الدينوري في كتاب المجالسة عن ليث بن سليم أن رجلا وقف على قوم فقال من عنده ضيافة هذه الليلة فسكت القوم ثم عاد فقال رجل أعمى عندي فذهب به إلى منزله فعشاه ثم حدثه ساعة ثم وضع له وضوءا فقام الرجل في جوف الليل فتوضأ وصلى ما قضي له ثم جعل يدعو فانتبه الأعمى وجعل يسمع لدعائه فقال اللهم رب الأرواح الفانية والأجساد البالية أسألك بطاعة الأرواح الراجعة إلى أجسادها وبطاعة الأجساد الملتئمة في عروقها وبطاعة القبور المتشققة عن أهلها وبدعوتك الصادقة فيهم وأخذك الحق منهم وتبريز الخلائق كلهم من مخافتك ينتظرون قضاءك ويرجون رحمتك ويخافون عذابك اسألك أن تجعل النور في بصري والإخلاص في عملي وشكرك في قلبي وذكرك في لساني في الليل والنهار ما ابقيتني قال فحفظ الأعمى هذا الدعاء ثم قام فتوضأ وصلى ركعتين ودعا به فأصبح قد رد الله عليه بصره انتهى من غاية المغنم في اسم الله الأعظم وإطلاق الفناء على الأرواح فيه تجوز والعقيدة أن الأرواح باقية لا تفنى وإنما عبر مفارقتها لأجسادها بالفناء هذا هو مراده وروى ابن المبارك في رقائقه بسنده عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال إن القلوب اوعية وبعضها أوعى من بعض فادعوا الله أيها الناس حين تدعون وأنتم موقنون بالإجابة فإن الله لا يستجيب لعبد دعاه عن ظهر قلب غافل انتهى قال ابن عطاء الله في لطائف المنن وإذا أراد الله أن يعطي عبدا شيئا وهبه الاضطرار إليه فيه فيطلبه بالاضطرار فيعطى وإذا أراد الله أن يمنع عبدا أمرا منعه الاضطرار إليه فيه ثم منعه إياه فلا يخاف عليك أن تضطر

وتطلب فلا تعطى بل يخاف عليك أن تحرم الاضطرار فتحرم الطلب أو تطلب بغير اضطرار فتحرم العطاء انتهى وقوله سبحانه وليؤمنوا بي قال أبو رجاء في أني أجيب دعاءهم وقال غيره بل ذلك دعاء إلى الإيمان بجملته وقوله تعالى أحل لكم ليلة الصيام الآية لفظة أحل تقتضي أنه كان محرما قبل ذلك وليلة نصب على الظرف والرفث كناية عن الجماع لأن الله تعالى كريم يكنى قاله ابن عباس وغيره والرفث في غير هذا فحش من القول وقال أبو إسحق الرفث كل ما يأتيه الرجل مع المرأة من قبلة ولمس ع أو كلام في هذا المعنى وسبب هذه الآية فيما قال ابن عباس وغيره أن جماعة من المسلمين اختانوا أنفسهم واصابوا النساء بعد النوم أو بعد صلاة العشاء على الخلاف في ذلك منهم عمر بن الخطاب جاء إلى امرأته فأرادها فقالت له قد نمت فظن أنها تعتل بذلك فوقع بها ثم تحقق أنها قد كانت نامت وكان الوطء بعد نوم أحدهما ممنوعا فذهب عمر فاعتذر عند رسول الله صلى الله عليه و سلم فنزل صدر الآية وروي أن صرمة بن قيس نام قبل الأكل فبقي كذلك دون أكل حتى غشي عليه في نهاره المقبل فنزل فيه من قوله تعالى وكلوا واشربوا واللباس أصله في الثياب ثم شبه التباس الرجل بالمرأة بذلك وتاب عليكم أي من المعصية التي وقعتم فيها قال ابن عباس وغيره باشروهن كناية عن الجماع وابتغوا ما كتب الله لكم قال ابن عباس وغيره أي ابتغوا الولد قال الفخر والمعنى لا تباشروهن لقضاء الشهوة فقط ولكن لابتغاء ما وضع الله له النكاح من التناسل قال عليه السلام تناكحوا تناسلوا فإني مكاثر بكم الأمم انتهى وقيل المعنى ابتغوا ليلة القدر وقيل ابتغوا الرخصة والتوسعة قال قتادة وهو قول حسن وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الآية

نزلت بسبب صرمة بن قيس وحتى غاية للتبين ولا يصح أن يقع التبين لأحد ويحرم عليه الأكل إلا وقد مضى لطلوع الفجر قدر والخيط استعارة وتشبيه لرقة البياض اولا ورقة السواد الحاف به والمراد فيما قال جميع العلماء بياض النهار وسواد الليل ومن الأولى لابتداء الغاية والثانية للتبعيض والفجر مأخوذ من تفجر الماء لأنه ينفجر شيئا بعد شيء وروي عن سهل أن سعد وغيره من الصحابة أن الآية نزلت إلا قوله من الفجر فصنع بعض الناس خيطين أبيض وأسود فنزل قوله تعالى من الفجر ع وروي أنه كان بين طرفي المدة عام من رمضان إلى رمضان تأخر البيان إلى وقت الحاجة وعدي بن حاتم جعل خيطين على وساده وأخبر النبي صلى الله عليه و سلم فقال له إن وسادك لعريض واختلف في الحد الذي بتبينه يجب الإمساك فقال الجمهور وبه أخذ الناس ومضت عليه الامصار والاعصار ووردت به الأحاديث الصحاح أنه الفجر المعترض في الأفق يمنة ويسرة فبطلوع أوله في الأفق يجب الإمساك وروي عن عثمان بن عفان وحذيفة بن اليمان وابن عباس وغيرهم أن الإمساك يجب بتبين الفجر في الطرق وعلى رؤوس الجبال وذكر عن حذيفة أنه قال تسحرت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو النهار إلا أن الشمس لم تطلع ومن أكل وهو يشك في الفجر فعليه القضاء عند مالك وقوله سبحانه ثم أتموا الصيام إلى الليل أمر يقتضي الوجوب وإلى غاية وإذا كان ما بعدها من جنس ما قبلها فهو داخل في حكمه وإذا كان من غير جنسه لم يدخل في المحدود والليل الذي يتم به الصيام مغيب قرص الشمس فمن أفطر شاكا في غروبها فالمشهور من المذهب أن عليه القضاء والكفارة وروى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال ثلاثة لا ترد دعوتهم

الصائم حين يفطر والإمام العادل ودعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام وتفتح لها أبواب السماء ويقول الرب تعالى وعزتي لأنصرنك ولو بعد حين رواه الترمذي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه وقال الترمذي واللفظ له حديث حسن ولفظ ابن ماجه حتى يفطر انتهى من السلاح وعنه صلى الله عليه و سلم أن للصائم عند فطره لدعوة ما ترد رواه ابن السني انتهى من حلية النووي وعنه صلى الله عليه و سلم أنه قال للصائم فرحتان فرحة عند فطره وفرحه عند لقاء ربه رواه البخاري ومسلم انتهى وروى ابن المبارك في رقائقه قال أخبرنا حماد بن سلمة عن واصل مولى ابي عيينه عن لقيط ابي المغيرة عن أبي بردة أن أبا موسى الأشعري كان في سفينة في البحر مرفوع شراعها فإذا رجل يقول يا أهل السفينة قفوا سبع مرار فقلنا ألا ترى على أي حال نحن ثم قال في السابعة قفوا أخبركم بقضاء قضاه الله على نفسه انه من عطش نفسه لله في يوم حار من أيام الدنيا شديد الحر كان حقا على الله أن يرويه يوم القيامة فكان أبو موسى يبتغي اليوم الشديد الحر فيصومه انتهى قال يوسف بن يحيى التادلي في كتاب التشوف وخرج عبد الرزاق في مصنفه عن هشام بن حسان عن واصل بن لقيط عن أبي بردة عن أبي موسى الأشعري قال غزا الناس برا وبحرا فكنت ممن غزا في البحر فبينما نحن نسير في الحبر إذ سمعنا صوتا يقول يا أهل السفينة قفوا أخبركم فنظرنا يمينا وشمالا فلم نر شيئا إلا لجة البحر ثم نادى الثانية حتى نادى سبع مرات يقول كذلك قال أبو موسى فلما كانت السابعة قمت فقلت ما تخبرنا قال أخبركم بقضاء قضاه الله على نفسه أن من عطش لله في يوم حار أن يرويه الله يوم القيامة وذكره ابن حبيب في الواضحة بلفظ آخر انتهى قال ابن المبارك وأخبرنا أبو بكر بن أبي مريم الغساني قال حدثني ضمرة بن

حبيب قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن لكل شيء بابا وإن باب العبادة الصيام انتهى وروى البخاري ومسلم في صحيحهما عن النبي صلى الله عليه و سلم قال كل عمل ابن آدم يضاعف الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف قال الله إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به إنما يدع شهوته وطعامه من أجلي انتهى وقوله تعالى ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد قالت فرقة المعنى ولا تجامعوهن وقال الجمهور ذلك يقع على الجماع فما دونه مما يتلذذ به من النساء وعاكفون أي ملازمون قال مالك رحمه الله وجماعة معه لا اعتكاف إلا في مساجد الجمعات وروي عن مالك أيضا أن ذلك في كل مسجد ويخرج إلى الجمعة كما يخرج إلى ضروري أشغاله قال ابن العربي في أحكامه وحرم الله سبحانه المباشرة في المسجد وكذلك تحرم خارج المسجد لأن معنى الآية ولا تباشروهن وأنتم ملتزمون للاعتكاف في المساجد معتقدون له انتهى وتلك إشارة إلى هذه الأوامر والنواهي والحدود الحواجز بين الإباحة والحظر ومنه قيل للبواب حداد لأنه يمنع ومنه الحاد لأنها تمنع من الزينة والآيات العلامات الهادية إلى الحق وقوله تعالى ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل الآية الخطاب لأمة نبينا محمد صلى الله عليه و سلم ويدخل في هذه الآية القمار والخدع والغصوب وجحد الحقوق وغير ذلك وقوله سبحانه وتدلوا بها إلى الحكام الآية يقال أدلى الرجل بحجة أو بأمر يرجو النجاح به تشبيها بالذي يرسل الدلو في البير يرجو بها الماء قال قوم معنى الآية تسارعون في الأموال إلى المخاصمة إذا علمتم أن الحجة تقوم لكم اما بأن لا تكون على الجاحد بينه أو يكون مال أمانة كاليتيم ونحوه مما يكون القول فيه قوله فالباء في بها باء السبب وقيل معنى الآية ترشوا بها على أكل أكثر منها فالباء الزاق مجرد

وهذا القول يترجح لأن الحكام مظنة الرشى إلا من عصم وهو الأقل وايضا فإن اللفظين متناسبتان تدلوا من إرسال الدلو والرشوة من الرشاء كأنها يمد بها لتقضى الحاجة والفريق القطعة والجزء وبالأثم أي بالظلم وأنتم تعلمون أي أنكم مبطلون وقوله تعالى يسألونك عن الأهلة قال ابن عباس وغيره نزلت على سؤال قوم من المسلمين النبي صلى الله عليه و سلم عن الهلال وما فائدة محاقه وكماله ومخالفته لحال الشمس ومواقيت أي لمحل الديون وانقضاء العدد والأكرية وما أشبه هذا من مصالح العباد ومواقيت للحج أيضا يعرف بها وقته وأشهره وقوله سبحانه وليس البر الآية قال البراء بن عازب والزهري وقتادة سببها أن الأنصار كانوا إذا حجوا أو اعتمروا يلتزمون تشرعا أن لايحول بينهم وبين السماء حائل فكانوا يتسنمون ظهور بيوتهم على الجدرات وقيل كانوا يجعلون في ظهور بيوتهم فتوحا يدخلون منها ولا يدخلون من الأبواب وقيل غير هذا مما يشبهه وقوله تعالى وقاتلوا في سبيل الله الآية هي أول آية نزلت في الأمر بالقتال قال ابن زيد والربيع قوله ولا تعتدوا أي في قتال من لم يقاتلكم وهذه الموادعة منسوخة بقوله تعالى وقاتلوا المشركين كافة وقال ابن عباس وغيره ولا تعتدوا في قتل النساء والصبيان والرهبان وشبههم فهي محكمة وقوله تعالى واقتلوهم حيث ثقفتموهم الآية قال ابن إسحاق وغيره نزلت هذه الآية في شأن عمرو بن الحضرمي وواقد وهي سرية عبد الله ابن جحش وثقفتموهم معناه احكمتم غلبتهم يقال رجل ثقف لقف إذا كان محكما لما يتناوله من الأمور واخرجوهم خطاب لجميع المؤمنين والضمير لكفار قريش والفتنة أشد من القتل أي الفتنة التي حملوكم عليها وراموكم بها على الرجوع إلى الكفر أشد من القتل ويحتمل أن يكون المعنى والفتنة أي

الكفر والضلال الذي هم فيه اشد في الحرم واعظم جرما من القتل الذي عيروكم به في شأن ابن الحضرمي وقوله تعالى ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام الآية قال الجمهور كان هذا ثم نسخ وقال مجاهد الآية محكمة ولا يجوز قتال احد يعنى عند المسجد الحرام إلا بعد أن يقاتل قلت وظاهر قوله صلى الله عليه و سلم وإنما احلت لى ساعة من النهار ولم تحل لأحد بعدى يقوى قول مجاهد وهذا هو الراجح عند الإمام الفخر وان الآية محكمة ولا يجوز الابتداء بالقتال في الحرم انتهى قال ابن العربي في احكامه وقد روى الأئمة عن ابن عباس ان النبي صلى الله عليه و سلم قال يوم فتح مكة ان هذا البلد حرمه الله تعالى يوم خلق السماوات والارض فهو حرام بحرمة الله تعالى الى يوم القيامة وانه لم يحل القتال فيها لأحد قبلى وانما احلت لى ساعة من نهار فقد ثبت النهي عن القتال فيها قرءانا وسنة فإن لجأ إليها كافر فلا سبيل اليه واما الزانى والقاتل فلا بد من اقامة الحد عليه إلا أن يبتدىء الكافر بالقتال فيها فيقتل بنص القرءان انتهى وقرأ حمزة والكساءي ولا تقتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقتلوكم فيه فان قتلوكم فاقتلوهم أي فإن قتلوا منكم والانتهاء في هذه الآية هو الدخول في الاسلام وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله الفتنة هنا الشرك وما تابعه من اذى المؤمنين قاله ابن عباس وغيره والدين هنا الطاعة والشرع والانتهاء في هذا الموضع يصح مع عموم الآية في الكفار ان يكون الدخول في الاسلام ويصح ان يكون اداء الجزية وقوله تعالى الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص الآية قال ابن عباس وغيره نزلت في عمرة القضية وعام الحديبية سنة ست حين صدهم المشركون أي الشهر الحرام الذي غلبكم الله فيه وادخلكم الحرم عليهم سنة سبع بالشهر الحرام الذي صدوكم فيه

والحرمات قصاص وقالت فرقة قوله والحرمات قصاص مما قبله وهو ابتداء امر كان في اول الاسلام ان من انتهك حرمتك نلت منه مثل ما اعتدى عليك واتقوا الله قيل معناه في ان لا تعتدوا وقيل في ان لا تزيدوا على المثل وقوله تعالى وانفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بايديكم الى التهلكة الآية سبيل الله هنا الجهاد واللفظ يتناول بعد جميع سبله وفي الصحيح أن أبا أيوب الانصاري كان على القسطنطينية فحمل رجل على عسكر العدو فقال قوم ألقى هذا بيده الى التهلكة فقال أبو أيوب لا إن هذه الآية نزلت في الانصار حين ارادوا لما ظهر الإسلام ان يتركوا الجهاد ويعمروا اموالهم واما هذا فهو الذي قال الله تعالى فيه ومن الناس من يشرى نفسه ابتغاء مرضات الله وقال ابن عباس وحذيفة بن اليمان وجمهور الناس المعنى لا تلقوا بايديكم بأن تتركوا النفقة في سبيل الله وتخافوا العيلة واحسنوا قيل معناه في اعمالكم بامتثال الطاعات روي ذلك عن بعض الصحابة وقيل المعنى واحسنوا في الإنفاق في سبيل الله وفي الصدقات قاله زيد بن اسلم وقال عكرمة المعنى واحسنوا الظن بالله عز و جل ت ولا شك ان لفظ الآية عام يتناول جميع ما ذكر والمخصص يفتقر الى دليل فاما حسن الظن بالله سبحانه فقد جاءت فيه احاديث صحيحة فمنها أنا عند ظن عبدي بي وفي صحيح مسلم عن جابر قال سمعت النبي صلى الله عليه و سلم قبل وفاته بثلاثة ايام يقول لا يموتن احدكم إلا وهو يحسن الظن بالله انتهى واخرج أبو بكر بن الخطيب بسنده عن أنس ان النبي صلى الله عليه و سلم قال من حسن عبادة المرء حسن ظنه انتهى قال عبد الحق في العاقبة اما حسن الظن بالله عز و جل عند الموت فواجب للحديث انتهى ويدخل في عموم الآية انواع المعروف قال أبو عمر

ابن عبد البر قال رسول الله صلى الله عليه و سلم كل معروف صدقة قال ابو جزء الجهيمى قلت يا رسول الله أوصنى قال لا تحقرن شيأ من المعروف ان تأتيه ولو ان تفرغ من دلوك في اناء المستسقى ولو ان تلقى اخاك ووجهك منبسط اليه وقال عليه السلام اهل المعروف في الدنيا هم اهل المعروف في الآخرة وقال عليه السلام ان لله عبادا خلقهم لحوائج الناس هم الآمنون يوم القيامة انتهى من كتابه المسمى ببهجة المجالس وأنس المجالس وقوله تعالى وأتموا الحج والعمرة لله قال ابن زيد وغيره اتمامهما ان لا تفسخا وان تتمهما اذا بدأت بهما وقال ابن عباس وغيره اتمامهما ان تقضي مناسكهما كاملة بما كان فيهما من دماء وقال سفيان الثورى اتمامهما ان تخرج قاصدا لهما لا لتجارة ولا لغير ذلك ويؤيد هذا قوله لله وفروض الحج النية والإحرام والطواف المتصل بالسعي يعنى طواف الإفاضة والسعي بين الصفا والمروة عندنا خلافا لأبي حنيفة والوقوف بعرفة وزاد ابن الماجشون جمرة العقبة وقوله تعالى فان احصرتم فما استيسر من الهدي هذه الآية نزلت عام الحديبية عند جمهور اهل التاويل واجمع جمهور الناس على أن المحصر بالعدو يحل حيث أحصر وينحر هديه ان كان ثم هدي ويحلق رأسه وأما المحصر بمرض فقال مالك وجمهور من العلماء لا يحله الا البيت ويقيم حتى يفيق وإن أقام سنين فإذا وصل البيت بعد فوت الحج قطع التلبية في أوائل الحرم وحل بعمرة ثم تكون عليه حجة قضاء وفيها يكون الهدي وما في موضع رفع أي فالواجب أو فعليكم ما استيسر وهو شاة عند الجمهور وقال ابن عمر وعروة جمل دون جمل وبقرة دون بقرة وقوله تعالى ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله الخطاب لجميع الأمة وقيل للمحصرين خاصة ومحل الهدي حيث يحل نحره وذلك لمن لم يحصر بمنى والترتيب

أن يرمي الحاج الجمرة ثم ينحر ثم يحلق ثم يطوف للافاضة وقوله تعالى فمن كان منكم مريضا الآية المعنى فحلق لإزالة الأذى ففدية وهذا هو فحوى الخطاب عند أكثر الأصوليين ونزلت هذه الآية في كعب بن عجرة حين رآه رسول الله صلى الله عليه و سلم ورأسه يتناثر قملا فأمره بالحلاق ونزلت الرخصة والصيام عند مالك وجميع أصحابه ثلاثة أيام والصدقة ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع وذلك مدان بمد النبي صلى الله عليه و سلم والنسك شاة بإجماع ومن أتى بأفضل منها ما يذبح أو ينحر فهو أفضل والمفتدي مخير في أي هذه الثلاثة شاء حيث شاء من مكة وغيرها قال مالك وغيره كلما أتى في القرآن أو أو فإنه على التخيير وقوله تعالى فإذا أمنتم أي من العدو المحصر قاله ابن عباس وغيره وهو أشبه باللفظ وقيل معناه إذا برأتم من مرضكم وقوله سبحانه فمن تمتع بالعمرة إلى الحج الآية قال ابن عباس وجماعة من العلماء الآية في المحصرين وغيرهم وصورة المتمتع أن تجتمع فيه ستة شروط أن يكون معتمرا في أشهر الحج وهو من غير حاضري المسجد الحرام ويحل وينشيء الحج من عامة ذلك دون رجوع إلى وطنه أو ما ساواه بعدا هذا قول مالك وأصحابه واختلف لم سمي متمتعا فقال ابن القاسم لأنه تمتع بكل ما لا يجوز للمحرم فعله من وقت حلة في العمرة إلى وقت انشائه الحج وقال غيره سمي متمتعا لأنه تمتع بإسقاط أحد السفرين وذلك أن حق العمرة أن تقصد بسفر وحق الحج كذلك فلما تمتع بإسقاط أحدهما الزمه الله تعالى هديا كالقارن الذي يجمع الحج والعمرة في سفر واحد وجل الأمة على جواز العمرة في أشهر الحج للمكي ولآدم عليه وقوله تعالى فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج يعني من وقت يحرم إلى يوم عرفة فإن فاته صيامها

قبل يوم النحر فليصمها في أيام التشريق لأنها من أيام الحج وسبعة إذا رجعتم قال مجاهد وغيره أي إذا رجعتم من منى وقال قتادة والربيع هذه رخصة من الله سبحانه والمعنى إذا رجعتم إلى أوطانكم ولما جاز أن يتوهم متوهم التخيير بين ثلاثة أيام في الحج أو سبعة إذا رجع أزيل ذلك بالجلية من قوله تعالى تلك عشرة وكاملة قال الحسن بن أبي الحسن المعنى كاملة الثواب وقيل كاملة تأكيد كما تقول كتبت بيدي وقيل لفظها الأخبار ومعناها الأمر أي أكملوها فذلك فرضها وقوله تعالى ذلك لمن لم يكن أهله الآية الإشارة بذلك على قول الجمهور هي إلى الهدي أي ذلك الأشتداد والإلزام وعلى قول من يرى أن المكي لا تجوز له العمرة في أشهر الحج تكون الإشارة إلى التمتع وحكمه فكأن الكلام ذلك الترخيص لمن لم ويتأيد هذا بقوله لمن لم لأن اللام أبدا إنما تجيء مع الرخص واختلف الناس في حاضري المسجد الحرام بعد الإجماع على أهل مكة وما اتصل بها فقيل من تجب عليه الجمعة بمكة فهو حضري ومن كان أبعد من ذلك فهو بدوي قال ع فجعل اللفظة من الحضارة والبداوة وقيل من كان بحيث لا يقصر الصلاة فهو حاضر أي مشاهد ومن كان أبعد من ذلك فهو بدوي قال ع فجعل اللفظة من الحضارة والبداوة وقيل من كان بحيث لا يقصر الصلاة فهو حاضر أي مشاهد ومن كان أبعد من ذلك فهو غائب وقال ابن عباس ومجاهد أهل الحرم كله حاضرو المسجد الحرام ثم أمر تعالى بتقواه على العموم وحذر من شديد عقابه وقوله تعالى الحج أشهر معلومات فى الكلام حذف تقديره اشهر الحج اشهر او وقت الحج اشهر معلومات قال ابن مسعود وغيره وهي شوال وذو القعدة وذو الحجة كله وقال ابن عباس وغيره هي شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة والقولان لمالك رحمه الله فمن فرض فيهن الحج أي الزمه نفسه وفرض الحج هو بالنية والدخول في الإحرام والتلبية تبع لذلك وقوله تعالى فيهن ولم يجيء

الكلام فيها فقال قوم هما سواء في الاستعمال وقال ابو عثمان المازني الجمع الكثير لما لا يعقل يأتي كالواحدة المؤنثة والقليل ليس كذلك تقول الاجذاع انكسرن والجذوع انكسرت ويؤيد ذلك قوله تعالى إن عدة الشهور عند الله ثم قال منها وقوله تعالى فلا رفث ولا فسوق الآية وقرأ ابن كثير وأبو عمرو فلا رفث ولا فسوق ولا جدال بالرفع في الاثنين ونصب الجدال ولا بمعنى ليس في قراءة الرفع والرفث الجماع في قول ابن عباس ومجاهد ومالك والفسوق قال ابن عباس وغيره هي المعاصي كلها وقال ابن زيد ومالك الفسوق الذبح للأصنام ومنه قوله تعالى أو فسقا أهل لغير الله به والأول أولى قال الفخر وأكثر المحققين حملوا الفسق هنا على كل المعاصي قالوا لأن اللفظ صالح للكل ومتناول له والنهي عن الشيء يوجب الانتهاء عن جميع أنواعه فحمل اللفظ على بعض أنواع الفسوق تحكم من غير دليل انتهى قال ابن عباس وغيره الجدال هنا أن تماري مسلما وقال مالك وابن زيد الجدال هنا أن يختلف الناس أيهم صادق موقف إبراهيم عليه السلام كما كانوا يفعلون في الجاهلية قلت ومعنى الآية فلا ترفثوا ولا تفسقوا ولا تجادلوا كقوله صلى الله عليه و سلم والصوم جنة فإذا كان صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب فإن شاتمه أحد أو قاتله فليقل إني امرؤ صائم الحديث انتهى قال ابن العربي في أحكامه قوله تعالى فلا رفث ولا فسوق أراد نفيه مشروعا لا موجودا فإنا نجد الرفث فيه ونشاهده وخبر الله سبحانه لا يقع بخلاف مخبره انتهى قال الفخر قال القفال ويدخل في هذا النهي ما وقع من بعضهم من مجادلة النبي صلى الله عليه و سلم حين أمرهم بفسخ الحج إلى العمرة فشق عليهم ذلك وقالوا أنروح إلى منى ومذاكيرنا تقطر منيا الحديث انتهى وقوله تعالى وما تفعلوا من خير يعلمه الله المعنى فيثيب عليه وفي هذا

تحضيض على فعل الخير ت وروى أسامة بن زيد عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال من صنع إليه معروف فقال لفاعله جزاك الله خيرا فقد أبلغ في الثناء رواه الترمذي والنسائي وابن حبان في صحيحه بهذا اللفظ انتهى من السلاح ونحو هذا جوابه صلى الله عليه و سلم للمهاجرين حيث قالوا ما رأينا كالأنصار وأثنوا عليهم خيرا وقوله سبحانه تزودوا فإن خير الزاد التقوى الاية قال ابن عمر وغيره نزلت الآية في طائفة من العرب كانت تجيء إلى الحج بلا زاد ويبقون عالة على الناس فأمروا بالتزود وقال بعض الناس المعنى تزودوا الرفيق الصالح وهذا تخصيص ضعيف والأولى في معنى الآية وتزودوا لمعادكم من الأعمال الصالحة قلت وهذا التأويل هو الذي صدر به الفخر وهو الظاهر وفي قوله فإن خير الزاد التقوى حض على التقوى وقوله تعالى ليس عليكم جناح الآية الجناح أعم من الإثم لأنه فيما يقتضي العقاب وفي ما يقتضي الزجر والعتاب وتبتغوا معناه تطلبوا أي لادرك في أن تتجروا وتطلبوا الربح وقوله تعالى فإذا أفضتم من عرفات اجمع أهل العلم على تمام حج من وقف بعرفات بعد الزوال وأفاض نهارا قبل الليل إلا مالك بن أنس فإنه قال لا بد أن يأخذ من الليل شيئا وأما من وقف بعرفة ليلا فلا خلاف بين الأمة في تمام حجه وأفاض القوم أو الجيش إذا اندفعوا جملة واختلف في تسميتها عرفة والظاهر أنه اسم مرتجل كسائر اسماء البقاع وعرفة هي نعمان الأراك والمشعر الحرام جمع كله وهو ما بين جبلي المزدلفة من حد مفضي مأزمي عرفة إلى بطن محسر قاله ابن عباس وغيره فهي كلها مشعر إلا بطن محسر كما أن عرفة كلها موقف إلا بطن عرفة بفتح الراء وضمها روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال عرفة كلها موقف إلا بطن عرفة والمزدلفة كلها مشعر إلا وارتفعوا عن بطن محسر وذكر هذا عبد الله

ابن الزبير في خطبته وذكر الله تعالى عند المشعر الحرام ندب عند أهل العلم قال مالك ومن مربه ولم ينزل فعليه دم وقوله تعالى واذكروه كما هداكم تعديد للنعمة وأمر بشكرها ص كما هداكم الكاف للتشبيه وهو في موضع نصب على النعت لمصدر محذوف وما مصدرية أي كهدايته فتكون ما وما بعدها في موضع جر إذ ينسبك منها مع الفعل مصدر ويحتمل أن تكون للتعليل على مذهب الأخفش وابن برهان وجوز ابن عطية وغيره أن تكون ما كافة للكاف عن العمل والأول اولى لأن فيه إقرار الكاف على عملها الجر وقد منع صاحب المستوفى أن تكون الكاف مكفوفة بما واحتج من أثبته بقوله ... لعمرك إنني وأبو حميد ... كما النسوان والرجل الحليم ...
... أريد هجاءه وأخاف ربي ... واعلم أنه عبد لئيم ...
انتهى ثم ذكرهم سبحانه بحال ضلالهم ليظهر قدر إنعامه عليهم وإن كنتم من قبله أي من قبل الهدى وقوله سبحانه ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس المخاطب بهذه الآية قريش ومن ولدت قاله ابن عباس وغيره وذلك أنهم كانوا لا يخرجون من الحرم ويقفون بجمع ويفيضون منه مع معرفتهم أن عرفة هي موقف إبراهيم فقيل لهم أفيضوا من حيث أفاض الناس أي من عرفة وثم لسيت في هذه الآية للترتيب إنما هي لعطف جملة كلام على جملة هي منها منقطعة وقال الضحاك المخاطب بالآية جملة الأمة والمراد بالناس إبراهيم ويحتمل أن تكون إفاضة أخرى وهي التي من المزدلفة وعلى هذا عول الطبري فتكون ثم على بابها وقرأ سعيد بن جبير الناسي وتأوله آدم عليه السلام وأمر عز و جل بالاستغفار لأنها مواطنة ومظان القبول ومساقط الرحمة وفي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه و سلم خطب عشية عرفة فقال أيها الناس إن الله

عز و جل تطاول عليكم في مقامكم هذا فقبل من محسنكم ووهب مسيئكم لمحسن إلا التبعات فيما بينكم أفيضوا على اسم الله فلما كان غداة جمع خطب فقال أيها الناس إن الله تطاول عليكم فعوض التبعات من عنده وقوله تعالى فإذا قضيتم مناسككم الآية قال مجاهد المناسك الذبائح وهي إراقة الدماء ع والمناسك عندي العبادات في معالم الحج مواضع النسك فيه والمعنى إذا فرغتم من حجكم الذي هو الوقوف بعرفة فاذكروا الله بمحامده واثنوا عليه بآلائه عندكم وكانت عادة العرب إذا قضت حجها تقف عند الجمرة تتفاخر بالآباء وتذكر أيام أسلافها من بسالة وكرم وغير ذلك فنزلت الآية إن يلزموا أنفسهم ذكر الله تعالى أكثر من التزام ذكر آبائهم بأيام الجاهلية هذا قول جمهور المفسرين وقال ابن عباس وعطاء معنى الآية واذكروا الله كذكر الأطفال آبائهم وأمهاتهم أي فاستغيثوا به والجئوا إليه قال النووي في حليته والمراد من الذكر حضور القلب فينبغي أن يكون هو مقصود الذاكر فيحرص على تحصيله ويتدبر مايذكر ويتعقل معناه فالتدبر في الذكر مطلوب كما هو مطلوب في القراءة لاشتراكهما في المعنى المقصود ولهذا كان المذهب الصحيح المختار استحباب مد الذاكر قوله لا إله إلا الله لما فيه من التدبر وأقوال السلف وأئمة الخلف في هذا مهشورة انتهى قال الشيخ العارف أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري الساحلي المالقي ومنفعة الذكر أبدا إنما هي تتبع معناه بالفكر ليقتبس الذاكر من ذكره أنوار المعرفة ويحصل على اللب المراد ولا خير في ذكر مع قلب غافل ساه ولا مع تضييع شيء من رسوم الشرع وقال في موضع آخر من هذا الكتاب الذي ألفه في السلوك ولا مطمع للذاكر في درك حقائق الذكر إلا بأعمال الفكر فيما تحت ألفاظ الذكر من المعاني وليدفع خطرات نفسه عن باطنه راجعا إلى مقتضى ذكره حتى

يغلب معنى الذكر على قلبه وقد آن له أن يدخل في دائرة أهل المحاضرات انتهى وقوله تعالى فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا الآية قال أبو وائل وغيره كانت عادتهم في الجاهلية الدعاء في مصالح الدنيا فقط إذ كانوا لا يعرفون الآخرة فنهو عن ذلك الدعاء المخصوص بأمر الدنيا وجاء النهي في صيغة الخبر عنه والخلاق الحظ والنصيب قال الحسن بن أبي الحسن حسنة الدنيا العلم والعبادة ع واللفظ أعم من هذا وحسنة الآخرة الجنة بإجماع وعن أنس قال كان أكثر دعاء النبي صلى الله عليه و سلم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار رواه البخاري ومسلم وغيرهما زاد مسلم وكان أنس إذا أراد أن يدعو بدعاء دعا بها فيه انتهى أولئك لهم نصيب مما كسبوا وعد على كسب الأعمال الصالحة والرب سبحانه سريع الحساب لأنه لا يحتاج إلى عقد ولا إعمال فكر قيل لعلي رضي الله عنه كيف يحاسب الله الخلائق في يوم فقال كما يرزقهم في يوم وقيل الحساب هنا المجازات وقيل معنى الآية سريع مجيء يوم الحساب يكون المقصد بالآية الإنذار بيوم القيامة وقوله تعالى واذكروا الله في أيام معدودات أمر الله سبحانه بذكره في الأيام المعدودات وهي الثلاثة التي بعد يوم النحر ومن جملة الذكر التكبير في أثر الصلوات قال مالك يكبر من صلاة الظهر يوم النحر إلى صلاة الصبح من آخر أيام التشريق وبه قال الشافعي ومشهور مذهب مالك أنه يكبر إثر كل صلاة ثلاثة تكبيرات ومن خواص التكبير وبركته ما رواه ابن السني بسنده عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا رأيتم الحريق فكبروا فإن التبكير يطفئه انتهى من حلية النووي وقوله تعالى فمن تعجل في يومين الآية قال ابن عباس وغيره

المعنى من نفر في اليوم الثاني من الأيام المعدودات فلا حرج عليه ومن تأخر إلى الثالث فلا إثم عليه أي كل ذلك مباح إذ كان من العرب من يذم المتعجل وبالعكس فنزلت الآية رافعة للجناح قلت وأهل مكة في التعجيل كغيرهم على الأصح ثم أمر سبحانه بالتقوى وذكر بالحشر والوقوف بين يديه وقوله تعالى ومن الناس من يعجبك قوله في الحيوة الدنيا الآية قال السدي نزلت في الأخنس بن شريق أظهر الإسلام ثم هرب فمر بقوم من المسلمين فأحرق لهم زرعا وقتل حمرا قال ع ما ثبت قط أن الأخنس أسلم قلت وفي ما قاله ع نظر ولا يلزم من عدم ثبوته عنده الا يثبت عند غيره وقد ذكر أحمد بن نصر الداودي في تفسيره إن هذه الآية نزلت في الأخنس ابن شريق انتهى وسيأتي للطبري نحوه وقال قتادة وجماعة نزلت هذه الآية في كل مبطن كفر أو نفاق أو كذب أو ضرار وهو يظهر بلسانه خلاف ذلك فهي عامة معنى ويشهد الله أي يقول الله يعلم أني أقول حقا والألد الشديد الخصومة الذي يلوي الحجيج في كل جانب فيشبه انحرافه المشي في لديدي الوادي وعنه صلى الله عليه و سلم أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم وتولى وسعى يحتمل معنيين أحدهما أن يكونا فعل قلب فيجيء تولى بمعنى ضل وغضب وأنف في نفسه فسعى بحيلة وأدارته الدوائر على الإسلام نحا هذا المنحى في معنى الآية ابن جريج وغيره والمعنى الثاني أن يكونا فعل شخص فيجيء تولى بمعنى أدبر ونهض وسعى أي بقدميه فقطع الطريق وأفسدها نحا هذا المنحى ابن عباس وغيره وقوله تعالى ويهلك الحرث والنسل قال الطبري المراد الأخنس في إحراقه الزرع وقتله الحمر قال ع والظاهر أن الآية عبارة عن مبالغته في الإفساد ولا يحب الفساد معناه لا يحبه من أهل الصلاح أو لا يحبه دينا وإلا فلا يقع إلا ما

يحب الله وقوعه والفساد واقع وهذا على ما ذهب إليه المتكلمون من أن الحب بمعنى الإرادة قال ع والحب له على الإرادة مزية إيثار إذ الحب من الله تعالى إنما هو لما حسن من جميع جهاته وقوله تعالى وإذا قيل له اتق الله الآية هذه صفة الكافر والمنافق الذاهب بنفسه زهوا ويحذر المؤمن أن يوقعه الحرج في نحو هذا وقد قال بعض العلماء كفى بالمرء إثما أن يقول له أخوه اتق الله فيقول له عليك نفسك مثلك يوصيني قلت قال أحمد بن نصر الداودي عن ابن مسعود من أكبر الذنب أن يقال للرجل اتق الله فيقول عليك نفسك أنت تأمرني انتهى والعزة هنا المنعة وشدة النفس أي اعتز في نفسه فأوقعته تلك العزة في الإثم ويحتمل المعنى أخذته العزة مع الإثم وحسبه أي كافيه والمهاد ما مهد الرجل لنفسه كأنه الفراش وقوله تعالى ومن الناس من يشرى نفسه الآية تتناول كل مجاهد في سبيل الله أو مستشهد في ذاته أو مغير منكر وقيل هذه الآية في شهداء غزوة الرجيع عاصم ابن ثابت وخبيب وأصحابهما وقال عكرمة وغيره هي في طائفة من المهاجرين وذكروا حديث صهيب ويشرى معناه يبيع ومنه وشروه بمثن بخس وحكى قوم أنه يقال شرى بمعنى اشترى ويحتاج إلى هذا من تأول الآية في صهيب لأنه اشترى نفسه بماله وقوله تعالى والله رؤوف بالعباد ترجية تقتضي الحض على امتثال ما وقع به المدح في الآية كما أن قوله سبحانه فحسبه جهنم تخويف يقتضي التحذير مما وقع به الذم في الآية ثم أمر تعالى المؤمنين بالدخول في السلم وهو الإسلام والمسالمة وقال ابن عباس نزلت في أهل الكتاب والألف واللام في الشيطان للجنس وعدو يقع للواحد والاثنين والجمع وقوله تعالى فإن زللتم من بعد ما جائتكم البينات الآية أصل الزلل في القدم ثم يستعمل في الاعتقادات والآراء وغير ذلك والمعنى ضللتم والبينات

محمد صلى الله عليه و سلم وآياته ومعجزاته اذا كان الخطاب اولا لجماعة المؤمنين وإذا كان الخطاب لأهل الكتاب فالبينات ما ورد في شرائعهم من الإعلام بمحمد صلى الله عليه و سلم والتعريف به وعزيز صفة مقتضية انه قادر عليكم لا تعجزونه ولا تمتنعون منه وحكيم أي محكم فيما يعاقبكم به لزللكم وقوله تعالى هل ينظرون أي ينتظرون والمراد هؤلاء الذين يزلون والظلل جمع ظلة وهي ما اظل من فوق والمعنى يأتيهم حكم الله وأمره ونهيه وعقابه إياهم وذهب ابن جريج وغيره إلى أن هذا التوعد هو مما يقع في الدنيا وقال قوم بل هو توعد بيوم القيامة وقال قوم إلا أن يأتيهم الله وعيد بيوم القيامة واما الملائكة فالوعيد بإتيانهم عند الموت والغمام ارق السحاب واصفاه واحسنه وهو الذي ظلل به بنو اسراءيل وقال النقاش هو ضباب ابيض وقضي الأمر معناه وقع الجزاء وعذب اهل العصيان وقرأ معاذ بن جبل وقضاء الأمر والى الله ترجع الأمور هي راجعة اليه سبحانه قبل وبعد وإنما نبه بذكر ذلك في يوم القيامة على زوال ما كان منها الى الملوك في الدنيا وقوله سبحانه سل بني اسراءيل الآية معنى الآية توبيخهم على عنادهم بعد الآيات البينات والمراد بالآية كم جاءهم في امر محمد صلى الله عليه و سلم من ءاية معرفة به دالة عليه ونعمة الله لفظ عام لجميع أنعامه ولكن يقوى من حال النبي صلى الله عليه و سلم معهم أن المشار اليه هنا هو محمد صلى الله عليه و سلم فالمعنى ومن يبدل من بني إسراءيل صفة نعمة الله ثم جاء اللفظ منسحبا على كل مبدل نعمة لله ويدخل في اللفظ كفار قريش والتوراة ايضا نعمة على بني اسراءيل فبدلوها بالتحريف لها وجحد امر محمد صلى الله عليه و سلم فإن الله شديد العقاب خبر يتضمن الوعيد وقوله تعالى زين للذين كفروا الحياة الدنيا الآية الاشارة الى كفار قريش لأنهم كانوا يعظمون

حالهم من الدنيا ويغتبطون بها ويسخرون من اتباع النبي صلى الله عليه و سلم كبلال وصهيب وابن مسعود وغيرهم فذكر الله قبيح فعلهم ونبه على خفض منزلتهم بقوله والذين اتقوا فوقهم يوم القيامة ومعنى الفوقية هنا في الدرجة والقدر ويحتمل ان يريد ان نعيم المتقين في الآخرة فوق نعيم هؤلاء الآن قلت وحكى الداودي عن قتادة فوقهم يوم القيامة قال فوقهم في الجنة انتهى ومهما ذكرت الداودى في هذا المختصر فانما اريد احمد بن نصر الفقيه المالكى ومن تفسيره انا انقل انتهى فان تشوفت نفسك ايها الأخ الى هذه الفوقية ونيل هذه الدرجة العلية فارفض دنياك الدنية وازهد فيها بالكلية لتسلم من كل آفة وبلية واقتد في ذلك بخير البرية قال عياض في شفاه فانظر رحمك الله سيرة نبينا محمد صلى الله عليه و سلم وخلقه في المال تجده قد اوتي خزائن الارض وجبيت اليه الاخماس وهادته جماعة من الملوك فما استأثر بشيء من ذلك ولا امسك درهما منه بل صرفه مصارفه واغنى به غيره وقوى به المسلمين ومات صلى الله عليه و سلم ودرعه مرهونه في نفقة عياله واقتصر من نفقته وملبسه على ما تدعوه ضرورته اليه وزهد فيما سواه فكان عليه السلام يلبس ما وجد فيلبس في الغالب الشملة والكساء الخشن والبرد الغليظ انتهى وقوله تعالى كان الناس امة واحدة الآية قال ابن عباس الناس القرون التي كانت بين آدم ونوح وهي عشرة كانوا على الحق حتى اختلفوا فبعث الله تعالى نوحا فمن بعده وقال ابن عباس ايضا كان الناس امة واحدة أي كفارا يريد في مدة نوح حين بعثه الله وقال ابي بن كعب وابن زيد المراد بالناس بنو ءادم حين اخرجهم الله نسما من ظهر ءادم أي كانوا على الفطرة وقيل غير هذا وكل من قدر الناس في الآية مؤمنين قدر في الكلام

فاختلفوا وكل من قدرهم كفارا قدر كانت بعثة النبيين اليهم والأمة الجماعة على المقصد ويسمى الواحد امة اذا كان منفردا بمقصد ومبشرين معناه بالثواب على الطاعة ومنذرين بالعقاب والكتاب اسم الجنس والمعنى جميع الكتب وليحكم مسند إلى الكتاب في قول الجمهور والذين اوتوه ارباب العلم به وخصوا بالذكر تنبيها منه سبحانه على عظيم الشنعة والقبح والبينات الدلالات والحجج والبغي التعدي بالباطل وهدى معناه ارشد والمراد بالذين ءامنوا من ءامن بمحمد صلى الله عليه و سلم فقالت طائفة معنى الآية ان الامم كذب بعضهم كتاب بعض فهدى الله امة محمد صلى الله عليه و سلم للتصديق بجميعها وقالت طائفة ان الله سبحانه هدى المؤمنين للحق فيما اختلف فيه اهل الكتاب من قولهم ان إبراهيم كان يهوديا او نصرانيا قال زيد بن اسلم وكاختلافهم في يوم الجمعة فإن النبي صلى الله عليه و سلم قال هذا اليوم الذي اختلفوا فيه فهدانا الله له فلليهود غد وللنصارى بعد غد وفي صيامهم وجميع ما اختلفوا فيه قال الفراء وفي الكلام قلب واختاره الطبري قال وتقديره فهدى الله الذين ءامنوا للحق مما اختلفوا فيه ودعاه الى هذا التقدير خوف ان يحتمل اللفظ انهم اختلفوا في الحق فهدى الله المؤمنين لبعض ما اختلفوا فيه وعساه غير الحق في نفسه نحا الى هذا الطبري في حكايته عن الفراء قال ع وادعاء القلب على كتاب الله دون ضرورة تدفع الى ذلك عجز وسوء نظر وذلك ان الكلام يتخرج على وجهه ورصفه لان قوله فهدى يقتضى انهم اصابوا الحق وتم المعنى في قوله فيه وتبين بقوله من الحق جنس ما وقع الخلاف فيه وباذبه قال الزجاج معناه بعلمه ع والاذن هو العلم والتمكين فان اقترن بذلك امر صار اقوى من الاذن بمزية وقوله تعالى أم حسبتم ان تدخلوا الجنة ولما يأتكم الآية اكثر المفسرين انها

نزلت في قصة الاحزاب حين حصروا المدينة وقالت فرقة نزلت تسلية للمهاجرين حين اصيبت اموالهم بعدهم وفيما نالهم من اذاية الكافرين لهم وخلوا معناه انقرضوا أي صاروا في خلاء من الأرض والبأساء في المال والضراء في البدن ومثل معناه شبه والزلزلة شدة التحريك تكون في الأشخاص والأحوال وقرأ نافع يقول بالرفع وقرأ الباقون بالنصب وحتى غاية مجردة تنصب الفعل بتقدير إلى أن وعلى قراءة نافع كأنها أقترن بها تسبيب فهي حرف ابتداء ترفع الفعل وأكثر المتأولين على أن الكلام إلى آخر الآية من قول الرسول والمؤمنين ويكون ذلك من قول الرسول على طلب استعجال النصر لا على شك ولا ارتياب والرسول اسم الجنس وقالت طائفة في الكلام تقديم وتأخير والتقدير حتى يقول الذين آمنوا متى نصر الله فيقول الرسول ألا أن نصر الله قريب فقدم الرسول في الرتبة لمكانته ثم قدم قول المؤمنين لأنه المتقدم في الزمان قال ع وهذا تحكم وحمل الكلام على وجهه غير متعذر ويحتمل أن يكون ألا إن نصر الله قريب إخبارا من الله تعالى مؤتنفا بعد تمام ذكر القول قوله تعالى يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير الآية السائلون هم المؤمنون والمعنى يسألونك ما هي الوجوه التي ينفقون فيها وما يصح أن تكون في موضع رفع على الابتداء وذا خبرها بمعنى الذي وينفقون صلة وفيه عائد على ذا تقديره ينفقونه ويصح أن تكون ماذا اسما واحدا مركبا في موضع نصب قال قوم هذه الآية في الزكاة المفروضة وعلى هذا نسخ منها الوالدان وقال السدي نزلت قبل فرض الزكاة ثم نسختها آية الزكاة المفروضة وقال ابن جريج وغيره هي ندب والزكاة غير هذا الإنفاق وعلى هذا لا نسخ فيها وما تفعلوا جزم بالشرط والجواب في الفاء وظاهر الآية الخبر وهي تتضمن الوعد بالمجازات وكتب معناه فرض واستمر الإجماع على

إن الجهاد على أمة محمد صلى الله عليه و سلم فرض كفاية وقوله تعالى وعسى أن تكرهوا شيئا الآية قال قوم عسى من الله واجبة والمعنى عسى أن تكرهوا ما في الجهاد من المشقة وهو خير لكم في أنكم تغلبون وتظهرون وتغنمون وتوجرون ومن مات مات شهيدا وعسى أن تحبوا الدعة وترك القتال وهو شر لكم في أنكم تغلبون وتذلون ويذهب أمركم قال ص قوله وعسى أن تحبوا شيئا عسى هنا للترجي ومجيئها له كثير في كلام العرب قالوا وكل عسى في القرآن للتحقيق يعنون به الوقوع إلا قوله تعالى عسى ربه إن طلقكن انتهى وفي قوله تعالى والله يعلم الآية قوة أمر وقوله تعالى يسألونك عن الشهر الحرام الآية نزلت في قصة عمرو بن الحضرمي وذلك أن رسول الله صلى الله عليه و سلم بعث سرية عليها عبد الله بن جحش الأسدي مقدمة من بدر الأولى فلقوا عمر بن الحضرمي ومعه عثمان بن عبد الله بن المغيرة وأخوه نوفل المخزوميان والحكم بن كيسان في آخر يوم من رجب على ما قله ابن إسحاق وقالوا إن تركناهم اليوم دخلوا الحرم فأزمعوا قتالهم فرمى واقد بن عبد الله عمرو بن الحضرمي بسهم فقتله وأسر عثمان بن عبد الله والحكم وفر نوفل فأعجزهم وأستسهل المسلمون هذا في الشهر الحرام خوف فوتهم فقالت قريش محمد قد استحل الأشهر الحرم وعيروا بذلك وتوقف النبي صلى الله عليه و سلم وقال ما أمرتكم بقتال في الأشهر الحرم فنزلت هذه الآية وقتال بدل اشتمال عند سيبويه وقال الفراء هو مخفوض بتقدير عن وقرىء به والشهر في الآية اسم الجنس وكانت العرب قد جعل الله لها الشهر الحرام قواما تعتدل عنده فكانت لا تسفك دما ولا تغير في الأشهر الحرم وهي ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب وروى جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه و سلم لم يكن يغزو فيها إلا أن

يغزى فذلك قوله تعالى قل قتال فيه كبير وصد مبتدأ مقطوع مما قبله والخبر أكبر ومعنى الآية على قوم الجمهور أنكم يا كفار قريش تستعظمون علينا القتال في الشهر الحرام وما تفعلون أنتم من الصد عن سبيل الله لمن أراد الإسلام وكفركم بالله وإخراجكم أهل المسجد عنه كما فعلتم برسول الله صلى الله عليه و سلم وأصحابه أكبر جرما عند الله قال الزهري ومجاهد وغيرهما قوله تعالى قل قتال فيه كبير منسوخ ص وسبيل الله دينه والمسجد قراءة الجمهور بالخفض قال المبرد وتبعه ابن عطية وغير هو معطوف على سبيل الله ورد بأنه حينئذ يكون متعلقا بصد أي وصد عن سبيل الله وعن المسجد الحرام فيلزم الفصل بين المصدر وهو صد وبين معموله وهو المسجد باجنبي وهو وكفر به ولا يجوز وقيل معطوف على ضمير به أي وكفر به وبالمسجد ورد بأن فيه عطفا على الضمير المجرور من غير إعادة الخافض ولا يجوز عند جمهور البصريين وأجازه الكوفيون ويونس وأبو الحسن والشلوبين والمختار جوازه لكثرته سماعا ومنه قراءة حمزة تساءلون به والأرحام أي وبالارحام وتأويلها على غيره بعيد يخرج الكلام عن فصاحته انتهى وقوله تعالى والفتنة أكبر من القتل المعنى عند جمهور المفسرين والفتنة التي كنتم تفتنون المسلمين عن دينهم حتى يهلكوا أشد اجتراما من قتلكم في الشهر الحرام وقيل المعنى والفتنة اشد من أن لو قتلوا ذلك المفتون وقوله تعالى ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا هو ابتداء خبر من الله تعالى وتحذير منه للمؤمنين وقوله تعالى ومن يرتدد أي يرجع عن الإسلام إلى الكفر عياذا بالله قالت طائفة من العلماء يستتاب المرتد ثلاثة أيام فإن تاب وإلا قتل وبه قال مالك وأحمد وأصحاب الرأي والشافعي في أحد قوليه وفي قول له يقتل دون استتابة وحبط العمل إذا انفسد في آخره فبطل وميراث

المرتد عند مالك والشافعي في بيت مال المسلمين وقوله تعالى إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله الآية قال عروة بن الزبير وغيره لما عنف المسلمون عبد الله بن جحش وأصحابه شق ذلك عليهم فتلافاهم الله عز و جل بهذه الآية ثم هي باقية في كل من فعل ما ذكره الله عز و جل وهاجر الرجل إذا انتقل نقلة إقامة من موضع إلى موضع وقصد ترك الأول إيثارا للثاني وهي مفاعلة من هجر وجاهد مفاعلة من جهد إذا استخرج الجهد ويرجون معناه يطمعون ويستقربون والرجاء تنعم والرجاء أبدا معه خوف ولا بد كما أن الخوف معه رجاء ت والرجاء ما قارنه عمل وإلا فهو أمنية قوله تعالى يسألونك عن الخمر والميسر الآية السائلون هم المؤمنون والخمر مأخوذ من خمر إذا ستر ومنه خمار المرأة والخمر ما واراك من شجر وغيره ومنه قول الشاعر ... ألا يا زيد والضحاك سيرا ... فقد جاوزتما خمر الطريق ...
ولما كانت الخمر تستر العقل وتغطى عليه سميت بذلك وأجمعت الأمة على تحريم خمر العنب ووجوب الحد في القليل والكثير منه وجمهور الأمة على أن ما أسكر كثيره من غير خمر العنب محرم قليله وكثيره والحد في ذلك واجب وروي أن هذه الآية أول تطرق إلى تحريم الخمر ثم بعده لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى ثم إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم الآية إلى قوله فهل أنتم منتهون ثم قوله تعالى إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم حرمت الخمر ولم يحفظ عن النبي صلى الله عليه و سلم في حد الخمر إلا أنه جلد أربعين خرجه مسلم وابو داوود وروي عنه صلى الله عليه و سلم أنه ضرب فيها ضربا مشاعا وحزره أبو بكر أربعين سوطا وعمل بذلك هو ثم عمر ثم تهافت الناس فيها فشدد عليهم الحد وجعله

كاخف الحدود ثمانين وبه قال مالك ويجتنب من المضروب الوجه والفرج والقلب والدماغ والخواصر بإجماع قال ابن سيرين والحسن وابن عباس وابن المسيب وغيرهم كل قمار ميسر من نرد وشطرنج ونحوه حتى لعب الصبيان بالجوز ت وعبارة الداودي وعن ابن عمر الميسر القمار كله قال ابن عباس كل ذلك قمار حتى لعب الصبيان بالجوز والكعاب انتهى وقوله تعالى قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس الآية قال ابن عباس والربيع الإثم فيهما بعد التحريم والمنفعة قبله وقال مجاهد المنفعة بالخمر كسب أثمانها وقيل اللذة بها إلى غير ذلك من افراحها ثم أعلم الله عز و جل أن الإثم أكبر من النفع وأعود بالضرر في الآخرة فهذا هو التقدمة للتحريم وقوله تعالى ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو قال جمهور العلماء هذه نفقات التطوع والعفو مأخوذ من عفا الشيء إذا كثر فالمعنى انفقوا ما فضل عن حوائجكم ولم توذوا فيه أنفسكم فتكونوا عالة على الناس وقوله تعالى كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون الإشارة إلى ما تقدم تبيينه من الخمر والميسر والإنفاق وأخبر تعالى أنه يبين للمؤمنين الآيات التي تقودهم إلى الفكرة في الدنيا والآخرة وذلك طريق النجاة لمن نفعته فكرته قال الداودي وعن ابن عباس لعلكم تتفكرون في الدنيا والآخرة يعني في زوال الدنيا وفنائها وإقبال الآخرة وبقائها انتهى قال الغزالي رحمه الله تعالى العاقل لا يغفل عن ذكر الآخرة في لحظة فإنها مصيره مستقره فيكون له في كل ما يراه من ماء أو نار أو غيرهما عبرة فإن نظر إلى سواد ذكر ظلمة اللحد وإن نظر إلى صورة مروعة تذكر منكرا ونكيرا والزبانية وإن سمع صوتا هائلا تذكر نفخة الصور وإن رأى شيئا حسنا تذكر نعيم الجنة وإن سمع كلمة رد أو قبول تذكر ما ينكشف له من آخر أمره بعد الحساب

من رد أو قبول وما أجدر أن يكون هذا هو الغالب على قلب العاقل لا يصرفه عنه إلا مهمات الدنيا فإذا نسب مدة مقامه في الدنيا إلى مدة مقامه في الآخرة استحقر الدنيا إن لم يكن أغفل قلبه وأعميت بصيرته انتهى من الأحياء وقوله تعالى ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير قال ابن عباس وسعيد بن المسيب سبب الآية أن المسلمين لما نزلت ولا تقربوا مال اليتيم الآية ونزلت إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما تجنبوا اليتامى وأموالهم وعزلوهم عن أنفسهم فنزلت وإن تخالطوهم فإخوانكم الآية وأمر الله سبحانه نبيه أن يجيب بأن من قصد الإصلاح في مال اليتيم فهو خير فرفع تعالى المشقة وأباح الخلطة في ذلك إذا قصد الإصلاح ورفق اليتيم وقوله سبحانه والله يعلم المفسد من المصلح تحذير وقوله تعالى ولو شاء الله لأعنتكم أي لأ تعبكم في تجنب أمر اليتامى والعنت المشقة ومنه عقبة عنوت ومنه عنت العزبة وعزيز مقتضاه لا يرد أمره وحكيم أي محكم ما ينفذه وقوله تعالى ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ونكح أصله في الجماع ويستعمل في العقد تجوزا قالت طائفة المشركات هنا من يشرك مع الله إلها آخر وقال قتادة وابن جبير الآية عامة في كل كافرة وخصصتها أية المائدة لم يتناول العموم قط الكتابيات وقال ابن عباس والحسن تناولهن العموم ثم نسخت آية المائدة بعض العموم في الكتابيات وهو مذهب مالك رحمه الله ذكره ابن جبيب وقوله تعالى ولأمة مؤمنة خير من مشركة الآية هذا إخبار من الله سبحانه أن المؤمنة المملوكة خير من المشركة وإن كانت ذات الحسب والمال ولو أعجبتكم في الحسن وغير ذلك هذا قول الطبري وغيره وقوله سبحانه ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا الآية أجمعت الأمة على أن المشرك لا يطأ المؤمنة بوجه لما في ذلك من الغصاصة على دين

الإسلام قال بعض العلماء أن الولاية في النكاح نص في هذه الآية قلت ويعني ببعض العلماء محمد بن علي بن حسين قاله ابن العربي انتهى ولعبد مؤمن مملوك خير من مشرك حسيب ولو أعجبكم حسنه وماله حسبما تقدم قال ع وتحتمل الآية عندي أن يكون ذكر العبد والأمة عبارة عن جميع الناس حرهم ومملوكهم إذ هم كلهم عبيده سبحانه وقوله تعالى أولئك يدعون إلى النار أي بصحبتهم ومعاشرتهم والانحطاط في كثير من أهوائهم والله عز و جل ممن بالهداية ويبين الآيات ويحض على الطاعات التي هي كلها دواع إلى الجنة والإذن العلم والتمكين فإن انضاف إلى ذلك أمر فهو أقوى من الإذن لأنك إذا قلت أذنت في كذا فليس يلزمك أنك أمرت ولعلهم ترج في حق البشر ومن تذكر عمل حسب التذكر فنجا قوله تعالى ويسألونك عن المحيض قل هو أذى قال الطبري عن السدي أن السائل ثابت بن الدحداح وقال قتادة وغيره إنما سألوه لأن العرب في المدينة وما والاها كانوا قد استنوا بسنة بني إسرائيل في تجنب مواكلة الحائض ومساكنتها فنزلت الآية وقوله تعالى فاعتزلوا النساء في المحيض يريد جماعهن بما فسر من ذلك رسول الله صلى الله عليه و سلم من أن تشد الحائض أزارها ثم شأنه بأعلاها قال أحمد بن نصر الداودي روي أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال اتقوا النساء في المحيض فإن الجذام يكون من أولاد المحيض انتهى قوله تعلى ولا تقربوهن حتى يطهرن وقرأ حمزة وغيره يطهرن بتشديد الطاء والهاء وفتحهما وكل واحدة من القراءتين يحتمل أن يراد بها الاغتسال بالماء وأن يراد بها انقطاع الدم وزوال اذاه قال ابن العربي في أحكامه سمعت أبا بكر الشاشي يقول إذا قيل لا تقرب بفتح الراء كان معناه لا تلتبس بالفعل وإذا كان بضم الراء كان معناه لا

تدن منه انتهى وجمهور العلماء على أن وطاها في الدم ذنب عظيم يتاب منه ولا كفارة فيه بمال وجمهورهم على أن الطهر الذي يحل جماع الحائض هو بالماء كطهر الجنب ولا يجزيء من ذلك تيمم ولا غيره وقوله تعالى فإن تطهرن الآية الخلاف فيها كما تقدم وقال مجاهد وجماعة تطهرن أي اغتسلن بالماء بقرينة الأمر بالإتيان لأن صيغة الأمر من الله تعالى لا تقع إلا على الوجه الأكمل وفاتوهن أمر بعد الحظر يقتضي الإباحة والمعنى من حيث أمركم الله بإعتزالهن وهو الفرج أو من السرة إلىالركبة على الخلاف في ذلك وقال ابن عباس المعنى من قبل الطهر لا من قبل الحيض وقيل المعنى من قبل حال الإباحة لا صائمات ولا محرمات ولا غير ذلك والتوابون الرجاعون وعرفه من الشر إلى الخير والمتطهرون قال عطاء وغيره المعنى بالماء وقال مجاهد غيره المعنى من الذنوب وقوله تعالى نساؤكم حرث لكم الآية مبيحة لهيآت الإتيان كلها إذا كان الوطء في موضع الحرث ولفظه الحرث تعطى أن الإباحة لم تقع إلا في الفرج خاصة إذ هو المزدرع قال ابن العربي في أحكامه وفي سبب نزول هذه الآية روايات الأولى عن جابر قال كانت اليهود تقول من أتى امرأة في قبلها من دبرها جاء الولد أحول فنزلت الآية وهذا حديث صحيح خرجه الأئمة الثانية قالت أم سلمة عن النبي صلى الله عليه و سلم في قوله تعالى نساؤكم حرث لكم قال يأتيها مقبلة ومدبرة إذا كان في صمام واحد خرجه مسلم وغيره الثالثة ما روى الترمذي أن عمر جاء إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقال له هلكت قال وما أهلكك قال حولت البارحة رحلي فلم يرد عليه النبي صلى الله عليه و سلم شيئا حتى نزلت نساؤكم حرث لكم أقبل وأدبر وأتق الدبر انتهى قال ع وأنى شئتم معناه عند جمهور العلماء من أي وجه شئتم مقبلة ومدبرة

على جنب قال ع وقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه و سلم في مصنف النسائي وفي غيره أنه قال إتيان النساء في أدبارهن حرام وورد عنه فيه انه قال ملعون من أتى امرأة في دبرها وورد عنه أنه قال من أتى امرأة في دبرها فقد كفر بما أنزل على قلب محمد وهذا هو الحق المتبع ولا ينبغي لمؤمن بالله أن يعرج بهذه النازلة على زلة عالم بعد أن تصح عنه والله المرشد لا رب غيره وقوله جلت قدرته وقدموا لأنفسكم قال السدي معناه قدموا الأجر في تجنب ما نهيتم عنه وامتثال ما أمرتم به وأتقوا الله تحذير وأعلموا انكم ملاقوه خبر يقتضي المبالغة في التحذير أي فهو مجازيكم على البر والإثم وبشر المؤمنين تأنيس لفاعلي البر ومتبعى سنن الهدى قوله تعالى ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم الآية مقصد الآية ولا تعرضوا اسم الله تعالى فتكثروا الإيمان به فإن الحنث يقع مع الإكثار وفيه قلة رعي لحق الله تعالى وقال الزجاج وغيره معنى الآية أن يكون الإنسان إذا طلب منه فعل خير ونحوه اعتل بالله وقال علي يمين وهو لم يحلف وقوله عرضة قال ابن العربي في أحكامه أعلم أن بناء عرض في كلام العرب يتصرف على معان مرجعها إلى المنع لأن كل شيء عرض فقد منع ويقال لما عرض في السماء من السحاب عارض لأنه يمنع من رؤيتها ومن رؤية البدرين والكواكب انتهى وإن تبروا مفعول من أجله والبر جميع وجوه البر وهو ضد الإثم وسميع أي لأقوال العباد عليم بنياتهم وهو مجاز على الجميع واليمين الحلف وأصله أن العرب كانت إذا تحالفت أو تعاهدت أخذ الرجل يمين صاحبه بيمينه ثم كثر ذلك حتى سمي الحلف والعهد نفسه يمينا وقوله تعالى لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم سقط الكلام الذي لا حكم له قال ابن عباس وعائشة والشعبي وأبو صالح ومجاهد لغو اليمين قول الرجل في درج

كلامه واستعجاله في المحاورة لا والله وبلى والله دون قصد لليمين وقد أسنده البخاري عن عائشة وقال أبو هريرة والحسن ومالك وجماعة لغو اليمين ما حلف به الرجل على يقينه فكشف الغيب خلاف ذلك ع وهذا اليقين هو غلبة الظن وقال زيد بن أسلم لغو اليمين هو دعاء الرجل على نفسه وقال الضحاك هي اليمين المكفرة وحكى ابن عبد البر قولا أن اللغو إيمان المكره قال ع وطريقة النظر أن تتأمل لفظة اللغو ولفظة الكسب ويحكم موقعهما في اللغة فكسب المرء ما قصده ونواه واللغو ما لم يتعمده أو ما حقه لهجنته إن يسقط فيقوي على هذه الطريقة بعض الأقوال المتقدمة ويضعف بعضها وقد رفع الله عز و جل المؤاخذة بالإطلاق في اللغو فحقيقته ما لا إثم فيه ولا كفارة والمؤاخذة في الإيمان هي بعقوبة الآخرة في الغموس المصبورة وفيما ترك تكفيره مما فيه كفارة وبعقوبة الدنيا في إلزام الكفارة فيضعف القول بأنها اليمين المكفرة لان المواخذةقد وقعت فيها وتخصيص المواخذة بأنها في الآخرة فقط تحكم ت والقول الأول ارجح وعليه عول اللخمي وغيره وقوله تعالى ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم قال ابن عباس وغيره ما كسب القلب هي اليمين الكاذبة الغموس فهذه فيها المواخذة في الآخرة أي ولا تكفر ع وسميت الغموس لأنها غمست صاحبها في الإثم وغفور حليم صفتان لائقتان بما ذكر من طرح المؤاخذة إذ هو باب رفق وتوسعة وقوله تعالى للذين يولون من نسائهم الآية يولون معناه يحلفون والايلاء اليمين واختلف من المراد بلزوم حكم الإيلاء فقال مالك هو الرجل يغاضب امرأته فيحلف بيمين يلحق عن الحنث فيها حكم أن لا يطأها ضررا منه أكثر من أربعة أشهر لا يقصد بذلك إصلاح ولد رضيع ونحوه وقال به عطاء وغيره وقوله

تعالى من نسائهم يدخل الحرائر والاماء إذا تزوجن والتربص التأني والتأخر وأربعة أشهر عند مالك وغيره للحر وشهران للعبد وقال الشافعي هو كالحر وفاءوا معناه رجعوا ومنه حتى تفيء إلى أمر الله قال الجمهور وإذا فاء كفر والفيء عند مالك لا يكون إلا بالوطء أو بالتكفير في حال العذر قوله تعالى والمطلقات يتربص بأنفسهن ثلاثة قروء حكم هذه الآية قصد الإستبراء لا أنه عبارة ولذلك خرجت منه من لم يبن بها بخلاف عدة الوفاة التي هي عبادة والقرء في اللغة الوقت المعتاد تردده فالحيض يسمى على هذا قرءا وكذلك يسمى الطهر قرءا واختلف في المراد بالقروء هنا فقال عمر وجماعة كثيرة المراد بالقروء في الآية الحيض وقالت عائشة وجماعة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم المراد الأطهار وهو قول مالك واختلف المأولون في قوله ما خلق الله في أرحامهن فقال ابن عمر ومجاهد وغيرهما هو الحيض والحبل جميعا ومعنى النهي عن الكتمان النهي عن الإضرار بالزوج في إلزامه النفقة وإذهاب حقه في الارتجاع فأمرن بالصدق نفيا وإثباتا وقال قتادة كانت عادتهن في الجاهلية أن يكتمن الحمل ليلحقن الولد بالزوج الجديد ففي ذلك نزلت الآية وقال ابن عباس أن المراد الحبل والعموم راجح وفي قوله تعالى ولا يحل لهن ما يقتضي أنهن مؤتمنات على ما ذكر ولو كان الاستقصاء مباحا لم يكن كتم وقوله سبحانه إن كن يؤمن بالله الآية أي حق الإيمان وهذا كما تقول أن كنت حرا فأنتصر وأنت تخاطب حرا والبعل الزوج ونص الله تعالى بهذه الآية على أن للزوج أن يرتجع امرأته المطلقة ما دامت في العدة والإشارة بذلك إلى المدة بشرط أن يريد الإصلاح دون المضارة كما تشدد على النساء في كتم ما في أرحامهن وقوله تعالى ولهن مثل الذي عليهن الآية تعم جميع حقوق الزوجية وقوله تعالى وللرجال عليهن

درجة قال مجاهد هو تبنيه على فضل حظه على حظها في الميراث وما أشبهه وقال زيد بن أسلم ذلك في الطاعة عليها أن تطيعه وليس عليه أن يطيعها وقال ابن عباس تلك الدرجة إشارة إلى حض الرجل على حسن العشرة والتوسع للنساء في المال والخلق أي أن الأفضل ينبغي أن يتحامل على نفسه وهذا قول حسن بارع وقوله تعالى الطلاق مرتان الآية قال عروة بن الزبير وغيره نزلت هذه الآية بيانا لعدد الطلاق الذي للمرء فيه أن يرتجع دون تجديد مهر وولي وقال ابن عباس وغيره المراد بالآية التعريف بسنة الطلاق وإن من طلق اثنتين فليتق الله في الثالثة فأما تركها غير مظلومة شيئا من حقها وأما أمسكها محسنا عشرتها ع والآية تتضمن هذين المعنيين ص الطلاق مبتدأ على حذف مضاف أي عدد الطلاق ومرتان خبره انتهى والإمساك بالمعروف هو الارتجاع بعد الثانية إلى حسن العشرة والتسريح يحتمل لفظه معنيين أحدهما تركها تتم العدة من الثانية وتكون أملك بنفسها وهذا قول السدي والضحاك والمعنى الآخر أن يطلقها ثالثة فيسرحها بذلك وهذا قول مجاهد وعطاء وغيرهما وإمساك مرتفع بالابتداء والخبر أمثل أو أحسن وقوله تعالى ولا يحل لكم أن تأخذوا مما ءاتيتموهن شيأ الآية خطاب للازواج نهاهم به أن يأخذوا من أزواجهم شيأ على وجه المضارة وهذا هو الخلع الذي لا يصح إلا بأن لا ينفرد الرجل بالضرر وخص بالذكر ما ءاتى الأزواج نساءهم لأنه عرف الناس عند الشقاق والفساد أن يطلبوا ما خرج من أيديهم وحرم الله تعالى على الزوج في هذه الآية أن يأخذ إلا بعد الخوف إلا يقيما حدود الله وأكد التحريم بالوعيد وحدود الله في هذا الموضع هي ما يلزم الزوجين من حسن العشرة وحقوق العصمة وقوله تعالى فإن خفتم إلا يقيما

حدود الله المخاطبة للحكام والمتوسطين لهذا الأمر وإن لم يكونوا حكاما وترك إقامة حدود الله هو إستخفاف المرأة بحق زوجها وسوء طاعتها إياه قال ابن عباس ومالك وجمهور العلماء وقال الشعبي إلا يقيما حدود الله معناه إلا يطيعا الله وذلك أن المغاصبة تدعو إلى ترك الطاعة وقوله تعالى فلا جناح عليهما فيما افتدت به إباحة للفدية وشركها في ارتفاع الجناح لأنها لا يجوز لها ان تعطيه مالها حيث لا يجوز له أخذه وهي تقدر على المخاصمة قال ابن عباس وابن عمر ومالك وأبو حنيفة وغيرهم مباح للزوج أن يأخذ من المرأة في الفدية جميع ما تملكه وقضى بذلك عمر بن الخطاب وقال طاوس والزهري والحسن وغيرهم لا يجوز له أن يزيد على المهر الذي أعطاها وقال ابن المسيب لا أرى أن يأخذ منها كل ما لها ولكن ليدع لها شيئا وقوله تعالى تلك حدود الله الآية أي هذه الأوامر والنواهي فلا تتجاوزوها ثم توعد تعالى على تجاوز الحد بقوله ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون وهو كما قال صلى الله عليه و سلم الظلم ظلمات يوم القيامة وقوله تعالى فإن طلقها فلا تحل له من بعد الآية قال ابن عباس وغيره هو ابتداء الطلقة الثالثة قال ع فيجيء التسريح المتقدم ترك المرأة تتم عدتها من الثانية وأجمعت الأمة في هذه النازلة على اتباع الحديث الصحيح في امرأة رفاعة حين تزوجت عبد الرحمن بن الزبير فقال لها النبي صاى الله عليه وسلم لعلك اردت الرجوع الى رفاعة لا حتى يذوق عسيلتك وتذوقي عسيلته فرأى العلماء أنه لا يحلها إلا الوطء وكلهم على أن مغيب الحشفة يحل إلا الحسن بن أبي الحسن قال لا يحلها إلا الإنزال وهو ذوق العسيلة والذي يحلها عند مالك النكاح الصحيح والوطء المباح وقوله تعالى فإن طلقها فلا جناح عليهما ان يتراجعا إن ظنا أن يقيما حدود الله الآية

المعنى فإن طلقها المتزوج الثاني فلا جناح عليهما أي المرأة والزوج الأول قاله ابن عباس ولا خلاف فيه والظن هنا على بابه من تغليب أحد الجائزين وخص الذين يعلمون بالذكر تشريفا وقوله تعالى وإذا طلقتم النساء الآية خطاب للرجال نهي الرجل أن يطول العدة مضارة لها بأن يرتجع قرب انقضائها ثم يطلق بعد ذلك قاله الضحاك وغيره ولا خلاف فيه ومعنى بلغن أجلهن قاربن لأنه بعد بلوغ الأجل لا خيار له في الإمساك ومعنى أمسكوهن راجعوهن وبمعروف قيل هو الإشهاد ولا تمسكوهن أي لا تراجعوهن ضرارا وباقي الآية بين وقوله تعالى ولا تتخذوا ءايات الله هزؤا الآية المراد بآياته النازلة في الأوامر والنواهي وقال الحسن نزلت هذه الآية فيمن طلق لاعبا أو هازئا أو راجع كذلك وقالت عائشة قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ثلاث جدهن جد وهزلهن جد النكاح والطلاق والرجعة ثم ذكر الله عباده بإنعامه سبحانه عليهم بالقرآن والسنة والحكمة وهي السنة المبينة مراد الله سبحانه وقوله تعالى وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن الآية خطاب للمؤمنين الذين منهم الأزواج ومنهم الأولياء لأنهم المراد في تعضلوهن وبلوغ الأجل في هذا الموضع تناهيه لأن المعنى يقتضي ذلك وقد قال بعض الناس في هذا المعنى أن المراد بتعضلوهن الأزواج وذلك بأن يكون الارتجاع مضارة عضلا عن نكاح الغير فقوله أزواجهن على هذا يعني به الرجال إذ منهم الأزواج وعلى أن المراد بتعضلوهن الأولياء فالأزواج هم الذين كن في عصمتهم والعضل المنع وهو من معنى التضييق والتعسير كما يقال اعضلت الدجاجة إذا عسر بيضها والداء العضال العسير البرء وقيل نزلت هذه الآية في معقل بن يسار وأخته لما طلقها زوجها وتمت عدتها أراد أرتجاعها فمنعه ولي المرأة وقيل نزلت في جابر بن عبد الله وأخته وهذه الآية تقتضي ثبوت حق

الولي في إنكاح وليته وقوله بالمعروف معناه المهر والإشهاد وقوله تعالى ذلك يوعظ به من كان منكم خطاب للنبي صلى الله عليه و سلم ثم رجوع إلى خطاب الجماعة والإشارة في ذلكم أزكى إلى ترك العضل وأزكى وأطهر معناه أطيب للنفس وأطهر للعرض والدين بسبب العلاقات التي تكون بين الأزواج وربما لم يعلمها الولي فيؤدي العضل إلى الفساد والمخالطة على ما لاينبغي والله تعالى يعلم من ذلك ما لا يعلم البشر قوله تعالى والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة يرضعن أولادهن خبر معناه الأمر على الوجوب لبعض الوالدات وعلى الندب لبعضهن فيجب على الأم الإرضاع أن كانت تحت أبيه أو رجعية ولا مانع من علو قدر بغير أجر وكذلك أن كان الأب عديما أو لم يقبل الولد غيرها وهذه الآيات في المطلقات جعلها الله حدا عند اختلاف الزوجين في مدة الرضاع فمن دعا منهما إلى إكمال الحولين فذلك له وقوله تعالى لمن أراد أن يتم الرضاعة مبني على أن الحولين ليسا بفرض لا يتجاوز وانتزع مالك رحمه الله وجماعة من العلماء من هذه الآية أن الرضاعة المحرمة الجارية مجرى النسب إنما هي ما كان في الحولين لأن بإنقضاء الحولين تمت الرضاعة فلا رضاعة ت فلو كان رضاعة بعد الحولين بمدة قريبة وهو مستمر الرضاع أو بعد يومين من فصالة اعتبر إذ ما قارب الشيء فله حكمه انتهى وقوله تعالى وعلى المولود له رزقهن الآية المولود له اسم جنس وصنف من الرجال والرزق في هذا لحكم الطعام الكافي وقوله بالمعروف يجمع حسن القدر في الطعام وجودة الأداء له وحسن الاقتضاء من المرأة ثم بين سبحانه أن الأنفاق على قدر غنى الزوج بقوله لا تكلف نفس إلا وسعها وقرأ أبو عمرو وابن كثير وابان عن عاصم لا تضار والدة بضم الراء وهو خبر


===============

ج2. كتاب : الجواهر الحسان في تفسير القرآن عبد الرحمن بن محمد بن مخلوف الثعالبي


معناه الأمر ويحتمل أن يكون الأصل لا تضارر بكسر الراء الأولى فوالدة فاعلة ويحتمل بفتح الراء الأولى فوالدة مفعول لم يسم فاعله ويعطف مولود له على هذا الحد في الاحتمالين وقرأ نافع وحمزة والكسائي وعاصم لا تضار بفتح الراء وهذا على النهي ويحتمل أصله ما ذكرنا في الأولى ومعنى الآية في كل قراءة النهي عن الإضرار ووجوه الضرر لا تنحصر وكل ما ذكر منها في التفاسير فهو مثال ت وفي الحديث لا ضرر ولا ضرار رواه مالك في الموطأ مرسلا قال النووي في الحلية ورويناه في سنن الدارقطني وغيره من طرق متصلا وهو حسن انتهى وقوله تعالى وعلى الوارث مثل ذلك قال مالك وجميع أصحابه والشعبي والزهري وجماعة من العلماء المراد بقوله مثل ذلك ان لا يضار وأما الرزق والكسوة فلا شيء عليه منه قال ع فالإجماع من الأمة في أن لا يضار الوارث وإنما الخلاف هل عليه رزق وكسوة أم لا وقوله تعالى فإن أرادا فصالا الآية أي فإن أراد الوالدان وفصالا معناه فطاما عن الرضاع وتحرير القول في هذا أن فصله قبل الحولين لا يصح إلا بتراضيهما وإن لا يكون على المولود ضرر وأما بعد تمامهما فمن دعا إلى الفصل فذلك له إلا أن يكون في ذلك على الصبي ضرر وقوله تعالى وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم مخاطبة لجميع الناس يجمع الآباء والأمهات أي لهم اتخاذ الظئر مع الاتفاق على ذلك وأما قوله إذا سلمتم فمخاطبة للرجال خاصة إلا على أحد التأويلين في قراءة من قرا أوتيتم وقرأ الستة من السبعة ءاتيتم بالمد بمعنى أعطيتم وقرأ ابن كثير أتيتم بمعنى فعلتم كما قال زهير ... وما كان من خير أتوه فإنما ... توارثه ءاباء ءابائهم قبل ...
فأحد التأويلين في هذه القراءة كالأول والتأويل الثاني لقتادة وهو إذا سلمتم ما

ءاتيتم من إرادة الاسترضاع أي سلم كل واحد من الأبوين ورضي وكان ذلك على اتفاق منهما وقصد خير وإرادة ومعروف وعلى هذا الاحتمال يدخل النساء في الخطاب ت وفي هذا التاويل تكلف وقال سفيان المعنى إذا سلمتم إلى المسترضعة وهي الظئراجرها بالمعروف وباقي الآية امر بالتقوى وتوقيف على ان الله تعالى بصير بكل عمل وفي هذا وعيد وتحذير أي فهو مجاز بحسب عملكم وقوله تعالى والذين يتوفون منكم ويذرون ازواجا يتربصن بانفسهن هذه الآية في عدة المتوفي عنها زوجها وظاهرها العموم ومعناها الخصوص في الحرائر غير الحوامل ولم تعن الآية لما يشذ من مرتابة ونحوها وعدة الحامل وضع حملها عند الجمهور وروي عن على وابن عباس اقصى الاجلين ويتربصن خبر يتضمن معنى الامر والتربص الصبر والتأنى والاحاديث عن النبي صلى الله عليه و سلم متظاهرة ان التربص باحداد وهو الامتناع عن الزينة ولبس المصبوغ الجميل والطيب ونحوه والتزام المبيت في مسكنها حيث كانت وقت وفاة الزوج وهذا قول جمهور العلماء وهو قول مالك واصحابه وجعل الله تعالى اربعة اشهر وعشرا عبادة في العدة فيها استبراء للحمل اذ فيها تكمل الأربعون والأربعون والاربعون حسب الحديث الذي رواه ابن مسعود وغيره ثم ينفخ الروح وجعل تعالى العشر تكملة اذا هي مظنة لظهور الحركة بالجنين وذلك لنقص الشهور او كمالها او لسرعة حركة الجنين او ابطائها قاله ابن المسيب وغيره وقال تعالى وعشرا تغليبا لحكم الليالي وقرأ ابن عباس وعشر ليال قال جمهور العلماء ويدخل في ذلك اليوم العاشر وقوله تعالى فاذا بلغن اجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن في انفسهن بالمعروف والله بما تعملون خبير فيما فعلن يريد به التزوج فما دونه من زينة واطراح الاحداد قاله مجاهد وغيره إذا كان معروفا غير منكر قال

ع ووجوه المنكر كثيرة وقوله سبحانه والله بما تعملون خبير وعيد يتضمن التحذير وخبير اسم فاعل من خبر اذا تقصى علم الشيء وقوله تعالى ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء الآية تصريح خطبة المعتدة حرام والتعريض جائز وهو الكلام الذي لا تصريح فيه او اكننتم معناه سترتم واخفيتم وقوله تعالى ستذكرونهن قال الحسن معناه ستخطبونهن وقال غيره معناه علم الله أنكم ستذكرون النساء المعتدات في نفوسكم وبالسنتكم فنهى عن ان يوصل الى التواعد معهن عن ع والسر في اللغة يقع على الوطء حلاله وحرامه والآية تعطي النهي عن ان يواعد الرجل المعتدة ان يطأها بعد العدة بوجه التزويج وقال ابن جبير سرا أي نكاحا وهذه عبارة مخلصة واجمعت الامة على كراهة المواعدة في العدة وقوله تعالى الا ان تقولوا قولا معروفا استثناء منقطع والقول المعروف هو ما ابيح من التعريض كقول الرجل انكم لأكفاء كرام وما قدر كان ونحو هذا وقوله تعالى ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب اجله عزم العقده عقدها بالاشهاد والولي وحينئذ تسمى عقدة ت والظاهر ان العزم غير العقد وقوله تعالى حتى يبلغ الكتاب اجله يريد تمام العدة والكتاب هنا هو الحد الذي جعل والقدر الذي رسم من المدة وقوله واعلموا أن الله يعلم ما في انفسكم فاحذروه الآية تحذير من الوقوع فيما نهى عنه وتوقيف على غفره وحلمه وقوله تعالى لا جناح عليكم ان طلقتم النساء ما لم تمسوهن او تفرضوا لهن فريضة هذا ابتداء اخبار برفع الجناح عن المطلق قبل البناء والجماع فرض مهرا او لم يفرض ولما نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم عن التزوج لمعنى الذوق وقضاء الشهوة وامر بالتزوج طلبا للعصمة والتماس ثواب الله وقصد دوام الصحبة وقع في نفوس المؤمنين ان من طلق قبل البناء قد واقع جزأ من هذا المكروه فنزلت الآية رافعة للجناح في ذلك

إذا كان اصل النكاح على المقصد الحسن وقال قوم لا جناح عليكم معناه لا طلب لجميع المهر بل عليكم نصف المفروض لمن فرض لها والمتعة لمن لم يفرض لها وفرض المهر اثباته وتحديده وهذه الآية تعطى جواز العقد على التفويض لأنه نكاح مقرر في الآية مبين حكم الطلاق فيه قاله مالك في المدونة والفريضة الصداق وقوله تعالى ومتعوهن أي اعطوهن شيأ يكون متاعا لهن وحمله ابن عمر وغيره على الوجوب وحمله مالك وغيره على الندب واختلف الناس في مقدار المتعة قال الحسن يمتع كل على قدره هذا بخادم وهذا باثواب وهذا بثوب وهذا بنفقة وكذلك يقول مالك وقوله تعالى على الموسع قدره وعلى المقتر قدره دليل على رفض التحديد والموسع أي من اتسع حاله والمقتر المقل القليل المال ومتاعا نصب على المصدر وقوله تعالى بالمعروف أي لا حمل فيه ولا تكلف على احد الجانبين فهو تأكيد لمعنى قوله على الموسع قدره وعلى المقتر قدره ثم أكد تعالى الندب بقوله حقا على المحسنين أي في هذه النازلة من التمتيع هم محسنون ومن قال بان المتعة واجبة قال هذا تأكيد للوجوب أي على المحسنين بالايمان والاسلام وحقا صفة لقوله تعالى متاعا ت وظاهر الآية عموم هذا الحكم في جميع المطلقات كما هو مذهب الشافعي واحمد واصحاب الرأي والظاهر حمل المتعة على الوجوب لوجوه منها صيغة الأمر ومنها قوله حقا ومنها من جهة المعنى ما يترتب على امتاعها من جبر القلوب وربما ادى ترك ذلك الى العداوة والبغضاء بين المؤمنين وقد مال بعض ائمتنا المتأخرين الى الوجوب انتهى وقوله تعالى وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن الآية اختلف في هذه الآية فقالت فرقة فيها مالك انها مخرجة للمطلقة بعد الفرض من حكم التمتيع إذ يتناولها قوله تعالى ومتعوهن

وقال قتادة نسخت هذه الآية الآية التي قبلها وقال ابن القاسم في المدونة كان المتاع لكل مطلقة بعوله تعالى وللمطلقات متاع بالمعروف ولغير المدخول بها بالآية التي في سورة الاحزاب فاستثنى الله سبحانه المفروض لها قبل الدخول بهذه الآيةواثبت لها نصف ما فرض فقط وزعم زيد بن اسلم انها منسوخة حكى ذلك في المدونة عن زيد بن اسلم زعما وقال ابن القاسم انها استثناء والتحرير يرد ذلك الى النسخ الذي قال زيد لان ابن القاسم قال ان قوله تعالى وللمطلقات متاع عم الجميع ثم استثنى الله منه هذه التي فرض لها قبل المسيس وقال فريق من العلماء منهم ابو ثور المتعة لكل مطلقة عموما وهذه الآية انما بينت ان المفروض لها تاخذ نصف ما فرض أي مع متعتها وقرأ الجمهور فنصف بالرفع والمعنى فالواجب نصف ما فرضتم وقوله تعالى إلا أن يعفون استثناء منقطع ويعفون معناه يتركن ويصفحن أي يتركن النصف الذي وجب لهن عند الزوج وذلك اذا كانت المرأة تملك امر نفسها واختلف في المراد بقوله تعالى او يعفو الذي بيده عقدة النكاح فقال ابن عباس ومجاهد ومالك وغيرهم هو الولي الذي المرأة في حجره وقالت فرقة الذي بيده عقدة النكاح هو الزوج فعلى القول الاول الندب في النصف الذي يجب للمرأة اما ان تعفو هي واما ان يعفووليها وعلى القول الثاني اما ان تعفو هي ايضا فلا تاخذ شيأ وأما أن يعفو الزوج عن النصف الذي يحط فيؤدي جميع المهر ثم خاطب تعالى الجميع نادبا بقوله وان تعفوا اقرب للتقوى أي يا جميع الناس وقرأ علي بن ابي طالب وغيره ولا تناسوا الفضل وهي قراءة متمكنة المعنى لانه موضع تناس لا نسيان الا على التشبيه وقوله تعالى ولا تنسوا الفضل ندب إلى المجاملة وقوله إن الله بما تعملون بصير خبر وضمنه الوعد للمحسن والحرمان لغير المحسن قوله

تعالى حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى الآية الخطاب لجميع الأمة والآية أمر بالمحافظة على اقامة الصلوات في اوقاتها بجميع شروطها وخرج الطحاوي عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه و سلم قال أمر بعبد من عباد الله أن يضرب في قبره مائة جلدة فلم يزل يسأل الله تعالى ويدعوه حتى صارت واحدة فامتلأ قبره عليه نارا فلما ارتفع عنه افاق فقال على م جلدتني قال انك صليت صلاة بغير طهور ومررت على مظلوم فلم تنصره انتهى من التذكرة للقرطبي وفي الحديث أن الصلاة ثلاثة اثلاث الطهور ثلث والركوع ثلث والسجود ثلث فمن اداها بحقها قبلت منه وقبل منه سائر عمله ومن ردت عليه صلاته رد عليه سائر عمله رواه النساءى انتهى من الكوكب الدري وروى مالك في الموطأ عن يحي بن سعيد انه قال بلغنى انه اول ما ينظر فيه من عمل العبد الصلاة فان قبلت منه نظر فيما بقي من عمله وان لم تقبل منه لم ينظر في شيء من عمله قال ابو عمر بن عبد البر في التمهيد وقد روي هذا الحديث مسندا عن النبي صلى الله عليه و سلم من وجوه صحاح ثم اسند ابو عمر عن انس بن حكيم الضبي قال قال لي ابو هريرة اذا اتيت اهل مصرك فاخبرهم اني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول اول ما يحاسب به العبد المسلم صلاة المكتوبة فان اتمها وإلا قيل انظروا هل له من تطوع فان كان له تطوع أكملت الفريضة من تطوعه ثم يفعل بسائر الأعمال المفروضة مثل ذلك وفي رواية تميم الدارى عن النبي صلى الله عليه و سلم بهذا المعنى قال ثم الزكاة مثل ذلك ثم تؤخذ الأعمال على حسب ذلك انتهى وذكر الله سبحانه الصلاة الوسطى ثانية وقد دخلت قبل في عموم قوله الصلوات لأنه

اراد تشريفها واختلف الناس في تعيينها فقال علي وابن عباس وجماعة من الصحابة انها صلاة الصبح وهو قول مالك وقالت فرقة هي الظهر وورد فيه حديث وقالت فرقة هي صلاة العصر وفي مصحف عائشة واملاء حفصة صلاة العصر وعلى هذا القول جمهور العلماء وبه اقول وقال قبيصة بن دويب هي صلاة المغرب وحكى ابو عمر بن عبد البر عن فرقة انها صلاة العشاء الآخرة وقالت فرقة الصلاة الوسطى لم يعينها الله سبحانه فهي في جملة الخمس غير معينة كليلة القدر وقالت فرقة هي صلاة الجمعة وقال بعض العلماء هي الخمس وقوله اولا على الصلوات يعم النفل والفرض ثم خص الفرض بالذكر وقوله تعالى وقوموا لله قانتين معناه في صلاتكم واختلف في معنى قانتين فقال الشعبي وغيره معناه مطيعين قال الضحاك كل قنوت في القرءان فانما يعنى به الطاعة وقاله ابو سعيد عن النبي صلى الله عليه و سلم وقال ابن مسعود وغيره القنوت السكوت وذلك انهم كانوا يتكلمون في الصلاة حتى نزلت هذه الآية فامروا بالسكوت وقال مجاهد معنى قانتين خاشعين فالقنوت طول الركوع والخشوع وغض البصر وخفض الجناح قال ع واحضار الخشية والفكر في الوقوف بين يدي الله سبحانه وقال الربيع القنوت طول القيام وطول الركوع وقال قوم القنوت الدعاء وقانتين معناه داعين روي معناه عن ابن عباس وقوله تعالى فان خفتم فرجالا او ركبانا الآية امر الله تعالى بالقيام له في الصلاة بحالة قنوات وهو الوقار والسكينة وهدو الجوارح وهذا على الحالة الغالبة من الأمن والطمانينة ثم ذكر تعالى حالة الخوف الطارئة احيانا فرخص لعبيده في الصلاة رجالا متصرفين على الاقدام وركبانا على الخيل والابل ونحوهما ايماء واشارة بالراس حيث ما توجه هذا قول جميع العلماء وهذه هي صلاة الفذ الذى قد ضايقه الخوف على نفسه في

حال المسايفة او من سبع يطلبه او عدو يتبعه او سيل يحمله وبالجملة فكل امر يخاف منه على روحه فهو مبيح ما تضمنته هذه الآية واما صلاة الخوف بالامام وانقسام الناس فليس حكمها في هذه الآية وسياتي ان شاء الله في سورة النساء والركبان جمع راكب وهذه الرخصة في ضمنها باجماع من العلماء ان يكون الانسان حيث ما توجه ويتقلب ويتصرف بحسب نظره في نجاة نفسه ت وروى ابو داوود في سننه عن عبد الله بن أنيس قال بعثنى رسول الله صلى الله عليه و سلم الى خالد بن سفيان وكان نحو عرنة وعرفات قال اذهب فاقتله فرأيته وقد حضرت صلاة العصر فقلت اني لا خاف ان يكون بينى وبينه ما يؤخر الصلاة فانطلقت امشي وانا اصلى اومى ايماء نحوه فلما دنوت منه قال لي من انت قلت رجل من العرب بلغنى انك تجمع لهذا الرجل فجئتك في ذلك قال اني لفى ذلك فمشيت معه ساعة حتى اذا امكننى علوته بسيفى حتى برد انتهى وقد ترجم عليه باب في صلاة الطالب قال ع واختلف الناس كم يصلى من الركعات والذي عليه مالك وجماعة انه لا ينقص من عدد الركعات شيأ فيصلي المسافر ركعتين واختلف المتأولون في قوله سبحانه فإذا امنتم فاذكروا الله الآية فقالت فرقة المعنى إذا زال خوفكم فاذكروا الله سبحانه بالشكر على هذه النعمة وقالت فرقة اذكروا الله أي صلوا كما علمتم صلاة تامة يعنى فيما يستقبل من الصلوات قوله تعالى والذين يتوفون منكم ويذرون ازواجا وصية لا زواجهم متاعا الى الحول غير اخراج فان خرجن فلا جناح عليكم فيما فعلن في انفسهن من معروف والله عزيز حكيم الذين رفع بالابتداء وخبره مضمر تقديره فعليهم وصية لا زواجهم وفي قراءة ابن مسعود كتب عليكم وصية قالت فرقة كانت هذه وصية من الله تعالى تجب بعد وفاة الزوج قال قتادة

كانت المرأة إذا توفي عنها زوجها لها السكنى والنفقة حولا في مال الزوج ما لم تخرج برأيها ثم نسخ ما في هذه الآية من النفقة بالربع او بالثمن الذي في سورة النساء ونسخ سكنى الحول بالأربعة الاشهر والعشر وقاله ابن عباس وغيره ومتاعا نصب على المصدر وقوله تعالى غير اخراج معناه ليس لأولياء الميت ووارثي المنزل اخراجها وقوله تعالى فان خرجن الآية معناه ان الخروج اذا كان من قبل الزوجة فلا جناح على احد ولي او حاكم او غيره فيما فعلن في انفسهن من تزويج وتزين وترك احداد اذا كان ذلك من المعروف الذي لا ينكر وقوله تعالى والله عزيز حكيم صفة تقتضي الوعيد بالنقمة لمن خالف الحد في هذه النازلة وهذا كله قد زال حكمه بالنسخ المتفق عليه وقوله تعالى وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين كذلك يبين الله لكم ءاياته لعلكم تعقلون قال عطاء بن ابي رباح وغيره هذه الآية في الثيبات اللواتي قد جومعن اذ قد تقدم في غير هذه الآية ذكر المتعة للواتي لم يدخل بهن وقال ابن زيد هذه الآية نزلت مؤكدة لأمر المتعة لأنه نزل قبل حقا على المحسنين فقال رجل فان لم أرد أن احسن لم أمتع فنزلت حقا على المتقين قال الطبري فوجب ذلك عليهم قوله تعالى ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم الوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا الآية هذه رؤية القلب بمعنى ألم تعلم قصة هؤلاء فيما قال الضحاك انهم قوم من بني اسراءيل أمروا بالجهاد فخافوا الموت بالقتل في الجهاد فخرجوا من ديارهم فرارا من ذلك فاماتهم الله ليعرفهم انه لا ينجيهم من الموت شيء ثم أحياهم وأمرهم بالجهاد بقوله وقاتلوا في سبيل الله الآية وروى ابن جريج عن ابن عباس انهم كانوا من بني اسراءيل وانهم كانوا أربعين الفا وثمانية ءالاف وانهم اميتوا ثم احيوا وبقيت الرائحة على ذلك السبط من بني اسراءيل إلى اليوم

فامرهم الله بالجهاد ثانية فذلك قوله وقاتلوا في سبيل الله قال ع وهذا القصص كله لين الاسناد وانما اللازم من الآية ان الله تعالى اخبر نبيه محمدا صلى الله عليه و سلم اخبارا في عبارة التنبيه والتوقيف عن قوم من البشر خرجوا من ديارهم فرارا من الموت فاماتهم الله ثم احياهم ليعلموا هم وكل من خلف بعدهم إن الإماتة إنما هي بإذن الله لا بيد غيره فلا معنى لخوف خائف وجعل الله تعالى هذه الآية مقدمة بين يدي امره المؤمنين من أمة محمد صلى الله عليه و سلم بالجهاد هذا قول الطبري وهو ظاهر رصف الآية والجمهور على أن الوف جمع الف وهو جمع كثرة وقال ابن زيد في لفظة الوف إنما معناها وهم مؤتلفون وقوله تعالى أن الله لذو فضل على الناس ولكن اكثر الناس لا يشكرون الآية تنبيه على فضله سبحانه على هؤلاء القوم الذين تفضل عليهم بالنعم وأمرهم بالجهاد وإن لا يجعلوا الحول والقوة إلا له سبحانه حسبما أمر جميع العالم بذلك فلم يشكروا نعمته في جميع هذا بل استبدوا وظنوا أن حولهم وسعيهم ينجيهم وهذه الآية تحذير لسائر الناس من مثل هذا الفعل أي فيجب أن يشكر الناس فضله سبحانه في ايجاده لهم ورزقه اياهم وهدايته بالأوامر والنواهي فيكون منهم المبادرة إلى امتثالها لا طلب الخرص عنها وفي تخصيصه تعالى الأكثر دلالة على أن الأقل الشاكر وقوله تعالى وقاتلوا في سبيل الله الآية الجمهور أن هذه الآية مخاطبة لامة محمد صلى الله عليه و سلم بالقتال في سبيل الله وهو الذي ينوي به أن تكون كلمة الله هي العليا حسب الحديث وقال ابن عباس والضحاك الأمر بالقتال هو للذين احيوا من بني اسراءيل قال الطبري ولاى وجه لهذا القول ثم قال تعالى من ذا الذي يقرض الله الآية فدخل في ذلك المقاتل في سبيل الله فانه يقرض رجاء ثواب الله كما فعل عثمان في جيش العسرة ويروى أن هذه الآية لما

نزلت قال أبو الدحداح يا رسول الله أو أن الله يريد منا القرض قال نعم يا أبا الدحداح قال فإني قد اقرضته حائطي لحائط فيه ستمائة نخلة ثم جاء الحائط وفيه أم الدحداح فقال أخرجي فاني قد أقرضت ربي حائطي هذا قال فكان رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول كم من عذق مذلل لابي الدحداد في الجنة وأستدعاء القرض في هذه الآية وغيرها انما هو تأنيس وتقريب للافهام والله هو الغني الحميد قال ابن العربي في أحكامه وكنى الله عز و جل عن الفقير بنفسه العلية ترغيبا في الصدقة كما كنى عن المريض والجائع والعاطش بنفسه المقدسة فقال النبي صلى الله عليه و سلم أن الله عز و جل يقول يوم القيامة يا أبن ءادم مرضت فلم تعدني قال يا رب كيف أعودك وأنت رب العالمين قال أما علمت أن عبدي فلانا مرض فلم تعده أما علمت أنك لوعدته لو جدتني عنده يا أبن ءادم استطعمتك فلم تطعمني يقال يا رب كيف اطعمك وأنت رب العالمين قال أما علمت أنه أستطعمك عبدي فلان فلم تطعمه أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي يابن آدم استسقيتك فلم تسقني قال يارب كيف اسقيك وانت رب العالمين قال استسقاك عبدي فلان فلم تسقه أما أنك لو سقيته وجدت ذلك عندي انتهى واللفظ لصحيح مسلم قال أبن العربي وهذا كله خرج مخرج التشريف لمن كني عنه وترغيبا لمن خوطب أنتهى وقوله حسنا معناه تطيب فيه النية ويشبه أيضا أن تكون أشارة الى كثرته وجودته وهذه الاضعاف الكثيرة إلى السبع مائة التي رويت ويعطيها مثال السنبلة ت والحق الذي لاشك فيه وجوب الإيمان بما ذكر المولى سبحانه ولا سبيل إلى التحديد إلا أن يثبت في ذلك حديث صحيح فيصار اليه وقد بين ذلك صلى الله عليه و سلم فيما خرجه مسلم والبخاري انظره عند قوله تعالى كمثل حبة قال ع

روي أن النبي صلى الله عليه و سلم طلب منه أن يسعر بسبب غلاء خيف على المدينة فقال أن الله هو الباسط القابض وأني لارجو أن القي الله ولا يتبعني أحد بمظلمة في نفس ولا مال قال صاحب سلاح المؤمن عند شرحه لاسمه تعالى القابض الباسط قال بعض العلماء يجب أن يقرن بين هذين الاسمين ولا يفصل بينهما ليكون أنبأ عن القدرة وادل على الحكمة كقوله تعالى والله يقبض ويبصط وإذا قلت القابض مفردا فكانك قصرت بالصفة على المنع والحرمان وإذا جمعت اثبتت الصفتين وكذلك القول في الخافض والرافع والمعز والمذل انتهى وما ذكره عن بعض العلماء هو كلام الإمام الفخر في شرحه لأسماء الله الحسنى ولفظه القابض والباسط الأحسن في هذين الاسمين أن يقرن أحدهما في الذكر بالآخر ليكون ذلك ادل على القدرة والحكمة ولهذا السبب قال الله تعالى والله يقبض ويبصط وأذا ذكرت القابض منردا عن الباسط كنت قد وصفته بالمنع والحرمان وذلك غير جائز وقوله المعز المذل وقد عرفت أنه يجب في أمثال هذين ذكر كل واحد منها مع الآخر أنتهى قوله تعالى ألم تر إلى الملإ من بني اسراءيل من بعد موسى الآية هذه الآية خبر عن قوم من بني اسراءيل نالتهم ذلة وغلبة عدو فطلبوا الاذن في الجهاد وأن يومروا به فلما أمروا كع أكثرهم وصبر الاقل فنصرهم الله وفي هذا كله مثال للمؤمنين ليحذروا المكروه منه ويقتدوا بالحسن والملأ في هذه الاية جميع القوم لان المعنى يقتضيه وهو أصل اللفظة ويسمى الأشراف الملأ تشبيها ومن بعد موسى معناه من بعد موته وأنقضاء مدته وقوله تعالى لنبيء لهم قال ابن اسحاق وغيره هو شمويل بن بابل وقال السدي هو شمعون وكانت بنو اسراءيل تغلب من حاربها وروي انها كانت تضع التابوت الذي فيه السكينة والبقية في مأزق الحرب فلا تزال تغلب حتى عصت وظهرت

فيهم الأحداث وخالف ملوكهم الأنبياء واتبعوا الشهوات وقد كان الله تعالى أقام أمورهم بان يكون أنبياؤهم يسددون ملوكهم فلما فعلوا ما ذكرناه سلط الله عليهم أمما من الكفرة فغلبوهم وأخذ لهم التابوت في بعض الحروب فذل أمرهم وقال السدي كان الغالب لهم جالوت وهو من العمالقة فلما رأوا أنه الاصطلام وذهاب الذكر أنف بعضهم وتكلموا في أمرهم حتى أجتمع ملأهم على أن قالوا لنبيء الوقت ابعث لنا ملكا الآية وإنما طلبوا ملكا يقوم بأمر القتال وكانت المملكة في سبط من أسباط بني اسراءيل يقال لهم بنو يهوذا فعلم النبي بالوحي أنه ليس في بيت المملكة من يقوم بأمر الحرب ويسر الله لذلك طالوت وقرأ جمهور الناس نقاتل بالنون وجزم اللام على جواب الامر واراد النبي المذكور عليه السلام أن يتوثق منهم فوقفهم على جهة التقرير وسبر ما عندهم بقوله هل عسيتم ومعنى هذه المقالة هل أنتم قريب من التولى والفرار أن كتب عليكم القتال ص لنبيء متعلق بقالوا واللام معناها التبليغ انتهى ثم أخبر تعالى أنه لما فرض عليهم القتال تولوا أي اضطربت نياتهم وفترت عزائمهم إلا قليلا منهم وهذا شان الأمم المتنعمة المائلة الى الدعة تتمنى الحرب أوقات السعة فإذا حضرت الحرب كعت وعن هذا المعنى نهى النبي صلى الله عليه و سلم بقوله لا تتمنوا لقاء العدو واسألوا الله العافية فإذا لقيتموهم فاثبتوا ثم توعد سبحانه الظالمين في لفظ الخبر بقوله والله عليم بالظالمين وقوله تعالى وقال لهم نبيهم إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا الآية قال وهب بن منبه وكان طالوت رجلا دباغا وقال السدى سقاء وكان من سبط بنيامين وكان سبطا لا نبوءة فيه ولا ملك ثم أن بني اسراءيل تعنتوا وحادوا عن أمر الله وجروا على سننهم فقالوا أني يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه ولم يوت سعة من

المال أي لم يوت مالا واسعا يجمع به نفوس الرجال ويغلب به أهل الأنفة قال ع وترك القوم السبب الأقوى وهو قدر الله وقضاؤه السابق وأنه مالك الملك فاحتج عليهم نبيهم بالحجة القاطعة وبين لهم مع ذلك تعليل اصطفاء طالوت ببسطته في العلم وهو ملاك الإنسان والجسم الذي هو معينه في الحرب وعدته عند اللقاء واصطفى مأخوذ من الصفوة والجمهور على أن العلم في هذه الآية يراد به العموم في المعارف وقيل المراد علم الحرب وأما جسمه فقال وهب بن منبه أن أطول رجل في بني اسراءيل كان يبلغ منكب طالوت ت قال أبو عبيد الهروي قوله وزاده بسطة في العلم والجسم أي أنبساطا وتوسعا في العلم وطولا وتماما في الجسم أنتهى من شرحه لغريبي القرءان وأحاديث النبي عليه السلام ولما علم نبيهم عليه السلام تعنتهم وجدالهم تمم كلامه بالقطع الذي لا اعتراض عليه وهو قوله والله يوتي ملكه من يشاء وظاهر اللفظ أنه من قول نبيهم عليه السلام وذهب بعض المتأولين الى أنه من قول الله تعالى لمحمد صلى الله عليه و سلم والأول أظهر وواسع معناه وسعت قدرته وعلمه كل شيء وأما قول النبي لهم أن ءاية ملكه فإن الطبري ذهب الى أن بني اسراءيل تعنتوا وقالوا لنبيهم وما ءاية ملك طالوت وذلك على جهة سؤال الدلالة على صدقه في قوله أن الله تعثه قال ع ويحتمل أن نبيهم قال لهم ذلك على جهة التغليظ والتنبيه على هذه النعمة التي قرنها بملك طالوت دون تكذيب منهم لنبيهم وهذا عندي أظهر من لفظ الآية وتاويل الطبري أشبه باخلاق بني اسراءيل الذميمة فانهم أهل تكذيب وتعنت واعوجاج وقد حكى الطبري معناه عن ابن عباس وغيره واختلف في كيفية إتيان التابوت فقال وهب لما صار التابوت عند القوم الذين غلبوا بني اسراءيل وضعوه في كنيسة لهم فيها أصنام فكانت الأصنام تصبح

منكسة فجعلوه في قرية قوم فأصاب أولئك القوم أوجاع فقالوا ما هذا الا لهذا التابوت فلنزده إلى بني اسراءيل فاخذوا عجلة فجعلوا التابوت عليها وربطوها ببقرتين فأرسلوهما في الأرض نحو بلاد بني اسراءيل فبعث الله ملائكة تسوق البقرتين حتى دخلتا به على بني اسراءيل وهم في أمر طالوت فايقنوا بالنصر وقال قتادة والربيع كان هذا التابوت مما تركه موسى عند يوشع فجعله يوشع في البرية ومرت عليه الدهور حتى جاء وقت طالوت فحملته الملائكة في الهواء حتى وضعته بينهم فاستوثقت بنو اسراءيل عند ذلك على طالوت وقيل غير هذا والله اعلم وقوله تعالى فيه سكينة من ربكم الآية قال ابن عباس السكينة طست من ذهب من الجنة وقال مجاهد السكينة لها راس كراس الهرة وجناحان وذنب وقال عطاء السكينة ما يعرفون من الآيات فيسكنون إليها وقال قتادة سكينة من ربكم أي وقار لكم من ربكم قال ع والصحيح أن التابوت كانت فيه اشياء فاضلة من بقايا الأنبياء وءاثارهم تسكن إلى ذلك النفوس وتأنس به ثم قرر تعالى أن مجىء التابوت ءاية لهم أن كانوا ممن يومن ويبصر ت وهذا يؤيد تاويل الطبري المتقدم وقوله تعالى فلما فصل طالوت بالجنود أي لما اتفق ملأهم على تمليك طالوت وفصل بهم أي خرج بهم من القطر وفصل حال السفر من حال الأقامة قال السدي وغيره وكانوا ثمانين الفا قال أن الله مبتليكم بنهر أي مختبركم فمن ظهرت طاعته في ترك الماء علم انه يطيع فيما عدا ذلك ومن غلبته شهوته في الماء وعصى الأمر فهو بالعصيان في الشدائد احرى ورخص للمطيعين في الغرفة ليرتفع عنهم اذى العطش بعض الأرتفاع وليكسروا نزاع النفس في هذه الحال ت ولقد احسن من شبه الدنيا بنهر طالوت فمن اغترف منها غرفة بيد الزهد واقبل على ما يعنيه من أمر ءاخرته نجا ومن اكب عليها صدته عن التأهب

لآخرته وقلت سلامته إلا أن يتداركه الله قال ابن عباس وهذا النهر بين الأردن وفلسطين وقال أيضا هو نهر فلسطين قال ع وظاهر قول طالوت إن الله مبتليكم أنه بإخبار من النبي لطالوت ويحتمل أن يكون هذا مما الهم الله إليه طالوت فجرب به جنده وهذا النزعة واجب أن تقع من كل متولي حرب فليس يحارب إلا بالجند المطيع وبين أن الغرفة كافة ضرر العطش عند الحزمة الصابرين على شظف العيش الذين هم في غير الرفاهية وقوله فليس منى أي ليس من أصحابي في هذه الحرب ولم يخرجهم بذلك عن الإيمان ومثل هذا قول النبي صلى الله عليه و سلم من غشنا فليس منا ومن رمانا بالنبل فليس منا وليس منا من شق الجيوب ولطم الخدود وفي قوله ومن لم يطعمه سد الذرائع لأن أدنى الذوق يدخل في لفظ الطعم فإذا وقع النهي عن الطعم فلا سبيل إلى وقوع الشرب ممن يتجنب الطعم ولهذه المبالغة لم يأت الكلام ومن لم يشرب منه ص إلا من أغترف غرفة بيده استثناء من الجملة الأولى وهو قوله فمن شرب منه فليس مني أي إلا من اغترف غرفة بيده دون الكرع فهو مني والاستثناء إذا تعقب جملتين فأكثر أمكن عوده إلى كل منها فقيل يعد علىالأخير وقيل إلى الجميع وقال أبو البقاء إن شئت جعلته من من الأولى وإن شئت من من الثانية وتعقب بأنه لو كان استثناء من الثانية وهي ومن لم يطعمه فإنه مني للزم أن يكون من اغترف غرفة ليس منه لأن الإستثناء من الإثبات نفي من النفي إثبات على الصحيح وليس كذلك لأنه أبيح لهم الاغتراف والظاهر عوده إلى الأولى والجملة الثانية مفهومة من الأولى لأنه حين ذكر أن من شربه فليس منه فهم من ذلك أن من لم يشرب منه فإنه منه انتهى ثم أخبر تعالى أن الأكثر شرب خالف ما أريد منه روي عن ابن عباس وغيره أن القوم شربوا على

قدر يقينهم فشرب الكفار شرب اليهم وشرب العاصون دون ذلك وأنصرف من القوم ستة وسبعون ألفا وبقي بعض المؤمنين لم يشرب شيئا وأخذ بعضهم الغرفة فاما من شرب فلم يرو بل برح به العطش وأما من ترك الماء فحسنت حاله وكان أجلد ممن أخذ الغرفة وقوله تعالى فلما جاوزه هو والذين آمنوا معه الآية أكثر المفسرين على أنه إنما جاوز النهر من لم يشرب إلا غرفة ومن لم يشرب جملة ثم كانت بصائر هؤلاء مختلفة فبعض كع وقليل صمم وهم عدة أهل بدر ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا وقوله تعالى قالوا لا طاقة قال ابن عباس قال كثير من الأربعة الآلاف الباقية مع طالوت الذين جاوزوا النهر لا طاقة لنا على جهة الفشل والفزع من الموت وأنصرفوا عن طالوت فقال المؤمنون الموقنون بالبعث والرجوع إلى الله تعالى وهم عدة أهل بدر كم من فئة والظن على هذا القول اليقين والفئة الجماعة التي يرجع إليها في الشدائد وفي قولهم رضي الله عنهم كم من فئة الآية تحضريض بالمثال وحض واستشعار للصبر واقتداء بمن صدق ربه والله مع الصابرين بنصره وتأييده وقوله تعالى ولما برزوا لجالوت وجنوده قالوا ربنا أفرغ علينا صبرا الآية برزوا معناه صاروا في البراز وهو الافيح من الأرض المتسع والإفراغ أعظم الصب وكان جالوت أمير العمالقة وملكهم وروي في قصة داود وقتله جالوت أن أصحاب طالوت كان فيهم أخوة داود وهم بنوو أيش وكان داود صغيرا يرعى غنما لابيه فلما حضرت الحرب قال في نفسه لأذهبن لرؤية هذه الحرب فلما نهض مر في طريقه بحجر فناداه يا داود خذني فبي تقتل جالوت ثم ناداه حجر آخر ثم أخر ثم أخر فأخذها وجعلها في مخلاته وسار فلما حضر البأس خرج جالوت يطلب مبارزا فكع الناس عنه حتى قال طالوت من برز له ويقتله فأنا أزوجه ابنتي وأحكمه في مالي فجاء داود فقال أنا أبرز له واقتله فقال له طالوت فأركب

فرسي وخذ سلاحي ففعل وخرج في أحسن شكة فلما مشى قليلا رجع فقال الناس جبن الفتى فقال داود إن الله سحبانه إن لم يقتله لي ويعينني عليه لم ينفعني هذا الفرس ولا هذا السلاح ولكني أحب أن أقاتله على عادتي قال وكان داود من أرمى الناس بالمقلاع فنزل وأخذ مخلاته فتقلدها وأخذ مقلاعه فخرج إلى جالوت وهو شاك في السلاح فقال له جالوت أنت يا فتى تخرج إلى قال نعم قال هكذا كما يخرج إلى الكلب قال نعم وأنت أهون قال لأطعمن اليوم لحمك الطير والسباع ثم تدانيا فأدار داود مقلاعه وأدخل يلده إلى الحجارة فروي أنها التأمت فصارت واحدا فأخذه ووضعه في المقلاع وسمى الله وأداره ورماه فأصاب به راس جالوت فقتله وحز رأسه وجعله في مخلاته وأختلط الناس وحمل أصحاب طالوت وكانت الهزيمة ثم أن داود جاء يطلب شرطه من طالوت فقال له إن بنات الملوك لهن غرائب من المهر لا بد لك من قتل مائتين من هؤلاء الجراجمة الذين يؤذون الناس وتجيئني بغلفهم وطمع طالوت أن يعرض داود للقتل بهذه النزعة فقتل داود منهم مائتين وجاء بذلك وطلب امرأته فدفعها إليه طالوت وعظم أمر داود فيروى أن طالوت تخلى له عن الملك وصار هو الملك وقد أكثر الناس في قصص هذه الآية وذلك كله لين الآسانيد فلذلك انتقيت منه ما تنفك به الآية ويعلم به مناقل النازلة وأما الحكمة التي آتاه الله فهي النبوءة والزبور وعلمه سبحانه صنعة الدروع ومنطق الطير وغير ذلك من أنواع علمه صلى الله على نبينا وعليه وقوله تعالى ولولا دفاع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض الآية أخبر الله سبحانه في هذه الآية أنه لولا دفعه بالمؤمنين في صدور الكفرة على مر الدهر لفسدت الأرض لأن الكفر كان يطبقها ولكنه سبحانه لا يخلي الزمان من قائم بحق وداع إلى الله إلى أن جعل ذلك

في أمة محمد إلى قيام الساعة له الحمد كثيرا ص ولكن استدراك بإثبات الفضل لله سبحانه على جميع العالمين لما يتوهمه من يريد الفساد أن الله غير متفضل عليه إذ لم يبلغه مقاصده واحتيج إلى هذا التقدير لأن لكن تكون بين متنافيين بوجه ما انتهى والإشارة بتلك إلى ما سلف من القصص والأنباء وفي هذه القصة بجملتها مثال عظيم للمؤمنين ومعتبر وقد كان أصحاب نبينا محمد صلى الله عليه و سلم معدين لحرب الكفار فلهم في هذه النازلة معتبر يقتضي تقوية النفوس والثقة بالله سبحانه وغير ذلك من وجوه العبر قوله سبحانه تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض الآية تلك رفع بالابتداء والرسل خبره ويجوز أن يكون الرسل عطف بيان وفضلنا الخبر وتلك إشارة إلى جماعة ونص الله سبحانه في هذه الآية على تفضيل بعض النبيين على بعض من غير تعيين وقوله تعالى ورفع بعضهم درجات قال مجاهد وغيره هي إشارة إلى نبينا محمد صلى الله عليه و سلم لأنه بعث إلى الناس كافة وأعطي الخمس التي لم يعطها أحد قبله وهو أعظم الناس أمة وختم الله به النبوءات إلى غير ذلك مما أعطاه من الخلق العظيم ومن معجزاته وباهر آياته ويحتمل اللفظ أن يراد به نبينا محمد صلى الله عليه و سلم وغيره ممن عظمت ءاياته وبينات عيسى عليه السلام أحياء الموتى وإبراء الأكمة والأبرص وخلق الطير من الطين وروح القدس جبريل عليه السلام وقد تقدم ما قال العلماء فيه وقوله تعالى ولو شاء الله ما اقتتل الذين من بعدهم الآية معنى الآية ولو شاء الله ما اقتتل الناس بعد كل نبي فمنهم من آمن ومنهم من كفر بغيا وحسدا وعلى حطام الدنيا وذلك كله بقضاء وقدر وإرادة من الله سبحانه ولو شاء الله خلاف ذلك لكان ولكنه المستأثر بسر الحكمة في ذلك وهو الفعال لما يريد سبحانه ص ولو شاء الله

ما اقتتل قيل في الكلام حذف أي فاختلف أممهم فاقتتلوا ولو شاء الله فمفعول شاء محذوف أي أن لا يقتتلوا انتهى وقوله ما اقتتلوا أي بأن قاتل المؤمنون الكافرين على مر الدهر وذلك هو دفاع الله الناس بعضهم ببعض قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم الآية قال ابن جريج هذه الآية تجمع الزكاة والتطوع أي وجميع وجوه البر من سبيل وصله رحم وهذا كلام صحيح لكن ما تقدم من الآيات في ذكر القتال رجح أن هذه النفقة في سبيل الله ويقوي ذلك قوله والكافرون هم الظالمون أي فكافحوهم بالقتال بالأنفس وإنفاق الأموال مما رزقناكم وهذا غاية الأنعام والتفضل منه سبحانه أن رزق ثم ندب للنفقة مما به ه أنعم وحذر سبحانه من الإمساك إلى أن يأتي يوم لا يمكن فيه بيع ولا شراء ولا استدراك نفقة في ذات الله تعالى إذ هي مبايعة إذ البيع فدية لأن المرء قد يشتري نفسه ومراده بماله فكان معنى الآية أن لا فدية يوم القيامة ولا خلة نافعة وأهل التقوى في ذلك اليوم بينهم خلة ولكنه غير محتاج إليها ت وفي قوله غير محتاج إليها قلق ولا شفاعة يومئذ إلا لمن أذن له سبحانه فالمنفي مثل حال الدنيا من البيع والخلة والشفاعة بغير إذن المشفوع عنده قال عطاء بن دينار الحمد لله الذي قال والكافرون هم الظالمون ولم يقل والظالمون هم الكافرون وقوله تعالى الله لا إله إلا هو الحي القيوم الآية هذه الآية سيدة آي القرآن وورد في الحديث أنها تعدل ثلث القرآن وورد أن من قرأها أول ليلة لم يقربه شيطان وكذلك من قرأها أول نهاره وهي متضمنة التوحيد والصفات العلى وعن أنس بن مالك قال قال النبي صلى الله عليه و سلم لفاطمة ما منعك أن تسمعي ما أوصيتك به تقولين إذا أصبحت وإذا أمسيت يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث أصلح لي شأني كله ولا تلكني إلى نفسي طرفة عين رواه

النسائي واللفظ له والحاكم في المستدرك على الصحيحين وقال صحيح على شرط الشيخين يعني البخاري ومسلما انتهى من السلاح وعن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه و سلم كان إذا نزل به هم أو غم قال يا حي يا قيوم برحمتك استغيث رواه الحاكم في المستدرك وقال صحيح الإسناد ورواه الترمذي من حديث انس والنسائي من حديث ربيعة بن عامر انتهى من السلاح والله مبتدأ لا إله مبتدأ ثان وخبره محذوف تقديره معبود أو موجود وقيوم بناء مبالغة أي هو القائم على كل نفس بما كسبت بهذا المعنى فسره مجاهد والربيع والضحاك ثم نفى عز و جل أن تأخذه سنة أو نوم وفي لفظ الأخذ غلبة ما فذلك حسنت في هذا الموضع بالنفي والسنة بدء النعاس وليس يفقد معه كل الذهن والنوم هو المستثقل الذي يزول معه الذهن والمراد بالآية التنزيه أنه سبحانه لا تدركه افة ولا يلحقه خلل بحال من الأحوال فجعلت هذه مثالا لذلك وأقيم هذا المذكور من الآفات مقام الجميع وهذا هو مفهوم الخطاب كما قال تعالى ولا تقل لهما أف ت وبيانه أنه إذا حرم التأفيف فأحرى ما فوقه من الشتم والضرب في حق الأبوين وروى أبو هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يحكي عن موسى على المنبر قال وقع في نفس موسى هل ينام الله جل ثناؤه فأرسل الله إليه ملكا فارقه ثلاثا ثم أعطاه قارورتين في كل يد قارورة وأمره بأن يحتفظ بهما قال فجعل ينام وتكاد يداه تلتقيان ثم يستيقظ فيحبس إحداهما عن الأخرى حتى نام نومة فأصطفقت يداه فانكسرت القارورتان قال ضرب الله له مثلا أن لو كان ينام لم تستمسك السماء والأرض وقوله تعالى له ما في السموات وما في الأرض أي بالملك

فهو مالك الجميع وربه ثم قرر وقف تعالى من يتعاطى أن يشفع إلا بإذنه أي بأمره ص من ذا الذي يشفع عنده من مبتدأ وهو استفهام معناه النفي ولذا دخلت إلا في قوله إلا بإذنه والخبر ذا والذي نعت لذا أو بدل منه وهذا على أن ذا اسم إشارة وفيه بعد لأن الجملة لم تستقل بمن مع ذا ولو كان خبرا لاستقل ولم يحتج إلى الموصول فالأولى أن من ركبت مع ذا للاستفهام انتهى قال مجاهد وغيره ما بين أيديهم الدنيا وما خلفهم الآخرة وهذا صحيح في نفسه عند موت الإنسان لأن ما بين اليد هو كل ما تقدم الإنسان وما خلفه هو كل ما يأتي بعده ولا يحيطون بشيء من علمه أي من معلوماته لأن علم الله تعالى لا يتبعض ومعنى الآية لا معلوم لأحد إلا ما شاء الله أن يعلمه قال ابن عباس كرسيه علمه الطبري ومنه الكراسة قال ع والذي تقتضيه الأحاديث أن الكرسي مخلوق عظيم بين يدي العرش والعرش أعظم منه وقد قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ما السماوات السبع في الكرسي إلا كدراهم سبعة القيت في ترس وقال أبو ذر سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول ما الكرسي في العرش إلا كحلقة من حديد القيت في فلاة من الأرض وهذه الآية منبئة عن عظم مخلوقا الله سبحانه والمستفاد من ذلك عظم قدرته جل وعلا إذ لا يؤده حفظ هذه المخلوقات العظيمة ولا يؤده معناه لا يثقله ولا يشق عليه وهوتفسير ابن عباس وغيره والعلي يراد به علو القدر والمنزلة لا علو المكان لأن الله سبحانه منزه عن التحيز وكذا العظيم هو صفة بمعنى عظم القدر والخطر لا على معنى عظم الأجرام ومن سلاح المؤمن قال وعن ابي إمامة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من قرأ آية الكرسي في دبر كل صلاة مكتوبة لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت رواه النسائي عن الحسين بن بشر عن محمد بن حمير عن محمد بن زياد الالهاني عن أبي إمامة

فأما الحسين فقال فيه النسائي لا بأس به وقال في موضع آخر ثقتة وقال أبو حاتم شيخ وأما المحمدان فاحتج بهما البخاري في صحيحه وقد أخرج شيخنا الحافظ أبو محمد الدمياطي رحمه الله الحديث في بعض تصانيفه من حديث أبي إمامة وعلي وعبد الله بن عمر والمغيرة وجابر وأنس قال وإذا ضمت هذه الأحاديث بعضها إلى بعض أخذت قوة انتهى من السلاح وقد أخرج البخاري والنسائي من حديث أبي هريرة في قصته مع الشيطان وأخذه الطعام ما هو معلوم من فضل هذه الآية وفيه أنه إذا قرأتها حين تأوى إلى فراشك لم يزل عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح وخرجه الترمذي من حديث أبي أيوب في قصته مع الغول نحو حديث أبي هريرة قال الغزالي ما معناه إنما وصفت بكونها سيدة أي القرآن لاشتمالها على اسم الله الأعظم وهو الحي القيوم قاله في الجواهر واسند صاحب غاية المغنم في اسم الله الأعظم عن غالب القطان قال مكثت عشر سنين ادعو الله أن يعلمنى اسمه الأعظم الذي إذا دعي به اجاب وإذا سئل به اعطى فاتانى ءات في منامي ثلاث ليال متواليات يقول يا غالب قل يا فارج الهم ويا كاشف الغم يا صادق الوعد يا موفيا بالعهد يا منجزا للوعد يا حي يا قيوم لا اله الا أنت انتهى من غاية المغنم وقوله تعالى لا اكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي الدين في هذه الآية هو المعتقد والملة ومقتضى قول زيد ابن اسلم ان هذه الآية مكية وانها من ءايات الموادعة التي نسختها ءاية السيف وقال قتادة والضحاك بن مزاحم هذه الآية محكمة خاصة في اهل الكتاب الذين يبذلون الجزية وقوله تعالى قد تبين الرشد من الغي معناه بنصب الادلة ووجود الرسول صلى الله عليه و سلم الداعي الى الله والآيات المنيرة والرشد مصدر من قولك رشد بكسر الشين وضمها يرشد رشدا ورشدا ورشادا والغي مصدر من غوى يغوى إذا ضل

في معتقد أو رأي ولا يقال الغي في الضلال على الإطلاق والطاغوت بناء مبالغة من طغى يطغي واختلف في معنى الطاغوت فقال عمر بن الخطاب وغيره هو الشيطان وقيل هو الساحر وقيل الكاهن وقيل الأصنام وقال بعض العلماء كل ما عبد من دون الله فهو طاغوت ع وهذه تسمية صحيحة في كل معبود يرضى ذلك كفرعون ونمروذ وأما من لا يرضى ذلك فسمي طاغوتا في حق العبدة قال مجاهد العروة الوثقى الإيمان وقال السدي الإسلام وقال ابن جبير وغيره لا إله إلا الله قال ع وهذه عبارات ترجع إلى معنى واحد والانفصام الانكسار من غير بينونة وقد يجيء بمعنى البينونة والقصم كسر بالبينونة ت وفي الموطأ عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال إن الوحي يأتيني أحيانا في مثل صلصلة الجرس وهو أشده علي فيفصم عني وقد وعيت قال أبو عمر في التمهيد قوله فيفصم عني معناه ينفرج عني ويذهب كما تفصم الخلخال إذا فتحته لتخرجه من الرجل وكل عقدة حللتها فقد فصمتها قال الله عز و جل فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها وانفصام العروة أن تنفك عن موضعها واصل الفصم عند العرب أن تفك الخلخال ولا يبين كسره فإذا كسرته فقد قصمته بالقاف انتهى ولما كان الإيمان مما ينطق به اللسان ويعتقده القلب حسن في الصفات سميع من أجل النطق وعليم من أجل المعتقد قوله سبحانه الله ولي الذين آمنوا الآية الولي من ولي فإذا لازم أحدا أحدا بنصره ووده واهتباله فهو وليه هذا عرفه لفة ولفظ اية مترتب في الناس جميعا وذلك ان من آمن منهم فالله وليه أخرجه من ظلمة الكفر إلى نور الإيمان ومن كفر بعد وجود الرسول صلى الله عليه و سلم فشيطانه ومغوية أخرجه من الإيمان إذ هو معد وأهل للدخول فيه ولفظ الطاغوت في هذه الآية يقتضي أنه اسم جنس ولذلك

قال أولياؤهم بالجمع إذ هي أنواع قوله تعالى ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه الآية ألم تر تنبيه وهي رؤية القلب والذي حاج إبراهيم هو نمروذ بن كنعان ملك زمانه وصاحب النار والبعوضة قاله مجاهد وغيره قال قتادة هو أول من تجبر وهو صاحب الصرح ببابل قيل أنه ملك الدنيا بأجمعها وهو أحد الكافرين والآخر بخت نصر وقيل أن النمروذ الذي حاج إبراهيم هو نمرود بن فالخ وفي قصص هذه المحاجة روايتان إحداهما ذكر زيد بن أسلم أن النمروذ هذا قعد يأمر للناس بالميرة فكلما جاء قوم قال من ربكم وإلهكم فيقولون أنت فيقول ميروهم وجاء إبراهيم عليه السلام يمتار فقال له من ربك وإلهك قال إبراهيم ربي الذي يحي ويميت فلما سمعها نمروذ قال أنا أحي وأميت فعارضه إبراهيم بأمر الشمس فبهت الذي كفر وقال لا تميروه فرجع إبراهيم إلى أهله دون شيء فمر على كثيب رمل كالدقيق فقال لو ملأت غرارتي من هذا فإذا دخلت به فرح الصبيان حتى أنظر لهما فذهب بذلك فلما بلغ منزله فرح الصبيان وجعلا يلعبان فوق الغرارتين ونام هو من الإعياء فقالت امرأته لو صنعت له طعاما يجده حاضرا إذا انتبه ففتحت إحدى الغرارتين فوجدت أحسن ما يكون من الحوارى فخبرته فلما قام وضعته بين يديه فقال من أين هذا قالت من الدقيق الذي سقت فعلم إبراهيم أن الله يسر لهم ذلك وقال الربيع وغيره في هذا القصص أن النمروذ لما قال أنا أحي وأميت أحضر رجلين فقتل أحدهما وأرسل الآخر وقال قد أحييت هذا وأمت هذا فرد عليه إبراهيم بأمر الشمس والرواية الأخرى ذكر السيد أنه لما خرج إبراهيم من النار وأدخل على الملك قال له من ربك قال ربي الذي يحي ويميت يقال بهت الرجل إذا انقطع وقامت عليه الحجة وقوله تعالى والله لا يهدي القوم الظالمين إخبار لمحمد صلى الله عليه و سلم

وامته والمعنى لا يرشدهم في حججهم على ظلمهم وظاهر اللفظ العموم ومعناه الخصوص لان الله سبحانه قد يهدى بعض الظالمين بالتوبة والرجوع إلى الأيمان قوله تعالى او كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها الآية عطفت او في هذه الآية على المعنى الذي هو التعجب في قوله الم تر الى الذي حاج قال ابن عباس وغيره الذي مر على القرية هو عزير وقال وهب بن منبه وغيره هو ارميا قال ابن اسحاق ارميا هو الخضر وحكاه النقاش عن وهب بن منبه واختلف في القرية ما هي فقيل الموتفكة وقال زيد بن اسلم قرية الذين خرجوا من ديارهم وهم الوف وقال وهب بن منبه وقتادة والضحاك والربيع وعكرمة هي بيت المقدس لما خربها بخت نصر البابلي والعريش سقف البيت قال السدي يقول هي ساقطه على سقفها أي سقطت السقف ثم سقطت الحيطان عليها وقال غيره معناه خاوية من الناس وخاوية معناه خالية يقال خوت الدار تخوي خواء وخويا ويقال خويت قال الطبري والأول افصح قال ص وهي خاوية في موضع الحال من فاعل مراو من قرية وعلى عروشها قيل على على بابها والمعنى خاوية من اهلها ثابته على عروشها والبيوت قائمة والمجرور على هذا يتعلق بمحذوف وهو ثابتة وقيل يتعلق بخاوية والمعنى وقعت جدراتها على سقوفها بعد سقوط السقوف انتهى وقد زدنا هذا المعنى وضوحا في سورة الكهف والله الموفق بفضله وقوله اني يحي هذه الله بعد موتها ظاهر اللفظ السؤال عن احياء القرية بعمارة او سكان فكان هذا تلهف من الواقف المعتبر على مدينة احبته ويحتمل ان يكون سؤاله انما كان عن احياء الموتى فضرب له المثل في نفسه وحكى الطبري عن بعضهم ان هذا القول منه شك في قدرة الله على الاحياء قال ع والصواب ان لا يتأول في الآية شك وروي في قصص هذه الآية ان بني اسراءيل لما

أحدثوا الأحداث بعث الله عليهم بخت نصر فقتلهم وجلاهم من بيت المقدس وخربه فلما ذهب عنه جاء عزير أو أزميا فوقف على المدينة معتبرا فقال أنى يحي هذه الله بعد موتها فأماته الله تعالى وكان معه حمار قد ربطه بحبل جديد وكان معه سلة فيها تين هو طعامه وقل تين وعنب وكانت معه ركوة من خمر وقيل من عصير وقل قلة من خماء هي شرابه وبقي ميتا مائة عام فروي أنه بلي وتفرقت عظامه هو حماره وروي أن الحمار بلي وتفرقت أوصاله دون عزير وقوله تعالى ثم بعثه معناه أحياه فسأله الله تعالى بوساطة الملك كم لبثت على جهة التقرير فقال لبثت يوما أبو بعض يوم قال ابن جريج وقتادة والربيع أماته الله غدوة يوم ثم بعثه قرب الغروب فظن هو اليوم واحدا فقال لبثت يوما ثم رأى بقية من الشمس فخشي أن يكون كاذبا فقال أبو بعض يوم فقيل له بل لبثت مائة عام وقوله تعالى فأنظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه أي لم يتغير ت قال البخاري في جامعة يتسنه يتغير وأما قوله تعالى وأنظر إلى حمارك فقال وهب بن منبه وغيره المعنى انظر إلى اتصال عظامه وأحيائه جزءا جزءا ويروى أنه أحياه الله كذلك حتى صار عظاما ملتئمة ثم كساه لحما حتى كمل حمارا ثم جاء ملك فنفخ في أنفه الروح فقام الحمار ينهق وروي عن الضحاك ووهب بن منبه أيضا أنهما قالا بل قيل له وانظر إلى حمارك قائما في مربطه لم يصبه شيء مائة سنة قالا وإنما العظام التي نظر إليها عظام نفسه وأعمى الله العيون عنه وعن حماره طول هذه المدة وكثر أهل القصص في صورة هذه النازلة تكثيرا اختصرته لعدم صحته وقوله تعالى ولنجعلك آية للناس قال ع وفي إماتته هذه المدة ثم إحيائه اعظم آية وأمره كله أية للناس غابر الدهر ت قال ابن هشام لا يصح انتصاب مائة باماته لأن الإماتة سلب الحياة

وهي لا تمتد وإنما الوجه أن يضمن أماته معنى البثه فكأنه قيل فالبثه الله بالموت مائة عام وحينئذ يتعلق به الظرف انتهى من المغنى ومعنى ننشرها أي نحييها وقرأ حمزة وغيره ننشزها ومعناه نرفعها أي ارتفاعا قليلا قليلا فكأنه وقف على نبات العظام الرفات وقال النقاش ننشزها معناه ننبتها ومن ذلك نشز ناب البعير وقوله تعالى فلما تبين له قال أعلم قال هو أعلم أن الله على كل شيء قدير وهذا عندي ليس بإقرار بما كان قبل ينكره كما زعم الطبري بل هو قول بعثه الإعتبار كما يقول الإنسان المؤمن إذا رأى شيئا غريبا من قدرة الله لا إله إلا الله ونحو هذا وأما قراءة حمزة والكسائي قال اعلم موصولة الألف ساكنة الميم فتحتمل وجهين أحدهما قال الملك له أعلم وقد قرأ ابن مسعود والأعمش قيل أعلم والوجه الثاني أن ينزل نفسه منزلة المخاطب الأجنبي المنفصل أي قال لنفسه أعلم وأمثلة هذا كثيرة قوله تعالى وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحي الموتى قال أولو تؤمن قال بلى الآية قال جمهور العلماء أن إبراهيم عليه السلام لم يكن شاكا في إحياء الله الموتى قط وإنما طلب المعاينة وأما قول النبي صلى الله عليه و سلم نحن أحق بالشك من إبراهيم فمعناه أن لو كان شك لكنا نحن أحق به ونحن لا نشك فإبراهيم عليه السلام أحرى أن لا يشك فالحديث مبني على نفي الشك عن إبراهيم والذي روي فيه عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال ذلك محض الإيمان إنما هو في الخواطر الجارية التي لا تثبت وأما الشك فهو توقف بين أمرين لا مزية لأحدهما على الآخر وذلك هو المنفي عن الخليل صلى الله عليه و سلم وإحياء الموتى إنما يثبت بالسمع وقد كان إبراهيم أعلم بذلك يدلك على ذلك قوله ربي الذي يحي ويميت والشك يبعد على من ثبت قدمه في الإيمان فقط فكيف بمرتبة النبوءة والخلة والأنبياء معصومون من الكبائر

ومن الصغائر التي فيها رذيلة إجماعا وإذا تأملت سؤاله عليه السلام وسائر ألفاظ الآية لم تعط شكا وذلك أن الاستفهام بكيف إنما هو عن حال شيء موجود ومتقرر الوجود عند السائل والمسؤول نحو قولك كيف علم زيد وكيف نسج الثوب فكيف في هذه الآية إنما هي استفهام عن هيئة الإحياء والإحياء متقرر ولما وجدنا بعض المنكرين لوجود شيء قد يعبر عن إنكاره بالاستفهام عن حالة لذلك الشيء يعلم أنها لا تصح فيلزم من ذلك أن الشيء في نفسه لا يصح مثال ذلك أن يقول مدع أنا أرفع هذا الجبل فيقول المكذب كيف ترفعه فهذه طريقة مجاز في العبارة ومعناها تسليم جدلي كأنه يقول أفرض أنك ترفعه ارني كيف فلما كان في عبارة الخليل صلى الله عليه و سلم هذا الاشتراك المجازي خلص الله سبحانه ذلك وحمله علىأن يبين الحقيقة فقال له أولم تؤمن قال بلى فكمل الأمر وتخلص من كل شك ثم علل عليه السلام سؤاله بالطمانينة ت قال الداودي وعن ابن جبير أولم تؤمن بالخلة قال مجاهد والنخعي ولكن ليطمئن قلبي أي ازداد إيمانا إلى إيماني وعن قتادة لأزداد يقينا انتهى قال ع وقوله تعالى أولم تؤمن معناه إيمانا مطلقا دخل فيه فصل إحياء الموتى والواو واو حال دخلت عليها ألف التقرير وقال ص الهمزة في أولم تؤمن للتقرير كقوله تعالى ألم نشرح لك صدرك وكقوله ألستم خير من ركب المطايا أي قد شرحنا لك صدرك وأنتم خير وقول أبن عطية الواو للحال دخلت عليها ألف التقرير متعقب والظاهر أن التقرير منسحب على الجملة المنفية فقط وأن الواو للعطف انتهى وليطمئن معناه ليسكن فطمأنينة القلب هي أن تسكن فكره في الشيء المعتقد والفكر في صورة الإحياء غير محظورة كمالنا نحن اليوم أن نفكر فيها

بل هي فكر فيها عبر فأراد الخليل أن يعاين فتذهب فكره في صورة الإحياء إذ حركه إلى ذلك أما الدابة المأكولة في تأويل وأما قول النمروذ أنا أحي وأميت في تأويل آخر وروي أن الأربعة التي أخذ إبراهيم عليه السلام هي الديك والطاوس والحمام والغاب قاله مجاهد وغيره وقال ابن عباس مكان الغراب الكركي فروي أنه أخذها عليه السلام حسب ما أمر وذكاها ثم قطعها قطعا قطعا صغارا وجمع ذلك مع الدم والريش ثم جعل من ذلك المجموع المختلط جزءا على كل جبل ووقف هو من حيث يرى تلك الأجزاء وأمسك رؤوس الطير في يده ثم قال تعالين بإذن الله فتطايرت تلك الأجزاء وطار الدم إلى الدم والريش إلى الريش حتى التأمت كما كانت أولا وبقيت بلا رؤوس ثم كرر النداء فجاءته سعيا حتى وضعت أجسادها في رؤوسها وطارت بإذن الله تعالى وقوله تعالى فصرهن يقال صرت الشيء أصوره بمعنى قطعته يقال أيضا صرت الشيء بمعنى أملته وقد تأول المفسرون اللفظة بمعنى التقطيع وبمعنى الإمالة وقد قال ابن عباس وغيره في هذه الآية صرهن معناه قطعهن وقال قتادة صرهن فصلهن وقال عطاء بن أبي رباح صرهن أضممهن وقال ابن زيد معناه اجمعهن وعن ابن عباس أيضا أوثقهن وقرأ قوم فصرهن بضم الصاد وشد الراء كأنه يقول فشدهن ومنه صرة الدنانير قوله تعالى مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم في الآية بيان شرف النفقة في سبيل الله وتحسينها وضمنها التحريض على ذلك وهذه الآية في نفقة التطوع وسبل الله كثيرة وهي جميع ما هو طاعة وعائد بمنفعة على المسلمين وعلى الملة وأشهرها وأعظمها غناء الجهاد لتكون كلمة الله هي العليا والحبة اسم جنس لكل ما يزدرعه ابن آدم وأشهر ذلك البر وقد يوجد في سنبل القمح ما فيه مائة حبة وأما

في سائر الحبوب فأكثر وقد ورد القرآن بأن الحسنة بعشر أمثالها واقتضت الآية أن نفقة الجهاد حسنتها بسبع مائة ضعف وبين ذلك الحديث الصحيح واختلف في معنى قوله سبحانه والله يضاعف لمن يشاء فقيل هي مبينة ومؤكدة لما تقدم من ذكر السبع مائة وقالت طائفة من العلماء بل هو إعلام من الله تعالى بأنه يضاعف لمن يشاء أكثر من سبعمائة ضعف ت وأرجح الأقوال عندي قول هذه الطائفة وفي الحديث الصحيح عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه و سلم فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى قال ان الله تعالى كتب الحسنات والسيئات ثم بين ذلك فمن هم بحسنة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة وإن هم بها فعملها كتبها الله عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة الحديث رواه مسلم والبخاري بهذه الحروف انتهى وقال ابن عمر لما نزلت هذه الآية قال النبي صلى الله عليه و سلم رب زد أمتي فنزلت من ذا الذين يقرض الله قرضا حسنا الآية فقال رب زد أمتي فنزلت إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب وفي الآية حذف مضاف تقديره مثل إنفاق الذين وكمثل ذي حبة وقوله تعالى الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا منا ولا أذى لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون لما تقدم في الآية التي قبلها ذكر فضل الإنفاق في سبيل الله على العموم بين أن ذلك إنما هو لمن لم يتبع إنفاقه منا ولا أذى وذلك أن المنفق في سبيل الله إنما يريد وجه الله تعالى ورجاء ثوابه وأما من أراد من المنفق عليه جزاء بوجه من الوجوه فهذا لم يرد وجه الله تعلى وهذا هو الذي متى أخلفه ظنه من بالإنفاق أذى إذ لم يكن أنفاقه مخلصا لوجه الله بالمن والأذى مبطلان للصدقة وهما

كاشفان لمقاصد المنفقين والمن ذكر النعمة على معنى التعديد لها والتقريع بها والأذى السب والتشكي وهو أعم من المن لأن المن جزء من الأذى ولكنه نص عليه لكثرة وقوعه وقال زيد بن أسلم لئن ظننت أن سلامك يثقل على من أنفقت عليه تريد وجه الله فلا تسلم عليه قالت له امرأة يا أبا أسامة دلني على رجل يخرج في سبيل الله حقا فإنهم إنما يخرجون ليأكلوا الفواكه فإن عندي اسهما وجعبة فقال لها لا بارك الله في اسهمك وجعبتك فقد آذيتهم قبل أن تعطيهم وتضمن الله الأجر للمنفق في سبيل الله والأجر الجنة ونفي عنه الخوف لما يستقبل والحزن على ما سلف من دنياه لأنه يغتبط بآخرته ت وما جاء من صحيح الآثار في هذا الباب ما رواه مالك في الموطأ عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال من أنفق زوجين في سبيل الله نودي من أبواب الجنة يا عبد الله هذا خير فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد ومن كان من أهل الصدقة دعي من بابا الصدقة ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان فقال أبو بكر يا رسول الله ما على من يدعى من هذه الأبواب من ضرورة فهل يدعى أحدا من هذه الأبواب كلها قال نعم وأرجوا أن تكون منهم قال أبو عمر بن عبد البر في التمهيد في هذا الحديث من الفقه الحض على الإنفاق في سبيل الخير ومعنى زوجين أي شيئين من نوع واحد نحو درهمين أو دينارين أو فرسين أو قميصين هكذا قال أهل العلم وفيه أن من أكثر من شيء عرف به ونسب إليه ألا ترى إلى قوله فمن كان من أهل الصلاة يريد من أكثر منها فنسب إليها لأن الجميع من أهل الصلاة وكذلك من أكثر من الجهاد ومن الصيام على هذا المعنى والريان فعلان من الري ومعنى

الدعاء من تلك الأبواب اعطاؤه ثواب العاملين تلك الأعمال ونيله ذلك والله اعلم وفيه ان للجنة ابوابا يعنى متعددة بحسب الأعمال انتهى وروى ابن أبي شيبة في مسنده عن النبي صلى الله عليه و سلم أن لكل اهل عمل بابا من أبواب الجنة يدعون فيه بذلك العمل هذا لفظه على ما نقله صاحب الكوكب الدري انتهى قوله تعالى قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى هذا أخبار جزم من الله تعالى أن القول المعروف وهو الدعاء والتأنيس والترجية بما عند الله خير من صدقه هي في ظاهرها صدقة وفي باطنها لا شيء لأن ذلك القول المعروف فيه اجر وهذه لا اجر فيها والمغفرة الستر للخلة وسوء حالة المحتاج ومن هذا قول الاعرابي وقد سأل قوما بكلام فصيح فقال له قائل ممن الرجل فقال اللهم غفرا سوء الاكتساب يمنع من الانتساب وقال النقاش يقال معناه ومغفرة للسائل ان اغلظ اوجفا اذا حرم ثم اخبر تعالى بغناه عن صدقة من هذه حاله وحلمه عن من يقع منه هذا وامهاله وحدث الجوزي في صفوة الصفوة بسنده الى حارثة بن النعمان الصحابي رضي الله عنه قال لماكف بصره جعل خيطا في مصلاه إلى باب حجرته ووضع عنده مكتلا فيه تمر وغير ذلك فكان إذا سأل المسكين أخذ من ذلك التمر ثم أخذ من ذلك الخيط حتى يأخذ الى باب الحجرة فيناوله المسكين فكان اهله يقولون نحن نكفيك فيقول سمعت رسول الله صلى عليه وسلم يقول ان مناولة المسكين تقى ميتة السوء انتهى وقوله تعالى يا ايها الذين ءامنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى الآية العقيدة ان السيات لا تبطل الحسنات فقال جمهور العلماء في هذه الآية ان الصدقة التي يعلم الله من صاحبها انه يمن بها او يؤذي فانها لا تتقبل صدقة وقيل بل يجعل الله للملك عليها امارة فهو لا يكتبها قال

ع وهذا حسن لأن المان المؤذي لم تكن نيته خالصة لله سبحانه فلم تترتب له صدقة فهذا هو البطلان بالمن والأذى وهما لا يبطلان صدقة غيرها سالمة النية ثم مثل الله سبحانه هذا الذي يمن ويؤذي بحسب مقدمة نيته بالذي ينفق رياء لا لوجه الله والرياء مصدر من فاعل من الرؤية كان الرياء تظاهر وتفاخر بين من لا خير فيه من الناس قال المهدوى والتقدير كأبطال الذي ينفق رياء وقوله تعالى ولا يؤمن بالله واليوم الآخر يحتمل إن يريد الكافر أو المنافق إذ كل منهما ينفق ليقال جواد ثم مثل سبحانه هذا المنفق رياء بصفون عليه تراب فيظنه الظان أرضا منبتة طيبة كما يظن قوم أن صدقة هذا المراءى لها قدر أو معنى فإذا أصاب الصفوان وابل من المطر انكشف ذلك التراب وبقي صلدا فكذلك هذا المراءى إذا كان يوم القيامة وحضرت الأعمال انكشف سره وظهر أنه لا قدر لصدقاته ولا معنى والصفوان الحجر الكبير إلأمس والوابل الكثير القوي من المطر وهو الذي يسيل وجه الأرض والصلد من الحجارة الأملس الصلب الذي لا شيء فيه ويستعار للرأس الذي لا شعر فيه وقوله تعالى لا يقدرون يريد الذين ينفقون رياء أي لا يقدرون على الانتفاع بشيء من إنفاقهم ذلك وهو كسبهم وقوله تعالى والله لا يهدى القوم الكافرين أما عموم يراد به الخصوص ويحتمل لا يهديهم في كفرهم إذ هو ضلال محض ويحتمل لا يهديهم في صدقاتهم وأعمالهم وهم على الكفر وقوله تعالى ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضات الله الآية من أساليب فصاحة القرءان أنه يأتي فيه ذكر نقيض ما يتقدم ذكره ليتبين حال التضاد بعرضها على الذهن ولما ذكر الله صدقات القوم الذين لا خلاق لصدقاتهم ونهى المؤمنين عن مواقعة ما يشبه ذلك بوجه ما عقب في هذه الآية بذكر نفقات القوم الذين بذلوا صدقاتهم على وجهها

في الشرع فضرب لها مثلا وتقدير الكلام ومثل نفقة الذين ينفقون كمثل غارس جنة أو تقدر الإضمار في ءاخر الكلام دون إضمار في أوله كأنه قال كمثل غارس جنة وابتغاء معناه طلب وهو مصدر في موضع الحال وتثبيتا مصدر ومرضات مصدر من رضي وقال ص ابتغاء مرضات الله وتثبيتها كلاهما مفعول من اجله وقاله مكي ورده ابن عطية بان ابتغاء لا يكون مفعولا من اجله لعطف وتثبيتا عليه ولا يصح في تثبيت أن يكون مفعولا من أجله لأن الإنفاق ليس من أجل التثبيت واجيب بأنه يمكن أن يقدر مفعول التثبيت الثواب أي وتحصيلا لأنفسهم الثواب على تلك النفقة فيصح أن يكون مفعولا من أجله ثم قال أبو حيان بعد كلام والمعنى أنهم يثبتون من أنفسهم على الإيمان وما يرجونه من الله تعالى بهذا العمل انتهى قال قتادة وغيره وتثبيتا معناه وتيقنا أي أن نفوسهم لها بصائر متأكدة فهي تثبتهم على الإنفاق في طاعة الله تثبيتا وقال مجاهد والحسن معنى قوله وتثبيتا أي انهم يتثبتون أين يضعون صدقاتهم قال الحسن كان الرجل إذا هم تثبت فإن كان ذلك لله أمضاه وان خالطه شيء امسك والقول الأول أصوب لأن هذا المعنى الذي ذهب إليه مجاهد والحسن إنما عبارته وتثبتا فإن قال محتج أن هذا من المصادر التي خرجت على غير الصدر كقوله تعالى وتبتل إليه تبتيلا والله أنبتكم من الأرض نباتا فالجواب أن هذا لا يسوغ إلا مع ذكر الصدر والإفصاح بالفعل المتقدم للمصدر وأما إذا لم يقع إفصاح بفعل فليس لك أن تأتي بمصدر في غير معناه ثم تقول احمله على فعل كذا وكذا لفعل لم يتقدم له ذكر هذا مهيع كلام العرب فيما علمت والربوة ما ارتفع من الأرض ارتفاعا يسيرا معه في الأغلب كثافة التراب وطيبه وتعمقه وما كان كذلك فنباته احسن

ولفظ الربوة مأخوذ من ربا يربو إذا زاد وءاتت معناه اعطت والأكل بضم الهمزة الثمر الذي يؤكل والشيء المأكول من كل شيء يقال له أكل واضافته الى الجنة اضافة اختصاص كسرج الدابة وباب الدار وضعفين معناه اثنين مما يظن بها ويحزر من مثلها ثم أكد سبحانه مدح هذه الربوة بأنها إن لم يصبها وابل فإن الطل يكفيها وينوب مناب الوابل وذلك لكرم الأرض والطل المستدق من القطر قاله ابن عباس وغيره وهو مشهور اللغة فشبه سبحانه نمو نفقات هؤلاء المخلصين الذين يربى الله صدقاتهم كتربية الفلو والفصيل حسب الحديث بنمو نبات هذه الجنة بالربوة الموصوفة وذلك كله بخلاف الصفوان وفي قوله تعالى والله بما تعملون بصير وعد ووعيد وقوله تعالى ايود احدكم أن تكون له جنة من نخيل واعناب الآية حكى الطبري عن ابن زيد أنه قرأ قوله تعالى يا أيها الذين ءامنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن الآية ثم قال ضرب الله في ذلك مثلا فقال أيود أحدكم الآية وهذا بين وهو مقتضى سياق الكلام وقال ابن عباس هذا مثل ضربه الله كأنه قال أيود أحدكم أن يعمل عمره بعمل أهل الخير فإذا فني عمره واقترب اجله ختم ذلك بعمل من عمل أهل الشقاء فرضي ذلك عمر منه رضي الله عنه وروى ابن أبي مليكة عن عمر نحوه ع فهذا نظر يحمل الآية على كل ما يدخل تحت الفاظها وقال بنحو هذا مجاهد وغيره ونقل الثعلبي عن الحسن قال قل والله من يعقل هذا المثل شيخ كبر سنه وضعف جسمه وكثر عياله أفقر ما كان إلى جنته واحدكم أفقر ما يكون إلى عمله إذا انقطعت الدنيا عنه انتهى وهو حسن جدا وقال أبو عبد الله اللخمي فى مختصرة لتفسير الطبري وعن قتادة هذا مثل فاعقلوا عن الله أمثاله هذا رجل كبرت سنه ورق عظمه وكثر عياله ثم احترقت جنته احوج ما يكون إليها يقول

أيحب أحدكم أن يضل عنه عمله يوم القيامة أحوج ما يكون إليه وعن الحسن نحوه انتهى وخص الأعناب والنخيل بالذكر لشرفهما وفضلهما على سائر الشجر والواو في قوله وأصابه واو الحال وكذلك في قوله وله ضعفاء جمع ضعيف والإعصار الريح الشديدة العاصفة التي فيها إحراق لكل ما مرت عليه يكون ذلك في شدة الحر ويكون في شدة البرد وكل ذلك من فيح جهنم ولعلكم ترج في حق البشر أي إذا تأمل من بين له هذا البيان رجي له التفكر وكان أهلا له وقال ابن عباس تتفكرون في زوال الدنيا وفنائها وإقبال الآخرة وبقائها قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم الآية هذا خطاب لجميع أمة نبينا محمد صلى الله عليه و سلم وهذه صيغة أمر بالإنفاق واختلف المتأولون هل المراد بهذا الإنفاق الزكاة المفروضة أو التطوع والآية تعم الوجهين لكن صاحب الزكاة يتلقاها على الوجوب وصاحب التطوع يتلقاها على الندب وجمهور المتأولين قالوا معنى من طيبات من جيد ومختار ما كسبتم وجعلوا الخبيث بمعنى الرديء وقال ابن زيد معناه من حلال ما كسبتم قال وقوله ولا تيمموا الخبيث أي الحرام ع وقول ابن زيد ليس بالقوي من جهة نسق الآية لا من معناه في نفسه وكسبتم معناه كانت لكم فيه سعاية ومما أخرجنا لكم من الأرض النباتات والمعادن والركاز وما ضارع ذلك وتيمموا معناه تعمدوا وتقصدوا والتيمم القصد وقال الجرجاني قال فريق من الناس أن الكلام تم في قوله الخبيث ثم ابتدأ خبرا آخر فقال تنفقون منه وأنتم لا تأخذونه إلا إذا اغمضتم أي ساهلتم قال ع كأن هذا المعنى عتاب للنفس تقريع وعلى هذا فالضمير في منه عائد على الخبيث قال الجرجاني وقال فريق آخر بل الكلام متصل إلى قوله فيه وعلى هذا فالضمير في

منه عائد على ما كسبتم كأنه في موضع نصب على الحال والمعنى في الآية فلا تفعلوا مع الله مالا ترضونه لأنفسكم واعلموا أن الله غني عن صدقاتكم فمن تقرب وطلب مثوبة فليفعل ذلك بماله قدر ت وهذا يقوي القول بأنها في الزكاة المفروضة وحميد معناه محمود وقوله تعالى الشيطان يعدكم الفقر الآية هذه الآية وما بعدها وإن لم تكن أمرا بالصدقة فهي جالبة النفوس إلى الصدقة بين عز و جل فيها نزغات الشيطان ووسوسته وعداوته وذكر بثوابه هو سبحانه لا رب غيره وذكر بتفضله بالحكمة وأثنى عليها ونبه أن أهل العقول هم المتذكرون الذين يقيمون بالحكمة قدر الإنفاق في طاعة الله وغير ذلك ثم ذكر سبحانه علمه بكل نفقة ونذر وفي ذلك وعد ووعيد ثم بين الحكم في الإعلان والإخفآء وكذلك إلى ءاخر المعنى والوعد في كلام العرب إذا أطلق فهو في الخير وإذا قيد بالموعود فقد يقيد بالخير وقد يقيد بالشر كالبشارة وهذه الآية مما قيد الوعد فيها بمكروه والفحشاء كل ما فحش وفحش ذكره روى ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال أن للشيطان لمة من ابن ءادم وللملك لمة فأما لمة الشيطان فايعاد بالشر وتكذيب بالحق وأما لمة الملك فايعاد بالخير وتصديق بالحق فمن وجد ذلك فليعلم أنه من الله فليحمد الله ومن وجد الأخرى فليتعوذ بالله من الشيطان ثم قرأ صلى الله عليه و سلم الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء الآية قلت هذا حديث صحيح خرجه أبو عيسى الترمذي وقال فيه حسن غريب صحيح والمغفرة هي الستر على عباده في الدنيا والآخرة والفضل هو الرزق في الدنيا والتوسعة فيه والنعيم في الآخرة وبكل قد وعد الله جل وعلا وروي أن في التوراة عبدي انفق من رزقي أبسط عليك فضلي فإن يدي مبسوطة على كل يد مبسوطة وفي القرءان مصداقة وهو وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير

الرازقين ت روى الطبرانى سليمان بن أحمد بسنده عن عبد الله ابن عمرو قال قال النبي صلى الله عليه و سلم من اطعم اخاه حتى يشبعه وسقاه من الماء حتى يرويه بعده الله من النار سبع خنادق ما بين كل خندقين مسيرة مائة عام انتهى وعن ابي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال ايما مسلم كسا مسلما ثوبا على عري كساه الله من خضر الجنة وأيما مسلم اطعم مسلما على جوع اطعمه الله من ثمار الجنة وأيما مسلم سقى مسلما على ظمأ سقاه الله عز و جل من الرحيق المختوم اخرجه ابو داود من حديث أبي خالد هو الدولاني عن نبيح وقد وثق أبو حاتم ابا خالد وسئل أبو زرعة عن نبيح فقال هو كوفي ثقة انتهى من الإلمام في احاديث الاحكام لابن دقيق العيد وواسع لأنه وسع كل شيء رحمة وعلما يؤتى الحكمة أي يعطيها لمن يشاء من عباده والحكمة مصدر من الاحكام وهو الاتقان في عمل او قول وكتاب الله حكمة وسنة نبيه عليه السلام حكمة وكل ما ذكره المتأولون فيها فهو جزء من الحكمة التي هي الجنس قال الإمام الفخر في شرحه لاسماء الله الحسنى قال المحققون العلماء ثلاثة علماء باحكام الله فقط وهم العلماء اصحاب الفتوى وعلماء بالله فقط وهم الحكماء وعلماء بالقسمين وهم الكبراء فالقسم الأول كالسراج يحرق نفسه ويضىء لغيره والقسم الثاني حالهم اكمل من الأول لأنه اشرق قلبه بمعرفة الله وسره بنور جلال الله الا أنه كالكنز تحت التراب لا يصل اثره الى غيره وأما القسم الثالث فهم اشرف الاقسام فهو كالشمس تضىء العالم لأنه تام وفوق التام انتهى وباقي الآية تذكرة بينة واقامة لهمم الغفلة والألباب العقول واحدها لب وقوله تعالى وما انفقتم من نفقة أو نذرتم من نذر الآية يقال نذر الرجل كذا إذا التزم فعله وقوله تعالى فإن الله يعلمه قال مجاهد معناه يحصيه وفي الآية وعد ووعيد أي

من كان خالص النية فهو مثاب ومن انفق رياء أو لمعنى آخر مما يكشفه المن والأذى ونحو ذلك فهو ظالم يذهب فعله باطلا ولا يجد ناصرا فيه وقوله تعالى إن تبدوا الصدقات فنعما هي الآية ذهب جمهور المفسرين إلى أن هذه الآية في صدقة التطوع قال ابن عباس جعل الله صدقة السر في التطوع تفضل علانيتها يقال بسبعين ضعفا وجعل صدقة الفريضة علانيتها افضل من سرها يقال بخمسة وعشرين ضعفا قال وكذلك جميع الفرائض والنوافل في الأشياء كلها ع ويقوي ذلك قول النبي صلى الله عليه و سلم صلاة الرجل في بيته أفضل من صلاته في المسجد إلا المكتوبة وذلك أن الفرائض لا يدخلها رياء والنوافل عرضة لذلك قال الطبري أجمع الناس على أن إظهار الواجب أفضل وقوله تعالى فنعما هي ثناء على إبداء الصدقة ثم حكم أن الإخفاء خير من ذلك الإبداء والتقرير نعم شيء إبداؤها فالإبداء هو المخصوص بالمدح وخرج أبو داود في سننه عن أبي أمامة قال قال النبي صلى الله عليه و سلم انطلق برجل إلى باب الجنة فرفع رأسه فإذا على باب الجنة مكتوب الصدقة بعشر أمثالها والقرض الواحد بثمانية عشر لأن صاحب القرض لا يأتيك إلا وهو محتاج والصدقة ربما وضعت في غني وخرجه ابن ماجه في سننه قال حدثنا عبيد الله بن عبد الكريم حدثنا هشام بن خالد حدثنا خالد بن يزيد بن أبي مالك عن أبيه عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم رأيت ليلة أسري بي على باب الجنة مكتوب الصدقة بعشر أمثالها والقرض بثمانية عشر فقلت لجبريل ما بال القرض أفضل من الصدقة قال إن السائل يسأل وعنده والمستقرض لا يستقرض إلا من حاجة انتهى من التذكرة وقرأ ابن كثير وغيره ونكفر بالنون ورفع الراء وقرأ ابن عامر ويكفر بالياء ورفع الراء وقرأ نافع وغيره ونكفر بالنون

والجزم فأما رفع الراء فهو على وجهين أحدهما أن يكون الفعل خبر ابتداء تقديره ونحن نكفر أو والله يكفر والثاني القطع والاستيناف والواو لعطف جملة على جملة والجزم في الراء أفصح هذه القراءات لأنها تؤذن بدخول التفكير في الجزاء وكونه مشروطا إن وقع الإخفاء وأما رفع الراء فليس فيه هذا المعنى ومن في قوله من سيئاتكم للتبعيض المحض لا أنها زائدة كما زعم قوم والله بما تعلمون خبير وعد ووعيد وقوله تعالى ليس عليك هداهم الآية وردت آثار أن النبي صلى الله عليه و سلم منع فقراء أهل الذمة من الصدقة فنزلت الآية مبيحة لهم وذكر الطبري أن مقصد النبي صلى الله عليه و سلم بمنع الصدقة إنما كان ليسلموا وليدخلوا في الدين فقال الله سبحانه ليس عليك هداهم قال ع وهذه الصدقة التي أبيحت لهم حسبما تضمنته هذه الآثار إنما هي صدقة التطوع وأما المفروضة فلا يجزىء دفعها لكافر قال ابن المنذر اجماعا فيما علمت وقول المهدوي أباحتها هذه الآية مردود قال ابن العربي وإذا كان المسلم يترك أركان الإسلام من الصلاة والصيام فلا تصرف إليه الصدقة حتى يتوب وسائر المعاصي تصرف الصدقة إلى مرتكبيها لدخولهم في اسم المسلمين انتهى من الأحكام ويعني بالصدقة المفروضة والهدى الذي ليس على نبينا محمد صلى اله عليه وسلم هو خلق الايمان فى قلوبهم واما الهدى الذى هو الدعاء فهو عليه ص - وليس بمراد في هذه الآية ثم أخبر سبحانه أنه يهدي من يشاء وفي الآية رد على القدرية وطوائف المعتزلة ثم بين تعالى أن النفقة المقبولة ما كان ابتغاء وجه الله وفي الآية تأويل آخر وهو أنها شهادة من الله تعالى للصحابة أنهم إنما ينفقون ابتغاء وجه الله سبحانه فهو خير منه لهم فيه تفضيل وما تنفقوا من خير يوف إليكم أي في الآخرة وهذا هو بيان قوله وما تنفقوا من خير فلأنفسكم والخير هنا المال

بقرينة الإنفاق ومتى لم يقترن بما يدل على أنه المال فلا يلزم أن يكون بمعنى المال وهذا الذي قلناه تحرزا من قول عكرمة كل خير في كتاب الله فهو المال وقوله تعالى للفقراء الذين احصروا في سبيل الله الآية التقدير الإنفاق أو الصدقة للفقراء قال مجاهد وغيره المراد بهؤلاء الفقراء فقراء المهاجرين من قريش وغيرهم ع ثم تتناول الآية كل من دخل تحت صفة الفقر غابر الدهر ثم بين الله سبحانه من أحوال أولئك الفقراء المهاجرين ما يوجب الحنو عليهم بقوله الذين احصروا في سبيل الله والمعنى حبسوا ومنعوا وتأول الطبري في هذه الآية أنهم هم حابسوا أنفسهم بربقة الدين وقصد الجهاد وخوف العدو إذ أحاط بهم الكفر فصار خوف العدو عذرا احصروا به ع كأن هذه الأعذار أحصرتهم فالعدو وكل محيط يحصر وقوله في سبيل الله يحتمل الجهاد ويحتمل الدخول في الإسلام والضرب في الأرض هو التصرف في التجارة وكانوا لا يستطيعون ضربا في الأرض لكون البلاد كلها كفرا مطبقا وهذا في صدر الهجرة وكانوا رضي الله عنهم من الانقباض وترك المسألة والتوكل على الله تعالى بحيث يحسبهم الجاهل بباطن أحوالهم أغنياء ت واعلم أن المواساة واجبة وقد خرج مسلم وأبو داود عن أبي سعيد الخدري قال بينما نحن في سفر مع النبي صلى الله عليه و سلم إذ جاء رجل على راحلة فجعل يصرف بصره يمينا وشمالا فقال النبي صلى الله عليه و سلم من كان معه فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له ومن كان معه فضل زاد فليعد به على من لا زاد له قال فذكر من أصناف المال ما ذكر حتى رأينا أنه لا حق لأحد منا في فضل انتهى والتعفف تفعل وهو بناء مبالغة من عف عن الشيء إذا أمسك عنه وتنزه عن طلبه وبهذا المعنى فسره قتادة وغيره ت مدح الله سبحانه هؤلاء السادة على ما أعطاهم

من غنى النفس وفي الحديث الصحيح ليس الغنى عن كثرة المال وإنما الغنى غنى النفس وقد صح عنه صلى الله عليه و سلم أنه قال اللهم اجعل قوت آل محمد كفافا أخرجه مسلم وغيره وعندي أن المراد بالآل هنا متبعوه صلى الله عليه و سلم وفي سنن ابن ماجه عن أنس قال قال النبي صلى الله عليه و سلم ما من غني ولا فقير إلا ود يوم القيامة أنه أوتي من الدنيا قوتا وروى مسلم والترمذي عن أبي أمامة قال قال رسول الله صلى الله عيله وسلم يا ابن آدم إنك إن تبذل الفضل خير لك وأن تمسكه شر لك ولا تلام على كفاف وابدأ بمن تعول واليد العليا خير من اليد السفلى قال أبو عيسى واللفظ له هذا حديث حسن صحيح انتهى وقوله تعالى تعرفهم بسيماهم السيما مقصورة العلامة واختلف المفسرون في تعيينها فقال مجاهد هي التخشع والتواضع وقال الربيع والسدي هي جهد الحاجة وقصف الفقر في وجوههم وقلة النعمة وقال ابن زيد هي رثة الثياب وقال قوم وحكاه مكي هي أثر السجود قال ع وهذا حسن وذلك لأنهم كانوا متفرغين متوكلين لا شغل لهم في الأغلب إلا الصلاة فكان أثر السجود عليهم أبدا والإلحاف والإلحاح بمعنى قال ع والآية تحتمل معنيين أحدهما نفي السؤال جملة وهذا هو الذي عليه الجمهور أنهم لا يسألون البتة والثاني نفي الإلحاف فقط أي لا يظهر لهم سؤال بل هو قليل وبإجمال ت وهذا الثاني بعيد من ألفاظ الآية فتأمله ت وينبغي للفقير أن يتعفف في فقره ويكتفي بعلم ربه قال الشيخ ابن أبي جمرة وقد قال أهل التوفيق من لم يرض باليسير فهو أسير انتهى وذكر عبد الملك بن محمد بن أبي القاسم ابن الكردبوس في الاكتفاء في أخبار الخلفاء قال وتكلم علي بن أبي طالب رضي الله عنه بتسع كلمات ثلاث في المناجاة وثلاث في الحكمة وثلاث في الآداب أما المناجاة فقال كفاني فخرا أن تكون لي

ربا وكفاني عزا أن أكون لك عبدا وأنت كما أحب فاجعلني كما تحب وأما الحكمة فقال قيمة كل امرىء ما كان يحسنه وما هلك امرؤ عرف قدر نفسه والمرء مخبو تحت لسانه وأما الآداب فقال استغن عمن شئت فأنت نظيره وتفضل على من شئت فأنت أميره واضرع إلى من شئت فأنت أسيره انتهى ولما كانت السيما تدل على حال صاحبها ويعرف بها حاله أقامها الله سبحانه مقام الإخبار عن حال صاحبها فقال تعرفهم بسيماهم وقد قال الشيخ العارف بالله صاحب الكلم الفارقية والحكم الحقيقية كل ما دل على معنى فقد أخبر عنه ولو كان صامتا وأشار إليه ولو كان ساكتا لكن حصول الفهم والمعرفة بحسب اعتبار المعتبر ونظر المتأمل المتدبر انتهى قال ع وفي الآية تنبيه على سوء حالة من يسأل الناس إلحافا وقال ص وقوله تعالى لا يسألون الناس إلحافا إذا نفي حكم من محكوم عليه بقيد فالأكثر في لسانهم انصراف النفي إلى ذلك القيد فالمعنى ذلك القيد فينتفي السؤال والإلحاح وله نظائر انتهى وقوله تعالى وما تنفقوا من خير فإن الله به عليم وعد محض أي يعلمه ويحصيه ليجازي عليه ويثيب وقوله تعالى الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار الآية قال ابن عباس نزلت هذه الآية في علي بن أبي طالب رضي الله عنه كانت له أربعة دراهم فتصدق بدرهم ليلا وبدرهم نهارا وبدرهم سرا وبدرهم علانية وقال قتادة نزلت في المنفقين في سبيل الله من غير تبذير ولا تقتير قال ع والآية وإن كانت نزلت في علي رضي الله عنه فمعناها يتناول كل من فعل فعله وكل مشاء بصدقته في الظلم إلى مظنه الحاجة وقوله تعالى الذين يأكلون الربوا الآية الربا هو الزيادة مأخوذ من ربا يربو إذا نما وزاد على ما كان وغالبه ما كانت العرب تفعله

من قولها للغريم اتقضي أم تربي فكان الغريم يزيد في عدد المال ويصبر الطالب عليه ومن الربا البين التفاضل في النوع الواحد وكذلك أكثر البيوع الممنوعة إنما تجد منعها لمعنى زيادة إما في عين مال أو في منفعة لأحدهما من تأخير ونحوه ومعنى الآية الذين يكسبون الربا ويفعلونه وإنما قصد إلى لفظة الأكل لأنها أقوى مقاصد الناس في المال قال ابن عباس وغيره معنى قوله سبحانه لا يقومون أي من قبورهم في البعث يوم القيامة إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس قالوا كلهم يبعث كالمجنون عقوبة له وتمقيتا عند جميع المحشر ويقوي هذا التأويل المجمع عليه أن في قراءة عبد الله بن مسعود لا يقومون يوم القيامة إلا كما يقوم وقوله تعالى ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربوا معناه عند جميع المتأولين في الكفار وأنه قول بتكذيب الشريعة والآية كلها في الكفار المربين نزلت ولهم قيل فله ما سلف ولا يقال ذلك لمؤمن عاص ولكن يأخذ العصاة في الربا بطرف من وعيد هذه الآية ثم جزم الله سبحانه الخبر في قوله وأحل الله البيع وحرم الربوا قيل هذا من عموم القرآن المخصص وقيل من مجمله المبين قال جعفر بن محمد الصادق وحرم الله الربا ليتقارض الناس وقوله تعالى فله ما سلف أي من الربا لاتباعه عليه في الدنيا والآخرة وهذا حكم من الله سبحانه لمن أسلم من الكفار وفي قوله تعالى وأمره إلى الله أربع تأويلا أحدها أمر الربا في امرار تحريمه وغير ذلك والثاني أمر ما سلف أي في العفو وإسقاط التبعة فيها والثالث أن الضمير عائد على ذي الربا بمعنى أمره إلى الله في أن يثبته على الانتهاء أو يعيده إلى المعصية والرابع أن يعود الضمير على المنتهى ولكن بمعنى التأنيس له وبسط أمله في الخير وقوله تعالى ومن عاد يعني إلى فعل الربا والقول إنما البيع مثل الربا والخلود في حق

الكافر خلود تأبيد حقيقي وإن لحظنا الآية في مسلم عاص فهو خلود مستعار على معنى المبالغة وقوله تعالى يمحق الله الربوا ويربي الصدقات يمحق معناه ينقص ويذهب ومنه محاق القمر وهو انتقاصه ويربي الصدقات معناه ينميها ويزيد ثوابها تضاعفا تقول ربت الصدقة وأرباها الله تعالى ورباها وذلك هو التضعيف لمن يشاء ومنه قول النبي صلى الله عليه و سلم أن صدقة أحدكم لتقع في يد الله تعالى فيربيها كما يربي أحدكم فلوه أو فصيله حتى تجيء يوم القيامة وإن اللقمة لعلى قدر أحد قال ع وقد جعل الله سبحانه هذين الفعلين بعكس ما يظنه الحريص الجشيع من بني آدم إذ يظن الربا يغنيه وهو في الحقيقة ممحق ويظن الصدقة تفقره وهي في الحقيقة نماء في الدنيا والآخرة وعن يزيد بن أبي حبيب أن أبا الخير حدثه أنه سمع عقبة ابن عامر يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول كل امرىء في ظل صدقته حتى يفصل بين الناس أو قال حتى يحكم بين الناس قال يزيد وكان أبو الخير لا يخطئه يوم لا يتصدق بشيء فيه ولو كعكة أو بصلة قال الحاكم صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه يعني البخاري ومسلما انتهى من الإلمام في أحاديث الأحكام لابن دقيق العيد قال الشيخ ابن أبي جمرة ولا يلهم للصدقة إلا من سبقت له سابقة خير انتهى قال أبو عمر في التمهيد وروي عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال ما أحسن عبد الصدقة إلا أحسن الله الخلافة على بنيه وكان في ظل الله يوم لا ظل إلا ظله وحفظ في يوم صدقته من كل عاهة وآفة انتهى وروى أبو داود في سننه أن سعد بن عبادة قال يا رسول الله إن أم سعد ماتت فأي الصدقة أفضل قال الماء فحفر بيرا وقال هذه لأم سعد وروى أبو داود في سننه عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه و سلم قال أيما مسلم كسا مسلما

ثوبا على عري كساه الله من حضر الجنة وأيما مسلم أطعم مسلما على جوع أطعمه الله من ثمار الجنة وأيما مسلم سقى مسلما على ظمأ سقاه الله من الرحيق المختوم انتهى وقوله تعالى والله لا يحب كل كفار أثيم يقتضي الزجر للكفار المستحلين للربا ووصف الكفار بأثيم إما مبالغة من حيث اختلف اللفظان وإما ليذهب الاشتراك الذي في كفار إذ قد يقع على الزارع الذي يستر الحب في الأرض قاله ابن فورك ولما انقضى ذكر الكافرين عقب سبحانه بذكر ضدهم ليبين ما بين الحالتين فقال إن الذين آمنوا الآية وقد تقدم تفسير مثل هذه الألفاظ وقوله تعالى يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربوا الآية سبب هذه الآية أنه لما افتتح النبي صلى الله عليه و سلم مكة قال في خطبته اليوم الثاني من الفتح الأكل ربا في الجاهلية موضوع وأول ربا أضعه ربا العباس فبدأ صلى الله عليه و سلم بعمه وأخص الناس به وهذه من سنن العدل للإمام أن يفيض العدل على نفسه وخاصته فيستفيض في الناس ثم رجع رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى المدينة واستعمل على مكة عتاب بن أسيد فلما استنزل صلى الله عليه و سلم أهل الطائف بعد ذلك إلى الإسلام اشترطوا شروطا وكان في شروطهم أن كل ربا لهم على الناس فإنهم يأخذونه وكل ربا عليهم فهو موضوع فيروى أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قرر لهم هذه ثم ردها الله بهذه الآية كما رد صلحه لكفار قريش في رد النساء إليهم عام الحديبية وذكر النقاش رواية أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أمر أن يكتب في أسفل الكتاب لثقيف لكم ما للمسلمين وعليكم ما عليهم فلما جاءت آجال رباهم بعثوا إلى مكة للإقتضاء وكانت على بني المغيرة المخزوميين فقال بنو المغيرة لا نعطي شيأ فإن الربا قد وضع ورفعوا أمرهم إلى عتاب بن أسيد بمكة

فكتب به إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فنزلت الآية وكتب بها رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى عتاب فعلمت بها ثقيف فكفت هذا سبب الآية على اختصار مما روى ابن إسحاق وابن جريج والسدي وغيرهم فمعنى الآية أجعلوا بينكم وبين عذاب الله وقاية بترككم ما بقي لكم من ربا وصفحكم عنه ثم توعدهم تعالى إن لم يذروا الربا بحرب منه ومن رسوله وأمته والحرب داعية القتل وقوله تعالى فأذنوا قال سيبويه آذنت أعلمت ت وهكذا فسره البخاري فقال قال أبو عبد الله فأذنوا فأعلموا وقال ع هي عندي من الإذن وقال ابن عباس وغيره معناه فستفينوا بحرب ثم ردهم سبحانه مع التوبة إلى رؤوس أموالهم وقال لهم لا تظلمون في أخذ الزائد ولا تظلمون في أن يتمسك بشيء من رؤوس أموالكم ويحتمل لا تظلمون في مطل لأن مطل الغنى ظلم كما قال عليه السلام فالمعنى أنه يكون القضاء مع وضع الربا وهكذا سنة الصلح وهذا أشبه شيء بالصلح ألا ترى أن النبي صلى الله عليه و سلم لما أشار على كعب بن مالك في دين ابن أبي حدرد بوضع الشطر فقال كعب نعم فقال النبي صلى الله عليه و سلم للآخر قم فاقضه فتلقى العلماء أمره بالقضاء سنة في المصالحات وقوله سبحانه وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة حكم الله تعالى لأرباب الربا برؤوس أموالهم عند الواجدين للمال ثم حكم في ذي العسر بالنظرة إلى حال اليسر والعسر ضيق الحال من جهة عدم المال والنظرة التأخير ت وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه و سلم قال كان رجل يداين الناس فكان يقول لفتاه إذا أتيت معسرا فتجاوز عنه لعل الله يتجاوز عنا قال فلقي الله فتجاوز عنه وفي صحيح مسلم من سره أن ينجيه الله من كرب يوم القيامة فلينفس عن معسر أو يضع عنه وفي رواية من أنظر معسرا أو وضع عنه أنجاه الله من كرب

يوم القيامة وفي وراية من أنظر معسرا أو وضع عنه أظله الله في ظله انتهى والميسرة مصدر بمعنى اليسر وارتفع ذو عسرة بكان التامة التي هي بمعنى وجد وحدث وارتفع قوله فنظرة على خبر ابتداء مقدر تقديره فالواجب نظرة واختلف أهل العلم هل هذا الحكم بالنظرة إلى الميسرة واقف على أهل الربا خاصة وهو قول ابن عباس وشريح أو هو منسحب على كل دين حلال وهو قول جمهور العلماء ع وما قاله ابن عباس إنما يترتب إذا لم يكن فقر مدقع وأما مع الفقر والعدم الصريح فالحكم هي النظرة ضرورة ت ولا يخالف ابن عباس في ذالك وقوله تعالى وأن تصدقوا خير لكم ندب الله بهذه الألفاظ إلى الصدقة على المعسر وجعل ذلك خيرا من إنظاره قاله جمهور العلماء وروى سعيد ابن المسيب عن عمر بن الخطاب أنه قال كان آخر ما نزل من القرآن آية الربا وقبض رسول الله صلى الله عليه و سلم ولم يفسرها لنا فدعوا الربا والريبة وقال ابن عباس آخر ما نزل آية الربا قال ع ومعنى هذا عندي أنها من آخر ما نزل لأن جمهور الناس ابن عباس والسدي والضحاك وابن جريج غيرهم قالوا آخر آية نزلت قوله تعالى واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله وروي أن قوله واتقوا نزلت قبل موت النبي صلى الله عليه و سلم بتسع ليال ثم لم ينزل بعدها شيء وروي بثلاث ليال وروي أنها نزلت قبل موته بثلاث ساعات وأنه صلى الله عليه و سلم قال اجعلوها بين آية الربا وأية الدين وحكى مكي أن النبي صلى الله عليه و سلم قال جاءني جبريل فقال اجعلها على مائتين وثمانين آية من البقرة وقوله تعالى واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله الآية وعظ لجميع الناس وأمر يخص كل إنسان ت حدثني من اثق به أنه جلس عند شيخ من الأفاضل يجود عليه القرآن فقرأت عليه هذه الآية فبكى عندها ثم بكى

إلى ان فاضت نفسه ومال فحركوه فإذا هو ميت رحمه الله ونفع به يا هذا من صحا عقله من سكر هواه وجهله احترق بنار الندم والخجل من مهابة نظر ربه وتنكرت صورة حاله في عينه نفوس الأغبياء الجهال غافلة عن العظمة والجلال ولاهية عن أهوال المعاد والمآل مشغولة برذائل الأفعال وفضول القيل والقال والاستنباط والاحتيال لازدياد الأموال ولا يعلمون أنها فتنة ووبال وطول حساب وبلاء وبلبال اغتنموا يا ذوي البصائر نعمة الإمهال واطرحوا خوادع الأماني وكواذب الآمال فكأن قد فجأتكم هواجم الآجال انتهى من الكلم الفارقية في الحكم الحقيقية ويوما نصب على المفعول لا على الظرف وجمهور العلماء على أن هذا اليوم المحذر منه هو يوم القيامة والحساب والتوفية وقال قوم هو يوم الموت والأول اصح وهو يوم تنفطر لذكره القلوب وفي هذه الآية نص على أن الثواب والعقاب متعلق بكسب الإنسان وهذا رد على الجبرية وقوله تعالى يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه الآية قال ابن عباس هذه الآية نزلت في السلم خاصة قال ع معناه إن سلم أهل المدينة كان سبب الآية ثم هي تتناول جميع المداينات إجماعا ووصفه الأجل بمسمى دليل على أن الجهالة لا تجوز وقال جمهور العلماء الأمر بالكتب ندب إلى حفظ الأموال وإزالة الريب وإذا كان الغريم تقيا فما يضره الكتب وإن كان غير ذلك فالكتب ثقاف في دينه وحاجة صاحب الحق قال بعضهم إن أشهدت فحزم وإن ائتمنت ففي حل وسعة ع وهذا هو القول الصحيح ثم علم تعالى أنه سيقع الائتمان فقال إن وقع ذلك فليود الآية فهذه وصية للذين عليهم الديون واختلف في قوله تعالى وليكتب بينكم كاتب فقال عطاء والشعبي واجب على الكاتب أن يكتب إذا لم يوجد سواه وقال

السدي هو واجب مع الفراغ وقوله بالعدل معناه بالحق ثم نهى الله سبحانه الكتاب عن الإباية وحكى المهدوي عن الربيع والضحاك ان قوله تعالى ولا يأب منسوخ بقوله ولا يضار كاتب ولا شهيد قال ع أما إذا امكن الكتاب فليس يجب الكتب على معين بل له الامتناع الا إذا استأجره وأما إذا عدم الكاتب فيتوجه وجوب الندب حينئذ على الكاتب وقوله تعالى وليملل الذي عليه الحق الآية أمر الله تعالى الذي عليه الحق بالإملال لأن الشهادة انما تكون بحسب اقراره وإذا كتبت الوثيقة واقر بها فهي كإملاله والبخس النقص بنوع من المخادعة والمدافعة وهؤلاء الذين امروا بالإملال هم المالكون لأنفسهم إذا حضروا ثم ذكر تعالى ثلاثة انواع تقع نوازلهم في كل زمان فقال فإن كان الذي عليه الحق سفيها والسفيه الهلهل الرأي في المال الذي لا يحسن الأخذ لنفسه ولا الإعطاء منها مشبه بالثوب السفيه وهو الخفيف النسج والسفه الخفة وهذه الصفة في الشريعة لا تخلو من حجر اب أو وصي وذلك هو وليه ثم قال أو ضعيفا والضعيف هو المدخول في عقله وهذا أيضا قد يكون وليه أبا أو وصيا والذي لا يستطيع أن يمل هوالصغير ووليه وصية أو أبوه والغائب عن موضع الإشهاد لمرض أو لغير ذلك من الأعذار ووليه وكيله وأما الأخرس فيسوغ أن يكون من الضغفاء والأولى أنه ممن لا يستطيع وقوله بالعدل معناه بالحق وقصد الصواب وقوله تعالى واستشهدوا شهيدين الآية الاستشهاد طلب الشهادة وعبر ببناء مبالغة في شهيدين دلالة على من قد شهد وتكرر ذلك منه فكأنه إشارة إلى العدالة قال ابن العربي في أحكامه والصحيح أن الأمر بالاستشهاد محمول على الندب أه وقوله تعالى من رجالكم نص في رفض الكفار والصبيان والنساء وأما العبيد فاللفظ يتناولهم واختلف

العلماء فيهم وقول مالك والشافعي وأبي حنيفة وجمهور العلماء أن شهادتهم لا تجوز وغلبوا نقص الرق واسم كان الضمير الذي في قوله يكونا والمعنى في قول الجمهور فإن لم يكن المستشهد رجلين وقال قوم بل المعنى فإن لم يوجد رجلان ولا يجوز استشهاد المرأتين إلا مع عدم الرجال قال ع وهذا قول ضعيف ولفظ الآية لا يعطيه بل الظاهر منه قول الجمهور وقوله فرجل وامرأتان أي فليشهد أو فليكن رجل وامرأتان وقوله تعالى ممن ترضون من الشهداء رفع في موضع الصفة لقوله فرجل وامرأتان وهذا الخطاب لجميع الناس لكن المتلبس بهذه القصة هم الحكام وهذا كثير في كتاب الله يعم الخطاب فيما يتلبس به البعض وفي قوله ممن ترضون دليل على أن في الشهود من لا يرضى فيجيء من ذلك أن الناس ليسوا بمحمولين على العدالة حتى تثبت لهم وقوله تعالى أن تضل إحديهما الآية أن مفعول من أجله والشهادة لم تقع لأن تضل إحداهما وإنما وقع إشهاد امرأتين لأن تذكر إحداهما إن ضلت الأخرى قال سيبويه وهذا كما تقول اعددت هذه الخشبة أن يميل الحائظ فادعمه ع ولما كانت النفوس مستشرفة إلى معرفة أسباب الحوادث قدم في هذه العبارة ذكر سبب الأمر المقصود إلى أن يخبر به وهذا من أبرع الفصاحة إذ لو قال لك رجل اعددت هذه الخشبة أن أدعم بها هذا الحائظ لقال السامع ولم تدعم حائطا قائما فيجب ذكر السب فيقال إذا مال فجاء في كلامهم تقديم السبب اخصر من هذه المحاورة قال أبو عبيد ومعنى تضل تنسى ع والضلال عن الشهادة إنما هو نسيان جزء منها وذكر جزء ويبقى المرء بين ذلك حيران ضالا وقوله تعالى ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا الآية قال قتادة وغيره معنى الآية إذا دعوا ان يشهدوا وقال الحسن بن أبي الحسن

الآية جمعت أمرين لا تاب إذا دعيت إلى تحصيل الشهادة ولا إذا دعيت إلى أدائها وقاله ابن عباس وقال مجاهد معنى الآية لا تاب إذا دعيت إلى أداء شهادة قد حصلت عندك وأسند النقاش إلى النبي صلى الله عليه و سلم أنه فسر الآية بهذا ت وهذا هو الحقيقة في الآية وأما تسمية الشيء بما يؤل إليه فمجاز والشاهد حقيقة من حصلت له الشهادة قال مجاهد فأما إذا دعيت أو لا فإن شئت فاذهب وإن شئت فلا تذهب وقاله جماعة قال ع والآية كما قال الحسن جمعت أمرين والمسلمون مندوبون إلى معونة إخوانهم فإذا كانت الفسحة لكثرة الشهود والأمن من تعطل الحق فالمدعو مندوب وإن خيف تلف الحق بتأخر الشاهد وجب عليه القيام بها سيما إن كانت محصلة ودعي لأدائها فهذه آكد لأنها قلادة في العنق وأمانة تقتضي الأداء م ولا يأب الشهداء قال أبو البقاء مفعول يأب محذوف أي ولا يأب الشهداء إقامة الشهادة أو تحمل الشهادة وإذا ظرف ليأب ويحتمل أن يكون ظرفا للمفعول المحذوف ا ه وتسموا معناه تملوا وقدم الصغير اهتماما به وأقسط معناه أعدل وأقوم أي أشد إقامة وقيل أقوم من قام بمعنى اعتدل وأدنى معناه أقرب وترتابوا معناه تشكوا قال ابن هشام إلى أجله لا يصح تعلقه بتكتبوه لاقتضائه استمرار الكتابة إلى أجل الدين وإنما هو حال أي مستقرا في الذمة إلى أجله ا ه من المعنى وقوله تعالى إلا أن تكون تجارة حاضرة الآية لما علم الله سبحانه مشقة الكتب عليهم نص على ترك ذلك ورفع الجناح فيه في كل مبايعة بنقد وذلك في الأغلب إنما هو في قليل كالطعام ونحوه لا في كثير كالاملاك ونحوها وقال السدي والضحاك هذا فيما كان يدا بيد تأخذ وتعطي وقوله تعالى تديرونها يقتضي التقابض والبينونة في المقبوض وقوله تعالى واشهدوا إذا تبايعتم اختلف هل ذلك على الوجوب أو على

الندب والوجوب في ذلك قلق أما في الدقائق فصعب شاق وأما ما كثر فربما يقصد التاجر الاستيلاف بترك الإشهاد إلى غير ذلك من المصالح فلا يشهد ويدخل ذلك كله في الإئتمان ويبقى الأمر في الاشهاد ندبا لما فيه من المصلحة في الأغلب وحكى المهدوي عن قوم أنهم قالوا واشهدوا إذا تبايعتم منسوخ بقوله تعالى فإن أمن الآية وذكره مكي عن ابي سعيد الخدري واختلف الناس في معنى قوله تعالى ولا يضار كاتب ولا شهيد أي كاختلافهم في قوله تعالى لا تضار والدة بولدها هل الفعل مسند إلى الفاعل فأصله ولا يضارر كاتب ولا شهيد بكسر الراء وقيل مسند إلى المفعول الذي لم يسم فاعله فأصله ولا يضارر بفتحها ع ووجوه المضارة لا تنحصر وفك الفعل هي لغة الحجاز والإدغام لغة تميم وقوله وإن تفعلوا فإنه فسوق بكم أي وإن تفعلوا المضارة وقوله بكم أي حال بكم وباقي الآية موعظة وتهديد والله المستعان لا رب غيره وقيل معنى الآية الوعد لأن من اتقى علم الخير والهمة ت وفي العتبية من سماع ابن القاسم قال سمعت مالكا يقول سمعت أنه يقال ما زهد عبد واتقى الله إلا انطقه الله بالحكمة ا ه والمراد بهذا العلم العلم النافع الذي يورث الخشية قال أبو عمر ابن عبد البر روينا عن مسروق قال كفى بالمرء علما أن يخشى الله وكفى بالمرء جهلا ان يعجب بعلمه أبو عمر إنما أعرفه بعمله ا ه من كتاب فضل العلم وقوله تعالى وإن كنتم على سفر الآية لما ذكر الله تعالى الندب إلى الإشهاد والكتب لمصلحة حفظ الأموال والأديان عقب ذلك بذكر حال الأعذار المانعة من الكتب وجعل بدلها الرهن ونص على السفر إذ هو الغالب من الأعذار ويدخل في ذلك بالمعنى كل عذر قال ع رهن الشيء في كلام العرب معناه دام واستمر قيل ولما كان الرهن بمعنى الثبوت والدوام فمن ثم بطل الرهن عند الفقهاء إذا

خرج من يد المرتهن إلى يد الراهن لأنه فارق ما جعل له وقوله تعالى مقبوضة هي بينونة المرتهن بالرهن وأجمع الناس على صحة قبض المرتهن وكذلك على قبض وكيله فيما علمت واختلفوا في قبض عدل يوضع الرهن على يديه فقال مالك وجميع أصحابه وجمهور العلماء قبض العدل قبض وقال الحكم ابن عتيبة وغيره ليس بقبض وقول الجمهور أصح من جهة المعنى في الرهن وقوله تعالى فإن أمن بعضكم بعضا شرط ربط به وصية الذي عليه الحق بالأداء قال ابن العربي في أحكامه قوله تعالى فإن أمن بعضكم بعضا معناه إن أسقط الكتب والإشهاد والرهن وعول على أمانة المعامل فليؤد الأمانة وليتق الله ربه وهذا يبين أن الإشهاد ليس بواجب إذ لو كان واجبا لما جاز اسقاطه ثم قال وجملة الأمر أن الإشهاد حزم والائتمان ثقة بالله تعالى من الدائن ومروؤة من المديان ثم ذكر الحديث الصحيح في قصة الرجل من بني إسرائيل الذي استسلف ألف دينار وكيف تعاملا على الائتمان ثم قال ابن العربي وقد روي عن ابي سعيد الخدري أنه قرأ هذه الآية فقال هذا نسخ لكل ما تقدم يعني من الأمر بالكتب والإشهاد والرهن ا ه وقوله فليؤد أمر بمعنى الوجوب وقوله أمانته مصدر سمي به الشيء الذي في الذمة وقوله تعالى ولا تكتموا الشهادة الآية نهي فيه تهديد ووعيد وخص تعالى ذكر القلب إذ الكتم من أفعاله وإذ هو البضعة التي بصلاحها يصلح الجسد كله كما قال صلى الله عليه و سلم وفي قوله تعالى والله بما تعلمون عليم توعد وإن كان لفظها يعم الوعيد والوعد وروى البزار في مسنده عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال من مشي إلى غريمه بحقه صلت عليه دواب الأرض ونون الماء ونبت له بكل خطوة شجرة تغرس في الجنة وذنبه يغفر ا ه من الكوكب الدري قوله تعالى لله ما

في السموات وما في الأرض الآية المعنى جميع ما في السموات وما في الأرض ملك له سبحانه وقوله تعالى وإن تبدوا ما في أنفسكم الآية قوله ما في أنفسكم يقتضي قوة اللفظ أنه ما تقرر في النفس واستصحبت الفكرة فيه وأما الخواطر التي لا يمكن دفعها فليست في النفس إلا على تجوز واختلف في معنى هذه الآية فقال عكرمة وغيره هي في معنى الشهادة التي نهي عن كتمها فلفظ الآية على هذا التأويل العموم ومعناه الخصوص وكذا نقل الثعلبي وقال ابن عباس وأبو هريرة وجماعة من الصحابة والتابعين أن هذه الآية لما نزلت شق ذلك على الصحابة وقالوا هلكنا يا رسول الله إن حوسبنا بخواطر نفوسنا وشق ذلك على النبي صلى الله عليه و سلم لكنه قال لهم أتريدون أن تقولوا كما قالت بنو إسرائيل سمعنا وعصينا بل قولوا سمعنا وأطعنا فقالوها فأنزل الله بعد ذلك لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ونسخ بهذه تلك هذا معنى الحديث الصحيح وله طرق من جهات واختلفت عباراته وتعاضدت عبارة هؤلاء القائلين بلفظة النسخ في هذه النازلة وقال ابن عباس لما شق ذلك عليهم فأنزل الله تعالى لا يكلف الله نفسا إلا وسعها الآية فنسخت الوسوسة وثبت القول والفعل وقال آخرون هذه الآية محكمة غير منسوخة والله محاسب خلقه على ما عملوه واضمروه وأرادوه ويغفر للمؤمنين ويأخذ به أهل الكفر والنفاق ورجح الطبري أن الآية محكمة غير منسوخة ع وهذا هو الصواب وإنما هي مخصصة وذلك أن قوله تعالى وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه معناه بما هو في وسعكم وتحت كسبكم وذلك استصحاب المعتقد والفكر فيه فلما كان اللفظ مما يمكن أن تدخل فيه الخواطر أشفق الصحابة والنبي صلى الله عليه و سلم فبين الله تعالى لهم ما أراد بالآية الأولى وخصصها ونص على حكمه أنه لا يكلف نفسا إلا وسعها والخواطر ليست هي

ولا دفعها في الوسع بل هي أمر غالب وليست مما يكسب ولا يكتسب وكان في هذا البيان فرحهم وكشف كربهم وتأتي الآية محكمة لانسخ فيها ومما يدفع أمر النسخ أن الآية خبر والأخبار لا يدخلها النسخ فإن ذهب ذاهب إلى تقرير النسخ فإنما يترتب له في الحكم الذي لحق الصحابة حين فزعوا من الآية وذلك أن قول النبي صلى الله عليه و سلم لهم قولوا سمعنا وأطعنا يجيء منه الأمر بأن يبنوا على هذا ويلتزموه وينتظروا لطف الله في الغفران فإذا قرر هذا الحكم فصحيح وقوع النسخ فيه وتشبه الآية حينئذ قوله تعالى إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين فهذا لفظه الخبر ولكن معناه التزموا هذا وابنوا عليه واصبروا بحسبه ثم نسخ ذلك بعد ذلك فهذه الاية في البقرة أشبه شيء بها وقوله تعالى ويعذب من يشاء يعني من العصاة وتعلق قوم بهذه الآية ممن قال بجواز تكليف مالا يطاق وقالوا ان الله قد كلفهم امر الخواطر وذلك مما لا يطاق قال ع وهذا غير بين وإنما كان أمر الخواطر تأويلا تأوله أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم ولم يثبت تكليفا إلا على الوجه الذي ذكرناه من تقرير النبي صلى الله عليه و سلم إياهم على ذلك قال الشيخ الولي العارف بالله ابن أبي جمرة والخواطر عندهم ستة يعني عند العلماء العارفين بالله أولها الهمة ثم اللمة ثم الخطرة وهذه الثلاث عندهم غير مؤاخذ بها ثم نية ثم إرادة ثم عزيمة وهذه الثلاث مؤاخذ بها ا ه وقوله تعالى آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه الآية سبب هذه الآية أنه لما نزلت وإن تبدوا ما في أنفسكم واشفق منها النبي صلى الله عليه و سلم وأصحابه ثم تقرر الأمر على أن قالوا سمعنا وأطعنا ورجعوا إلى التضرع والاستكانة مدحهم الله تعالى وأثنى عليهم في هذه الآية وقدم ذلك بين يدي رفقه بهم فجمع لهم تعالى التشريف بالمدح والثناء

ورفع المشقة في أمر الخواطر وهذه ثمرة الطاعة والانقطاع إلى الله تعالى لا كما قالت بنو إسرائيل سمعنا وعصينا فأعقبهم ضد ذلك وهذه ثمرة العصيان اعاذنا الله من نقمه وآمن معناه صدق والرسول محمد صلى الله عليه و سلم وما أنزل إليه القرآن وسائر ما أوحى الله إليه من جملة ذلك وكل لفظة تصلح للإحاطة وهي كذلك هنا والإيمان بالله هو التصديق به أي بوجوده وصفاته ورفض كل معبود سواه والإيمان بملائكته هو اعتقادهم أنهم عباد لله مكرمون لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون والإيمان بكتبه هو التصديق بكل ما أنزل سبحانه على انبيائه وقرأ الجمهور لا نفرق بالنون والمعنى يقولون لا نفرق ومعنى هذه الآية أن المؤمنين ليسوا كاليهود والنصارى في أنهم يؤمنون ببعض ويكفرون ببعض وقوله تعالى وقالوا سمعنا وأطعنا مدح يقتضي الحض على هذه المقالة أن يكون المؤمن يمتثلها غابر الدهر والطاعة قبول الأوامر وغفرانك مصدر والعامل فيه فعل تقديره نطلب أو نسأل غفرانك ت وزاد أبو حيان قال وجوز بعضهم الرفع فيه على أن يكون مبتدأ أي غفرانك بغيتنا ا ه وإليك المصير إقرار بالبعث والوقوف بين يديه سبحانه وروي أن النبي صلى الله عليه و سلم لما أنزلت عليه هذه الآية قال له جبريل يا محمد إن الله قد أجل الثناء عليك وعلى أمتك فسل تعطه فسأل إلى آخر السورة وقوله تعالى لا يكلف الله نفسا إلا وسعها الآية خبر جزم نص على أنه لا يكلف الله العباد من وقت نزول الاية عبادة من أعمال القلب والجوارح ألا وهي في وسع المكلف وفي مقتضى إدراكه وبنيته وبهذا إنكشفت الكربة عن المسلمين في تأولهم أمر الخواطر وهذا المعنى الذي ذكرناه في هذه الآية يجري مع معنى قوله تعالى يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر وقوله تعالى وما جعل عليكم في الدين من حرج

وقوله فاتقوا الله ما استطعتم قال العراقي وسعها أي طاقتها ا ه قال ع واختلف الناس في جواز تكليف ما لا يطاق في الأحكام التي هي في الدنيا بعد اتفاقهم على أنه ليس واقعا الآن في الشرع وأن هذه الآية آذنت بعدمه واختلف القائلون بجوازه هل وقع في رسالة سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم أم لا فقالت فرقة وقع في نازلة أبي لهب لأنه حكم عليه بتب اليدين وصلي النار وذلك مؤذن أنه لا يؤمن وتكليف الشرع له الإيمان راتب فكأنه كلف أن يؤمن وأن يكون في إيمانه أنه لا يؤمن لأنه إذا آمن فلا محالة أن يدين بسورة تبت يدا أبي لهب وقالت فرقة لم يقع قط وقوله تعالى سيصلى نارا إنما معناه إن وافى على كفره ع ومالا يطاق على أقسام منه المحال عقلا كالجمع بين الضدين ومنه المحال عادة كرفع إنسان جبلا ومنه ما لا يطاق من حيث هو مهلك كالاحتراق بالنار ونحوه ومنه ما لا يطاق للاشتغال بغيره وهذا إنما يقال فيه ما لا يطاق على تجوز كثير وقوله تعالى لها ما كسبت يريد من الحسنات وعليها ما اكتسبت يريد من السيآت قاله جماعة المفسرين لا خلاف في ذلك والخواطر ونحوها ليس من كسب الإنسان وجاءت العبارة في الحسنات بلها من حيث هي مما يفرح الإنسان بكسبه ويسر المرء بها فتضاف إلى ملكه وجاءت في السيئة بعليها من حيث هي أوزار وأثقال ومتحملات صعبة وهذا كما تقول لي مال وعلي دين وكرر فعل الكسب فخالف بين التصريفين حسنا لنمط الكلام كما قال فمهل الكافرين أمهلهم رويدا هذا وجه ع والذي يظهر لي في هذا أن الحسنات مما يكسب دون تكلف إذ كاسبها على جادة أمر الله ورسم شرعه والسيئات تكتسب ببناء المبالغة إذ كاسبها يتكلف في أمرها خرق حجاب نهي الله تعالى ويتخطاه إليها فيحسن في الآية مجيء التصريفين لهذا

المعنى وقال المهدوي وغيره معنى الآية لا يؤاخذ أحد بذنب أحد قال ع وهذا صحيح في نفسه لكن من غير هذه الآية وقوله تعالى ربنا لا تؤاخذنا معناه قولوا واختلف الناس في معنى قوله سبحانه إن نسينا أو أخطأنا فذهب كثير من العلماء إلى أن هذا الدعاء في النسيان الغالب والخطأ غير المقصود وهو الصحيح عندي قال قتادة في تفسير الآية بلغني أن النبي صلى الله عليه و سلم وقال إن الله تعالى تجاوز لأمتي عن نسيانها وخطأها وقال السدي لما نزلت هذه الآية فقالوها قال جبريل للنبي صلى الله عليه و سلم قد فعل الله ذلك يا محمد قال ع فظاهر قوليهما ما صححته وذلك أن المؤمنين لما كشف عنهم ما خافوه في قوله تعالى يحاسبكم به الله أمروا بالدعاء في ذلك النوع الذي ليس من طاقة الإنسان دفعه وذلك في النسيان والخطأ والإصر الثقيل وما لا يطاق على اتم أنواعه وهذه الآية على هذا القول تقضي بجواز تكليف ما لا يطاق ولذلك أمر المؤمنين بالدعاء في أن لا يقع هذا الجائز الصعب ومذهب أبي الحسن الأشعري وجماعة من المتكلمين إن تكليف ما لا يطاق جائز عقلا ولا يخرم ذلك شيئا من عقائد الشرع وذهب الطبري وغيره إلى أن تكليف ما لا يطاق غير جائز وإن النسيان في الآية بمعنى الترك أي إن تركنا شيئا من طاعتك والخطأ هو المقصود من العصيان والإصر هي العبادات الثقيلة كتكاليف بني إسرائيل وما لا طاقة للمرء به هو عندهم على تجوز كما تقول لا طاقة لي على خصومة فلان أو لا طاقة لنا به من حيث هو مهلك كعذاب جهنم وغيره ثم قال تعالى فيما أمر المؤمنين بقوله واعف عنا أي فيما واقعناه وأغفر لنا أي استر علينا ما علمت منا وارحمنا أي تفضل مبتدئا برحمة منك لنا فهذه مناح من الدعاء متباينة وأنت مولانا مدح في ضمنه تقرب إليه وشكر على نعمه ومولى هو من ولي وفي الحديث

إن جبريل عليه السلام قال للنبي صلى الله عليه و سلم قل ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا فقالها فقال جبريل قد فعل قال قل كذا وكذا فيقولها فيقول جبريل قد فعل إلى آخر السورة وتظاهرت بهذا المعنى أحاديث وروى أبو مسعود عقبة ابن عمرو عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال من قرأ الآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه يعني من قيام الليل قال صاحب سلاح المؤمن هذا الحديث رواه الجماعة يعني الستة ومعنى كفتاه اجزتاه عن قيام الليل وقيل كفتاه من كل شيطان فلا يقربه ليلته وقيل كفتاه ما يكون من الآفات تلك الليلة وقيل معناه حسبه بهما فضلا وأجرا ويحتمل الجميع والله أعلم ا ه من سلاح المؤمن وقال علي رضي الله عنه ما أظن أحدا عقل وأدرك الإسلام ينام حتى يقرأهما وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه و سلم قال أوتيت هؤلاء الآيات من آخر سورة البقرة من كنز تحت العرش لم يؤتهن أحد قبلي كمل تفسير سورة البقرة والحمد لله
سورة آل عمران بسم الله الرحمن الرحيم
هذه السورة مدنية بإجماع في ما علمت قوله جلت قدرته ألم الله لا إله إلا هو الحي القيوم الابرع في نظم الآية أن يكون الله لا إله إلا هو الحي القيوم كلاما مبتدأ جزما جملة رادة على نصارى نجران الذين وفدوا على النبي صلى الله عليه و سلم فحاجوه في عيسى ابن مريم وقالوا أنه الله على ما هو معلوم في السير فنزل فيهم صدر هذه السورة إلى نيف وثمانين آية منها إلى أن دعاهم صلى الله عليه و سلم إلى الابتهال وقد تقدم تفسير قوله الحي القيوم في آية الكرسي والآية هناك اخبار لجميع الناس وكررت هنا إخبارا يح هؤلاء النصارى ويرد عليهم إذ هذه الصفات لا يمكنهم ادعاؤها لعيسى عليه السلام لأنهم إذ يقولون أنه

صلب فذلك موت في معتقدهم وإذ من البين أنه ليس بقيوم وقراءة الجمهور القيوم وقرىء خارج السبع القيام والقيم وهذا كله من قام بالأمر يقوم به إذا اضطلع بحفظه وبجميع ما يحتاج إليه في وجوده فالله تعالى القيام على كل شيء مما ينبغي له أو فيه أو عليه ت وقد تقدم ما نقلناه في هذا الاسم الشريف أنه اسم الله الأعظم قال النووي وروينا في كتاب الترمذي عن أنس عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه كان إذا كربه أمر قال يا حي يا قيوم برحمتك استغيث قال الحاكم هذا حديث صحيح الإسناد ا ه قال صاحب سلاح المؤمن وعن علي رضي الله عنه قال لما كان يوم بدر قاتلت شيئا من قتال ثم جئت إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم أنظر ما صنع فجئت فإذا هو ساجد يقول يا حي يا قيوم يا حي يا قيوم ثم رجعت إلى القتال ثم جئت فإذا هو ساجد لا يزيد على ذلك ثم ذهبت إلى القتال ثم جئت فإذا هو ساجد يقول ذلك ففتح الله عليه رواه النسائي والحاكم في المستدرك واللفظ للنسائي وعن أسماء بنت يزيد رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه و سلم قال اسم الله الأعظم في هاتين الآيتين وإلهكم اله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم وفاتحة آل عمران ألم الله لا إله إلا هو الحي القيوم رواه أبو داود واللفظ له والترمذي وابن ماجه وقال الترمذي هذا حديث حسن صحيح وعن أبي إمامة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال اسم الله الأعظم في ثلاث سور في سورة البقرة وآل عمران وطه قال القاسم فالتمستها أنه الحي القيوم انتهى وقوله بالحق يحتمل معنيين أحدهما أن يكون المعنى ضمن الحقائق في خبره وأمره ونهيه ومواعظه والثاني أن يكون المعنى أنه نزل الكتاب باستحقاق ان ينزل لما فيه من المصلحة الشاملة وليس ذلك على أنه واجب على الله تعالى أن يفعله ت أي إذ لا يجب على الله سبحانه فعل قال

ع فالباء في هذا المعنى على حد قوله سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق وقيل معنى بالحق أي مما اختلف فيه أهل الكتاب واضطرب فيه هؤلاء النصارى الوافدون قال ع وهذا داخل في المعنى الأول وقوله مصدقا حال مؤكدة لأنه لا يمكن أن يكون غير مصدق لما بين يديه من كتب الله سبحانه وما بين يديه هي التوراة والإنجيل وسائر كتب الله التي تلقيت من شرعنا وقوله تعالى من قبل يعني من قبل القرآن وقوله هدى للناس معناه دعاء والناس بنو إسراءيل في هذا الموضع وإن كان المراد أنهما هدى في ذاتهما مدعو إليه فرعون وغيره فالناس عام في كل من شاء حينئذ أن يستبصر والفرقان القرآن لأنه فرق بين الحق والباطل ثم توعد سبحانه الكفار عموما بالعذاب الشديد والإشارة بهذا الوعيد إلى نصارى نجران وعزيز معناه غالب والنقمة والانتقام معاقبة المذنب بمبالغة في ذلك قوله تعالى إن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء هذه الآية خبر عن علم الله تعالى بالأشياء على التفصيل وهذه صفة لم تكن لعيسى ولا لأحد من المخلوقين ثم أخبر سبحانه عن تصويره للبشر في أرحام الأمهات هذا أمر لا ينكره عاقل ولا ينكر أن عيسى وسائر البشر لا يقدرون عليه ولا ينكر ان عيسى من المصورين كغيره من سائر البشر فهذه الآية تعظيم لله جلت قدرته في ضمنها الرد على نصارى نجران وفي قوله أن الله لا يخفى عليه شيء وعيد وشرح النبي صلى الله عليه و سلم كيفية التصوير في الحديث الذي رواه ابن مسعود وغيره أن النطفة إذا وقعت في الرحم مكثت نطفة أربعين يوما ثم تكون علقة أربعين يوما ثم مضغة مثل ذلك ثم يبعث الله إليها ملكا فيقول يا رب أذكر أم أنثى اشقي أم سعيد الحديث بطوله على اختلاف ألفاظه وفي

مسند ابن سنجر حديث أن الله سبحانه يخلق عظام الجنين وغضاريفه من مني الرجل ولحمه وشحمه وسائر ذلك من مني المرأة وصور بناء مبالغة من صار يصور إذا أمال وثنى إلى حال ما فلما كان التصوير إمالة إلى حال وإثباتا فيها جاء بناؤه على المبالغة والكتاب في هذه لآية القرآن بإجماع والمحكمات المفصلات المبينات الثابتات الأحكام والمتشابهات هي التي تحتاج إلى نظر وتأويل ويظهر فيها ببادى النظر إما تعارض مع أخرى وإما مع العقل إلى غير ذلك من أنواع التشابه فهذا الشبه الذي من أجله توصف بمتشابهات إنما هو بينها وبين المعاني الفاسدة التي يظنها اهل الزيغ ومن لم ينعم النظر وهذا نحو الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه و سلم الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور متشابهات أي يكون الشيء حراما في نفسه فيشبه عند من لم ينعم النظر شيئا حلالا وكذلك الآية يكون لها في نفسها معنى صحيح فيشبه عند من لم ينعم النظر أو عند الزائغ معنى آخر فاسدا فربما أراد الإعتراض به على كتاب الله هذا عندي معنى الإحكام والتشابه في هذه الآية قال ع وأحسن ما قيل في هذه الآية قول محمد بن جعفر بن الزبير أن المحكمات هي التي فيهن حجة الرب وعصمة العباد ودفع الخصوم والباطل ليس لها تصريف ولا تحريف عما وضعن عليه والمتشابهات لها تصريف وتحريف وتأويل ابتلى الله فيهن العباد قال ابن الحاجب في منتهى الوصول مسألة في القرآن محكم ومتشابه قال تعالى منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فالمحكم المتضح المعنى قال الرهوني يعني نصا كان أو ظاهرا والمتشابه مقابلة إما للاشتراك مثل ثلاثة قروء أو للإجمال مثل الذي بيده عقدة النكاح وما ظاهره التشبيه مثل من روحي وأيدينا وبيدي وبيمينه ويستهزىء ومكر الله ونحوه والظاهر الوقف على والراسخون

في العلم لأن الخطاب بما لا يفهم بعيد انتهى قال الرهوني وسمى ما ذكر متشابها لاشتباهه على السامع قال الرهوني والحق الوقف على وما يعلم تأويله إلا الله وهو المروي عن جماعة منهم ابن عباس وابن عمر وابن مسعود ومالك وغيرهم وفي مصحف أبي وما يعلم تأويله إلا الله ويقول الراسخون في العلم آمنا به ا ه وقوله تعالى هن أم الكتاب أي معظم الكتاب وعمدة ما فيه إذ المحكم في آيات الله كثير قد فصل ولم يفرط في شيء منه قال يحيى بن يعمر كما يقال لمكة أم القرى قال ع وكما يقال أم الراس لمجتمع الشؤن فجميع المحكم هو ام الكتاب ومعنى الآية الإنحاء على أهل الزيغ والمذمة لهم والإشارة بذلك أولا إلى نصارى نجران وإلى اليهود الذين كانوا معاصرين لمحمد صلى الله عليه و سلم فإنهم كانوا يعترضون معاني القرآن ثم يعم بعد ذلك كل زائع فذكر تعالى أنه نزل الكتاب على نبيه محمد صلى الله عليه و سلم إفضالا منه ونعمة وإن محكمه وبينه الذي لا اعتراض فيه هو معظمه والغالب فيه وأن متشابهه الذي يحتمل التأويل ويحتاج إلى التفهم هو أقله ثم إن أهل الزيغ يتركون المحكم الذي فيه غنيتهم ويتبعون المتشابه ابتغاء الفتنة وأن يفسدوا ذات البين ويردوا الناس إلى زيغهم م قال أبو البقاء وآخر معطوف على آيات ومتشابهات نعت لآخر ا ه وقوله تعالى الذين في قلوبهم زيغ يعم كل طائفة من كافر وزنديق وجاهل صاحب بدعة والزيغ الميل وابتغاء نصب على المفعول من أجله ومعناه طلب الفتنة قال الربيع الفتنة هنا الشرك وقال مجاهد الفتنة الشبهات واللبس على المؤمنين ثم قال وابتغاء تأويله والتأويل هو مرد الكلام ومرجعه والشيء الذي يقف عليه من المعاني وهو من آل يؤل إذا رجع فالمعنى وطلب تأويله على منازعهم الفاسدة هذا في ماله تأويل حسن

وإن كان مما لا يتأول بل يوقف فيه كالكلام في معنى الروح ونحوه فنفس طلب تأويله هو اتباع ما تشابه ثم قال تعالى وما يعلم تأويله إلا الله أي وما يعلم تأويله على الكمال إلا الله سبحانه واختلف في قوله والراسخون في العلم فرأت فرقة أن رفع الراسخين هو بالعطف على اسم الله عز و جل وأنه مع علمهم بالمتشابه يقولون آمنا به وقالت طائفة أخرى والراسخون رفع بالابتداء وهو مقطوع من الكلام الأول وخبره يقولون والمنفرد بعلم المتشابه هو الله وحده قال ع وهذه المسألة إذا تؤملت قرب الخلاف فيها من الاتفاق وذلك أن الله تعالى قسم أي الكتاب قسمين محكما ومتشابها فالمحكم هو المتضح المعنى لكل من يفهم كلام العرب لا يحتاج فيه إلى نظر ولا يتعلق به شيء يلبس ويستوي في علمه الراسخ وغيره والمتشابه على نوعين منه مالا يعلم البتة كأمر الروح وآماد المغيبات التي قد اعلم الله بوقوعها إلى سائر ذلك ومنه ما يحمل على وجوه في اللغة ومناح في كلام العرب فيتأول ويعلم تأويله ولا يسمى أحد راسخا إلا أن يعلم من هذا النوع كثيرا بحسب ما قدر له فمن قال أن الراسخين يعلمون تأويل المتشابه فمراده النوع الثاني الذي ذكرناه ومن قال أن الراسخين لا يعلمون تأويله فمراده النوع الأول كأمر الروح ووقت الساعة لكن تخصيصه المتشابه بهذا النوع غير صحيح بل هما نوعان كما ذكرنا والضمير في تأويله عائد على جميع متشابه القرآن وهما نوعان كما ذكرنا والرسوخ الثبوت في الشيء وسئل النبي صلى الله لعيه وسلم عن الراسخين في العلم فقال هو من برت يمينه وصدق لسانه واستقام قلبه قلت ومن جامع العتبية وسئل مالك عن تفسير الراسخين في العلم فقال العالمون العاملون بما علموا المتبعون له قال ابن رشد قول مالك هذا هو معنى ما روي من أن النبي صلى الله عليه و سلم سئل من الراسخ في العلم

فقال من برت يمينه وصدق لسانه واستقام به قلبه وعف بطنه فذلك الراسخ في العلم قال ابن رشد ويشهد لصحة هذا قول الله عز و جل إنما يخشى الله من عباده العلماء لأنه كلام يدل على أن من لم يخش الله فليس بعالم انتهى قلت وقد جاء في فضل العلم آثار كثيرة فمن احسنها ما رواه أبو عمر بن عبد البر بسنده عن معاذ بن جبل قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم تعلموا العلم فإن تعليمه لله خشية وطلبه عبادة ومذاكرته تسبيح والبحث عنه جهاد وتعليمه لمن لا يعلمه صدقة وبذله لأهله قربة لأنه معالم الحلال والحرام ومنار سبل أهل الجنة وهو الأنيس في الوحشة والصاحب في الغربة والمحدث في الخلوة والدليل على السراء والضراء والسلاح على الأعداء والزين عند الاخلاء ويرفع الله به أقواما فيجعلهم في الخير قادة وأئمة تقتص آثارهم ويقتدي بفعالهم وينتهي إلى رأيهم وترغب الملائكة في خلتهم وبأجنحتها تمسحهم ويستغفر لهم كل رطب ويابس وحيتان البحر وهوامه وسباع البر وأنعامه لأن العلم حياة القلوب من الجهل ومصابيح الأبصار من الظلم يبلغ العبد بالعلم منازل الأخيار والدرجات العلى في الدنيا والآخرة الفكر فيه يعدل الصيام ومدارسته تعدل القيام به توصل الأرحام وبه يعرف الحلال من الحرام هو أمام العمل والعمل تابعه يلهمه السعداء ويحرمه الأشقياء قال أبو عمر هكذا حدثنيه عبيد بن محمد مرفوعا بالإسناد الذي رويناه به عنه وهو حديث حسن جدا ولكن ليس له إسناد قوي ورويناه من طرق شتى موقوفا على معاذ انتهى من كتاب فضل العلم قال الشيخ العارف أبو القاسم عبد الرحمن بن يوسف اللجاءي رحمه الله ومن علامة نور العلم إذا حل بالقلب المعرفة والمراقبة والحياء والتوبة والورع والزهد والتوكل والصبر والرضى والأنس والمجاهدة والضمت والخوف والرجاء والقناعة وذكر الموت ا ه وقوله تعالى كل من عند ربنا

فيه ضمير عائد على كتاب الله محكمه ومتشابهه والتقدير كله من عند ربنا ثم قال تعالى وما يذكر إلا أولوا الألباب أي ما يقول هذا ويؤمن ويقف حيث وقف ويدع اتباع المتشابه إلا ذو لب وهو العقل وأولوا جمع ذو وقوله تعالى ربنا لا تزغ قلوبنا الآية لما ذكر الله سبحانه أهل الزيغ وذكر نقيضهم وظهر ما بين الحالتين عقب ذلك بأن علم عباده الدعاء اليه في أن لا يكونوا من الطائفة الذميمة التي ذكرت وهم اهل الزيغ ويحتمل أن يكون هذا من تمام قول الراسخين وتزغ معناه تمل قلوبنا عن الهدى والحق ومن لدنك معناه من عندك تفضلا لا عن سبب منا ولا عمل وفي هذا استسلام وتطارح والمراد هب لنا نعيما صادرا عن الرحمة وقوله تعالى ربنا إنك جامع الناس ليوم لا ريب فيه إقرار بالبعث ليوم القيامة والريب الشك والمعنى أنه في نفسه حق لا ريب فيه وقوله تعالى إن الله لا يخلف الميعاد يحتمل أن يكون إخبارا منه سبحانه لمحمد صلى الله عليه و سلم وأمته ويحتمل أن يكون حكاية من قول الداعين ففي ذلك إقرار بصفة ذات الله تعالى والميعاد من الوعد وقوله تعالى إن الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا الآية الإشارة بالآية إلى معاصري النبي صلى الله عليه و سلم وكانوا يفخرون بأموالهم وأبنائهم وهي بعد متناولة كل كافر والوقود بفتح الواو كل ما يحترق في النار من حطب ونحوه والدأب والدأب بسكون الهمزة وفتحها مصدر دأب يدأب إذا لازم فعل شيء ودام عليه مجتهدا فيه ويقال للعادة دأب والمعنى في الآية تشبيه هؤلاء في لزومهم الكفر ودوامهم عليه بأولائك المتقدمين وآخر الآية يقتضي الوعيد بأن يصيب هؤلاء ما أصاب اولائك والكاف في قوله كدأب في موضع رفع والتقدير دأبهم كداب والضمير في قبلهم عائد على آل فرعون ويحتمل على معاصري رسول

الله صلى الله عليه و سلم من الكفار وقوله كذبوا بآياتنا يحتمل أن يريد المتلوة ويحتمل أن يريد العلامات المنصوبة وقوله تعالى قل للذين كفروا ستغلبون الآية اختلف في تعيين هؤلاء الذين امر صلى الله عليه و سلم بالقول لهم فقيل هم جميع معاصريه أمر أن يقول لهم هذا الذي فيه إعلام بغيب فوقع بحمد الله كذلك فغلبوا وصار من مات منهم على الكفر إلى جهنم وتظاهرت روايات عن ابن عباس وغيره بأن المراد يهود المدينة لما قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم من غزوة بدر جمعهم وقال يا معشر يهود أسلموا من قبل أن يصيبكم ما أصاب قريشا فقالوا يا محمد لا تغرنك نفسك أن قتلت نفرا من قريش كانوا اغمارا لا يعرفون القتال انك لو قاتلتنا لعرفت أنا نحن الناس فأنزل الله فيهم هذه الآية والحشر الجمع والإحضار وقوله تعالى وبيس المهاد يعنى جهنم هذا ظاهر الآية وقال مجاهد المعنى بيس ما مهدوا لأنفسهم قال ع فكان المعنى وبيس فعلهم الذي أداهم إلى جهنم وقوله تعالى قد كان لكم آية في فئتين الآية تحتمل أن يخاطب بها المؤمنون تثبيتا لنفوسهم وتشجيعا لها وأن يخاطب بها جميع الكفار وأن يخاطب بها يهود المدينة وبكل احتمال منها قد قال قوم وقرىء شاذا ترونهم بضم التاء فكأن معناها أن اعتقاد التضعيف في جمع الكفار إنما كان تخمينا وظنا لا يقينا وذلك أن أرى بضم الهمزة تقولها فيما بقي عندك فيه نظر وأرى بفتح الهمزة تقولها في ما قد صح نظرك فيه ونحا هذا المنحى أبو الفتح وهو صحيح والمراد بالفئتين جماعة المؤمنين وجماعة الكفار ببدر قال ع ولا خلاف أن الإشارة بهاتين الفئتين هي إلى يوم بدر ويؤيد معناه يقوي من الأيد وهو القوة وقوله تعالى زين للناس حب الشهوات الآية هذه الآية ابتداء وعظ

لجميع الناس وفي ضمن ذلك توبيخ والشهوات ذميمة واتباعها مرد وطاعتها مهلكة وقد قال صلى الله عليه و سلم حفت النار بالشهوات وحفت الجنة بالمكاره فحسبك أن النار حفت بها فمن واقعها خلص إلى النار قلت وقد جاءت احاديث كثيرة في التزهيد في الدنيا ذكرنا من صحيحها وحسنها في هذا المختصر جملة صالحة لا توجد في غيره من التفاسير فعليك بتحصيله فتطلع فيه على جواهر نفيسة لا توجد مجموعة في غيره كما هي بحمد الله حاصلة فيه وكيف لا يكون هذا المختصر فائقا في الحسن واحاديثه بحمد الله مختارة اكثرها من اصول الإسلام الستة البخاري ومسلم وأبي داود والترمذي والنساءي وابن ماجه فهذه أصول الإسلام ثم من غيرها كصحيح ابن حبان وصحيح الحاكم اعنى المستدرك على الصحيحين وأبي عوانة وابن خزيمة والدارمي والموطأ وغيرها من المسانيد المشهورة بين ائمة الحديث حسبما هو معلوم في علم الحديث وقصدي من هذا نصح من اطلع على هذا الكتاب أن يعلم قدر ما أنعم الله به عليه فإن التحدث بالنعم شكر ولنرجع الى ما قصدناه من نقل الاحاديث روى الترمذي عن عائشة رضي الله عنها قالت قال لى رسول الله صلى الله عليه و سلم إن أردت اللحوق بي فليكفيك من الدنيا كزاد الراكب وإياك ومجالسة الأغنياء ولا تستخلفي ثوبا حتى ترقعيه حديث غريب وقال النبي صلى الله عليه و سلم أن البذاذة من الإيمان خرجه أبو داود وقد نقله البغوي في مصابيحه والبذاذة هي رث الهيئة ا ه والقناطير جمع قنطار وهو العقدة الكثيرة من المال واختلف الناس في تحرير حده واصح الأقوال فيه ما رواه أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال القنطار ألف ومائتا أوقية لكن القنطار على هذا يختلف باختلاف البلاد في قدر الأوقية وقوله المقنطرة قال الطبري

معناه المضعفة وقال الربيع المال الكثير بعضه على بعض ص المقنطرة مفعللة أو مفنعلة من القنطار ومعناه المجتمعة م أبو البقاء ومن الذهب في موضع الحال من المقنطرة ا ه وقوله المسومة قال مجاهد معناه المطهمة الحسان وقال ابن عباس وغيره معناه الراعية وقيل المعدة والأنعام الأصناف الأربعة الإبل والبقر والضأن والمعز ص والأنعام واحدها نعم والنعم الإبل فقط وإذا جمع انطلق على الإبل والبقر والغنم ا ه والحرث هنا اسم لكل ما يحرث من حب وغيره والمتاع ما يستمتع به وينتفع مدة ما منحصرة والمئاب المرجع فمعنى الآية تقليل أمر الدنيا وتحقيرها والترغيب في حسن المرجع إلى الله تعالى وقوله تعالى قل أؤنبئكم بخير من ذلكم الآية في هذه الآية تسلية عن الدنيا وتقوية لنفوس تاركيها ذكر تعالى حال الدنيا وكيف استقر تزيين شهواتها ثم جاء بالانباء بخير من ذلك هازا للنفوس وجامعا لها لتسمع هذا النبأ المستغرب النافع لمن عقل وأنبىء معناه اخبر وقوله تعالى ورضوان من الله الرضوان مصدر من رضي وفي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه و سلم أن أهل الجنة إذا استقروا فيها وحصل لكل واحد منهم مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر قال الله لهم أتريدون أن أعطيكم ما هو افضل من هذا قالوا يا ربنا وأي شيء افضل من هذا فيقول الله سبحانه احل عليكم رضواني فلا اسخط عليكم أبدا هذا سياق الحديث وقد يجيء مختلف الألفاظ والمعنى قريب بعضه من بعض قال الفخر وذلك أن معرفة أهل الجنة مع هذا النعيم المقيم بأنه تعالى راض عنهم مثن عليهم أزيد عليهم في إيجاب السرور ا ه وباقي لآية بين وقد تقدم في سورة البقرة بيانه وقوله تعالى الذين يقولون ربنا إننا ءامنا فاغفر لنا ذنوبنا الآية الذين بدل من الذين اتقوا وفسر سبحانه في هذه

الآية أحوال المتقين الموعودين بالجنات والصبر في هذه الآية معناه على الطاعات وعن المعاصي والشهوات والصدق معناه في الأقوال والأفعال والقنوت الطاعة والدعاء أيضا وبكل ذلك يتصف المتقي والإنفاق معناه في سبيل الله ومظان الأجر والاستغفار طلب المغفرة من الله سبحانه وخص تعالى السحر لما فيه من الفضل حسبما ورد فيه من صحيح الأحاديث كحديث النزول هل من داع فأستجيب له هل من مستغفر فأغفر له إلى غير ذلك مما ورد في فضله قلت تنبيه قال القرطبي في تذكرته وقد جاء حديث النزول مفسرا مبينا في ما خرجه النساءي عن أبي هريرة وأبي سعيد قالا قال النبي صلى الله عليه و سلم أن الله عز و جل يمهل حتى يمضى شطر الليل الأول ثم يأمر مناديا يقول هل من داع يستجاب له هل من مستغفر يغفر له هل من سائل يعطي صححه أبو محمد عبد الحق ا ه وخرج أبو بكر بن الخطيب بسنده عن عبد الرحمن بن عوف عن النبي صلى الله عليه و سلم قال أن نزول الله تعالى إلى الشيء اقباله عليه من غير نزول ا ه والسحر أخر الليل قال نافع كان ابن عمر يحي الليل صلاة ثم يقول يا نافع اسحرنا فأقول لا فيعاود الصلاة ثم يسأل فإذا قلت نعم قعد يستغفر قال ع وحقيقة السحر في هذه الأحكام الشرعية من الاستغفار المحمود وسحور الصائم ومن يمين لو وقعت إنما هي من ثلث الليل الآخر إلى الفجر وقوله تعالى شهد الله أنه لا اله إلا هو الآية معنى شهد الله أعلم عباده بهذا الأمر الحق وقال ص شهد بمعنى علم أو قضى أو حكم أو بين وهي أقوال ا ه واسند أبو عمر بن عبد البر في كتاب فضل العلم عن غالب القطان قال كنت اختلف إلى الأعمش فرأيته ليلة قام يتهجد من الليل وقرأ بهذه الآية شهد الله أنه لا اله إلا هو والملائكة واولوا العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم إن الدين عند الله الإسلام قال

الأعمش وأنا أشهد بما شهد الله به واستودع الله هذه الشهادة فقلت للأعمش أني سمعتك تقرأ هذه الآية ترددها فما بلغك فيها قال حدثني أبو وائل عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه و سلم قال يجاء بصاحبها يوم القيامة فيقول الله سبحانه عبدي عهد إلي وأنا أحق من وفى بالعهد أدخلوا عبدي الجنة ا ه وقرأ جميع القراء أنه بفتح الهمزة وبكسرها من قوله إن الدين على استيناف الكلام وقرأ الكساءي وحده أن الدين بفتح الهمزة بدل من أنه الأولى والملائكة وأولوا العلم عطف على اسم الله قال الفخر المراد بأولي العلم هنا الذين عرفوا الله بالدلالة القطعية لأن الشهادة إنما تكون مقبولة إذا كان الإخبار مقرونا بالعلم وهذا يدل أن هذه الدرجة الشريفة ليست إلا للعلماء بالأصول وتكررت لا اله إلا الله هنا وفائدة هذا التكرير الإعلام بأن المسلم يجب أن يكون أبدا في تكرير هذه الكلمة فإن أشرف كلمة يذكرها الإنسان هي هذه الكلمة وإذا كان في أكثر الأوقات مشتغلا بذكرها وبتكريرها كان مشتغلا بأعظم أنواع العبادات فكان من التكرير في هذه الآية حض العباد على تكريرها ا ه وصح في البخاري عنه صلى الله عليه و سلم أنه قال اسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال لا اله إلا الله خالصا من قبل نفسه وروى زيد بن أرقم عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال من قال لا اله إلا الله مخلصا دخل الجنة قيل يا رسول الله وما إخلاصها قال أن تحجزه عن محارم الله خرجه الترمذي الحكيم في نوادر الأصول ا ه من التذكرة وقائما حال من اسمه تعالى في قوله شهد الله أو من قوله إلا هو القسط العدل وقوله تعالى إن الدين عند الله الإسلام الآية الدين في هذه الآية الطاعة والملة والمعنى أن الدين المقبول او النافع هو الإسلام والإسلام في هذه الآية هو الإيمان والطاعات قاله أبو العالية وعليه جمهور المتكلمين وحديث بني الإسلام على

خمس وحديث مجيء جبريل يعلم الناس دينهم يفسر ذلك ثم أخبر تعالى عن اختلاف أهل الكتاب بعد علمهم بالحقائق وأنه كان بغيا وطلبا للدنيا قاله ابن عمر وغيره والذين أوتوا الكتاب لفظ يعم اليهود والنصارى لكن الربيع بن أنس قال المراد بهذه الآية اليهود اختلفوا بعد موت موسى وبعد مضي ثلاثة قرون وقيل الآية توبيخ لنصارى نجران وسرعة الحساب يحتمل أن يراد بها مجيء القيامة والحساب إذ كل ءات قريب ويحتمل أن يراد بسرعة الحساب أن الله تعالى بإحاطته بكل شيء علما لا يحتاج إلى عد ولا فكرة قاله مجاهد وقوله تعالى فإن حاجوك فقل أسلمت وجهي لله ومن اتبعني الآية الضمير في حاجوك لليهود ولنصارى نجران والمعنى أن جادلوك وتعنتوا بالأقاويل المزورة والمغالطات فأسند إلى ما كلفت من الإيمان والتبليغ وعلى الله نصرك وقوله وجهي يحتمل أن يراد به المقصد أي جعلت مقصدي لله ويحتمل أن يراد به الذات أي اسلمت شخصي وذاتي لله وأسلمت في هذا الموضع بمعنى دفعت وأمضيت وليست بمعنى دخلت في السلم لأن تلك لا تتعدى ومن اتبعني في موضع رفع عطفا على الضمير في أسلمت والذين أوتوا الكتاب في هذا الموضع يجمع اليهود والنصارى باتفاق والأميون الذين لا يكتبون وهم العرب في هذه الآية وقوله ءأسلمتم تقرير في ضمنه الأمر وقال الزجاج ءأسلمتم تهدد وهو حسن والبلاغ مصدر بلغ بتخفيف عين الفعل وفي قوله تعالى والله بصير بالعباد وعد للمؤمنين ووعيد للكافرين وقوله تعالى إن الذين يكفرون بآيات الله الآية هذه الآية نزلت في اليهود والنصارى وتعم كل من كان بهذه الحال وفيها توبيخ للمعاصرين لرسول الله صلى الله عليه و سلم روى أبو عبيدة بن الجراح عن النبي صلى الله عليه و سلم أن بني إسرائيل قتلوا ثلاثة وأربعين نبيا فاجتمع من عبادهم

وأحبارهم مائة وعشرون ليغيروا المنكر وينكروا فقتلوا جميعا كل ذلك في يوم واحد وذلك معنى قوله تعالى ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس وحبطت معناه بطلت وقوله تعالى ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يدعون إلى كتاب الله الآية قال ابن عباس نزلت هذه الآية بسبب أن النبي صلى الله عليه و سلم دخل بيت المدراس على جماعة من يهود فدعاهم إلى الله تعالى فقال له نعيم بن عمرو والحارث بن زيد على أي دين أنت يا محمد فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم أنا على ملة إبراهيم صلى الله عليه و سلم فقالا إن إبراهيم كان يهوديا فقال لهم النبي صلى الله عليه و سلم فهلموا إلى التوراة فهي بيننا وبينكم فأبيا عليه ونزلت الآية قال ع فالكتاب في قوله من الكتاب اسم جنس والكتاب في قوله إلى كتاب الله هو التوراة وقال قتادة وابن جريج هو القرءان ورجح الطبري الأول وقوله تعالى ذلك بأنهم قالوا الإشارة فيه إلى التولي والإعراض أي إنما تولوا وأعرضوا لاغترارهم باقوالهم وافترائهم ثم قال تعالى خطابا لنبيه محمد صلى الله عليه و سلم وأمته على جهة التوقيف والتعجيب فكيف حال هؤلاء المغترين بالأباطيل إذا حشروا يوم القيامة واضمحلت تلك الزخارف والدعاوى وجوزوا بما اكتسبوه من كفرهم وأعمالهم القبيحة قال ابن عطية والصحيح في يوم القيامة أنه يوم لأن قبله ليلة وفيه شمس وقال النقاش المراد باليوم الوقت وقوله تعالى قل اللهم مالك الملك الآية هو سبحانه وتعالى مالك الملك كله مطلقا في جميع أنواعه واشرف ملك يؤتيه عباده سعادة الآخرة روي أن الآية نزلت بسبب أن النبي صلى الله عليه و سلم بشر أمته بفتح ملك فارس وغيره فقالت اليهود والمنافقون هيهات وكذبوا بذلك ومذهب البصريين أن الأصل في اللهم يا الله فعوض من ياء النداء ميما مشددة ومالك نصب

على النداء وخص تعالى الخير بالذكر وهو تعالى بيده كل شيء إذ الآية في معنى دعاء ورغبة فكان المعنى بيدك الخير فاجزل حظي منه قال النووي وروينا في كتاب الترمذي وغيره عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال من دخل السوق فقال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير كتب الله له ألف ألف حسنة ومحا عنه ألف ألف سيئة ورفع له ألف ألف درجة ورواه الحاكم أبو عبد الله في المستدرك على الصحيحين من طرق كثيرة وزاد في بعض طرقه وبنى له بيتا في الجنة قال الحاكم وفي الباب عن جابر وأبي هريرة وأنس وبريدة الأسلمي أ ه من الحلية وقال ابن عباس وغيره في معنى قوله تعالى تولج الليل في النهار الآية أنه ما ينتقص من النهار فيزيد في الليل وما ينتقص من الليل فيزيد في النهار دأبا كل فصل من السنة وتحتمل ألفاظ الآية أن يدخل فيها تعاقب الليل والنهار كأن زوال أحدهما ولوج في الآخر واختلف في معنى قوله تعالى وتخرج الحي من الميت الآية فقال الحسن معناه يخرج المؤمن من الكافر والكافر من المؤمن وروي نحوه عن سلمان الفارسي وروى الزهري أن النبي صلى الله عليه و سلم لما سمع نغمة خالدة بنت الأسود بن عبد يغوث فقال من هذه فأخبر بها فقال النبي صلى الله عليه و سلم سبحان الذي يخرج الحي من الميت وكانت امرأة صالحة وكان أبوها كافرا والمراد على هذا موت قلب الكافر وحياة قلب المؤمن وذهب جمهور كثير إلى أن الحياة والموت في الآية حقيقة لا أنها استعارة ثم اختلفوا في المثل التي فسروا بها فقال ابن مسعود هي النطفة تخرج من الرجل وهي ميتة وهو حي ويخرج الرجل منها وهي ميتة وقال عكرمة هو إخراج الدجاجة وهي حية

من البيضة وهي ميتة وإخراج البيضة وهي ميتة من الدجاجة وهي حية وروى السدي عن أبي مالك قال هي الحبة تخرج من السنبلة والسنبلة تخرج من الحبة وكذلك النواة وقوله تعالى لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء الآية هذا النهي عن الاتخاذ إنما هو عن إظهار اللطف للكفار والميل إليهم فأما أن يتخذوا بالقلب فلا يفعل ذلك مؤمن ولفظ الآية عام في جميع الأعصار واختلف في سبب نزولها فقال ابن عباس في كعب بن الأشرف وغيره قد بطنوا بنفر من الأنصار ليفتنوهم عن دينهم فنزلت في ذلك الآية وقال قوم نزلت في قصة حاطب بن أبي بلتعة وكتابه إلى أهل مكة والآية عامة في جميع هذا وقوله تعالى فليس من الله في شيء معناه في شيء مرضي كقوله صلى الله عليه و سلم من غشنا فليس منا ثم أباح سبحانه إظهار اتخاذهم بشرط الإتقاء فأما إبطانه فلا يصح أن يتصف به مؤمن في حال وقوله تعالى ويحذركم الله إلى آخر الآية وعيد وتنبيه ووعظ وتذكير بالآخرة وقوله نفسه نائبة عن إياه وهذه مخاطبة على معهود ما يفهمه البشر والنفس في مثل هذا راجع إلى الذات وفي الكلام حذف مضاف لأن التحذير إنما هو من عقاب وتنكيل ونحوه قال ابن عباس والحسن ويحذركم الله عقابه وقوله تعالى قل إن تخفوا ما في صدوركم الآية الضمير في تخفوا هو للمؤمنين الذين نهوا عن الكافرين والمعنى أنكم إن أبطنتم الحرص على إظهار موالاتهم فإن الله يعلم ذلك ويكرهه منكم وقوله تعالى يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا قال ابن هشام في المعنى يوم نصب بمحذوف تقديره اذكروا أو احذروا ولا يصح ان يكون ظرفا ليحذركم كما زعم بعضهم لأن التحذير في الدنيا وقع لا في الآخرة أ ه وقوله تعالى وما عملت من سوء يحتمل أن تكون ما معطوفة على ما الأولى فهي في موضع نصب ويكون تود في موضع الحال وإليه

ذهب الطبري وغيره ويحتمل أن تكون ما رفع بالابتداء والخبر في قوله تود وما بعده والأمد الغاية المحدودة من المكان أو الزمان وقوله تعالى والله رؤف بالعباد يحتمل أن يكون إشارة إلى أن تحذيره رأفة منه سبحانه بعباده ويحتمل أن يكون ابتداء إعلام بهذه الصفة فمقتضى ذلك التأنيس ليلا يفرط الوعيد على نفس مؤمن فسبحانه ما أرحمه بعباده وعن منصور بن عمار أنه قال اعقل الناس محسن خائف واجهل الناس مسيء آمن فلما سمع عبد الملك بن مروان منه هذا الكلام بكى حتى بل ثيابه ثم قال له أتل علي يا منصور شيئا من كتاب الله فتلا عليه يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا الآية فقال عبد الملك قتلتني يا منصور ثم غشي عليه أ ه وقوله تعالى قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني الآية قال الشيخ العارف بالله ابن أبي جمرة رضي الله عنه من علامة السعادة للشخص أن يكون معتنيا بمعرفة السنة في جميع تصرفاته والذي يكون كذلك هو دائم في عبادة في كل حركاته وسكناته وهذا هو طريق أهل الفضل حتى حكي عن بعضهم أنه لم يأكل البطيخ سنين لما لم يبلغه كيفية السنة في أكله وكيف لا والله سبحانه يقول قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله والاتباعية الكاملة إنما تصح بأن تكون عامة في كل الأشياء يعني إلا ما خصصه به الدليل جعلنا الله من أهلها في الدارين انتهى قال ع قال الحسن بن أبي الحسن وابن جريج أن قوما على عهد النبي صلى الله عليه و سلم قالوا يا محمد إنا نحب ربنا فنزلت هذه الآية وقيل أمر صلى الله عليه ولم أن يقول هذا القول لنصارى نجران قال ع ويحتمل أن تكون الآية عامة لأهل الكتاب اليهود والنصارى لأنهم كانوا يدعون أنهم يحبون الله ويحبهم قال عياض أعلم أن من أحب شيئا آثره وآثر موافقته وإلا لم يكن

صادقا في حبه وكان مدعيا فالصادق في حب النبي صلى الله عليه و سلم من تظهر علامات ذلك عليه وأولها الاقتداء به واتباع سنته واتباع أقواله وأفعاله والتأدب بآدابه في عسره ويسره قال تعالى قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني الآية قال عياض روي في الحديث عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال من استمسك بحديثي وفهمه وحفظه جاء مع القرآن ومن تهاون بالقرآن وحديثي خسر الدنيا والآخرة الحديث وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال المستمسك بسنتي عند فساد أمتي له أجر مائة شهيد وقال أبي بن كعب عليكم بالسبيل والسنة فإنه ما على الأرض من عبد على السبيل والسنة ذكر الله في نفسه ففاضت عيناه من خشية ربه فيعذبه الله ابدا وما على الأرض من عبد على السبيل والسنة ذكر الله في نفسه فاقشعر جلده من خشية الله إلا كان مثله كمثل شجرة قد يبس ورقها فهي كذلك إذ أصابتها ريح شديدة فتحات عنها ورقها إلا حط الله عنه خطاياه كما تحات عن الشجرة ورقها الحديث قال عياض ومن علامات محبته صلى الله عليه و سلم زهد مدعيها في الدنيا وإيثاره الفقر واتصافه به ففي حديث ابي سعيد أن الفقر إلى من يحبني منكم أسرع من السيل من أعلى الوادي أو الجبل إلى أسفله وفي حديث عبد الله بن مغفل قال رجل للنبي صلى الله عليه و سلم يا رسول الله إني أحبك فقال أنظر ما تقول قال والله إني لأحبك ثلاث مرات قال إن كنت تحبني فاعد للفقر تجفافا ثم ذكر نحو حديث ابي سعيد بمعناه أ ه من الشفا قال ع والمحبة إرادة يقترن بها إقبال من النفس وميل بالمعتقد وقد تكون الإرادة المجردة فيما يكره المريد والله تعالى يريد وقوع الكفر ولا يحبه ومحبة العبد لله تعالى يلزم عنها ولا بد أن يطيعه ومحبة الله تعالى أمارتها للمتأمل أن يرى العبد مهديا مسددا

ذا قبول في الأرض فلطف الله تعالى بالعبد ورحمته إياه هي ثمرة محبته وبهذا النظر يفسر لفظ المحبة حيث وقعت من كتاب الله عز و جل وقوله تعالى إن الله اصطفى آدم ونوحا الآية لما مضى صدر من محاجة نصارى نجران والرد عليهم وبيان فساد ما هم عليه جاءت هذه الآيات معلمة بصورة الأمر الذي قد ضلوا فيه منبئة عن حقيقته كيف كانت فبدأ تعالى بذكر فضل آدم ومن ذكر بعده ثم خص امرأة عمران بالذكر لأن القصد وصف قصة القوم إلى أن يبين أمر عيسى عليه السلام وكيف كان وانصرف نوح مع عجمته وتعريفه لخفة الاسم كهود ولوط قال الفخر هنا أعلم أن المخلوقات على قسمين مكلف وغير مكلف واتفقوا على أن المكلف افضل من غير المكلف واتفقوا على أن أصناف المكلفين أربعة الملائكة والإنس والجن والشياطين ت تأمله جعل الشياطين قسيما للجن أ ه والآل في اللغة الأهل والقرابة ويقال للأتباع وأهل الطاعة آل والآل في الآية يحتمل الوجهين فإن أريد بالآل القرابة فالتقدير أن الله اصطفى هؤلاء على عالمي زمانهم أو على العالمين جميعا بأن يقدر نبينا محمد صلى الله عليه و سلم من ءال ابراهيم وان اريد بالآل الاتباع فيستقيم دخول امة نبينا محمد ص - في الآل لأنها على ملة إبراهيم وقوله تعالى ذرية بعضها من بعض أي متشابهين في الدين والحال وعمران هو رجل من بني إسرائيل وامرأة عمران اسمها حنة ومعنى نذرت جعلت لك ما في بطني محررا أي حبيسا على خدمة بيتك محررا من كل خدمة وشغل من أشغال الدنيا والبيت الذي نذرته له هو بيت المقدس فتقبل مني أي أرض عني في ذلك واجعله فعلا مقبولا مجازى به والسميع إشارة إلى دعائها والعليم إشارة إلى نيتها وقوله تعالى فلما وضعتها قالت رب إني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت الوضع الولادة وقولها رب إني وضعتها

انثى لفظ خبر في ضمنه التحسر والتلهف وبين الله ذلك بقوله والله أعلم بما وضعت وقولها وليس الذكر كالأنثى تريد في امتناع نذرها إذ الأنثى تحيض ولا تصلح لصحبة الرهبان قاله قتادة وغيره وبدأت بذكر الأهم في نفسها وإلا فسياق قصتها يقتضي أن تقول وليس الأنثى كالذكر وفي قولها وإني سميتها مريم سنة تسمية الأطفال قرب الولادة ونحوه قول النبي صلى الله عليه و سلم ولد لي الليلة مولود فسميته باسم أبي إبراهيم وباقي الآية اعاذة قال النووي وروينا في سنن أبي داود بإسناد جيد عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال إنكم تدعون يوم القيامة بأسمائكم وأسماء آبائكم فأحسنوا أسماءكم وفي صحيح مسلم عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال أحب أسمائكم إلى الله عز و جل عبد الله وعبد الرحمن وفي سنن أبي داود والنسائي وغيرهما عن ابي وهب الجشمي قال قال النبي صلى الله عليه و سلم تسموا بأسماء الأنبياء واحب الأسماء إلى الله تعالى عبد الله وعبد الرحمن وأصدقها حارث وهمام وأقبحها حرب ومرة أ ه وفي الحديث عن النبي صلى الله لعيه وسلم من رواية أبي هريرة قال كل مولود من بني آدم له طعنة من الشيطان وبها يستهل الصبي إلا ما كان من مريم ابنت عمران وابنها فإن أمها قالت حين وضعتها وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم فضرب بينهما حجاب فطعن الشيطان في الحجاب وقد اختلفت ألفاظ هذا الحديث والمعنى واحد كما ذكرته قال النووي باب ما يقال عند الولادة روينا في كتاب ابن السني عن فاطمة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لما دنا ولادها أم سلمة وزينب بنت جحش أن تأتياها فتقرأ عندها أية الكرسي وأن ربكم الله إلى آخر الآية وتعوذ انها بالمعوذتين انتهى وقوله تعالى فتقبلها ربها بقول حسن إخبار منه سبحانه لمحمد صلى الله عليه و سلم بأنه

رضي مريم لخدمة المسجد كما نذرت أمها وسنى لها الأمل في ذلك وقوله سبحانه وأنبتها نباتا حسنا عبارة عن حسن النشأة في خلقة وخلق ص بقبول مصدر على غير الصدر والجاري على تقبل تقبلا وعلى قبل قبولا ونباتا مصدر منصوب بأنبتها على غير الصدر انتهى وقوله تعالى وكفلها زكريا معناه ضمها الى انفاقه وحضنه والكافل هو المربى قال السدي وغيره ان زكريا كان زوج أختها ويعضد هذا القول قوله صلى الله لعيه وسلم في يحيى وعيسى ابنا الخالة والذي عليه الناس أن زكريا إنما كفلها بالاستهام لتشاحهم حينئذ فيمن يكفل المحرر وقوله تعالى كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا المحراب المبنى الحسن ومحراب القصر أشرف ما فيه ولذلك قيل لأشرف ما في المصلى وهو موقف الإمام محراب ومعنى رزقا أي طعاما يتغذى به لم يعهده ولا عرف كيف جلب إليها قال مجاهد وغيره كان يجد عندها فاكهة الشتاء في الصيف وفاكهة الصيف في الشتاء ونحوه عن ابن عباس إلا انه قال ثمار الجنة وقوله أنى معناه كيف ومن أين وقولها من عند الله دليل على أنه ليس من جلب بشر قال الزجاج وهذا من الآية التي قال الله تعالى وجعلناها وابنها آية للعالمين وقولها إن الله يرزق من يشاء بغير حساب تقرير لكون ذلك الرزق من عند الله وذهب الطبري إلى أن ذلك ليس من قول مريم وإنه خبر من الله تعالى لمحمد صلى الله عليه و سلم والله سبحانه لا تنتقص خزائنه فليس يحسب ماخرج منها وقد يعبر بهذه العبارة عن المكثرين من الناس أنهم ينفقون بغير حساب وذلك مجاز وتشبيه والحقيقة هي فيما ينتفق من خزائن الله سبحانه قال الشيخ ابن أبي جمرة رضي الله عنه وقد قال العلماء في معنى قوله عز و جل إن الله يرزق من يشاء بغير حساب أنه الفتوح إذا كان على وجهه أ ه ذكر هذا عند شرحه لقوله صلى

الله عليه وسلم لو دعيت إلى ذراع أو كراع لأجبت وقوله تعالى هنالك دعا زكريا ربه الآية هنالك في كلام العرب إشارة إلى مكان أو زمان فيه بعد ومعنى هذه الآية أن في الوقت الذي رأى زكريا رزق الله لمريم ومكانتها من الله وفكر في أنها جاءت أمها بعد أن اسنت وأن الله تعالى تقبلها وجعلها من الصالحات تحرك أمله لطلب الولد وقوي رجاؤه وذلك منه على حال سن ووهن عظم واشتعال شيب فدعا ربه أن يهب له ذرية طيبة يرثه والذرية اسم جنس يقع على واحد فصاعدا كماأن الولد اسم جنس كذلك وطيبة معناه سليمة في الخلق والدين تقية ثم قال تعالى فنادته الملائكة وترك محذوف كثير دل عليه ما ذكر تقديره فقبل الله دعاءه وبعث الملك أو الملائكة فنادته وذكر جمهور المفسرين أن المنادي إنما هو جبريل وقال قوم بل نادته ملائكة كثيرة حسبما تقتضيه ألفاظ الآية قلت وهذا هو الظاهر ولا يعدل عنه إلا أن يصح في ذلك حديث عنه صلى الله عليه و سلم فيتبع وقوله تعالى فنادته عبارة تستعمل في التبشير وفي ما ينبغي أن يسرع به وينهى إلى نفس السامع ليسر به فلم يكن هذا من الملائكة إخبارا على عرف الوحي بل نداء كما نادى الرجل الأنصاري كعب بن مالك من أعلى الجبل وقوله تعالى وهو قائم يصلي في المحراب يعني بالمحراب في هذا الموضع موقف الإمام من المسجد ويحي اسم سماه الله به قبل أن يولد ومصدقا نصب على الحال قال ابن عباس وغيره الكلمة هنا يراد بها عيسى ابن مريم قال ع وسمى الله تعالى عيسى كلمة إذ صدر عن كلمة منه تعالى وهي كن لا بسبب إنسان وقوله تعالى وسيدا قال قتادة أي والله سيد في الحلم والعبادة والورع قال ع من فسر السودد بالحلم فقد أحرز أكثر معنى السودد ومن جرد تفسيره بالعلم

والتقى ونحوه فلم يفسره بحسب كلام العرب وقد تحصل العلم ليحيى عليه السلام بقوله مصدقا بكلمة من الله وتحصل التقى بباقي الآية وخصه الله بذكر السودد الذي هو الاعتمال في رضى الناس على أشرف الوجوه دون أن يوقع في باطل هذا اللفظ يعم السودد وتفصيله أن يقال بذل الندى وهذا هو الكرم وكف الأذى وهنا هي العفة بالفرج واليد واللسان واحتمال العظائم وهنا هو الحلم وغيره من تحمل الغرامات والإنقاذ من الهلكات وجبر الكسير والافضال على المسترفد وأنظر قول النبي صلى الله عليه و سلم أنا سيد ولد آدم ولا فخر وذكر حديث الشفاعة في إطلاق الموقف وذلك منه أعتمال في رضى ولد آدم ثم قال ع أما أنه يحسن بالتقي العالم أن يأخذ من السودد بكل ما لا يخل بعلمه وتقاه وهكذا كان يحي عليه السلام وقوله تعالى وحصورا أصل هذه اللفظة الحبس والمنع ومنه حصر العدو قال ع واجمع من يعتد بقوله من المفسرين على أن هذه الصفة ليحيى عليه السلام إنما هي الامتناع من وطء النساء إلا ما حكي مكي من قول من قال أنه الحصور عن الذنوب وذهب بعض العلماء إلى أن حصره كان بأنه يمسك نفسه تقي وجلدا في طاعة الله سبحانه وكانت به القدرة على جماع النساء قالوا وهذا أمدح له قال الإمام الفخر وهذا القول هو اختيار المحققين أنه لا يأتي النساء لا للعجر بل للعصمة والزهد قلت قال عياض أعلم أن ثناء الله تعالى على يحيى عليه السلام بأنه حصور ليس كما قال بعضهم أنه كان هيوبا أولا ذكر له بل قد أنكر هذا حذاق المفسرين ونقاد العلماء وقالوا هذه نقيصة وعيب ولا تليق بالأنبياء عليهم السلام وإنما معناه معصوم من الذنوب أي لا يأتيها كانه حصر عنها وقيل مانعا نفسه من الشهوات وقيل ليست له شهوة في النساء كفاية من الله له لكونها مشغلة في كثير من الأوقات حاطة إلى الدنيا ثم هي في حق من أقدر عليها وقام

بالواجب فيها ولم تشغله عن ربه درجة عليا وهي درجة نبينا محمد صلى الله عليه و سلم أي وسائر النبيين أ ه من الشفا وباقي الآية بين وروي من صلاحه عليه السلام أنه كان يعيش من العشب وأنه كان كثير البكاء من خشية الله حتى اتخذ الدمع في وجهه أخدودا ص ومن الصالحين أي من اصلاب الأنبياء أو صالحا من الصالحين فيكون صفة لموصوف محذوف أ ه قلت والثاني أحسن والأول تحصيل الحاصل فتأمله وقوله تعالى قال رب أنى يكون لي غلام وقد بلغني الكبر الآية ذهب الطبري وغيره إلى أن زكريا لما رأى حال نفسه وحال امرأته وأنها ليست بحال نسل سأل عن الوجه الذي به يكون الغلام أتبدل المرأة خلقتها أم كيف يكون قال ع وهذا تأويل حسن لا ئق بزكريا عليه السلام وأنى معناها كيف ومن أين وحسن في الآية بلغني الكبر من حيث هي عبارة واهن منفعل وقوله كذلك أي كهذه القدرة المستغربة قدرة الله ويحتمل أن تكون الإشارة بذلك إلى حال زكريا وحال امرأته كأنه قال رب على أي وجه يكون لنا غلام ونحن بحال كذا فقال له كما أنتما يكون لكما الغلام والكلام تام على هذا التأويل في قوله كذلك وقوله الله يفعل ما يشاء جملة مبينة مقررة في النفس وقوع هذا الأمر المستغرب وقوله قال رب اجعل لي أية أي علامة قالت فرقة من المفسرين لم يكن هذا من زكريا على جهة الشك وانما سأل علامة على وقت الحمل وقوله تعالى آيتك ألا تكلم الناس الآية قال الطبري وغيره لم يكن منعه الكلام لآفة ولكنه منع محاورة الناس وكان يقدر على ذكر الله ثم استثنى الرمز وهو استثناء منقطع والكلام المراد في الآية إنما هو النطق باللسان لا الإعلام بما في النفس والرمز في اللغة حركة تعلم بما في نفس الرامز كانت الحركة من عين أو حاجب أو شفة أو يد أو عود أو غير ذلك

وقد قيل للكلام المحرف عن ظاهره رموز وأمره تعالى بالذكر لربه كثيرا لأنه لم يحل بينه وبين ذكر الله وهذا قاض بأنه لم تدركه آفة ولا علة في لسانه قال محمد بن كعب القرظي لو كان الله رخص لأحد في ترك الذكر لرخص لزكريا عليه السلام حيث قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا لكنه قال له أذكر ربك كثيرا قال الإمام الفخر وفي الآية تأويلان احدهما أن الله تعالى حبس لسانه عن امور الدنيا وأقدره على الذكر والتسبيح والتهليل ليكون في تلك المدة مشتغلا بذكر الله وطاعته شكرا لله على هذه النعمة ثم اعلم ان هذه الواقعة كانت مشتملة على المعجز من وجوه أحدها أن قدرته على الذكر والتسبيح وعجزه عن التكلم بأمور الدنيا من المعجزات وثانيها أن حصول ذلك العجز مع صحة البنية من المعجزات وثالثها أن إخباره بأنه متى حصلت تلك الحالة فقد حصل الولد ثم أن الأمر خرج على وفق هذا الخبر يكون أيضا من المعجزات والتأويل الثاني أن المراد منه الذكر بالقلب وذلك لأن المستغرقين في بحار معرفة الله تعالى عادتهم في أول الأمر أن يواظبوا على الذكر اللساني مدة فإذا امتلأ القلب من نور ذكر الله تعالى سكتوا باللسان وبقي الذكر في القلب ولذلك قالوا من عرف الله كل لسانه فكان زكريا عليه السلام أمر بالسكوت باللسان واستحضار معاني الذكر والمعرفة واستدامتها بالقلب أ ه وقوله تعالى وسبح معناه قل سبحان الله وقال قوم معناه صل والأول أصوب لأنه يناسب الذكر ويستغرب مع امتناع الكلام مع الناس والعشي في اللغة من زوال الشمس إلى مغيبها والإبكار مصدر أكبر الرجل إذا بادر امره من لدن طلوع الفجر إلى طلوع الشمس وتتمادى البكرة شيأ بعد طلوع الشمس يقال أبكر الرجل وبكر وقوله تعالى وإذ قالت الملائكة العامل في إذ أذكر لأن هذه الآيات كلها

إنما هي اخبارات بغيب تدل على نبوة نبينا محمد صلى الله عليه و سلم مقصد ذكرها هو الأظهر في حفظ رونق الكلام واصطفاك معناه تخيرك لطاعته وطهرك معناه من كل ما يصم النساء في خلق أو خلق أو دين قاله مجاهد وغيره وقول الزجاج قد جاء في التفسير أن معناه طهرك من الحيض والنفاس يحتاج إلى سند قوي وما أحفظه والعالمين يحتمل عالم زمانها قال ع وسائغ أن يتأول عموم الاصطفاء على العالمين وقد قال بعض الناس أن مريم نبية من أجل مخاطبة الملائكة لها وجمهور الناس على أنها لم تنبأ امرأة واقنتى معناه اعبدي واطيعي قاله الحسن وغيره ويحتمل أن يكون معناه أطيلي القيام في الصلاة وهذا هو قول الجمهور وهو المناسب في المعنى لقوله واسجدي وروى مجاهد أنها لما خوطبت بهذا قامت حتى ورمت قدماها وروى الاوزاعي حتى سال الدم والقيح من قدميها وروي أن الطير كانت تنزل على رأسها تظنها جمادا واختلف المتأولون لم قدم السجود على الركوع فقال قوم كان ذلك في شرعهم والقول عندي في ذلك أن مريم أمرت بفصلين ومعلمين من معالم الصلاة وهما طول القيام والسجود وخصا بالذكر لشرفهما وهذان يختصان بصلاتها مفردة وإلا فمن يصلي وراء إمام فليس يقال له أطل قيامك ثم أمرت بعد بالصلاة في الجماعة فقيل لها واركعي مع الراكعين وقصد هنا معلم آخر من معالم الصلاة ليلا يتكرر اللفظ ولم يرد في الآية الركوع والسجود الذي هو منتظم في ركعة واحدة والله أعلم وقال ص قوله واركعي الواو لا ترتب فلا يسأل لم قدم السجود إلا من جهة علم البيان وجوابه أنه قدم لأنه أقرب ما يكون العبد فيه من ربه فكان اشرف وقيل كان مقدما في شرعهم أ ه وقوله تعالى ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك الآية هذه المخاطبة لنبينا محمد صلى الله عليه و سلم والإشارة بذلك إلى ما تقدم ذكره من القصص والأنباء الأخبار

والغيب ما غاب عن مدارك الإنسان ونوحيه معناه نلقيه في نفسك في خفاء وحد الوحي القاء المعنى في النفس في خفاء فمنه بالملك ومنه بالالهام ومنه بالإشارة ومنه بالكتاب وفي هذه الآية بيان لنبوءة نبينا محمد صلى الله عليه و سلم إذ جاءهم بغيوب لا يعلمها إلا من شاهدها وهو مل يكن لديهم أو من قرأها في كتبهم وهو صلى الله عليه و سلم أمي من قوم أميين أو من أعلمه الله بها وهو ذاك صلى الله عليه و سلم ولديهم معناه عندهم ومعهم وقوله إذ يلقون أقلامهم الآية جمهور العلماء على أنه استهام لأخذها والمنافسة فيها فروي أنهم ألقوا اقلامهم التي كانوا يكتبون بها التوراة في النهر فروي أن قلم زكريا صاعد الجرية ومضت أقلام الآخرين وقيل غير هذا قلت ولفظ ابن العربي في الأحكام قال النبي صلى الله ليعه وسلم فجرت الأقلام وعلا قلم زكريا أ ه وإذا ثبت الحديث فلا نظر لأحد معه ويختصمون معناه يتراجعون القول الجهير في أمرها وفي هذه الآية استعمال القرعة والقرعة سنة وكان النبي صلى الله عليه و سلم إذا سافر أقرع بين نسائه وقال صلى الله عليه و سلم لو يعلمون ما في الصف الأول لاستهموا عليه واختلف أيضا هل الملائكة هنا عبارة عن جبريل وحده أو عن جماعة من الملائكة ووجيها نصب على الحال وهو من الوجه أي له وجه ومنزلة عند الله وقال البخاري وجيها شريفا أ ه ومن المقربين معناه من الله تعالى وكلامه في المهد أية دالة على براءة أمه وأخبر تعالى عنه أنه أيضا يكلم الناس كهلا وفائدة ذلك أنه إخبار لها بحياته إلى سن الكهولة قال جمهور الناس الكهل الذي بلغ سن الكهولة وقال مجاهد الكهل الحليم قال ع وهذا تفسير للكهولة بعرض مصاحب لها في الأغلب واختلف الناس في حد الكهولة فقيل الكهل ابن أربعين وقيل ابن خمسة وثلاثين وقيل ابن ثلاثة وثلاثين وقيل ابن اثنين وثلاثين هذا حد أولها وأما آخرها فاثنان

وخمسون ثم يدخل سن الشيخوخة وقول مريم أنى يكون لي ولد استفهام عن جهة حملها واسغراب للحمل على بكارتها ويمسس معناه يطأ ويجامع ص والبشر يطلق على الواحد والجمع أ ه والكلام في قوله كذلك كالكلام في أمر زكريا وجاءت العبارة في أمر زكريا يفعل وجاءت هنا يخلق من حيث أن أمر زكريا داخل في الإمكان الذي يتعارف وأن قل وقصة مريم لا تتعارف البتة فلفظ الخلق أقرب إلى الاختراع وأدل عليه وقوله تعالى إذا قضى أمرا معناه إذا أراد ايجاده والأمر واحد الأمور وهو مصدر رسمي به والضمير في له عائد على الأمر والقول على جهة المخاطبة وقوله كن خطاب للمقضى وقوله فيكون بالرفع خطاب للمخبر وقوله تعالى ويعلمه الكتاب الآية الكتاب هنا هو الخط باليد وهو مصدر كتب يكتب قاله جمهور المفسرين وقوله ورسولا إلى بني إسرائيل أي ويجعله رسولا وكانت رسالة عيسى عليه السلام إلى بني إسرائيل مبينا حكم التوراة ونابا إلى العمل بها ومحللا أشياء مما حرم فيها كالثروب ولحوم الإبل وأشياء من الحيتان والطير ومن أول القول لمريم إلى قوله إسرائيل خطاب لمريم ومن قوله أنى قد جئتكم إلى قوله مستقيم يحتمل أن يكون خطابا لمريم على معنى يكون من قوله لبني إسرائيل كيت وكيت ويكون في آخر الكلام محذوف يدل عليه الظاهر تقديره فجاء عيسى بني إسرائيل رسولا فقال لهم ما تقدم ذكره ويحتمل أن يكون المحذوف مقدرا ف يصدر الكلام بعد قوله إلى بني إسرائيل فيكون تقديره فجاء عيسى كما بشر الله رسولا إلى بني إسرائيل بأني قد جئتكم ويكون قوله أني قد جئتكم ليس بخطاب لمريم والأول أظهر وقوله أنى أخلق لكم من الطين الآية قرأ نافع أنى أخلق بكسر الهمزة وقرأ باقي السبعة بفتحها فوجه قراءة نافع أما القطع والاستيناف وأما أنه فسر الآية بقوله أنى كما فسر المثل في قوله كمثل آدم ووجه

قراءة الباقين البدل من أية كأنه قال وجئتكم بأني أخلق وأخلق معناه أقدر وأهيء بيدي ص كهيئة الهيئة الشكل والصورة وهو مصدر هاء الشيء يهيىء هيئة وهيأ إذا ترتب واستقر على حال ما وتعديه بالتضعيف قال تعالى ويهيىء لكم من أمركم مرفقا أ ه وقرأ نافع وحده فيكون طائرا بالإفراد أي يكون طائرا من الطيور وقرأ الباقون فيكون طيرا بالجمع وكذلك في سورة المائدة والطير اسم جمع وليس من أبنية الجموع وإنما البناء في جمع طائر أطيار وجمع الجمع طيور وقوله فانفخ فبه ذكر الضمير لأنه يحتمل أن يعود على الطين المهيء ويحتمل ان يريد فانفخ في المذكور وأنث الضمير في سورة المائدة لأنه يحتمل أن يعود على الهيئة أو على تأنيث لفظ الجماعة وكون عيسى يخلق بيده وينفخ بفيه إنما هو ليبين تلبسه بالمعجزة وأنها جاءت من قبله وأما الإيجاد من العدم وخلق الحياة في ذلك الطين فمن الله تعالى وحده لا شريك له وروي في قصص هذه الآية أن عيسى عليه السلام كان يقول لبني إسرائيل أي الطير أشد خلقة وأصعب أن يحكى فيقولون الخفاش لأنه طائر لا ريش له فكان يصنع من الطين خفافيش ثم ينفخ فيها فتطير وكل ذلك بحضرة الناس ومعاينتهم فكانوا يقولون هذا ساحر وابرىء معناه أزيل المرض والأكمه هو الذي يولد أعمى مضموم العينين قاله ابن عباس وقتادة قال ع والأكمه في اللغة هو الأعمى وقد كان عيسى عليه السلام يبريء بدعائه ومسح يده على كل عاهة ولكن الاحتجاج على بني إسرائيل في معنى النبوءة لا يقوم إلا بالابراء من العلل التي لا يبرىء منها طبيب بوجه وروي في أحيائه الموتى أنه كان يضرب بعصاه الميت أو القبر أو الجمجمة فيحيى الإنسان ويكلمه بإذن الله وفي قصص الإحياء أحاديث كثيرة لا يوقف على صحتها وآيات عيسى عليه السلام إنما تجري فيما

يعارض الطب لأن علم الطب كان شرف الناس في ذلك الزمان وشغلهم وحينئذ أثيرت فيه العجائب فلما جاء عيسى عليه السلام بغرائب لا تقتضيها الأمزجة وأصول الطب وذلك إحياء الموتى وإبراء الاكمه والأبرص علمت الأطباء أن هذه القوة من عند الله وهذا كأمر السحرة مع موسى والفصحاء مع نبينا محمد صلى الله عليه و سلم ووقع في التواريخ المترجمة عن الأطباء أن جالينوس كان في زمن عيسى عليه السلام وأنه رحل إليه من رومية إلى الشام فمات في طريقه ذلك وقوله وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم الآية قال مجاهد وغيره كان عيسى عليه السلام من لدن طفولته وهو في الكتاب يخبر الصبيان بما يفعل آباؤهم في منازلهم وبما يؤكل من الطعام ويدخر وكذلك إلى أن بنىء فكان يقول لكل من سأله عن هذا المعنى أكلت البارحة كذا وادخرت كذا وقال قتادة معنى الآية إنما هو في نزول المائدة عليهم وذلك أنها لما نزلت أخذ عليهم عهد أن يأكلوا ولا يخبأ أحد شيأ ولا يدخره ولا يحمله إلى بيته فخانوا وجعلوا يخبئون فكان عيسى عليه السلام يخبر كل أحد عما أكل وعما ادخر في بيته من ذلك وعوقبوا على ذلك وقوله فاتقوا الله وأطيعون تحذير ودعاء إلى الله عز و جل وقوله هذا صراط مستقيم إشارة إلى قوله إن الله ربي وربكم فاعبدوه لأن ألفاظه جمعت الإيمان والطاعات والصراط الطريق والمستقيم الذي لا اعوجاج فيه وقوله تعالى فلما احس عيسى منهم الكفر الآية قبل هذه الآية محذوف به يتم اتساق الآيات تقديره فجاء عيسى كما بشر الله به فقال جميع ما ذكر لنبي إسرائيل فلما أحس ومعنى أحس علم من جهة الحواس بما سمع من أقوالهم في تكذيبه ورأى من قرائن أحوالهم وشدة عداوتهم وإعراضهم قال من أنصاري إلى الله وقوله إلى الله يحتمل معنيين أحدهما من ينصرني في السبيل إلى الله

والثاني أن يكون التقدير من يضيف نصرته إلى نصرة الله لي فإلى دالة على الغاية في كلا التقديرين وليس يباح أن يقال إلى بمعنى مع كما غلط في ذلك بعض الفقهاء في تأويل قوله تعالى وايديكم إلى المرافق فقال إلى بمعنى مع وهذه عجمة والحواريون قوم مر بهم عيسى صلى الله عليه و سلم فدعاهم إلىنصره واتباع ملته فأجابوه وقاموا بذلك خير قيام وصبروا في ذات الله واختلف لم قيل لهم حواريون فقال ابن جبير لبياض ثيابهم وقال أبو ارطأة لأنهم كانوا قصارين يحورون الثياب أي يبيضونها وقال قتادة الحواريون اصفياء الأنبياء الذين تصلح لهم الخلافة وقال الضحاك نحوه قال ع وهذا القول تقرير حال القوم وليس بتفسير اللفظة وعلى هذا الحد شبه النبي صلى الله عليه و سلم ابن عمته بهم في قوله وحواري الزبير والأقوال الأول هي تفسير اللفظة إذ هي من الحور وهو البياض حورت الثوب بيضته ومنه الحواري وقد تسمى العرب النساء الساكانات في الامصار الحواريات لغلبة البياض عليهن ومنه قول أبي جلدة اليشكري ... فقل للحواريات يبكين غيرنا ... ولا تبكنا إلا الكلاب النوابح ...
وقول الحواريين واشهد يحتمل أن يكون خطابا لعيسى عليه السلام أي اشهد لنا عند الله ويحتمل أن يكون خطابا لله تعالى كقوله صلى الله عليه و سلم في حجة الوداع اللهم اشهد وقولهم ربنا آمنا بما أنزلت يريدون الإنجيل وآيات عيسى فاكتبنا مع الشاهدين أي في عداد من شهد بالحق من مؤمني الأمم ثم أخبر تعالى عن بني إسرائيل الكافرين بعيسى عليه السلام فقال ومكروا يريد في تحيلهم في قتله بزعمهم فهذا هو مكرهم فجازاهم الله تعالى بأن طرح شبه عيسى على أحد الحواريين في قول الجمهور

أو على يهودي منهم كان جاسوسا وأعقب بني إسرائيل مذلة وهوانا في الدنيا والآخرة فهذه العقوبة هي التي سماها الله تعالى مكرا في قوله ومكر الله وذلك مهيع أن تسمى العقوبة باسم الذنب وقوله والله خير الماكرين معناه فاعل حق في ذلك وذكر أبو القاسم القشيري في تجبيره قال سئل ميمون احسبه ابن مهران عن قوله تعالى ومكروا ومكر الله فقال تخليته إياهم مع مكرهم هو مكره بهم أ ه ونحوه عن الجنيد قال الفراء المكر من المخلوق الخب والحيلة ومن الإله الاستدراج قال الله تعالى سنستدرجهم من حيث لا يعلمون قال ابن عباس كلما احدثوا خطيئة أحدثنا لهم نعمة أ ه وقوله تعالى إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك الآية اختلف في هذا التوفي فقال الربيع هي وفاة نوم وقال الحسن وغيره هو توفى قبض وتحصيل أي قابضك من الأرض ومحصلك في السماء وقال ابن عباس هي وفاة موت ونحوه لمالك في العتبية وقال وهب بن منبه توفاه الله بالموت ثلاث ساعات ورفعه فيها ثم أحياه بعد ذلك وقال الفراء هي وفاة موت ولكن المعنى إني متوفيك في أخر أمرك عند نزولك وقتلك الدجال ففي الكلام تقديم وتأخير قال ع واجمعت الأمة على ما تضمنه الحديث المتواتر من أن عيسى عليه السلام في السماء حي وإنه ينزل في آخر الزمان فيقتل الخنزير ويكسر الصليب ويقتل الدجال ويفيض العدل ويظهر هذه الملة ملة محمد صلى الله عليه و سلم ويحج البيت ويعتمر ويبقى في الأرض أربعا وعشرين سنة وقيل أربعين سنة ثم يميته الله تعالى قال ع فقول ابن عباس هي وفاة موت لا بد أن يتمم أما على قول وهب بن منبه وإما على قول الفراء وقوله تعالى ورافعك إلى عبارة عن نقله من سفل إلى علو وإضافة الله سحبانه إضافة تشريف وإلا فمعلوم أنه سبحانه غير متحيز في جهة

ومطهرك أي من دعاوى الكفر ومعاشرتهم وقوله وجاعل الذين اتبعوك الآية قال جمهور المفسرين بعموم اللفظ في المتبعين فتدخل في ذلك أمة محمد صلى الله عليه و سلم لأنها متبعة لعيسى قاله قتادة وغيره وكذلك قالوا بعموم اللفظ في الكافرين فمقتضى الآية إعلام عيسى عليه السلام أن أهل الإيمان به كما يجب هم فوق الذين كفروا بالحجة والبرهان والعز والغلبة ويظهر من عبارة ابن جريج وغيره أن المراد المتبعين له في وقت استنصاره وهم الحواريون وقوله تعالى ثم إلي مرجعكم خطاب لعيسى والمراد الإخبار بالقيامة والحشر وباقي الآية بين وتوفيه الأجور هي قسم المنازل في الجنة فذلك هو بحسب الأعمال وأما نفس دخول الجنة فبرحمة الله وتفضله سبحانه وقوله تعالى ذلك نتلوه عليك من الآيات الآية ذلك إشارة إلى ما تقدم من الأنباء ونتوله معناه نسرده ومن الآيات ظاهره آيات القرآن ويحتمل أن يريد من المعجزات والمستغربات أن تأتيهم بهذه الغيوب من قبلناوبسبب تلاوتنا والذكر ما ينزل من عند الله قال ابن عباس الذكر القرآن والحكيم الذي قد كمل في حكمته وقوله تعالى إن مثل عيسى عند الله الآية قال ابن عباس وغيره سبب نزولها محاجة نصارى نجران فى امر عيسى وقولهم يا محمد هل رأيت بشرا قط جاء من غير فحل أو سمعت به ومعنى الآية إن المثل الذي تتصوره النفوس والعقول من عيسى هو كالمتصور من آدم إذ الناس مجمعون علىأن الله تعالى خلقه من تراب من غير فحل وفي هذه الآية صحة القياس وقوله تعالى ثم قال ترتيب للإخبار لمحمد صلى الله عليه و سلم المعنى خلقه من تراب ثم كان من أمره في الأزل أن قال له كن وقت كذا وقوله تعالى الحق من ربك أي هذا هو الحق والممترين هم الشاكون ونهي النبي صلى الله عليه و سلم في عبارة اقتضت ذم الممترين وهذا يدل على أن المراد

بالامتراء غيره ونهي عن الامتراء مع بعده عنه على جهة التثبيت والدوام على حاله وقوله تعالى فمن حاجك فيه أي في عيسى ويحتمل في الحق والعلم الذي أشير إليه بالمجيء هو ما تضمنته هذه الآيات المتقدمة وقوله فقل تعالوا استدعاء للمباهلة وتعالوا تفاعلوا من العلو وهي كلمة قصد بها أولا تحسين الأدب مع المدعو ثم اطردت حتى يقولها الإنسان لعدوه وللبهيمة ونبتهل معناه نلتعن ويقال عليهم بهلة الله والإبتهال الجد في الدعاء بالبهلة قال محمد بن جعفر بن الزبير وغيره أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لما دعا نصارى نجران إلى المباهلة قالوا دعنا ننظر في أمرنا ثم نأتك بما نفعل فذهبوا إلى العاقب وهو ذو رأيهم فقالوا يا عبد المسيح ما ترى فقال يا معشر النصارى والله لقد عرفتم أن محمدا النبي المرسل ولقد جاءكم بالفصل من خبر صاحبكم ولقد علمتم ما لاعن قوم قط نبيا فبقي كبيرهم ولا نبت صغيرهم وأنه الاستيصال إن فعلتم فإن أبيتم إلا إلف دينكم وما أنتم عليه من القول في صاحبكم فوادعوا الرجل وانصرفوا إلى بلادكم حتى يريكم زمن رأيه فأتوا النبي صلى الله عليه و سلم فقالوا يا أبا القاسم قد رأينا أن لا نلاعنك وأن نبقى على ديننا وصالحوه على أموال وقالوا له ابعث معنا رجلا من أصحابك ترضاه لنا يحكم بيننا في أشياء قد اختلفنا فيها من أمولنا فإنكم عندنا رضي قال ع وفي ترك النصارى الملاعنة لعلمهم بنبوءة نبينا محمد صلى الله عليه و سلم شاهد عظيم على صحة نبوته صلى الله عليه و سلم عندهم ودعاء النساء والأبناء أهز للنفوس وأدعى لرحمة الله للمحقين أو لغضبه على المبطلين وقوله تعالى إن هذا لهو القصص الحق الآية هذا خبر من الله تعالى جزم مؤكد فصل به بين المختصمين والإشارة بهذا هي إلى ما تقدم في أمر عيسى عليه السلام والقصص معناه الأخبار وقال ص إن هذا لهو هذا إشارة

إلى القرآن أ ه واختلف المفسرون من المراد بأهل الكتاب هنا فروى قتادة عن النبي صلى الله عليه و سلم أنهم يهود المدينة وقال ابن زيد وغيره المراد نصارى نجران قال ع والذي يظهر لي أن الآية نزلت في وفد نجران لكن لفظ الآية يعمهم وسواهم من النصارى واليهود وقد كتب النبي صلى الله عليه و سلم بهذه الآية إلى هرقل عظيم الروم وكذا ينبغي أن يدعى بها أهل الكتاب إلى يوم القيامة والكلمة هنا عند الجمهور عبارة عن الألفاظ التي تتضمن المعاني المدعو إليها وهي ما فسر بعد ذلك وهذا كما تسمى العرب القصيدة كلمة وقوله سواء نعت للكلمة قال قتادة وغيره معناه إلى كلمة عدل وفي مصحف ابن مسعود إلى كلمة عدل كما فسر قتادة قال ع والذي أقوله في لفظة سواء أنها ينبغي أن تفسر بتفسير خاص بها في هذا الموضع وهو أنه دعاهم إلى معان جميع الناس فيها مستوون وقوله ألا نعبد إلا الله هو في موضع خفض على البدل من كلمة أو في موضع رفع بمعنى هي ألا نعبد إلا الله واتخاذ بعضهم بعضا أربابا هو على مراتب اشدها اعتقادهم الألوهية وعبادتهم لهم كعزير وعيسى ومريم وادنى ذلك طاعتهم لأساقفتهم في كل ما أمروا به من الكفر والمعاصي والتزامهم طاعتهم شرعا م فإن تولوا أبو البقاء تولوا فعل ماض ولا يجوز ان يكون التقدير تتولوا لفساد المعنى لأن قوله فقولوا اشهدوا خطاب للمؤمنين وتولوا للمشركين أ ه وقوله فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون أمر بالإعلان بمخالفتهم ومواجهتهم بذلك واشهادهم عل معنى التوبيخ والتهديد وقوله تعالى يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم الآية قال ابن عباس وغيره اجتمعت نصارى نجران وأحبار يهود عند النبي صلى الله عليه و سلم فتنازعوا عنده فقالت الأحبار ما كان إبراهيم إلا يهوديا وقالت النصارى ما كان إبراهيم إلا نصرانيا فأنزل الله الآية ومعنى قوله تعالى فيما لكم به علم أي على

زعمكم وفسرالطبري هذا الموضع بأنه فيما لهم به علم من جهة كتبهم وأنبيائهم مما ايقنوه وثبتت عندهم صحته قال ع وذهب عنه رحمة الله ان ما كان هكذا فلا يحتاج معهم فيه إلى محاجة لأنهم يجدونه عند محمد صلى الله عليه و سلم كما كان هناك على حقيقته قلت وما قاله الطبري ابين وهو ظاهر الآية ومن المعلوم أن أكثر احتجاجاتهم إنما كانت تعسفا وجحدا للحق وقوله تعالى ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا الآية أخبر الله تعالى في هذه الآية عن حقيقة أمر إبراهيم عليه السلام ونفى عنه اليهودية والنصرانية والإشراك ثم أخبر تعالى اخبارا مؤكذا أن أولى الناس بإبراهيم هم القوم الذين اتبعوه فيدخل في ذلك كل من اتبع الحنيفية في الفترات وهذا النبي يعني محمد صلى الله عليه و سلم لأنه بعث بالحنيفية السمحة والذين ءامنوا يعني بمحمد صلى الله عليه و سلم وسائر الأنبياء على ما يجب ثم أخبر سبحانه أنه ولي المؤمنين وعدا منه لهم بالنصر في الدنيا والنعيم في الاخره روى عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال لكل نبي ولاة من النبيين وإن وليي منهم أبي وخليل ربي إبراهيم ثم قرأ أن أولى الناس بإبراهيم الآية وقوله تعالى ودت طائفة من أهل الكتاب لو يضلونكم قال مكي قيل أن هذه الآية عني بها قريظة والنضير وبنو قينقاع ونصارى نجران ص قوله تعالى ودت طائفة ود بمعنى تمنى ويستعمل معها أن ولو وربما جمع بينهما نحو وددت أن لو فعل ومصدره الودادة والاسم منه الود وبمعنى احب فيتعدى كتعدى احب ومصدره مودة والأسم منه ود وقد يتداخلان في الاسم والمصدر أ ه وقوله تعالى وما يضلون إلا أنفسهم إعلام بأن سوء فعلهم عائد عليهم وأنهم ببعدهم عن الإسلام هم الضالون ثم أعلم تعالى أنهم لا يشعرون بذلك أي لا يتفطنون ثم وقفهم تعالى موبخا لهم على لسان نبيه والمعنى قل لهم يا محمد

لأي سبب تكفرون بآيات الله التي هي آيات القرآن وأنتم تشهدون ان أمره وصفة محمد في كتابكم قال هذا المعنى قتادة وغيره ويحتمل أن يريد بالآيات ما ظهر على يده صلى الله عليه و سلم من المعجزات قلت ويحتمل الجميع من الآيات المتلوة والمعجزات التي شاهدوها منه صلى الله عليه و سلم وقال ص وأنتم تشهدون جملة حالية ومفعول تشهدون محذوف أي أنها ايات الله أو ما يدل على صحتها من كتابكم أو بمثلها من آيات الأنبياء أ ه وقوله لم تلبسون معناه تخلطون تقول لبست الأمر بفتح الباء بمعنى خلطته ومنه قوله تعالى وللبسنا عليه ما يلبسون وفي قوله وأنتم تعلمون توقيف على العناد ظاهر وباقي الآية تقدم بيانه في سورة البقرة وقوله تعالى وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين أمنوا وجه النهار الآية اخبر رالله سحبانه في هذه الآية أن طائفة من اليهود من أحبارهم ذهبت إلى خديعة المسلمين بهذا المنزع قال قتادة وغيره قال بعض الأحبار لنظهر الإيمان بمحمد صدر النهار ثم لنكفر به آخر النهار فسيقول المسلمون عند ذلك ما بال هؤلاء كانوا معنا ثم انصرفوا عنا ما ذاك الا لانهم انكشفت لهم حقيقة في الأمر فيشكون ولعلهم يرجعون عن الإيمان بمحمد قال الإمام الفخر وفي أخبار الله تعالى عن تواطئهم على هذه الحيلة من الفائدة وجوه الأول أن هذه الحيلة كانت مخفية فيما بينهم فلما أخبر بها عنهم كان إخبارا بمغيب فيكون معجزا الثاني أنه تعالى لما أطلع المؤمنين على تواطئهم على هذه الحيلة لم يحصل لهذه الحيلة أثر في قلوب المؤمنين ولولا هذا الإعلام لأمكن تأثيرها في قلب من ضعف إيمانه الثالث أن القوم لما إفتضحوا في هذه الحيلة صار ذلك رادعا لهم عن الإقدام على أمثالها من الحيل والتلبيس أ ه وذكر تعالى عن هذه الطائفة من أهل الكتاب أنهم قالوا ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم ولا خلاف

إن هذا القول هو من كلام الطائفة واختلف الناس في قوله تعالى أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم أو يحاجوكم عند ربكم فقال مجاهد وغيره من أهل التأويل الكلام كله من قول الطائفة لأتباعهم وقوله تعال قل إن الهدى هدى الله اعتراض بين الكلامين قال ع والكلام على هذا التأويل يحتمل معاني أحدها ولا تصدقوا وتؤمنوا إلا لمن جاء بمثل دينكم حذارا أن يؤتى أحد من النبوءة والكرامة مثل ما أوتيتم وحذارا أن يحاجوكم بتصديقكم إياهم عند ربكم إذا لم تستمروا عليه وهذا القول على هذا المعنى ثمرة الحسد والكفر مع المعرفة بصحة نبوة محمد صلى الله عليه و سلم ويحتمل الكلام أن يكون معناه ولا تؤمنوا بمحمد وتقروا بنبوته إذ قد علمتم صحتها إلا لليهود الذين هم منكم وأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتيم صفة لحال محمد صلى الله عليه و سلم فالمعنى تستروا بإقراركم أن قد أوتي مثل ما أوتيتم أو فإنهم يعنون العرب يحاجونكم بالإقرار عند ربكم وقرأ ابن كثير وحده من بين السبعة آن يؤتى بالمد على جهة الاستفهام الذي هو تقرير وفسر أبو علي قراءة ابن كثير على أن الكلام كله من قول الطائفة إلا الاعتراض الذي هو قل إن الهدى هدى الله فإنه لا يختلف أنه من قول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه و سلم قال فلا يجوز مع الاستفهام أن يحمل ان يؤتى على ما قبله من الفعل لأن الاستفهام قاطع فيجوز أن تكون أن في موضع رفع بالابتداء وخبره محذوف تقديره تصدقون أو تعترفون أو تذكرونه لغيركم ونحو هذا مما يدل عليه الكلام قال ع ويكون يحاجوكم على هذا معطوفا على أن يؤتى قال أبو علي ويجوز أن يكون موضع أن نصبا فيكون المعنى أتشيعون أو تذكرون أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم ويكون ذلك بمعنى قوله تعالى عنهم أتحدثونهم بما فتح الله عليكم فعلى كلا الوجهين معنى الآية توبيخ من الأحبار للاتباع على تصديقهم بأن محمد صلى الله

عليه وسلم نبي مبعوث قال ع ويكون قوله تعالى أويحاجوكم في تأويل نصب أن بمعنى أو تريدون أن يحاجوكم وقال السدي وغيره الكلام كله من قوله قل إن الهدى هدى الله إلى آخر الآية هو مما أمر به النبي صلى الله عليه و سلم أ يقوله لأمته وحكى الزجاج وغيره أن المعنى قل إن الهدى هو هذا الهدى لا يؤتى أحد مثل ما أوتيتم ومعنى الآية على قول السدي أي لم يعط أحد مثل حظكم وإلا فليحاجكم من أدعى سوى ذلك أويكون المعنى أو يحاجونكم على معنى الإزدراء باليهود كأنه قال أو هل لهم ان يحاجوكم أو يخاصموكم فيما وهبكم الله وفضلكم به وقال قتادة والربيع الكلام كله من قوله قل إن الهدى هدى الله إلى آخر الآية هو مما أمر به النبي صلى الله عليه و سلم أن يقوله للطائفة قال ع ويحتمل أن يكون قوله أن يوتى بدلا من قوله هدى الله قلت وقد أطالوا الكلام هنا وفيما ذكرناه كفاية وقوله تعالى قل إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم في الآية تكذيب لليهود في قولهم لن يؤتي الله أحدا مثل ما أتى بني إسرائيل من النبوءة والشرف وباقي الآية تقدم تفسير نظيره وقوله تعالى ومن أهل الكتاب من إن تامنه الآية أخبر تعالى عن أهل الكتاب أنهم قسمان في الأمانة ومقصد الآية ذم الخونة منهم والتفنيد لرأيهم وكذبهم على الله في استحلالهم أموال العرب قال الفخر وفي الآية ثلاثة أقوال الأول ان أهل الأمانة منهم الذين أسلموا أما الذين بقوا على اليهودية فهم مصرون على الخيانة لأن مذهبهم أنه يحل لهم قتل كل من خالفهم في الدين وأخذ ماله الثاني أن أهل الأمانة منهم هم النصارى وأهل الخيانة هم اليهود الثالث قال ابن عباس أودع رجل عبد الله بن سلام ألفا مائتي أوقية من ذهب فأدى إليه وأودع آخر

فنحاصا اليهودي دينارا فخانه فنزلت الآية أ ه قال ابن العربي في أحكامه قال الطبري وفائدة هذه الآية النهي عن ائتمانهم على مال وقال شيخنا أبو عبدالله المغربي فائدتها أن لا يؤتمنوا على دين يدل عليه ما بعده في قوله وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب الآية والصحيح عندي أنها في المال نص وفي الدين تنبيه فافادت المعنيين بهذين الوجهين قال ابن العربي فالامانة عظيمة القدر في الدين ومن عظيم قدرها انها تقف على جنبتي الصراط لا يمكن من الجواز إلا من حفظها ولهذا وجب عليك أن تؤديها إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك فتقابل المعصية بالمعصية وكذلك لا يجوز أن تغدر من غدرك قال البخاري باب أثم الغادر للبر والفاجر أ ه والقنطار في هذه الآية مثال للمال الكثير يدخل فيه اكثر من القنطار وأقل وأما الدينار فيحتمل أن يكون كذلك مثالا لما قل ويحتمل أن يريد أن منهم طبقة لا تخون إلا في دينار فما زاد ولم يعن لذكر الخائنين في أقل إذ هم طغام حثالة ودام معناه ثبت وقوله قائما يحتمل معنيين قال قتادة ومجاهد والزجاج معناه قائما على اقتضاء حقك يريدون بانواع الاقتضاء من الحفز والمرافعة إلى الحاكم من غير مراعاة لهيئة هذا الدائم وقال السدي وغيره معنى قائما على رأسه وقوله ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل الآية الإشارة بذلك إلى كونهم لا يؤدون الأمانة أي يقولون نحن من أهل كتاب والعرب أميون أصحب أوثان فأموالهم لنا حلال متى قدرنا على شيء منها لا حجة علينا في ذلك ولا سبيل لمعترض وقوله تعالى ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون ذم لبني إسرائيل بأنهم يكذبون على الله سبحانه في غير ما شيء وهم عالمون بمواضع الصدق قال ص وهم يعلمون جملة حالية أ ه ثم رد الله تعالى في صدر قولهم ليس علينا بقوله بلى أي عليهم سبيل وحجة و تباعة

ثم أخبر على جهة الشرط إن أوفى بالعهد واتقى عقوبة الله في نقضه فإنه محبوب عند الله وقوله تعالى أن الذين يشترون بعهد الله الآية أية وعيد لمن فعل هذه الأفاعيل إلى يوم القيامة وهي أية يدخل فيها الكفر فما دونه من جحد الحق وختر المواثيق وكل يأخذ من وعيدها بحسب جريمته قال ابن العربي في أحكامة وقد أختلف الناس في سبب نزول هذه الآية والذي يصح من ذلك أن عبد الله بن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من حلف يمين صبر يقتطع بها مال أمري مسلم لقي الله وهو عليه غضبان فأنزل الله تصديق ذلك أن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا الآية قال فجاء الأشعث بن قيس فقال في نزلت كانت لي بير في أرض ابن عم لي وفي رواية كان بيني وبين رجل من اليهود أرض فجحدني فقال النبي صلى الله عليه و سلم بينتك وذكر أو يمينه قلت إذا يحلف يا رسول الله فقال النبي صلى الله عليه و سلم وذكر الحديث اه وقوله تعالى وإن منهم لفريقا يلوون السنتهم بالكتاب الآية يلوون معناه يحرفون ويتحيلون لتبديل المعاني من جهة أشتباه الألفاظ واشتراكها وتشعب التأويلات كقولهم راعنا واسمع غير مسمع ونحو ذلك وليس التبديل المحض بلي وحقيقة اللي في الثياب والحبال ونحوها وهو فتلها واراغتها ومنه لي العنق ثم أستعمل ذلك في الحجج والخصومات والمجادلات والكتاب في هذا الموضع التوراة والضمير في تحسبوه للمسلمين قوله وما هو من عند الله نفي أن يكون منزلا من عند الله كما ادعوا وهو من عند الله بالخلق والاختراع والإيجاد ومنهم بالتكسب وقوله تعالى ما كان لبشر الآية معناه النفي التام لانا نقطع أن الله لا يؤتى النبوءة للكذبة والمدعين والكتاب هنا اسم جنس والحكم بمعنى الحكمة ومنه قول النبي صلى الله عليه و سلم أن من الشعر لحكما وقال الفخر هنا اتفق أهل

اللغة والتفسير على أن هذا الحكم هو العلم قال تعالى وءاتيناه الحكم صبيا يعني العلم والفهم ا ه وثم في قوله ثم يقول معطية تعظيم الذنب في القول بعد مهلة من هذا الأنعام وقوله عبادا جمع عبد ومن جموعه عبيد وعبدي قال ع والذي استقريت في لفظة العباد أنه جمع عبد متى سيقت اللفظة في مضمار الترفيع والدلالة على الطاعة دون أن يقترن بها معنى التحقير وتصغير الشأن وأما العبيد فيستعمل في التحقير قال ص ونوقش ابن عطية بأن عبدي اسم جمع وتفريقه بين عباد وعبيد لا يصح ا ه قلت وقوله تعالى ءانتم أضللتم عبادي هؤلاء ونحوه يوضحه ا ه ومعنى الآية ما كان لأحد من الناس أن يقول اعبدوني واجعلوني إلها قال النقاش وغيره وهذه الإشارة إلى عيسى عليه السلام والآية رادة على النصارى وقال ابن عباس وجماعة من المفسرين بل الإشارة إلى النبي صلى الله عليه و سلم وسبب نزول الآية أن أبا رافع القرظي قال للنبي صلى الله عليه و سلم حين اجتمعت الأحبار من يهود والوفد من نصارى نجران يا محمد إنما تريد أن نعبدك ونتخذك إلها كما عبدت النصارى عيسى فقال الرئيس من نصارى نجران أو ذاك تريد يا محمد وإليه تدعونا فقال النبي ص - معاذ الله ما بذلك امرت ولا اليه دعوت فنزلت الآية قال بعض العلماء أرادت الأحبار أن تلزم هذا القول محمدا صلى الله عليه و سلم لما تلا عليهم قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني وإنما معنى الآية فاتبعوني فيما أدعوكم إليه من طاعة الله فحرفوها بتأولهم وهذا من نوع ليهم الكتاب بإلسنتهم قال الفخر وقال ابن عباس أن الآية نزلت بسبب قول النصارى المسيح ابن الله وقول اليهود عزيز ابن الله وقيل أن رجلا من المسلمين قال يا رسول الله أفلا نسجد لك فقال عليه السلام ما ينبغي السجود

إلا لله قيل وقوله تعالى أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون يقوى هذا التأويل ا ه وقوله تعالى ولكن كونوا ربانيين الآية المعنى ولكن يقول كونوا ربانيين وهو جمع رباني قال قوم منسوب إلى الرب من حيث هو عالم ما علمه عامل بطاعته معلم للناس ما أمر به وزيدت فيه النون مبالغة وقال قوم منسوب إلى الربان وهو معلم الناس مأخوذ من رب يرب إذا أصلح وربى والنون أيضا زائدة كما زيدت في غضبان وعطشان وفي البخاري الرباني الذي يربى الناس بصغار العلم قبل كباره قال ع فجملة ما يقال في الرباني أنه العالم بالرب والشرع المصيب في التقدير من الأقوال والأفعال التي يحاولها في الناس وقوله بما كنتم معناه بسبب كونكم عالمين دارسين فما مصدرية وأسند أبو عمر بن عبد البر في كتاب فضل العلم عن النبي صلى الله عليه و سلم قال العلم علمان علم في القلب فذلك العلم النافع وعلم في اللسان فذلك حجة الله عز و جل على ابن أدم ومن حديث ابن وهب قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم هلاك أمتي عالم فاجر وعابد جاهل وشر الشرار جبار العلماء وخير الخيار خيار العلماء ا ه وقرأ جمهور الناس تدرسون بضم الراء من درس إذا أدمن قراءة الكتاب وكرره وقرأ نافع وغيره ولا يأمركم برفع الراء على القطع قال سيبويه المعنى لا يأمركم الله وقال ابن جريج وغيره المعنى ولا يأمركم هذا البشر الذي أوتي هذه النعم وهو محمد صلى الله عليه و سلم وأما قراءة من نصب الراء وهو حمزة وغيره فهي عطف على قوله أن يوتيه الله المعنى ولا له أن يأمركم قاله أبو علي وغيره وهو الصواب لا ما قاله الطبري من أنها عطف على قوله ثم يقول والأرباب في هذه الآية بمعنى الآلهة وقوله تعالى وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما ءاتيناكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن

به ولتنصرنه المعنى واذكر يا محمد إذ فيحتمل أن يكون أخذ هذا الميثاق حين أخرج بني ءادم من ظهر ءادم نسما ويحتمل أن يكون هذا الأخذ على كل نبي في زمنه ووقت بعثه والمعنى أن الله تعالى أخذ ميثاق كل نبي بأنه ملتزم هو ومن ءامن به الإيمان بمن أتى بعده من الرسل والنصر له وقال ابن عباس إنما أخذ الله ميثاق النبيين على قومهم فهو أخذ لميثاق الجميع وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه لم يبعث الله نبيا آدم فمن بعده إلا أخذ عليه العهد في محمد صلى الله عليه و سلم لئن بعث وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه وأمره بأخذه على قومه ثم تلا هذه الآية وقاله السدي وقرأ حمزة لما بكسر اللام وهي لام الجر والتقدير لأجل ما آتيناكم إذ أنتم القادة والرؤوس ومن كان بهذه الحال فهو الذي يؤخذ ميثاقه وما في هذه القراءة بمعنى الذي والعائد إليها من الصله تقديره آتيناكموه ومن لبيان الجنس وثم جاءكم الآية جملة معطوفة على الصلة ولا بد في هذه الجملة من ضمير يعود على الموصول وإنما حذف تخفيفا لطول الكلام وتقديره عند سيبويه رسول به مصدق لما معكم واللام في لتؤمنن به هي اللام المتلقية للقسم الذي تضمنه أخذ الميثاق وفصل بين القسم والمقسم عليه بالجار والمجرور وذلك جائز وقرأ سائر السبعة لما بفتح اللام وذلك يتخرج على وجهين أحدهما أن تكون ما موصولة في موضع رفع بالابتداء واللام لام الابتداء وهي متلقية لما اجري مجرى القسم من قوله تعالى وإذ أخذ الله ميثاق النبيين وخبر الابتداء قوله لتؤمنن ولتؤمنن متعلق بقسم محذوف فالمعنى والله لتؤمنن قاله أبو علي وهو متجه بأن الحلف يقع مرتين والوجه الثاني أن تكون ما للجزاء شرطا فتكون في موضع نصب بالفعل الذي بعدها وهو مجزوم وجاءكم معطوف في موضع جزم واللام الداخلة على ما ليست الملتقية للقسم ولكنها

الموطئة المؤذنة بمجيء لام القسم فهي بمنزلة اللام في قوله تعالى لئن لم ينته المنافقون لأنها مؤذنة بمجيء المتلقية للقسم في قوله لنغرينك بهم وكذلك هذه مؤذنة بمجيء المتلقية للقسم في قوله لتؤمنن وقرأ نافع وحده آتيناكم بالنون وقرأ الباقون آتيتكم بالتاء ورسول في هذه الآية اسم جنس وقال كثير من المفسرين هو نبينا محمد صلى الله عليه و سلم وقوله تعالى قال ءاقررتم وأخذتم على ذلكم اصري هذه الآية هي وصف توقيف الأنبياء عليهم السلام على إقرارهم بهذا الميثاق والتزامهم له وأخذتم في هذه الآية عبارة عما تحصل لهم من إيتاء الكتب والحكمة فمن حيث أخذ عليهم أخذوا هم أيضا وقال الطبري أخذتم في هذه الآية معناه قبلتم والأصر العهد لا تفسير له في هذا الموضع إلا ذلك وقوله تعالى فاشهدوا يحتمل معنيين احدهما فاشهدوا على اممكم المؤمنين بكم وعلى أنفسكم بالتزام هذا العهد قاله الطبري وجماعة والمعنى الثاني بثوا الأمر عند أممكم واشهدوا به وشهادة الله على هذا التأويل هي إعطاء المعجزات وإقرار نبوءاتهم هذا قول الزجاج وغيره قال ع فتأمل أن القول الأول هو إيداع الشهادة واستحفاظها والقول الثاني هو الأمر بأدائها وحكم تعالى بالفسق على من تولى من الأمم بعد هذا الميثاق قاله علي بن أبي طالب وغيره وقرأ أبو عمرو يبغون بالياء من أسفل مفتوحة وترجعون بالتاء من فوق مضمومة وقرأ عاصم بالياء من اسفل فيهما وقرأ الباقون بالتاء فيهما ووجوه هذه القراءات لا تخفى بادنى تأمل وتبغون معناه تطلبون قال النووي وروينا في كتاب ابن السني عن السيد الجليل المجمع على جلالته وحفظه وديانته وورعه يؤنس ابن عبيد بن دينار البصري الشافعي المشهور أنه قال ليس رجل يكون على دابة صعبة فيقول في إذنها أفغير دين الله تبغون وله اسلم من في السماوات

والأرض طوعا وكرها وإليه ترجعون إلا وقفت بإذن الله تعالى وروينا في كتاب ابن السني عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال إذا انفلتت دابة أحدكم بأرض فلاة فليناد يا عباد الله احبسوا يا عباد الله احبسوا فإن لله عز و جل في الأرض حاضرا سيحبسها قال النووي حكى لي بعض شيوخنا أنه انفلتت له دابة اظنها بغلة وكان يعرف هذا الحديث فقاله فحبسها الله عليه في الحال وكنت أنا مرة مع جماعة فانفلتت منها بهيمة فعجزوا عنها فقلته فوقفت في الحال بغير سبب سوى هذا الكلام اه واسلم معناه استسلم عند الجمهور واختلفوا في معنى قوله طوعا وكرها فقال مجاهد هذه الآية كقوله تعالى ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله فالمعنى أن إقرار كل كافر بالصانع هو إسلام كرها ونحوه لأبي العالية وعبارته كل آدمي فقد أقر على نفسه بأن الله ربي وأنا عبده فمن أشرك في عبادته فهو الذي اسلم كرها ومن أخلص فهو الذي أسلم طوعا قال ع والمعنى في هذه الآية يفهم كل ناظر أن الكره خاص بأهل الأرض وقوله سبحانه أفغير دين الله توقيف لمعاصري نبينا محمد صلى الله عليه و سلم من الأحبار والكفار قوله تعالى قل آمنا بالله وما أنزل علينا وما أنزل على إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى والنبيون من ربهم6 الآية المعنى قل يا محمد أنت وأمتك آمنا بالله الآية وقد تقدم بيانها في البقرة ثم حكم تعالى في قوله ومن يبتغ غير الإسلام الآية بأنه لا يقبل من آدمي دينا غير دين الإسلام وهو الذي وافق في معتقداته دين كل من سمي من الأنبياء عليهم السلام وهو الحنيفية السمحة وقال بعض المفسرين أن من يبتغ الآية نزلت في الحارث بن سويد قلت وعلى تقدير صحة هذا القول فهي تتناول بعمومها من سواه إلى يوم القيامة وقوله تعالى كيف يهدي الله قوما كفروا

بعد إيمانهم الآيات قال ابن عباس نزلت هذه الآيات من قوله كيف يهدي الله في الحارث بن سويد الأنصاري كان مسلما ثم أرتد ولحق بالشرك ثم ندم فأرسل إلى قومه أن سلوا رسول الله صلى الله عليه و سلم هل من توبة فنزلت الآيات إلى قوله إلا الذين تابوا فأرسل إليه قومه فأسلم قال مجاهد وحسن إسلامه وقال ابن عباس أيضا والحسن بن أبي الحسن نزلت في اليهود والنصارى شهدوا ببعث النبي صلى الله عليه و سلم وآمنوا به فلما جاء من العرب حسدوه وكفروا به ورجحه الطبري وقال النقاش نزلت في طعيمة بن ابيرق قال ع وكل من ذكر فألفاظ الآية تعمه وقوله تعالى كيف سؤال عن حال لكنه سؤال توقيف على جهة الاستبعاد للأمر فالمعنى أنهم لشدة هذه الجرائم يبعد أن يهيدهم الله جميعا وباقي الآية بين قال الفخر واستعظم تعالى كفر هؤلاء المرتدين بعد حصول هذه الخصال الثلاث لأن مثل هذا الكفر يكون كالمعاندة والجحود وهذا يدل على أن زلة العالم أقبح من زلة الجاهل اه وقوله تعالى إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرا الآية قال ابو العالية رفيع الآية في اليهود كفروا بمحمد صلى الله عليه و سلم بعد إيمانهم بصفاته وإقرارهم أنها في التوراة ثم ازدادوا كفرا بالذنوب التي أصابوها في خلاف النبي صلى الله عليه و سلم من الافتراء والبهت والسعي على الإسلام وغير ذلك قال ع وعلى هذا الترتيب يدخل في الآية المرتدون اللاحقون بقريش وغيرهم وقال مجاهد معنى قوله ثم ازدادوا كفرا أي اتموا على كفرهم وبلغوا الموت به قال ع فيدخل في هذا القول اليهود والمرتدون وقال السدي نحوه ثم أخبر تعالى أن توبة هؤلاء لن تقبل وقد قررت الشريعة أن توبة كل كافر تقبل فلا بد في هذه الآية من تخصيص تحمل عليه ويصح به نفي قبول التوبة فقال

الحسن وغيره المعنى لن تقبل توبتهم عند الغرغرة والمعاينة وقال أبو العالية المعنى لن تقبل توبتهم من تلك الذنوب التي أصابوها مع اقامتهم على كفرهم بمحمد صلى الله عليه و سلم قال ع وتحتمل الآية عندي أن تكون إشارة إلى قوم باعيانهم من المرتدين وهم الذين اشار إليهم بقوله سبحانه كيف يهدي الله قوما فأجنر عنهم أنه لاتكون منهم توبة فيتصور قبولها فكانه أخبر عن هؤلاء المعينين أنهم يموتون كفارا ثم أخبر الناس عن حكم كل من يموت كافرا والملء ما شحن به الوعاء وقوله ولو افتدى به قال الزجاج المعنى لن يقبل من أحدهم انفاقه وتقرباته في الدنيا ولو أنفق ملء الأرض ذهبا ولو افتدى أيضا به في الآخرة لن يقبل منه قال فاعلم الله انه لا يثيبهم على اعمالهم من الخير ولا يقبل منهم الافتداء من العذاب قال ع وهذا قول حسن وقال قوم الواو زائدة وهذا قول مردود ويحتمل المعنى نفي القبول على كل وجه ثم خص من تلك الوجوه اليقها واحراها بالقبول وباقي الآية وعيد بين عافانا الله من عاقبة وختم لنا بما ختم به للصالحين من عباده وقوله تعالى لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون الآية خطاب لجميع المؤمنين فتحتمل الآية ان يريد لن تنالوا بر الله بكم أي رحمته ولطفه ويحتمل أن يريد لن تنالوا درجة الكمال من فعل البر حتى تكونوا أبرارا إلا بالإنفاق المنضاف إلى سائر أعمالكم قال ص قوله مما تحبون من للتبعيض تدل عليه قراءة عبد الله بعض ما تحبون أ ه قال الغزالي قال نافع كان ابن عمر مريضا فاشتهى سمكة طرية فحملت إليه على رغيف فقام سائل بالباب فأمر بدفعها إليه ثم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول إيما امرىء اشتهى شهوة فرد شهوته وآثر على ففسه غفر الله له أ ه من الأحياء قال ع وبسبب نزول هذه الآية تصدق

أبو طلحة بحائطه المسمى بيرحا وتصدق زيد بن حارثة بفرس كان يحبها وكان عبد الله بن عمر يشتهي أكل السكر باللوز فكان يشتري ذلك ويتصدق به قال الفخر والصحيح أن هذه الآية في إيتاء المال على طريق الندب لا أنها في الزكاة الواجبة وقوله سبحانه وما تنفقوا من شيء فإن الله به عليم شرط وجوب فيه وعد أي عليم مجاز به وأن قل وقوله تعالى كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل الآية إخبار بمغيب عن النبي صلى الله عليه و سلم لا يعلمه إلا الله علماء أهل الكتاب وحلا معناه حلالا والآية رد على اليهود في زعمهم أن كل ما حرموه على أنفسهم أنه بأمر الله تعالى في التوراة فأكذبهم الله تعالى بهذه الآية وقوله سبحانه إلا ما حرم إسرائيل على نفسه أي فهو محرم عليهم في التوراة لا هذه الزوائد التي افتروها وقال الفخر قوله تعالى من قبل ان تنزل التوراة المعنى أن قبل نزول التوراة كان حلالا لبني إسرائيل كل أنواع المطعومات سوى ما حرمه إسرائيل على نفسه فأما بعد نزول التوراة فلم يبق الأمر كذلك بل حرم الله عليهم أنواعا كثيرة بسبب بغيهم وذلك هو عين النسخ الذي هم له منكرون اه قال ع ولم يختلف فيما علمت أن سبب تحريم يعقوب ما حرمه على نفسه هو بمرض أصابه فجعل تحريم ذلك شكرا لله أن شفي وقيل هو وجع عرق النسا وفي حديث عن النبي صلى الله عليه و سلم أن عصابة من بني إسرائيل قالوا له يا محمد ما الذي حرم إسرائيل على نفسه فقال لهم أنشدكم بالله هل تعلمون أن يعقوب مرض مرضا شديدا فطال سقمه منه فنذر لله نذرا أن عافاه الله من سقمه ليحرمن أحب الطعام والشراب إليه وكان أحب الطعام إليه لحوم الإبل وأحب الشراب إليه البانها قالوا اللهم نعم قال ع وظاهر الأحاديث والتفاسير في هذا الأمر أن يعقوب عليه السلام حرم لحوم الإبل وألبانها وهو يحبها تقربا بذلك

إذ ترك الترفة والتنعم من القرب وهذا هو الزهد في الدنيا وإليه نحا عمر بن الخطاب رضي الله عنه بقوله إياكم وهذه المجازر فإن لها ضراوة كضراوة الخمر ومن ذلك قول أبي حازم الزاهد وقد مر بسوق الفاكهة فرأى محاسنها فقال موعدك الجنة إن شاء الله وقوله عز و جل قل فأتوا بالتوراة الآية قال الزجاج وفي هذا تعجيز لهم وإقامة للحجة عليهم وقوله سبحانه فمن افترى على الله الكذب من بعد ذلك أي من بعد ما تبين له الحق وقيام الحجة فهو الظالم وقوله قل صدق الله أي الأمر كما وصف سبحانه لاكما تكذبون فإن كنتم تعتزون إلى إبراهيم فاتبعوا ملته على ما ذكر الله وقوله سبحانه إن أول بيت وضع للناس الذي ببكة الآية لا مرية أن إبراهيم عليه السلام وضع بيت مكة وإنما الخلاف هل هو وضع بدأة أو وضع تجديد وقال الفخر يحتمل أولا في الوضع والبناء ويحتمل ان يريد أو لا في كونه مباركا وهذا تحصيل المفسرين في الآية اه قال ابن العربي في أحكامه وكون البيت الحرام مباركا قيل بركته ثواب الأعمال هناك وقيل ثواب قاصديه وقيل أمن الوحش فيه قيل عزوف النفس عن الدنيا عند رؤيته قال ابن العربي والصحيح عندي أنه مبارك من كل وجه من وجوه الدنيا والآخرة وذلك بجميعه موجود فيه اه قال مالك في سماع ابن القاسم من العتبية بكة موضع البيت ومكة غيره من المواضع قال ابن القاسم يريد القرية قلت قال ابن رشد في البيان أرى مالكا أخذ ذلك من قول الله عز و جل لأنه قال تعالى في بكة أن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهو إنما وضع بموضعه الذي وضع فيه لا فيما سواه من القرية وقال في مكة وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة وذلك إنما كان في القرية لا في موضع البيت اه وقوله سبحانه فيه أي في البيت آيات بينات قال ع

والمترجح عندي ان المقام وأمن الداخل جعلا مثالا مما في حرم الله من الآيات وخصا بالذكر لعظمهما مقام إبراهيم هو الحجر المعروف قاله الجمهور وقال قوم البيت كله مقام إبراهيم وقال قوم الحرم كله مقام إبراهيم والضمير في قوله ومن دخله عائد على البيت في قول الجمهور وعائد على الحرم في قول من قال مقام إبراهيم هو الحرم وقوله كان آمنا قال الحسن وغيره هذه وصف حال كانت في الجاهلية إذا دخل أحد الحرم امن فلا يعرض له فأما في الإسلام فإن الحرم لا يمنع من حد من حدود الله وقال يحيى بن جعدة معنى الآية ومن دخل البيت كان آمنا من النار وحكى النقاش عن بعض العباد قال كنت أطوف حول الكعبة ليلا فقلت يا رب أنك قلت ومن دخله كان آمنا فمما ذا هوآمن فسمعت مكلما يكلمني وهو يقول من النار فنظرت وتأملت فما كان في المكان أحد قال ابن العربي في أحكامه وقول بعضهم ومن دخله كان آمنا من النار لا يصح حمله على عمومه ولكنه ثبت ان من حج فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة قال ذلك كله رسول الله صلى الله عليه و سلم اه وقوله تعالى ولله على الناس حج البيت الآية هو فرض الحج في كتاب الله بإجماع وقرأ حمزة والكساءي وحفص عن عاصم حج البيت بكسر الحاء وقرأ الباقون بفتحها فبكسر الحاء يريدون عمل سنة واحدة وقال الطبري هما لغتان الكسر لغة نجد والفتح لغة أهل العالية وقوله سبحانه من استطاع إليه سبيلا من في موضع خفض بدل من الناس وهو بدل البعض من الكل وقال الكساءي وغيره هي شرط في موضع رفع بالابتداء والجواب محذوف تقديره فعليه الحج ويدل عليه عطف الشرط الآخر بعده في قوله ومن كفر وأسند الطبري إلى النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال من ملك زادا وراحله فلم يحج

فلا عليه أن يموت يهوديا أو نصرانيا وذهب جماعة من العلماء إلى أن قوله سبحانه من استطاع إليه سبيلا كلام عام لا يتفسر بزاد ولا راحلة ولا غير ذلك بل إذا كان مستطيعا غير شاق على نفسه فقد وجب عليه الحج وإليه نحا مالك في سماع أشهب وقال لا صفة في هذا ابين مما قال الله تعالى وهذا انبل الأقوال وهذه من الأمور التي يتصرف فيها فقه الحال والضمير في إليه عائد على البيت ويحتمل على الحج وقوله سبحانه ومن كفر فإن الله غني عن العالمين قال ابن عباس وغيره المعنى من زعم أن الحج ليس بفرض عليه وروى عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قرأ هذه الآية فقال رجل من هذيل يا رسول الله من تركه كفر فقال له النبي صلى الله عليه و سلم من تركه لا يخاف عقوبته ومن حجة لا يرجو ثوابه فهو ذلك وقال بمعنى هذا الحديث ابن عباس وغيره وقال السدي وجماعة من أهل العلم معنى الآية من كفر بأن وجد ما يحج به ثم لم يحج قال السدي من كان بهذه الحال فهو كافر يعني كفر معصية ولا شك أن من أنعم الله عليه بمال وصحة ولم يحج فقد كفر النعمة وقال ابن عمر وجماعة معنى الآية ومن كفر بالله واليوم الآخر قال الفخر والأكثرون هم الذين حملوا الوعيد على من ترك اعتقاد وجوب الحج وقال الضحاك لما نزلت آية الحج فأعلم النبي صلى الله عليه و سلم بذلك اهل الملل وقال أن الله تعالى كتب عليكم الحج فحجوا فآمن به المسلمون وكفر غيرهم فنزلت الآية قال الفخر وهذا هو الأقوى والله أعلم اه ومعنى قوله تعالى غني عن العالمين الوعيد لمن كفر والقصد بالكلام فإن الله غني عنهم ولكن عمم اللفظ ليبرع المعنى تنتبه الفكر لقدرته سبحانه وعظيم سلطانه واستغنائه عن جميع خلقه لا رب سواه وقوله عز و جل قل يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله والله شهيد على ما تعلمون هذه الآيات توبيخ لليهود

المعاصرين للنبي صلى الله عليه و سلم والكتاب التوراة وآيات الله يحتمل أن يريد بها القرءان ويحتمل العلامات الظاهرة على يدي النبي صلى الله عليه و سلم وقوله سبحانه والله شهيد على ما تعملون وعيد محض قال الطبري هاتان الآيتان قل يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله وما بعدهما إلى قوله فاولائك لهم عذاب عظيم نزلت بسبب رجل من اليهود حاول الإغراء بين الأوس والخزرج قال ابن إسحاق حدثني الثقة عن زيد بن أسلم قال مر شاس بن قيس اليهودي وكان شيخا قد عسا في الجاهلية عظيم الكفر شديد الضغن على المسلمين والحسد لهم على نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم من الأوس والخزرج وهم في مجلس يتحدثون فغاظه ما رآه من جماعتهم وصلاح ذات بينهم بعد ما كان بينهم من العداوة فقال قد أجتمع ملأ بني قيلة بهذه البلاد والله مالنا معهم إذا اجتمع ملأهم بها من قرار فأمر فتى شابا من يهود فقال أعمد إليهم واجلس معهم وذكرهم يوم بعاث وما كان قبله من أيام حربهم وأنشدهم ما قالوه من الشعر في ذلك ففعل الفتى فتكلم القوم عند ذلك فتفاخروا وتنازعوا حتى تواثب رجلان من الحيين على الركب أوس بن قيظي من الأوس وجبار بن صخر من الخزرج فتقاولا ثم قال أحدهما لصاحبه إن شئتم والله رددناها الآن جذعة فغضب الفريقان وقالوا قد فعلنا السلاح السلاح موعدكم الظاهرة يريدون الحرة فخرجوا إليها وتحاوز الناس على دعواهم التي كانوا عليها في الجاهلية وبلغ ذلك النبي صلى الله عليه و سلم فخرج إليهم فيمن معه من المهاجرين فقال يا معشر المسلمين الله الله ابدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم ووعظهم فعرف القوم أنها نزعة من الشيطان فالقوا السلاح وبكوا وعانق الناس بعضهم بعضا من الأوس والخزرح وانصرفوا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم سامعين مطيعين فأنزل الله في شاس بن

قيس وما صنع هذه الآيات وقال الحسن وغيره نزلت في أحبار اليهود الذين يصدون المسلمين عن الإسلام ويقولون أن محمدا ليس بالموصوف في كتابنا قال ع ولا شك في وقوع هذين الشيئين وما شاكلهما من افعال اليهود وأقوالهم فنزلت الآيات في جميع ذلك ومعنى تبغون أي تطلبون لها الاعوجاج والانفساد وأنتم شهداء يريد جمع شاهد على ما في التوراة من صفة النبي صلى الله عليه و سلم وصدقه وباقي الآية وعيد وقوله تعالى يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين الآية خطاب عام للمؤمنين والإشارة بذلك وقت نزوله إلى الأوس والخزرج بسبب نائرة شاس بن قيس قال ص قوله تعالى يردوكم بعد إيمانكم كافرين رد بمعنى صير فيتعدى إلى مفعولين الأول الكاف والثاني الكافرين كقوله ... فرد شعورهن السود بيضا ... ورد وجوههن البيض سودا ...
ويعتصم معناه يتمسك وعصم الشيء إذامنع وحمي ومنه قوله يعصمني من الماء وباقي الآية بين وقوله تعالى يا أيها الذين أمنوا اتقوا الله حق تقاته قال ابن مسعود حق تقاته هوأن يطاع فلا يعصى وأن يذكر فلا ينسى وأن يشكر فلا يكفر وكذلك عبر الربيع بن خثيم وقتادة والحسن قالت فرقة نزلت الآية على عموم لفظها من لزوم غاية التقوى حتى لا يقع إلا خلال في شيء من الأشياء ثم نسخ ذلك بقوله تعالى فاتقوا الله ما استطعتم وبقوله لا يكلف الله نفسا إلا وسعها وقالت جماعة لا نسخ هنا وإنما المعنى اتقوا الله حق تقاته في ما استطعتم وهذا هو الصحيح وخرج الترمذي عن ابن عباس ان النبي صلى الله عليه و سلم قرأ هذه الآية وهي اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لو أن قطرة من الزقوم قطرت في الدنيا

لأفسدت على أهل الدنيا معايشهم فكيف بمن يكون طعامه قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح وخرجه ابن ماجه أيضا اه وقوله تعالى ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون معناه دوموا على الإسلام حتى يوافيكم الموت وأنتم عليه والحبل في هذه الآية مستعار قال ابن مسعود حبل الله الجماعة وروى أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال أن بني إسرائيل افترقوا على إحدى وسبعين فرقة وأن أمتي ستفترق على اثنين وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة فقيل يا رسول الله وما هذه الواحدة قال فقبض يده وقال الجماعة وقرأ واعتصموا بحبل الله جميعا وقال قتادة وغيره حبل الله الذي أمر بالاعتصام به هو القرءان ورواه أبو سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه و سلم وقال ابن زيد هو الإسلام وقيل غير هذا مما هو كله قريب بعضه من بعض وقوله تعالى ولا تفرقوا يريد التفرق الذي لا يتأتى معه الائتلاف كالتفرق بالفتن والافتراق في العقائد وأما الافتراق في مسائل الفروع والفقه فليس بداخل في هذه الآية بل ذلك هوالذي قال فيه صلى الله عليه و سلم خلاف أمتي رحمة وقد اختلفت الصحابة في الفروع أشد اختلاف وهم يد واحدة على كل كافر وقوله سبحانه وأذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم الآية هذه الآية تدل على أن الخطاب إنما هو للأوس والخزرج كما تقدم وكانت العدواه قد دامت بين الحيين مائة وعشرين سنة حتى رفعها الله بالإسلام فجاء النفر الستة من الأنصار إلى مكة حجاجا فعرض النبي صلى الله عليه و سلم نفسه عليهم وتلا عليهم شيئا من القرآن كما كان يصنع مع قبائل العرب فآمنوا به وأراد الخروج معهم فقالوا يا رسول الله إن قدمت بلدنا على ما بيننا من العداوة والحرب خفنا إلا يتم مانريده بك ولكن نمضي نحن ونشيع أمرك ونداخل الناس وموعدنا وإياك العام القابل

فمضوا وفعلوا وجاءت الأنصار في العام القابل فكانت العقبة الثانية وكانوا اثني عشر رجلا فيهم خمسة من الستة الأولين ثم جاءوا من العام الثالث فكانت بيعة العقبة الكبرى حضرها سبعون وفيهم اثنا عشر نقيبا ووصف القصة مستوعب في السير ويسر الله تعالى الأنصار للإسلام بوجهين أحدهما أن بني إسرائيل كانوا مجاورين لهم وكانوا يقولون لمن يتوعدونه من العرب يبعث لنا الآن نبي نقتلكم معه قتل عاد وأرم فلما رأى النفر من الأنصار النبي صلى الله عليه و سلم قال بعضهم لبعض هذا والله النبي الذي تذكره بنو إسراءيل فلا تسبقن إليه والوجه الآخر الحرب التي كانت ضرستهم وافنت سراتهم فرجوا أن يجمع الله به كلمتهم فكان الأمر كما رجوا فعدد الله سبحانه عليهم نعمته في تاليفهم بعد العداوة وذكرهم بها قال الفخر كانت الأنصار قبل الإسلام أعداء فلما أكرمهم الله سبحانه بالإسلام صاروا أخوانا في الله متراحمين واعلم أن كل من كان وجهه إلى الدنيا كان معاديا لأكثر الخلق ومن كان وجهه إلى خدمة المولى سبحانه لم يكن معاديا لأحد لأنه يرى الكل أسيرا في قبضة القضاء والقدر ولهذا قيل أن العارف إذا أمر أمر برفق ونصح لا بعنف وعسر وكيف وهو مستبصر بالله في القدر ا ه وقوله تعالى فأصبحتم عبارة عن الاستمرار قال ص أصبح يستعمل لاتصاف الموصوف بصفته وقت الصباح وبمعنى صار فلا يلحظ فيها وقت الصباح بل مطلق الإنتقال والصيرورة من حال إلى حال وأصبح هنا بمعنى صار وما ذكره ابن عطية من أن أصبح للإستمرار لم يذهب إليه أحد من النحويين ا ه قلت وفيما أدعاه نظر وهي شهادة على نفي وكلام ع واضح من جهة المعنى والشفا حرف كل جرم له مهوى كالحفرة والبير والجرف والسقف والجدار ونحوه ويضاف في الإستعمال إلى الأعلى كقوله شفا جرف وإلى الأسفل كقوله شفا حفرة فشبه الله كفرهم

الذي كانوا عليه بالشفا لأنهم كانوا يسقطون في جهنم دأبا فانقذهم الله منها بالإسلام وقوله تعالى فأنقذكم منها أي من النار ويحتمل من الحفرة والأول أحسن قال العراقي انقذكم أي خلصكم ا ه وقوله تعالى ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير أمر الله سبحانه الأمة بأن يكون منها علماء يفعلون هذه الأفعال على وجوهها ويحفظون قوانينها ويكون سائر الأمة متبعين لاولائك إذ هذه الأفعال لا تكون إلا بعلم واسع وقد علم الله سبحانه أن الكل لا يكونون علما ء فمن هنا للتبعيض وهو تأويل الطبري وغيره وذهب الزجاج وغير واحد إلى أن المعنى ولتكونوا كلكم أمة يدعون ومن لبيان الجنس ومعنى الآية على هذا أمر الأمة بأن يدعوا جميع العالم إلى الخير فيدعون الكفار إلى الإسلام والعصاة إلى الطاعة ويكون كل واحد في هذه الأمور على منزلته من العلم والقدرة وروى الليث بن سعد قال حدثني محمد بن عجلان أن وافدا النضري أخبره عن انس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال ليؤتين برجال يوم القيامة ليسوا بأنبياء ولا شهداء يغبطهم الأنبياء والشهداء لمنازلهم من الله يكونون على منابر من ونور قالوا ومن هم يا رسول الله قال هم الذين يحببون الله إلى الناس ويحببون الناس إلى الله ويمشون في الأرض نصحا قلنا يا رسول الله هذا يحببون الله إلى الناس فكيف يحببون الناس إلى الله قال يأمرونهم بالمعروف وينهونهم عن المنكر فإذا أطاعوهم أحبهم الله تعالى ا ه من التذكرة للقرطبي قال ع قال أهل العلم وفرض الله سبحانه بهذه الآية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو من فروض الكفاية إذا قام به قائم سقط عن الغير وقال النبي صلى الله عليه و سلم من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان والناس في الامر بالمعروف وتغيير المنكر على مراتب ففرض العلماء فيه تنبيه الولاة وحملهم على

جادة العلم وفرض الولاة تغييره بقوتهم وسلطانهم ولهم هي اليد وفرض سائر الناس رفعه إلى الولاة والحكام بعد النهي عنه قولا وهذا في المنكر الذي له دوام وإما أن رأى أحد نازلة بديهية من المنكر كالسلب والزنا ونحوه فيغيرها بنفسه بحسب الحال والقدرة ويحسن لكل مؤمن أن يعتمل في تغيير المنكر وإن ناله بعض الأذى ويؤيد هذا المنزع أن في قراءة عثمان وابن مسعود وابن الزبير يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويستعينون الله على ما أصابهم فهذا وإن لم يثبت في المصحف ففيه إشارة إلى التعرض لما يصيب عقيب الأمر والنهي كما هو في قوله وأمر بالمعروف وأنه عن المنكر واصبر على ما أصابك وقوله سبحانه ولا تكونوا كالذين تفرقوا الآية قال أبن عباس هي إشارة إلى كل من افترق من الأمم في الدين فأهلكهم الإفتراق وقال الحسن هي إشارة إلى اليهود والنصارى قلت وروى ابو داود في سننه عن معاوية بن أبي سفيان قال قال النبي صلى الله عليه و سلم أن من قبلكم من أهل الكتاب أفترقوا على ثنتين وسبعين ملة وأن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين ثنتان وسبعون في النار وواحدة في الجنة وهي الجماعة وروى أبو هريرة نحوه ولم يذكر النار ا ه وقوله تعالى يوم تبيض وجوه وتسود وجوه الآية بياض الوجوه عبارة عن إشراقها واستنارتها وبشرها برحمة الله قاله الزجاج وغيره وقوله تعالى أكفرتم تقرير وتوبيخ متعلق بمحذوف تقديره فيقال لهم اكفرتم وفي هذا المحذوب جواب أما وهذا هو فحوى الخطاب وهو أن يكون في الكلام شيء مقدر لا يستغنى المعنى عنه كقوله تعالى فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة المعنى فافطر فعدة وقوله تعالى بعد ايمانكم يقتضى أن لهؤلاء المذكورين أيمانا متقدما وأختلف أهل التأويل في تعيينهم فقال أبي بن كعب هم جميع الكفار وإيمانهم هو إقرارهم يوم قيل لهم الست بربكم قالوا بلى وقال أكثر

المتأولين المراد أهل القبلة من هذه الأمة ثم اختلفوا فقال الحسن الآية في المنافقين وقال قتادة هي في أهل الردة وقال أبو أمامة هي في الخوارج وقوله تعالى تلك ءايات الله نتلوها عليك بالحق الإشارة بتلك إلى هذه الآيات المتضمنة تعذيب الكفار وتنعيم المؤمنين ولما كان في هذا ذكر التعذيب أخبر سبحانه أنه لا يريد أن يقع منه ظلم لأحد من العباد وإذا لم يرد ذلك فلا يوجد البتة لأنه لا يقع من شيء إلا ما يريده سبحانه وقوله بالحق معناه بالإخبار الحق ويحتمل أن يكون المعنى نتلوها عليك مضمنة الأفعال التي هي حق في نفسها من كرامة قوم وتعذيب ءاخرين ولما كان للذهن أن يقف هنا في الوجه الذي به خص الله قوما بعمل يرحمهم من أجله وءاخرين بعمل يعذبهم عليه ذكر سبحانه الحجة القاطعة في ملكة جميع المخلوقات وأن الحق أن لا يعترض عليه وذلك في قوله ولله ما في السموات وما في الأرض الآية وقوله تعالى كنتم خيرأمة أخرجت للناس الآية اختلفت في تأويل هذه الآية فقيل نزلت في الصحابة وقال الحسن بن أبي الحسن وجماعة من أهل العلم الآية خطاب لجميع الأمة بأنهم خير أمة أخرجت للناس ويؤيد هذا التأويل كونهم شهداء على الناس وأما قوله كنتم على صيغة المضي فإنها التي بمعنى الدوام كما قال تعالى وكان الله غفورا رحيما وقال قوم المعنى كنتم في علم الله وهذه الخيرية التي خص الله بها هذه الآمة إنما يأخذ بحظه منها من عمل بهذه الشروط من الآمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإيمان بالله مما جاء في فضل هذه الأمة ما خرجه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم نحن الآخرون الأولون يوم القيامة وفي رواية مسابقون يوم القيامة ونحن أول من يدخل الجنة وفي رواية نحن الآخرون من أهل الدنيا والاولون يوم القيامة المقضى لهم قبل الخلائق وفي رواية المقضى

بينهم اه وخرج ابن ماجه عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه و سلم قال نحن ءاخر الأمم واول من يحاسب يقال أين الأمة الآمية ونبيها فنحن الآخرون الأولون وفي رواية عن ابن عباس فتفرج لنا الأمم عن طريقنا فنمضي غرا محجلين من ءاثار الطهور فتقول الأمم كادت هذه الآمة أن تكون أنبياء كلها وخرجه أيضا أبو داود الطيالسي في مسنده بمعناه اه من التذكرة وروى أبو داود في سننه قال حدثنا عثمان بن أبي شيبة عن أبيه عن أبي موسى قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم امتي هذه أمة مرحومة ليس عليها عذاب في الآخرة عذابها في الدنيا الفتن والزلازل والقتل اه وقد ذكرنا هذا الحديث أيضا عن غير أبي داود وهذا الحديث ليس هو على عمومه في جميع الأمة لثبوت نفوذ الوعيد في طائفة من العصاة وقوله تأمرون بالمعروف وما بعده أحوال في موضع نصب وفي الحديث خير الناس اتقاهم لله وءامرهم بالمعروف وانهاهم عن المنكر وأوصلهم للرحم رواه البغوي في منتخبه اه من الكوكب الدري وقوله سبحانه منهم المؤمنون تنبيه على حال عبد الله بن سلام وأخيه وثعلبة بن سعية وغيرهم ممن آمن وقوله تعالى لن يضروكم إلا أذى أي إلا أذى بالالسنة فقط وأخبر سبحانه في قوله وإن يقاتلوكم يولوكم الأدبار بخبر غيب صححه الوجود فهي من آيات نبينا محمد صلى الله عليه و سلم وفائدة الخبر هي في قوله ثم لا ينصرون أي لا تكون حرب اليهود معكم سجالا وخص الأدبار بالذكر دون الظهر تخسيسا للفار وهكذا هوحيث تصرف وقوله تعالى ضربت معناه اثبتت بشدة والزام وهذا وصف حال تقررت على اليهود في أقطار الأرض قبل مجيء الإسلام وثقفوا معناه أخذوا بحال المذنب المستحق الإهلاك وقوله إلا بحبل من الله في الكلام محذوف يدركه فهم السامع تقديره فلا نجاة لهم من القتل أوالإستيصال إلا بحبل وهو العهد وقوله

ذلك إشارة إلى الغضب وضرب الذلة والمسكنه وباقي الآية تقدم تفسير نظيره وقوله تعالى ليسوا سواء الآية قال ابن عباس رضي الله عنهما لما أسلم عبد الله ابن سلام وثعلبة بن سعية وأسيد بن سعية وأسد بن عبيد ومن أسلم من اليهود معهم قال الكفار من أحبار اليهود ما آمن بمحد إلا شرارنا ولو كانوا خيارا ما تركوا دين آبائهم فأنزل الله سبحانه في ذلك ليسوا سواء الآية وقال مثله قتادة وابن جريج وهو أصح التأويلات في الآية واختلف في قوله قائمة فقال ابن عباس وغيره معناه قائمة على كتاب الله وحدوده مهتديه وقال اسدي القائمة القانتة المعطية وهذا كله يرجع إلى معنى واحد ويحتمل أن يراد بقائمة وصف حال التالين في إناء الليل ومن كانت حاله هذه فلا محالة أنه معتدل على أمر الله وآيات الله في هذه الآية هي كتبه والآناء الساعات واحدها أني بكسر الهمزة وسكن النون وحكم هذه الآية لا يتفق في شخص شخص بأن يكون كل واحد يصلي جميع ساعات الليل وإنما يقوم هذا الحكم من جماعة الأمة إذ بعض الناس يقوم أول الليل وبعضهم آخره وبعضهم بعد هجعة ثم يعود إلى نومه فيأتي من مجموع ذلك في المدن والجماعات عمارة إناء الليل بالقيام وهكذا كان صدر هذه الأمة وعرف الناس القيام في أول الثلث الآخر من الليل أو قبله بشيء وحينئذ كان يقوم الأكثر والقيام طول الليل قليل وقد كان في الصالحين من يلتزمه وقد ذكر الله سبحانه القصد من ذلك في سورة المزمل وقيام الليل لقراءة العلم المبتغى به وجه الله داخل في هذه الآية وهو أفضل من التنفل لمن يرجى انتفاع المسلمين بعلمه قلت وقد تقدم في أول السورة ما جاء من التأويل في حديث النزول فلنذكر الآن الحديث بكماله لما فيه من الفوائد روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل

الآخر فيقول من يدعوني فاستجيب له من يسئلني فأعطيه من يستغفرني فاغفر له رواه الجماعة اعنى الكتب الستة البخاري وملسما وأبا داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وفي بعض الطرق حتى يطلع الفجر زاد ابن ماجه فلذلك كانوا يستحبون الصلاة آخر الليل على أوله وعن عمرو بن عنبسة أنه سمع النبي صلى الله عليه و سلم يقول أقرب ما يكون الرب من العبد في جوف الليل الآخر فإن استطعت أن تكون ممن يذكر الله في تلك الساعة فكن رواه ابو داود والترمذي والنسائي والحاكم في المستدرك واللفظ للترمذي وقال حسن صحيح وقال الحاكم صحيح على شرط مسلم اه من السلاح وعن أبي إمامة قلت يا رسول الله أي الدعاء أسمع قال جوف الليل الآخر ودبر الصلوات المكتوبات رواه الترمذي ولانسائي وقال الترمذي هذا حديث حسن وفي رواية جوف الليل الآخر ارجى أو نحو هذا من السلاح ومما يدخل في ضمن قوله سبحانه ويسارعون في الخيرات أن يكون المرء مغتنما للخمس كما قال النبي صلى الله عليه و سلم اغتنم خمسا قبل خمس شبابك قبل هرمك وصحتك قبل سقمك وفراغك قبل شغلك وحياتك قبل موتك وغناك قبل فقرك فيكون متى أراد أن يصنع خيرا بادر إليه ولم يسوف نفسه بالأمل فهذه أيضا مسارعة في الخيرات وذكر بعض الناس قال دخلت مع بعض الصالحين في مركب فقلت له ما تقول أصلحك الله في الصوم في السفر فقال لي إنها المبادرة يا ابن الأخ قال المحدث فجاءني والله بجواب ليس من أجوبة الفقهاء قال ص قوله من الصالحين من للتبعيض ابن عطية ويحسن أيضا أن يكون لبيان الجنس وتعقب بأنه لم يتقدم شيء فيه إبهام فيبين جنسه اه وقوله تعالى وما تفعلوا من خير فلن تكفروه أي فلن يعطى دونكم فلا تثابون عليه وفي قوله سبحانه والله

عليم بالمتقين وعد ووعيد وقوله تعالى مثل ما ينفقون في هذه الحيوة الدنيا كمثل ريح الآية وقع في الآية التشبيه بين شيئين وشيئين وترك من كل منهما مادل عليه الكلام وهذه غاية الإيجاز والبلاغة وجمهور المفسرين على أن ينفقون يراد به الأموال التي كانوا ينفقونها في التحنث ا يبطلها كفرهم كما تبطل الريح الزرع والصر البرد الشديد المحرق لكل ما يهب عليه والحرث شامل للزرع والثمار وقوله سبحانه حرث قوم ظلموا أنفسهم الآية من أهل العلم من يرى أن كل مصائب الدنيا فإنما هي بمعاصي العبيد وينتزع ذلك من غير ما آية في القرآن فيستقيم على قوله إن كل حرث تحرقه ريح فإنما هو لمن قد ظلم نفسه والضمير في قوله وما ظلمهم الله للكفار الذين تقدم ضميرهم في ينفقون وليس هو للقوم ذوي الحرث وقوله تعالى يا أيها الذين أمنوا لا تتخذوا بطانة أي لا تتخذوا من الكفار واليهود والمنافقين أخلاء تأنسون بهم في الباطن وتفاوضونهم في الآراء وقوله سبحانه من دونكم يعني من دون المؤمنين وقوله سبحانه لا يالونكم خبالا معناه لا يقصرون لكم فيما فيه فساد عليكم تقول ما ألوت في كذا أي ما قصرت بل اجتهدت والخبال الفساد قال ابن عباس كان رجال من المؤمنين يواصلون رجالا من الهيود للحلف والجوار الذي كان بينهم في الجاهلية فنزلت الآية في ذلك وقال ابن عباس أيضا وقتادة والربيع والسدي نزلت في المنافقين قال ع ويدخل في هذه الآية استكتاب أهل الذمة وتصريفهم في البيع والشراء ونحو ذلك وما في قوله ما عتنم مصدرية فالمعنى ودوا عنتكم والعنت المشقة والمكروه يلقاه المرء وعقبة عنوت أي شاقة قال ص قال الزجاج عنتكم أي مشقتكم وقال ابن جرير ضلالكم وقال الزبيدي العنت الهلاك اه وقوله تعالى قد بدت البغضاء من

افواههم أي فهم فوق المستتر الذي تبدو البغضاء في عينيه وخص سبحانه الافواه بالذكر دون الالسنة إشارة إلى تشدقهم وثرثرتهم في أقوالهم هذه ثم قال سبحانه للمؤمنين قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون تحذيرا وتنبيها وقد علم سبحانه أنهم عقلاء ولكن هذا هز للنفوس كما تقول أن كنت رجلا فافعل كذا وكذا وقوله هأنتم أولاء تحبونهم الضمير في تحبونهم للذين تقدم ذكرهم قي قوله بطانه من دونكم قال ص وتؤمنون بالكتاب كله قال أبو البقاء الكتاب هنا جنس أي بالكتب كلها وقوله تعالى عذوا عليكم الأنامل من الغيط عبارة عن شدة الغيظ مع عدم القدرة على انفاذه ومنه قول ابي طالب يعضون غيظا خلفنا بالأنامل وقوله سبحانه قل موتوا بغيظكم قال فيه الطبري وكثير من المفسرين هو دعاء عليهم وقال قوم بل أمر النبي صلى الله عليه و سلم وأمته أن يواجهوهم بهذا فعلى هذا زال معنى الدعاء وبقي معنى التقريع وقوله تعالى إن الله عليم بذات الصدور وعين وذات الصدور ما تنطوى عليه وقوله سبحانه إن تمسسكم حسنه تسؤهم6 الآية الحسنة والسيئة في هذه الآية لفظ عام في كل ما يحسن ويسوء قلت ويجب على المؤمن أن يجتنب هذه الأخلاق الذميمة وروينا في كتاب الترمذي عن واثلة بن الأسقع رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لا تظهر الشماتة لأخيك فيC ويبتلك اه والكيد الاحتيال بالأباطيل وقوله تعالى وأكيد كيدا من باب تسمية العقوبة باسم الذنب وقوله تعالى وإذ غدوت من أهلك تبوىء المؤمنين مقاعد للقتال هذا ابتداء عتب المؤمنين في أمر أحد وفيه نزلت هذه الآيات كلها وكان من أمر غزوة أحد أن المشركين اجتمعوا في ثلاثة ألاف رجل وقصدوا المدينة ليأخذوا بثارهم في يوم بدر فنزلوا عند احد يوم الأربعاء الثاني عشر من شوال سنة ثلاث

من الهجرة على رأس أحد وثلاثين شهرا من الهجرة واقاموا هنالك يوم الخميس ورسول الله صلى الله عليه و سلم بالمدينة يدبر وينتظر أمر الله سبحانه فلما كان في صبيحة يوم الجمعة جمع رسول الله صلى الله عليه و سلم الناس واستشارهم وأخبرهم أنه كان يرى بقرا تذبح وثلما في ذباب سيفه وأنه يدخل يده في درع حصينة وأنه تأولها المدينة وقال لهم أرى ان لا نخرج إلى هؤلاء الكفار فقال له عبد الله ابن أبي بن سلول أقم يا رسول الله ولا تخرج إليهم بالناس فإن هم أقاموا أقاموا بشر محبس وإن انصرفوا مضوا خائبين وإن جاءونا إلى المدينة قاتلناهم في الأفنية ورماهم النساء والصبيان بالحجارة من الآطام فوالله ما حاربنا قط عدو في هذه المدينة إلا غلبناه ولا خرجنا منها إلى عدو إلا غلبنا فوافق هذا الرأي راي رسول الله صلى الله عليه و سلم ورأي جماعة عظيمة من المهاجرين والأنصار وقال قوم من صلحاء المؤمنين ممن فاتته بدر يا رسول الله أخرج بنا إلى عدونا وشجعوا الناس ودعوا إلى الحرب فقام رسول الله صلى الله عليه و سلم فصلى بالناس صلاة الجمعة وقد حشمه هؤلاء الداعون إلى الحرب فدخل اثر صلاته بيته ولبس سلاحه فندم أولئك القوم وقالوا أكرهنا رسول الله صلى الله عليه و سلم فلما خرج عليهم النبي صلى الله عليه و سلم في سلاحه قالوا يا رسول الله أقم إن شئت فإنا لا نريد أن نكرهك فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم ما ينبغي لنبي لبس سلاحه أن يضعها حتى يقاتل ثم خرج بالناس وسار حتى قرب من عسكر المشركين فعسكر هنالك وبات تلك الليلة وقد غضب عبد الله بن أبي بن سلول وقال أطاعهم وعصاني فلما كان في صبيحة يوم السبت اعتزم النبي صلى الله عليه و سلم على المسير إلى مناجزة المشركين فنهض وهو في الف رجل فانخزل عنه عند ذلك عبد الله بن أبي بن سلول بثلاثمائة رجل من منافق ومتبع وقالوا نظن أنكم لا تلقون

قتالا ومضى رسول الله صلى الله عليه و سلم في سبع مائة فهمت عند ذلك بنو حارثة من الأوس وبنو سلمة من الخزرج بالإنصراف ورأوا كثافة المشركين وقلة المسلمين وكادوا أن يجبنوا ويفشلوا فعصمهم الله تعالى وذم بعضهم بعضا ونهضوا مع النبي صلى الله عليه و سلم حتى أطل على المشركين فتصاف الناس وكان النبي صلى الله عليه و سلم قد أمر على الرماة عبد الله بن جبير وكانوا خمسين رجلا وجعلهم يحمون الجبل وراء المسلمين وأسند هو إلى الجبل فلما اضطرمت نار الحرب انكشف المشركون وانهزموا وجعل نساء المشركين يشددن في الجبل ويرفعن عن سوقهن قد بدت خلاخيلهن فجعل الرماة يقولون الغنيمة الغنيمة وكان النبي صلى الله عليه و سلم قد قال لهم لا تبرحوا من هنا ولو رأيتمونا تخطفنا الطير فقال لهم عبد الله بن جبير وقوم منهم اتقوا الله واثبتوا كما أمركم نبيكم فعصوا وخالفوا وانصرفوا يريدون النهب وخلوا ظهور المسلمين للخيل وجاء خالد في جريدة خيل من خلف المسلمين حيث كان الرماة فحمل على الناس ووقع التخاذل وصيح في المسلمين من مقدمتهم ومن ساقتهم وصرخ صارخ قتل محمد فتخاذل الناس واستشهد من المسلمين سبعون وتحيز رسول الله صلى الله عليه و سلم في أعلى الجبل وتحاوز الناس هذا مختصر من القصة يتركب عليه تفسير الآيات وأمر أحد مستوعب في السير وليس هذا التعليق مما يقتضي ذكره وتبوىء معناه تعين لهم مقاعد يتمكنون فيها ويثبتون وقوله سبحانه مقاعد جمع مقعد وهو مكان القعود وهذا بمنزلة قولك مواقف ولكن لفظة القعود أدل على الثبوت ولا سيما أن الرماة إنما كانوا قعودا وكذلك كانت صفوف المسلمين أولا والمبارزة والسرعان يجولون وقوله تعالى والله سميع أي ما تقول وما يقال لك وقت المشاروة وغيره وهمت معناه أرادت ولم تفعل والفشل في هذا الموضع

هو الجبن الذي كاد يلحق الطائفتين ففي البخاري وغيره عن جابر قال نزلت هذه الآية فينا إذ همت طائفتان في بني سلمة وبني حارثة وما أحب أنها لم تنزل والله يقول والله وليهما وقوله سبحانه ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة لما أمر الله سبحانه بالتوكل عليه ذكر بأمر بدر الذي كان ثمرته التوكل علىالله سبحانه والثقة به وقوله سبحانه وأنتم اذلة معناه قليلون اسم الذل في هذا الموضع مستعار إذ نسبتهم إلى عدوهم وإلى جميع الكفار في أقطار الأرض تقتضي عند المتأمل ذلتهم وأنهم مغلوبون روى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه و سلم خرج يوم بدر في ثلاثمائة وخمسة عشر فقال صلى الله عليه و سلم اللهم إنهم حفاة فأحملهم اللهم أنهم عراة فاكسهم اللهم انهم جياع فاشبعهم ففتح الله عليهم يوم بدر فانقلبوا حين انقلبوا وما فيهم رجل إلا قد رجع بجمل أو جملين واكتسوا وشبعوا رواه أبو داود والحاكم في المستدرك على الصحيحين واللفظ له وقال صحيح على شرط الشيخين اه من السلاح وقوله سبحانه إذ تقول العامل في إذ فعل مضمرويحتمل أن يكون العامل نصركم وعلى هذا قول الجمهور إن هذا القول من النبي صلى الله عليه و سلم كان ببدر قال ابن عباس لم تقاتل الملائكة في يوم من الأيام إلا يوم بدر وكانوا يكونون في سائر الأيام عددا ومددا لا يضربون قال الشعبي وهم يحضرون حروب المسلمين إلى يوم القيامة وقال قتادة أمد الله المؤمنين يوم بدر بخمسة آلاف قال عكرمة كان الوعد يوم بدر فلم يصبروا يوم احد ولا اتقوا فلم يمدوا ولو مدوا لم يهزموا وقال الضحاك وابن زيد إنما كان هذا الوعد والمقالة للمؤمنين يوم أحد ففر الناس وولوا مدبرين فلم يمدهم الله وإنما مدوا يوم بدر بألف من الملائكة مردفين والفوز النهوض المسرع إلى الشيء مأخوذ من فور القدر والماء ونحوه ومنه الفور في الحج والوضوء ومسومين معناه معلمين بعلامات

وروي أن الملائكة اعلمت يوم بدر بعمائم بيض إلا جبريل فإنه كان بعمامة صفراء على مثال عمامة الزبير بن العوام وروي أن النبي صلى الله عليه و سلم قال للمسلمين يوم بدر سوموا فإن الملائكة قد سومت وقوله سبحانه وما جعله الله إلا بشرى لكم ولتطمئن قلوبكم به وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم الضمير في جعله الله عائد على الإنزال والإمداد ومعنى الآية وما كان هذا الامداد إلا لتستبشروا به وتطمئن به قلوبكم وترون حفاية الله بكم وإلا فالكثرة لا تغنى شيئا إلا أن ينصر الله واللام في قوله ليقطع متعلقة بقوله وما النصر ويحتمل أن تكون متعلقة بجعله فيكون قطع الطرف إشارة إلى من قتل ببدر على قول ابن إسحاق وغيره أو إلى من قتل بأحد على ما قال السدي وقتل من المشركين ببدر سبعون وقتل منهم يوم أحد أثنان وعشرون رجلا والطرف الفريق وقوله سبحانه أو يكبتهم معناه يخزيهم والكبت الصرع لليدين وقال ص الكبت الهزيمة وقيل الصرع لليدين اه وقوله تعالى ليس لك من الأمر شيء الآية روي في سبب هذه الآية أنه لما هزم اصحابه صلى الله عليه و سلم وشج وجهه وكسرت رباعيته جعل يمسح وجهه ويقول كيف يفلح قوم فعلوا هذا بنبيهم وفي بعض طرق الحديث كيف بقوم فعلوا هذا بنبيهم وهو يدعوهم إلى الله فنزلت الآية فقيل له ليس لك من الأمر شيء أي عواقب الأمور بيد الله فامض أنت لشأنك ودم على الدعاء إلى ربك قلت وقد فعل ذلك صلى الله عليه و سلم ممتثلا أمر ربه قال عياض روي أن النبي صلى الله عليه و سلم لما كسرت رباعيته وشج وجهه يوم أحد شق ذلك على أصحابه وقالوا لو دعوت عليهم فقال أني لم أبعث لعانا ولكني بعثت داعيا ورحمة اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون وروي عن عمر رضي الله عنه أنه قال في بعض كلامه بأبي وأمي أنت يا رسول الله لقد

دعا نوح على قومه فقال رب لا تذر على الأرض الآية ولو دعوت علينا لهلكنا من عند آخرنا فلقد وطىء ظهرك وادمي وجهك وكسرت رباعيتك فأبيت أن تقول إلا خيرا فقلت اللهم اغفر لقومي فأنهم لا يعلمون اه قال الطبري وغيره من المفسرين أو يتوب عطف على يكبتهم والمعنى أو يتوب عليهم فيسلمون أو يعذبهم إن تمادوا على كفرهم فإنهم ظالمون ثم أكد سبحانه معنى قوله ليس لك من الأمر شيء بذكر الحجة الساطعة في ذلك وهي ملكه الأشياء فقال سبحانه وله ما في السموات وما في الأرض يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله غفور رحيم أي فله سبحانه أن يفعل بحق ملكه ما يشاء لا اعتراض عليه ولا معقب لحمكه وذكر سبحانه أن الغفران أو التعذيب إنما هو بمشيئته وبحسب السابق في علمه ثم رجى سبحانه في آخر ذلك تأنيسا للنفوس وقوله تعالى يا أيها الذين أمنوا لا تأكلوا الربوا أضعافا مضاعفة الآية قال ع هذا النهي عن أكل الربا اعترض أثناء قصمة أحد ولا أحفظ سببا في ذلك مرويا ومعناه الربا الذي كانت العرب تضعف فيه الدين وقد تقدم الكلام على ذلك في سورة البقرة وقوله تعالى اعدت للكفارين أي أنهم المقصود والمراد الأول وقد يدخلها سواهم من العصاة هذا مذهب أهل العلم في هذه الآية وحكى الماوردي وغيره عن قوم أنهم ذهبوا إلى أن أكلة الربا إنما توعدهم الله بنار الكفرة لا بنار العصاة وقوله سبحانه وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون قال محمد بن إسحاق هذه الآية من قوله تعالى وأيطعوا الله هي ابتداء المعاتبة في أمر احد وانهزام من فر وزوال الرماة عن مراكزهم وقوله تعالى سارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض قرأ نافع وابن عامر سارعوا بغير واو وكذلك هي في مصاحب أهل المدينة والشام وقرأ باقي السبعة بالواو والمسارعة المبادرة وهي مفاعلة إذ الناس كأن

كل واحد يسرع ليصل قبل غيره فبينهم في ذلك مفاعلة إلا ترى إلى قوله تعالى فاستبقوا الخيرات والمعنى سارعوا بالطاعة والتقوى والتقرب إلى ربكم إلى حال يغفر الله لكم فيها قلت وحق على من فهم كلام ربه أن يبادر ويسارع إلى ما ندبه إليه ربه وأن لا يتهاون بترك الفضائل الواردة في الشرع قال النووي رحمه الله أعلم أنه ينبغي لمن بلغه شيء في فضائل الأعمال أن يعمل به ولو مرة ليكون من أهله ولا ينبغي أن يتركه جملة بل يأتي بما تيسر منه لقول النبي صلى الله عليه و سلم في الحديث المتفق على صحته وإذا أمرتكم بشيء فافعلوا منه ما استطعتم اه من الحلية وقوله سبحانه وجنة عرضها السموات والأرض أي كعرض السماوات والأرض قال ابن عباس في تفسير الآية تقرن السموات والأرضون بعضها إلى بعض كما تبسط الثياب فذلك عرض الجنة ولا يعلم طولها إلا الله سبحانه وفي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه و سلم أن بين المصراعين من أبواب الجنةمسيرة أربعين سنة وسيأتي عليها يوم يزدحم الناس فيها كما تزدحم الإبل إذا وردت خمصا ظماء وفي الصحيح أن في الجنة شجرة يسير الراكب المجد في ظلها مائة عام لا يقطعها فهذا كله يقوي قول ابن عباس وهو قول الجمهور أن الجنةأكبر من هذه المخلوقات المذكورة وهي ممتدة على السماء حيث شاء الله تعالى وذلك لا ينكر فإن في حديث النبي صلى الله عليه و سلم ما السماوات السبع والأرضون السبع في الكرسي إلا كدراهم ألقيت في فلاة من الأض وما الكرسي في العرش إلا كحلقة من حديد القيت في فلاة من الأرض قال ع فهذه مخلوقات أعظم بكثير جدا من السماوات والأرض وقدرة الله أعظم من ذلك كله قلت قال الفخر وفي الآية وجه ثان أن الجنة التي عرضها مثل عرض السماوات والأرض إنما تكون للرجل الواحد لأن الإنسان يرغب فيما يكون ملكا له فلا بد

أن تصير الجنة المملوكة لكل أحد مقدارها هكذا اه وقدرة الله تعالى أوسع وفضله أعظم وفي صحيح مسلم والترمذي من حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه في سؤال موسى ربه عن أدنى أهل الجنة منزلة وأنه رجل يأتي بعد ما يدخل أهل الجنة الجنة فيقال له أترضى أن يكون لك ما كان لملك من ملوك الدنيا فيقول رضيت أي رب فيقال له لك ذلك ومثله معه مثله ومثله ومثله فقال في الخامسة رضيت أي رب فيقال له لك ذلك وعشرة أمثاله فيقول رضيت أي رب فيقال له فإن لك مع هذا ما أشتهت نفسك ولذت عينك قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح وفي البخاري من طريق ابن مسعود رضي الله عنه أن آخر أهل الجنة دخولا الجنة وآخر أهل النار خروجا من النار رجل يخرج حبوا فيقول له ربه أدخل الجنة فيقول رب الجنة ملأى فيقول له أن لك مثل الدنيا عشر مرات وفي جامع الترمذي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن أدنى أهل الجنة منزلة لمن ينظر إلى جنانه وأزواجه ونعيمه وخدمه وسرره مسيرة ألف سنة وأكرمهم على الله من ينظر إلى وجهه غدوة وعشية الحديث قال أبو عيسى وقد روي هذا الحديث من غير وجه مرفوعا وموقوفا وفي الصحيح ما معناه إذا دخل أهل الجنة الجنة تبقى فيها فضلة فينشيء الله لها خلقا أو كما قال قال ع وخص العرض بالذكر لأنه يدل متى ما ذكر على الطول والطول إذا ذكر لا يدل على قدر العرض بل قد يكون الطويل يسير العرض كالخيط ونحوه ثم وصف تعالى المتقين الذين أعدت لهم الجنة بقوله الذين ينفقون في السراء والضراء وهما اليسر والعسر قاله ابن عباس إذ الأغلب أن مع اليسر النشاط وسرور النفس ومع العسر الكراهية وضر النفس وكظم الغيظ رده في الجوف إذا كاد أن

يخرج من كثرته ومنعه كظم له والكظام السير الذي يشد به فم الزق والغيظ أصل الغضب وكثيرا ما يتلازمان ولذلك فسر بعض الناس الغيظ بالغضب وليس تحرير الأمر كذلك بل الغيظ حال للنفس لا تظهر على الجوراح والغضب حال لها تظهر في الجوارح وفعل ما ولا بد ولهذا جاز إسناد الغضب إلى الله سبحانه إذ هو عبارة عن افعاله في المغضوب عليهم ولا يسند إليه تعالى الغيظ ووردت في كظم الغيظ وملك النفس عند الغضب أحاديث وذلك من أعظم العبادات وجهاد النفس ففي حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال من عظم غيظا وهو يقدر على انفاذه ملأه الله أمنا وإيمانا إلى غير ذلك من الأحاديث قلت وروى أبو داود والترمذي عن معاذ بن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال من كظم غيظا وهو يقدر على أن ينفذه دعاه الله على رؤوس الخلائق يوم القيامة حتى يخيره في أي الحور شاء قال أبو عيسى هذا حديث حسن اه وفي رواية أخرى لابي داود ملأة الله أمنا وإيمانا ومن ترك لبس ثوب جمال وهو يقدر عليه قال بشر احسبه قال تواضعا كساه الله حلة الكرامة وحدث الحافظ أبو الفضل محمد بن طاهر المقدسي بسنده عن النبي صلى الله عليه و سلم قال من كف غضبه كف الله عنه عذابه ومن خزن لسانه ستر الله عورته ومن اعتذر إلى الله قبل الله عذره اه من صفوة التصوف والعفو عن الناس من أجل ضروب فعل الخير ثم قال سحبانه والله يحب المحسنين فعلم أنواع البر وظاهر الآية أنها مدح بفعل المندوب وقوله سبحانه والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله الآية ذكر سبحانه في هذه الآية صنفا هو دون الصنف الأول فألحقهم بهم برحمته ومنه وهم التوابون وروي في سبب نزول هاتين الآيتيتن أن الصحابة رضي الله عنهم قالوا يا رسول الله كانت بنو إسرائيل أكرم على الله

منا حين كان المذنب منهم يصبح وعقوبته مكتوبة على باب داره فأنزل الله هذه الآية توسعة ورحمة وعوضا من ذلك الفعل ببني إسرائيل وروي أن إبليس بكى حين نزلت هذه الآية والفاحشة لفظ يعم جميع المعاصي وقد كثر إستعماله في الزنا حتى فسر السدي الفاحشة هنا بالزنا وقال قوم الفاحشة هنا إشارة إلى الكبائر وظلم النفس إشارة إلى الصغائر واستغفروا معناه طلبوا الغفران قال النووي وروينا في سنن ابن ماجه بإسناد جيد عن عبد الله بن بسر بضم الباء قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم طوبى لمن وجد في صحيفته اسغفارا كثيرا اه من الحلية وذكروا الله معناه بالخوف من عقابه والحياء منه إذ هو المنعم المتطول ثم اعترض اثناء الكلام قوله تعالى ومن يغفر الذنوب إلا الله اعتراضا موقفا للنفس داعيا إلى الله مرجيا في عفوه إذا رجع إليه وجاء اسم الله مرفوعا بعد الإستثناء والكلام موجب حملا على المعنى إذ هو بمعنى وما يغفر الذنوب إلا الله وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال حدثني أبو بكر وصدق أبو بكر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول ما من رجل يذنب ذنبا ثم يقوم فيتطهر ثم يصلي ثم يستغفر الله إلا غفر الله له ثم قرأ هذه الآية والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله إلى آخر الآية رواه أبو داود والترمذي والنساءي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه وقال الترمذي واللفظ له حديث حسن اه من السلاح وقوله سبحانه ولم يصروا الإصرار هو المقام على الذنب واعتقاد العودة إليه وقوله وهم يعلمون قال السدي معناه وهم يعلمون أنهم قد اذنبوا وقال ابن إسحاق معناه وهم يعلمون بما حرمت عليهم وقيل وهم يعلمون أن باب التوبة مفتوح وقيل وهم يعلمون أنى اعاقب على الإصرار ثم شرك سبحانه الطائفتين المذكورتين في قوله أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم الآية قال ص قوله ونعم المخصوص

بالمدح محذوف أي المغفرة والجنة وقوله سبحانه قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض الآية الخطاب للمؤمنين والمعنى لا يذهب بكم إن ظهر الكفار المكذبون عليكم بأحد فإن العاقبة للمتقين وقديما ما أدال الله المذكبين على المؤمنين ولكن انظرو كيف هلك المذكبون بعد ذلك فكذلك تكون عاقبة هؤلاء وقال النقاش الخطاب بقد خلت للكفار قال ع وذلك قلق وخلت معناه مضت والسنن الطرائق وقال ابن زيد سنن معناه أمثال وهذا تفسير لا يخص اللفظة وقوله فانظروا هو عند الجمهور من نظر العين وقال قوم هوبالفكر وقوله تعالى هذا بيان للناس يريد به القرآن قاله الحسن وغيره وقال جماعة الإشارة بهذا إلى قوله تعالى قد خلت من قبلكم سنن وقال الفخر يعني بقوله هذا بيان ما تقدم من أمره سبحانه ونهيه ووعده ووعيده وذكره لأنواع البينات والآيات أ ه ثم نهى سبحانه المؤمنين عن الوهن وهو الضعف وانسهم بأنهم الأعلون أصحاب العاقبة ومن كرم الخلق أن لا يهن الإنسان في حربه إذا كان محقا وإنما يحسن اللين في السلم والرضى ومنه قوله صلى الله عليه و سلم المؤمن هين لين وقوله سبحانه وأنتم الأعلون اخبار بعلو كلمة الإسلام هذا قول الجمهور وهو ظاهر اللفظ قال ص وأنتم الأعلون في موضع نصب على الحال وقوله سبحانه إن كنتم مؤمنين المقصد هز النفوس وإقامتها ويترتب من ذلك الطعن على من نجم في ذلك اليوم نفاقه أو اضطرب يقينه أي لا يتحصل الوعد إلا بالإيمان فالزموه ثم قال تعالى تسلية للمؤمنين إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله والأسوة مسلاة للبشر ومنه قول الخنساء ... ولولا كثرة الباكين حولي ... على أخوانهم لقتلت نفسي ...
... وما يبكون مثل أخي ولكن ... أعزى النفس عنه بالتأسي

والقرح القتل والجراح قاله مجاهد وغيره وقوله تعالى وتلك الأيام نداولها بين الناس أخبر سبحانه على جهة التسليه أن الأيام على قديم الدهر وغابره أيضا إنما جعلها دولا بين البشر أي فلا تنكروا أن يدال عليكم الكفار وقوله تعالى وليعلم الله الذين ءامنوا تقديره وليعلم الله الذين ءامنوا فعل ذلك والمعنى ليظهر في الوجود إيمان الذين قد علم الله ازلا أنهم يؤمنون وإلا فقد علمهم في الأزل ويتخذ منكم شهداء معناه أهل فوز في سبيله حسبما ورد في فضائل الشهداء وذهب كثير من العلماء إلى التعبير عن أدالة المؤمنين بالنصر وعن أدالة الكفار بالأدالة وروي عن النبي صلى الله عليه و سلم في ذلك حديث أنهم يدالون كما تنصرون والتمحيص التنقية قال الخليل التمحيص التخليص من العيب فتمحيص المؤمنين هو تنقيتهم من الذنوب والمحق الأذهاب شيئا فشيئا ومنه محاق القمر وقوله سبحانه أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين الآية حسبتم معناه ظننتم وهذه الآية وما بعدها عتب وتقريع لطوائف من المؤمنين الذين وقعت منهم الهنوات المشهورة في يوم أحد ثم خاطب الله سبحانه المؤمنين بقوله ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه والسبب في ذلك أن النبي صلى الله عليه و سلم خرج في غزوة بدر يريد عير قريش مبادرا فلم يوعب الناس معه إذ كان الظن أنه لا يلقى حربا فلما قضى الله ببدر ما قضى وفاز حاضروها بالمنزلة الرفيعة كان المتخلفون من المؤمنين عنها يتمنون حضور قتال الكفار ليكون منهم في ذلك غناء يلحقهم عند ربهم ونبيهم بمنزلة أهل بدر فلما جاء أمر أحد لم يصدق كل المؤمنين فعاتبهم الله بهذه الآية والزمهم تمنى الموت من حيث تمنوا أسبابه وهو لقاء العدو مضاربتهم وإلا فنفس قتل المشرك للمسلم لا يجوز أن يتمنى من حيث هو

قتل وإنما تمنى لو أحقه من الشهادة والتنعيم قلت وفي كلام ع بعض أجمال وقد ترجم البخاري تمنى الشهادة ثم أسند عن أبي هريرة قال سمعت النبي صلى الله عليه و سلم يقول والذي نفسي بيده لولا أن رجالا من المؤمنين لا تطيب أنفسهم أن يتخلفوا عني ولا أجد ما أحملهم عليه ما تخلفت عن سرية تغزو في سبيل الله والذي نفسي بيده لوددت أني أقتل في سبيل الله ثم أحيا ثم أقتل ثم أحيا ثم أقتل ثم أحيا ثم أقتل وخرجه أيضا مسلم وخرج البخاري ومسلم من حديث أنس عن النبي صلى الله عليه و سلم قال ما من عبد يموت له عند الله عز و جل خير يسره أن يرجع إلى الدنيا وأن الدنيا له وما فيها إلا الشهيد لما يرى رى من فضل الشهادة فإنه يسره أن يرجع إلى الدنيا فيقتل عشر مرات لما يرى من الكرامة اه فقد تبين لك تمنى القتل في سبيل الله بهذه النصوص لما فيه من الكرامة وصواب كلام ع أن يقول وإنما يتمنى القتل للواحقة من الشهادة والتنعيم وقوله سبحانه فقد رأيتموه يريد رأيتم أسبابه وقوله وأنتم تنظرون تأكيد للرؤية وإخراجها من الإشتراك الذي بين رؤية القلب ورؤية العين وقوله تعالى وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل الآية هذا استمرار في عتبهم وإقامة الحجة عليهم المعنى أن محمد عليه السلام رسول كسائر الرسل قد بلغ كما بلغوا ولزمكم أيها المؤمنون العمل بمضمن الرسالة وليست حايته وبقاؤه بين أظهركم شرطا في ذلك لأنه يموت كما ماتت الرسل قبله ثم توعد سبحانه المنقلب على عقيبه بقوله فلن يضر الله شيئا لأن المعنى فإنما يضر نفسه وأياها يوبق ثم وعد الشاكرين وهم الذين صدقوا وصبروا ومضوا في دينهم ووفوالله بعهدهم كسعد بن الربيع ووصيته يومئذ للأنصار وأنسن بن النضر وغيرهما ثم يدخل في الآية الشاكرون إلى يوم

القيامة وقال علي رضي الله عنه في تفسير هذه الاية الشاكرون الثابتون على دينهم أبو بكر وأصحابه وكان يقول أبو بكر أمير الشاكرين إشارة منه إلى صدع أبي بكر بهذه الآية يوم موت النبي صلى الله عليه و سلم وثبوته في ذلك الموطن وثبوته في أمر الردة وسائر المواطن الني ظهر فيها شكره وشكر الناس بسببه ثم اخبر عز و جل عن النفوس أنها إنما تموت بأجل مكتوب محتوم عند الله تعالى أي فالجبن والخور لا يزيد في الأجل والشجاعة والإقدام لا ينقص منه وفي هذه الآية تقوية للنفوس في الجهاد وفيها رد على المعتزلة في قولهم بالآجلين وقوله سبحانه ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها الآية أي نؤت من شئنا منها ما قدر له يبين ذلك قوله تعالى من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد وقرينة الكلام تقتضي أنه لا يؤتى شيئا من الآخرة لأن من كانت نيته من عمله مقصورة على طلب الدنيا فلا نصيب له في الآخرة والأعمال بالنيات وقرينة الكلام من قوله ومن يرد ثواب الآخرة ونؤته منها لا تمنع أن يؤتى نصيبا من الدنيا قال ابن فورك في قوله تعالى وسنجزي الشاكرين إشارة إلى أنه ينعمهم بنعم الدنيا لا إنهم يقصرون على الآخرة ثم ضرب سبحانه المثل للمؤمنين بمن سلف من صالح الأمم الذين لم يثنهم عن دينهم قتل الكفار لأنبيائهم فقال وكاين من نبيء قتل معه ربيون كثير الآية وفي كأين لغات فهذه اللغة أصلها لأنها كاف التشبيه دخلت على أي وكأين في هذه الآية في موضع رفع بالابتداء وهي بمنزلة كم وبمعناها تعطي في الاغلب التكثير وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو قتل مبني لما لم يسم فاعله وقرأ الباقون قاتل فقوله قتل قال فيه جماعة من المفسرين منهم الطبري أنه مستند إلى ضمير نبيء والمعنى عدهم أن النبي قتل ونحا إليه ابن عباس وإذا كان هذا فربيون مرتفع بالظرف بلا خلاف وهو متعلق

بمحذوف وليس متعلقا بقتل وقال الحسن بن أبي الحسن وجماعة أن قتل إنما هو مستند إلى قوله ربيون وهم المقتولون قال الحسن وابن جبير لم يقتل نبي في حرب قط قال ع فعلى هذا القول يتعلق قوله معه بقتل ورحج الطبري القول الأول بدلالة نازلة النبي صلى الله عليه و سلم وذلك أن المؤمنين إنما تخاذلوا يوم أحد لما قيل قتل محمد فضرب المثل بنبي قتل وترجيح الطبري حسن ويؤيد ذلك ما تقدم من قوله افأين مات أو قتل وحجة من قرأ قاتل أنها أعم في المدح لأنه يدخل فيها من قتل ومن بقي قال ع ويحسن عندي على هذه القراءة استناد الفعل إلى الربيين وقوله ربيون قال ابن عباس وغيره معناه جموع كثيرة وهو من الربة بكسر الراء وهي الجماعة الكثيرة وروي عن ابن عباس والحسن بن أبي المسن وغيرهما أنهم قالوا ربيون معناه علماء ويقوى هذا القول قراءة من قرأ ربيون بفتح الراء منسوبون إلى الرب أما لأنهم مطيعون له أو من حيث أنهم علماء بما شرع وقوله سبحانه وما استكانوا ذهبت طائفة من النحاة إلى أنه من السكون وذهبت طائفة إلى أنه مأخوذ من كان يكون واصلة استكونوا والمعنى أنهم لم يضعفوا ولا كانوا قريبا من ذلك قلت وأعلم رحمك الله أن أصل الوهن والضعف عن الجهاد ومكافحة العدو هو حب الدنيا وكراهية بذل النفوس لله وبذل مهجها للقتل في سبيل الله إلا ترى إلى حال الصحابة رضي الله عنهم وقلتهم في صدر الإسلام وكيف فتح الله بهم البلاد ودان لدينهم العباد لما بذلو لله أنفسهم في الجهاد وحالنا اليوم كما ترى عدد أهل الإسلام كثير ونكايتهم في الكفار نزر يسير وقد روى أبو داود في سننه عن ثوبان قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم يوشك الأمم أن تتداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها فقال قائل ومن قلة نحن يومئذ قال بل

أنتم كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم وليقذفن في قلوبكم الوهن فقال قائل يا رسول الله وما الوهن قال حب الدنيا وكراهية الموت ا ه فانظر رحمك الله فهل هذا الزمان إلا زماننا بعينه وتأمل حال ملوكنا إنما همتهم جمع المال من حرام وحلال واعراضهم عن أمر الجهاد فإنا لله وإنا اليه راجعون على مصاب الإسلام قوله تعالى وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا أغفر لنا ذنوبنا الآية هذه الآية في ذكر الربيين أي هذا كان قولهم لا ما قاله بعضكم يا أصحاب محمد لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا ها هنا إلى غير ذلك مما اقتضته تلك الحال من الأقوال قلت وهذه المقالة ترجح القول الثاني في تفسير الربيين إذ هذه المقالة إنما تصدر من علماء عارفين بالله قال ع واستغفار هؤلاء القوم الممدوحين في هذا الموطن ينحو إلى أنهم رأوا أن ما نزل من مصائب الدنيا إنما هو بذنوب من البشر كما نزلت قصة أحد بعصيان من عصى وقولهم ذنوبنا وأسرافنا في أمرنا عبارتان عن معنى قريب بعضه من بعض جاء للتأكيد ولتعم مناحي الذنوب وكذلك فسره ابن عباس وغيره وقال الضحاك الذنوب عام والإسراف في الأمر اريد به الكبائر خاصة فأتاهم الله ثواب الدنيا بأن اظهرهم على عدوهم وحسن ثواب الآخرة الجنة بلا خلاف قال الفخر ولاشك أن ثواب الآخرة هي الجنة وذلك غير حاصل في الحال فيكون المراد أنه سبحانه لما حكم لهم بحصولها في الآخرة قام حكمه لهم بذلك مقام الحصول في الحال ومحمل قوله آتاهم أنه سيؤتيهم قيل ولا يمتنع أن تكون هذه الآية خاصة بالشهداء وأنه تعالى في حال نزول هذه الآية كان قد آتاهم حسن ثواب الآخرة انتهى وقوله سبحانه يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفروا يعني المنافقين الذين خيبوا المسلمين وقالوا في أمر أحد لو كان محمد نبيا لم ينهزم وقوله سبحانه

بل الله مولاكم وهو خير الناصرين هذا تثبيت لهم وقوله سبحانه سنلقى في قلوب الذين كفروا الرعب سبب هذه الآية أنه لما ارتحل أبو سفيان بالكفار رجع النبي صلى الله عليه و سلم إلى المدينة فتجهز وأتبع المشركين وكان معبد بن أبي معبد الخزاعي قد جاء إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقال له والله يا محمد لقد ساءنا ما أصابك وكانت خزاعة تميل إلى النبي صلى الله عليه و سلم ثم ركب معبد حتى لحق بأبي سفيان فلما رأى أبو سفيان معبدا قال ما وراءك يا معبد قال محمد في اصحابه يطلبكم في جمع لم أر مثله يتحرقون عليكم قد أجتمع معه من كان تخلف عنه وندموا على ما صنعوا قال ويلك ما تقول قال والله ما اراك أن ترحل حتى ترى نواصي الخيل قال فوالله لقد اجمعنا الكرة اليهم قال فإني انهاك عن ذلك ووالله لقد حملني ما رأيت على أن قلت فيهم شعرا قال وما قلت قال قلت ... كادت تهد من الأصوات راحلتي ... إذ سالت الأرض بالجرد إلا بابيل ...
... تردى بأسد كرام لا تنابلة ... عند اللقاء ولا ميل معازيل ...
... فظلت عدوا أظن الأرض مائلة ... لما سموا برءيس غير مخذول ...
إلى آخر الشعر فألقى الله الرعب في قلوب الكفار وقال صفوان بن أمية لا ترجعوا فإني أرى أنه سيكون للقوم قتال غير الذي كان فنزلت الآية في هذا الإلقاء وهي بعد متناولة كل كافر قال الفخر لأنه لا أحد يخالف دين الإسلام إلا وفي قلبه خوف من الرعب أما عند الحرب وأما عند المحاجة انتهى وقوله سبحانه بما اشركوا هذه باء السبب والسلطان الحجة والبرهان قال ص قوله وبيس المخصوص بالذم محذوف أي النار وقوله سبحانه ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه جاء الخطاب لجميع المؤمنين وإن كانت الأمور التي عاتبهم

سبحانه عليها لم يقع فيها جميعهم ولذلك وجوه من الفصاحة منها وعظ الجميع وزجره إذ من لم يفعل معد أن يفعل أن لم يزجر ومنها الستر والإبقاء على من فعل وكان النبي صلى الله عليه و سلم قد وعد المؤمنين النصر يومئذ على خبر الله أن صبروا وجدوا فصدقهم الله وعده وذلك أن النبي صلى الله عليه و سلم صاف المشركين يومئذ ورتب الرماة على ما قد ذكرناه قبل هذا واشتعلت نار الحرب وابلى حمزة بن عبد المطلب وأبو دجانة وعلي وعاصم بن أبي الاقلح وغيرهم وأنهزم المشركون وقتل منهم اثنان وعشرون رجلا فهذا معنى قوله عز و جل إذ تحسونهم بإذنه والحس القتل الذريع يقال حسهم إذا استأصلهم قتلا وحس البرد النبات وقوله سبحانه حتى إذا فشلتم يحتمل أن تكون حتى غاية كأنه قال إلى أن فشلتم والأظهر الأقوى أن إذا على بابها تحتاج إلى الجواب ومذهب الخليل وسيبويه وفرسان الصناعة أن الجواب محذوف يدل عليه المعنى تقديره انهزمتم ونحوه والفشل استشعار العجز وترك الجد والتنازع هو الذي وقع بين الرماة وعصيتم عبارة عن ذهاب من ذهب من الرماة وتأمل رحمك الله ما يوجبه الركون إلى الدنيا وما ينشأ عنها من الضرر وإذا كان مثل هؤلاء السادة على رفعتهم وعظيم منزلتهم حصل لهم بسببها ما حصل من الفشل والهزيمة فكيف بامثالنا وقد حذر الله عز و جل ونبيه عليه السلام من الدنيا وأفاتها بما لا يخفى على ذى لب وقد ذكرنا في هذا المختصر جملة كافية لمن وفقه الله وشرح صدره وقد خرج البغوي في المسند المنتخب له عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال لا تفتح الدنيا على أحد إلا القت بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة أنتهى من الكوكب الدري وقال عليه السلام للأنصار لما تعرضوا له إذ سمعوا بقدوم أبي عبيدة بمال البحرين أبشروا وأملوا ما يسركم فو الله ما الفقر أخشى عليكم ولكني أخشى أن تبسط الدنيا

عليكم كما بسطت على من قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها فتهلككم كما اهلكتهم أخرجه البخاري ومسلم والترمذي واللفظ له وقال هذا حديث صحيح أنتهى وأعلم رحمك الله أن تيسير أسباب الدنيا مع اعراضك عن أمر أخرتك ليس ذلك من علامات الفلاح وقد روى ابن المبارك في رقائقه قال أخبرنا ابن لهيعة قال حدثني سعيد بن أبي سعيد أن رجلا قال يا رسول الله كيف لي أن أعلم كيف أنا قال إذا رأيت كلما طلبت شيئا من أمر الآخرة وابتغيته يسر لك وإذا أردت شيئا من الدنيا وابتغيته عسر عليك فانت على حال حسنة وإذا رأيت كلما طلبت شيئا من أمر الآخرة وابتغيته عسر عليك وإذا أردت شيئا من أمر الدنيا وابتغيته يسر لك فانت على حال قبيحة انتهى فتأمله راشدا وقوله من بعد ما اراكم ما تحبون يعني هزيمة المشركين قال الزبير والله لقد رأيتنى انظر إلى خدم هند بنت عتبة وصواحبها مشمرات هوارب ما دون أخذهن قليل ولا كثير إذ مالت الرماة إلى العسكر حين كشفنا القوم عنه يريدون النهب وخلوا ظهورنا للخيل فاوتينا من ادبارنا وصرخ صارخ إلا أن محمدا قد قتل وانكفأ علينا القوم وقوله سبحانه منكم من يريد الدنيا يعنى بهم الذين حرصوا على الغنيمة وكان المال همهم قاله ابن عباس وسائر المفسرين وقال عبد الله بن مسعود ما كنت أرى أن أحدا من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم يريد الدنيا حتى نزل فينا يوم أحد منكم من يريد الدنيا وقوله سبحانه ومنكم من يريد الآخرة أخبار عن ثبوت من ثبت من الرماة مع عبد الله بن جبير امتثالا للامر حتى قتلوا ويدخل في هذا أنس بن النضر وكل من جد ولم يضطرب من المؤمنين وقوله تعالى إذ تصعدون ولا تلوون على احد العامل في إذ قوله عفا وقراءة الجمهور تصعدون بضم التاء وسر العين من اصعد ومعناه ذهب في الأرض

والصعيد وجه الأرض فاصعد معناه دخل ف يالصعيد كما أن اصبح دخل في الصباح وقوله سبحانه ولا تلوون على احد مبالغة في صفة الإنهزام وقرأ حميد بن قيس على احد بضم الألف والحاء يريد الجبل والمعني بذلك نبي الله صلى الله عليه و سلم لأنه كان على الجبل والقراءة الشهيرة اقوى لان النبي صلى الله عليه و سلم لم يكن على الجبل إلا بعد ما فر الناس وهذه الحال من اصعادهم إنما كانت وهو يدعوهم وروي أنه كان ينادى صلى الله عليه و سلم الي عباد الله والناس يفرون وفي قوله تعالى في أخراكم مدح له صلى الله عليه و سلم فإن ذلك هو موقف الأبطال في اعقاب الناس ومنه قول الزبير بن باطيا ما فعل مقدمتنا إذا حملنا وحاميتنا إذا فررنا وكذلك كان صلى الله عليه و سلم اشجع الناس ومنه قول سلمة بن الأكوع كنا إذا احمر الباس اتقيناه برسول الله صلى الله عليه و سلم وقوله تعالى فاثابكم معناه جازاكم على صنيعكم واختلف في معنى قوله تعالى غما بغم فقال قوم المعنى اثابكم غما بسبب الغم الذي ادخلتموه على رسول الله صلى الله عليه و سلم وسائر المسلمين بفشلك وتنازعكم وعصيانكم قال قتادة ومجاهد الغم الأول ان سمعوا إلا ان محمدا قد قتل والثاني القتل والجراح وقوله تعالى لكي لا تحزنوا على ما فاتكم أي من الغنيمة ولا ما أصابكم أي من القتل والجراح وذل الانهزام واللام من قوله لكي لا متعلقة باثابكم المعنى لتعلموا ان ما وقع بكم إنما هو بجنايتكم فأنتم إذيتم انفسكم وعادة البشر ان جاني الذنب يصبر للعقوبة وأكثر قلق المعاقب وحزنه انما هو مع ظنه البراءة بنفسه ثم ذكر سبحانه امر النعاس الذى أمن به المؤمنين فغشي أهل الأخلاص قلت وفي صحيح البخاري عن أنس أن أبا طلحة قال عشينا النعاس ونحن في مصافنا يوم احد قال فجعل سيفى يسقط

من يدى وءاخذه ويسقط وأخذه ونحوه عن الزبير وابن مسعود والواو في قوله وطائفة قد أهمتهم أنفسهم واو الحال ذهب أكثر المفسرين إلى أن اللفظة من الهم الذى هو بمعنى الغم والحزن وقوله سبحانه يظنون بالله غير الحق معناه يظنون أن دين الأسلام ليس بحق وأن أمر محمد صلى الله عليه و سلم يضمحل قلت وقد وردت أحاديث صحاح في الترغيب في حسن الظن بالله عز و جل ففي صحيح مسلم وغيره عن النبي صلى الله عليه و سلم حاكيا عن الله عز و جل ليقول سبحانه أنا عند ظن عبدي بي الحديث وقال ابن مسعود والله الذي لا آله غيره لا يحسن احد الظن بالله عز و جل إلا اعطاه الله ظنه وذلك أن الخير بيده وخرج أبو بر بن الخطيب بسنده عن أنس أن النبي صلى الله عليه و سلم قال من حسن عبادة المرء حسن ظنه ا ه وقوله ظن الجاهلية ذهب الجمهور إلى أن المراد مدة الجاهلية القديمة قبل الإسلام وهذا كقوله سبحانه حمية الجاهلية وتبرج الجاهلية وذهب بعض المفسرين إلى أن المراد في هذه الآية ظن الفرقة الجاهلية وهم أبو سفيان ومن معه قال قتادة وابن جريج قيل لعبد الله ابن أبي بن سلول قتل بنو الخزرج فقال وهل لنا من الأمر من شيء يريد أن الرأي ليس لنا ولو كان لنا منه شيء لسمع من رأينا فلم يخرج فلم يقتل أحد منا وقوله سبحانه قل أن الأمر كله لله اعتراض اثناء الكلام فصيح ومضمنه الرد عليهم وقوله سبحانه يخفون في انفسهم ما لا يبدون لك الآية اخبر تعالى عنهم على الجملة دون تعيين وهذه كانت سنته في المنافقين لا اله إلا هو وقوله سبحانه ويقولون لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا ها هنا هي مقالة سمعت من معتب بن قشير المفموص عليه بالنفاق وباقي الآية بين وقوله تعالى وليبتلي الله ما في صدوركم اللاء في ليبتلي متعلقة بفعل متأخر

تقديره وليبتلي وليمحص فعل هذه الأمور الواقعة والابتلاء هنا الأختبار وقوله سبحانه أن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان قال عمر رضي الله عنه المراد بهذه الآية جميع من تولى ذلك اليوم عنالعدو وقيل نزلت في الذين فروا إلى المدينة قال ابن زيد فلا ادرى هل عفي عن هذه الطائفة خاصة أم عن المؤمنين جميعا وقوله تعال إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ظاهره عند جمهور المفسرين أنه كانت لهم ذنوب عاقبهم الله عليها بتمكين الشيطان من استزلالهم بوسوسته وتخويفه والفرار من الزحف من الكبار باجماع فيما علمت وقد عده صلى الله عليه و سلم في السبع الموبقات وقوله تعالى يا أيها الذين أمنوا لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لا خوانهم الآية نهى الله المؤمنين أن يكونوا مثل الكفار المنافقين في هذا المعتقد الفاسد الذي هو أن من سافر في تجارة ونحوها ومن قاتل فقتل لو قعد في بيته لعاش ولم يمت في ذلك الوقت الذي عرض فيه نفسه للسفر أو للقتل وهذا هو معتقد المعتزلة في القول بالاجلين أو نحو منه وصرح بهذه المقالة عبد الله بن أبي المنافق وأصحابه قاله مجاهد وغيره والضرب في الأرض السير في التجارة وغزى جمع غاز وقوله تعالى ليجعل الله ذلك الإشارة بذلك إلى هذا المعتقد الذي جعله الله حسرة لهم لأن الذي يتيقن أن كل قتل وموت إنما هو باجل سابق يجد برد الياس والتسليم لله سبحانه على قلبه والذي يعتقد أن جميمه لو قعد في بيته لم يمت يتحسر ويتلهف وعلى هذا التأويل مشى المتأولون وهو اظهر ما في الآية والتحسر التلهف على الشيء والغم به وقوله سبحانه والله بما تعملون بصير توكيد للنهي في قوله ولا تكونوا ووعيد لمن خالفه ووعد لمن امتثله وقوله سبحانه ولئن قتلتم في سبيل الله أو متم اللام في ولئن قتلتم هي المؤذنة بمجيء القسم واللام في قوله لمغفرة هي

المتلقية للقسم والتقدير والله لغفرة وترتب الموت قبل القتل في قوله تعالى ما ماتوا وما قتلوا مراعاة لترتب الضرب في الأرض والغزو وقدم القتل هنا لأنه الأشرف الأهم ثم قدم الموت في قوله تعالى ولئن متم أو قتلتم لأنها أية وعظ بالأخرة والحشر وأية تزهيد في الدنيا والحياة وفي الآية تحقير لأمر الدنيا وحض على طلب الشهادة والمعنى إذا كان الحشر لا بد منه في كلا الامرين فالمضي اليه في حال شهادة اولى وعن سهل بن حنيف أن النبي صلى الله عليه و سلم قال من سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه رواه الجماعة إلا البخاري وعن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من طلب الشهادة صادقا اعطيها ولو لم تصبه انفرد به المسلم اه من سلاح المؤمن وقوله سبحانه فبما رحمة من الله لنت لهم معناه فبرحمة قال القشيري في التحبير واعلم ان الله سبحانه يحب من عبادة من يرحم خلقه ولا يرحم العبد الا إذا رحمه الله سبحانه قال الله تعالى لنبيه عليه السلام فبما رحمة من الله لنت لهم اه قال ع ومعنى هذه الآية التقريع لكل من اخل يوم احد بمركزه أي كانوا يستحقون الملام منك ولكن برحمة منه سبحانه لنت لهم وجعلك على خلق عظيم وبعثك لتتميم محاسن الاخلاق ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك وتفرقوا عنك والفظ الجافى في منطقه ومقاطعه وفي صفته صلى الله عليه و سلم في الكتب المنزلة ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب في الاسواق والفظاظة الجفوة في المعاشرة قولا وفعلا وغلظ القلب عبارة عن تهجم الوجه وقلة الانفعال فى الرغائب وقلة الاشفاق والرحمة والا نفضاض افتراق الجموع وقوله تعالى فاعف عنهم واستغفر لهم الآية امر سبحانه نبيه عليه السلام بهذه الأوامر التي هي بتدريج بليغ فامره ان يعفو عنهم فيما له عليهم من حق ثم يستغفر

لهم فيما لله عليهم من تبعة فإذا صاروا في هذه الدرجة كانوا اهلا لللاستشارة قال ع ومن لا يستشير أهل العلم والدين فعزله واجب هذا مما لا خلاف فيه وقد وردت احاديث كثيرة في الاستشارة ومشاورته عليه السلام إنما هي في أمور الحرب والبعوث ونحوه من اشخاص النوازل فأما في حلال أو حرام أو حد فتلك قوانين شرع ما فرطنا في الكتاب من شيء والشورى مبنية على اختلاف الآراء والمستشير ينظر في ذلك الخلاف ويتخير فاذا ارشده الله إلى ما شاء منه عزم عليه وانفذه متوكلا على الله إذ هو غاية الاجتهاد المطلوب منه وبهذا أمر الله تعالى نبيه في هذه الآية وصفة المستشار في الآحكام أن يكون عالما دينا وقلما يكون ذلك إلا في عاقل فقد قال الحسن ابن أبي الحسن ما كمل دين امرىء لم يكمل عقله قال ع والتوكل على الله سبحانه وتعالى من فروض الإيمان وفصوله ولكنه مقترن بالجد في الطاعات والتشمير والحزامة بغاية الجهد وليس الالقاء باليد وما اشبهه بتوكل وإنما هو كما قال عليه السلام قيدها وتوكل وقوله تعالى أن الله يحب المتوكلين هذه غاية في الرفعة وشرف المنزلة وقد جاءت أثار صحيحة في فضل التوكل وعظيم منزلة المتوكلين ففي صحيح مسلم عن عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه و سلم قال يدخل الجنة من امتى سبعون الفا بغير حساب قالوا من هم يا رسول الله قال هم الذين لا يرقون ولا يسترقون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون وخرج أبو عيسى الترمذي عن أبي أمامة قال سمعت النبي صلى الله عليه و سلم يقول وعدني ربي أن يدخل الجنة من أمتى سبعين الفا لا حساب عليهم ولا عذاب مع كل الف سبعون الفا وثلاث حثيات من حثيات ربي وخرجه ابن ماجه أيضا وخرج أبو بكر البزار وأبو عبد الله الترمذي الحكيم عن عبد الرحمن بن أبي بكر

الصديق رضي الله عنهما قال قال النبي صلى الله عليه و سلم أن الله سبحانه أعطاني سبعين الفا يدخلون الجنة بغير حساب فقال عمر يا رسول الله فهلا استزدته فأعطانى مع كل واحد من السبعين الألف سبعين الفا فقال عمر يا رسول الله فهلا استزدته فقال قد استزدته فاعطانى هكذا وفتح أبو وهب يديه قال أبو وهب قال هشام هذا من الله لا يدرى ما عدده وخرج ابو نعيم عن انس عن النبي صلى الله عليه و سلم قال وعدنى ربي أن يدخل الجنة من امتى مائة الف فقال أبو بكر يا رسول الله زدنا قال وهكذا وأشار سليمان بن حرب بيده فقال أبو بكر يا رسول الله زدنا فقال عمر أن الله عز و جل قادر أن يدخل الناس الجنة بحفنة واحدة فقال النبي صلى الله عليه و سلم صدق اه من التذكر ة وما وقع من ذكر الحثية والحفنة ليس هو على ظاهره فالله سبحانه منزه عن صفات الاجسام وقوله تعالى وأن يخذلكم أي يترككم والخذل الترك والضمير في من بعده يعود على اسم الله ويحتمل على الخذل وقوله تعالى وما كان لنبيء أن يغل قرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم أن يغل بفتح الياء وضم الغين وقرأ باقى السبعة أن يغل بضم الياء وفتح الغين واللفظة بمعنى الخيانة في خفاء تقول العرب اغل الرجل يغل اغلا لا إذ خان واختلف على القراءة الاولى فقال ابن عباس وغيره نزلت بسبب قطيفة حمراء فقدت من المغانم يوم بدر فقال بعض الناس لعل رسول الله صلى الله عليه و سلم اخذها فقيل كانت هذه المقالة من مؤمن لم يظن في ذلك حرجا وقيل كانت من منافقين وقد روي أن المفقود إنما كان سيفا قال النقاش ويقال إنما نزلت لأن الرماة قالوا يوم احد الفنيمة الغنيمة فإنا نخشى أن يقول النبي صلى الله عليه و سلم من اخذ شيئا فهو له وقال ابن اسحاق الآية إنما انزلت اعلاما بان النبي صلى الله عليه و سلم

لم يكتم شيئا مما امر بتبليغه واما على القراءة الثانية فمعناها عند الجمهور أي ليس لأحد أن يغل النبي أي يخونه في الغنيمة لأن المعاصي تعظم بحضرته لتعيين توقيره قال ابن العربي في احكامه وهذا القول هو الصحيح وذلك أن قوما غلوا من الفنائم أو هموا فانزل الله تعالى الآية فنهاهم الله عن ذلك رواه الترمذي اه وقوله تعالى ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة الآية وعيد لمن يغل من الغنيمة أو في زكاته بالفضيحة يوم القيامة على رؤس الاشهاد قال القرطبي في تذكرته قال علماؤنا رحمهم الله في قوله تعالى ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة أن ذلك على الحقيقة كما بينه صلى الله عليه و سلم أي يأتى به حاملا له على ظهره ورقبته معذبا بحمله وثقله ومروعا بصوته وموبخا بإظهار خيانته اه وفي الحديث عنه صلى الله عليه و سلم أنه قال أدوا الخائط والمخيط فإن الغلول عار ونار وشنار على أهله يوم القيامة رواه مالك في الموطأ قال أبو عمر في التمهيد الشنار لفظة جامعة لمعنى العار والنار ومعناها الشين والنار يريد أن الغلول شين وعار ومنقصة في الدنيا وعذاب في الآخرة اه وفي الباب احاديث صحيحة في الغلول وفي منع الزكاة وقوله سبحانه افمن اتبع رضوان الله أي الطاعة الكفيلة برضوان الله قال ص افمن استفهام معناه النفي أي ليس من اتبع ما يؤل به إلى رضي الله تعالى عنه فباء برضاه كمن لم يتبع لذلك فباء بسخطه اه وقوله سبحانه هم درجات عند الله قال ابن إسحاق وغيره المراد بذلك الجمعان المذكوران اهل الرضوان واصحاب السخط أي لكل صنف منهم تباين في نفسه في منازل الجنة وفي اطباق النار أيضا وقال مجاهد والسدي ما ظاهره ان المراد بقوله هم إنما هو لمتبعى الرضوان أي لهم درجات كريمة عند ربهم وفي الكلام حذف تقديره هم ذوو درجات والدرجات المنازل

بعضها اعلى من بعض في المسافة او في التكرمة او في العذاب وباقي الآية وعد ووعيد وقوله تعالى لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم الآية اللام في لقد لام القسم ومن في هذه الآية معناه تطول وتفضل سبحانه وقد يقال من بمعنى كدر معروفه بالذكر فهي لفظة مشتركة وقوله من أنفسهم أي في الجنس والسان والمجاورة فكونه من الجنس يوجب الأنس به وكونه بلسانهم يوجب حسن التفهيم وكونه جارا وربيا يوجب التصديق والطمأنينة إذ قد خبروه وعرفوا صدقه وأمانته ثم وقف الله سبحانه المؤمنين على الخطأ في قلقهم للمصيبة التي نزلت بهم وإعراضهم عما نزل بالكفار فقال أو لما اصابتكم مصيبة أي يوم احد قد اصبتم مثليها أي يوم بدر إذ قتل من الكفار سبعون وأسر سبعون هذا تفسير ابن عباس والجمهور وقال الزجاج واحد المثلين هو قتل السبعين يوم بدر والثاني هو قتل اثنين وعشرين يوم احد ولا مدخل للإسرى لأنهم قد فدوا وانى معناها كيف ومن اين قل هو من عند انفسكم أي حين خالفتم النبي صلى الله عليه و سلم في الرأي حين رأى ان يقيم بالمدينة ويترك الكفار بشر محبس فأبيتم إلا الخروج وهذا هو تأويل الجمهور وقالت طائفة هو من عند أنفسكم إشارة إلى عصيان الرماةوتسبيبهم الهزيمة على المؤمنين وقال علي والحسن بل ذلك لما قبلوا الفداء يوم بدر وذلك أن الله سبحانه أخبرهم على لسان نبيه بين قتل الاسرى أو يأخذوا الفداء على ان يقتل منهم عدة الإسرى فاختاروا أخد الفداء ورضوا بالشهادة فقتل منهم يوم احد سبعون قلت وهذا الحديث رواه الترمذي عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال أحمد بن نصر الداودي وعن الضحاك أني هذا أي باي ذنب هذا قال ابن عباس قل هو من عند أنفسكم عقوبة لمعصيتكم لنبيكم عليه السلام اه

وقوله سبحانه وما اصابكم يوم التقى الجمعان يعنى يوم احد وقوله سبحانه وليعلم المؤمنين أي ليعلم الله المؤمن من النافق والإشارة بقوله سبحانه نافقوا وقيل لهم هي إلى عبد الله بن أبي واصحابه حين انخزل بنحو ثلث الناس فمشى في أثرهم عبد الله بن عمرو بن حرام أبو جابر بن عبد الله فقال لهم اتقوا الله ولا تتركوا نبيكم وقاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا ونحو هذا من القول فقال له ابن أبي ما أرى أن يكون قتالا ولو علمنا أن يكون قتال لكنا معكم فلما يئس منهم عبد الله قال اذهبوا اعداء الله فسيغنى الله رسوله عنكم ومضى مع النبي صلى الله عليه و سلم فأستشهد وقوله تعالى أو ادفعوا قال ابن جريج وغيره معناه كثروا السواد وأن لم تقاتلوا فيندفع القوم لكثرتكم وذهب بعض المفسرين إلى أن قول عبد الله بن عمرو أ وادفعوا استدعاء للقتال حمية إذ ليسوا بأهل للقتال في سبيل الله والمعنى قاتلوا في سبيل الله أو قاتلوا دفاعا عن الحوزة إلا ترى أن قزمان قال في ذلك اليوم والله ما قاتلت إلا على احساب قومي وقول الأنصاري يومئذ لما أرسلت قريش الظهر في الزروع اترعى زروع بنى قيلة ولما نضارب وقوله تعالى الذين قالوا لاخوانهم وقعدوا لو اطاعونا ما قتلوا الذين بدل من الذين المتقدم لاخوانهم أي لاجل اخوانهم أو في شأن اخوانهم المقتولين ويحتمل أن يريد لا خوانهم الأحياء من المنافقين ويكون الضمير في اطاعونا للمقتولين وقعدوا جملة في موضع الحال معترضة اثناء الكلام وقولهم لو اطاعونا يريدون في ان لا يخرجوا وباقى الآية بين ثم اخبر سبحانه عن الشهداء انهم في الجنة احياء يرزقون وعن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال أن الله يطلع على الشهداء فيقول يا عبادى ما تشتهون فازيدكم فيقولون يا ربنا لا فوق ما اعطيتنا هذه الجنة ناكل منها حيث نشاء لكنا نريد أن تردنا إلى الدنيا

فنقاتل في سبيلك فنقتل مرة اخرى فيقول سبحانه قد سبق انكم لا تردون والاحاديث في فضل الشهداء كثيرة قال الفخر والروايات في هذا الباب كأنها بلغت حد التواتر ثم قال قال بعض المفسرين أرواح الشهداء احياء وهي تركع وتسجد تحت العرش إلى يوم القيامة والعقيدة إن الارواح كلها احياء لا فرق بين الشهداء وغيرهم في ذلك إلا ما خصص الله به الشهداء من زيادة المزية والحياة التي ليست بمكيفة وفي صحيح مسلم عن مسروق قال سألنا ابن مسعود عن هذه الآية ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله امواتا بل احياء عند ربهم يرزقون فقال أما أنا فقد سألت عن ذلك فقال يعني النبي صلى الله عليه و سلم أرواحهم في جوف طير خضر لها قناديل معلقة بالعرش تسرح من الجنة حيث شاءت ثم تاوى إلى تلك القناديل الحديث إلى أخره ومن الآثار الصحيحة الدالة على فضل الشهداء ما رواه مالك في الموطأ أنه بلغه أن عمرو ابن الجموح وعبد الله بن عمرو الأنصاريين ثم السلميين كانا قد حفر السيل قبرهما مما يلى السيل وكانا في قبر واحد وهما ممن استشهد يوم احد فحفر عنهما لغيرا من مكانهما فوجدا لم يغيرا كأنما ماتا بالأمس وكان احدهما قد جرح فوضع يده على جرحه فدفن وهو كذلك فاميطت يده عن جرحه ثم ارسلت فرجعت كما كانت وكان بين احد وبين يوم حفر عنهما ست واربعون سنة قال أبو عمر في التمهيد حديث مالك هذا يتصل من وجوه صحاح بمعنى واحد متقارب وعبدالله بن عمرو هذا هو والد جابر بن عبدالله وعمرو بن الجموح هو ابن عمه ثم اسند أبو عمر عن جابر بن عبد الله قال لما اراد معاوية أن يجري العين باحد نودي بالمدينة من كان له قتيل فليات قتيله قال جابر فاتيناهم فاخرجناهم رطابا يتثنون فأصابت المسحاة اصبع رجل منهم فانفطرت دما قال

أبو سعيد الخدري لا ينكر بعد هذا منكر ابدا وفي رواية فاستخرجهم يعني معاوية بعد ست وأربعين سنة لينة اجسادهم تتثنى اطرافهم قال أبو عمر الذي أصابت المسحاة أصبعه هو حمزة رضي الله عنه ثم اسند عن جابر قال رأيت الشهداء يخرجون على رقاب الرجال كأنهم رجال نوم حتى إذا اصابت المسحاة قدم حمزة رضي الله عنه فانثعبت دما وقوله سبحانه ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم الآية معناه يسرون ويفرحون وذهب قتادة وغيره إلىأن استبشارهم هو أنهم يقولون اخواننا الذين تركناهم خلفنا في الدنيا يقاتلون في سبيل الله مع نبيهم فيستشهدون فينالون من الكرامة مثل ما نلنا نحن فيسرون لهم بذلك إذ يحصلون لا خوف عليهم ولا هم يحزنون وذهب فريق من العلماء إلىأن الإشارة في قوله بالذين لم يلحقوا إلى جميع المؤمنين الذين لم يلحقوا بهم في فضل الشهادة وذلك لما عاينوا من ثواب الله فهم فرحون لأنفسهم بما آتاهم الله من فضله ومستبشرون للمؤمنين أنهم لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ثم أكد سبحانه استبشارهم بقوله يستبشرون بنعمة ثم بين سبحانه بقوله وفضل أن ادخاله إياهم الجنة هو بفضل منه لا بعمل أحد وأما النعمة في الجنة والدرجات فقد أخبر انها على قدر الأعمال قلت وخرج أبو عبد الله الحسين بن الحسن بن حرب صاحب ابن المبارك في رقائقه بسنده عن عبد الله بن عمرو بن العاصى أن الشهداء في قباب من حرير في رياض خضر عندهم حوت وثور يظل الحوت يسبح في انهار الجنة يأكل من كل رائحة في أنهار الجنة فإذا امسى وكزه الثور بقرنه فيذكيه فيأكلون لحمه يجدون في لحمة طعم كل رائحة ويبيت الثور في افناء الجنة فإذا أصبح غدا عليه الحوت فوكزه بذنبه فيذكيه فيأكلون فيجدون في لحمه طعم كل رائحة في الجنة ثم يعودون وينظرون إلى منازلهم

من الجنة ويدعون الله عز و جل أن تقوم الساعة الحديث مختصرا وقد ذكره صاحب التذكرة مطولا وقرأ الكساءي وأن الله بكسر الهمزة على استيناف الأخبار وقرأ باقي السبعة بالفتح على أن ذلك داخل فيما يستبشر به وقوله الذين استجابوا يحتمل أن يكون صفة للمؤمنين على قراءة من كسر الألف من أن والأظهر أن الذين ابتداء وخبره في قوله للذين احسنوا منهم الآية والمستجيبون لله والرسول هم الذين خرجوا مع النبي صلى الله عليه و سلم إلى حمراء الأسد في طلب قريش وقوله سبحانه الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم الآية الذين صفة للمحسنين وهذا القول هو الذي قاله الركب من عبد القيس لرسول الله صلى الله عليه و سلم وأصحابه حين حملهم أبو سفيان ذلك فالناس الأول هم الركب والناس الثاني عسكر قريش هذا قول الجمهور وهو الصواب وقول من قال إن الآية نزلت في خروج النبي صلى الله عليه و سلم إلى بدر الصغرى لمعياد أبي سفيان وأن الناس هنا هو نعيم بن مسعود قول ضعيف وعن أبن عباس أنه قال حسبنا الله ونعم الوكيل قالها إبراهيم عليه السلام حين ألقي في النار وقالها محمد صلى الله عليه و سلم حين قالوا ان الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقولوا حسبنا الله ونعم الوكيل رواه مسلم والبخاري انتهى وقوله سبحانه إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه الآية إشارة إلى جميع ما جرى من إخبار الركب عن رسالة أبي سفيان ومن جزع من جزع من الخبر وقرأ الجمهور يخوف أولياءه قال قوم معناه يخوف المنافقين ومن في قلبه مرض وحكى أبو الفتح بن جني عن ابن عباس أنه قرأ يخوفكم أولياءه فهذه قراءة ظهر فيها المفعولان وهي مفسرة لقراءة الجماعة وفي قراءة أبي ابن كعب يخوفكم بأوليائه وفي كتاب القصد إلى الله تعالى للمحاسبي قال وكلما

عظمت هيبة الله عز و جل في صدقور الأولياء لم يهابوا معه غيره حياء منه عز و جل أن يخافوا معه سواه انتهى وقوله سبحانه ولا يحزنك الذين يسارعون في الكفر المسارعة في الكفر هي المباردة إلى أقواله وأفعاله والجد في ذلك وسلى الله تعالى نبيه عليه السلام بهذه الآية عن حال المنافقين والمجاهرين إذ كلهم مسارع وقوله تعالى انهم لن يضروا الله شيئا خبر في ضمنه وعيد لهم أي وإنما يضرون أنفسهم والحظ إذا أطلق فإنما يستعمل في الخير وقوله سبحانه ولا يحسبن الذين كفروا إنما نملي لهم خيرا لأنفسهم نملي معناه نمهل ونمد في العمر والمعنى لا تحسبن أملاءنا للذين كفروا خيرا لهم فالآية رد على الكفار في قولهم إن كوننا ممولين أصحة دليل على رضى الله بحالتنا وقوله تعالى ما كان الله ليذر أي ليدع المؤمنين مختلطين بالمنافقين مشكلا أمرهم حتىيميز بعضهم من بعض بما يظهره من هؤلاء وهؤلاء في أحد من الأفعال والأقوال هذا تفسر مجاهد وغيره وقوله وما كان الله ليطلعكم على الغيب أي في أمر أحد وما كان من الهزيمة وأيضا فما كان الله ليطلعكم على المنافقين تصريحا وتسمية لهم ولكن بقرائن أفعالهم وأقوالهم قال الفخر وذلك أن سنة الله جارية بأنه لا يطلع عوام الناس على غيبه أي لا سبيل لكم إلى معرفة ذلك الامتياز إلا بإمتحانات كما تقدم فأما معرفة ذلك على سبيل الإطلاع من الغيب فهو من خواص الأنبياء فلهذا قال تعالى ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء انتهى وقال الزجاج وغيره روي أن بعض الكفار قال لم لا يكون جميعنا أنبياء فنزلت هذه الآية ويجتبي معناه يختار ويصطفي وقوله سبحانه ولا يحسبن الذين يبخلون بما ءاتاهم الله من فضله الآية قال السدي وجماعة من المتأولين الآية نزلت في البخل بالمال والإنفاق في سبيل الله واداء الزكاة المفروضة ونحو ذلك قال ومعنى سيطوقون

ما بخلوا به هو الذي ورد في الحديث عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال ما من ذي رحم يأتي ذا رحمه فيسأله من فضل عنده فيبخل عليه إلا أخرج له يوم القيامة شجاع من النار يتلمظ حتى يطوقه قلت وفي البخاري وغيره عنه صلى الله عليه و سلم قال من آتاه الله مالا فلم يؤد زكاته مثل له شجاعا أقرع له زبيبتان يطوقه يوم القيامة يأخذ بلهزمتيه يعني شدقيه يقول أنا مالك أنا كنزك ثم تلا هذه الآية ولا يحسبن الذين يبخلون بما ءاتاهم الله من فضله الآية قلت وأعلم أنه قد وردت آثار صحيحة بتعذيب العصاة بنوع ما عصوا به كحديث من قتل نفسه بحديدة فهو يجأ نفسه بحديدته في نار جهنم والذي قتل نفسه بالسم فهو يتحساه في نار جهنم ونحو ذلك قال الغزالي في الجواهر وأعلم أن المعاني في عالم الآخرة تستتبع الصور ولا تتبعها فيتمثل كل شيء بصورة توازي معناه فيحشر المتكبرون في صور الذر يطأهم من أقبل وأدبر والمتواضعون أعزاء انتهى وهو كلام صحيح يشهد له صحيح الآثار ويؤيده النظر والإعتبار اللهم وفقنا لما تحبه وترضاه قال ابن العربي في أحكامه قال علماؤنا البخل منع الواجب والشح منع المستحب والصحيح المختار أن هذه الآية في الزكاة الواجبة لأن هذا وعيد لمانعيها والوعيد إذا اقترن بالفعل المأمور به أو المنهي عنه اقتضى الوجوب أو التحريم انتهى وتعميمها في جميع انواع الواجب أحسن وقوله سبحانه ولله ميراث السموات والأرض خطاب على ما يفهمه البشر دال على فناء الجميع وأنه لا يبقى مالك إلا الله سبحانه وقوله سبحانه لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء الآية نزلت بسبب فنحاص اليهودي وأشباهه كحيي بن أخطب وغيره لما نزلت من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا قالوا يستقرضنا ربنا إنما يستقرض الفقير الغني وهذا من تحريف اليهود

للتأويل على نحو ما صنعوا في توراتهم وقوله تعالى قول الذين قالوا دال على أنهم جماعة وقوله تعالى سنكتب ما قالوا الآية وعيد لهم أي سنحصي عليهم قولهم ويتصل ذلك بفعل آبائهم من قتل الأنبياء بغير حق وقوله سبحانه وأن الله أي وبأن الله ليس بظلام للعبيد قال ص قيل المراد هنا نفي القليل والكثير من الظلم كقول طرفة ... ولست بحلال التلاع مخافة ... ولكن متى يسترفد القوم أرفد ...
ولا يريد أنه قد يحل التلاع قليلا وزاد أبو البقاء وجها آخر وهو أن يكون علىالنسب أي لا ينسب سبحانه إلى ظلم فيكون من باب بزاز وعطار انتهى قلت وهذا القول أحسن ما قيل هنا فمعنى وما ربك بظلام أي بذي ظلم وقوله سبحانه الذين قالوا إن الله عهد إلينا الآية هذه المقالة قالتها أحبار اليهود مدافعة لأمر النبي صلى الله عليه و سلم والمعنى أنك لم تأتنا بقربان تأكله النار فنحن قد عهد إلينا ألا نؤمن لك وقوله تعالى قل قد جاءكم رسل من قبلي بالبينات وبالذي قلتم من أمر القربان والمعنى أن هذا منكم تعلل وتعنت ولو أتيتكم بقربان لتعللتم بغير ذلك ثم أنس سبحانه نبيه بالأسوة والقدره فيمن تقدم من الأنبياء قال الفخر والمراد بالبينات المعجزات انتهى والزبر الكتاب المكتوب قال الزجاج زبرت كتبت وقوله سبحانه كل نفس ذائقة الموت الآية وعظ فيه تسلية للنبي صلى الله عليه و سلم ولأمته عن أمر الدنيا وأهلها ووعد بالفلاح في الآخرة فبالفكرة في الموت يهون أمر الكفار وتكذيبهم وإنما توفون أجوركم أي على الكمال ولا محالة أن يوم القيامة تقع فيه توفية الأجور وتوفية العقوبات وزحزح معناه أبعد والمكان الزحزاح البعيد وفاز معناه نجا من خطره وخوفه والغرور الخدع والترجية بالباطل والحياة الدنيا ولك ما فيها من الأموال هي متاع قليل

يخدع المرء ويمنيه الأباطيل وعلى هذا فسر الآية جمهور المفسرين وقال النبي صلى الله عليه و سلم لموضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها ثم تلا هذه الآية فلت وأسند أبو بكر بن الخطيب عن النبي صلى الله عليه و سلم قال ما سكن حب الدنيا قلب عبد قط إلا إلتاط منها بخصال ثلاث أمل لا يبلغ منتهاه وفقر لا يدرك غناه وشغل لا ينفك عناه انتهى وقوله تعالى لتبلون في أموالكم وأنفسكم الآية خطاب للنبي صلى الله عليه و سلم وأمته والمعنى لتختبرن ولتمتحنن في أموالكم بالمصائب والأرزاء وبالإنفاق في سبيل الله وفي سائر تكاليف الشرع والإبتلاء في الأنفس بالموت والأمراض وفقد الأحبة قال الفخر قال الواحدي اللام في لتبلون لام قسم انتهى وقوله ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب الآية قال عكرمة وغيره السبب في نزولها أقوال فنحاص وقال الزهري وغيره نزلت بسبب كعب بن الأشرف حتى بعث إليه رسول الله صلى الله عليه و سلم من قتله والأذى أسم جامع في معنى الضرر وهو هنا يشمل أقوالهم فيما يخص النبي صلى الله عليه و سلم وأصحابه من سب وأقوالهم في جهة الله سبحانه وأنبيائه وندب سبحانه إلى الصبر والتقوى وأخبر أنه من عزم الأمور أي من أشدها وأحسنها والعزم إمضاء الأمر المروي المنقح وليس ركوب الرأي دون رؤية عزما وقوله سبحانه وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب الآية توبيخ لمعاصري النبي صلى الله عليه و سلم ثم هو مع ذلك خبر عام لهم ولغيرهم قال جمهور من العلماء الآية عامة في كل من علمه الله علما وعلماء هذه الأمة داخلون في هذا الميثاق وقد قال صلى الله عليه و سلم من سئل عن علم فكتمه الجمه الله بلجام من نار والضمير في لتبيننه ولا تكتمونه عائد على الكتاب والنبذ الطرح وأظهر الأقوال في هذه الآية أنها نزلت في اليهود وهم المعنيون ثم كل كاتم من هذه الأمة يأخذ بحظه

من هذه المذمة وقوله سبحانه لا يحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا الآية ذهب جماعة إلى أن الآية في المنافقين وقالت جماعة كبيرة إنما نزلت في أهل الكتاب أحبار اليهود قال سعيد بن جبير الآية في الهيود فرحوا بما أعطى الله آل إبراهيم من النبوءة والكتاب فهم يقولون نحن على طريقهم ويحبون أن يحمدوا بذلك وهم ليسوا على طريقهم وقراءة سعيد بن جبير بما أوتوا بمعنى أعطوا بضم الهمزة والطاء وعلى قراءته يستقيم المعنى الذي قال والمفازة مفعلة من فاز يفوز إذا نجا وباقي الآية بين ثم دل سبحانه على مواضع النظر والعبرة فقال إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار أي تعاقب الليل والنهار إذ جعلهما سبحانه خلفة ويدخل تحت اختلافهما قصر أحدهما وطول الآخر وبالعكس واختلافهما بالنور والظلام والآيات العلامات الدالة على وحدانيته وعظيم قدرته سبحانه قال الفخر وأعلم أن المقصود من هذا الكتاب الكريم جذب القلوب والأرواح عن الإشتغال بالخلق والإستغراق في معرفة الحق فلما طال الكلام في تقرير الأحكام والجواب عن شبهات المبطلين عاد إلى إثارة القلوب بذكر ما يدل على التوحيد والكبرياء والجلال وذكر الأدعية فختم بهذه الآيات بنحو ما فى سورة البقرة انتهى وقوله سبحانه الذين يذكرون الله قياما وقعودا الذين في موضع خفض صفة لأولى الألباب وهذا وصف ظاهره استعمال التحميد والتهليل والتكبير ونحوه من ذكر الله وأن يحضر القلب اللسان وذلك من أعظم وجوه العبادات والأحاديث الصحيحة في ذلك كثيرة وابن آدم متنقل في هذه الثلاث الهيئات لا يخلو في غالب أمره منها فكأنها تحصر زمنه وكذلك جرت عائشة رضي الله عنها إلى حصر الزمن في قولها كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يذكر الله على كل أحيانه قلت خرجه أبو داود فدخل في

ذلك كونه على الخلاء وغيره وذهب جماعة إلى أن قوله تعالى الذين يذكرون الله إنما هو عبارة عن الصلاة أي لا يضيعونها ففي حال العذر يصلونها قعودا وعلى جنوبهم ثم عطف على هذه العبادة التي هي ذكر الله باللسان أو الصلاة فرضها وندبها بعبادة أخرى عظيمة وهي الفكرة في قدرة الله تعالى ومخلوقاته والعبر التي بث ... وفي كل شيء له آية ... تدل على أنه واحد ...
قال الغزالي ونهاية ثمرة الدين في الدنيا تحصيل معرفة الله وتحصيل الإنس بذكر الله تعالى والإنس يحصل بدوام الذكر والمعرفة تحصل بدوام الفكر انتهى من الأحياء ومر النبي صلى الله عليه و سلم على قوم يتفكرون في الله فقال تفكروا في الخلق ولا تتفكروا في الخالق فإنكم لا تقدرون قدره قال ع وهذا هو قصد الآية في قوله ويتفكرون في خلق السموات والأرض وقال بعض العلماء المتفكر في ذات الله كالناظر في عين الشمس لأنه سبحانه ليس كمثله شيء وإنما التفكر وانبساط الذهن في المخلوقات وفي أحوال الآخرة قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لا عبادة كتفكر وقال ابن عباس وأبو الدرداء فكرة ساعة خير من قيام ليلة وقال سري السقطي فكرة ساعة خير من عبادة سنة ما هو إلا أن تحل أطناب خيمتك فتجعلها في الآخرة وقال الحسن بن أبي الحسن الفكرة مرءاة المؤمن ينظر فيها إلى حسناته وسيئاته وأخذ أبو سليمان الداراني قدح الماء ليتوضأ لصلاة الليل وعنده ضيف فرآه لما أدخل أصبعه في أذن القدح أقام كذلك مفكرا حتى طلع الفجرفقال له ما هذا يا أبا سليمان فقال إني لما طرحت إصبعي في أذن القدح تذكرت قول الله سبحانه إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل فتفكرت في حالي وكيف أتلقى الغل أن طرح في عنقي يوم القيامة فما زلت في ذلك حتى أصبح قال ع وهذه نهاية الخوف وخير الأمور أوسطها وليس علماء

الأمة الذين هم الحجة على هذا المنهاج وقراءة علم كتاب الله ومعاني سنة رسوله لمن يفهم ويرجى نفعه أفضل من هذا لكن يحسن أن لا تخلوا البلاد من مثل هذا قال ع وحدثني أبي رحمه الله عن بعض علماء المشرق قال كنت بائتا في مسجد الأقدام بمصر فصليت العتمة فرأيت رجلا قد أضطجع في كساء له حتى أصبح وصلينا نحن تلك الليلة وسهرنا فلماأقيمت صلاة الصبح قام ذلك الرجل فاستقبل القبلة وصلى مع الناس فاستعظمت جرءته في الصلاة بغير وضوء فلما فرغت الصلاة خرج فتبعته لأعظمه فلما دنوت منه سمعته وهو ينشد ... منسجن الجسم غائب حاضر ... منتبه القلب صامت ذاكر ...
... منبسط في الغيوب منقبض ... كذاك من كان عارفا ناكر ... يبيت في ليلة أخا فكر ... فهو مدى الليل نائم ساهر ...
قال فعلمت أنه ممن يعبد الله بالفكرة فانصرفت عنه قال الفخر ودلت الآية على أن أعلى مراتب الصديقين التفكر انتهى وفي العتبية قال مالك قيل لأم الدرداء ماكان أكثر شأن أبي الدرداء قالت كان أكثر شأنه التفكر قال مالك وهو من الأعمال وهو اليقين قال الله عز و جل ويتفكرون في خلق السموات والأرض قال ابن رشد والتفكر من الأعمال كما قاله مالك رحمه الله وهو من أشرف الأعمال لأنه من أعمال القلوب التي هي أشرف الجوارح ألا ترى انه لا يثاب أحد على عمل من أعمال الجوارح من سائر الطاعات إلا مع مشاركة القلوب لها بإخلاص النية لله عز و جل في فعلها انتهى من البيان والتحصيل قال ابن بطال أن الإنسان إذا كمل إيمانه وكثر تفكره كان الغالب عليه الإشفاق والخوف انتهى قال ابن عطاء الله الفكرة سير القلب في ميادين الإعتبار والفكر سراج القلب فإذا ذهبت فلا إضاءة له قلت قال بعض المحققين

وذلك أن الإنسان إذا تفكر علم وإذا علم عمل قال ابن عباد قال الإمام أبو القاسم القشيري رحمه الله التفكر نعت كل طالب وثمرته الوصول بشرط العلم ثم فكر الزاهدين في فناء الدنيا وقلة وفائها لطلابها فيزدادون بالفكر زهدا وفكر العابدين في جميل الثواب فيزدادون نشاطا عليه ورغبة فيه وفكر العارفين في الآلاء والنعماء فيزدادون محبة للحق سبحانه انتهى وقوله تعالى ربنا ماخلقت هذا باطلا أي يقولون يا ربنا على النداء ما خلقت هذا باطلا يريد لغير غاية منصوبة بل خلقته وخلقت البشر لينظروا فيه فيوحدوك ويعبدوك فمن فعل ذلك نعمته ومن ضل عن ذلك عذبته وقولهم سبحانك أي تنزيها لك عما يقول المبطلون وقولهم ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته أي فلا تفعل ذلك بنا والخزي الفضيحة المخجلة الهادمة لقدر المرء قال أنس بن مالك والحسن بن أبي الحسن وابن جريج وغيرهم هذه إشارة إلى من يخلد في النار وأما من يخرج منها بالشفاعة والإيمان فليس بمخزي أي وما أصابه من عذابها إنما هو تمحيص لذنوبه وقوله سبحانه وما للظالمين من أنصار هو من قول الداعين وقوله سبحانه ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان الآية حكاية عن أولى الألباب قال أبو الدرداء يرحم الله المؤمنين ما زالوا يقولون ربنا ربنا حتى استجيب لهم قال ابن جريج وغيره المنادى محمد صلى الله عليه و سلم وقال محمد بن كعب القرظي المنادى كتاب الله وليس كلهم رأى النبي ص - وسمعه وقولهم ما وعدتنا على رسلك معناه على ألسنة رسلك وقولهم ولا تخزنا يوم القيامة إنك لا تخلف المعياد إشارة إلى قوله تعالى يوم لا يخزي الله النبيء والذين ءامنوا معه فهذا وعده تعالى وهو دال على أن الخزي إنما هو مع الخلود قال ص قال أبو البقاء الميعاد مصدر بمعنى الوعد اه وقوله سبحانه فاستجاب لهم ربهم اني لا أضيع

عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى الآية استجاب بمعنى أجاب روي أن أم سلمة رضي الله عنها قالت يا رسول الله قد ذكر الله تعالى الرجال في الهجرة ولم يذكر النساء في شيء من ذلك فنزلت الآية وهي آية وعد من الله أي هذا فعله سبحانه مع الذين يتصفون بما ذكر قال الفخر روي عن جعفر الصادق أنه قال من حزبه أمر فقال خمس مرات ربنا أنجاه الله مما يخاف وأعطاه ما أراد وقرأ هذه الآية قال لأن الله تعالى حكى عنهم أنهم قالوا ربنا خمس مرات ثم أخبر أنه استجاب لهم انتهى وقوله تعالى بعضكم من بعض يعني في الأجر وتقبل الأعمال أي أن الرجال والنساء في ذلك على حد واحد قال الفخر قوله سبحانه بعضكم من بعض أي شبه بعض أو مثل بعض والمعنى أنه لا تفاوت في الثواب بين الذكر والأنثى إذا استووا في الطاعة وهذا يدل على أن الفضل في باب الدين إنما هو بالأعمال لا بسر صفات العاملين لأن كونهم ذكرا أو أنثى أو من نسب خسيس أو شريف لا تأثير له في هذا الباب انتهى وبين سبحانه حال المهاجرين ثم الآية بعد تنسحب على كل من أوذي في الله وهاجر أيضا إلى الله إلى يوم القيامة وقوله سبحانه وأخرجوا من ديارهم عبارة فيها إلزام الذنب للكفار واللام في قوله لاكفرن لام القسم وثوابا مصدر مؤكد وباقي الآية بين وقوله سبحانه لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاء الآية نزلت لا يغرنك في هذه الآية منزلة لا تظن أن حال الكفار حسنة والخطاب للنبي صلى الله عليه و سلم والمراد أمته والتقلب التصرف في التجارات والأرباح والحروب وسائر الآمال وقوله نزلا معناه تكرمة وقوله تعالى وما عند الله خير للأبرار يحتمل أن يريد خير مما هؤلاء فيه من التقلب والتنعم ويحتمل أن يريد خير مما هم فيه في الدنيا وفي الحديث عنه صلى الله عليه و سلم الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر

قال القاضي ابن الطيب هذا بالإضافة إلى ما يصير إليه كل واحد منهما في الآخرة وقيل المعنى أنها سجن المؤمن لأنها موضع تعبه في الطاعة وقوله تعالى وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل اليكم وما أنزل إليهم خاشعين لله قال جابر بن عبد الله وغيره هذه الآية نزلت بسبب أصحمة النجاشي سلطان الحبشة آمن بالله وبمحمد عليه السلام واصحمة تفسيره بالعربية عطية قاله سفيان وغيره وقال قوم نزلت في عبد الله بن سلام وقال ابن زيد ومجاهد نزلت في جميع من آمن من أهل الكتاب وقوله سبحانه لا يشترون بآيات الله ثمنا قليلا مدح لهم وذم لسائر كفار أهل الكتاب لتبديلهم وإيثارهم مكاسب الدنيا على آخرتهم وعلى آيات الله سبحانه ثم ختم الله سبحانه السورة بهذه الوصاة التي جمعت الظهور في الدنيا على الأعداء والفوز بنعيم الآخرة فحض سبحانه على الصبر على الطاعات وعن الشهوات وأمر بالمصابرة فقيل معناه مصابرة الأعداء قاله زيد بن أسلم وقيل معناه مصابرة وعد الله في النصر قاله محمد بن كعب القرظي أي لا تسأموا وانتظروا الفرج وقد قال صلى الله عليه و سلم انتظار الفرج بالصبر عبادة قال الفخر والمصابرة عبارة عن تحمل المكاره الواقعة بين الإنسان وبين الغير انتهى وقوله ورابطوا معناه عند الجمهور رابطوا أعداءكم الخيل أي ارتبطوها كما يرتبطها أعداؤكم قلت وروى مسلم في صحيحه عن سلمان قال سمعت النبي صلى الله عليه و سلم يقول رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه وإن مات جرى عليه عمله الذي كان يعمله وأجري عليه رزقه وأمن الفتان وخرج الترمذي عن فضالة بن عبيد عن النبي صلى الله عليه و سلم قال كل ميت يختم على عمله إلا الذي مات مرابطا في سبيل الله فإنه ينمو عمله إلى يوم القيامة ويأمن من فتنة القبر قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح وخرجه أبو داود

بمعناه وقال ويؤمن من فتاني القبر وخرجه ابن ماجه بإسناد صحيح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال من مات مرابطا في سبيل الله أجرى الله عليه أجر عمله الصالح الذي كان يعمل وأجرى عليه رزقه وأمن الفتان ويبعثه الله آمنا من الفزع وروي مسلم والبخاري عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما فيها انتهى وجاء في فضل الرباط أحاديث كثيرة يطول ذكرها قال صاحب التذكرة وروى أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه و سلم قال لرباط في سبيل الله من وراء عورة المسلمين محتسبا من غير شهر رمضان أعظم أجرا من عبادة مائة سنة صيامها وقيامها ورباط يوم في رمضان أفضل عند الله وأعظم أجرا أراه قال من عبادة ألفي سنة صيامها وقيامها الحديث ذكره القرطبي مسندا انتهى والرباط هو الملازمة في سبيل الله أصلها من ربط الخيل ثم سمي كل ملازم لثغر من ثغور الإسلام مرابطا فارسا كان أو راجلا واللفظة مأخوذة من الربط قلت قال الشيخ زين الدين العراقي في اختصاره لغريب القرآن لأبي حيان معنى رابطوا دوموا واثبتوا ومتى ذكرت العراقي فمرادى هذا الشيخ انتهى وروى ابن المبارك في رقائقه أن هذه الآية اصبروا وصابروا ورابطوا إنما نزلت في انتظار الصلاة خلف الصلاة قاله أبو سلمة بن عبد الرحمن قال ولم يكن يومئذ عدو يرابط فيه انتهى وقوله سبحانه لعلكم تفلحون ترج في حق البشر والحمد لله حق حمده
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة النساء مدنية
إلا آية واحدة نزلت بمكة عام الفتح وهي ان الله يأمركم أن تؤدوا الآمانات إلى

أهلها الآية وفي البخاري عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت ما نزلت
سورة النساء إلا وأنا عند رسول الله صلى الله عليه و سلم تعنى قد بنى بها قوله تعالى يا أيها الناس اتقوا ربكم الآية في الآية تنبيه على الصانع وعلى افتتاح الوجود وفيها حض على التواصل لحرمة هذا النسب والمراد بالنفس آدم صلى الله عليه و سلم وقال واحدة على تأنيث لفظ النفس وزوجها يعني حواء قال ابن عباس وغيره خلق الله آدم وحشا في الجنة وحده ثم نام فانتزع الله إحدى أضلاعه القصيرى من شماله وقيل من يمينه فخلق منها حواء ويعضد هذا الحديث الصحيح في قوله صلى الله عليه و سلم أن المرأة خلقت من ضلع أعوج الحديث وبث معناه نشر كقوله تعالى كالفراش المبثوث أي المنتشر وفي تكرير الأمر بالتقوى تأكيد لنفوس المأمورين وتساءلون معناه تتعاطفون به فيقول أحدكم أسألك بالله وقوله والأرحام أي واتقوا الأرحام وقرأ حمزة والأرحام بالخفض عطفا على الضمير كقولهم أسألك بالله وبالرحم قاله مجاهد وغيره قال ع وهذه القراءة عند نحاة البصرة لا تجوز لأنه لا يجوز عندهم أن يعطف ظاهر على مضمر مخفوض إلا في ضرورة الشعر كقوله فاذهب فما بك والأيام من عجب لأن الضمير المخفوض ينفصل فهو كحرف من الكلمة ولا يعطف على حرف واستسهل بعض النحاة هذه القراءة انتهى كلام ع قال ص والصحيح جواز العطف على الضمير المجرور من غير إعادة الجار كمذهب الكوفيين ولا ترد القراءة المتواترة بمثل مذهب البصريين قال وقد أمعنا الكلام عليه في قوله تعالى وكفر به والمسجد الحرام انتهى وهو حسن ونحوه للامام الفخر وفى قوله تعالى إن الله كان عليكم رقيبا ضرب من الوعيد قال المحاسبي سألت أبا جعفر محمد بن موسى فقلت أجمل حالات العارفين ما هي فقال ان

الحال التي تجمع لك الحالات المحمودة كلها في حالة واحدة هي المراقبة فالزم نفسك وقلبك دوام العلم بنظر الله إليك في حركتك وسكونك وجميع أحوالك فإنك بعين الله عز و جل في جميع تقلباتك وإنك في قبضته حيث كنت وإن عين الله على قلبك وناظر إلى سرك وعلانيتك فهذه الصفة يا فتى بحر ليس له شط بحر تجري منه السواقي والأنهار وتسير فيه السفن إلى معادن الغنيمة انتهى من كتاب القصد إلى الله سبحانه وقوله سبحانه وءاتوا اليتامى أموالهم الآية قال ابن زيد هذه مخاطبة لمن كانت عادته من العرب أن لا يرث الصغير من الأولاد وقالت طائفة هذه مخاطبة للأوصياء قال ابن العربي وذلك عند الابتلاء والإرشاد انتهى وقوله ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب قال ابن المسيب وغيره هو ما كان يفعله بعضهم من ابدال الشاة السمينة من مال اليتم بالهزيلة من ماله والدرهم الطيب بالزائف وقيل المراد لا تأكلوا اموالهم خبيثا وتدعوا اموالكم طيبا وقيل غير هذا والطيب هنا الحلال والخبيث الحرام وقوله إلى أموالكم التقدير ولا تضيفوا أموالهم إلى أموالكم في الأكل والضمير في أنه عائد على الأكل والحوب الإثم قاله ابن عباس وغيره وتحوب الرجل إذا القى الحوب عن نفسه وكذلك تحنث وتأثم وتحرج فإن هذه الأربعة بخلاف تفعل كله لأن تفعل معناه الدخول في الشيء كتعبد وتكسب وما أشبهه ويلحق بهذه الأربعة تفكهون في قوله تعالى لو نشاء لجعلناه حطاما فظلتم تفكهون أي تطرحون الفكاهة عن أنفسكم وقوله تعالى كبيرا نص على أن أكل مال اليتيم من الكبائر وقوله تعالى وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى الآية قال أبو عبيدة خفتم هاهنا بمعنى أيقنتم قال ع وما قاله غير صحيح ولا يكون الخوف بمعنى اليقين بوجه وإنما هو من أفعال التوقع إلا أنه قد يميل فيه الظن

إلى احدى الجهتين قلت وكذا رد الداودي على أبي عبيدة ولفظه وعن أبي عبيدة فإن خفتم ألا تعدلوا مجازه أيقنتم قال أبو جعفر بل هو على ظاهر الكلمة انتهى وتقسطوا معناه تعدلوا قال أقسط الرجل إذا عدل وقسط إذا جار قالت عائشة رضي الله عنها نزلت هذه الآية في أولياء اليتامى الذين يعجبهم جمال ولياتهم فيريدون أن يبخسوهن في المهر لمكان ولا يتهم عليهن فقيل لهم اقسطوا في مهورهن فمن خاف ألا يقسط فليتزوج ما طاب له من الاجنبيات اللواتي يكايسن في حقوقهن وقاله ربيعة قال الحسن وغيره ما طاب معناه ما حل وقيل ما ظرفية أي ما دمتم تستحسنون النكاح وضعف قلت وفي تضعيفه نظر فتأمله قال الإمام الفخر وفي تفسير ما طاب بما حل نظر وذلك أن قوله تعالى فانكحوا أمر اباحة فلو كان المراد بقوله ما طاب لكم أي ما حل لكم لتنزلت الآية منزلة ما يقال ابحنا لكم نكاح من يكون نكاحها مباحا لكم وذلك يخرج الآية عن الفائدة ويصيرها مجملة لا محالة أما إذا حملنا طاب على استطابة النفس وميل القلب كانت الآية عامة دخلها التخصيص وقد ثبت في أصول الفقه أنه إذا وقع التعارض بين الاجمال والتخصيص كان رفع الاجمال أولى لان العام المخصص حجة في غير محل التخصيص والمجمل لا يكون حجة اصلا انتهى وهو حسن ومثنى وثلاث ورباع موضعها من الاعراب نصب على البدل من ما طاب وهي نكرات لا تنصرف لانها معدولة وصفة وقوله فواحدة اي فانكحوا واحدة او ما ملكت ايمانكم يريد به الاماء والمعنى ان خاف ان لا يعدل فى عشرة واحدة فما ملكت يمينه واسند الملك إلى اليمين اذ هي صفة مدح واليمين مخصوصة بالمحاسن إلا ترى إنها المنفقة كما قال عليه السلام حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه وهي المعاهدة المبايعة قال ابن العربي قال علماؤنا وفي الآية دليل على أن ملك

اليمين لا حق له في الوطء والقسم لان المعنى فإن خفتم ألا تعدلوا في القسم فواحدة أو ما ملكت أيمانكم فجعل سبحانه ملك اليمين كله بمنزلة الواحدة فانتفى بذلك أن يكون للامة حق في وطء أو قسم انتهى من الاحكام وقوله ذلك ادنى ألا تعولوا ادنى معناه اقرب ألا تعولوا أي ألا تميلوا قاله ابن عباس وغيره وقالت فرقة معناه ادنى ألا يكثر عيالكم وقدح في هذا الزجاج وغيره وقوله تعالى وأتوا النساء صدقاتهن نحلة الآية قال ابن عباس وغيره الآية خطاب للازواج وقال أبو صالح هي خطاب لاولياء النساء لان عادة بعض العرب كانت أن يأكل ولي المرأة مهرها فرفع الله ذلك بالاسلام وقيل ان الآية في المتشاغرين الذين يتزوجون امرأة بأخرى فأمروا أن يضربوا المهور قال ع والآية تتناول هذه التأويلات الثلاث ونحلة أي عطية منكم لهن وقيل نحلة معناه شرعة مأخوذ من النحل وقيل التقدير نحلة من الله لهن قال ابن العربي وذلك أن النحلة في اللغة العطية عن غير عوض انتهى وقوله فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا الآية الخطاب حسبما تقدم من الاختلاف والمعنى إن وهبن غير مكرهات طيبة نفوسهن والضمير في منه يعود على الصداق قاله عكرمة وغيره ومن تتضمن الجنس ها هنا ولذلك يجوز أن تهب المهر كله وقوله تعالى هنيئا مريئا قال اللغويون الطعام الهنيء هو السائغ المستحسن الحميد المغبة وكذلك المريء وقوله سبحانه ولا تؤتوا السفهاء أموالكم قال أبو موسى الاشعري وغيره نزلت في كل من اقتضى الصفة التي شرط الله من السفه كان من كان وقوله أموالكم يريد اموال المخاطبين قاله أبو موسى الاشعري وابن عباس والحسن وغيرهم وقال ابن جبير يريد اموال السفهاء واضافها إلى المخاطبين إذ هي كاموالهم وقيما جمع قيمة وقوله تعالى وارزقوهم فيها الآية قيل معناه فيمن

تلزم الرجل نفقته وقيل في المحجورين من اموالهم ومعروفا قيل معناه ادعوا لهم وقيل معناه عدوهم وعدا حسنا أي أن رشدتم دفعنا لكم اموالكم ومعنى اللفظة كل كلام تعرفه النفوس وتأنس إليه ويقتضيه الشرع وقوله وابتلوا اليتامى الآية الابتلاء الاختبار وبلغوا النكاح معناه بلغوا مبلغ الرجال بحلم أو حيض أو غير ذلك ومعناه جربوا عقولهم وقرائحهم وتصرفهم وآنستم معناه علمتم وشعرتم وخبرتم ومالك رحمه الله يرى الشرطين البلوغ والرشد المختبر وحينئذ يدفع المال قال ع والبلوغ لم تسقه الآية سياق الشرط ولكنها حالة الغالب على بني آدم أن تلتئم عقولهم فيها فهو الوقت الذي لا يعتبر شرط الرشد إلا فيه فقال إذا بلغ ذلك الوقت فلينظر إلى الشرط وهو الرشد حينئذ وفصاحة الكلام تدل على ذلك لأن التوقيت بالبلوغ جاء بإذا والمشروط جاء بأن التي هي قاعدة حروف الشرط وإذا ليست بحرف شرط إلا في ضرورة الشعر قال ابن عباس الرشد في العقل وتدبير المال لا غير وهو قول ابن القاسم في مذهبنا وقال الحسن وقتادة الرشد في العقل والدين وهو رواية أيضا عن مالك وقوله تعالى ولا تأكلوها إسرافا وبدارا ان يكبروا نهي منه سبحانه للاوصياء عن اكل اموال اليتامى بغير الواجب المباح لهم والاسراف الافراط في الفعل والسرف الخطأ في مواضع الانفاق وبدارا معناه مبادرة كبرهم أي ان الوصي يستغنم مال محجوره وأن يكبروا نصب ببدار ويجوز أن يكون التقدير مخافة أن يكبروا وقوله تعالى ومن كان غنيا فليستعفف يقال عف الرجل عن الشيء واستعف إذ امسك فامر الغني بالامساك عن مال اليتيم وأباح الله للوصي الفقير أن يأكل من مال يتيمه بالمعروف واختلف العلماء في حد المعروف فقال ابن عباس وغيره إنما يأكل الوصي بالمعروف إذا شرب من اللبن وأكل من التمر بما يهنا الجرباء ويلط الحوض ويجد التمر وما اشبهه

قلت يقال للقطر أن الهناء في لغة العرب كذا رأيته منصوصا عليه وقوله تعالى فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم امر من الله تعالى بالتحرز والحزم وهذا هو الاصل في الاشهاد في المدفوعات كلها إذا كان حبسها أولا معروفا قال ع والاظهر أن حسيبا هنا معناه حاسبا أعمالكم ومجازيا بها ففي هذا وعيد لكل جاحد حق وقوله سبحانه للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون الآية قال قتادة وغيره سبب نزول هذه الآية أن العرب كان منها من لا يورث النساء ويقولون لا يرث إلا من طاعن بالرمح وقاتل بالسيف وقوله تعالى وإذا حضر القسمة أولوا القربى الآية اختلف فيمن خوطب بهذه الآية فقيل الخطاب للوارثين وقيل للمحتضرين والمعنى إذا حضركم الموت أيها المؤمنون وقسمتم أموالكم بالوصية وحضركم من لا يرث من ذوى القرابة واليتامى فارزقوهم منه قاله ابن عباس وغيره واختلف هل هي منسوخة بآية المواريث أو هي محكمة وعلى انها محكمة فهل الأمر على الوجوب فيعطى لهم ما خف أو على الندب خلاف والضمير في قوله فارزقوهم وفي قوله لهم عائد على الاصناف الثلاثة والقول المعروف كل ما يتأنس به من دعاء أو عدة أو غير ذلك وقوله تعالى وليخش الذين لو تركوا من خلفهم الآية اختلف من المراد في هذه الآية فقال ابن عباس وغيره المراد من حضر ميتا حين يوصى فيقول له قدم لنفسك وأعط لفلان وفلان ويوذى الورثة بذلك فكأن الآية تقول لهم كما كنتم تخشون على ورثتكم وذريتكم بعدكم فكذلك فاخشوا على ورثة غيركم ولا تحملوه على تبذير ماله وتركهم عالة وقال مقسم وحضرمي نزلت في عكس ذلك وهو أن يقول للمحتضر امسك على ورثتك وأبق لولدك وينهاه عن الوصية فيضر بذلك ذوى القربى واليتامى والمساكين وكل من يستحق أن يوصى له فقيل لهم كما كنتم تخشون على

ذريتكم وتسرون بأن يحسن إليهم فكذلك فسددوا القول في جهة اليتامى والمساكين قال ع والقولان لا يطردان في كل الناس بل الناس صنفان يصلح لأحدهما القول الواحد وللآخر القول الثاني وذلك أن الرجل إذا ترك ورثة اغنياء حسن ان يندب الى الوصية ويحمل على ان يقدم لنفسه واذا ترك ورثة ضعفاء مقلين حسن أن يندب إلى الترك لهم والاحتياط فإن اجره في قصد ذلك كأجره في المساكين فالمراعي إنما هو الضعف فيجب أن يمال معه وقال ابن عباس أيضا المراد بالآية ولاة الأيتام فالمعنى أحسنوا إليهم وسددوا القول لهم واتقوا الله في أكل أموالهم كما تخافون على ذريتكم أن يفعل بهم خلاف ذلك وقالت فرقة بل المراد جميع الناس فالمعنى أمرهم بالتقوى في الأيتام وأولاد الناس والتسديد لهم في القول وإن لم يكونوا في حجورهم كما يريد كل أحد أن يفعل بولده بعده والسديد معناه المصيب للحق وقوله تعالى إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما الآية أكثر الناس أن الآية نزلت في الأوصياء الذين يأكلون ما لم يبح لهم من أموال اليتامى وهي تتناول كل أكل وإن لم يكن وصيا وورد في هذا الوعيد أحاديث منها حديث أبي سعيد الخدري قال حدثنا النبي صلى الله عليه و سلم عن ليلة أسري به قال رأيت قوما لهم مشافر كمشافر الإبل وقد وكل بهم من يأخذ بمشافرهم ثم يجعل في أفواههم صخرا من نار تخرج من أسافلهم قلت يا جبريل من هؤلاء قال هم الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما قلت تأمل رحمك الله صدر هذه السورة معظمة إنما هو في شأن الأجوفين بالبطن والفرج مع اللسان وهما المهلكان وأعظم الجوارح آفة وجناية علىالإنسان وقد روينا عن مالك في الموطإ عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال من وقاه الله شر اثنتين ولج الجنة ما بين لحييه وما بين رجليه

قال أبو عمر بن عبد البر في التمهيد ومعلوم أنه أراد صلى الله عليه و سلم ما بين لحييه اللسان وما بين رجليه الفرج والله أعلم ولهذا أردف مالك حديثه هذا بحديثه عن زيد بن أسلم عن أبيه أن عمر بن الخطاب دخل على أبي بكر رضي الله تعالى عنه وهو يجبذ لسانه فقال له عمر مه غفر الله لك فقال أبو بكر إن هذا أوردني الموارد قال أبو عمر وفي اللسان آثار كثيرة ثم قال أبو عمر وعن أبي هريرة أن أكثر ما يدخل الناس النار الأجوفان البطن والفرج ثم أسند أبو عمر عن سهل بن سعد عن النبي صلى الله عليه و سلم قال من يتكفل لي بما بين لحييه وما بين رجليه وأضمن له الجنة ومن طريق جابر نحوه انتهى والصلى هو التسخن بقرب النار أو بمباشرتها والمجترق الذي يذهبه الحرق ليس بصال إلا في بدء أمره وأهل جهنم لا تذهبهم النار فهم فيها صالون أعاذنا الله منها بجوده وكرمه والسعير الجمر المشتعل وهذه آية من آيات الوعيد والذي يعتقده أهل السنة أن ذلك نافذ على بعض العصاة ليلا يقع الخبر بخلاف مخبره ساقط بالمشيئة عن بعضهم وقوله تعالى يوصيكم الله في أولادكم الآية تتضمن الفرض والوجوب قيل نزلت بسبب بنات سعد بن الربيع وقيل بسبب جابر بن عبد الله وقوله للذكر مثل حظ الأثنيين أي حظ مثل حظ الأنثيين وقوله فوق اثنتين معناه اثنتين فما فوقهما تقتضي ذلك قوة الكلام وأما الوقوف مع اللفظ فيسقط معه النص علىالإثنين ويثبت الثلثان لهما بالإجماع ولم يحفظ فيه خلاف إلا ما روي عن ابن عباس أنه يرى لهما النصف ويثبت لهما أيضا ذلك بالقياس على الأختين وبحديث الترمذي أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قضى للابنتين بالثلثين وقوله سبحانه فإن لم يكن له ولد المعنى ولا ولد ولد ذكرا كان أو أنثى

فلأمه الثلث أي وللأب الثلثان وقوله تعالى فإن كان له إخوة فلأمه السدس أي كانوا أشقاء أو للأب أو للأم والإجماع على أنهم لا يأخذون السدس الذي يحجبون الأم عنه وكذا اجمعوا على أن أخوين فصاعدا يحجبون الأم عنه إلا ما روي عن ابن عباس من أن الأخوين في حكم الواحد وقدم الوصية في اللفظ اهتماما بها وندبا إليها إذ هي أقل لزوما من الدين وأيضا قدمها لأن الشرع قد حض عليها فلا بد منها والدين قد يكون وقد لا يكون وأيضا قدمها إذ هي حظ مساكين وضعاف وأخر الدين لأنه حق غريم يطلبه بقوة وله فيه مقال وأجمع العلماء عى أن الدين مقدم على الوصية والإجماع على أنه لا يوصى بأكثر من الثلث واستحب كثير منهم أن لا يبلغ الثلث وقوله تعالى ءاباؤكم وأبناؤكم رفع بالابتداء والخبر مضمر تقديره هم المقسوم عليهم أو هم المعطون وهذا عرض للحكمة في ذلك وتأنيس للعرب الذين كانوا يورثون على غير هذه الصفة قال ابن زيد قوله لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا يعني في الدنيا والآخرة قال الفخر وفي الآية إشارة إلى الانقياد إلى الشرع وترك ما يميل إليه الطبع انتهى وقوله تعالى ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد الآية الولد هنا في هذه الآية وفي التي بعدها هم بنو الصلب وبنو ذكورهم وإن سلفوا والكلالة خلو الميت عن الوالد والولد هذا هو الصحيح وقوله تعالى وله أخ أو أخت الآية الإجماع على أن الأخوة في هذه الآية الأخوة للأم وأما حكم سائر الأخوة سواهم فهو المذكور في آخر السورة وقرأ سعد بن أبي وقاص وله أخ أو أخت لأمه والأنثى والذكر في هذه النازلة سواء بإجماع وقوله سبحانه غير مضار قال ابن عباس الضرار في الوصية من الكبائر ورواه عن النبي صلى الله عليه و سلم وروى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال من ضار في وصيته ألقاه الله تعالى في واد في==

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ج22.تذكرة الحفاظ/شيوخ صاحب التذكرة الجزء الاخير

شيوخ صاحب تذكرة الحفاظ ج22. 1- ولقد انتفعت وتخرجت بشيخنا الإمام العالم المحدث الحافظ الشهيد أبي الحسين علي ابن الشيخ الفقيه ببعلبك ولز...